مجلة حكمة
نيتشه والنزوع النفسي

نيتشه والنزوع النفسي نحو الارتقاء (3/3) – غاستون باشلار

ترجمة: سعيد بوخليط


لن يصير قط هذا الارتجاف دَوْخة.النيتشوية  بالضرورة،دُوار تم التغلب عليه. يبحث نيتشه بالقرب من الهاوية،عن صور الارتفاع  الديناميكية.يستمد نيتشه من واقع الهاوية،عبر جدلية كبرياء معروفة جدا،الوعي بأن يكون قوة منبثقة. يقول عن طيب خاطر،على منوال سارا في ”أكسيل” :(الدراما النثرية للكاتب أوغست دو فيليي دو ليل-أدم): ((لست جديرة بمعاقبة  الحفر العميقة سوى بأجنحتي)).

ثم لنتابع بتفصيل أكثر درس الشجرة النيتشوية :

تتردد عند حافة حُفر،

حيث ينزع كل شيء بجانبها كي يتهاوى:

بجوار نفاذ الصبر

أحجار برية ، وسيول متدفقة

إنها صبورة،متسامحة، صلبة، صامتة، ومنعزلة .

ثم نضيف :إنها مستقيمة، منتصبة القامة، قائمة، واقفة، وعمودية.لا تحصل على النُّسْغ من ماء تحت- أرضي،ولا تستمد صلابتها من الصخر،ولم تكن في حاجة إلى قوى الأرض.إنها ليست مادة،بل قوة ومستقلة.تستلهم قوتها من ذات عموديتها.شجرة الصنوبر النيتشوية،المتواجدة عند حافة الهاوية، بمثابة موجه كوني للخيال الهوائي.وبشكل دقيق جدا،يمكنها أن تساعدنا كي نفصل خيال الإرادة إلى نمطين،ونرى بشكل أفضل أن الإرادة تآلف لنموذجين من الخيال :من جهة، الإرادة- الجوهر وهي الإرادة الشوبنهاورية، ثم الإرادة- القوة،باعتبارها إرادة نتشوية. واحدة تريد أن تبقي بينما تتوخى الثانية الاندفاع.تستمد الإرادة النيتشوية مرتكزها من سرعتها الخاصة.سرعة صيرورة، في غير حاجة إلى مادة .يبدو أن الهاوية،مثل قوس مشدود، يمكِّن نيتشه من بعث سهامه نحو الأعلى.بجوار الهوَّة،يتجه مصير الإنسان إلى السقوط. لكن أيضا بجوار الهوَّة، يكون مصير الإنسان الأعلى الانبجاس،كما الشأن مع شجرة الصنوبر صوب السماء الزرقاء. الإحساس بالسيئ يغني نبرة الخير. مثلما أن إغواء الشفقة يشدد في المقابل على  الشجاعة.كذلك، تجريب الحفر يرفع من مقام السماء.

فعلا ،سنعثر ضمن نصوص نيتشه، على صفحات أخرى تكون معها الشجرة حقا  ثملة بالاستقامة. على سبيل الذكر،تحت عنوان :  تحية(زرادشت، ص 407)كتب نيتشه، سعيا منه لتقديم صورة عن إرادة متسامية وقوية،ما يلي :

إنّ منظرا بأكمله يتسلى بشجرة كتلك.

آه يازرادشت،أقارنك بصنوبر،تلك التي كبرت مثلك :فارعة،صامتة، صلبة، منعزلة،تفرز أفضل الخشب،وكذا الخشب الأكثر مرونة،رائع.

-تتوخى أخيرا،بأغصان قوية وخضراء،ملامسة سيادتها الخاصة،وتسائل برصانة الرياح والعواصف،وكل ماهو مألوف في المرتفعات.

– تجيب بشكل أكثر قوة، وآمرة ظافرة.آه !إذا لم تصعد نحو الأعالي كي تتأمل نباتات من ذاك القبيل؟.

يتسلى كل مكتئب حين رؤيته لشجرتك، آه يازرادشت،تهدئ هيئتك من روع المضطرب وتشفي فؤاده.

تعتبر هذه الشجرة المنتصبة محورا للإرادة،وعلى نحو أفضل،أساس الإرادة العمودية الخاصة بالنيتشوية. حينما يتأملها،ينهض بصورته الديناميكية وبشكل دقيق جدا إرادة الاستغراق في تأمل نفسه،ليس بين طيات أعماله،لكن من  خلال نفسه.وحده الخيال الديناميكي بوسعه أن يعطينا صورا ملائمة للإرادة.أما  الخيال المادي فلا يقدم لنا سوى النوم وأحلام إرادة غير متجلية،ترقد في السوء أو البراءة.تعتبر الشجرة النيتشوية،وهي أكثر ديناميكية من كونها مادية،صلة ذات قدرة كلية،بين الشر والخير،والأرض والسماء(زرادشت، شجرة  في الجبل،الطبعة الأولى، ص 57 ) :(( كلما توخت الارتقاء نحو الأعالي والجلاء،قدر ما تتجذر أكثر عمقا جذورها في الأرض،والغياهب واليمِّ،والشر)). لا يوجد خير مُراوغ، ومتفتح،ولاوردة دون عمل للقذارة في الأرض.فالخير ينبثق من الشر.

من أين تأتي الجبال الشاهقة؟هذا ما تساءلت عنه سابقا. لقد أدركت أن مصدرها  البحر.شهادة مكتوبة في صخورها وكذا  قمم جبالها . يلزم إذن على  الأدنى كما الأعلى التطلع إلى إدراك القمة.

تواترت طبيعيا،موضوعات الارتقاء باستفاضة في القصيدة النيتشوية.تترجم بعض النصوص حقا البعد الفارق المميز للسعي نحو إخضاع العمودي.هكذا يتجلى الوضع مع حالة أرض تتفتت،وأحجار تتدحرج تحت قدمي الصاعد إلى الجبل.ينبغي ارتقاء سبيل منحدر ينزل عبره الجميع.في المقابل،سيعكس الطريق الوعر خصما  يرد على ديناميكيتنا بأخرى مُعَارِضة(زرادشت،الرؤية واللغز، ص223  ) :

مَمَرَّا يرتقي بتغطرس عبر ركام أنقاض ،ممرا فظا ومتوحدا…ممر جبل يصرخ تحت قدماي.

ارتفع أكثر:قاومْ الفكر الذي يجذب صوب الأسفل، والهاوية. قاومْ فكر الثقل،شيطاني وعدوي القاتل.

أكثر ارتقاء :مهما جثم فكر الثقل علي،نصف قزم والنصف الآخر حيوان الخُلْد،مشلولا،ومسببا للشلل،يسكب الرصاص في أذني،وداخل دماغي،أفكارا من الرصاص،قطرة فقطرة.  

إننا لانتأمل بما يكفي،الصور النيتشوية من خلال ماديتها وديناميكيتها.صور تمنحنا فيزياء تجريبية للحياة الأخلاقية،وتظهر لنا بدقة تغيرات الصور،ثم التحولات الأخلاقية المترتبة عن ذلك.حتما متعلقة هذه الفيزياء التجريبية بمجرب خاص،بيد أنها  ليست منفلتة ولا مجانية ولا اعتباطية. بل تتطابق مع مزاج يتحسس طريق البطولة،ووجود يزدهر حسب إطار حياة بطولية.أن تتمثل النيتشوية،يعني أنك تعيش تحولا في الطاقة الحيوية،وصيغة تحول غذائي للبرودة والهواء،اللذين يلزمهما إنتاج المادة الهوائية لدى الكائن الإنساني.المثالي،أن تجعل الكائن على قدر من الكبر والتوقد مثل صوره.لكن حينما لا نخطئ بهذا الخصوص،سيتحقق المثالي وبقوة من خلال الصور،ما إن نتناول الأخيرة في حقيقتها الديناميكية،مثل تحول للقوى السيكولوجية المُتَخَيلة.يحلم الكون فينا،يشير شاعر يستلهم نوفاليس Novalis،أما النيتشوي، صاحب القدرة المطلقة في حلميته الساعية،وإرادته الحالمة،فيلزمه التعبير حول عالم أكثر واقعية،بقوله : يحلم العالم فينا ديناميكيا.

بوسعنا كذلك، أن نتناول مع بعض الصور النيتشوية العمل الكوني للارتقاء،عمل عالم متسامي تقوم كل حقيقته على الفاعلية.مثلا (زرادشت،المعرفة الطاهرة) : (( لأن البحر يريد أن تقبِّله وتمتصه الشمس،يتوخى أن يصير هواء وارتفاعا ثم مسلك ضوء،بل الضوء ذاته !)) في مقطع شعري(قصيدة، ص 273)يولد الحالم تقريبا وسط الأمواج،مثل جزيرة انبجست من طرف قوى تخلق الانجراف :

لايشكل البحر نفسه،عزلة مفرطة بالنسبة إليه،

هاهو  يرتفع فوق جزيرة،ثم على الجبل يصير شعلة،

الآن،يشرئب نحو عزلة سابعة، يلقي بصنارته من فوق رأسه

الأرض فوق الماء،النار فوق الأرض،الهواء فوق النار،هكذا التراتبية العمودية كليا للشعرية النيتشوية.

يعود نيتشه في كتاب زرادشت،إلى هذه الصورة الغريبة المحيلة على الصيد من الأعلى(ص .344الطبعة الأولى) :((هل سبق لشخص أن أمسك ذات يوم بسمكة في أعالي الجبال !بل وحتى ما أريده في الأعلى هو جنون- من الأفضل لك ممارسة جنون عوض أن تصير احتفاليا وأخضر وأصفر بحكم استغراقك للانتظار في الأعماق)).

سلَّمنا غالبا في أبحاثنا المنصبة على الخيال(دراسة عن الشاعر لوتريامون ثم الماء والأحلام)،بالانتقال المتدرج من الماء إلى الهواء،كما أحلنا على التطور المتخيل المتواصل من السمك إلى الطائر.كل حالم حقيقي بعالم سائل – وهل تقوم حُلُمية دون سلاسة؟- يعرف السمك الطائر.يلقي نيتشه الصياد الهوائي،بصنارته من فوق رأسه. لا يصطاد في المستنقع أو الوادي،مجال الكائنات الأفقية،بل يصطاد في القمم،أعلى قمة في الجبل :

أجيبوا على تلهف الشعلة : اصطادوا من أجلي

يا صياد القمم العالية،عزلة السماء السابعة والأخيرة !.

تكمن العزلة القصوى في عالم هوائي :

آه يا عزلة السماء السابعة !

لم أشعر قط أني أكثر قربا من اليقين العذب،

ساخنة جدا هي نظرات الشمس

هناك في القمم العالية، لم يصبح الثلج بعد، مُحْمَرّا؟

فضي اللون،خفيفا،مثل سمكة

حاليا، يندفع قاربي،صوب الفضاء… .

مَرْكب في السماء، قلنا بأن هذا ،يمثل  مصدر تأمل شارد سنكتشفه ثانية عند شعراء كثيرين. يعتبر في أغلب الأحيان، نتاجا متخيلا لحلم مُتَهدهد،ومحمول،وانتشاء بالانقياد. إنه زورق مدينة البندقية،لكن لا يعتبر الحالم صاحبه. عند نيتشه،ورغما على بعض لحظات التراخي(زرادشت، الجزء الثاني، ص 399)عندما يستريح الحالم على متن:((قارب متعب،وسط أكثر البحار هدوءا))،لا يشير هذا التأمل الشارد المهدهد والمسافر إلى أي سمة من سمات شعر نوفاليس أو لامارتين.بحيث يبدو عدم اكتفائه ب”حياة أفقية”بل تميزه تقريبا، اهتزازات عمودية (زرادشت، الطبعة الأولى، ص 366) :(( غاية البحار الصامتة والملتهبة،يحلق المركب،العجيب المُذَهَّب،حيث يحيط الذهب على نحو مطرد بكل الأشياء الجيدة،الماهرة والمنفردة))مادام أنه يحلق،وصار”عجيبا مُذَهَّبا”،فلأنه زورق يذهب من البحر نحو السماء،سماء مشمسة.يوجه الحالم النيتشوي، بكيفية لارجعة معها،الهامة نحو الأعلى،مدركا أن زورقه لن يرجع به ثانية إلى جوار الأرض.

صحاري، طموحات، اضمحل كل شيء

 هادئة روحي وهادئ البحر.

وسط السماء نفسها،وقد رجع الحالم إلى وطنه الهوائي،سيتجه ببصره نحو الأعلى(شعر،مجد وخلود، ص285 ) :

أتملى الأعلى

تنساب أمواج ضوء :

آه الليل !  آه الصمت ! آه صوت الموت !

أرى إشارة

الأقاصي الأكثر بعدا

بتؤدة تنحدر صوبي،كوكبة نجوم متلألئة

أعظم كوكبة نجوم في الوجود!

طاولة رؤى أبدية!

هل أنت من يتجه نحوي؟.

هذا السرد عن سبر للعالم الأخلاقي بمثابة سفر هوائي يسلم الشاعر كواكب نجوم الوجود،ثم ”الصيرورة الأبدية”للوجود،وكذا  البداهة”الكوكبية” للتوجه الأخلاقي.مادة،حركة،تقويمين مرتبطين في نفس الصور.الكائن المُتَخيل والأخلاقي هما متضامنين كثيرا مما تعتقده السيكولوجية المتعقلة،ودائما على استعداد لتناول الصور باعتبارها مجازات. يعتبر الخيال، أكثر من العقل، قوة وحدة النفس البشرية.

طبعا، تحوي الشعرية النيتشوية  أشكالا ديناميكية تفوق الصخرة في السماء الزرقاء،وكذا شجرة الصنوبر المنتصبة التي تحدث الصاعقة وتحتقر الهاوية،ثم صورة الطريق إلى القمم، والزورق المحلق.الهواء والارتفاع المتخيلين   يغمرهما طبعا،عالم من الطيور،على سبيل المثال، النسر السالب :

ربما،هو من الطيور الكواسر،

مغامرا يتمسك مبتهجا بشَعْر الشهيد المكابد،

بضحكة ضالة

ضحكة طائر الكواسر…

…………….

ينبغي أن نمتلك أجنحة، حينما نحب الهاوية…

لاينبغي أن تتمسك به،

كما لو أنك تحكم عليه شنقا!

هذا المِطْمار،وهذا المتدلي المثير للسخرية،ثم جثة هذا الرجل الثقيل المحمول رغما عنه،سلبيا، عموديا،صور تحدد جميعا بكيفية جيدة تحول القوة الإنسانية للارتقاء،إلى طائر مرتفعات حيث لاشيء “دلَّى” أو”مُتَدَلٍّ” ،باستثناء فريسة مختطفة. على العكس من ذلك،يمثل الشَّعْر هنا سمة هوائية عن إنسان  صار منسيا في جسده. شَعْر،محرقة المادة الإنسانية ”دخان خفيف”،تقول صورة لليوناردو دافينشي.

يجسد الطائر طبيعيا، حسب الصيغة المجردة لحركته،دون زينة أو تغريد، بالنسبة للخيال النيتشوي،خطاطة ديناميكية رائعة.نقف في الأختام السبعة (زرادشت، الطبعة الأولى، ص337 )،على هذا المبدأ الحقيقي: ((إذا أمكن هذا تمثيل بدايتي ونهايتي،بحيث يصبح كل ثقيل خفيفا،وكل جسد راقصا،وكل فكر طائرا :فذاك حقيقة، بدايتي ونهايتي !)).  

هاهو التحليق يحوم ،التحليق المطمئن القريب جدا من التحليق الحُلُمي تحت عنوان : ((الإقرار بالحب(حيث يعتاد الشاعر على الرفض)(العلم المرح، ،ترجمة،ص 394) :

آه!رائع! هل لازلت تحلق ؟

يرتفع وأجنحته في حالة استراحة؟

ما الذي يحمله إذن ويتعالى به؟

أين الآن قصده، تحليقه،وسِمَته؟

………………………..

إنه يصعد حقا عاليا لدى من يراه محلقا !

آه ! طائر القطرس!

رغبة دائمة تدفعني صوب الأعالي.

تتجدد في غالب الأحيان مأساة التحليق الفاشل،والمُخْتَصَر،في “نشيد الثمالة”،بحيث يتأتى الخوف :((من كونه لم يحلق بما يكفي نحو الأعلى)).مرح الرقص ليس كافيا :((إن ساقا ليست بجناح)) (زرادشت، الطبعة الأولى، ترجمة، ص464 ).

لكن،في نجاحه الحاسم،تنبغي الإشارة إلى أن الخاصية المتهورة والهجومية للتحليق النيتشوي (طاولات جديدة وعتيقة، زرادشت، ص285 ) :(( يحدث لي أن أحلق مرتعشا كسهم،عبر انتشاءات ثملة للشمس)).يبدو أن النسر يخدش السماء (زرادشت،العَلاَمة،ص472) : ((لقد استيقظ نسري،ويبجِّل الشمس مثلي.يمسك بمخالبه،الضوء الجديد)).إن تحليقا قويا ليس  فاتنا،بل غاصبا.لانمنح قط كثيرا من الاهتمام إلى النزوع المباغت نحو القوة الذي تأخذه سعادة التحليق الهائلة.حتى التحليق الحُلُمي،من الشائع أن الحالم يبرهن للآخرين عن علو شأنه ويتباهى بقوته المفاجئة.لذلك، فطائر الجوارح  بمثابة لعنة على قوة التحليق. يلزم الهواء، مثل باقي العناصر،أن يحظى بمحاربه. يتوافق الخيال والطبيعة بخصوص هذا التطور.قدر الخيال أن يكون مُهَاجِما. كتب نيتشه في “الطاولات العتيقة والجديدة” (زرادشت ):((وحدها الطيور لازالت  فوقه.وإذا توخى الإنسان تعلم مزيد من التحليق،فأي شقاء بالنسبة إليه !مادام لا يعرف عند أي علو سيحلق طمعه!)).تحلق طيور الكواسر،صوب أقصى  الأعالي.فورا،سيقر فيلسوف للارتفاع المتعجرف، بما يقابل ذلك.ليست حياة نيتشه الهوائية،فرارا بعيدا عن الأرض،بل هجوما ضد السماء،بتعابير لها طُهر المتخيل وقد تخلصت من كل صور التقليد. يتكلم ثانية هذا الهجوم ملحمة جون ميلتون عن الملائكة الثائرين.هو خيال هجومي محض،لأنه نجح في ذلك. أرخوا السمع إلى موطن الآلهة يتردد صداه مع ضحكات المنتصر :((يتجه غالبا عشقي الكبير إلى الأجنحة المدوية …بحيث تحملني بعيدا جدا، أبعد من القمم نحو الأعالي،على إيقاع الضحك))(زرادشت طاولات عتيقة وجديدة،ص285 )الجيد لا معنى له :لأننا سنلج تبعا لهذا التحليق الكبير،منطقة ”الحكمة المتوحشة”.وبتأملنا هذا المفهوم يمكننا الشعور بتمحور القيم.تتطور الحقيقة الأخلاقية في إطار تعارض،الحكمة الجامحة،السماء المُهَاجمة،التحليق الهجومي،أي عدد من حركات القيم حول نفس محور الارتكاز.

يمكننا بخصوص تفاصيل طفيفة، قراءة إشارات لاتخدع أبدا.هكذا،تمزق مخالب النسر النور.هو جلي وصريح ومتجرد، إنه المخلب الذكوري. أما مخلب القطة فمتستر ومزيف ومنافق،هكذا المخلب الأنثوي.

تعتبر القطة في الوصف النيتشوي للحيوان،حيوانا أرضيا بامتياز،تشخص دائما ارتباطا بالأرض.إنها خطر على الهوائي.عند نيتشه – دون استثناء قطعا-القطة امرأة.لنقدم مثالا واحدا. لقد كتب نيتشه،بخصوص إغراء الحب الساخن والمسلي :((تريد أن تداعب كل الوحوش. نكهة تنفس ساخن،ثم قليلا من الفرو اللين في القوائم)).يستحيل أن نحدد القطة والمرأة،على نحو أفضل خلال ذات الآن،وبطريقة وحدوية كذلك.

جلّ مرتحل في الهواء، يكون مؤهلا كي يحصل على السمة النيتشوية،تلك الأفضلية الدامغة لدى كل من يرتقي. مثلا، يمكننا أن نرى في قصيدة (ص282)الصعود الصاعق للهُوَّة نحو السماء :

فجأة، يرتقي وميض

ساطعا، مرعبا،صوب السماء :

الجبل نفسه تهتز أحشاؤه…

هذا الزلزال ليس نتيجة،بل غضب للهُوّة نفسها التي تأتى لها أن تبعث بالوميض،مثل سهم نحو السماوات.

أيضا، بوسعنا تجميع إحالات عدة قصد البرهنة على الخاصية الديناميكية لإشراقات الفجر عند نيتشه !قد لا نأخذ سوى صفحة وتكفينا كي نظهر بأن السماء  تهيئ بنشاط،في قلب كينونتنا نفسها،تيقظا كونيا(زرادشت قبل شروق الشمس،ص234 ) : ((آه السماء فوقي،صافية، عميقة ! إنها هُوَّة ضوء !وأنا أتأملك أرتعش برغبة إلهية :

“ارمي  بي صوب علوك،هناك يكمن عمقي !خبئني بين طيات طهرك،هناك براءتي” !

ليس هذا استقراء لتحليق ناعم، بل قذف بالكائن.أمام الشمس المشرقة، يتجلى أول شعور نيتشوي،المتمثل في إحساس داخلي بالإرادة،واتخاذ القرار، ثم ونحن نتحرك،سعيا للارتقاء في ظل حياة جديدة، بعيدا عن نَدَم التشاور، مادام  كل تداول يعتبر صراعا ضد تحسُّرات خاملة ومكبوتة تقريبا.الشمس المشرقة،هي براءة اليوم الجديد،بحيث يستيقظ العالم ثانية.لكن أليست هذه الشمس الجديدة، متعلقة بي ؟ :((أليست الضوء المنبعث من موقدي؟أليست الروح الشقيقة لذكائي؟))ألستُ مضيئا،حتى أرى ذلك بشكل نيِّر جدا؟

بالنسبة للخيال الديناميكي،الذي ينفخ ديناميكية في رؤية حركية العالم الفيزيائية،فالشمس المشرقة والكائن الصباحي هما في حَثٍّ ديناميكي متبادل :((لقد تعلمنا كل شيء معا،التسامي فوقنا،نحونا وأن تكون لنا ابتسامات دون غيوم.تبسُّم ،  بعيون لامعة، دون سحاب، عبر أقاصي هائلة، حينما يفور تحتنا كالمطر، الإرغام والهدف والخطأ)).نعم، لاهدف، لكنه وثْب،ومحض اندفاع. سهم قاتل، بالتأكيد. لكن من يتغاضى عن جريمته. توتر ديناميكي وانبساط مرح.هكذا السهام السوية للشمس المشرقة.في الأسفل،تشم كل هذه الأمطار،في غليانها الدائري،رائحة العفونة وتدندن ببؤس. مع سهام السماء،ينهض الكائن المستقيم ثم ينطلق.

هل ينبغي أيضا تذكر الليل؟:((إلى أي شيء تكون نفسي متعطشة خلال الليالي وعلى مسالك الخطأ،وأنا أسير وحيدا؟وماذا أبحث في القمم،عندما أتسلق الجبال، إذا لم تكن أنت؟وكل أسفاري  وتسلقي :لأي شيء ،سوى حاجة وكذا سبيلا بالنسبة لأخرق ؟كل إرادتي  ليس لها من هدف آخر غير الشروع في تعلم تحليقه،التحليق في السماء !))أريد وأحلق،نفس التحليق. يستحيل تطبيق سيكولوجية الإرادة دون الذهاب نحو جذر التحليق المتخيل.

ضمن كل الصور، يقدم شروق الشمس درسا لحظيا.يحدد غنائية للفوري. لايوحي إلى نيتشه بمنظر بانورامي، لكن بفعل.ولا يتسم عنده بنزوع تأملي بل  يتموضع ضمن منظومة اتخاذ القرار.شروق الشمس النيتشوي، فعل قرار لا رجعة فيه.ولا يعتبر شيئا آخر سوى العود الأبدي للقوة.إنه أسطورة العود الأبدي الذي ترجم من السلبي إلى الفعال.وسنفهم بشكل أفضل هذه النظرية إذا أدرجناها لحساب نشاطات إرادة القوة.من يدرك  كيفية الاستيقاظ مثل شمس،كسهم  واحد،فإنه يعرف كيف يلقي كل يوم بكيانه نحو مصير يضطلع به ثانية،ويسترجع أيضا كل يوم فتوة عشق مصيره.يبدو أن الحالم النيتشوي في تناغمه مع قوى الرجوع الكونية،يمكنه مخاطبة الليل قائلا :((سأعمل على رفع الشمس.أنا حارس الليل الذي سيعلن عن ساعة الاستيقاظ،فليس الليل سوى حاجة طويلة للاستيقاظ))منذئذ،يشكل الوعي بالعود الأبدي  وعيا بإرادة مُصَمِّمَة. إنه وجودنا الذي اهتدى إلى طريقه ثانية، وقد عاد إلى نفس الوعي وذات اليقين بأن يكون إرادة،وجودنا بصدد تصميم العالم مرة أخرى.

لن نفهم جيدا الكون النيتشوي إذا لم نطرح  في المقام الأول الخيال الديناميكي،وتصورنا الكون مثل طاحونة هائلة تدور بشكل لانهائي وهي تطحن نفس القمح.عالم كهذا يعتبر ميتا،أباده المصير.يعيش الكون النيتشوي وفق لحظات نعثر عليها ثانية جراء اندفاعات دائما فتية.هو تاريخ للشموس المستيقظة.

تضاف إلى هذا الخيال الديناميكي للحظة،وكذا الاندفاعات اللحظية خصائص أخرى نوعية أكثر.وإذا رأينا عن قرب أكثر النسيج الزماني لارتقاء نيتشوي،فسيظهر سريعا مبرر عميق للانفصال.بالتالي،لا يوجد ارتقاء أبدي،ولا ارتفاع قطعي.في الواقع،تقسمنا العمودية ،لأنها تضع فينا خلا ل الآن ذاته، الأعلى والأدنى. سنعثر ثانية على حدس جدلي صادفناه من قبل عند نوفاليسNovalis، سيوحد بشكل دراماتيكي أكثر مع ديناميكية نيتشه،بين إيقاع الصعود والهبوط.

هكذا،يسخر شيطان الثقل من زرادشت وهو يذكره بمصير السقوط الحتمي :((آه زرادشت…حَجَر الحكمة !لقد ألقي بك في الهواء، وكل حجر يرمى به عليه الوقوع ثانية ! )).

آه زرادشت، حَجَرالحكمة،حجر يلقى به،مدمرا النجوم !أنت نفسك من قُذف به عاليا جدا ،لكن كل حجر ألقي به، يلزمه الوقوع ثانية.

جوهريا،جدلية الايجابي والسلبي،الأعلى والأدنى،تشد الانتباه بانذهال حينما نعيشها بخيال هوائي،مثل حبة مُجَنَّحة يشغلها،مع أدنى نَفَس ، أمل الصعود أو الخوف من النزول.تلازما مع هذه الصورة،حينما نعيش الخيال الأخلاقي لدى نيتشه،ندرك إلى أي حد  أضحى الخير والشر متقاربين جدا،قياسا لما سلف، بل وأكثر،مدى التجلي الواضح جدا لكون الخير والشر،الأعلى والأدنى،أحدهما علة للثاني.من  ينتصر على التيه يدمج تجربة التيهان في انتصاره ذاته .إذا لم يبق انتصاره مجرد تاريخ وهمي، فإنه يعيد المعركة مع حلول اليوم الجديد ، ويجد الكائن نفسه دائما حيال ضرورة تأكيد الذات منبثقا.ونيتشه بعد الاندفاعات المصيرية عرف جاذبية نحو المنحدر بأقل مجهود ممكن:(( إنه المنحدر المرعب! حيث تسرع النظرة نحو الخواء وتمتد اليد إلى القمة. هنا تمسك دوخة إرادته الثنائية بالقلب))(زرادشت،من حكمة البشر،ص204 ).

لقد تكلمنا أعلاه عن  تفاضلية الصعود .ثم سنكتشف ثانية هنا، مثالا بخصوص هذه ”الإرادة الثنائية”.حركتان متعارضتان متشابكتان ،مندمجتان ومنصهرتان الواحدة في الثانية،معاكسة إحداهما للثانية،مثلما ضرورية الواحدة للثانية.وكلما جاء الائتلاف بين الدوخة والانبهار وثيقا،كلما كان الكائن المنتصر ديناميكيا.سنقف ثانية في” المسافر”(زرادشت،ص 218 )،على نفس الانصهار وكذا العقدة الديناميكية :((الآن فقط تتبع سبيلك صوب السمو !فالقمة والهاوية ملتبسين حاليا)).هكذا اتجه انتباه روح  نحو دراما الأعلى والأدنى، لن تطفو قط بلا مبالاة بين السمو والانحدار. لاتوجد بالنسبة إليها، مزايا متوسطة. إنها حقا روح”مدَقِّقَة”،ملقية بكل ماهو مريب في الفراغ.

يخبر نيتشه غير الملائمين للتحليق ب”السقوط سريعا”.ولا شيء  يفلت من تقييم الروح هذا :كل شيء قيمة،والحياة تثمين.أي حياة عمودية تتضمنها  هذه المعرفة بالروح العمودية !أليست بالفعل :((الروح التي بالنسبة لها ترتقي كل الأشياء وتنحدر)).تعتبر الروح النيتشوية بمثابة ردة فعل تلقي جانبا القيم الخاطئة وتتسامى بالحقيقية.

باختصار،ليست حالة الروح المتسامية، بالنسبة لنيتشه مجرد مجاز . يستدعي فترة حيث :((عند أرواح المستقبل هاته، ستكون تحديدا الحالة الاستثنائية،التي تمسك بنا هنا وهناك،من خلال ارتجاف، حالة مألوفة :دوام الذهاب والإياب،بين الأعلى والأدنى،إحساس بالأعلى والأدنى،ثم التسلق المستمر للطبقات وفي نفس التوقيت التحليق فوق سحب))(نيتشه،القديس، ترجمة، ستوك، ص 24). نميز عند النيتشويين(ص. 34) :((حاجة الارتفاع في الأجواء دون تردد ،ثم التحليق حيث نحن مندفعون…نحن طيور أخرى ولدنا أحرارا ! أينما رحلنا،يصير كل شيء حولنا،حرا ومشمسا)).

نستنتج بالتأكيد فيما يتعلق بهذه النقطة،على أن جل تلك الملاحظات المتعلقة بالحياة الروحية ليست مجازات فقيرة سوى بالنسبة للذين ينسون أولية الخيال الديناميكي.من يريد حقا أن يعيش الصور سيكتشف الحقيقة الأولى لسيكولوجية الأخلاق. سيتموضع في قلب الميتافيزيقا النيتشوية،التي كما نعتقد،أَمْثَلَة للقوة،مع أن التعبير يثير اشمئزاز نيتشه.تكمن مسلمة هذه المثالية،فيما يلي :الكائن الذي يصعد وينحدر هو كائن يصعد وينحدر من خلاله كل شيء. لا يتموضع الثقل على العالم،بل روحنا وفكرنا وفؤادنا ،إنه يجثم على  الإنسان.من يهزم الثقل، أي الإنسان الأعلى ،سيحظى بقوة خارقة،بالضبط الطبيعة التي تتخيلها نفسية الهوائي.

في دراسة أكثر تطورا عن الخيال المتعالي،يلزم دائما الارتباط بتمييز النفسيات التي تتحدد داخل عنصر في مثل تجانس الهواء.إنها مهمة صعبة، لكنها جوهرية.إننا متأكدين جدا من تناول وحدة للخيال إذا ميزناه عن وحدة مجاورة.لنعد لحظة، قصد مزيد من التوضيح ،للاختلافات التي تفصل نيتشه عن شيلي .

سينقاد الأخير مستلهما السماء اللانهائية،في ظل انجذاب بطيء وناعم.بينما يقتحم نيتشه الفضاء والعلو،بإسقاط لحظي وفوق إنساني.

يفر شيلي من الأرض،في إطار اندفاع للرغبة.بينما يمنع نيتشه الفرار، عن كل الذين يبتغون الحياة الهوائية.

لاتفروا أبدا من أمامكم

أنتم الذين تصعدون؟

يجد شيلي ثانية، في المناطق المرتفعة،أفراح الهدهدة .ويعثر نيتشه في المرتفع على محيط هوائي :((صاف، شفاف،شديد البأس،وكهربائي جدا ))،(( إنه  محيط هوائي رجولي )) ،(نيتشه،القديس،ترجمة،ستوك، ص 24 ).يستنكر نيتشه السكون أينما تجلى :

تتوقف شاحبا تماما،

محكوم عليك أن تهيم في أوج فصل الشتاء،

مثل دخان يبحث باستمرار عن سماوات أكثر برودة.

برودة تعتبر في نهاية المطاف بمثابة الخاصية النوعية للديونيزوسية  النيتشوية،الغريبة عن كل شيء مادامت تقطع مع النشوة والسخونة.

قد نحاول تفسير حماسة المرتفعات هذه بواقعية الحياة الجبلية.نتذكر إقامات نيتشه الطويلة في سيلز ماريا،هناك جاءته سنة 1881،فكرة زرادشت : ((عند ارتفاع 6000قدم على سطح البحر ثم أكثر ارتفاعا حقا قياسا لكل الأشياء البشرية)).نشير كذلك بأن ”الجزء الحاسم”من الكتاب الثالث لزرادشت : موائد قديمة وجديدة :((أُنجز خلال أكثر فترات الصعود وعورة  من المحطة إلى القرية الرائعة ”مور إيزا”، المتواجدة وسط الصخور ))،((تحت السماء الرائقة لمدينة نيس))في إطار أكثر فصول الشتاء الساطعة.

لكن واقعية من هذا القبيل ليس لها القوة التفسيرية التي نعزوها لها. لايبدو أن نيتشه ارتقى حقا صوب غاية القمم حيث :((أضاع ظبي الجبل نفسه أثره)).نيتشه ليس متسلقا. لقد تردد في نهاية المطاف كثيرا على الهضاب المرتفعة مقارنة مع القمم،مؤلفا قصائده في الغالب حين انحداره ثانية من العلو،عائدا إلى القرى حيث يعيش الأفراد.

لكن المناخ المتخيل أكثر حسما من المناخ الواقعي.خيال نيتشه أكثر تثقيفا من كل تجربة. يشيع مناخا من الارتفاع المتخيل، ويهتدي بنا وسط عالم غنائي خاص.تتمثل أولى تحولات القيم النيتشوية في تغير الصور،مُحَوِّلة ثراء العمق نحو هالة الارتفاع.يبحث نيتشه عن ما وراء العمق،أي أبعد من الشر والارتفاع، بمعنى جانب  آخر للنبل،ولا يكتفي فقط بما دأب عليه التقليد المتعلق بالحظوة.ينزع نيتشه بكل القوى المعنوية إلى مابين هذه الأقطاب المتخيلة،رافضا كل ”تقدم”مادي أداتي يبقى مجرد تقدم أفقي،دون تحول لكائننا الثقيل.لقد بلور نيتشه كل مقدرته الغنائية من خلال تبدل للثقيل إلى الخفيف ثم الأرضي نحو الهوائي.لقد جعل الحفر تتكلم لغة القمم.بغتة ترددت داخل الكهف أصداء هوائية : ((أي سعادة …إنها الهُوَّة تتكلم. لقد عدت نحو نور عمقي الأخير !))(زرادشت، المتماثل للشفاء، الطبعة الأولى، ص 314).

سيتأتى لنا أيضا التحدث عن الرمز والمجاز والاستعارة،ملتمسين من الفيلسوف كي يحدد لنا دروسا أخلاقية قبل الصور .إذا لم تلتصق الصور بالفكر الأخلاقي،فلن تعرف حياة واستمرارية كتلك.تعتبر النيتشوية في نظرنا، مانوية manichéisme للخيال.إنها مقوية وصحِّية مادامت تفعِّل كائننا الديناميكي وتجذبه نحو الصور الأكثر فعَّالية.في إطار مواقف يتصرف الكائن الإنساني وفقها حقيقة،بناء على موقف يستثمر بالفعل وجوده،فعلينا التمكن من العثور،إن كانت أطروحاتنا مستندة على المنظور الثنائي للعلو والعمق.ألا نتبَيَّن إرادة ثنائية للثراء والاندفاع، مع فكر الفجر هذا :((إنكم لاتعرفونه أبدا :بوسعه فعلا  أن يعطِّل بعده أثقالا،منتقلا بها مع ذلك صوب المرتفعات. وتحكمون،حسب انطلاقتكم الصغيرة،أنه يريد المكوث عند الأسفل لأنه يعلِّق هذه الأثقال خلفه)).

نعتقد، بأن نيتشه،اعتُبر كأحد أكبر فلاسفة سيكولوجية التعالي من خلال هذا البيت الشعري الوحيد :

إنك عمق كل القمم.

 

 

 


المصدر

Gaston Bachelard :L air et les songes. Essai sur l imagination du mouvement ;josi corti ;1943.PP/ 170-185.