مجلة حكمة
هيلاري كلينتون

هل فات الأوان ليكون دونالد ترمب وهيلاري كلينتون مرغوبين بشكل أكبر؟ – ترجمة: نورة عبدالله


يقول المثل القديم، لا يملك الشخص فرصة ثانية كي يترك انطباعا أوليا عنه. ولكن هل ينطبق ذلك على مرشحي الرئاسة الأمريكية؟ بالنسبة للمرشحين ربما يكون هناك العديد من الفرص من الآن وحتى يوم الانتخابات- بما في ذلك السباق الرئاسي المحتدم، التصريحات السياسية، المناظرات والحملات الحية- وذلك ليطرحوا وجهات نظرهم وقيمهم الخاصة، ثم يحللها المصوتون لأجل أن يكون اختيارهم خيارا حكيما.

تشير دراسات سابقة إلى أن الانطباع الأول قد يكون أكبر مؤثر يحدد الكيفية التي نصوت على إثرها، وطبقا لدراسات نفسية، فإن انطباعات المصوتين الأولى عن المرشحين هي عامل مهم في تقييمهم والتصويت لهم.

قام عالم النفس الاجتماعي أليكس تودروف من جامعة برينكتون بدراسة بيانات التصويت المقدمة في انتخابات الكونجرس الأمريكية، وجد أن تعابير وجه المرشح التي تستحضر حس المنافسة قد تحسم تقريبا 70 بالمئة من نسبة رد فعل المصوتين. (تكررت هذه النتائج كذلك مع السياسيين الفرنسيين واليابانيين والبلغاريين) نتائج كهذه وغيرها توضح أن ما يهم بالنسبة لأغلب المصوتين ليست سجلات المنتخبين ولا ما يقولونه خلال الحملة، بل ببساطة تعابير وجوههم التي ولدوا بها..

هيلاري كلينتون مقابل دونالد ترامب

بالنظر لتأثير الانطباع الأول في عملية التصويت، يملك كلا من المرشحين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون قدرا عاليا من التصنيف غير المحبب- فهل فات الأوان لهذين المرشحين كي يغيرا من قرار المصوتين؟

التضمين مقابل التصريح

على الرغم من عدم وجود تعريف قطعي بما يعنيه تماما ما يسمى ب الانطباع الأول، ولكنه يفهم عامة على أنه شعورنا الأولي تجاه شخص ما، إما بالارتياح أو عدمه، والذي بالمقابل يتكئ على عدة مصادر من المعلومات..

بالإضافة إلى تعابير الوجه، قد يشمل ذلك عدة أمور (جنس الشخص مثلا)، كذلك طريقة تصرفاته (تكلفه، فكاهته، غروره، الخ)، ردود أفعال الشخص في أول لقاء لنا به \ ها (مثلا كيف تصرف بيرني ساندرز خلال أول مناظرة ديموقراطية رئاسية أمام العامة).

يطرح علماء النفس والاجتماع نقاشا حول وجود نوعين من الانطباعات: نوع ظاهري وآخر داخلي. في حين أن انطباعاتنا الظاهرة هي التي نستطيع بسهولة فهمها وحتى إيصالها للآخرين (مثلا، “أنا حقا معجبة بـ هيلاري كلينتون!”)، نجد أن انطباعاتنا الداخلية هي ما يمكن أن نعيه أو لا نعيه.

يقيس علماء النفس انطباعاتنا الداخلية بوضع اختبارات تتمحور حول أي مواضيع تكشف تفضيلاتها بشكل لا إرادي. على سبيل المثال، بدلا من سؤال المصوتين إلى أي حد معجبون بـ هيلاري كلينتون بدرجة من 1 إلى 10، يكون هناك قياس ضمني يقيم ردة فعل المصوتين إيجابا أو سلبا تجاه صور وزيرة الخارجية السابقة على شاشة كومبيوتر.

المتجاوبون مع هذا النوع من القياسات لا يعرفون أن تقييمهم لكلينتون يدرس بالفعل. (بمثالية عالية، هذا النوع من القياس يقلل من عملية التحرير الذاتي التي يقوم بها المصوتون حين يصفون انطباعاتهم، وتبين أساسيات وميول قد لا تعرف بطريقة أخرى.)

تظهر الانطباعات الداخلية- كما يقيسها علماء النفس- قدرتها على التنبؤ بقرارات الناس وتصرفاتهم، من ضمنها سلوكهم الانتخابي. بالتالي، حين يختص الأمر باختيار مرشح ما، فإن تفكيرنا الواعي وشعورنا تجاه هذا المرشح، قد لا يكون هو الدافع الوحيد الذي يحدد سلوكنا وقرارنا تجاهه. بل إن انطباعاتنا الداخلية تلعب دورا موازيا ومهما.

قرارات محسومة (هيلاري كلينتون ودونالد ترامب)

تظهر العديد من النتائج الحديثة أن تغيير انطباعاتنا المخفية حال تشكلها يعد أمرا صعبا.

مثلا، عبر سلسلة من التجارب أعطي المشتركون معلومات عن مجموعتين، إحداها

وصفت على أساس أنها شريرة والأخرى طيبة. قام الباحثون بقياس انطباعات المشاركين الداخلية الأولى لكلا المجموعتين. وكما توقعوا، قيم المشاركون المجموعة الشريرة تقيما سلبيا داخليا والأخرى الطيبة على أساس إيجابي..

بعد ذلك، حاول الباحثون حث المشتركين على مراجعة انطباعاتهم الأولية-لتغيير انطباعهم الداخلي عن المجموعتين. قاموا بإخبار الفريقين أنهم عكسوا المعلومات الخاصة بكل فريق عن طريق الخطأ، وأن المجموعة التي وصفت على أساس أنها شريرة كانت هي المجموعة الطيبة، والعكس. حاول الباحثون كذلك إعطاء الفريقين قصة طويلة مفصلة عن طريقة المجموعتين بتغيير خصائصهم الأخلاقية (فمثلا، بدأت المجموعة التي كانت شريرة في السابق بالندم على تصرفاتها وحاولت التعويض عنها .. الخ). تغيرت انطباعات المشتركين الظاهرية باتساق مع المعلومات الجديدة. ولكن انطباعاتهم الداخلية لم تتزحزح رغم محاولة الباحثين..

تترجم اكتشافات كهذه لتوضح أنه ليس بمقدورنا تجاوز انطباعاتنا الأولية الخفية عن الآخرين. حتى ولو تحدثنا بما يعاكسها. إذن هل علينا التوقف عن قراءة أوراق المرشحين السياسية؟ أو الاستماع لمناظراتهم؟ هل نتراجع ونفترض أن انطباعاتنا الأولية الداخلية قد حسمت الأمر؟

غرفة مناورة صغيرة

دراسة حديثة في معاملنا البحثية تقول بأن الإجابة لا..

قمنا بإثبات إمكانية تغيير الانطباعات الداخلية الأولية بشكل فوري وبصورة دائمة. قمت بتقديم بحث مشاركة مع عالم النفس الاجتماعي جيرمي كون من كلية وليامز وخريج جامعة كورنل توماس مان، أظهر أن معرفة معلومة واحدة جديدة وتشخيصية عن أحد ما، بمقدورها أن تقود بسرعة إلى الانطباع الداخلي الصحيح. بدلا من اختبار المواقف تجاه المجموعات، كما في بحث مواز آخر، ركزنا على الأفراد، وكيف أنه بمقدور معلومة واحدة في غاية التشخيص أن تؤثر على الانطباع الأول لأحدهم.

قد لا يصدق بعض من الناس كيف لمجموعة كاملة أن تغير شخصيتها الأخلاقية، إلا أنهم يميلون إلى التصديق بأن الأفراد بمقدورهم أحيانا التصرف بطرق مفاجئة، وأن تصرفا متطرفا منهم قد يعكس أحيانا شيئا ذو معنى عن الشخص، وبالتالي، يستخدمونه في تحديث الإنطباع الأول عنه.

أعطي المشاركون في بعض دراستنا معلومات عن شخص اسمه بوب الذي وصف على أساس تأديته لتصرفات متتابعة إيجابية (مثلا، “بوب ساعد الشخص الرجل الكبير بالسن على عبور الشارع المزدحم”).

شكل جميع المشاركين انطباعا ذهنيا داخليا بشكل إيجابي وبقوة عن بوب بعد معرفتهم لهذه التصرفات, ولكن من ثم تم إخبارهم بتصرف إضافي سلبي جدا ونادر، إلا أنه دامغ في تصرفات بوب (مثلا، أدين بوب بتعذيب حيوان صغير).

على عكس الرأي السائد القائل بأن الانطباعات الداخلية الأولى يكاد يستحيل تغييرها بسبب معلومة واحدة إضافية، غير المشاركون انطباعهم حالا، من انطباع ايجابي قوي إلى آخر سلبي وبنفس الحدة.

وجدنا عبر ستة تجارب لما يقارب 1250 مشترك، دليلا متكررا وقويا على أن الناس يقومون بسرعة بعكس انطباعهم الأولي الداخلي بعد معرفتهم لمعلومة واحدة جديدة.

إذن، ربما بالإمكان الانتقال إلى ما هو أبعد من انطباع أولي ونقيضه، ولكن هل باستطاعتنا الانتقال من انطباع سلبي إلى إيجابي؟

هل هو مستحيل؟

عديد من الأبحاث النفسية وجدت أن المعلومات السلبية حين تقابلها أخرى إيجابية فإن لها أثرا كبيرا في أحكامنا على الآخرين. معرفة أن أحدا من أولئك الذين وصفوا بأنهم رغم عدائيتهم إلا أنهم قاموا بعمل بطولي، لايوازي أثر معرفة أن شخصا لطيفا قام بعمل مروع. معظم مدراء الحملات الانتخابية يقرون ب “يستغرق الأمر حماقة واحدة لترمي بأحدهم من القمة، وبالمقابل كم هائل من الأعمال الطيبة لتكفر عن ذلك”. وهذا صحيح أيضا فيما يخص انطباعاتنا الداخلية الأولى. على الرغم من أن أبحاثنا الأخيرة تظهر أنه بمقدورنا تحديث انطباعاتنا الداخلية الايجابية إلى أخرى سلبية، إلا أنه بالمقابل من الصعب عمل العكس.

هيلاري كلينتون

هل يوجد حالة تراجع لانطباع داخلي أولي؟ ماذا لو ظهر أن تلك الانطباعات السلبة لم تكن صحيحة أساسا؟

الاتهامات والتلميحات الخاطئة متفشية بشكل متكرر في أي موسم انتخابي. زعمت مجلة the national inquirer التي نشرت مؤخرا قصة تيد كروز وأن لدية علاقات خارج إطار الزوجية مع خمسة نساء، الاتهام الذي أنكره كروز بشدة ولم يؤكد من قبل أي مصدر أو ناشر آخر. كيف لقصة كهذه أن تؤثر على الناخبين حول البلاد الذين بدأوا للتو بالانتباه لكروز؟ إذا ما اتضح أن الادعاء كاذب، هل سيستمر الناخبين بشعورهم السلبي تجاه كروز لذات السبب، ربما لا شعوريا؟ أظهرت أبحاثنا مؤخرا أنه بمقدور الناخبين تصحيح انطباع داخلي شديد السلبية إلى نقيضه تجاه أحدهم، إذا ما اتضح في النهاية أن تصرف هذا الشخص قد أسيء فهمه أساسا. على سبيل المثال، إذا أخبر أحدهم أن بوب قد اقتحم منزلا – محاولين خلق انطباع سلبي عن بوب – ثم فيما بعد يتبين أنه فعل ذلك بسبب حريق شب في المنزل وقد حاول هو إنقاذ أطفال جاره، سيقومون في الغالب بتغيير انطباعهم إلى آخر إيجابي تماما.

هذا البحث الجديد يظهر أن الدراسات السابقة حول تغيير الانطباعات الداخلية الأولى ومداها لم تكن حاسمة بهذا الخصوص، وأن الضرر الحاصل – في بعض الحالات – بسبب الادعاءات الكاذبة يمكن تغييره.

لم يفت الأوان بعد

نعم، للانطباعات الأولية أثر قوي، فهي تحدد كثيرا من نظرتنا للآخر، وتفسر وتؤكد على المعلومات التي نصادفها تباعا.

باستطاعة تعابير وجه أحدهم وتصرفاته الأولى أن تؤثر على تفسيراتنا لأفعالهم اللاحقة. وفي حال غياب دليل قطعي على ما يعاكسها، فإن نجاح مرشح رئاسي ما، قد يتوقع من خلال ملامح وجههـ/ـا.

ولكن نتائج بحوث مختبراتنا الأخيرة تظهر أن انطباعاتنا الأولية ليست راسخة تماما. فعندما نتعرف على معلومة (قطعية) وجديدة عن أحدهم، و تتضاد تماما مع انطباعنا الأول عنه، فإننا في الغالب قد نغير حتى انطباعنا الداخلي لاحقا.

حتى موسم الحملات الانتخابية، هناك الكثير من الوقت، حتى إذا كنت قد حسمت اختيار مرشحك. وكما تظهر بحوثنا، فإنك قد تغير رأيك حتى في يوم الانتخابات.

هيلاري كلينتون