مجلة حكمة

جون إليستر: لا غنى عن السلوكيات الايثارية لتحسن سير المجتمعات / ترجمة: نوفل الحاج

حوار عن مجلة فلسفة، بتاريخ 29-01-2009 نقله إلى العربية الدكتور نوفل الحاج لطيف (باحث مختص في الفلسفة السياسية والأخلاقية الأنجلو-سكسونية الحديثة والمعاصرة)، تونس


 

تشكك في كتابك “الايثار”، في فكرة “الشخص الاقتصادي”. بأي معنى؟

إليستر: لست مهتما بشكل خاص بالاقتصاد، ولكن بتحليل السلوكيات البشرية، سواء على الصعيد الاقتصادي أو غير الاقتصادي. فثمة تحليل اقتصادي للانتحار، والزواج، والتردد في الذهاب إلى القداس، الخ. إنما أطعن من وراء هذه التحليلات في وجهة نظر الشخص الأناني والعقلاني التي تبدو، في تقديري، خاوية وخاطئة. والعيب الرئيسي في هذا التحليل هو أنه لا يعير اهتماما للعواطف. وقد باءت كل المحاولات لتعديل نظرية الاختيار العقلاني في هذا الاتجاه بالفشل. من ذلك مثلا ما يُفترض أنه عقلانية المستهلكين. عندما نستحضر التسوق المقارن في البدان الأنجلو -سكسونية، والتنقل بين المحالات التجارية بحثا عن السعر الأفضل، بينما ننسى دائما أن نأخذ في الاعتبار الوقت المستغرق في هذا البحث. هذا التمشي هو أقل عقلانية بكثير مما نعتقد. أليست الأزمة المالية الراهنة دليلا قاطعا على أن اختيارات الرأسمالية العقلانية وكذلك الأشخاص العقلانيين لم تكن عقلانية؟

 

تميّزون بين المصلحة والمصلحة المفهومة جيّدا.

إليستر: ليس لي هنا سوى الاقتداء بتوكفيل في تمييزه بين المصلحة الخام و”المصلحة المفهومة جيدا”، وهذه إجمالا مصلحة آجلة. وإذن هناك عديد المؤشرات التي تثبت أن الأزمة المالية الراهنة لا تتأتى من كون الأشخاص ليسوا غير عقلانيين فحسب وإنما أيضا لأن أفقهم الزمني قصير جدا. فأقصى ما يعنيهم هو حصيلة السداسي. ففكرة الاستثمار في الزمن لا تدخل في مصلحتهم الخام. وهذا ما ينتهي بهم إلى أفق مسدودة وتناقضات صارخة.

 

في تقديركم، هل يمكن أن يوجد مجتمع بدون إيثار؟

إليستر: من المهم التأكيد على أنه لا غنى عن السلوكيات الإيثارية. من ذلك مثلا أنه، في تقديري، لا يمكن تفسير التصويت برده إلى دوافع أنانية محضة. وذلك، أولا، لأن التصويت ليست مردودية مباشرة. وثانيا، لما كان التصويت في مجتمعنا غير علني، فإن الرغبة في تصديق الأخرين تصبح معدومة. إن التصويت لا يفسر إلا مدنيّا. وبطبيعة الحال، يمكن أن نقول في أخر التحليل بأن المرء يرمي من وراء التصويت إلى تصديق “ما هو عمومي بداخله”، ووعيه، وهو ما يجعل من التصويت سلوكا أنانيا. ولكن هذا ما لا نستطيع معرفته…

كيف يمكن أن يترجم هذا السلوك اقتصاديا؟

إليستر: يمكن أن نذكر صناديق الادخار التي تنشط في مجال ما يسمى “الاستثمار المسئول اجتماعيا”. وهي صناديق ترفض الاستثمار في التبغ والكحول والقمار في الولايات المتحدة الأمريكية، كما رفضت صناديق أخرى، في السابق، الاستثمار في جنوب إفريقيا إبّان نظام التمييز العنصري، وتمثل نسبة استثمارات هذه الصناديق بين 10و11% من مجموع الاستثمارات، وهذا ليس قليلا، وإذا كان بعض الخبراء يعتقدون بأن هذه النسبة مرشحة للارتفاع. فإني شخصيا لا أعتقد في ذلك، لأن “الرأسمالية الأخلاقية”، في تقديري، ستظل مهمشة، لأنه من الواضح أن المؤسسات الاقتصادية ليست معنية بحل المشكلات الاجتماعية. وعليه على المستهلكين، أن يتحملوا مسئولياتهم، بأن يُظهروا سلوكا إيثاريا حقا من خلال رفضهم السلع المنتجة عبر استغلال الأطفال أو في ظروف عمل مقيتة وأن يضغطوا على المؤسسات حتى تغير ممارستها في هذا الاتجاه.

أجل، ولكن بالقياس إلى واقع أغلب المؤسسات، لا يمكن الحديث عن إيثار حقيقي.

فعلا، يوحي الأمر بالإيثار. وهو ما أسميه “هاجس الإيثار”، في مقابل “الانهمام الإيثاري” الحقيقي، الذي، كما عبر عن ذلك جيدا بروست Proust عندما يتحدث عن غيّيتو Giotto في “الوجه المنفر والجليل لحسن المعاملة”، لا يسعى لا للظهور ولا للتخفي، إنه فقط يسعى لأن يكون.

 

 


جون إليستر، فيلسوف وعالم اجتماع أمريكي من أصل نرويجي، متخصص في الماركسية ونقد نظرية الاختيار العقلاني، يدرّس في جامعة كولومبيا. نُشر له سنة 2009 كتابا بعنوان “الايثار” Le désintéressement, Paris, Seuil, 2009