مجلة حكمة
طفرة التوائم: السبب وراء ازدياد وتضاءل نسبة التوائم – لورا سبيني / ترجمة: هيا فهد

طفرة التوائم: السبب وراء ازدياد وتضاءل نسبة التوائم – لورا سبيني / ترجمة: هيا فهد

نسبة التوائم في العالم كانت تزداد وتتضاءل على مدى التاريخ البشري. وللمرة الأولى نفهم لماذا يحصل ذلك


في الأساطير اليونانية، التوأمان كاستور وبولكس ربطتهما علاقة وثيقة جدا، حتى أنه عند وفاة الفاني كاستور تخلى الخالد بولكس عن نصف عمره الأبدي ليبقى معه، وتحول التوأمان بعد ذلك ليصبحا برج الجوزاء. وبعكس ما جرى للتوأمين في الأسطورة القديمة، التوأمان سكوت كيلي رائد الفضاء ومارك كيلي، تم لم شملهما في شهر مارس الماضي بعد عودة سكوت من مهمته في محطة الفضاء الدولية بعد مرور عدة سنوات. انتظر سكوت أيضا عدة أطباء باحثين لم يطيقوا الصبر للقاء التوأمين لأنهم رأوا في حالتهما الفريدة فرصة لدراسة التغييرات التي يحدثها الفضاء في جسم الإنسان. نحن الآن على قدر كبير من الوعي بالتوائم تماما، ليس فقط لأنهم تخطوا الحدود وحازوا على انتباهنا بل لأننا نعيش في زمن طفرة التوائم.

        نسبة التوائم في وقتنا هذا أصبحت أعلى من أي وقت في التاريخ البشري كله. هذا التطور ربما لا يكون واضحا للعين المجردة – معظم التوائم هم توائم يبدون كالأخوة أكثر من كونهم توائم، بمعنى أنهما غير متطابقين، فهما ليسا متشابهين، في المتوسط، أكثر من الأخوة غير التوأم– لكننا نعي وجودهم بالرغم من ذلك، نحن نعي وجودهم في أجنحة الولادة في المستشفيات وفي الصفوف الدراسية وأيضا بين علاقاتنا الاجتماعية. شريحة من الناس أبدت اهتماما خاصا لهذه الظاهرة وهم العلماء المختصون بالإحصاء السكاني، وذاك لأنهم ولأول مرة في التاريخ يجدون أنفسهم في وضع يستطيعون فيها أن يحللوا الطفرة ويبحثوا عن مسبباتها.

          في منتصف القرن العشرين، بدأت البلدان المتقدمة والأقل تقدما بعميلة جمع إحصاءات لحالات الولادة بشكل منظم من ضمنها ولادات التوائم مما جعل المقارنة بين بلد واخر ممكنا. أكثر المقارنات شمولا لطفرة التوائم والتي نشرت في ديسمبر الماضي على يد ثلاثة باحثين أوروبيين حيث شملت معلومات من 32 دولة. هذه المقارنة أكددت أن الظاهرة عالمية ولكنها كشفت أيضا أن الظاهرة تظهر بشكل مختلف من مكان إلى اخر. المقارنة أيضا القت الضوء على فكرة كانت تظهر هنا وهناك منذ قرن مضى، وهي أننا لسنا فقط من نتغير بسبب التوائم لكن هم أيضا يتغيرون بسببنا.

        ولإيضاح الفكرة أكثر، معدل التوأمة يعتبر مؤشر حساس لمدى التغير البيولوجي والاجتماعي. هذه الفكرة تعتبر ثورية لأنه ولزمن طويل أعتقد العلماء أن معدل التوأمة كان ثابت في الجنس البشري، وجمع البيانات المتسلسل قد دحض هذا الافتراض. على سبيل المثال، بقيت نسبة ولادة التوائم في فرنسا ثابتة على مدى معظم القرن العشرين، وهي 10 حالات لكل 1000 حالة ولادة. إحصاءات الولادة في فرنسا كانت موجودة منذ عام 1700م، وعندما ألقى جيل بيزون عالم إحصاء سكاني في متحف الإنسان والمعهد الوطني للدراسات الديموغرافية في باريس نظرة على الإحصاءات توصل إلى اكتشاف مفاجئ. بمساعدة زميلة ناديجي كوفرت توصلا إلى أن معدل التوأمة كان متأرجحا ومر بتغيرات كبيرة ومفاجئة على مدى القرون الماضية. قرابة العام 1720 م كان معدل التوأمة 15 حالة لكل 1000 حالة ولادة – معدل لن يصل إليه حتى العام 2000 م. وفي العام 1800 م انحدر إلى النصف – أقل من 9 حالات لكل 1000 حالة ولادة- والمرة القادمة التي سينخفض فيها مرة أخرى كانت قرابة العام 1970م. ترى ما الذي كان يحصل فعلا؟

       شيء واحد كان واضح في الحال: الاختلافات كلها نشأت من ثُنائِيُّ الزيجوت أو التوائم الغير متطابقة. آحادي الزيجوت، أو التوائم المتطابقة، تنشأ من بيضة واحدة لقحت بواسطة حيوان منوي واحد والتي انفصلت في المراحل الأولى من الحمل، بينما التوائم المختلفة تنشأ من بيضتين مختلفتين لقحتا بواسطة حيوانين منويين مختلفين زرعا في رحم الأم بنفس الوقت. النوعان من التوائم هما ظاهرتان جينيتان مختلفتان ولهذا تخضعان لقوانين مختلفة. معدل التوأمة آحادية البيضة هو معدل ثابت، يصل تقريبا لـ 4 حالات  من كل 1000 حالة ولادة – وهو معدل يرى في كل الثدييات باستثناء شذوذ الحيوان المدرع والذي ينتج توائم متطابقة رباعية أو ثمانية. كل النساء لديهم نفس القابلية تقريبا لإنجاب التوائم المتطابقة مما يجعلهم نوعا ما نسخة واحدة جينيا. في الجانب الآخر، التوائم غير المتطابقة منتشرة في العائلات. وهي مألوفة في أماكن من العالم أكثر من غيرها، وهذا يعكس التأثيرات الوراثية على الهرمونات التي تحتشد في المجتمعات. كما أن حدوثه يصبح محتملا أكثر مع ازدياد ترتيب الولادة. حدوثه كذلك حساس لسن الأم.

        عمر الأم كان يعد أكبر عامل محدد لمعدل التوأمة في أغلب التاريخ البشري. في حين أن خصوبة المرأة تبدأ تدريجيا بالتناقص في بداية الثلاثينيات من عمرها، واحتمالية إنجاب المرأة لتوأم مختلف تتزايد بشكل خطي من سن البلوغ إلى عمر 38. وذلك لأن معدل الهورمون المُطْلِقُ لمُنَبِّهِ الجُرَيب (الهُرْمونُ المُطْلِقُ لِمُوَجِّهَةِ الغُدَد التَّناسُلِيَّة) وهو الهرمون المسبب للإباضة – يزداد مع ازدياد العمر، في المقابل ازدياد احتمالية انتاج أكثر من بويضة في دورة محددة (احتمال انتاج أكثر من بويضتين صغير مع ذاك التوائم هم أكثر حالة شائعة للولادات المتعددة حتى الآن). في حوالي سن الثامنة والثلاثين عامل ضعف الخصوبة يصبح اقوى التأثرين مسببا بذلك انخفاض التوائم المختلفة مجددا.

        البيانات الفرنسية في بدايتها كانت سطحية وغير مفصلة وإلى حد ما لم تكن موثوقة. معدل وفيات الرضع في القرن الثامن عشر كان أعلى من أيامنا هذه، على سبيل المثال، فولادات الأجنة الميتة لم تكن تسجل دائما. كما أنها نشأت وبشكل خاص من الريف، وهذا يعد أقل من مشكلة لأن 85 بالمئة من المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت كانوا في الريف. وبغض النظر عن هذه المخاطر بيزون يعتقد أنها تعكس العوامل التي تشكل الأسرة في ذلك الوقت. في بداية القرن الثامن عشر، النساء ينجبون أطفالهم في وقت متأخر نسبيا وذلك لأن الزواج في ذلك الوقت يتأجل لحين توفر إمكانية تحمل تكلفة تأسيس حياة مستقلة. وأيضا العائلات في ذلك الوقت كانت كبيرة، فمعدل إنجاب الأسرة الواحدة من خمس إلى ست أطفال وكلا هاذين العاملين مفضل لحصول التوائم. الثورة في نهاية ذلك القرن أدت إلى ارتخاء قيم العائلات التقليدية وانتشار الاستخدام الغير مشروع لموانع الحمل (غالبا كانوا يستخدمون the withdrawal method)). الأمهات أصبحوا أصغر والعائلات تقلصت، على النقيض من ذلك هذه الظاهرة لم تبدو واضحة في بريطانيا حتى نهاية القرن التاسع عشر.

طفرة التوائم كان لها دور على المدى البعيد في إبطاء سير موجة اجتاحت العالم وهي وفيات الرضع

اتباع منحنى البيانات الفرنسي إلى القرن العشرين كشف عن المزيد من المعلومات غير المتوقعة والثمينة. فرنسا شهدت ارتفاع هائل في معدل التوائم في العام 1919 م بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. بيزون يعتقد أن هناك عاملين ساهما في هذا الارتفاع. أولها أن الحرب أجلت الإنجاب لدى كثير من الأزواج وبالتالي ستكون النساء أكبر سنا من المعتاد في تلك الفترة حين يصبحن أمهات. ثانيا دور تأثير الاختيار، حيث ان الأزواج الأكثر خصوبة هم الأسبق في حصول الحمل بعد عودة الزوج من الحرب. وبما أن الأزواج الأكثر خصوبة هم على الأغلب من لديهم احتمال أكبر لإنتاج التوائم، معدل التوأمة حلق عاليا في أول سنة من السلام بعد الحرب. شيء مشابه حصل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية خصوصا في استراليا وأميركا حيث أن انفصال الرجال عن زوجاتهم وخطيباتهم امتد لمدة أطول من الأوروبيين.

        في العقود بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أكثر الدول الصناعية شهدت انخفاضا بطيء في معدل التوأمة، والذي وصل إلى 9 حالات لكل 1000 حالة ولادة تقريبا في فترة بداية السبعينيات. الأسباب تشابهت مع الأسباب التي شوهدت قبل 200 عام مضى في فرنسا في الثورة الفرنسية وأحيانا سميت تلك الثورة بالثورة الجنسية: قل الرجوع إلى العادات والأعراف وزادت المرونة في المجتمع بالنسبة للعائلات. على الرغم من ذلك كان هنالك اختلافات، أدوية منع الحمل لعبت دورا هذه المرة من خلال تفاعلها بطرق معقدة مع الفكر النسوي الجديد، حيث أن النساء المتزوجات استخدموا الأقراص للحد من عدد مرات حملهن، وعدد الأطفال الذين ولدوا للنساء غير متزوجات اخذ في الازدياد – ويرجع ذلك جزئيا إلى أن المجتمع كان أقل معارضة للأمهات العزباوات، حيث أن الرجال تركوا مسؤولية تنظيم الحمل على عاتق النساء. إجمالا التأثير كان أن العائلات تقلص عدد أفرادها والأمهات الاتي ينجبن للمرة الأولى أصبحن أصغر سنا مجددا.

       تلك كانت سنوات طفرة التوائم، لكن التوائم كانوا نادرين. طفرة التوائم الحالية لم تنتهي حتى السبعينيات، مع دخول التكنلوجيا المساعدة على الإنجاب Assisted Reproductive Technology (ART)- المصطلح الجامع لعلاج الخصوبة التي ترفع بشكل كلي من معدل التوأمة من خلال زيادة الفرصة بإنتاج أكثر من جنين يزرعان في الرحم في وقت واحد. وفي نفس الفترة وذلك جزئيا بسبب إقبال النساء الشديد على سوق العمل، أصبحت الأمهات أكبر مجددا. معدل التوأمة تضاعف في 40 سنة فقط حيث أصبح 15 حالة لكل 1000 حالة ولادة في جميع البلدان الصناعية. اليوم في أوروبا وأمريكا تقريبا في كل 60 شخص يوجد توائم واحد.

       لفهم تأثير تكنلوجيا ART  على معدل التوأمة علينا أن نأخذ خطوة إلى الوراء قبل وجود هذه التكنلوجيا وننظر إلى معدل التوأمة في أنحاء العالم. كان يوجد العدد الكافي من البيانات مسبقا لتوضيح الاختلاف من بلد لأخر قبل السبعينيات بعقود قليلة. المعدل الطبيعي  للتوائم  في أمريكا أعلى قليا من المعدل الطبيعي في فرنسا وبالمقابل معدل فرنسا أعلى من معدل اليابان على سبيل المثال، ومعدلات العالم الأقل توجد في آسيا بينما المعدلات الأعلى توجد في أفريقيا الوسطى .دولة بنين هي بطلة العالم في التوائم و تفتخر بمعدلها المتميز الذي يصل إلى 28 حالة لكل 1000 ولادة .اقترح البعض أن هذا المعدل العالي في أفريقيا الوسطى له علاقة بنظام التغذية المحلي وعلى وجه الخصوص مادة توجد في اليام (بطاطا حلوة) لكن حقيقة أن الناس الذي ترجع أصلوهم إلى أفريقيا الوسطى ممن ولدوا وتربوا خارجها لديهم أيضا معدل توائمه عالي دلت إلى أن الأسباب على الأغلب جينية .

التوائم يمتلكون نظرية عالية التطور للعقل الآخر وأيضا يمتلكون القدرة على العمل معا بطريقة أفضل من أي ثنائي بشري

على العكس من سابقتها البيانات الحديثة للإثنين وثلاثين دولة نشرت بواسطة بيزون وعالما الاجتماع كريستيان موندين من جامعة اوكسفورد في المملكة المتحدة وجيرون سميتس من مدرسة نيميجن للإدارة في هولندا، ولذلك أتيحت فرصة عمل مقارنة للتطور الذي مرت به طفرة التوائم في أنحاء العالم – والعوامل التي ساهمت في تشكيلها في كل قرن. العاملان الرئيسيان هما تكنلوجيا ART  وعمر الأم. العلماء قاموا بعمل محاولة لتحليل تأثير هاذين العاملين. فعلوا ذلك عن طريق حساب كيف للزيادة في معدلات التوأمة كان يمكن أن تكون، قاموا بعمل التوزيع العمري للأمهات على مستوى عام 1970م ومقارنتها بما لاحظوه فعليا. وجدوا أن تأثير عامل تكنلوجيا ART  في تحريك الطفرة كان تقريبا أكثر أهمية بثلاث مرات من عامل زيادة عمر الأم (الجدير بالاهتمام أيضا أن تكنلوجيا ART رفعت بقدر قليل معدل التوائم المتطابقة، ,بالضبط كيف ولماذا لم يكن ذلك واضحا). وللمرة الثانية كان هناك تفاوت بين الدول – هذه المرة الاختلاف يعكس التفاوت بين الثقافات المختلفة، ففي اليابان على سبيل المثال الطفرة كانت تسعة أجزاء من تكنلوجيا  ART وجزء واحد للأمهات الكبيرات، بينما في بولندا الكاثوليكية حيث لم تكن ART ذات شهرة عمر الأم على قدر ما كان العامل المهيمن.

       التوجه نحو الإنجاب في سن أكبر أجتاح العالم، ورسخ هذا التوجه مكانة في الدول المتقدمة وأيضا أصبح يرى بازدياد في الدول الأقل تقدما وحيث بقيت تكنلوجيا ART  حصرا على الأثرياء فقط .في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية على سبيل المثال لايزال  إنجاب طفل – ناهيك عن توائم – خطرا على الام والرضيع والذي يجعل ART  مخاطرة لا تستحق التجربة حتى لو كانت متاحة للجميع وبتكلفة مناسبة .يقول بيزون أن العالم تلقائيا يتحرك ليكون بالمستوى الذي وصلت إليه بينين وبعض البلدان قريبة بالفعل من ذلك. فمثلا اليونان والدنمارك كسرتا حاجز 20 حالة لكل 1000 حالة ولادة في عام 2010. سواء كانوا سيصلون إلى 28 حالة لكل 1000 حالة ولادة أولا مسألة خلاف لوجود علامات على أن الطفرة سوف تبطئ من مسيرها في أجزاء من العالم مثل هونج كونج مثلا، فمعدل التوأمة هناك لايزال ينمو بسرعة لكن في انحاء أخرى من العالم المعدل توقف عن النمو أو حتى أخذ يتناقص. وهذا الأخير هو ما يحصل في هولندا والنرويج بينما في فرنسا وأميركيا مع أن الوقت يبدو مبكرا لقول ذلك يظهر أن المعدل قد أخذ بالفتور.

       لماذا أخذ المعدل بالتراجع؟ أحد العوامل المساهمة في ذلك قد يكون تغير الاتجاهات الطبية حول  ART والذي يعكس فهما أفضل للتأثيرات الجانبية المصاحبة للولادات المتعددة .فالتوائم هم الأكثر عرضة للولادة كخدج (غير مكتملي النمو) و أيضا بوزن أقل بالإضافة إلى صعوبات أثناء الولادة أكثر من الولادة بطفل واحد ,وهناك دليل على أن هذه المشكلات مرتبطة بمشاكل صحية في وقت لاحق من الحياة .على الرغم من أن احتمالية وفاتهم في السنة الأولى ضئيلة إلا أنها أربع مرات أكبر من الأطفال الآخرين .بمعنى أن طفرة التوائم أوقفت التوجه العالمي نحو وفيات رضع أقل على المدى البعيد. بسبب كل هذه الأسباب بالإضافة إلى تكلفة إعالة طفلين بدلا من طفل واحد فضريبة التوائم تقع على الأهل. الأمهات اللاتي أنجبن توائم هن أكثر عرضة بمرتين من الأمهات الأخريات للتعرض للاكتئاب ما بعد الولادة، والوالدان أكثر عرضة للطلاق أيضا.

      في عام 2000 تقريبا بدأت بعض حكومات الدول – دول أوربا الشمالية وأستراليا واليابان وأميركيا على وجه الخصوص-بتعزيز سياسة “الواحد على حدة” وذلك بتوجيه الأطباء في عملية التلقيح الصناعي ((IVF لإرجاع بويضة ملقحة واحدة فقط لرحم الأم. وبحلول ذلك الوقت، التقدم التقني الذي وصل إليه التلقيح الصناعي جعل من الصعب تبرير إرجاع أكثر من بويضة ملقحة. في الثمانينيات لم تكن هناك طريقة لمعرفة أي من الأجنة هو الأكثر صحة من بين مجموعة، لذلك كان الأطباء يرجعون إلى الرحم أكثر من جنين أملا منهم أن بأحدهم يحصل الحمل، والوالدين في ذلك الوقت تقبلوا احتمالية الحصول على أكثر من طفل. بحلول عام 2000 أصبح من الممكن معرفة أي من الأجنة هو الأكثر صحة والفضل لذلك يعود لتقنيات الكشف الجديدة. سياسة “الواحد على حدة” يتم فرضها من قبل القانون في بعض الدول وبعض الدول تكون من ضمن التوجيهات، وهذا يساعد على شرح لماذا تلاشت الطفرة في دول أسرع من الأخرى.

       إذن، كيف سيكون المستقبل؟ إذا كنا تعلمنا شيئا من إدراكنا أن معدل التوأمة هو معيار للتغير سيكون ذلك أن القصة لم تنتهي هنا .طفرات التوائم حدثت مسبقا وسوف تحدث لاحقا .ربما سنكون قادرين على التنبؤ بها في المستقبل أيضا بقدر ما باعتبار أننا عرفنا العديد من العوامل التي تفضلها .إذا أصبحت علاجات الخصوبة بتكلفة معقولة و تطورت العناية الصحية بحديثي الولادة ,دول جنوب صحراء افريقيا قد تشهد طفرة قائمة على تكنلوجيا ART .على سبيل المثال في حين أن معدل التوأمة في الصين على الأغلب سوف يرتفع بعد إلغاء قانون الطفل الواحد والعديد العديد من الصينين سوف يتجاوزون خط الفقر .

        قبل أن نخرج من هذه الطفرة علينا أن نتوقف قليلا ونتأمل كيف ساهموا التوائم في العالم الحديث وأيضا نتأمل بالتحديد لمدى فهمنا لما يعنينه أن تكون بشرا. هم بلا شك يفرضون عبئا على المجتمع، كالأبوين والموظفين في أجنحة حديثي الولادة يستطيعون إثبات ذلك أيضا. لكن نانسي سيغال الحائزة على دكتوراه في دراسات التوائم من جامعة ولاية كاليفورنيا، فولرتون (وكتوأم أيضا!) لديها رأي آخر حيث تقول أن التوائم جلبوا لعالم البشر مميزات قيمة وفريدة من نوعها -في أفضل الحالات: الثقة المطلقة المتبادلة ونظرية متطورة للعقل الآخر بالإضافة إلى القدرة على العمل معا بشكل يفوق أي ثنائي اخر.

        التوائم أيضا كشفوا لنا أهم المعلومات عن أنفسنا، منذ اخر 150 سنة دراسات التوائم زودتنا بأكثر الأدوات قوة للكشف عن جذور السلوك البشري. في مثل هذه الدراسات يتم عمل مقارنات للتوائم أحادية الزيجوت (توائم متطابقة) وثنائية الزيجوت (توائم مختلفة) لفهم وتحليل مدى تأثير الجينات والبيئة بالإضافة إلى كل شيء من الشخصية إلى الذكاء إلى القوة البدنية والصحة العقلية. لإعطاء مثال حالي، يوجد دراسة نشرت مؤخرا في مايو وجدت أن التوائم لديهم احتمالية أعلى من غير التوائم للبقاء على قيد الحياة حتى عمر الستين – هذا التأثير يكون أقوى في التوائم المتطابقة أعلى من التوائم المختلفة. أحد التفسيرات المحتملة التي أعطاها الباحث أن العلاقة القوية التي تربط التوأمين تخفف عنهم ضغوطات الحياة – وبسبب ذلك تقوى فكرة أنه يمكننا تعزيز جودة حياة كبار السن بشكل عام من خلال مساعدتهم على تنمية شبكة من العلاقات الإجتماعية والمحافظة عليها.

        في الخمسينيات قبل أن تتلاشى الطفرة الحالية بقليل , السلوك البشري كان ينظر له أنه يتشكل بسبب البيئة وحدها تقريبا .أما الان والفضل بذلك يعود إلى دراسات التوائم لم يعد ممكنا بعد الان التفكير بالسلوك البشري بدون الرجوع إلى بعض العوامل الجينية على الأقل – وهذه النقلة في علم النفس ترتب عليها نتائج عمليه .في كتابها (إنتوايند لايفز) 1999 تعطي سيغال أمثلة على أن المهارات الرياضية , العزلة الاجتماعية وزيادة الوزن كلها يعترف بها الان على أن تكون ولو جزئيا تحت التحكم الجيني .كتبت سيغال “أنه بإدراك ذلك كان هذا هو المفتاح للتقدير الواعي للتنوع الفردي وهذا ينعكس في أساليب التعليم , الأحداث السياسية و الأنظمة الغذائية “. وجهات النظر مثل هذه قد تشرح بطريقة ما انبهارنا الدائم بالتوائم. مثل نارسيس النرجسي عندما نظر إلى نفسه في النهر، عندما ننظر إليهم نحن لا نرى شخصين متشابهين لحد التطابق بقدر ما نرى أنفسنا.