الاعتراف بالعرفان:
إن موضوع هذا الكتاب كان بمثابة تحدي وجداني بالنسبة لي؛ أي مغمور بالعاطفة في بعض الأوقات. إذا لم يكن موضوع البحث المتواجد في هذا الكتاب لديه الأغراض المتحققة إلا من خلال التشجيع، الدعم، الإلهام، والمحبة الشديد للعديد من الناس، ولكنني أعتقد أن هذا المجال البحثي من الموضوعات الأكاديمية التي شهدت العجز والنبذ منذ بداية الظاهرة.
فهذا المشروع البحثي ابتدأ؛ لأنني قمت بتطوير الفضول النسوي الذي انطلق بفضل الباحثات النسويات الممتازات، اللائي قُمنَ بطرحِ عددٍ من الأسئلة المُهمة. وهذا ما جعل الكتاب مُمكنًا فِكريًا؛ بفضلِ كل من كريستين سلفيستر، ثينثا إينلوى، كارول كوهن، آن تيكنر، تيريزيا تيياوا، وليني هنسين؛ حيث قاموا باقتطاع مساحات من البحث النسوي من خلالِ وضع نظامٍ حاكمٍ لهذا المجال البحثي.
وعليه فقد فقد تم الاستفادة-على نحوٍ عظيمٍ- من الإرشاد والتشجيع القادم من هؤلاء الباحثات النسويات، بالإضافة إلى الدعم المجتمعي، ومن “الجيل القادم” من الأكاديميات النسويات مثل: سواتى باراشار، أنيك وبين، كريستينا ماستيرس، سونغ جو بارك كانغز. كما أَودُ شُكر -على وجه الخصوص- كريستينا سلفيستر على تشجيعها المُبكِّر لي، واستمرار نصائحها الفكرية والأكاديمية المهنية، بالإضافة إلى سواتى باراشار في مشاركتها لي فِي تلك الرحلة الفكرية البحثية بكل ثقة وفَهم؛ فنحن حقا فريق عظيم.
كما أن هذا الكتابَ يقوم بتقديم العديد من الشكر إلى الكثيرِ من الناس في سيراليون، الذين أوضحوا لي كل شيء مُتعلقٍ بالحربِ –كما تعلمت سابقا- وأيضا في مرحلة ما بعد الحرب والكارثة. خاصة النساء الأكثر أهمية، واللائي قُمنَ ببيع الفول السوداني، حضور فصول لتعليم الحياكة، الاعتناء بأطفالهن، والقيام بمهام ضرورية أخرى؛ حيث قمن بشغل أيامهن للإجابة على الاستفسارات المتعلقة بالبحث، ونشر قصصهن. فالتزامي تِجاههن أن أقوم بكتابة السياق الذي أثّرَ عَلَى حياتهن، وهذا على قدرٍ كَبيرٍ مِن الأهميةِ بالنسبةِ لهن، كما أن ذلك سيُشكل مستقبلهن في مرحلة ما بعد الصراع، وسيُشكل مستقبل ذلك البحث ووضعية الكتاب. كما أن هناك شكر آخر يَذهب -على وجه الخصوص- إلى الأب جوزيف موموه، إدوارد عبده، ديهونجى شياكا، الأب جوزيف توراى، وعشا كامارا. كما أنني مُمتنة لليزا أوسكروفت؛ على كرمها الذي ليس له حدود، وحكمتها المتصلة، وعلى استكمال عودتي المتكاملة إلى كندا لإنهاء مجالي البحثي.
عندما كُنت في جامعة ألبرتا، ماليندا سميث، لويز هاردير، وروب أتيكن قاموا بتشجيعي؛ لملازمة موضوعي البحثي ومتابعته، والذي يبدو أنه متجاوز لقُدراتي؛ حيث قادني إلى الشفقة والرحمة. كما أنني أيضا أقدم الشكر -من أجل المساندة الفكرية والمؤسساتية- لكلٍ من برنامج المرأة والسياسة العامة، ومركز بيلفر للعلوم والشئون الدولية في جامعة هارفرد.
كما أنني مُمتنة للغاية إلى حماسية لورا سيوبيرج على إرشادي حتى نهاية هذا الكتاب، والشكر أيضا إلى مورجن هانكس، ماريانى بيفان، ديهونجى شياكا، ومحمد سيساى (وأيضا الآخرين)؛ الذين قرأوا المسودة المتعلقة بالموضوع، وأعطوا ملاحظاتهم وتعليقاتهم العظيمة. كما أن العرفان بالفضلِ يَمتدُ إلى روبى شيليم، وبات مولونى؛ لنصائحهم وصداقتهم. وأقدم شكرًا خاصًا إلى تيريزيا تيياوا؛ لإرشادها ومشاركتها ساعات معي في البسكويت والكتابة في كافية كلارك في ولينغتون.
الشُكر لأصدقائي ولعائلاتي في تقبلهم لي، وتقبل موضوعاتي المُحبطة عند التحاور. اثنتان من أقوى النساء اللائي عرفتهن وهما أمي وأختي؛ حيث كان لديهما مصدر ثابت من التشجيع، الكلمات العملية، والحب. أخيرا لم أجد كلمات لشكر زوجي وشريك حياتي چاسون؛ لجعلي أؤمن أن الذكاء هو الجمال، ولتشجيعي من خلال عبقريته وإبداعه. معًا؛ تُصبحُ الحياة مغامرة ممتعة.
*********
تصدير:
نحو علاقات دولية نسوية جديدة
بقلم: كريستين سلفيستر
في الآونة الأخيرة، نجد أن بعض دارسي العلاقات الدولية النسوية أصبحوا مهتمين بوضع المرأة استنادًا لوجهة نظر بسيطة، والتي تقول: إن المرأة في الحرب والصراع أصبحت من ضمن فواعل العنف الجماعي، ثم -عندما يصبح ممكنًا- من ضمن الفواعل في استراتيجيات مَرحلة ما بعد الصراع؛ فالمرأةُ العنيفة في العلاقات الدولية، ليست فقط على حال “جيد ويسير” لدراستها حالما كانت عليه وضعها. فتلك المرأة تصبح مُلائمة لدراستها من أكاديمية الموقع الذي يعمل على تجميع العديد من مجالات الدراسة الجامعية بين السياسة المقارنة، الأنثروبولوجي، ودراسات المناطق. في هذه الحالة يقوم باحثو العلاقات الدولية الحقيقيون بالتنظير والتأطير لجامعاتهم، وإنتاج مفاهيم تجريدية نتيجة لتلك الدراسات. فكل يوم إما أن يكون الأفراد غير مرئيين في العلاقات الدولية، وإما في حالة اندماج في فئات ذات العلاقة؛ مثال الجنود، المدنيين، والموتى. أما الآن، ومع عرض العديد من الأوضاع التي مُحيت عن طريق تركيزات القوى الكبرى، فمحللو العلاقات الدولية النسوية ذهبوا على نحو متزايدٍ للسعي نحو الدراسة من أسفل، بَدلًا من النظرِ في نظرية العلاقات الدولية من أعلى. فمعظمهم قاموا بالتحدث إلى الأفراد الذي لديهم خبرة الحرب والصراع، كما أنهم على معرفة -شخصيًا وسياسيًا- ببرامج التنمية في مرحلة ما بعد الصراع التي تُدعَم مِن خلال المجتمعات الدولية والمحلية.
تُعد ميغان ماك-كينزى واحدة من المتصدرات في ذلك الاقتراب الجديد لدراسة العلاقات الدولية وتفعيلها. فقد انطلق كتابُها بمجموعة من الفرضيات البارزة التي ترى أن الحرب هي عن الدول، الأسلحة، والاستراتيجيات، و أنها أيضا -في القاعدة- تمثل مجموعةً من الأنشطة التي يتم تخطيطها وتنفيذها من خلال الرجال، أما النساء فهن الأكثر معاناةً ونضالًا. فإذا لم نتعرف على خبرات النساء في واحدة من أكثر المؤسسات الاجتماعية المستدامة المعروفة للبشرية، وهى –الحرب- فإن جميع الدراسات عبر العالم لم تتمكن من التغلب على المفارقات الجوهرية حول ماهية الحرب، من وما الذي تنطوي عليه؟ وما عواقبها على الأفراد والمجتمعات؟ فالاستفسارات المُلِحة يمكن عنونتها هنا حول العنف القائم على النوع في ساحات الحرب، وما بعد الحرب. ماذا عن الأمن “المعياري/الطبيعي” للمرأة يمكن أن يعنى في المساحات المختلفة (مثلا: هل هو أمن قراني/زواجي؟)، وكيف يمكن للباحث المهتم أن يتحدث إلى النساء-المقاتلات، وسماعهن، ثم محاولة تأويل خبراتهن التي قفزت بهن بعيدا عن إطارهن وسياقاتهن الشخصية والسياسية. فماك كينزى حاولت وضع حجج عن تلك القضايا، بَل وقضايا أخرى في سياق الحرب التي أخذتها إلى سيراليون.
كما أنها وضعت العديدَ من المفاهيمِ المتعلقة بمرحلة ما بعد الصراع؛ للتعمير، التسوية، والتأهيل. والمفاهيم المتعلقة بمن وأي من القيم والمؤسسات التي تم إعادة تعميرها وتأهيلها، وفي أي من الاتجاهات؟ وهل السلام بعد سياقات الحرب يستتبعه عمليات إعادة التقييم للمرأة في المجال الخاص والمحلي، والأنماط المحددة من المسئولية والقوة؟ ومن يَصلحُ مع من؟ ماذا عن مدى السياسات التي تُمكِّن المرأة والفتاة من السعي نحو تحقيق مَواقعهن في الحرب، وفي مرحلة ما بعد الحرب؟ وهل تلك السياسات يُعتَرف بِها من خلال الأكاديميين، ممارسي التنمية، وحارسي حقوق الإنسان في المجتمع من أسفل؟ أم أنها تتواجد فقط في النصوص والمخططات التي تُعرِّفُ الأمن والتنمية من أعلى، وليست من أسفل وفقًا لأمنيات الشعوب إلى الوكالات المنوطة بذلك؟
كما أنه من المفيد التعرف على باحثي “الجيل القادم” للعلاقات الدولية النسوية عبر العالم، والاستماع إلى قصص الحروب، ومرحلة ما بعد الصراع، وتأمل محاولاتهم التنظيرية وهمومهم البحثية. فعندما يتم إلحاق النظرية بالعمل الميداني المرهق، وهذا كونه مُتواجد بالفعل في كتاب لميغان ماك كينزى، فإن ذلك يعني أن نسويات العلاقات الدولية بخير، وفي حالة إسهاب فكري عبر المساحات المتباينة، وليست فقط في بعض الأحيزة ذات الطابع النوعي (الجندري).
*********
الفصل الأول (المقدمة): النظام القراني والإنعدام الأمني لمرحلة ما بعد الصراع
واحدة من الدلالات الإيضاحية في الصراع الأهلي السيراليوني لسنوات الحادي عشر هي صورة الصبي، في حوالي الثانية عشر من عمره، المرتدي للملابس الخرقة الممزقة، تعبيرات الوجه القاسية، وحاملًا كلاشنكوف )أو فتومات كالاشنيكوفا) AK-47. فالاختلافات في تلك الصورة اسُتخدمت في منشورات لا حصر لها، وذلك بهدف “رفع الوعي” لدى الأطفال-الجنود، الحث على جمع التبرعات للدول الإفريقية التي مزقتها الحرب، والإعلان عن الحاجة الحرجة لوجود دارسات بحثية في السلام وما بعد الصراع. فتلك الصورة المفردة تُستخدم لتمثيل “إفريقيا”، أو بعض الأفكار عن إفريقيا باعتبارها مساحة من الأرض تَوحدت حَول الحروب الأهلية المضطربة، الفساد، والتخلف الإنمائي. كما يَرمزُ الطفلُ-المقاتل إلى التصورات غير المعقدة عن موضوعة “إفريقيا”. حيث يجسد ذلك الطفل الإمكانات الثابتة حول الفوضى في إفريقيا، والحاجة الحسية الحرجة للوجود تدخل خارجي ما. وكذلك، يدلل الطفل على ضياع براءة الطفولة على وجه الخصوص، وبراءة “تقليدية” إفريقيا على وجه العموم. فكونه طفلًا، قد يستحضر ذلك الحس الذي من خلال براءته يتم إتلافها وبترها، كما أنه يُبقى القليل حول إمكانية استرجاع تلك البراءة مرة أخرى. هذا قد يُغذي من تصور “تراجيديا إفريقيا”، والفكرة التي ترى أنه على الرغم من التدمير والضياع، فإنه من الممكن وجود المسئولية الغربية لاستعادة النظام والسلام إلى تلك القارة البائسة.
لقد أصبح هذا الطفل يُمثل مَجموعةً عريضةً من الهويات التوراتية التي تترافق في القارة، مُتضمنة الشباب المَحرومين، المواطن الفقير، والأطفال غير المتعلمين. فعندما سافرت إلى سيراليون في أكتوبر 2005، كان من الواضح أن ذلك التوصيف وتلك الهويات قد برزت بطريقة أو بأخرى. فمن ضمن هذه الهويات غير المُستكشفة هي النساء المقاتلات، واللائي ربما يَكُنَّ إحدى الفئات الأكثر تهميشًا، وعدم تمثيلهن بصفتهن مواطنات “متأثرات بالحرب”. فالقصة “الرسمية” للصراع، المتمثلة في الأدبيات، حكي الميديا، تقارير المنظمات الدولية غير الحكومية، وتقارير المنظمات المحلية غير الحكومية قد يُحذف من كل تلك الأوعية “المشاركة الفعلية للمرأة-المقاتل في ساحات الحرب”. عِلاوة عَلَى ذلك، مُعظم السرد الروائي يعمل على إعادة قصّ فترة ما بعد الحرب، ونهاية الصراع المسلح مع كتم -على نحو موثوق فيه- لكل خبرات النساء والفتيات المحاربات (المقاتلات). فمعظم السرديات تميل إلى التركيز على الذكور العنيفين الذين أصبحوا منزوعي السلاح؛ ولهذا السبب استطاع المجتمع العودة إلى “ما هو طبيعي”، أو العودة من الفوضى إلى النظام التمدني ذي الطابع المحلي المستقر. فالفوضى والانفلات الأمني من أهم المَعلمَات التي تميز فترات الحرب؛ حيث يجري توصيف الحال المقابل لها على أنها التبديل التدريجي نحو السلام والنظام من خلال مؤسسات التنمية وتدخل الحكومة. وذلك لإعادة توحيد العائلات، إعادة الأطفال إلى المدارس، وإيجاد الذكور فى وظائف جديدة؛ وذلك لتشجيع أحبائهم على التوطين من جديد.
فمثل تلك التصورات وحقائق الصراع والسلام في سيراليون مثلت تناقضا صارخا مع السرديات التي جاءت عن الأفراد الذين قُمت بإجراء مقابلات معهم في تلك البلد. فعاملو الإغاثة ومنظمات اجتماعية محلية، موظفو الحكومة، المتطوعون، وقادة المنظمات النساء كَشفوا عن النسخة البديلة للحرب، ومرحلة ما بعد الصراع؛ التي أوضحت ما يكون عليه النساء-المقاتلات على نحو مستدام. فظاهرة المرأة-المقاتلة تعمل على خلخلة كل الممارسات النوعية المبسطة القابلة للتنبؤ في الحرب، فقد قامت بنزع التوصيف النموذجي “للمتمرد الإفريقي”، بالإضافة إلى التصورات المتعلقة بالنساء الإفريقيات الضحايا وغير المُمكنَات. فالقصص المتباينة عن مشاركة المرأة والفتاة في الصراعات المسلحة الأهلية في سيراليون؛ تَولد عنها عدد من الاستفسارات وهي: لماذا -إذا كانت المرأة قد شاركت باعتبارها محاربا- تم تجاهلها على نحو عريض في معظم “القصص الرئيسية” المتعلقة بالحرب؟ أين نجد قصصهن الحقيقية؟ كيف يُمكن لسرد الإناث المقاتلات عن فترات الحروب، وما بعد الصراع أن يعزز ويغير من معظم “القصص الرئيسية” المتعلقة بالحرب الأهلية في سيراليون؟ كيف يمكن للإدراك والاعتراف الحقيقي بالمرأة-المقاتلة أن يُعطل ذلك من التصورات والمدركات ذات الطابع التعميمي المفرد للصراعات في إفريقيا؛ كاستخدام الصبي الحامل للكلاشنكوف رمزا لتلك الحروب؟ وعليه فتوجيه الضوء على ذلك الفضول، فإنه من المنطقي الذهاب على نحو مستقيم إلى المصدر. فمن خلال مساعدات العديد من الأفراد والمنظمات؛ أصبحت قادرة على إجراء العديد من المقابلات الشخصية مع أكثر من خمسة وسبعين امرأة-مقاتلة عبر البلد. فالقصص، الأحلام، الشكوى، والرغبات التي تم سردها من خلال هؤلاء النساء اللائي تحدين الفرضيات المبعثرة المتعلقة بالتنمية، النوع والحرب، الإناث العنيفات، والتجنيد. فالفجوة الهائلة -عاجلا أم أجلا- ستبزغ بين السرد المتواجد بالفعل حول المرأة-المقاتلة وبين السرد الشخصي للنساء-المقاتلات حول قصصهن في الصراع ومواقفهن في مرحلة ما بعد الصراع المسلح. فالنساء-المقاتلات اللائي تم مقابلاتهن أوضحن أن التصور حول “النساء والأطفال” على اعتبارهم من ضمن الفئات التي تعد من ضحايا الحرب؛ قد يعد ذلك تبسيطًا مختزلا، وتجاهلا للأدوار المتباينة للنساء والفتيات أثناء الحرب، بالإضافة إلى مسئولياتهن وإرادتهن في تلك الفترة. فَضلًا عن ذلك، فإن قصصهن خلقت مشكلات حول فكرة “ما بعد الصراع”، التي تعد بمثابة الحركة غير الاتصالية من الحرب إلى السلام. وأخيرًا، فإن تلك المقابلات تُعسّر من اثنين من التعميمات الميسرة حول الصراعات الأهلية الإفريقية، هما؛ الأولى: تتضمن الافتراض بأن الحروب الأهلية اشتعلت من خلال بعض الرجال التافهين الذين قاموا بارتكاب العنف الممنهج، والاستمرار في نشر الفوضى وتعميمها. أما الثاني: يتمثل في أن النساء والفتيات تَأثّرن من خلال -أو تم حمايتهن من الحرب- ولكن نادرا ما استمرن في، أو أثّرنَ على الحرب ذاتها.
يفترض هذا الكتاب اعتقادًا مفاده أن قصص الحرب والسلام يُعدوا لا شيء في حالة تجاهل، إخراس، وإقصاء المرأة والفتيات. فمن دون السؤال عن/ أو سماع خبرات النساء والفتيات مثلهن مثل الرجال والصبيان أثناء الحرب؛ فنحن بذلك قد نُترك مع قدرات محدودة لفهم ديناميكيات الحرب، فواعل الحرب، ماذا تعني الحرب بالنسبة للناس، وكيف يتأثرون من الحرب على المدى القصير والطويل. فالفهم الحالي لمرحلة ما بعد الصراع- السلام، وإعادة التكامل في سيراليون يصبح متساوي نوعيا (چندريا) إلى حد ما، وذلك لغياب القصّ الشخصي للنساء-المقاتلات في فترات الحروب وما بعد الحرب. فمن دون الاعتراف بأدوار وخبرات النساء المقاتلات في سيراليون؛ تُصبح سياسات ما بعد الصراع للتعمير والتنمية مقيدة لكونها ذات عماء نوعي/چندري، وذلك في أفضل الأحوال، ومُكبلة، مُقننة أخلاقيًا، ومنتظمة في أسوأ الأحوال.
اتباعا للمواد المُستخرَجة من المقابلات، قد نَجد أن واحدة من الأهداف المركزية لذلك الكتاب هي أنه يَعرض لمرحلة ما بعد الصراع للتعمير والتنمية، على اعتبار أنها عملية ذات طابع نوعي على نحو عالٍ، والتي تعرف وتفرض من خارج ما يُسمى بالمجتمعات الممزقة من الحروب والصراعات. فمن خلال العديد من الأدبيات التي تركز على مرحلة ما بعد الصراع المسلح، وعمليات التعمير والتنمية لما بعد الصراع وبناء السلام تذهب إلى افتراض أن تلك المرحلة تعد متقدمة، مُتضمنَة، وعظيمة. ففترة ما بعد الصراع غالبًا ما تُعرف على أنها فترة مؤقتة بعد مرحلة الوقف الرسمي لإطلاق النار التي تتمحور من خلال السلام المتزايد، القدرات والإمكانيات، والتنمية. فمُؤسسات ومنظمات مرحلة ما بعد الصراع يُروا على أنهم من ضمن الفواعل المحايدة، التي تعمل أدوارها وأنشطتها على تسهيل عملية الانتقال من الفوضى، انعدام الأمن، والصراع إلى السلام والنظام الاجتماعي المتماسك. إلا أن سياسات مرحلة ما بعد الصراع قد تُشكل -على نحو كبير- من خلال القيم البطريركية المُجتمعَة مع النظام الاجتماعي الليبرالي بدلًا من الاحتياجات “المحلية”، أو واقعيات القاعدة الشعبية. فابتعادًا عن المساحة الناقدة لتلك السياسات، إلا أن مثل هذا التصور المثالي لمرحلة ما بعد الصراع للتعمير والتنمية، التي تأخذ الجميع على نحو متساوٍ؛ قد تتطلب قولبة الفواعل الخارجية على اعتبارهم “المسيح المخلص”، الذي يتجنب ويتحاشى الاستفسار عن نوع تلك الصراعات، والفوضى التي من الممكن استمرارها حتى بعد الاتفاقيات الرسمية لوقف إطلاق النار، فالهدف هو التعمير والإصلاح.
فالمقابلات الشخصية مع النساء-المقاتلات أوحت “بخاتمةٍ” وضعت العديد من المفاهيم المتعلقة بالحرب والسلام معًا، على سبيل المثال (النظام، الفوضى، الأمن وانعدام الأمن) كل تلك المفاهيم جاءت من منظور نوعي/چندري. كما أنها افترضت على نحو كبيرٍ أنظمة چندرية/ نوعية معينة. فإعادة التعمير، العودة إلى ما هو طبيعي، استعادة النظام، وإعادة التكامل –كل تلك المفاهيم تعد من الأهداف المركزية لسياسات مرحلة ما بعد الصراع- ليست بالمفاهيم ذات الطابع النوعي المحايد، ولكنها تذهب إلى افتراض نظام نوعي معين؛ وفقا لما تتطلبه تلك المفاهيم في السياق المحدد. ونتيجة، فإن سياسات ما بعد الصراع لديها القدرات التي تكرس وتعزز من الأنماط البطريركية والاستغلالية لنظام نوعي لما بعد الصراع المسلح.
وعلى وجه التحديد، فقد حاججت أن “النظام الزواجي/القراني” هو الذي يشكل الفهم الأساسي للأمن والفوضى، كما أنه في مركز عمليات التنمية وسياسات التعمير لمرحلة ما بعد الصراع الأهلي. فالنظام الزيجي/الزواجي/القراني يُشير إلى القوانين والقيم الاجتماعية التي تَخدم عملية الضبط للچنسانية/إعادة هيكلة العائلة، وإرسال رموز معينة، والتي تدلل عن قبول وشرعنة العلاقات الاجتماعية. وهذا ما يعني أنه ليس هناك صيغة مفردة من النظام الزيجي/القراني؛ ففي الواقع، إن النظام الزيجي يمكن أن يُستخدم كأداة تحليلية لاستبيان واختبار (القوانين، القواعد، والقيم) التي تهيمن على منطقة أو سياق أو مجال محدد. فالنظام الزيجي/القراني يتم معرفته من خلال القوانين المرتبطة بالزواج، العائلة، الأبوة، التبني، وقوانين الوراثة والميراث، بالإضافة إلى القيم الاجتماعية الأوسع. فقد نجد أنه في أكثر المجتمعات البطريركية أن تلك القيم قد تتضمن التفضيل المميز للعلاقات الجنسية المتباينة أي للجنس الآخر، مع افتراض أن الجنس من خلال الزواج هو الأكثر توافقية؛ فالعادات هي التي تشكل إما أطفالًا شرعيين، وإما غير شرعيين. فالنظام الزيجي/القراني ينطلق ويُلهم من خلال الفعل المعتاد لترتيبات الچنسانية. فالذي يميز هذا المفهوم عن التحليلات النظرية الأخرى للعائلة والچنسانية هو فكرة “النظام الزيجي/القراني”، الذي يُستخدم على وجه التحديد لمحاولة فهم الربط أو العلاقة بين القوانين الجنسية، والحدود الأوسع المتعلقة بالنظام والاستقرار. فواحدة من ضمن الجدليات الرئيسية في هذا الكتاب هي النظام الزيجي/القراني الذي يُشكل التصورات والإدراكات المتعلقة بالأمن والتنمية، فقد تهدف تلك السياسات المتعلقة بذلك النظام إلى تحسين الأمن والتنمية التي تفرض، تدشن، وتعزز من أنماط معينة من النظام الزيجي/القراني.
إن فترات الفوضى وانعدام الأمن؛ كالحرب، تعد من الأوقات المميزة لاختبار كيف يمكن (للسلام، النظام، والأمن) أن يتم تعريفهم على نحو دقيق. علاوة على ذلك، فمساحة الانتقال من الحرب، وما يُطلَق عليها بفترة ما بعد الحرب والصراع؛ قد تعزز من فرصةٍ نادرة لمحاولة اختبار كيف يمكن للنظم الاجتماعية أن يُعاد تشييدها حرفيا من خلال فواعل متدخلة، خاصةً المنظمات العالمية، والمنظمات غير الحكومية. فالمرأة المحاربة في سيراليون تُعد نموذجًا مثاليًا؛ لأنها تعرض للمسألة الأكثر تكرارًا وهى النظام الزيجي/القراني، فمعظم هؤلاء النساء-المقاتلات حققن مناصب قوة، والتي لم يكن يقدرن على فعلها ما إذا كانوا خارج نطاق الصراع، فمعظمهن لم يَكُنَّ متزوجات، أو أنهن لديهن علاقات غير شرعية، كما أنهن كن منفصلات عن شركائهن أو عائلاتهن. وفي الوقت نفسه يُوجد هناك عدد لا حصر له من هؤلاء النساء-المقاتلات كان لديهن أطفال نتيجة الاغتصاب، أو العلاقات “غير الشرعية”. وهذا ما يجعل الطرق التي يقوم بها كلٌ من الفواعل الحكومية -المحلية والعالمية- لوصف، تحديد، وإعادة تأهيل النساء والفتيات تكشف عن الأنماط والنماذج الغربية-الليبرالية لنظام زيجي/قراني، الذي فُرض وأُسس في سيراليون.
إن مفهوم “النظام الزيجي/القراني” ليس فقط يساعد على تفكيك الطبيعة النوعية/چندرية لعمليات التنمية، ولكن أيضا الطبيعة الإمبريالية للتنمية. فالسياسات التي تفترض علاقات مُحددة بين الآباء والأمهات، الأزواج والزوجات ستُعرض لتأسيس نموذج العائلة الليبرالية. ضف إلى ذلك، الطريقة التي تعمل على إضفاء الطابع الشرعي على المستفيدين من المساعدات التنموية، التي قد يُعترف بها من خلال سياسات مرحلة ما بعد الصراع للتعمير والتنمية، وذلك في سبيل المساعدة في تشييد هويات، وتخطيط لسلوك، وعلاقات طبيعية. كما أن صُناع القرار لم يقوموا بالاستجابة للتصورات المحلية لمرحلة ما بعد الصراع، كما أنهم لم يجعلوا كل ما هو محلي مرجعيتهم لاستعادة نظام “طبيعي مستقر”. فمُعظم سياسات التنمية لمرحلة ما بعد الصراع فُرضت من منظور غربي ليبرالي، خاصة حول النظام الزيجي/القراني الذي يعمل على إرسال المواعظ -على نحو صريح- إلى الأفراد العاديين حول مفاهيم مُحددة لماهية الهويات، السلوك، العلاقات، والقيم.
نحو إعادة صياغة الأمن والتنمية لمرحلةِ مَا بعد الصراع:
إن التنمية لمرحلةِ ما بعد الصراع تستمر؛ لكي تأتي في مركز الاهتمام العالمي الرئيسي، وذلك لكلٍ من صناع القرار والأكاديميين. بالإضافة إلى الخلط المتزايد بين الأمن والتنمية، أو بالأحرى “راديكالية التنمية”، فالأمم الغربية تَعتبر -على نحو متزايد- أن التنمية العالمية ذات تأثير مباشر على أمنهم وعمرانهم الازدهاري. ونتيجة لذلك، فالعديدُ من الحكومات الغربية المتطوعة، أو حتى المنظمات القائمة على التوجه الغربي تأخذ على عاتقها دورًا فعّالًا لمراقبة عمليات التنمية والتعمير في مرحلة ما بعد الصراع والحرب. فعلى الرغم من الدور المتزايد للفواعل العالمية العاملة في شئون البلدان النامية- على وجه الخصوص المنظمات العالمية غير الحكومية والوكالات التنموية- فإن هناك حالة من العجز في التحري النقدي حول العقلانيات الأخلاقية والسياسية، التحيزات المستوطنة حول النوع/الچندر أو بين الجنسين، والآثار تلك الفواعل المتعدد على أحوال البلدان النامية.
فمع إعطاء الأولوية إلى المنظمات العالمية، ومنظمات التنمية؛ لخلق “النماذج” المتعلقة بمشاريع التنمية وإعادة استحداثها، وتحري تلك النماذج ونقدها- خاصة كيف يمكن للنساء معالجتهن وتصورهن من خلال تلك النماذج؟- يصبح كل ذلك أمرًا جوهريًا. على وجه الخصوص، نجد أنه في أكثر اللحظات التي يُجرى أمننتها؛ كلحظة الانتقال من الحرب إلى السلام، فقد يُصبح النظام النوعي/الچندري فيما يُسمى بعمليات “التعمير وإعادة التأهيل” ضروري الاستكشاف. علاوة على ذلك، فإن عملية تحديد الطرق النوعية/الچندرية، التي يُنتقل من خلالها إلى “ما بعد الصراع” في سيراليون، فربما ذلك يسمح لنا بوضع وتحديد المساحات المقاومة وإمكانيات التغير المهمة.
إن ذلك الكتاب قد يُستقى من ويستمر وفقا للمعرفة المتواجدة في حقل دراسات النوع، التنمية، والأمن. فقد نجد أن عمل مارك دوڤيلد ومنظوره الخاص عن الأنسنة، التنمية، ومرحلة ما بعد الصراع للتعمير كان لديه الوسيلة الخاصة التي ألهمت هذا الكتاب. ففي كتاب الحوكمة العالمية والحروب الجديدة صاغ دوڤيلد عبارة “راديكالية التنمية”، وذلك في إشارة إلى ما يراه، وكأنه الإدماج الصريح لكلٍ من الأمن والتنمية. فقد حاجج دوڤيلد، نتيجة لــ”راديكالية التنمية”، أن هؤلاء المشتغلين في مجال التنمية لم يعد من السهل والبساطة تأمين بيئة ما بعد الصراع والحرب؛ فتفويضهم المعاصر يتضمن تحول جميع المجتمعات من خلال الغرس الذهني لما هو “السلام الليبرالي”. فقد فسر دوڤيلد أن الاقتراب بين “الليبرالي” و”السلام” قد يعني أن السياسات الليبرالية، والهياكل الحداثية مُرتبطان مع الاستقرار: “فالقيم الليبرالية والمؤسسات الليبرالية تم تخويلهما مع القوى التنسيقية (التوحيدية) والتحسينية (الإصلاحية)”.
فقد يكون هناك عاقبة واحدة بسبب ذلك التزويج الإجباري بين “الليبرالية” و”السلام”، لم يهدف إلى الإغاثة في حالات الاستثناء فقط؛ إنما يعني الاهتمام بطرح حلول للصراع، شبكات اجتماعية إعمارية تشيدية، تقوية المؤسسات التمثيلة المدنية والمجتمع المدني، والاهتمام بإصلاح القطاع الأمني في السياقات التي تقوم على توظيف اقتصاد السوق. بكلمات أخرى، فقد نجد أن المشروع الليبرالي للتنمية يعد بمثابة التحول المجتمعي الراديكالي. فهذا الخلط بين التنمية والأمن دفع وكالات ومؤسسات الإغاثة، ومنظمات غير الحكومية إلى تشغيل برامج التنمية، بِدءا من دور الموزعين للتبرعات الخيرية الإنسانية إلى الفواعل الحكومية، والمسئولين الرسميين، أو مُنظمي المجتمعات (وذلك في المجتمعات ذات التوجه الديمقراطي الليبرالي والاقتصاد السياسي الليبرالي). حيث لخص دوڤيلد تلك الفكرة في: “إن الإغاثة ليست عوضًا عن الفعل السياسي؛ لأن الإغاثة في حد ذاتها تُعد فعلًا سياسيا، فهي الآن تُعد الأداة أو الوسيلة للتنظيم العالمي، وجزءًا لا يتجزأ عن الشبكات والمركبات الاستراتيجية التي تعمل على خلق السلام الليبرالي”.
يُركز هذا الكتاب على الطرق التي من خلالها قد تؤثر “راديكالية التنمية” على مرحلة ما بعد الصراع للتعمير وإعادة التأهيل والتكامل. فإعادة التعمير والتكامل تميل إلى من يُظهرها، وكأنها مفاهيم مُحايدة، والتي قد تُدلل وتوضح على “العودة إلى ما هو طبيعي”، وذلك في مرحلة ما بعد الصراع. فهناك القليلُ من الأبحاث التي تبحث في جينولوجيا مفهوم “التكامل أو الدمج integration” ومعانيه المتعددة، خاصة في الخطابات التي تتمحور في مَرحلة ما بعد الصراع والحرب. فمفهوم “إعادة التكامل والاندماج “reintegration وجد جذوره في أدبيات علم الجريمة؛ لأن معظم التعريفات الرئيسية المُعطاة للمفهوم في علم الجريمة تعكس “العملية التي تعتمد على التقليل من الانتكاسية/الارتدادية recidivism بعد إطلاق صراح المجرم من محبسه”. ففي هذا السياق، قد يكون هناك جانبان لمفهوم “إعادة التكامل/الاندماج” وهما؛ الأول: أن مفهوم إعادة التكامل -“(أو إعادة الدخول) كما يُسمى”- يُنظر على أنه عملية أو إلى أنه حدث… فإعادة الدخول تشير إلى وجود حالة عملياتية طويلة المدى؛ أي تتطلب إلى وقت طويل، فبدايتها يمكن أن تبدأ قبل إطلاق سراح المجرم ونهايتها تمتد أو تستمر بعد إطلاق سراح ذلك المجرم. الثاني: أن ديناميكيات المفهوم “إعادة التكامل أو إعادة الاندماج أو إعادة الدخول” ترتبط على نحو صريح بفكرة “التصحيح والتقويم”، “إعادة التأهيل”، و”المداواة والمعالجة”، وهذا ما يهدفُ إلى إعداد وتجهيز المذنب/المجرم؛ حتى يكون مُواطنًا صالحًا وناجحًا. وقد يُوحى على نحو ضمني بواسطة تلك التعريفات أن المجرم قد انحرف عن القيم المجتمعية، وعليه فما ينبغي أن يكون هو تحويله وصياغته بطريقة معينة التي تؤكد أنه قد يستطيع العودة إلى وتوظيف “ما هو طبيعي” في المجتمع الذي يحيا بداخله.
قد نجد أنه من خلال الأدبيات التي ترى أن عملية نزع السلاح، وإعادة التكامل يمكن تعريفها على أنها “العملية التي تسمح للمقاتل(ة) سابقا وعائلته(ها) بالقدرة على التكيف على نحو اقتصادي واجتماعي، وذلك من أجل حياة مدنية إنتاجية”. وبهذا المعنى، فإن إعادة التكامل في السياق المرحلي لما بعد الصراع والحرب يمكن تخيله على المنوال نفسه؛ لإعادة التكامل في السياق المرحلي لاندماج المجرم وفقا لعلم الجريمة. فكلاهما يفترض إحجام السلوك الإجرامي، أو السلوك قتالي الهجومي، “فإعادة الدخول” إلى المجتمع أو الحياة المدنية، وإعادة التأهيل، أو التكيف مع السلوك الصائب لتثبيط وإحباط عملية الارتدادية/الانتكاسية. فعندما يتم مراجعة سياسات إعادة التكامل المرتبطة بعملية نزع السلاح في سيراليون، فتلك التشابهات تصبح أكثر وضوحًا. على سبيل المثال، فإن اللجنة القوميةNational Committee لنزع السلاحDisarmament ، تسريح الجيوشDemobilization، وإعادة التكامل Reintegration (NCDDR) قد أعلنت أن سياسات إعادة التكامل صُممت خصيصًا لدعم “إعادة التسوية والاندماج إلى المجتمع الطبيعي”.
كما أن هناك جسدًا متناميًا من الأبحاث التي تختبر ديناميكيات القوة النوعية/الچندرية المُجتمعِة مع مفهوم إعادة التكامل، بالإضافة إلى مرحلة ما بعد الصراع على وجه العموم. فالنص البحثي لكلٍ من سوزن مكاي وديان مازورانا تحت عنوان ” أين الفتيات؟ الفتيات في القوات المحاربة في شمال أوغندا، سيراليون، وموزمبيق: حياتهن أثناء الحرب وبعدها”، حيث يُعرف على أنه مثال واضح للتحليل النوعي/الچندري لبرامج إعادة التكامل. قد نجد أن هذا العرض التحليلي يوضح ويبين أنه رغم أن النساء في مساحات العنف والصراع يمكن أن يتولوا أدوارا مختلفة؛ فإن ذلك لن يُترجم بالضرورة إلى القوة والسلطة في مجتمعاتهن، خاصة في مرحلة ما بعد الصراع والحرب. كما قامت ماري كبرويل بتفسير أنه “قد تبدأ البطريركية القومية من أجل استعادة ذاتها بعد انتهاء الحرب؛ حيث تتوقع عودة النساء إلى الطريق الذي كُنَّ يتواجدن بداخله قبل الحرب، أو إلى مواقعهن التابعة”. وهذا ما توصلت إليه مكاي “أن حقيقة ما بعد الصراع دائما ما تثبت- بغض النظر عن الثقافة أو المكان- أن أدوار النساء تتراجع إلى طابعها التقليدي، فالولاءات القومية تصبح الأعلى قِيمًا مقارنةً بقيمة المساواة النوعية/الچندرية”.
إن اقتراب مدرسة كوبنهاجن للأمن قد يناسب إلى حدٍ كبير مع تحليل دوڤيلد لفكرة “راديكالية التنمية” التي تم الإشارة إليها خلال ذلك الكتاب. فوفقا لمدرسة كوبنهاجن، ترى أن الأمن ليس -فحسب- مفهوما ثابتًا، كما أنه لن يمكن تعريفه باتباع أسلوب إستاتيكي. فبدلًا عن ذلك، قد يُحاجج أن الأمن يمكن أن يُدشن من خلال “الفعل الخطابي”، أو من خلال حركية الفواعل ذات الطابع الأمني أي “أمننة الفواعل”. فالفواعل المُؤمننَة يمكن تعريفهم على أنهم الأفراد والجماعات -مُتضمنة الحكومة، القادة، أو الجماعات العسكرية (المسلحة)- التي تقوم بالفعل الخطابي. وعليه، فبمجرد إضفاء الطابع الأمني على مسألة ما، تصبح من ضمن الأولويات التي تتميز بأنها فوق السياسات “العادية”، كما يُجرى استخدام المعاني المبالغ فيها لوصف أبعاد تلك المسألة التي جُرى أمننتها. ونتيجة لتلك الأمننة ذات الأولوية الأولى، قد حاججت ريتا أبرهامزن أن الأمننة “لديها تداعيات سياسية واضحة”. حيث تُنتج تلك التداعيات عن التكثيف المتزايد للانتباه تجاه تلك المسألة التي تم إضفاء الطابع الأمني عليها، وذلك بمساعدة مؤسسات صنع القرار، التمويل، والانتباه الإعلامي والميديا.
كما أن استخلاصات مدرسة كوبنهاجن حول عملية الأمننة؛ ترى أنها تماسك مساحات الفعل الخطابي الذي يضع الفواعل والجماهير -التي تتلقى لعملية التهويل الأمني- كأطراف مركزية في البنيان الأمني. فوفقًا لهذا الاقتراب، يُرى أن الأطراف التي تكون قادرة على مأسسة وتشيد الهموم الأمنية، فتلك الأطراف ذاتها هي التي تتحمل مناصب ومواقع القوة، كما أنها تمتلك لشريعة معينة. فإضفاء الطابع الأمني أصبح بمثابة الممارسة الاستراتيجية التي تهدف إلى استمالة الجمهور المُستهدف؛ لجعله يوافق على تأويل فواعل الأمننة لما هو داخل حيز التهديد. وعليه، فإن الأمننة عملية ذاتية الاشتراك؛ بمعنى أنه عندما يتم استمالة الجمهور نحو الفعل الخطابي لفواعل الأمننة نحو قضية معينة فهذا يعني أن تلك القضية أصبحت ذات طابع أمني.
وهذا ما يجعل كتابي مَدينًا إلى أعمال دوڤيلد ومدرسة كوبنهاجن وأعمال نقدية أخرى، والتي عملت على نحو متحدى للفكرة التقليدية المتعلقة بالدراسات الأمنية والتنمية. أيا كان الأمر، لايزال هناك بعض الأسئلة النقدية المتعلقة بالچندر والچنسانية، وعلاقتهما بالتنمية والأمن إلا أنه ليس باستطاعة جميع الاقترابات المنهجية أن تعالج وتعمل على تحليل تلك العلاقات. حيث كان هناك بعض التحليلات التي يعتريها النقد المتعلقة بالتداعيات الچندرية لراديكالية التنمية، أو لدمج عمليات التنمية بالأمن. فالعقبة الأساسية لكثير من الاقترابات المنهجية لدراسات الأمن لديها خمول مبالغ فيه نحو طبيعة الحقل، أو أن القضايا المدروسة تعتبرها من ضمن أمور الأمن العام الحرجة. فالواقعيون استخدموا مصطلحات كالسياسات “العلياHigh “، والسياسات “الدنيا Low”؛ بينما مدرسة كوبنهاجن استخدمت مصطلحات مثال السياسات “العادية الطبيعية Normal” والأمور “المؤمننة/ذات الطابع الأمني Securitized”، ولكن منطق الأمور يتمثل في أنه ليس كل تلك الاقترابات تأخذ في اعتبارها ما يُسمى بالمجال المحلي، الذي يُجرى تشكيله وفقا لفهمنا لما هو مفهوم الأمن. ففي حالة التركيز فقط على “الومضات الأمنية” قد يعمل ذلك على حجب السياق الاجتماعي الأوسع وإعاقته من خلال المسألة الأمنية، التي تُشكل وتنتقص من إمكانية أن “الأمن أو ما هو أمني” يمكن أن يعتمد على بنيان ما يندرج تحت السياسات السلمية، المحلية، والطبيعية العادية.
بصفتي باحثة نسوية أهتم -على وجه التحديد- بكيف يمكن لراديكالية التنمية أن ينتج عنها السياسات، التي تُعطي الصدارة إلى قضايا التنمية باعتبارها من ضمن اهتمامات الأمن العام القومي. في المقابل، ترى تلك القضايا أن الاهتمامات “المحلية” أو “الخاصة”؛ سيتم إغفالها وتعتيمها عن أي انتباه قادم من “الومضات الأمنية”. على الرغم من أن الچندر/النوع غالبًا ما يبقى مستدركًا لما يُسمى بقضايا العلاقات الدولية الحرجة، فإن الأدبيات المتعلقة بالنوع والحرب أصبحت متنوعة ومتنامية على نحو هائلٍ. فالفهم الأكبر للمرأة كضحايا الحرب أصبح بمثابة الدليل البين في الأدبيات، التي تسعى إلى تأسيس البنيان الفكري القائم على أن النساء مُسالِمَات “بالطبيعة”، وأن الرجال عنيفون وعدوانيون.
لقد قُمت بالبناء على أعمالٍ نسوية، التي اختتمت بأن “مرحلة ما بعد الصراع”، “السلام”، و”إعادة التأهيل” أخفقت في تعريف النساء؛ لأنها افترضت الفوائد الناتجة عن العودة، أو استرجاع المكانة، أو القدرة التي تُوجد بالفعل من قَبل، من دون الأخذ في الاعتبار -على نحو مناسب- الطبيعة العُنفوانية لترتيبات القوة السابقة والمؤسسات. فالبحث النقدي يُمكن أن يفعل الكَثير؛ لتعطيل المفاهيم المُهيمنة على لحظة ما بعد الصراع باعتبارها التقليد الوضعي positive tradition عالميا بالانتقال من الحرب إلى السلام. أيًا كان الأمر، فمازال هناك الكثير لأن يتم التحري حول الطبيعة الچندرية/النوعية لسياسات ما بعد الصراع، فتحيزات المُنظمات العالمية -فيما يتعلق بالأدوار النوعية، واحتياجات ما بعد الصراع المسلح، والطبيعة النوعية لتسوية الصراع- قد تَعمل على معالجة تراتبيات القوة التي تحدث في مرحلة ما بعد الصراع المسلح، والفواعل المُتضمنة لتسهيل ومأسسة ترتيبات القوة الجديدة.
علاوة على ذلك، بينما هناك أدلة تأكيدية أن النساء، الأطفال، والشيوخ يُعدوا من الفئات الهشة أثناء الحرب، هناك أيضا ما يدلل على أنهم الفئة الأكثر التي يمكن اجتثاثها بسبب الصراع، كما أنها تقع في مساحات الخبرة المتعلقة بالعنف الجنسي، فهناك بحث في غاية الأهمية للباحثات ثينثا إينلو، شارلي كاربينتر، إيليز بارث، لويس أولزون، أنچر سكيچلسبيك، كارين هوستنز، باتريسيا مريس، وتينا چوهنسون الذي يَعمل على إعادة اعتبار التعميمات المچندرة عن من هم الضحايا والجناة في الحرب. فبدلًا من التركيز على أثر الحرب على المرأة، فإن الباحثات النسويات للعلاقات الدولية مثل كريستين سيلفيستر، سواتي باراشار، ميريم دينوڤ، لورا ساچوبيرج، وكارون چينتراي يَعملن عَلى سرد المساهمات التاريخية للنساء في فترات الحروب. كما أنه -على وجه الخصوص- هناك أدبيات برعومية في مجال النساء/المقاتلات والمليشيات النسائية، وبعضها يعمل على اختبار مشاركة النساء في الأنشطة الإرهابية بعد 11/9. فعلى الرغم من الاهتمام المتزايد بمشاركة المرأة في الصراع؛ فإن هناك القليل من المصادر الأكاديمية التي تنظر إلى ظاهرة المرأة-المقاتلة في سياقات الحروب الأهلية الإفريقية. فمعظم الأبحاث المتاحة عن المرأة المُقاتلة قد تندرج تحت فئة التقارير الصادرة عن المنظمات؛ مثل مؤسسة التنمية العالمية الكندية، تقارير الأمم المتحدة وأبحاثها التوثيقية، أو تقارير المعاهد البحثية. كما أن القليل من بين تلك المصادر تُركز على نحوٍ خاصٍ على ظاهرة المرأة المقاتلة في سيراليون، وعلى الأُنثى-المقاتلة على نحو عام.
على غرار كريستين سيلفيستر، فإن إنتاجي العلمي انتهج منهاجية كلٍ من أدبيات نسوية نقدية، ونسوية ما بعد الكولونيالية. فدراسات ما بعد الكولونيالية (أو بمعنى أخر إمبريالية/استعمارية) لا تُشير إلى “نهاية” فترة الاحتلال؛ إنما تتحدث عن استمراريات وموروثات الاحتلال الممتدة بعد خروجه. فَوفقًا لفكرةِ إدوارد سعيد عن الاستشراق، أو إنتاج -وإعادة إنتاج- “المشرق” في علاقاته مع “الغرب”، والتي توصف تاريخيًا على أن الغرب هو الأرفع مكانة، فدراسات ما بعد الكولونيالية تهتم -على وجه الخصوص- بتعريف مساحات المقاومة ضد الطرق وتحديدها، التي من خلالها يُقدم العالم الثالث، ويُنشّأ عبر الخطابات الغربية المُهيمنة.
فهذا التركيز على بِنيات الغرب يعمل على استوحاء إلهامه من تلك البنيات في دراسات ما بعد الاستعمار، التي تشير إلى أهمية التمثيل-الذاتي. ففي دراسة “هل يستطيع التابع التحدث؟” لچاياترك شاكراڤورتي سبيڤك تتساءل فيها حول إمكانية أن يكون لنساء العالم الثالث مؤسسة (وكالة) تعمل على إتاحة المساحة؛ للتعبير عن أنفسهن، لإعطائهن مواقعهن من القوة. كما أنها تُنذر من أنه حتى ولو تم جعل نساء العالم الثالث يتحدثن، فإن أصواتهن ستكون مُقيدة من خلال الحدود والطرق المُعدة لهن خصيصًا عبر الآخرين: “فما بين البطريركية والإمبريالية، الصيغة الدستورية-الموضوعية والصيغة التطبيقية-الذاتية، فإن رمزية النساء ستختفي”. أيا كان الأمر، فسبيڤك تُحاجج بأن نقد ما بعد الكولونيالية يأخذ في الحسبان هذا الصمت، مع إيجاد الطرق لكسرِ الهيمنة الإمبريالية، وسيطرة الأفكار البطريركية. فالتركيز على الصوت، التمثيل، ووجود وكالة مَعنية بالمسألة؛ سيتطلب الأمر -من خلال كلٍ من النظرية ما بعد الكولونيالية، والنسوية- أن تخدم ذلك الغرض؛ ليكون بمثابة الانطلاقة التي من أجلها سيتمركز عليها عملي النظري واقترابي المنهجي.
فكل فصل من هذا الكتاب يحاول وضع التركيز الواضح على أصوات النساء والرجال أيضًا من خلال المُقابلات الشخصية في سيراليون. فتلك المقابلات، من خلال أصواتهن التي تُمثلهن، تُعتبر بمثابةِ الفعل التمزيقي للخطابات المُهيمنة على المجال العام، القيم النوعية، القوة، الصراع، والتنمية. فمع أخذ تحذير سبيڤك في الحسبان، فأنا إما أميل إلى عرض المقابلات؛ لكونها “حقيقة”، وإما أن أتجاهل دوري في تأسيس معمار الكتاب؛ تجنبًا لسوء الفهم، التأويل، والعرض.
نحو إعادة بناء النظام الزيجي/القراني:
قد يتمركز اقترابي النظري على مفهوم “النظام الزيجي/القراني”، كما أنه يتأسس على فرضية أن النوع/الچندر يَأتي في مركز أفكار الأمن والتنمية. حيث إن “النظام” الذي يوجد ضمنيًا في مطارحات السلام والاستقرار يعتمد على بنيات نوعية متعددة. ففترات الفوضى وانعدام الأمن، كحالات الحروب، تصبح فترات مثالية لاختبار كيف يمكن للسلام، النظام، والأمن أن يُعاد تعريفهم. فمعظم أدبيات الحرب تُركز على (المذابح الوحشية، جرائم الحرب، السياسة الخارجية، والاستراتيجيات المتعلقة بالحرب)، أو عرض للأحداث العامة وأنشطة الحرب، أو عرض لما يُسمى “ومضات أمنية”. فقد حاججت أن تلك الأحداث يمكن فقط أن تُعرف وتُفهم من خلال تمايزهم عن المجتمع الطبيعي، المسالم، والمنظم. بمعنى أخر: إنه من المستحيل فهم ممارسات وأحداث الأمن من دون معرفة وفهم ما هو النظام والاعتيادية الطبيعية. وهذا ما يوضح أهمية ما هو “محلى داخلي domestic” لمثل هذه الأفكار المتعلقة بالسلام، النظام، وما هو طبيعي normal.
فكما تم الإشارة إليه من قَبل، فإن النظام الزيجي/القراني يُشير -ليس فقط إلى مؤسسة الزواج، إنما أيضا إلى القوانين والقيم الاجتماعية الأوسع المُجتمعَة مع الزواج والعائلة، متضمنا في ذلك امتيازات الاشتهاء للجنس الآخر، والفرضية القائمة على أن فكرة الجنس داخل مُؤسسة الزواج تكون ذات طابع اتفاقي إجماعي. ففكرة النظام الزيجي/القراني وضعتها أعمال ميشيل فوكو القائمة على الترتيبات الجنسية، فكر چاك دونزولو عن العائلة والخيرية الإنسانية philanthropy، أعمال جاكلين ستيفنز حول العائلة النووية، القوانين، تبعية النوع/الچندر، واقتراب ليني هانسين لصيغة الهوية. ففوكو عمل على تحديد التوظيف للجنسانية، ومراقبة الجنس والجسد بصفته واحدًا من أهم التقنيات الخاصة بالقوة. حيث إنه أوضح كيف يمكن لعملية ربط الچنساني بالجنس أن تسمح للجماعات المُصطنعة للعناصر المتمثلة في “الصحة، نتِاج/الذرية، العرق، مستقبل الفصائل والأنواع، حيوية وقدرة الجسد الاجتماعي” بالتوازي مع “العناصر التشريحية، الوظائف البيولوچية، السلوكيات، الاحتياجات الحسية، والمسرات”. فتلك الرابطة تُحدد كيف تتصرف تراتبيات الجنس بمثابة الأداة الأساسية التي تحافظ على -كوقود النمو الاقتصادي الرأسمالي- الشرعية الزائفة وتخدمها، وتطبيع السلوك -أي جعله طبيعيا- رغم أنه قد يكون عكس ذلك.
فعلى غرار الآليات التنظيمية الأخرى، فقد توجه تلك الآليات لتنظيم الچنساية في كلٍ من النموذج القضائي العلني، والنموذج الضمني المُطبّع بما ليس هو عليه. ففي مركز تاريخ الچنسانية، ونظام الچنساني يأتي نموذج العائلة. فمُعظم “المشكلات السياسية والاقتصادية” يترافق معها عنصر السكان مُتضمنا معدل المواليد، سن الزواج، المواليد الشرعية وغير الشرعية، العلاقات الجنسية، الخصوبة والعقم، والتداعيات الناتجة عن “غير المتزوجين”، والتي يمكن أن يُسيطر عليها من خلال وحدة أو مؤسسة الزواج. ففوكو-مثل جاكلين ستيفنز- يلاحظ أهمية “محور الزوج-الزوجة” و”محور الوالدين-الأبناء” في التوظيف القويم للچنسانية. وعليه فإن “تطبيع normalization” تلك العلاقات -من خلال خلق العائلة ومراقبتها- تمثل واحدة من أهم –ولكنها غير مختبرة على نطاق واسع- صيغ القواعد الجنسية. فكما لاحظ فوكو أن العائلة محور التبلور في التوظيف للچنسانية: ]فالعائلة[ تبدو المصدر الحقيقي للچنسانية، التي تعمل فقط على انعكاسها وإيضاحها. بمعنى أخر، فبينما العائلة تتواجد لكونها الصيغة الطبيعية، فإنها -في الواقع- تعمل على إنتاج مجموعة متقدمة وعالية من آليات تنظيمية.
قد واكب دونزولو أعمال فوكو على الانضباطية والچنسانية في الدولة الليبرالية. كما حاجج دونزولو أن العائلة “نقطة الإرساء (إرسائية) للملكية الخاصة ووظيفتها المتمثلة في إعادة الإنتاج للأيدلوجيا الحاكمة”. فنظرا للرقابة والإمكانيات الحكومية التي تعرض لنموذج العائلة ذات الطبقة العاملة، فإن دونزولو قام بتعريفها على أنها المنظمة السياسية الأصغر على الإطلاق. ومِن ثَم فإن ما لا ينتمى إلى العائلة يمكن أن يُرى على أنه مشكلة اجتماعية، ومصدرا للفوضى الممكنة والتهديد الجائز.
كما أن أعمال دونزولو حول الإحسان الإنسانيphilanthropy، والتغير في الموقف المتعلق بالنفوذ يدعم بالأساس القوة لإعادة التفكير مرة أخرى في أهمية العائلة والنظام الزيجي/القراني السوي، بالإضافة إلى دور فواعل التنمية في ترسيخ نظامٍ النوعي/چندري منصفٍ. ففي كتاب سياسات الأُسر، لاحظ دونزولو كيف أن للعائلة أصبحت مركزًا للتغيرات في القرن الثامن عشر. حيث إنه حاجج أن التبرعات المتوالية المفتوحة هدفت إلى “حفظ” المواطنين من احتمالية أن يصبحوا متشردين ومتسولين. فوحدة الأسرة النووية تُصبح في مرتكز ذلك الهدف الجليل، حيث تُرى أنها الجسر الذي من خلاله يمكن أن يستوعب الأفراد القُصر المُهمَلين، كما أصبحت العائلة بمثابة الفاعل الذي يَعمل على نقل قيم الدولة إلى المجال الخاص.
فالتحول خلال إحسانية دونزولو قد تعمل على تحديد الاتجاهات المعاصرة في التنمية العالمية. فَبدلًا من الردود المُعممَة عن الفقر، الأزمة، وتدابير التنمية -من خلال الإجراءات المتمثلة في المساعدات الموصولة والمعونات الموجه- فقد عرضت إحسانية دونزولو على نحو متزايد الأهداف الأخلاقية والاجتماعية المحددة، مُتضمنة (إعادة) تأسيس نظام اجتماعي ليبرالي، تشجيع تأسيس قيم ديمقراطية ليبرالية، وتحريرية الاقتصاد القائم. فحديثا، قد نجد أن “الأنسنة الجديدة” اُستخدمت في الإشارة إلى العملية التي بواسطتها تُستبدل مساعدات التنمية المحايدة والمُعممة عن طريق “وعي سياسي” يهدف إلى التحول الاجتماعي والحوكمة. فالأنسنة الجديدة تُعرض على أنها اقتراب حديث للتنمية القادرة على تحديد فشل مبادرات التنمية السابقة من خلال أنماط حديثة من المبادرات الهادفة.
فكل من الأنسنة الجديدة وإحسانية دونزولو (كتصورات مفاهيمية) يقدما التحول من التبرعات الخيرية إلى عملية الاستثمار المباشر في المجتمع، مع الاهتمام بالعائد المتوقع. فالوجود الحقيقي للاستثمار يُعتبر الضامن الوحيد في وسط القيود والقواعد الموضوعة على عمليات التمويل الممكنة. بمعنى أخر، إن الشروط التي تتواجد على عمليات التمويل يكون الهدف منها التأكد من وضعها في المسارات الصحيحة التي يمكن أن تحقق، وينتج عنها عوائد محددة. ففي الحالتين كلتيهما، نجد أن القواعد، القيم، واللوائح قد يَحلوا محل التبرعات باعتبارها صيغ من القواعد الاقتصادية والاجتماعية. كما لخص چيل دولوز أن العمل الخيري الإحساني المُستهدف يتمثل في “أن ما هو اجتماعي يتوافد حتى يتواجد بداخل النظام… الذي من خلاله تحل القيم محل القانون، والآليات التنظيمية والتصحيحية محل المعيار”. كما تُوضح فيونا فوكس آثار الأنسنة الجديدة “في أن المساعدات الإنسانية المشروطة أصبحت أداة أخرى متاحة للحكومات الغربية للسيطرة على البلدان النامية”.
وقد نجد أن فوكو و دونزولو لم يقوما بأخذ تحليلاتهم عن العائلة، واعتبار التبعية النوعية أو الآثار التي من خلالها يمكن لفكرة امتيازية/شرف العائلة أن تحتم الهويات النوعية/المچندرة، وعلاقات النوع الاجتماعي بينما السير في تعتيم وتقديم إشكالية الآخرين. كما ساعدت جاكلين ستيفنز على دفع النقاش نحو تحليلاتها التي تُسمى وحدة العائلة الطبيعية، مُحاججة بأن قوانين الزواج والأبوة تخدم في اتجاهين للسيطرة على إعادة الإنتاج ولإعطاء القوة إلى الزوج والأب. حيث حددت ستيفنز ثلاثة طرق والتي من خلالها يُمنح الزواج الذكور قوة بارزة، وحقًا له على النساء والأطفال. فالأول: يتمثل في أن مواطنة أو جنسية المرأة تُحدد من خلال جنسية ومواطنة زوجها. الثاني: إن الذكور لديهم حقوق سياسية، والتي يمنحونها إلى أبنائهم من زوجاتهم، الثالث: كما أن اسم وجنسية الأطفال في معظم المجتمعات تُمنح من خلال الأزواج وليست الزوجات. كما أن ستيفنز أصبحت متعنتة عندما اكتشفت أن المنفذ والقوة التي يتحلى بها الرجال من خلال النساء تبدأ في صياغة علاقات عدم المساواة بين الجنسين، حيث تحاجج بأن: عوضا عن فروقات الجنس المتواجدة سابقًا، والمنعكسة في، والمتفاقمة من خلال القوانين. فهناك تعريف جيد للزوجية الذي يقترح مؤسسة ما، ولكنها تكوينية قوامية على عدم المساواة في الأدوار المتعلقة بالإنجاب (إعادة التكاثر)، فالزواج يُعد نظامًا غير متماثل؛ الذي يسمح للرجال بالوصول إلى الأمهات (الغشاء)، وخلق متطلبات غير مُعترَف بها، وغير متبادلة (أي غير مدفوعة الأجر) على نحو كبير، وذلك كله يُعد واجبًا على النساء.
كما ترى جاكلين ستيفنز أنه من خلال قوانين وقواعد الزواج ومواليد الدولة مازالت ترسم النساء على أنهن البدائية، الطبيعية، ما قبل السياسية، أما الرجال باعتبارهم “سادة” المنازل، أو “كاسب” قوت اليوم الطبيعي. حيث اختتمت أن النساء اُختزلت في مساحة المجال الخاص لتربية الأبناء والقيام بالأعمال المنزلية، بينما الرجال خلقوا؛ لكي يشغلوا المجال العام، والمساحات السياسية باعتبارهم رؤساء ومديري وحدة العائلة.
كما حاججت جاكلين ستيفنز أن ما هو “طبيعي” أنه في الواقع مُنشأ ومصنوع من خلال تكتيكات انضباطية من الدولة. حيث تضيف أن نتيجة إضفاء “طابع” لجعل الشيء طبيعيًا واعتياديًا؛ يعني “التعبير عن ضرورة نمط الوجود والممارسة التي تجعل من الشيء يبدو وكأنه مُحكَم منيع، غير قابلٍ للتغير أو جذب الانتباه البشرى”. كما أنه بمجرد التسليم بكون العائلة بمثابة وحدة “طبيعية”، ضرورية، غير قابلة للتغير أو الديناميكية، قد نجد أنها تقع خارج نطاق المساحات السياسية. وعليه فهذا المنطق يساعد على إنتاج وتبرير التفرقة بين والتميز بين ما هو “عام” سياسي وما هو “خاص”، كما أن ذلك المنطق قد يعزز من شرعية الاقترابات غير التداخلية في القضايا التي تعد من الاهتمامات “المحلية domestic” بمعنى قضايا المجال الخاص.
كما تمحورت أعمال ليني هانسين حول صيغة الهوية، حيث تطرح العديد من جوانب المساعدة هنا. فقد قامت بتحديد طريقتين، والتي من خلالهما يمكن للسياسات أن تمحي الهويات النوعية الموجودة. فهي تحاجج أن السياسات ليست فقط تعمل على تشييد هوية ما، إنما تعمل على إقصاء وانتزاع شرعية هويات أخرى. ففي المساحة ذات الطابع الأمني -في الغالب الأعم- نجد أن الهويات النوعية/الچندرية يتم استبعادها، أو تصير “غير شرعية”. ثانيا: الطبيعة الذاتية المشتركة للسياسات الأمنية تفترض أن الأشخاص قادرون على التعبير عن مخاوفهم. وعليه تستخدم هانسين أمثلة للإناث الضحايا؛ كإحراق العروسة في باكستان، لتوضيح وجهة نظرها أنه ليس كل المواطنين-خاصة هؤلاء الذين يقعون في فئة “الهوية غير الشرعية”- يستطيعون أن يشاركوا في معادلات متساوية، لذلك، يتم استبعادها من المجال العام المتعلق بصنع السياسات والسياسات ذاتها.
فالتراتبيات التي أشار إليها كلٌ من فوكو، دونزولو، ستيفنز، وهانسين تكشف عن قواعد الجنس التي تحرز عن مفهوم “النظام الزيجي/القراني” التي تُستخدم في ذلك الكتاب. فالكتاب بشكلٍ مبدئي يُركز على الردود العالمية تجاه الحرب الأهلية في سيراليون، على وجه الخصوص، تجاه عمليات نزع السلاح، تسريح الجيوش، وإعادة التأهيل التي تُقود من خلال الواهب “المانح” العالمي. ونتيجة لذلك، فإن الانتباه سيُجذب إلى كيف يمكن للنظام الزيجي/القراني أن يُشكل ضمنيًا عبر السياسات والبرامج العالمية. فالذي يُميز مفهوم النظام الزيجي/القراني عن باقي الأعمال الأخرى التي تعالج القواعد الجنسية، وصيغ الهوية هو أن المفهوم ليس مُفيدًا فقط في تحليل التنظيم الجنسي، إنما يمكن أن يُستخدم في التدقيق حول التحيزات النوعية/الچندرية المستوطنة للوصول إلى تفاهمات التنمية والأمن. فإنه من الأهمية ملاحظة التنظيم الجنسي، ولكن أيضا الأخذ في الاعتبار ما وراء عمليات التنظيم الجنسي؛ لمعرفة كيف يمكن للأفكار المتعلقة بالنظام الزيجي/القراني أن تحدد إدراكاتنا عن: النظام، السلام، الأمن، والتنمية على نحو أكثر اتساعًا، وهذا ما سيجري توضيحه. فمعظم “مشكلات” التنمية العامة هي في الواقع المشاكل المرتبطة بالاضطرابات الزوجية، بما في ذلك الأسر التي يترأسها النساء، تنظيم الأسرة، الأيتام، الأطفال المشردين، ومِن ثَم فإنني جعلت الاستنتاج التالي حول العلاقة بين النظام الزيجي، ومفاهيم الأمن والتنمية: فالنظام القراني/الزيجي هو تأسيسي لمعاني التنمية، الأمن، والسياسات التنموية –لاسيما تلك التي يقودها المخاوف مع انعدام الأمن- التي تفرض وتُؤسس لترتيبات زوجية ليبرالية-غربية على نحو كبير. فالخلط بين أولويات الأمن والتنمية تجعلها مرتبطة مع راديكالية التنمية المنغلقة على مساحات التفكير، ونقد الطبيعة النوعية/الچندرية لسياسات وأولويات التنمية. فمصادر الفوضى أصبحت هي مركز الاهتمام، بينما النظام يُنظر إليه على أنه مُعطى. فسياسات التنمية قد تخدم في تجاه تشيد المجتمعات، وإعادة تكامل الأفراد وفقا لمفاهيم ليبرالية-غربية محددة عن ما هو المجتمع “الطبيعي”. فالمفاهيم الليبرالية-الغربية عن النظام الزيجي/القراني هي بمثابة المركز الأساسي لمفاهيم الطبيعية Normality، السلام، النظام، والأمن. ونتيجة لذلك، فإن التنمية باعتبارها من ضمن القضايا التي يُضفى عليها الطابع الأمني، فإن سياسات مرحلة ما بعد الصراع للتنمية تعد بمثابة صيغ أمنية للانضباط والتنظيم. فسياسات ما بعد الصراع تعمل على تأديب الأفراد وتأهيلهم من خلال إرسال رسائل صريحة عن ما هو “طبيعي” مع إضفاء الطابع الشرعي على نمط محدد من السلوك والأدوار. بالإضافة إلى ذلك، فإن تلك السياسات تَخدم في سبيل تشييد ممارسات نوعية/چندرية قابلة لأن تصبح طبيعية ومقبولة، وللتعزيز من ديناميكيات القوة النوعية/ المچندرة.
عرض عام لفصول الكتاب:
قد نجد أن معظم السياسات تهدف إلى استعادة السلام، ودعم التنمية في سيراليون؛ حيث إن تلك المفاهيم تعتمد على المفاهيم المحدد وفقًا لنظام الزيجي/القراني المرتبط بهيكلة الأسرة. تركيزا على عملية إعادة التكامل للنساء المقاتلات في سيراليون، نجد أن كل فصل في هذا الكتاب يُعطي الأهمية البارزة لديناميكية النظام الزيجي/القراني في عمليات السلام، الأمن، والعودة إلى الاستواء نحو ما هو طبيعي.
نجد أن الفصل الثاني: ينظر إلى تاريخ الانضباط الجنسي في سيراليون، وكيف أن المحتل البريطاني حرص على ضبط كل شيء بِدءًا من ممارسة الجنس مع العاهرات، إلى تكييف مثل هذه الممارسات وتقنينها. فهذا الفصل لم يندرج تحت العرض المقارن لتاريخ سيراليون؛ بل إنه يحاول وضع وتحديد للقارئ السياق السوسيو-سياسي للتراتبيات النوعية/الچندرية، والقواعد الجنسية في سيراليون. فهذا الفصل على وجه الخصوص، يَمد القارئ بخلفيات سياسية وتاريخية تكون على قدر كبير من الأهمية؛ من أجل فهم سياسات ما بعد الصراع الحالية، وعلاقات القوة الآنية. كما أنه يتضمن تحليلا للاستمرارية التاريخية، والانقطاعية المماثلة لها فيما يتعلق بمجالات الحوكمة الجنسية، هياكل الأسرة والقانون، ووضعية النساء والفتيات في سيراليون.
أما الفصل الثالث: يعرض للاختبارات النقدية لهويات “الضحية”، و”المقاتل” في الاتجاه الذي يعمل على التشييد، وإعادة البناء عن طريق برامج “ما بعد الصراع” في سيراليون. حيث يُحاجج الفصل أن أوصاف النساء وخصائصها في مرحلة ما بعد الصراع تعتمد -إلى حدٍ كبير- على القوالب النمطية ذات الطابع النوعي/الچندري، والتكرارات النمطية المتعلقة بالنظام الزيجي/القراني. كما يَأخذ ذلك الفصل في اعتباره مقاومة الوكالات المنوطةُ بإعادة التكامل لهوية المقاتلات، اللائي اشتركن في الحرب بصفتهم جنديات حقيقيات. أضِف إلى ذلك عَملية التصنيف؛ فالفصلُ ينتبه إلى الفجوة الحادثة بين تمثيل المقاتلات-النساء في أثناء الحرب وبعدها، وبين القصّ والسرد الشخصي لهؤلاء الجنديات عن طريق خبراتهن في الصراع. حيث يحاجج الفصل أن المسميات التي تُعطىَ للنساء-المقاتلات؛ مثلا “كالنساء المرتبطات بالحرب”، “التابعات”، أو “أنصار المعسكر”، فكل تلك التسميات تعمل على ترسيخ خطابات سائدة، والتي تسعى لإزالة الصفة السياسية عن أدوار النساء-المقاتلات أثناء الصراع، مع تطبيع، أو إضفاء الطابع الاعتيادي تجاه ما هو مندرج تحت أدوار النساء بالطبيعة.
بالطريقة نفسها التي تتحدث بها أوما كوثري عن “بطش المشاركة” يختبر الفصل الرابع: بعض التناقضات المرتبطة بمفهوم التمكين. حيث يركز على الكيفية التي تعمل بها المؤسسات المتعددة العالمية مثال (البنك الدولي، الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية)؛ تعمل على إدماج مفهوم التمكين في برامجها الموجه إلى النساء. مع التركيز على برامج إعادة التكامل المُخصَصة للنساء المقاتلات باعتبارهن حالة الدراسة الأساسية للكتاب. كما يتحرى ذلك الفصل الطرق التي من خلالها يتم استخدام مفهوم التمكين عبر وكالات المعاونة، ومنظمات التنمية، كما يتحرى من جينولوجيا هذا المفهوم داخل الخطابات المتعددة. وهذا ما يوضح هيمنة الأفكار النيوليبرالية على مُبادرات التمكين، أو التي تهدف إلى تحقيق التمكين. هذا يعزز من أن مسارات مشاريع التمكين-متضمنة عمليات إعادة التكامل في سيراليون- تُحقق من خلال التفاهمات الليبرالية لما يؤسس للنظام الزيجي/القراني، وذلك لتحقيق انضباط الأفراد من خلال رسائل صريحة عن نظام اجتماعي نوعي معين، وسلوك شرعي ومقبول.
بينما يختبر الفصل الخامس: كيف أثرت الصورة المثالية للأنثى الضحية في الحرب على الصورة الحقيقية في واقع ما بعد الحرب، كيف تم معالجة وإدماج النساء-المقاتلات سابقًا في برامج نزع السلاح، تسريح الجيوش، وإعادة التكامل والاندماج لمرحلة ما بعد الصراع. كما أنه يُؤكد على أن موضوعة الرجال والذكورة تم إضفاء الطابع الأمني عليها، خاصة في مرحلة ما بعد الصراع المسلح، بينما تم نزع الصفة الأمنية من موضوعة النساء والأنثوية، وذلك في واقع صنع سياسات ما بعد الصراع. ومع التركيز على غياب الانتباه إلى الشهادات الفردية والمقابلات الشخصية مع النساء-المقاتلات سابقًا؛ فهذا ما يعزز من التصورات والإدراكات الثابتة عن المرأة في الحرب على أنها مجرد ضحية، “المتروكات بالخلف” في ساحات القتال ذات الهيمنة الذكورية فقط. وعليه فإنه سيتم الاهتمام في هذا الفصل -مثل باقي الفصول- بالتركيز على المُقابلات الشخصية مع الإناث-المقاتلات؛ حيث إن تلك المقابلات تُناقض على وجه صريحٍ الخصائص الثابتة العامة عن النساء. فجوهر هذا الفصل يتمثل في التفسيرات الأنثوية حول: لماذا لم يتم إدماج الإناث ومشاركتهم في برامج نزع السلاح، تسريح الجيوش، وإعادة التكامل؟ فالردود المتنوعة، المعقدة، العقلانية، والعاطفية على هذا السؤال تقف في تناقض صارخ مع التقارير المُبسطَة الواصفة للنساء والفتيات باعتبارهن “منسيات” أو “متروكات في الوراء”، وذلك من قِبل عملية نزع السلاح، تسريح الجيوش، وإعادة التكامل والاندماج.
في الفصل السادس: افترضت أن العنف الجنسي في سيراليون، وفي أي أوضاع صراعية أخرى عبر العالم يُعد أداة مثالية في الحرب؛ لأنه يعمل على تعطيل وتفكيك النظام الزيجي/القراني. ونتيجة للنظام الزيجي/القراني، فإن الرجال يُخول قوة، حقوق، وقدرات للحصول على عمل النساء. ومن ثم فإن فعل الاغتصاب، ليس فقط يؤثر على ضحاياه؛ إنما يؤدي إلى خلق فوضى واسعة النطاق؛ لأنه ينتهك حرمة القيم والمعايير المقبولة، ويتعدى على “الملكية أو الخصوصية” المُؤكدَة للرجال داخل المجتمع المعين. وهذا ما يكرر فرضية أن “الومضات الأمنية” تُخلق وتُفهم نتيجة الترسيخات المتأصلة المتعلقة بتفاهمات النظام الزيجي/القراني.
بينما الفصل السابع: يُبنى على التحليل المرتبط بالاغتصاب في فترات الحروب، الذي سبق عرضه في الفصل السادس، مع التركيز على الأطفال الذين يُولدون نتيجة لمثل هذا الفعل الاغتصابي. وهنا يحاجج أن العار يرتبط بالأساس مع الفعل الاغتصابي الحادث في فترات الحروب، والأطفال الناتجة عنه. وهذا نتيجة للسياسات والهياكل الشرعية التي صممت نموذج العائلة الليبرالية باعتبارها معيارا أو نمطًا قياسيا. فمن خلال المقابلات الشخصية، بالإضافة إلى الأدبيات الخارجية فإن القليل من المعلومات وُجدت فيما يتعلق بظاهرة الأطفال المولودين في الحرب في سيراليون. فإقصاء الأطفال الناتجين عن حروب الاغتصاب خارج الفئات الهشة (مثل الأطفال-الجنود، أطفال الشوارع، الأطفال المتشردين المنبوذين) التي تعيرها كلٌ من وكالات التنمية، والمنظمات الإنسانية أهميةً ضئيلة يُعد أمرًا مشينًا على نحو صريح وقابل للنقد؛ وذلك لأنه قد يُحاجج أن هذا الإقصاء يُعد من ضمن الخيارات الاستراتيجية القائمة على الافتراض القائل بأن الجنس والعائلة ليسوا من القضايا السياسية أو القضايا الأمنية.
ختاما نجد أن الفصل الأخير: يرسم بعض الاستنتاجات النهائية حول النساء-المقاتلات في سيراليون، وسياسات إعادة التكامل وعمليات الاندماج. كما أنه يحاول رسم رؤى عريضة عن الطبيعية النوعية/الچندرية والإمبريالية لسياسات التنمية و”النماذج” منها، وتحديد أهمية العائلة، وما يُسمى بالمجال “الخاص” أو “المحلي” لدراسات الأمن والسياسات الأمنية. أخيرًا فإن الفصل يعمل على تشجيع الباحثات النسويات، والباحثين النسويين على الاستمرار في إعادة تصور، وإعادة التأطير المفاهيمي لكلٍ من مفاهيم الأمن والتنمية.