مجلة حكمة

هل سيعود النمو الاقتصادي الأمريكي إلى عصره الذهبي؟ – روبرت جوردن / ترجمة: غادة اللحيدان


سيجتمع قادة العالم في منتجع الباين في دفوس في العشرين من يناير لوضع إطار للثورة الصناعية الرابعة , الموضوع الذي اختاره مؤسس منتدى الاقتصاد العالمي كالوس شالوب. حيث قال ” ستكون هذه الثورة أكبر من نظيراتها السابقة كما أنها ستكون أكثر تخريبا وترابطا وستجري داخل نظام بيئي معقد, لن تغير هذه الثورة ما يفعله الناس فحسب بل أيضا من يكونون”.

على من يجد هذا الموضوع مثيرا للاهتمام قراءة الكتاب الرائع والجديد  لروبرت غوردن . عرف غوردن الاقتصادي الأمريكي والذي يدرّس في جامعة نورث ويسترن في الأوساط الأكاديمية بتقديمه ثلاثة عناصر مثيرة للجدل. يكمن العنصر الأول في أن ثورة الأنترنت مروّجه. والعنصر الثاني هو أن الطريقة المثلى لتقدير مدى هذا الترويج هي النظر الى العقود الماضية بعد الحرب الأهلية حيث قامت العديد من الاختراعات كمحركات السيارات والكهرباء بتغيير الحال الأمريكي. أما العنصر الثالث فهو أن العصر الذهبي للنمو الاقتصادي الأمريكي ربما يكون قد انتهى.

قدم غوردن في كتابه “ارتفاع وانخفاض النمو الاقتصادي الأمريكي” قضيته بأسلوب رائع وجذاب داعما كلامه بأمثلة واضحة وبيانات اقتصاد قياسي آخذاً بعين الاعتبار ما يعنيه التغير الاقتصادي للأمريكيين العاديين. حتى لو غير التاريخ مجراه أو تبين فشل فرضية الارتفاع والانخفاض لغوردن, سيبقى هذا الكتاب مصدرا لتصحيح الحياة المادية في أمريكا في ذروة الرأسمالية الصناعية.

غيرت الثورات التكنولوجية في أواخر القرن العشرين العالم حيث كان مفهوم الأمريكيين عن السرعة محصورا بالأحصنة ونمط حياتهم مرتبط بشروق الشمس وغروبها والقيام بالمهام الأساسية اليومية من غسل الملابس وتوفير المياه للاستحمام عملا شاقا. نجاح الثورات غير كل جوانب الحياة فاختراع الكهرباء أضاء عتمة الليل واختراع الهاتف قطع المسافات. سرعة هذا التغير استثنائية وجديرة بالملاحظة فخلال ثلاثين عاما من 1870 الى 1900 أضافت شركات السكك الحديدية 20 من السكك كل يوم . وفي مطلع القرن العشرين تأسست أول شركة أمريكية للبريد وهبطت أسعار السيارات بـ 63% بين 1912 و 1930 حيث زادت نسبة مستخدمي السيارات في أمريكا ممن 2% الى 89.8% .

وفقا لأندرو كارنيجي فقد أحرزت أمريكا تقدما في جميع المجالات التكنولوجية عن باقي العالم ففي 1900 أمتلك الأمريكيون أربعة أضعاف ما يمتلكه البريطانيون من أجهزة الهاتف للشخص الواحد وستة أضعاف ما يمتلكه الألمانيون وعشرين ضعف ما يمتلكه الفرنسيون. سدس السكك الحديدة في العالم كانت تمر بمدينة شيكاغو الأمريكية. وبعد 30 عام امتلك الأمريكيون أكثر من 78% من السيارات في العالم. لم يتمكن الفرنسيون من التوصل الى ما توصل إليه الأمريكيون في عام 1912 من استخدام السيارات والكهرباء إلا في عام 1948.

لم يتسبب الكساد الكبير في أمريكا في أبطاء التقدم التكنولوجي والاقتصادي بشكل كبير وواصل القطاع الخاص ابتكاراته. وكانت فترة الثلاثينات من القرن العشرين أكثر العقود انتاجية من ناحية الاكتشافات وبراءات الاختراع التي اسهمت في تعزيز الاقتصاد , واستمرت حكومة “فرانكلين روزفيلت” بالاستثمار مع “تينيسي فالي” و” هوفر دام” في الطاقة الانتاجية.

أثبتت الحرب العالمية الثانية القدرة الهائلة للآلة الانتاجية الأمريكية, ففي عام 1945 أكدت أمريكا تفوقها ببناءها نظام عالمي جديد عن طريق مؤسسات مارشل بلان وبريتون وودز وبانفاق أموال طائلة على التعاليم العالي. كانت الستينات والخمسينات تمثل العصر الذهبي حيث تنعم الناس فيها بحياة رغيدة.

كان غوردون متشائما بشأن السبعينات حيث زاد الاضطراب الاقتصادي نتيجة لمنافسة الشركات الأجنبية وخاصة اليابانية للشركات الأمريكية إضاقة إلى ارتفاع أسعار النفط بسبب منظمة “أوبك”. كما زادت حالة عدم المساواة الاقتصادية بسبب تقدم الأثرياء على غيرهم. تراجع نمو الانتاجية فبعد أن بلغ متوسطة 2.82%  بين عامي 1920 و1970 , سجل هذا المتوسط 1.62% فقط بين 1970 و2014. تواجه أمريكا اليوم الكثير من الصعوبات ابتداءا من ارتفاع متوسط أعمار السكان, وارتفاع تكاليف التعليم والرعاية الصحية وعدم المساواة وانتهاءا عند تفاقم الأمراض الاجتماعية.

ما مدى أمكانية استعادة أمريكا لديناميكيتها المفقودة؟  لا يلقي غوردون بالاً للطوباويين التقنيين الذين يؤمنون أن ثورة المعلومات ستنقذ أمريكا من الركود العلماني, فموقفه اتجاه ثورة تكنولوجيا المعلومات هو نفسه اتجاه بيتر ثيل المستثمر الرأسمالي صاحب المقولة الشهيرة “أردنا سيارات طائرة وحصلنا عوضا عنها على 140 محرف”. جنت أمريكا ثمار ثورة تكنولوجيا المعلومات حيث ارتفعت معدلات النمو كل سنة من العقد الذي تلا 1994, ولكنه لم يستمر وتباطأ منذ ذلك الحين.

يرى غوردون الآن أن الاقتصاد الأمريكي الجديد ما هو إلا سراب وأن السيارات الذاتية القيادة ستكون أقل تأثيرا وفاعلية من اختراع السيارات في المقام الأول ولكنه محق بشأن التحديات الصعبة التي ستواجهها أمريكا.

ولكن الكاتب بالغ بالتقليل من شأن ثورة تكنولوجيا المعلومات الحالية مستخفاً بقدرتها على تغيير حياة الناس. قد يكون غوردن محقاً بشأن أن ثورة تكنولوجيا المعلومات لن تعيد معدلات النمو الاقتصادي الأمريكي الى ما كانت عليه ولكنه بالتأكيد مخطأ في تقليله من مدى تأثير هذه الثورة على حياة الناس.

 

 

المصدر