الكاتب | نيل بوستمان |
اسم الكتاب | تسلية أنفسنا حتى الموت: الخطاب العام في عصر العرض التسويقي |
معلومات عن الكتاب | الناشر: ميثوين للنشر عام النشر: 1985 عدد الصفحات: 189 |
ترجمة | يوسف عسيري |
يجادل نيل بوستمان في كتابه تسلية أنفسنا حتى الموت أنّ التليفزيون كأداة ووسيلة إعلامية نقلت الثقافة – الأمريكية- إلى أن أصبحت حلبة كبيرة من ‘العرض التسويقي’ الذي يحتوي على كل ما يهم الشأن العام في شتى المجالات مثل الدين والسياسة والتعليم والإقتصاد وغيرها – فاصبح كل ذلك من أجل التسلية
وقد صدّر كتابه بإستعراض رؤيتين حيال العالم: رؤية جورج أورويل في روايته 1984 ورؤية ألدوس هكسلي في روايته Brave New World ، وتتشارك هاتين الرؤيتين في أن نهاية العالم ستكون موصومة بالظلم ، أما الرؤية الأولى أي رؤية جورج أورويل فتقول أنه بحلول عام 1984 سوف يكون الظلم من الخارج ، وبعض تمظهراته أنه سوف تمنع الكتب وأن المعلومات سوف تحجب والحقيقة سوف تسلب: وبتعبير جورج أورويل “أنه إذا أردت تخيل مستقبل البشرية فتخيل حذاء كبيرا يطأ وجه إنسان”
أما الرؤية الأخرى فهي رؤية هكسلي وهي أن الناس لن يظلموا من الخارج أو من الأخ الأكبر كما في 1984 لأنهم سيظلِمون أنفسهم بأنفسهم ولن يكون هناك منع للكتب أو حجب للمعلومات لأن الناس سيسلبون استقلالهم ونضجهم وحتى تاريخهم بطرائق أخرى،
في هذا الكتاب يرجح نيل بوستمان أن رؤية هكسلي هي المقاربة للصواب حيث يقول:
“هكسلي قال أن الناس سيتحكم بهم من خلال تعرضهم للكثير من العواطف مثل الألم والسعادة وإذا كان خوف أوريل يتمثل بأن الكره هو من سيخرب حياتهم فإن خوف هكسلي أن الأشياء التي يحبها الناس هي التي ستخرب حياتهم”
بدأ بوستمان نقاشه عبر الحديث عن رجال الأعمال الأمريكيين وكيف أنهم قد عرفوا قبل غيرهم أن الجودة والخدمة لمنتجاتهم تقع في درجة ثانوية بالمقارنة مع الشكل والحيلة الاستعراضية التي تقدم بها بضاعتهم وبذلك قد تصبح طريقة التقديم والعرض أهم من البضائع نفسها
وبهذا المدخل فهو يمهد لنقاش الحدث الأبرز الذي شكل الثقافة الأمريكية في النصف الأخير من القرن الماضي وهو ضمور الطباعة وظهور التلفاز ولأن الكتاب يدعم وجهة نظر هكسلي فإنه لم ينس أن يمر على القول الشهير لمارشال مكلوهان وهو أن “الوسيلة هي الرسالة” وبتعبير هكسلي أن ” أوضح طريق لفهم الثقافة هو النظر في الأدوات التي تشكل النقاش والخطاب العام في تلك الثقافة”
فنيل بوستمان هنا يرى أنه من الحكمة ولو لوقت محدد وعلى وجه مخصوص أن يقال أن وسيلة التواصل في الثقافة لها حيز كبير في النطاق المركزي وبالتالي التأثيرعلى تشكيل الثقافة الفكرية وتأطير الحالة الاجتماعيّة في مدة زمنية محددة،
ثم يمضي على هذا النحو من أنّ الناقل هو من يحدد الرسالة والمعنى فيتحدث عن دور اللغة وقواعدها والفن وأنواعه في تشكيل الوعي الإنساني ويعرج على دور الساعة كأداة لها القوة في انتاج الثواني والدقائق ويستعير في ذلك مقولة ممفورد ” أنه في القرن الرابع عشر الميلادي جعلت الساعة الناس حراساً للوقت ومن ثم أصبحوا خدما للوقت”
كان هدفه من هذا التطواف على أمثله شتى أن يقول أن الأمريكيين – لأنه يكتب عن الحالة الأمريكية بالدرجة الأولى – عبروا من مرحلة سحر الكتابة إلى سحر التكنولوجيا أي أن هذه النقلة في التفكير وفي محتوى الثقافة هي تحول كبير في الوعي ككل.
وأيا كان السياق الأصلي والحدود للوسيلة الإعلامية فإن لها القوة في النفوذ إلى أبعد من سياقاتها والدخول إلى سياقات غير مألوفة لأنها فرضت نفسها على الوعي وعلى المؤسسات المجتمعية، فهو يرى أنه من الخطأ الإعتقاد أن الطريقة التي شكّلت الوسيلة التي أوصلت الينا الفكرة غير مهمة فيضرب مثالا أنه في الكتابة يكون النص أكثر دقة ومطابقة للحقيقة – أي حقيقة ما يريد أن يقوله الكاتب لا الحقيقة بذاتها- لما فيها من الأناة والمراجعة والتحقيق وليس ذلك في الكلام الشفهي، ويظن أيضا أن مفهوم الحقيقة نفسه المرتبط بالتحيزات يتأثر ويؤثر على التغيرات التي تطرأ على النظم والانماط في الثقافة،
فكما يقول نيتشه ” إن كل فلسفة هي فلسفة لمرحلة من الحياة” فإن نيل يقول أن ” كل ابستمولوجيا هي ابستمولوجيا لوسيلة الاعلام وتطورها “. لأنه يعتقد أن التغير في الوسيلة الإعلامية يغير بنية الخطاب ويعزز استعمال أنواع محددة من العقلانية وينحاز إلى تفضيلات وتعريفات لأسئلة : ما هي الحكمة؟ ماهي الحقيقة ؟ وغيرها من الأسئلة،
لأنها عندما تحدد محتوى على شكل معين ودقيق فهي تخلق شكلاً جديدا من الإفصاح والإخبارعن الحقيقة. فالطباعة انتقلت إلى الهامش عندما دخل التلفاز إلى المركز و بدأ كل من الجدية والقيمة والوضوح في الخطاب في الرحيل إلى الهوامش أو حتى الإختفاء في بعض الأحيان،
يضرب بوستمان مثالاً بأن التكنولوجيا للوسيلة الإعلامية هي مثل المخ بالنسبة للعقل فالتكنولوجيا هي الجزء المادي للمحتوى الذي يمثل المجاز أو المعنى ، فجاءت النتيجه غير متعمدة ولا متوقعة للتغير الهائل في التكنولوجيا لأنها غيرت طرائق التواصل والنقاش في الرأي العام واستحالت بذلك إلى ‘عقيدة’ تفرض نفسها كنمط للحياة ومحددات أولية لتعامل وتفاعل الناس مع الأفكار التي لم يتفقوا عليها ولم يناقشوها إبتداءا و لم يعترضوا عليها انتهاءاً
وهو بذلك يعتقد أنه إذا اصبح اللُب معدًا من أجل المتعة والتسلية ولغرض الوصول إلى عددٍ كبير من الجمهور أو المستهلكين فإن المضمون يصبح مشوباً بالسطحية وقلة الجدية ويصبح النقاش العام محددا بالقوالب والغايات والسرديات الكبرى المتغلغلة داخل هذه القوالب.