مجلة حكمة
تاريخ العقليات

تاريخ العقليات: تاريخ مبهم – جاك لوغوف / ترجمة: محمد حميدة


“العقلية، كلمة تروقني. ثمة كلمات جديدة نُصدِرُها”

  • مارسيل بروست


يشهد حقل التاريخ، في الوقت الراهن، مقولة جديدة ومبتذلة في آن واحد. إنها العقلية. فنحن نتكلم كثيرا عن تاريخ العقليات، غير أننا لم نقدم سوى بعض النماذج المقنعة. فبينما ما يزال الأمر يتعلق بجبهة ريادية، بفضاء بكر، نتساءل عما إذا كانت العبارة تغطي واقعا علميا أو تحوي تجانسا مفاهيميا أو تملك فاعلية إبستيمولوجية. لكن، وهي في بداياتها، تبدو وكأنها تشيخ تحت تأثير الموضة. فهل نساعدها على البقاء أم على الاختفاء؟

  • I – التاريخ – البؤرة:

تكمن الجاذبية الأولى لـ تاريخ العقليات، بالتحديد، في عدم دقته، في منحاه نحو بقايا التحليل التاريخي.

ابتداء من 1095، تحرك الأفراد والجماعات في العالم المسيحي الغربي وشاركوا في المغامرة العظمى للحروب الصليبية. فالنمو الديموغرافي وبداية الاكتظاظ السكاني والأطماع التجارية للمدن الإيطالية وسياسة البابوية المضادة للبدع والرامية إلى إعادة وحدة المسيحية المتفككة، كلها عوامل تعجز عن تفسير كل شيء، وربما حتى ما هو أساسي. يحب مراعاة جاذبية القدس الدنيوية وثنائيتها السماوية واندفاع صور العقلية الجماعية المتراكمة حولها. فهل بإمكاننا فهم الحروب الصليبية دون التنبه للعقلية الدينية؟

وما ذا تعني أيضا الفيودالية؟ مؤسسات، نمط إنتاج، نظام اجتماعي، أسلوب في التنظيم العسكري؟ أجاب جورج دوبي عن ذلك ببعد نظر. فقد ألح على “تمديد التاريخ الاقتصادي عبر تاريخ العقليات”، واعتبار “الرؤية الفيودالية للخدمة”. الفيودالية؟ أليست “عقلية وسيطية”؟

ومنذ القرن 16، نما مجتمع جديد في الغرب: المجتمع الرأسمالي. فهل هو ثمرة نمط إنتاج جديد، إفراز للاقتصاد النقدي، بناء بورجوازي؟ دون شك. لكنه أيضا نتاج مواقف جديدة إزاء العمل والنقد، نتاج عقلية ترتبط منذ أبحاث ماكس فيبر بالأخلاقية البروتستانيتية.

تشمل العقلية إذا فضاء ما وراء التاريخ وتسعى إلى إرضاء فضول المؤرخين الراغبين في الذهاب بعيدا وأيضا في معانقة العلوم الإنسانية الأخرى.

لقد أقر مارك بلوك، وهو يحاول تطويق “العقلية الدينية” الوسيطية، “تعددية المعتقدات والممارسات… الموروثة عن سحر الأزمنة الغابرة، أو التي ظهرت في فترة متأخرة نسبيا ضمن حضارة مشبعة هي الأخرى بخصوبة أسطورية كبيرة”.

هكذا يقترب مؤرخ العقليات من الاثنولوجيا، ذلك العلم الذي يلاحق المستوى الأكثر استقرارا والأشد ثباتا للمجتمعات. “يتخلف الاجتماعي عن الاقتصادي والذهني عن الاجتماعي”، حسب عبارة إرنست لابروس. ومن جهته، طبق كيث طوماس، بكل تفتح، في دراسته للعقلية الدينية لرجال العصر الوسيط والنهضة، المنهج الاثنولوجي، متأثرا بالخصوص بإيفانس بريتشارد. فمن دراسة الطقوس والممارسات الاحتفالية يصعد الاثنولوجي نحو المعتقدات وأنساق القيم. هكذا اكتشف مؤرخو العصر الوسيط، بعد مارك بلوك وبيرسي شرام وإرنست كانطوروفيتش وبيرنارغيني، روحانية ملكية وعقلية سياسية من خلال التتويجات والشفاءات الخارقة وشعارات السلطة والمداخل الملكية، وجددوا بالتالي التاريخ السياسي للعصر الوسيط. فإذا كان اهتمام  أخصائيي القداسة قد انصب في الماضي على القديس، فإن المحدثين ينشغلون بالقداسة وما يبررها في أذهان المؤمنين، بسيكولوجية السذج، بعقلية مؤلف القداسة. على هذا النحو أثرت الاثنولوجليا الدينية في التاريخ الديني وجعلته يغير نظرته جذريا.

إلى جانب الاحتكاك بالاثنولوجيا، يجب على المؤرخ الانفتاح على السوسيولوجيا، علم الجماعي. فعقلية شخصية تارخية ما، على عظمتها، ليست سوى تعبير عما تشتركه مع معاصريها. لننظر إلى شارل الخامس ملك فرنسا. لقد مجده جل المؤرخين لحسه الاقتصادي والإداري والسياسي. إنه الملك الحكيم الذي قرأ فلسفة أرسطو وبرع في الحساب وأعاد بناء مالية الدولة وشن على الإنجليز حرب استنزاف مكنته من اقتصاد الأموال. لكن ماذا عن إلغائه لضريبة المنازل سنة 1380 وهو يشرف على الموت. إشارة محيرة. فمن المؤرخين من رأى فيها فكرا سياسيا صعب التحديد، ومنهم من فسرها بلحظة تيهان الروح. لكن لماذا لا نرجع، وببساطة، ما اعتقده الناس زمنئذ: ملك خاف الموت وخشي آخرة مشحونة بكراهية رعاياه؟ ملك ترك، في آخر لحظة، عقليته تتفوق على سياسته. فهل هو فوز الاعتقاد الجماعي على الإيديولوجية السياسية الشخصية؟

ومن جهة أخرى، يلتقي مؤرخ العقليات، على نحو خاص، بعالم النفس الاجتماعي. فكلاهما يتعاملات بصورة أساسية مع مفهوم السلوك أو الموقف. فكلما ألح علماء النفس الاجتماعي، وفي طليعتهم كلوكون، على دور الرقابة الثقافية في السلوكات البيولوجية، كلما اتجهت السيكولوجيا الاجتماعية نحو الاثنولوجيا، ومن ثم نحو التاريخ. تظهر هذه الجاذبية المتبادلة بين تاريخ العقليات وعلم النفس الاجتماعي عبر مجالين: الأول، نمو مجموعة من الدراسات التاريخية حول الإجرام والمهمشين والمنحرفين، والثاني، تصاعد موازي لاستطلاعات الرأي والتحاليل التاريخية للسلوكات الانتخابية.

في هذا السياق تتكشف بعض فوائد تاريخ العقليات: دفع السيكولوجيا التاريخية نحو تيار آخر كبير في البحث التاريخي المعاصر، ألا وهو التاريخ الكمي. فبإمكان تاريخ العقليات، على الرغم من اهتمامه ظاهريا بالمتحرك والفروق الدقيقة، استعمال المناهج الكمية التي يشتغل بها علماء النفس الاجتماعي، وذلك مع بعض التكييفات. فمنهج المستويات السلوكية، على النحو الذي يؤكد عليه أبراهام مول، يمكن من الانطلاق من “ركام الوقائع والآراء والتعبيرات الشفهية التي تظهر في تنافر كلي أول الأمر”، والكشف في نهاية التحليل عن “مقياس” هائل يلائم مجموع الوقائع المدروسة. هكذا تبرز إمكانية تحديد هذه الكلمة المبهمة، أي “العقلية”، على غرار المقولة الشهيرة لبينيت: “الذكاء ما قاسه اختياري”.

أيضا وبفضل الاحتكاك بالاثنولوجيا يستطيع تاريخ العقليات اللجوء إلى ترسانة أخرى كبيرة في العلوم الإنسانية الحالية. إنها المناهج البنيوية. العقلية، أليست بنية في حد ذاتها؟

لكن لا تكمن جاذبية تاريخ العقليات فقط في سهولة العلائق مع العلوم الإنسانية المجاورة، بل أساسا في الاغتراب الذي يلقي به إلى مستوى التاريخ الاقتصادي والاجتماعي، وبالتحديد في الوجه العامي للماركسية.

حقا أن التحرر من التاريخ التقليدي المرتبط بالعناية الإلهية أو الشخصيات الجسام، ومن التصورات الهجينة للتاريخ الوضعي القائم على الحدث أو الصدفة، مكن التاريخ الاقتصادي والاجتماعي المتأثر بالماركسية من تقديم أسس متينة للتفسير التاريخي. لكن سرعان ما تبين عجزه عن تحقيق البرنامج الذي رسمه  ميشلي للتاريخ سنة 1869: “لا يزال التاريخ ضعيفا في منهاجيه: فهو أقل مادية (…) وأقل روحانية؛ يتكلم عن القوانين والأفعال السياسية، لا عن الأفكار والأخلاق(…)”. فحتى المؤرخون الماركسيون أنفسهم الذين كشفوا عن آليات أنماط الإنتاج وصراع الطبقات، لم ينجحوا في المرور، وبصفة مقنعة، من البنيات التحتية إلى البنيات الفوقية. إن التركيز على الاقتصاد لا يظهر سوى صدى باهت لتصورات مجردة، ويخفي بالتالي الوجوه وحيويتها. فالإنسان لم يعش بالخبز فقط. بل إن الخبز نفسه لم يشغل المؤرخين بقدر ما شغلتهم رقصات الأموات. يجب إذا إيجاد ميزان من طراز آخر لهذه الآليات العارية. هذا الطراز تمنحه العقليات.

غير أن تاريخ العقليات لا يتحدد فقط بالاحتكاك مع العلوم الإنسانية الأخرى وبزوغ حقل تاريخي جديد. فهو يشكل أيضا بؤرة لمستلزمات متعارضة مجبرة على الحوار بفعل الدينامية الخاصة بالبحث التاريخي الراهن. إنه يتموضع عند نقطة التقاء الفردي والجماعي، الزمن الطويل واليومي، اللاوعي والإرادي، البنيوي والظرفي، المهمش والعام.

يعالج تاريخ العقليات مستوى أساسيا: اليومي والآلي. أي ما ينفلت من الأفراد ويكشف عن المضمون اللاشخصي لتفكيرهم. إنه المستوى الذي يلتقي فيه القيصر وجنديه، سان لوي وفلاحه، كريستوف كولومب وملاحه. إن ما يجمع تاريخ العقليات وتاريخ الأفكار هو نفسه الذي يربط بين تاريخ الثقافة المادية والتاريخ الاقتصادي. لقد تغذى رد فعل رجال القرن 14 حول وباء الطاعون، الذي نظر إليه كغضب إلهي، بالدرس القديم واللاشعوري للمفكرين المسيحيين من سان أغستان إلى سان طوماس الإكويني. إنه يفسر بمعادلة المرض: الإثم، التي وضعها كهنة العصر الوسيط الأعلى. لكنها معادلة تغفل كل التمفصلات المنطقية وكل الحجج العقلية لتحافظ فقط على الوعاء الفظ للفكرة. هكذا تنبثق الأشياء اليومية كالأواني والملابس من القوالب المذهلة التي تخلقها الحركات السطحية للاقتصاد والموضة والذوق. هنا بالتحديد نفهم نمط مرحلة ما بأعماقها اليومية. فحينما نعت ويزينغا جون دوساليزبوري بـ “الروح ما قبل القوطية”، واعترف له بالتفوق في التوقعات التاريخية عبر السابقة، عبر تعبير يثير فيه الروح معنى العقلية، فإنه جعل منه شاهدا جماعيا لعصره، على نفس النحو الذي تعامل به لوسيان فيفر مع رابلي حينما انتزعه من مغالطة أخصائي الأفكار وأعاده إلى التاريخانية الملموسة لمؤرخي العقليات.

إن الخطابات، على إيقاعاتها، سواء اليقينية أو الانفعالية أو التفخيمية، ليست في الغالب سوى لمامة من الأفكار الجاهزة، من المواقع المشتركة، من المبتذلات الثقافية التي تشكل متنفسا ملفقا من حطام ثقافات وعقليات ذات أصول وأزمنة متعددة.

هذا ما يفسر المنهج الذي يفرضه تاريخ العقليات على المؤرخ: بحث حفريائي في بادئ الأمر حول مقاطع الأركيو سيكولوجيا – بالمعنى الذي يتكلم عنه أندري فارانياك بخصوص الأركيو حضارة- لكن، مع ذلك، تظل هذه الحطامات مجتمعة في ترابطات ذهنية، إن لم نقل منطقية. ثم الكشف في مرحلة ثانية عن الأنساق السيكولوجية القريبة من التلفيق الثقافي الذي يقترن بالفكر الهمجي حسب كلود ليفي ستروس.

في الكتاب الرابع من محاورات كركوار الأكبر، المؤلف بين سنتي 590 و600، يحكي البابا قصة راهب في أحد أديرة روما، كان قد اعترف لأخيه، وهو على فراش الموت، أنه أخفى ثلاث قطع نقدية من الذهب، الشيء الذي يتنافى مع الأحكام الداعية إلى التملك الجماعي. فكان رد فعل كريكوار، وهو قس للدير زمنئذ، أن تركه يلفظ أنفاسه في عزلة تامة بعيدا عن كل مواساة، لكي يتطهر من ذنبه ويكون موته في الغم عبرة للرهبان الآخرين. لماذا يصدر هذا السلوك من قس مثقف؟ لماذا لم يعمل على تزكية روحه عبر الاعتراف والتوبة؟ فقد هيمنت على كريكوار فكرة العقاب عبر رموز خارجية: موت ودفن مخزيان (رمي الجثة في الزبل). لقد تراجعت القاعدة أمام التقليد الوحشي للعقاب الجسدي الموروث عن القوط أو الباعث من أعماق النفس العتيقة. إنه فوز العقلية على المذهب.

فالأشياء التي تظهر مجردة من الأصل، مرتجلة، لا إرادية، وأيضا الحركات الآلية والكلمات العفوية، تأتي كلها من بعيد وتشهد على الصدى الطويل لأنساق التفكير.

يفرض تاريخ العقليات على المؤرخ الاهتمام عن قرب ببعض الظواهر الأساسية لمجاله: المواريث التي تمكننا من فهم الاستمرارية والخسائر والقطائع؛ التقليد، أي الأساليب التي يعاد بها، ذهنيا، إنتاج المجتمعات والتفاوتات الناتجة عن تأخر الأذهان عن التكيف مع المتغيرات والسرعة اللامتساوية لتطور مختلف قطاعات التاريخ. إنه حقل فكري مميز لنقد التصورات الخطية للتاريخ. إنه قصور ذاتي، تلك القوة التاريخية المركزية التي تنتج عن الأذهان أكثر مما تنتج عن المادة، لأن هذه الأخيرة غالبا ما تكون أشد فورية من الأولى. فالناس يستخدمون الآلات التي يصنعونها، لكن يحافظون على عقليات ما قبل هذه الآلات. فلأصحاب السيارات قاموس الفرسان، ولعمال مصانع القرن 19، عقلية أجدادهم الفلاحين. العقلية هي ما يتغير ببطء شديد. تاريخ العقليات هو إذا تاريخ البطئ في التاريخ.

  • II – نحو أصل تاريخ العقليات:

من أين ينحدر تاريخ العقليات؟ من صفة “mental” التي ترتبط بالروح “esprit”، وكلمة “mens” اللاتينية. لكن النعت اللاتيني “mentalis”، الذي تجهله اللاتينية الكلاسيكية، ينتمي إلى قاموس السكولاستيكية الوسيطية. وتشير القرون الخمسة التي تفصل بين كلمتي “mental” (أواسط ق 14) و”mentalité” (أواسط القرن 19) إلى استجابة الاسم لحاجيات أخرى وظرفية مغايرة.

وفي اللغة الفرنسية لا تنحدر “mentalité” بصورة طبيعية من “mental”، لأن أصل الكلمة إنجليزي. فقد استخرج الإنجليز منذ القرن 17، “mentality” من “mental”. إنها وليدة الفلسفة الإنجليزية لهذا القرن. لقد أشارت الكلمة إلى التلون الجماعي للحياة النفسانية، إلى الأسلوب المميز للتفكير والإحساس “لشعب ما، لجماعة ما من الناس، الخ”. لكن في الوقت الذي ظل فيه المصطلح الإنجليزي منحصرا داخل اللغة التقنية للفلسفة، وظفه اللسان الفرنسي على نطاق واسع. ويبدو أن المقولة التي أدت إلى مفهوم وكلمة عقلية قد ظهرت في القرن 18 في الميدان العلمي وبخاصة ضمن رؤية جديدة للتاريخ.  لقد ألهمت فولتير في كتابه “دراسة في أخلاق وروح الأمم” (1754) الذي يشعرنا ببداية امتداد كلمة “mind” الإنجليزية. فحينما ظهرت الكلمة سنة 1842، حسب معجم روبير، كان معناها يقترب من “mentality ” أي من منزلة ما هو “mental”. لكن ليتري جسدها سنة 1877 بفقرة مأخوذة من الفلسفة الوضعية لستوبوي حيث يتسع مدلول الكلمة لكن يظل دائما، من “الناحية العلمية”، ذا “صورة نفسية”، ما دام الأمر يتعلق، من باب الصدفة أو الإسناد غير العرضي لعصر الأنوار، ب “تغير العقليات المدشن من طرف الموسوعيين”. ثم حوالي 1900 أخذت الكلمة معناها المتداول. لقد مثلت البديل الشعبي للمصطلح الألماني weltanschauung الرؤية العامية للعالم، عالم ذهني مقولب وسديمي في آن واحد.

إنها بالتحديد رؤية تحريفية للعالم: التخلي عن الغرائز النفسية السيئة. فالكلمة تتضمن نوعا من التحقير. يشير اللسان إلى ذلك عبر ملازمة نعت قدحي صريح أو عبر قلب المعنى: “عقلية خشنة” أو عقلية رفيعة” أو عن طريق استعمال صيغة المطلق: “يا لها من عقلية!”. احتفظت الإنجليزية أيضا بهذا المعنى بخصوص الصفة: “mental “، بإشارتها إلى المتخلف أو المعتوه.

تغذى هذا التلون اللساني بتيارين علميين. الأول: الاثنولوجيا. فقد أشارت “mentalité” في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، إلى نفسانية “البدائيين”، التي ظهرت للمهتمين كظاهرة جماعية، لكن ظلت في نفس الوقت لصيقة بأفراد تتكون حياتهم النفسية من ارتكاسات وآليات، تختزلها عقلية جماعية تقصي الشخصية عمليا. لقد ألف لوسيان ليفي برول بهذا الشأن كتاب حول “العقلية البدائية” سنة 1922.

الثاني: سيكولوجية الطفل. هنا أيضا يبقى الهدف من تصغير شخصية الطفل هو جعله قاصرا من الناحية العقلية. وإذا كانت كلمة عقلية تنعدم في المعاجم التقنية الفرنسية الخاصة بالفلسفة وعلم النفس والتحليل النفساني، فإننا نجد تعريفا لعقلية الطفل في قاموس “علم النفس التربوي والطب النفسي للطفل” (1970). لقد ربط هنري فالون منذ 1928، في مقال له بالمجلة الفلسفية بين العقلية البدائية وعقلية الطفل، وهو الربط الذي أدانه كلود ليفي ستروس في “البنيات الأولية للقرابة”.

يستدعي التعمق أكثر في تحليل تاريخ العقليات إبراز فرضيتين مسبقتين. تتمثل الأولى في كون كلمة “عقلية” لم تلعب عمليا أي دور في علم النفس ولم تشغل أي حيز في القاموس التقني السيكولوجي. لقد أبانت دراسة فيليب بينار حول تردد مصطلح “عقلية” في فهارس علم النفس، عن مدى الإهمال الذي لحق به. كيف يمكن إذا للتاريخ السيكولوجي، أو بالأحرى تاريخ السيكولوجيات الجماعية، أن يستثمر المصطلح، ومن ورائه مقولة استبعدتها السيكولوجيا؟

تاريخ العلوم مليء بنماذج انتقالات المقولات والمفاهيم. فكم من كلمة، من مقولة، تظهر في حقل ما، لكن سرعان ما تذبل لتنتقل إلى مجال حيث تنمو وتزدهر. يبدو أن كلمة “عقلية” قد عرفت في التاريخ النجاح الذي لم تلقه في علم النفس. فالاستعمال الجيد للكلمة لم يحصل في علم النفس إلا في وقت متأخر بواسطة مصطلح “Gestah” الوارد عبر اللسانيات والبنيوية. ومهما يكن، يبقى التاريخ هو المنقذ العلمي للكلمة. كما أن استعمالها في الفرنسية هو الذي أعاد إدخالها إلى الإنجليزية ونقلها إلى الألمانية والإسبانية والإيطالية. هكذا أمنت المدرسة التاريخية الفرنسية الجديدة -وهو أمر استثنائي- نجاح الكلمة والتعبير والنوع، وذلك بفضل المنظرين الرئيسيين لتاريخ العقليات: لوسيان فيفر، 1938، جورج دوبي، 1961، روبير موندرو، 1968.

وتتجلى الفرضية الثانية في الثقل الذي قد يمارسه التيار القدحي للكلمة على تاريخ العقليات. حقا لقد أكد ليفي برول، مثلا، على انعدام الفرق الطبيعي بين عقلية البدائيين وعقلية أعضاء المجتمعات المتطورة. لكنه خلق جوا مكفهرا منذ البداية حينما كتب سنة 1911 “الوظائف العقلية للمجتمعات السفلى”. حقا أيضا أن مؤرخ العقليات لاحق الكلمة في المياه العكرة للتهميش والشذوذ والمرضية الاجتماعية وحرص على عدم إغلاقها في جحيم الذاكرة الجماعية. لكأن العقلية انكشفت بالأحرى في فضاء اللامعقول والخارق. هذا ما يفسر تكاثر الدراسات، الجيدة أحيانا، حول الشعوذة والهرطقة والألفية. هذا ما يفسر أيضا تنبه مؤرخ العقليات للإحساسات الجماعية أو الجماعات الاجتماعية المندمجة، واختياره عن طيب خاطر لمواضيع محددة مثل المواقف اتجاه الكرامات أو الموت، أو أصناف مبتدئة كالتجار في المجتمع الفيودالي. وفي رؤية مجاورة، نجد رالف تورنير، وهو أيضا إخصائي في علمي النفس والاجتماع، يختار في بحثه حول تصرف الجمهور، سنة 1964، “السلوك الجماعي”، ملاحظة الكارثة المولدة للرعب ويستعمل المعطيات المجمعة من طرف “مجموعة البحث حول الكوارث”.

  • III – كتابة تاريخ العقليات ومآزقها

يبحث المؤرخ، أولا وقبل كل شيء، بصفته رجل مهنة، عن أدوات عمل. فأين تتجلى تلك المرتبطة بـ تاريخ العقليات؟ تتمثل صناعة تاريخ العقليات بالأساس في القيام ببعض القراءة لأي نص كان. فكل شيء يعد مصدرا بالنسبة لمؤرخ العقليات. لنأخذ مثلا وثيقة ذات طبيعة إدارية وضريبية كسجل المداخيل الملكية للقرن 13 و14. أي أبواب تعكس، أي تصور للسلطة تحمل، أي موقف إزاء العدد تظهره أساليب الإحصاء؟ لنأخذ أيضا متاع قبر من القرن 7: أدوات (إبرة، خاتم، إبزيم الحمالة)، قطع نقدية فضية، منها ما هو موضوع على فم الميت إبان الدفن، أسلحة (مطرقات، ملاقط، مناقر، مناقش، مبارد، مقص، الخ). إنها طقوس جنائزية غنية بالإشارات حول المعتقدات، حول موقف المجتمع الميروفانجي إزاء صانع ذي حظوة شبه مقدسة: الحداد -الصائغ والمحارب في نفس الوقت.

يرتبط هذا الطراز من قراءة النصوص بالتحديد بالجوانب التقليدية والشبه الآلية للمصادر والمآثر: فديباجات وعبارات المواثيق المليئة بالحوافز الصادقة أو الخادعة تشكل هيكلا للعقليات. لقد أدرك أرنست روبير كورتيس، لكن دون النفاذ إلى تاريخ العقليات، أهمية هذا الركن الأساسي ليس فقط للأدب، على النحو الذي فكر فيه، بل أيضا لعقلية زمن ما: “إذا كانت البلاغة تظهر للإنسان الحديث كشبح مكشر، كيف لنا استمالته إلى الطوبيكيا التي لا يعلمها إلا القليل، حتى الأديب الذي يتجنب عمدا سراديب الأدب الأوروبي، التي هي أساسية، مع ذلك؟! للأسف أن مثقفا مرموقا مثل كورتيس لم يهتم بالكم الثقافي، غنيمة تاريخ العقليات. هذا الخطاب المحتوم والآلي الذي نبدو فيه وكأننا نتكلم دون أن نقنع، الذي تظهر فيه بعض الفترات تحت رمز الرب والشيطان أو السلطة والنفوذ، هو الصياح الأعمق للعقليات، النسيج الضام لروح المجتمعات، الغذاء الأشد قيمة لتاريخ يتنبه لما هو أساسي أكثر مما يهتم بالغاية الخفية لموسيقى الماضي.

ويتوفر تاريخ العقليات على مصادر مفضلة تشكل أحسن من غيرها مدخلا للسيكولوجيا الجماعية للمجتمعات. لكن يبقى على المؤرخ جردها، وتلك أحد مهامه الرئيسية.

هنالك أولا النصوص التي تشهد على الإحساسات، على السلوكات الحادة أو الهامشية التي تنير بحكم جانبيتها العقلية الجماعية. ولنبق في العصر الوسيط. تلقي أدبيات القداسة الأضواء على بنيات ذهنية أساسية: الشفافية  بين العالم المحسوس والعالم الغيبي، التماثل الفطري بين ما هو جسدي وما هو نفسي، الشيء الذي يفسر إمكان الكرامة، وعموما العجيب. ثم إن هامشية القديس، والتي توحي بعمق الأشياء، تفضي إلى الهامشية النمطية لما هو شيطاني: المملوكون، الهراطقة، المجرمون. هنا تكمن أهمية مجموعة من النصوص: اعترافات الهراطقة، المحاضر الجنائية، رسائل الغفران الموجهة للمذنبين والتي تفصل في آثامهم، وثائق قضائية، وعموما كل آثار الزجر.

صنف آخر من الوثائق المفضلة لدى تاريخ العقليات: النصوص الأدبية والفنية. فالاهتمام بتمثلات الظواهر وليس بالظواهر الموضوعية نفسها، يجعل تاريخ العقليات ينهل وعلى نحو طبيعي من نصوص المتخيل.  لقد أبان ويزينغا في كتابه الشهير “أفول العصر الوسيط” عن إسهام استعمال النصوص الأدبية في إدراك حساسية وعقلية زمن ما. لكن الأدب والفن يحملان أشكال ومواضيع نابعة من ماض لا ينتمي إليه بالضرورة الوعي الجماعي. ينبغي الاحتراس من إفراطات التاريخ التقليدي للأفكار والأشكال التي تنتجها عبر توالد عذري يجهل السياق غير الأدبي وغير الفني لظهورها، لأنها -أي الإفراطات، قد تخفي الإطار الزمني المتحكم في الإبداعات الأدبية والفنية. فلوحات القرن 14 تشهد على موقف جديد اتجاه المجال، اتجاه المشهد المعماري، اتجاه مكانة الإنسان في الكون. لكأن العقلية “ما قبل الرأسمالية” مرت من هناك. على أن بيير فرانكا ستيل الذي تعامل وبشكل جيد مع نسق رسومات هذا القرن كجزء من كل أكثر سعة، ينبهنا أيضا إلى “خصوصية الرسم كنمط من التعبير والتواصل لروحنا الصعبة الاختزال”.

ينبغي إذا الربط بين تحليل العقليات ودراسة مواقعها وأساليب إنتاجها. لقد قدم لوسيان فيفر، الرائد الأول في هذا المضمار، نموذجا للجرد وصفه بالأدوات الذهنية: قاموس، نحو، مواقع مشتركة، تصور المجال والزمن، إطارات منطقية. فحسب إخصائيي الفيلولوجيا، طرأت تغيرات محيرة على روابط النسق اللغوية إبان تفكك اللاتينية الكلاسيكية في العصر الوسيط الأعلى، مما يعني تحولا كبيرا في الألفاظ المنطقية للخطاب الشفهي أو المكتوب. هكذا دخلت مجموعة من الروابط مثل “لكن”، “إذا”، “حينئذ”، الخ في نسق فكري جديد ذي ترتيبات مختلفة‍!

وتلعب بعض الأنظمة الجزئية داخل العقليات دورا بالغ الأهمية. يتعلق الأمر بـ”الأنماط” التي تفرض نفسها لزمن طويل كأقطاب جذب للعقليات. فلقد تهيأ النمط الكنسي في العصر الوسيط الأعلى وانتظم حول مفاهيم العزلة والزهد، ثم ظهرت فيما بعد قوالب أرستقراطية تمحورت حول مقولات السخاء والمروءة والجمال والإخلاص. اخترق بعضها القرون إلى اليوم: المجاملة.

وعلى الرغم من أن العقليات تستعير من تقاليد قديمة فهي لا تفسر لا بغياهب الأزمنة الغابرة ولا بأسرار النفسية الجماعية. فنحن نعرف أصلها وانتشارها انطلاقا من مراكز تكون الأوساط المؤسسة والمعممة، ومن الطوائف والحرف الوسيطة. فالقصر والكنيسة والحصن والمدرسة، كلها مراكز صقلت العقليات طوال العصر الوسيط. لقد كون الناس نماذج أو تلقوها في مرافق تشكيل العقليات: الطاحونة، محرف الحدادة، الحانة. ثم إن الموصلات هي ناقلات وقوالب مميزة للعقليات. فالقسم والصورة، رسما ونحتا، يمثلان، قبل ظهور الطباعة، السديم الذي بلورها.

ومن جهة أخرى، تحافظ العقليات على علاقات معقدة ووطيدة مع البنيات الاجتماعية. فهل للمجتمع، في مرحلة ما من تاريخه، عقلية مهيمنة أم عقليات متعددة؟ لقد ندد لوسيان فيفر بالصورة المجردة لإنسان العصر الوسيط أو النهضة، والفارغة من كل أساس تاريخي. ينبني تاريخ العقليات، وهو في محاولته الأولى، على تجريد واقعي مرتبط بالإرث الثقافي، بالمطابقة الاجتماعية، بالتحقيب. قد نستعمل كفرضية للعمل بخصوص العصر الوسيط مرة أخرى، مقولات مثل العقلية الهمجية، المهذبة، الرومانية، القوطية، السكولاستيكية. فبإمكان التجميعات الإيحائية أن تشتغل حول هذه العلامات. لقد قارب إرفين بانو فسكي بين الفن القوطي، باعتباره يندرج في نفس البنية الذهنية، والسكولاستيكية. وربطه روبير مارشال بكتابة العصر: “يمكن اعتبار الكتابة القوطية كتعبير قوطي عن جدل معين. فالتماثلات بين هذه الكتابة من جهة وفن العمارة من جهة ثانية، والتي قد يدركها الملاحظ، ليست مرئية تماما. فهي ذات نبرة فكرية. إنها نتيجة لتأثر الكتابة بأسلوب استدلالي  لصيق بجميع إنتاجات الفكر”. يشكل تعايش عقليات متعددة في نفس العصر وفي نفس الذهن أحد المعطيات المعقدة ولكن الأساسية لتاريخ العقليات. لويس 11 الذي برهن في السياسة عن عقلية حديثة “ميكيافيلية“، أظهر في الدين عقلية خرافية وتقليدية.

من العسير أيضا فهم متغيرات العقليات. متى تتفكك العقلية ومتى تظهر أخرى؟ كم هو صعب الكشف عن المتحول في حقل الثابت. هنا ينبغي على دراسة المواقع أن تقدم لنا إسهاما حاسما. متى يظهر مقام مشترك ومتى يختفي، بل الأصعب من ذلك متى يصير مجرد أثر؟ يجب تفحص بغبغة العقليات هاته عن كثب لكي يستطيع المؤرخ رصد اللحظة التي ينفصل فيها المقام الجماعي عن الواقع ويفقد فيها تأثيره. لكن هل من حالات خالصة؟

حقا لقد نبع تاريخ العقليات من رد فعل اتجاه هيمنة التاريخ الاقتصادي، لكنه ليس نهضة لروحانية متجاوزة تحتجب تحت المظاهر الغامضة للنفس الجماعية المبهمة، ولا بقاء لـ ماركسية عامية تبحث عن تحديد هين لبنيات فوقية ناتجة آليا عن بنيات تحتية اجتماعية واقتصادية. فالعقلية  ليست انعكاسا.

ويتميز تاريخ العقليات عن تاريخ الأفكار. فلقد نشأ في تقابل معه. ليست أفكار طوماس الإكويني أو بونافونتير هي التي قادت الأذهان ابتداء من القرن 18، بل ذلك السديم الذهني الذي تفاعلت داخله الأصداء المحرفة لمذهبيهما والبقايا الضحلة والكلمات المرتجلة. لكن يجب النظر فيما ما وراء هذه الأفكار الهجينة الكائنة في العقليات. وعليه تستلزم كتابة تاريخ العقليات احتكاكا كبيرا بتاريخ الأنظمة الثقافية وانساق المعتقدات والقيم والأفكار حيث تكونت العقليات وترعرعت وتطورت. من هذه الزاوية يظهر فضل الاثنولوجيا على التاريخ.

وقد يمكن الانفتاح على تاريخ الثقافة من تجنب مآزق ابستيمولوجية أخرى. ثم إن الارتباط بالإشارات والسلوكات والمواقف، على غرار السيكولوجيا، يدفع تاريخ العقليات إلى الاحتراس من تأثير “السلوكية” التي قد تختزله في آليات لا تستند إلى أنساق فكرية، والتي قد تقصي إحدى المظاهر الأساسية لإشكاليته، ألا وهي حصة الوعي بهذا التاريخ.

تبدو العقلية رغم طابعها الجماعي الصرف وكأنها خارجة عن تقلبات الصراعات الاجتماعية. فمن غير المنطقي استئصالها من البنيات والدينامية الاجتماعية. فهي تمثل، على العكس من ذلك، عنصرا رئيسيا في التوترات والنزاعات الاجتماعية. يزخر التاريخ الاجتماعي بالأساطير التي تبرز نصيب العقليات في تاريخ لا هو بالإجماعي ولا بالثابت: أظافر زرقاء، أطواق بيضاء، مائتا عائلة… ثمة عقليات طبقية بجانب عقليات جماعية. لكن يبقى على الباحث دراسة نظامها.

وأخيرا لا يهمل تاريخ العقليات المتغيرات على الرغم من هيمنة الزمن البطيء. لنأخذ مثلا ظاهرة ازدهار المدن في الغرب الوسيطي من القرن 11 إلى 13. عصر بزغ فيه مجتمع جديد حامل لعقلية جديدة تتجلى في السعي إلى الأمن والتبادل والاقتصاد، وتستند إلى أشكال جديدة من الأنس والتآزر: العائلة الضيقة، الهيئة، الجمعية، الشركة، الحي… فأين موقع العقليات من هذه التحولات ضمن إطار التاريخ الشامل؟

فعلى الرغم أو بالأحرى بسبب طابعه المبهم، يقوم تاريخ العقليات اليوم بترسيخ مكانته في حقل الإشكالية التاريخية. فإذا تجنبنا تحويله إلى حقيبة سفر، إلى ادعاء فارغ، إلى عذر للاسترخاء الإبستيمولوجي، إذا منحناه أدواته ومناهجه، فإنه سيلعب دوره كتاريخ مغاير عن ذلك الذي يجازف بتفسيراته على الجانب الآخر من المرآة.

مجلة الجابري – العدد السابع عشر


بيبليوغرافيا:

BLOCH (M), les rois  thaumaturges. Etude sur le caractère surnaturel attribué à la puissance royale…, Strasbourg, 1924, rééd. 1960.

BLOCH (M), la société féodale, Paris, 1939, rééd. 1968.

BOUTHOUL (G), les mentalités, Paris, PUF, coll. Q.s.j.§1952

BRANDT (W.J), the shape of Meideval History. Studiesn in Modes of perception, New Haven et Londres, 1966.

CASENEUVE (J), La mentalité archaique, Paris, Colin, 1961.

CURTIUS (E.R), la littérature européenne et le moyen âge latin, trad. Fr. Paris, 1956.

DELEHAYE (H), Sanctus. Essai sur le culte des saints dans l’Antiquité, Bruxelles, 1927.

DUBY (G), La féodalité: une mentalité médiévale, in Annales ESG, pp. 765-771.

L’histoire des mentalités, in l’histoire et ses méthodes, Gallimard, 1961, pp. 937-966.

Histoire sociale et histoire des mentalités (entretien avec A. CASANOVA) Nouvelle critique, 34, mai 1970, pp. 11-19.

DUMAS (G), Mentalité paranoide et mentalité primitive “Annales médico-psychologiques, mai 1934.

DUPRONT (A), Problèmes et méthodes d’une histoire de la psychologie collective, Annales 16, janvier-février 1961, pp. 3-11.

EVANS-PRITCHARD (E), Enthropology and History, Cambridge, 1961.

FEBVRE (L) Histoire et psychologie, in Encyclopédie française, T. viii, 1938, repris in combats, pour l’hisotire, Paris, 1953, pp. 207-220.

-comment reconstituer la vie affective d’autrefois? La sensibilité et l’histoire, in Annales d’histoire sociale. iii, 1941, repris in combats…pp. 221-231.

-Sorcellerie, sottise ou révolution mentale? Annales ESG, 1948, pp. 9-15.

-Histoire des sentiments. La terreur, in Annales ESC, 1951, pp. 520-523.

-Pour l’histoire d’un sentiment: le besoin de sécurité, in Annales, ESC, 1956, pp. 244-247.

FRANCASTEL (p), la figure et le lieu; l’ordre visuel du quattorcento, Paris, Gallimard, 1967.

GAIFFER (B.de), Mentalité de l’hagioraphie médiéval, in Analecta Bollandiana, 1968, pp. 391-399.

HUIZINGA (J), le Déclin du Moyen Age, Haarlem, 1919, tradfr, 1932, rééd. Paris, 1967.

KLUCKHON (C ), culture and Behavior, in G. lindzey, edit, Handbook of social psychology, Cambridge, Mass, 1954.

LEFEBVRE (G), la grande peur de 1789, Paris, 1932.

LEVY-BRUHL (L), les fonctions mentales dans les sociétés inférieures, Paris, Alcan, 1910.

-la mentalité primitive, Paris Alcan, 1922.

MANDROU (R ), l’histoire des mentalités, encyclopedia universalis, vol. Viii, 1968, pp. 436-438.

-Magistrats et sorciers en france au xvii siècle, une analyse de psychologie historique, Paris, 1968.

MARCHAL (R ), l’écriture latine et la civilisation occudentale du 1er au xvi siècle, Paris, 1963.

PANOFSKY (E), Architecture gothique et pensée scolastique, 1957, trad. Fr, 1967.

TENENTI (A), Il senso della morte e l’amore della vita nel Rinascimento, Turin, 1957.

THOMAS (K), Religion and the Decline of Magic, Londres, 1971.

TRENARD (L), Histoire des mentalités collectives: les livres, bilans et perspectives, in Revue d’histoire moderne et contemporaine, 1968, pp. 691-703.

Revue d’histoire moderne et contemporaine, 1968, pp. 691-703.

WALLON(H), La mentalité primitive et celle de l’enfant, Revue philosophique,juillet-dec, 1928.

Weber (M), l’Ethique protestante et l’esprit du capitalisme, 1904-1905, trad.fr., 1964.

(*) J. le Goff, les mentalités. Une histoire ambigue, in faire de l’histoire, III. Nouveaux objets, sous la dir. De J. le GOFF et P.NORA, éd. Gallimard, (1974) nouv. éd. 1986, pp. 106-129.