مجلة حكمة

بورتريه للفيلسوف المادي – لوي آلتوسير / ترجمة: هشام عقيل صالح


          ليس مهماً عمر المرء. صغيراً كان او كبيراً. المهم هو انه لا يعرف موقعه، يريد ان يذهب الى مكان ما. لذا تراه دائماً يلاحق قطاراً متحركاً، مثلما يفعلون في افلام الغرب الامريكي. دون معرفة من اين اتى (اصل)، او الى اين هو ذاهب ( هدف). ينزل في مكان ما على الطريق، في مدينة معزولة، تتوسطها محطة سكة حديدية سخيفة.

حانة، وبيرة، وويسكي : “من اين اتيت يا صديقي ؟”، “ من مكان بعيد جداً”. “ اين هي وجهتك ؟”، “ لا اعلم !”، “ ربما لدي عمل لك”، “ حسناً لا مشكلة”.

وهكذا، يذهب صديقنا نيكوس الى العمل. هو يوناني المولد، هاجر الى الولايات المتحدة مثل الكثيرين الذين سبقوه، لا توجد في جيبه ولا قطعة نقدية واحدة. يجتهد في عمله، وبعد سنة واحدة، يتزوج اجمل فتاة في المدينة. يبدأ بتجميع الموارد ويشتري اول ماشية لقطيعه. وبفضل ذكائه وبصيرته، ينتقي ماشية قوية ( خيول، ابقار ..) وينتهي به الامر بان يملك افضل ماشية متوفرة – بعد عشر سنوات من العمل المجهد.

افضل ماشية = افضل مفاهيم. انه يتنافس مع الملاك الاخرين، لكن بسلام. الكل يعترف انه الافضل، وان مجموعة مفاهيمه ( ماشيته) هي الافضل. سمعته تنتشر في الغرب، ثم البلاد كلها.

من حين الى اخر، يلحق بقطار متحرك ليرى، ويتكلم، ويسمع – مثل غورباتشوف في شوارع موسكو. على كل، للمرء دائماً القدرة على ان يحلق بقطار اينما كان !.

شهرته طاغية، يمكنه ان يترشح لرئاسة البيت الابيض، رغم انه بدأ بلا شيء. لكن لا !، انه يفضل  السفر، والمشي في الشوارع، هكذا يتمكن المرء ان يفهم الفلسفة الحقيقية، الموجودة في اذهان الناس التي هي دائماً تناقضية.

لهذا السبب يقرأ للهندوس وللصينيين (الزن)، وكذلك لماكيافيلي، وسبينوزا، وكانط، وهيغل، وكيركيغور، وكافاييس، وكانغيلم، وفييمان، وهايدغر، ودريدا، ودولوز، الخ. هكذا، دون اي قصد، يغدو فيلسوفاً مادياً شبه محترف، ليس مادياً ديالكتيكياً – هذا الرعب !، بل مادي تصادفي.

يبلغ المستوى الكلاسيكي للحكمة، النوع الثالث للمعرفة عند سبينوزا، الإنسان الاعلى عنذ نيتشه، وفهم العودة الابدية : بمعنى، كل شيء مكرر، ويكون في تكرار متفارق. الآن يدخل في نقاشات مع المثاليين الكبار. انه لا يفهمهم وحسب، بل يقوم بشرح اطروحاتهم لهم !. الاخرون احياناً يقتنعون بآرائه بمرارة عظيمة، لكن .. على اية حال :

افلاطون صديق عزيز، لكن الحقيقة اعز منه !..

(amicus Plato, magis amica Veritas!)