مقدمة: طلاسيم، أشباح، خبايا، أسرار .. تاريخ نفسي مشفّر ومثقل بالتّواريخ
هل توجد الأشباح في حياتنا؟ لانقصد هنا بالأشباح الدلالة التيولوجية أو الميتولوجية أو حتى الخرافية، التي تقرنهم بحضور الأرواح الشريرة، الشياطين، الأطياف اللامرئية، أو الكائنات البشعة التي تتراءى لنا في كتب الرسم الهزلية و مسلسلات الرعب الشهيرة من قبيل chair de poule . وإنما مقصدنا الأشباح التي تسكن فينا، الظلال التي تعبر عبرنا، الأعراض التي تتكلّم ضمننا، الألغاز التي تتجول في دواخلنا، وتلتحف أجسادنا، التواريخ التي تعود من جذور الشجرة العائلية لتستوطن قسريا الحاضر .. تلك الموضوعات المفقودة التي لا تكاد تختفي من حياتنا ومن ذكرياتنا، مهاجرة من لاوعي لآخر. فالإنسان وبما أنه يتميز بجانبه العقلاني، بالمقابل فإن ما هو غير واعي فيه، يبقى محروم من التواصل وممنوع من الابلاغ الحر. و ما دام اللامنقال يعبّر عن نفسه في رموز وفي أفعال، فإنه يتجلّى كعرض، وتحديدا كتقطيع وتشويه واختزال للنص الأصلي، الذي يقوم التحليل النفسي بترجمته من اللاوعي إلى الوعي، بل من تخوم الطفولة إلى مراحل أكثر تقدما في العمر.
ليكن في العلم أن تاريخ حركة التحليل النفسي لم يكن مرتبطا بالتمدّد على الأريكة فقط، ودعوة المحلّل مريضه إلى الكلام وطلق العنان للسانه، موفرا له المناخ المساعد على التأمل الذاتي بعد أن يجلس وراءه كما يفترض ذلك البرتوكول العلاجي. بل عرف هذا المبحث أكثر من غيره تحطيما للقواعد النظامية ومقاومة النظريات الوثوقية والشمولية. وهذا الأمر يعود إلى رغبة مشروعة في المحافظة على أصالة التحليل النفسي، بعدم ذوبانه في الخطاب القاموسي “الطبعقلي” أو بتقنين مجالاته خوفا من أن يفقد وسام العلم الذي منحه إيّاه فرويد. ففي إطار الاستكمال والتجديد والتجاوز لنظريات هذا الأخير، قد برزت مجموعة من الأصوات المسموعة عبر مسار التحليل النفسي حاولت اكتناه صيغ تشكلّية أخرى ممكنة للاوعي، اخترنا من ضمنها في هذا المنجز مقاربات ذات خلفية تحليلية نفسية هنغارية. وذلك في سبيل الاشعاع بتراث منقطع النظير تركته مدرسة بودابست، التي شكلت استثناء نادر في المعرفة العميقة بخبايا النفس ومسرح الحياة اللاواعية. وهو ما يشهد به محللين نفسيين كثر من حجم جاك لاكان.
-
ملامح تاريخية لمسارات التحليل النفسي الهنغاري
يبتدأ التحقيب لكرونولوجيا حركة التحليل النفسي في هنغاريا، بعدما قاومت النظرية الفرويدية وطابعها الكلّياني. فبعد إعادة قراءة فرنزي * Ferenczi لأعمال فرويد، ترّسخت لديه قناعة بأهمية رأسمال هذه المعرفة الجديدة القادم بها في المستقبل. ورغم معارضة الأطباء والجامعيين، تمسك فرنزي بقضيّته، ونجح في إنشاء جمعية التحليل النفسي، وكذلك تدريسه فيما بعد بكلية الطب مساندا بصحبة فرويد. إذ بعد عام 1908 سيعرف التحليل النفسي الهنغاري تطورا مبهرا عاش في غضونه أيام مجده. هذا بالرغم من أن بداياته قد كانت جد شاقة أمام معارضة الأوساط الطبيّة والجامعية. لقد كان هناك رجل واحد مثّل التحليل النفسي الهنغاري خير تمثيل، كما يطلعنا فرويد نفسه بقوله : » هنغاريا التي هي من وجهة نظر جغرافية قريبة من النمسا، لكن من وجهة نظر علمية فنحن متباعدين في هذا الصدد. حيث لم تزوّد هنغاريا التحليل النفسي سوى بمتعاون أو ناشط واحد، وهذا المتعاون يدعى فرنزي، ويعود إليه الفضل وحده ضمن مجتمع بأسره « (1).
في سنة 1908 انضم ساندور فرنزي إلى فرويد، وفي السنة الموالية رافقه إلى أمريكا في إطار المحاضرات التي كان يلقيها أهل التحليل النفسي في أوطان مختلفة ومتعددة من بقاع العالم. ويعود كلّ الفضل لمبادرته التي أثمرت في منتدى نيوبورغ 1910 تأسيس الرابطة العالمية للتحليل النفسي. ثم فيما بعد جمعية التحليل الهنغارية سنة 1913. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية – وتحديدا في سنة 1918 – سينعقد مؤتمر للتحليل النفسي بمدينة بودابست. لمدة قصيرة، نجد فرويد نفسه مال إلى الاعتقاد أنّ بودابست ستصبح مركزا لحركة التحليل النفسي العالمية. ففي هذه السنة وإبّان الثورات التي شهدتها هنغاريا، ساهمت الحركات الشبابية الطلابية في التعريف الأكاديمي بفرنزي، الذي كان أول أستاذ يحوز على كرسيّ جامعي في تاريخ حركة التحليل النفسي (2).
مثلّت سنوات 1918-1919 منعطفا بارزا في تاريخ التحليل النفسي المجري: الجهود المبذولة ، على مدى عقود من قبل ساندور فرنزي بدى أنها قد آتت أكلها. ربما قد كانت جمعية التحليل النفسي الهنغارية الفريق الأكثر تعدّدية من حيث التخصصات في تلك الحقبة. لقد استطاعت أن تضمّ بين أعضائها الكثير من الأطباء النفسيين، كالباطني لاجوس ليفي Lajos Lévy {الذي أصبح فيما بعد طبيب عائلة فرويد}، والكتاب والشعراء المعروفين ك أكنوتوس Ignotus وجيزا سزيلاجي Géza Szilágyi ، كما احتوت ضمن أعضاءها مانو ديك Manó Dick المالك المشهور لدار نشر تعنى بالأدب النفسي في هنغاريا، وكذلك الاثنولوجي الشهير روهيم Róheim، الذي انشأ مبحث الأنثروبولوجيا النفسية، و الغني المحسن للتحليل النفسي، الكيميائي وصانع الخمور أنطون فون فروند Anton Von Tószeghy-Freund ، و كان إرنست جونز Ernest Jones أيضا منضمّا إلى الجمعية المجرية في ذلك الوقت. لقد شكّل هذا التنوع المهني والثقافي مظهرا أساسيا من موقف فرنزي المنفتح على تخصصات متعددة، بما أفاد هذا المناخ الخصوب في تسهيل القبول الإيجابي والمبكر للتحليل النفسي من قبل العلوم الإنسانية في هنغاريا (3).
لقد مهّد المناخ التاريخي الذي ولد ضمنه التحليل النفسي الهنغاري، لظهور اتجاهات ثقافية جديدة. فكانت مدرسة بودابست من بين المدارس الأكثر تؤلّقا وإشراقا في العالم مستقطبة كلّ من ميلاني كلاين رائدة علم نفس الأطفال، ميشال بلان، آيمر هيرمان، غيزا روهيم، نيكولا ابراهام، ماريا توروك، بيلا جرونبورجر، أندري هاينال وغيرهم ذكرناهم في إشارات سابقة (4). ويستثنى من لائحة المحللين النفسيين الهنغاريين المنتمين لـ مدرسة بودابست رائد التحليل النفسي الاثني جورج ديفريه الذي هاجر باكرا الى أمريكا ثم إلى فرنسا وعدة أمكنة أخرى في إطار تحليلاته النفسية للبنيات الثقافية الإثنية *.
في غضون مؤتمر بودابست والحلم بأن تصبح بودابست المركز الأوروبي للتحليل النفسي، قد بدا هذا الطموح الغشوم غير واقعي وقتها، وفاتت عليها للأسف فرصة تاريخية لا تعوّض. حيث سيتحول مركز الثقل إلى فيينا بعدما احتضنت في أرجاءها وبكل لهفة مكتبة التحليل النفسي ودار النشر بدل مدينة بودابست. وعرف الوضع ساعتها حدودا حقيقية وجافة بين الأعضاء السابقين في المملكة النمساوية الهنغارية، لدرجة أصبح السفر والتواصل أكثر صعوبة ومشقة بعد انقسام الدولتين. و قد كان لهذا الوضع الجديد أيضا تأثير على الرابطة الدولية (5).
ستأخذ أبحاث فرنزي مسارات غير مرتادة من طرف فرويد، تهمّ على وجه الخصوص الصدمة النفسية عند الأطفال. أبحاث مستجدة جاء بها فرنزي لم تأتي بالمرة على ذوق فرويد. لقد كان تشوش اللغة بين البالغين والأطفال، مصدر اضطراب وخلاف نظري حاد بينهما، إلى أن طلب فرويد منه عدم تقديم مداخلته في مؤتمر Wiesbaden. ويسجّل عن فرنزي تجاهله لمنع فرويد سنة 1932، متوفيا بعدها بعام (6). هذا ويذكر أيضا طلب فرويد من فرنزي تمرير الرئاسة لأرنست جونز. فكان ردّه أن أبلغ أعضاء الجمعية عن استقالته في خطاب مفتوح على امتداد دفّات العدد الأول من المجلة الدولية لعلم النفس التحليلي. وبشكل سريع ملأت جشاعة جونز هذا المنصب، إذ ظهر منه شيء من التهافت منذ غلاف العدد الأول للمجلة، بعد أن ظهر وجهه مرتين بجانب اسم الأستاذ فرويد: تارة كمحرر صحيفة، وتارة أخرى رئيسا للجمعيةA.P.I أما اسم فرنزي فقد ظل غائبا تماما، حتى أنه لم يذكر كرئيس منتخب أو رئيس سابق (7).
بعد انشقاق فرنزي عن فرويد، سيلتحقون به بعض مجموعة من الأتباع النجباء وسيساهمون في دعم وتزكية سمعته التي ستخيّم على المناخ التحليلي النفسي حتى حدود سنوات الثلاثينات. إذ يعدّ موت فرنزي 1933، إلى جانب الحرب و نفي المحللين النفسين من أصول يهودية، من العوامل التي ستغير مكانة التحليل النفسي بالكامل. وستعرف الجمعية A.P.I اتلافا شيئا فشيئا حتى حدود سنة 1948، قبل أن تمنع حصريا من قبل نظام راكوزي “Rákosi“. كما ستشهد هذه المرحلة من تاريخ أوروبا الشرقية محو وإقبار لأعمال هؤلاء المحللين ليطال مدرسة بودابست التّهميش والنسيان (8).
لقد واجه المحلّلون المجرّيون فترة عصيبة من الافتقادات والصعوبات، استيقظت خلالها الديكتاتورية اليمينية السامية وقدّمت أول سياسة تفيد التمييز ضد اليهود في أوروبا: مثلا كالقيود في عرض المقاعد، مما يحدّ من عدد من الطلبة اليهود في الجامعات. وقد كان لهذه الإجراءات القمعية والمقيدة تأثير تسبب في الموجة الأولى من هجرة المثقفين إلى جمهورية فايمار (9). لم يكف “balint” أثناء هذه المرحلة العصيبة عن استرجاع تحليلات فرنزي وترميمها مع التعريف به في بلده الأصلي، ونشر مؤلفه. ففي حقيقة الأمر كان يجب الانتظار إلى حدود سنة 1989 لكي تكون جمعية جديدة للتحليل النفسي الهنغاري A.P.I معترفا بها من لدن الجمعية العالمية للتحليل النفسي A.I.P. وأن لا يكون فرنزي غائبا بعدها عن برامج مؤسسات التكوين (10). ومن هنا قد يعود بنا السؤال التقليدي ليطرح نفسه على نحو قلق: كيف استطاع التحليل النفسي أن يستمر في هنغاريا بعد كل ما عاناه؟ قد تبدو الاجابة موسومة بطابع من العمومية والتعقيد، نظرا لجذورها الغائرة والعميقة. ففي فكّ الجمعية سنة 1949، قد عرف التحليل النفسي استمرارا على يد تجارب فردية، لمجموعة من المحللين النفسيين، الذين استرجعوا أهلية التكوين لاحقا بعد عشر سنوات من المنع. فقط التمرين الخاص هو ما كان عليه العلاج التحليلي في وقت الأزمة، وهو ما لا لم يكن بالإمكان منعه من قبل النظام الحاكم (11).
الشبح والسرداب والسرّ العائلي مفاهيم أعمدة في إرث التحليل النفسي الهنغاري
يعدّ نيكولا أبراهام (1975-1919) وصديقته ماريا توروك (1998-1925) أول من أدرج مفهوم الشبح في حقل التحليل النفسي، وهما محلّلين نفسانيين من أصول هنغاريَّة، سليلين المدرسة الهنغاريَّة للتَّحليل النَّفسيّ، قد ساهموا في إثراء التَّحليل النَّفسيّ باكتشافهم حقل الصَّدمات العابرة للأجيال. لكن مع الأسف قد أحجبت قوَّتهم النَّظريَّة لمدة طويلة في فرنسا حيث هيمنة الفكر اللاَّكاني. لقد عملوا في اشتغالهم الثنائي على تقعيد نظريات ومفاهيم جوهريَّة تحوَّلت فيما بعد إلى كلمات مفاتيح لا غنى عنها، من بينها: مفهوم الشَّبح « le fantôme » . ويرمز هذا المفهوم ذي الركيزة الميتاسكولوجبة إلى ثقل السّر العائليّ، الذي يمرَّر بشكل لا إراديّ من جيل لآخر. فالشَّبح هو تشكُّل معيّن للاوعي، وهو بالأساس ذو طبيعة لاواعية. ولهذا السَّبب – وخلال هذه المسيرة الَّتي يجب تحديدها- يحدث أن ينتقل لاوعي الأب إلى لاوعي الابن مثلا.
بعد فرويد، انهمك عدد غفير من علماء التحليل النفسي، خاصة في فرنسا، بميكانيزم النقل النفسي . ونعود الى استحضار في هذا الصدد اسمى، نيكولا إبراهيم وماريا توروك وأعمالهم في السبعينيات حول الخبايا، والأشباح، التي أثّرت على العديد من مفكرين التحليل النفسي. إن “الأشباح” التي تعيش في اللاوعي، تكون ناجمة بفعل نقل الخبايا، وهي نفسها ناتجة عن حزن لا يوصف، تشكّل من خلال إستدماج موضوع مؤمثل مفقود يشاركه سرّ مخجل، لا يوصف، ولا يمكن تمثيله (12).
و يشير عمل الشبح في اللاوعي إلى آثار أسرار الأسرة عبر الأجيال السابقة وكيف تلازم أثقالها الأفراد اللاحقين . فالشبح عمل ناجم في اللاوعي عن موضوع في علاقته الحميمية مع أحد الوالدين، أو موضوع يكنّ له حبا جماّ، أو حتى عندما يكون المرء حاملا لحداد أو صدمة نفسية غير مستساغة. ويحضر الشبح بقوة في حالة وجود سرّ مكتوم لا يصحّ ذكره نظرا إلى الثقل الذي ينزل به على الحياة النفسية للأشخاص. وتكون »المظاهر السريريّة الشبحية « ناتجة عن عمل نفسي متواصل ويائس لدى الطفل المتأزم لكي يملأ الفراغ. فمن وجهة نظر ميتاسيكولوجية يتوافق الشبح مع عمل نفسيّة الطفل لفهم وعلاج والديه، على أمل أن ينعكس هذا العلاج عليه هو الآخر.
لقد طوّروا لفهم الشبح ما ينعت بالمكبوت المحافظ « Refoulement Conservatrice »، هذا الأخير على خلاف المكبوت الدّينامي « Refoulement Dynamique » عند فرويد، لا يبحث عن كبت الرَّغبات، لكنَّه يعيق ويكبح إمكانيَّة الولوج إلى حدث صدميّ مَّا، لم يحدث بالمرَّة أن انمحى من الذَّاكرة اللاشعورية (13). فللشّبح بالتأكيد وظيفة مختلفة عن المكبوت الدّيناميّ، إذ أنّ عودته المرحليّة قهريّة ومنفلتة إلى حدّ الوصول إلى تكوين الأعراض « Les symptômes » . يتّضح إذن أنَ الشَبح ينهض على صيرورة مختلفة جذريّا عن باقي التمظهرات الأخرى للاوعي. فالشّبح لديه مقدرة على اختراق أرواح الأشخاص المقرّبين من بعضهم البعض، كما لو أن الأمر أشبه ما يكون بأشباح الأساطير القروسطيّة الَتي كانت لها القدرة على اختراق الجدران والحلول ضيوفا على الناس. مع الأسف توفي كارل أبراهام وهو لا يزال شابّا ولم يتح له الوقت ليشرح بالكامل هذا الميكانيزم، الذي فاق كل توقّع بعدما وجد مرتعى له خارج دوائر علم النفس وقواعده العلمية الصارمة، خاصة في مجال الفلسفة التفكيكية والفوتوغرافيا والأدب والمسرح السيكودرامي والسينما أين سيضمن مسيرته الصَّامتة عبر الأجيال، مادامت السينما هي الفن الذي يسمح بعودة الأشباح (14).
يذكر مدى إعجاب الفيلسوف جاك دريدا « Jacques Derrida » بمفهوم الشبح « fantôme » وسعيه إلى إقحامه في فلسفته التفكيكية، التي تقوم في جوهرها على الغياب وليس الحضور. يتساءل فيلسوف الأثر المولع بالتحليل النفسي: ماذا يعني الشبح؟ ما مدى فعالية وجود طيف في حياتنا؟ بمعنى، ما يظهر على أنه يظل غير فعال، افتراضي، وغير متناسق كالصورة الزائفة ؟ تبعا لدريدا، فالهاجس « la hantise » يمكن أن يقاوم جميع دروب الحضور، و «hantologie» * كما أسماها ليست هي الأنطولوجيا: أن تكون مسكون/ مهووس لا يعني أن تكون حاضرا. فالطيف يتوارى، فعّال في تلاشيه. فأن نفكر ضمن المستحيل أو استحالة الهواجس، يعود في الأخير إلى ممارسة التفكيك، لا هذا أو ذاك {انفلات الأصل} . (15) يعبر الشبح حسب دريدا في النص، الصمت، الصدى، الأثر، الصورة، الصدمة، التكرار، اللاشعور (16) . فالأشباح والفونتازمات بالنسبة له تشهد على اختلاف كل واحد منا عن نفسه. فهي شهود لهذا العالم وفي هذا العالم. إنها لا تغادره، وتتمسك به رغم عبورها الصامت. وكلّ طيف هو منارة تضيئ على ألف قلعة. إنهم في الواقع أفضل شاهدين. حيث يبدو كما لو أن هؤلاء الأشباح قد سقطوا من السماء الأفلاطونية حتى عندنا.
إلى جانب الشبح هناك مفهوم آخر لديهما لا يقلّ شأنا عن الشبح بل هو من مفاتيح الولوج إلى هذه المنطقة العتماء من اللاوعي،. ويدعونه بالسردابLa crypte » « و لا تنزاح هنا الترجمة إلى اللغة العربية عن المعنى المراد بالمفهوم في سياقه التحليل النفسي الغربي: فالسرداب نفق أو مدفن ضيق يلجأ إليه للاختباء مثل القبو. إنه منطقة عمياء في اللاَّشعور، حيث يسكن ذلك المعيش اللاّمباح، المجهول من طرف صاحبه، والمثير لهواجس ومخاوف كتيمة. وهي على وجه الخصوص أشكال دراماتيكيَّة للفقدان تتَّصل بظرفين: الموضوع المفقود الَّذي كان لا غنى عنه نرجسيًّا بالنّسبة للمعنيّ بالأمر، وكذلك من حيث هو سرٌّ مكتوم يربط فردا بالآخر على نطاق عريض من العائلة (17).
ويقصد هنا بالسر العائلي المتخفّي في صمت الشبح ، كلّ حدث يضرب بأطنانه في حقب مضت ويلازم حامليه إلى حدّ الاختناق. من بين الأمثلة على ذلك: في سنوات 1950 كان من العار في المجتمع الغربيّ أن تكون المرأة أمّا عازبة، فعندما تلد تضطر إلى إخفاء الحقيقة على المحيط القريب وخاصَّة على المولود الجديد الَّذي يربَّى على أنَّه ابن جدته فيما تلعب أمُّه الفعليَّة دور أخته الكبيرة. وعندما يكبر الطفل يبدأ في طرح الأسئلة والبحث عن أجوبة مخبوؤة عنه، لأنه من الخطر على امنه النفسي معرفتها. وفي هته الظروف، المشكل لم يعد متوقفا على معرفة الحقيقة، ولكن تلك الطريقة التي قيلت أو ستقال بها الحقيقة. هذا بدون أن نتحدَّث عن طابوهات أخرى كالإجهاض، الخيانة الزَّوجيَّة، المثليَّة الجنسيَّة. ففي التسعينات مثلا قد كان شبح العطالة يخيم على افراد المجتمعات الغربية ويدفع بالعديدين منهم إلى الكذب حول وضعيتهم بما في ذلك اخفاء هوياتهم الحقيقية الى غير ذلك من التجاوزات المراد منها طمر والتستر عن حقيقة ثقيلة على الأذن ولا يمكن أن تقال. ولكن القيم قد تطوَّرت وإذا كان اليوم بعض الطابوهات قد رفع عنها الحرج، فقد ظهرت من جديد طابوهات أخرى كالسيدا، الانتحار، زنى المحارم، البيدوفيليا، التحول جنسيا (…) إلخ.
ففي سبيل العلم بهذه الأشياء الشبيهة بالخلايا الميتة، ينبغي على المحلل النفسي جمع القطع المتناثرة لتشكيل صورة واضحة عن الذات وما يفعله فيها تاريخها الأسري وحتى الجماعي، حيث عليه أن ينبش عن أصول المشاكل ومركّبات العقد في الماضي السَّحيق للفرد، تلك الذّهانات المنحدرة من الوالدين أو الأجداد أو حتَّى تقفز إلى أجيال قبلهم بكثير، شيء من الوراثة النَّفسيَّة للصَّدمات، للأمزجة، للعصابات بين أفراد الأسرة على امتداد جذورها في التَّاريخ العائلي وهذا ما يجعل المدرسة الهنغارية تختصّ بخطاب تحليلي نفسي يقترب من الحينيالوجيا النفسية (18).
بخصوص علاقة النقل النفسي بالوالدية، يرون مدرسة بودابست أن للاشعور وظيفة أخرى غير تلك التي اختصّها به فرويد. فاللاشعور كمكان يعمل على النقل النفسي للأشباح و الخبايا. وفي هذا السياق تحدث آخرون عن زائر الأنا (Mijolla) الموضوعات العابرة الأجيال (Eiguer) إلى مجهرية الأجيال(Faimberg)، من أجل وصف التمثلات الحاصلة في معظم الوقت من النقل السام، الصادم، للحداد المستحيل. يمكننا أيضا أن نذّكر بأعمال جان )1991(1980-، بعد بضع سنوات، حول الانتماءات والنقل النرجسي، ولا سيما في سياق الذهان والقضايا ذات الصلة مرة أخرى مع الحزن (19).
اختراقات للحدود الفرويدية
منذ زمن الصداقة التي كانت تجمع فروبد بفرنزي لم يخفي هذا الأخير كون التحليل النفسي الفرويدي لم يحط بالطوبولوجيا النفسيّة على نحو شامل ونهائي. فالمقاربة الهنغارية في التحليل النفسي تكشف عن صيغة تشكليّة أخرى للاوعي، كأن نتحدّث عن وجود لاوعي عائليّ وجماعيّ. لذلك وضعت هذه المقاربة التحليلية كفرضيّة لها أنّ مشاكلنا قد تكون لها أصول جدُّ قديمة تأتينا من عند الآباء أو الأجداد أو السّر العائليّ. ومن الملاحظ أن فرويد كان رافضا لهذه الصيغ الميتاسيكولوجية لشرح كيفية اشتغال اللاوعي، وقد أبدى تحفظه بل امتعاضه منذ الوهلة الأولى من الطريقة الجديدة التي أراد أن ينفرد بها سواء فرنزي أو كارل غوستاف يونغ في تفسير خبايا اللاوعي وتشكيلاته، معرضا من جانبه في الكثير من الأحيان عن جنسانية اللبيدو، الكلمة المفتاح في النظرية الفرويدية.
من بين النقط الاختلافية الأخرى لـ مدرسة بودابست مع الفرويدية، هي كونهم لا يعتقدون بأنّ كلّ شيء يتمّ ويحبك في السَنوات الأولى المبكّرة من الطفولة. فإذا كان مريض مّا في طور العلاج في حالة معاناة، فليس بالضّرورة كما اعتقد فرويد، أي أنّ كلّ الاحتقانات والآلام تنتظم وفق منطق الصّراعات الغرائزيّة والمكبوتات الطفليّة. فالرّاشد هو أيضا يواجه مصادر متنوّعة تتسبّب له في نشوء صدمات يجب عليه أن يجابهها (20).
لقد موقعو ماريا توروك وأبراهام أعمالهما في منظور فرنزي كما سبق وأشرنا ملحّين على مكانة الصّدمة في الممارسة والتَأمّل التّحليليّ النّفسيّ. وقد استطاعوا في هذا الصّدد إحراز تقدّم ملموس فيما يخص تشفير إشكاليّة الحداد المرضي والتّأثيرات المتناقلة بين الأجيال، بدل ابقائهم على المنظور التيرمودينامي الفرويدي في تحليل الشخصية وحوادث اللاوعي*. لقد انتهى أبراهام وتوروك من خلال تحليلهم لعدة حالات إلى اكتشاف كيف يستشرب المرء على نحو لاواعي في صباه سرّا عائليّا يمنعه على الدّوام من عيش حياته في سكينة وسلام. فهم إذن قد ركَّزوا أعمالهم على ما قد يشكّل حاجزا أو عائقا أمام بلوغ عتبة هذه الاضطرابات والتّنفيس عنها. لهذه الأسباب وأخرى ذهبوا إلى قياس الوقع المدمّر للسّر المكتوم « Le non-dit » على الأفراد، وكيف ومتى يمكن البوح به كحقيقة مخزية وموجعة يجب أن تخرج من حيز الكتمان والتّستر.
إنّه لمظهر جديد على مستوى من العلم التحليلي قدمته مدرسة بودابست، تساؤلات وأبحاث قامت بإثراء بالغ في فهم المراحل المبكرة للتطور النفسي لدى الإنسان وعلى وجه الخصوص مع فرنزي الصيرورات النكوصية التي تكتنفه. ففي قلب اهتمام مدرسة بودابست توجد الأطوار المبكرة للحياة الإنسانية. هذا ما سمح للمحللين النفسيين الهنغاريين تصميم تصورات مقوليّة موصولة بالعلاقة المبكّرة مع الموضوع. في ما يتعلق بسؤال النرجسية الأولية « narcissisme primaire » ، يختلف تصورهم لها عن المدرسة البريطانية أو النمساوية، وهم يعتبرونها نقطة بداية نماء الوحدة الثنائية لأم- ابن » « mère-enfant . ويبدو أنها هذه الوحدة الثنائية قد عكف على دراستها كلّ من ميشال بلان و إمري هرمان، حيث أوضح هذا الأخير الرابط بين نظرية التشّبث » « la théorie de cramponnement وتنظيم الليبيدو وتطور الأنا، الى جانب طبيعة الارتباط بين فقدان الموضوع وعقدة الإخصاء، وكذا قع الانفصال الموجود بالقرب من صدمة الانفصال، وحضور التفكير الثنائي، كتعبير عن الوحدة الثنائية أم – ابن (21).
لقد ردّ جاك لاكان jacques Lacan الاعتبار في الكثير من المناسبات لـ مدرسة بودابست، بتعليقاته على أعمال فرنزي وميشال بلان وعلى وجه الخصوص ملاني كلاين. ففي الأعوام الأولى من تدريسه خاصة عندما تعلّق الأمر لديه بعرض مفاهيمه، أو بالأحرى مدلولاته وشيماته، مكّنته أبحاثهم الوقوف على ركيزة أساسية من أجل الاستمرار في الحوار مع المحيط التحليلي. فقبل انقسام جمعية التحليل النفسي الدولية (1953)، سعى لاكان بكل السبل الممكنة والمتاحة القيام بدور الوساطة لتفادي القطيعة، لقد حافظ على الاتصال من خلال دعوته إنقاذ التيارات الأخرى للتحليل النفسي في السيمنار المشهور. في تطوّر نظرياته، يستند لاكان على الخبرة السريرية، والقراءة صارمة من فرويد، ولكن أيضا على المحللين الذين كان يبدو أن لديهم قدر أكبر من الاتساق ومزيدا من الحيوية في انشغالاتهم. وبهذا يغادر الأسس: بادئا بسؤال التحليل الديداكتيكي/ أو تحليل الشخصية وتدريب المحلل، ثم مسألة الوعي باللاوعي، من حيث بنائيته والعلاقة الأولية الوالدية أم / طفل، وإدخاله لمفهوم الموضوع أ ، و أخيرا استبداله الثالوث النفسي الفرويدي الهو / الأنا / الأنا الأعلى، بثالوث آخر يرمز له بالواقعي والخيالي والرمزي R.I.S . كل هذه الاجتهادات من قبل لاكان جاءت في إطار كشوفات لـ مدرسة بودابست وتقعيدها لمفاهيم كانت مصدر إلهام وفي نفس الوقت محطّ مواجهة وتبادل وجهات نظر نقدية بكل موضوعية وصراحة (22).
انتهت أطاريح المدرسة الهنغارية في التحليل النفسي لتعرف شهرة واسعة من طرف الإعلام، بعد أن استجمعت وطوّرت في أساليب علاجيّة متنوّعة. السّر العائليّ والتّناقل بين الأجيال والسرداب وخاصة مفهوم الشبح قد أصبحوا من المفاهيم التي لا نظير لها (23). لقد تمّ اختراق الحدود الفرويدية وتوطين في أرضها علم التحليل النفسي الهنغاري. من جهة أخرى، تمت حقل كامل من العمل أيضا نمى في الثمانينات، على مفهومي السلبية ونقل ما هو سالب. وكان René Kaës البادئ في تدشينه واستتبعه العديد من الممارسين والباحثين في استكشاف هذا الطريق. لقد وصف هذا الأخير على نحو خاص عددا من المصطلحات نذكر منها “التحالفات غير الواعية « alliances inconscientes « ، مواثيق واتفاقات هي من تعبئّ عملية النّقل النفسي. كما يمكن أن نشير أيضا في هذا المنوال إلى خصائص التعلق في المجال المرتبط بالأعمال الأنجلوسكسونية حول النقل الطارئ بين الأجيال، و كذلك حول التّكرار الموجود على مستوى الرابط القائم بين الوالدين والطفل والذي تتخلله خصائص صدمية تتّصل بروابط منتمية إلى التاريخ الطفولي الوالدي (24).
من السياق الهنغاري الى السياق الفرنسي نجد طبيية الأطفال و المحللة النفسية فرنسواز دولتو Françoise Dolto1908-1988 استندت على طروحات مدرسة بودابست. لقد افترضت سنة 1970، أنَ الأطفال يرثون اضطرابات لم تحلّ من قبل آبائهم، وأيضا ديّنهم اللاواعي المكابد تجاه الأجيال السّابقة (25). إن كلّ طفل يحتاج حقيقة إلى بناء وفقا لدولتو. حيث ترى أنّ اضطرابات الأطفال من حيث الجذور قد نشأت عن الدين اللاوعي الذي يكابده البالغين من الأجيال السابقة. وباستغنائها عن أيّ بداهة نظرية، فإنها من خلال تجربتها السّريرية طوّرت مفهوم »الصورة اللاواعية عن الجسد « . وكانت تستمع، تراقب، تتواصل، في محاولة منها لفهم كيف يتمّ التعبير عن “كلمات” الطفل من خلال جسده، سلوكاته، تعبيراته، انتاجاته {مثل الرسومات أو اللعب بالأشياء}. سيطور فيما بعد المحلل النفسي ويلي بارال، المكون من قبل دولتو و بيار Solié Pierre، فكرة أنّ النشاط النفسي للطفل يبنى في اتصال مع تاريخ والديه وأنّ صراعاتهم اللاوعية تنكتب في جسده. ففي كتابه الأخير، اعتبر جسد الطفل هو لغة التاريخ الوالدي (Payot, 2008). مفسّرا ذلك بكون الأعراض النفسية للطفل هي وسيلة للتعبير عن ما كان مخبوء في عائلته. ويواصل ويلي بارال في هذا العمل أطروحة دولتو التي وجدت أن الأطفال يعيدون بعث التّاريخ النفسي لوالديهم عبر حواسهم الخمس وفي رسوماتهم. فمثلا الأطفال يحكون أشياء لم يسبق أن سمع بها من قبل والديهم و يجري التّصديق بصحتها من طرف أجدادهم عند سؤالهم عنها.
*أستاذ الفلسفة
باحث في التحليل النفسي والفلسفة
الهوامش:
* ولد ساندور فرنزي 1873-1933 في Miskolc7، واستقرّ في بودابست كطبيب عام 1899، بعد انهاء دراسته في فيينا، دون أن يسمع منه حديثا عن فرويد. هذا الشباب، المؤنس والحيوي سينخرط في العمل التحليلي النفسي. حيث سيكتب العديد من المقالات التي تتراوح بين “علم النفس السياحية” و “الحب في العلم” (1901) و ” معاناة مقدمي الرعاية” ومقالات طبية محضة: « Un cas d’hypospadias » 1899 الخ . لقد تجنّد من أجل الدفاع عن المثليين، وكتب عن الحالات الجنسية الوسيطية، مع اهتمامه بعلم الأعصاب الفرنسي والروحانيات والكتابة التلقائية.
- Freud S., (1914) Sur l’histoire du mouvement psychanalytique (1914), trad. C. Heim, Paris, Gallimard, 1991.
- Le passé de la psychanalyse en Hongrie ; Fédération Européenne de Psychanalyse http://www.epffep.eu/?ID=1468&ancestor1=32&page=65&fulltext=psychoanalysis&language=fre
- Judith Mészáros ,Le succès tragique de la psychanalyse européenne. « L’École de Budapest » Filigrane, printemps 2000. Pdf.
- Michelle Moreau-Ricaud, « Brève histoire de la psychanalyse en Hongrie », Topique 2007/1 (n° 98), p. 113-122.
* راجع مقالنا : جورج ديفريه رحال بدون وجهة في رحاب التحليل النفسي الإثني.
- Judith Mészáros ,Le succès tragique de la psychanalyse européenne. « L’École de Budapest » Filigrane, printemps 2000. Pdf.
- Michelle Moreau-Ricaud, « Brève histoire de la psychanalyse en Hongrie », Topique 2007/1 (n° 98), p. 116.
- Judith Mészáros ,Le succès tragique de la psychanalyse européenne. « L’École de Budapest » Filigrane, printemps 2000. Pdf.
- Michelle Moreau-Ricaud, « Brève histoire de la psychanalyse en Hongrie », Topique 2007/1 (n° 98), 114.
- Judith Mészáros ,Le succès tragique de la psychanalyse européenne. « L’École de Budapest » Filigrane, printemps 2000. Pdf.
- Michelle Moreau-Ricaud, « Brève histoire de la psychanalyse en Hongrie », Topique 2007/1 (n° 98(.
- Fédération Européenne de Psychanalyse http://www.epffep.eu/?ID=421&ancestor1=94&page=&language=fre. (Traduit de l’allemand par Françoise Bokanowski et Susann Wolff).
- Ciccone, A. (2014). Transmission psychique et parentalité. Cliopsy, 11, 17-38.
- L’objet perdu-moi ; in le Point références ; la psychanalyse après Freud, page 61.
- Adolfo Vera, « Le cinéma ou l’art de laisser revenir les fantômes : une approche à partir de J. Derrida », Appareil [En ligne], 14 | 2014, mis en ligne le 12 décembre 2014, consulté le 06 octobre 2016. URL : http://appareil.revues.org/2115 ; DOI : 10.4000/appareil.2115
*هذا المفهوم يعود إلى فلسفة دريدا التفكيكية التي تكسّر قواعد الحروف وتعيد بناءها في قوالب لغوية جديدة تضفي معنى بل مفعول مختلف على دلالات ومعاني الكلمات. ويقترح دريدا في متونه سلسلة من الكلمات مزدوجة المعاني تحمل داخلها قوة الخلخلة والتفكيك. أما المقصود بهذا المفهوم على مستوى التفكير الفلسفي هو إقامة أنطولوجيا مغايرة تتحسّس العالم من خلال الهواجس والاستشباح والتحقق اللحظي للغياب في مقابل الوجود الممتلئ والتمرئي العيني الذي يطلب الحضور الزائف والقلق…
- Laurent Dubreuil, « Pensées fantômes », Labyrinthe [En ligne], 17 | 2004 (1), mis en ligne le 13 juin 2008, consulté le 12 octobre 2012. URL : http://labyrinthe.revues.org/177
- Jacques Derrida, Spectres de Marx, Paris, Galilée, 1993, p. 52.
- Serge tisseron ; maria torok les fantômes de l’inconscient ; le coq-héron. 2006 )° n186( p 29 – 30.
- راجع دراستنا: علم النفس الجينيالوجي علم في صراع مع التاريخ العائلي.
- Ciccone, A. (2014). Transmission psychique et parentalité. Cliopsy, 11, 17-38.
- le Point références ; la psychanalyse après Freud ; le poids du secret de la famille, septembre-octobre 2013 ; page 60.
- Le passé de la psychanalyse en Hongrie ; Fédération Européenne de Psychanalyse http://www.epffep.eu/?ID=1468&ancestor1=32&page=65&fulltext=psychoanalysis&language=fre
- Fiumano Marisa, « Lacan et l’École de Budapest », Le Coq-héron 1/2005 (no 180) , p. 118-121
- le Point références ; la psychanalyse après Freud ; le poids du secret de la famille, septembre-octobre 2013 page 61.
- Ciccone, A. (2014). Transmission psychique et parentalité. Cliopsy, 11, 17-38.
- La cause des enfants, Françoise dolto ; 1985.