مجلة حكمة
نظرية العدالة كإنصاف عند جون رولز: المنطلقات الفلسفية والمرتكزات الأساسية - البجدايني ياسين - حكمة

نظرية العدالة كإنصاف عند جون رولز: المنطلقات الفلسفية والمرتكزات الأساسية

الكاتبالبجدايني ياسين

  • مقدمة عامة

  1. نظرية العدالة كإنصاف: تمهيد

         لا شك أن مسألة العدالة الاجتماعية،  كانت –وما تزال- مطلب وهاجس للكثير من الشرائح المجتمعية من داخل المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ. غير أنّ كل مجتمع إنساني، وكل فئة، بل وكل فرد وكيف تصور العدالة الاجتماعية و مبادئها و أسسها و إمكانية تحقيقها على أرض الواقع. تتدخل في هذا الإطار مجموعة من العوامل التي تحدد و تُهيكل تصورات الأفراد من قبيل: ( المركز الاجتماعي الطبقي، التوجه السياسي، الثقافة الاجتماعية المكتسبة، الموروث الديني، الخلفية الأيديولوجية، المستوى التعليمي و الثقافي، وغيرها من العوامل).

          وبما أنها كانت (العدالة الاجتماعية) هاجس المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ ( العصر القديم، الوسيط، الحديث و المعاصر)، فإنها استقطبت اهتمام الباحثين و المفكرين و الفلاسفة وخاصة الذين حملوا على عاتقهم مهمة الانخراط في النقاش المجتمعي العام، والذين ينحدرون من مختلف الحقول المعرفية: ( الفلسفة، الفلسفة السياسية، علم الاجتماع، علم الاقتصاد و التدبير، وغيرها من  الحقول). لكن، هناك بعض الفلاسفة الذين تركوا بصمات قوية على هذا الموضوع، لاسيما جون رولز الأمريكي – الذي يعد موضوع مقالتنا-  والذي قدم للبشرية وللمجتمعات الديمقراطية خاصة، تصور واضح وشامل بخصوص هذه الإشكالية، من خلال ترسانة مفاهيمية مركبة ( الوضعية البدئية، حجاب الجهل، التعاقد، المواطنون الأحرار … وهلم جرا)، إذ كان له إطلاع واسع على التصورات الفلسفية التي تم تقديمها من قِبل الفلاسفة الكبار في الفلسفة اليونانية (أفلاطون، أرسطو…)، وفي الفلسفة الأنوارية ( جان جاك روسو، توماس هوبز، إيمانويل كانط … وما إليه). كما أنّ نظريته جاءت كرد فعل على مجموعة من الأحداث، التي شهدها العالم خاصة ما يتعلق بإنتهاء القطبية الثنائية والحرب العالمية الثانية و التي كانت بمثابة إشعار عن عمق أزمة العدالة في الوجدان البشري. مما جعل نظريته في العدالة كإنصاف تستقطب اهتمام مختلف الباحثين في الفكر الفلسفي سواء في العالم الغربي (كنقد هابرماس لنظرية العدالة، صموئيل فريمان، أمارتيا صن، Spitz Jean-Fabien…) ، أو في العالم العربي والمغاربي ( محمد هاشمي، نوفل الحاج لطيف، مراد دياني، منير لكشو…). غير أن هذا الاهتمام بالنظرية الرولزية لا يعبر بالضرورة عن تأييد لها، بقدر ما يعبر عن محاولات لفهمها وتفكيك مرتكزاتها، وتطويرها و نقدها أو حتى انتقادها، تماما كما فعل هو بخصوص الاتجاه المنفعي، غير أن ما يمكن أن نسلم به في هذا المنحى هو كون الانتقادات الموجهة لنظريته لا تنقص من القيمة العلمية والفلسفية لنظرية العدالة كإنصاف.

  • 2).أهمية نظرية العدالة كإنصاف الرولزية وأسباب اختيارها:

       لكي نحدد أهمية هذه الدراسة في الوقت المعاصر لابد من تحديد أهمية نظرية العدالة كإنصاف التي قدمها جون رولز، و التي تتمثل حسب الباحث الموريتاني ” عبد الله السيد ولد أباه “في:

       أنها أول نظرية في العصر الراهن تقدم بناء مفهوميا (قويا) لتأسيس مرجعية العدالة، إضافة إلى أنها تعيد المبحث الأخلاقي إلى الفلسفة الذي انسحب منه بأثر النقد النتشوي الراديكالي للتصورات الأخلاقية و إقصاء الملفوظات المعيارية من دائرة المعنى في الفلسفات التحليلية التي كانت مهيمنة في السياق الأمريكي[1]

       كما أنها نظرية استطاعت أن تطرح لأول مرة منهجا جديدا جريئا في طرح المسائل الخلقية و السياسية مازالت الجامعات عبر العالم تحتفي به[2]

    كما تظهر لنا أهميتها بكونها مشروعا مكتملا مازال الباحثين يتخذونها موضوعا لأبحاثهم الفلسفية في الوقت الراهن على المستوى الدولي[3]، إلى جانب حجم الجدل الذي أثارته هذه النظرية وحجم الانتقادات الموجهة إليها، كل هذا يعبر عن أهمية نظرية رولز، والحقيقة أنّ ذلك هو ما استقطب اهتمامنا بهذه النظرية، ونحاول في هذه الدراسة المتواضعة أن نرصد منطلقاتها النظرية الفلسفية تحديداً و مرتكزاتها الأساسية، ولا ندعي من وراء هذه المقالة عرض النظرية بشكل مكتمل، فتلك مسألة قد تعجز عليها المجلدات والكتب ولما لا موسوعات.

الإطار المنهجي:

إشكالية الدراسة

        بما أنّ نظرية العدالة كإنصاف هي نظرية فلسفية محضة، فيمكن أن نصيغ الإشكالية المركزية في التساؤلات الآتية:

  • إلى أي حد يمكن أن نعد نظرية العدالة كإنصاف التي قدمها جون رولز، تصور سياسي قابل للتحقق على أرض الواقع و ليس تصور ميتافزيقي و مثالي ؟

  • إلى أي حد تتيح الإجراءات المقدمة من قِبل صاحب نظرية العدالة كإنصاف إمكانات تطبيقها على أرض الواقع؟

  • إلى أي حد توفق جون رولز في التوفيق بين الحرية الاقتصادية و المساواة الاجتماعية في نظريته حول العدالة كإنصاف؟

       تلكم هي مجموعة من الإشكالات التي سنحاول الإجابة عليها  في هذه المقالة عبر استعراض نظرية جون رولز، وهو ما سيفرض علينا تحديد المسلمات الآتية.

المسلمات النظرية

          من خلال اطلاعنا على نظرية جون رولز حول العدالة كإنصاف، إلى جانب الدراسات التي أنجزت بخصوص نظريته، يمكن أن نصيغ المسلمات الآتية.

  • أنّ نظرية العدالة كإنصاف هي تصور سياسي و ليس ميتافزيقي.

  • كما نفترض أنّ جون رولز لم يستطع أن يوفق بين الحرية و المساواة نظرا لنزعته الليبرالية.

  • وفي نفس السياق، نعتبر أنّ الاجراءات المقدمة من قبل رولز لتحقيق العدالة كإنصاف هي كافية، بالرغم من الغموض الذي تطرحه مسألة الرفع التدريجي لحجاب الجهل.

       هذه الفرضيات، سنحاول ما أمكن أن نختبرها في هذه الورقة، من خلال استعراض المنطلقات النظرية و المرتكزات الأساسية للنظرية الرولزية.

منهج الدراسة

      تم الاعتماد في هذه الدراسة على المنهج الفلسفي الوصفي، إذ سنقوم من خلاله عرض المنطلقات النظرية للنظرية الرولزية، والمرتكزات الأساسية لهذه النظرية من قبيل: الوضعية البدئية وحجاب الجهل و المجتمع حسن التنظيم، ومبادئ العدالة، و المؤسسات العادلة وما إليه)، وسنحرص كل الحرص على إيجازها.


نتائج البحث (عرض نظرية رولز: المنطلقات و المرتكزات)

منطلقات نظرية العدالة كإنصاف لجون رولز

       في البداية لا بد من الإشارة إلى أن نظرية العدالة كإنصاف ظهرت كبديل للنظرية المنفعية عند “ديفيد هيوم” و “آدام سميث” و”جيريمي بنثام” و “جون ستيورات ميل” وغيرهم، والتي كانت مهيمنة – إلى حد بعيد-  على  الفكر السياسي والاقتصادي و الاجتماعي الحديث في العالم الليبرالي. ويقول “رولز” في هذا الإطار : إنّ ” نظرية العدالة كإنصاف، هي تصور موائم للديمقراطية، وهي في ذات الوقت تصور ممنهج و معقول بشكل كافي و مؤهل لأن يقدم بديلا عن النفعية التي هيمنت في إطار تقليد فلسفتنا السياسية. ولهذا، فإنّ المهمة الأولى لهذه النظرية هي تقديم أساس أكثر يقينية ومقبولية للمبادئ الدستورية و للحقوق و للحريات الأساسية مما تبدو النفعية قادرة على توفيره”[4].

       وبما أن الأمر هكذا، فإنه يصعب كثيراً فهم النظرية الرولزية بدون فهم هذا المذهب المنفعي. لذلك، وجب التساؤل عن أهم  الطروحات التي حسم فيها هذا المذهب؟

       إن المنفعية  تؤكد على أنّ التمييز بين الفعل الخير و السيء، يتحدد بحسب معيار الرفاهية أو المنفعة المترتبة عليه. وهي في الغالب الأعم، لا تهتم لا بالتوزيع ولا بالعدالة إلاّ إذا كان ذلك في صالح أكبر عدد ممكن من الأفراد من داخل المجتمع الإنساني. وبهذا، فهي تضحي بحقوق الأقليات، من أجل تحقيق ما يسمى بالرفاه العام. ويقول “جون رولز” في هذا المنحى: إن المنفعية لا تأخذ بعين الاعتبار ” الطريقة التي يتم بها توزيع المجموع الإجمالي للإشباعات بين الأفراد”[5]. كما أنها لا تأخذ بعين الاعتبار الحريات و الحقوق الأساسية للأفراد. بل، هي تضحي بها في سبيل تحقيق أكبر قدر من النجاعة الاقتصادية، وتسحب مبدأ الاختيار العقلاني الفردي على الاختيار الاجتماعي، لأن ما يهمها  في المقام الأول هو تجميع المنافع و حسابها و تأويجها، وهو ما يتعارض كليا مع المبادئ الأساسية للنظرية الرولزية (مبدأ الفارق بالأخص) القائمة على ضرورة تمتع كل الأفراد بحرياتهم الأساسية على قدم المساواة ( سواءً الحريات السياسية أو الاقتصادية، أو الدينية ….). إلى جانب التركيز على اللامساواة التي تخدم الفئات الأقل حظا من داخل المجتمعات الإنسانية ( كالنساء مثلا، اللواتي يتعرضن للإقصاء والاستبعاد السوسيوسياسي نظراً لهيمنة الثقافة الذكورية من داخل المجتمعات الإنسانية).

       وبهذا، فإن المنفعية عطلت في تقدير رولز عودة مسألة العدالة التوزيعية إلى حيز المباحث الفلسفية، ومنعتها من أن تكون فضيلة المؤسسات الاجتماعية[6].

       عموما يمكن أن نؤكد على أن الفلسفة المنفعية لها ثلاث  أسس رئيسة وهي:

 مبدأ الرفاهية، و مبدأ التقويم بالأثر الراجع، ومبدأ التكثيف الأقصى (للمنفعة) تتمحور حول تصور فردي للقيم ينظر للمعايير المشتركة كحصيلة للمنافع الفردية المسجلة[7].

       لكن، علينا ألاّ ننسى أن فكر “جون رولز”، تطور كثيراً بفضل الانتقادات الموجهة إليه من قِبل المنفعيين، لدرجة أنه بدا في كتاباته الأخيرة –حسب بعض الباحثين- و كأنه يقبل ببعض القيم المنفعية أو على الأقل لا يعارضها [8]. وفي هذا الصدد، يقول رولز: ” سوف يسعدنا إذ استطاع أتباع مذهب المنفعة، أن يجدوا في نظرتهم  الخاصة طريقة للإقرار بأفكار و مبادئ العدالة كإنصاف، لأنهم بعملهم هذا يعني أنهم يمكنهم المشاركة في الاجماع المتشابك على ذلك المبدأ. إذاً لم تعن الملاحظات المتقدمة نقدا لمذهب المنفعة من حيث هو عقيدة شاملة، والعدالة كإنصاف من حيث هي مفهوم سياسي للعدالة تتحاشى مثل هذا النقد حيثما ما أمكن، ومع ذلك لا بد لنا أن نصر على أن العدالة كإنصاف ليست في ذاتها نفعية”[9]. ولعلّ هذا ما حدا ب”ديفيد ليونس” و “ساندي ألكسندر”، إلى اعتبار نظرية العدالة كإنصاف ما هي إلاّ صيغة منقحة للنظرية المنفعية. ولكن، يصعب كثيراً القول بمثل هذه الأطروحة، خاصة وأن رولز ظل يدافع مع ذلك ضد المنفعية ويصر على أن نظريته ليست منفعية. بالمقابل، اعتمد رولز على نظريات العقد الاجتماعي عند “جون لوك”، ” جان جاك روسو”، و”إيمانويل كانط”[10]. لكن، يجب  أن نعي أن نظرية العدالة كإنصاف، ليست مجرد استعادة سلبية للنظرية الأخلاقية الكانطية، و إنما هي إعادة تأويل لها[11] . ذلك، أنّ “رولز” حاول أن يستعيد الفهم الكانطي [12] للفعل الأخلاقي الذي يعد  فعل منسجم مع القانون الأخلاقي أو بالأحرى مع الواجب. مؤكداً، في هذا السياق أنّ  مصدر هذا الفعل الأخلاقي ليس مدى تلاؤمه مع غائيتنا أو سعادتنا ولا مصالحنا، بل مع المقوم الكوني لإنسانيتنا، كما يترجم في واجبات شاملة تتخذ شكل قوانين ملزمة و موضوعية وغير ذاتية. معتبراً، أنّ المبدأ المؤسس للأخلاق هو الإرادة الحرة التي تمنحنا الوعي بالواجب الأخلاقي، الذي يحررنا من النوازع التجريبية النفعية، ويضمن لنا التصرف كأفراد مستقلين. وعلى هذا الأساس، يؤسس “رولز” لحقوق انسانية أساسية، لا تخضع لأي تداول نفعي، وهو ما عبرت عنه الفلسفة الكانطية –كما أشرنا-  بمفهوم الاستقلالية، والذي يؤكد على أنّ كل انسان من حيث هو ذات أخلاقية،  تتمتع بدور المشروع القادر على تبرير خضوعه للواجبات الأخلاقية بفعل كفاءته العملية، التي تتجلى أساسا في إمكانية تأطير الإرادة بالعقل أو ما يسميه كانط بالعقل العلمي، وهذا المفهوم  قريب إلى حد بعيد من مفهوم  الكفاءة التداولية لرولز  المتمثلة في قدرته على إعادة بناء التزاماته وواجباته الأخلاقية و السياسية من خلال اختيار مبدأين  للعدالة لا يختلفان كثيرا في الواجبات الأخلاقية التي أسس لها كانط على الأقل من جهة تركيزهما على الحرية و المساواة ومحاولة التوفيق بينهما[13].

        وفي نفس هذا السياق، يعلن رولز صراحة أن نظريته في العدالة هي استمرار للمشروع التعاقدي الذي نظر له كل من روسو، لوك، هوبز … معتبرا، أن مفهومه “الوضعية الأصلية”، يتقابل إلى حد بعيد ومفهوم الحالة الطبيعية عند فلاسفة التعاقد الاجتماعي. ولكن، رولز يختلف عن الفلاسفة المذكورين في كونه لا يهدف إلى تأسيس المجتمع السياسي، وإنما إلى تأسيس مبادئ العدالة فقط.

       وتجدر الاشارة إلى أنّ مفهوم العقد الاجتماعي يعد التعبير الملائم للطابع العام للعدالة، لأن مفهوم التعاقد يحمل في طياته تحصيل موافقة وتوافق عام، ووسيلة فعالة لدفع الذات إلى التخارج مع جوانيتها الضيقة والانخراط في تقييم الحجج و الأطروحات، من وجهة نظر الآخرين باعتبارهم شركاء في عملية التأسيس لمبادئ العدالة، التي يفترض فيها أن تكون ملزمة للجميع.

       وبالتالي، فإن مفهوم العقد يستحضر جميع المواصفات التي يفترضها رولز في المواطن المثالي و التمثيلي، من قبيل طابع العقلانية وما إليه، لأنّ المنهجية التعاقدية فرصة لبناء المطالب على أسس عقلانية، تستجلب اقتناع الآخرين و ليس مجرد تطبيعهم أو غسل دماغهم. و العقد هو بالضرورة تداول حول مصالح عقلانية. لذلك، يقتضي المساواة أثناء العقد، وعدم أفضلية مصلحة أي طرف على الآخر.

  • 2). العناصر المركزية لـ نظرية العدالة كإنصاف:

  • نظرية العدالة كإنصاف بين السياسة و الميتافزيقا:

       لكي يبرهن جون رولز على سياسية أو بالأحرى تسيس تصوره للعدالة كإنصاف، فإنه  يستحضر مفهوم  الثقافة السياسية العمومية، والذي يشمل الأفكار و المبادئ التي قد تكون متناقضة فيما بينها، كما يشمل المؤسسات الأساسية و التقاليد التاريخية. ذلك، أنّ مقبولية أي تصور سياسي معين  للعدالة مرتهن بتطابقه مع القناعات المتروية على كل مستويات العمومية. لذلك، يقول: ”إذ كنّا نتطلع للنجاح في إيجاد أساس توافق عمومي، فعلينا أن نقوم بتنظيم أفكار أو مبادئ معروفة جيداً، بكيفية جديدة بهدف تشكيل تصور للعدالة السياسية”[14].

       إنّ التصور السياسي لا يحتاج لأن يكون أصيلا،  بل له أن يكتفي بتنسيق أفكار و مبادئ حدسية معروفة بشكل جيد، ولكن بكيفية تجعلها تنتظم فيما بينها على نحو جديد كل الجدة.  وهذا الانتظام يجب أن يتم بواسطة حدس أكثر جدرية، تقوم بنيته المعقدة بعد ذلك بتنسيق العناصر الحدسية الأخرى، وهذا الحدس الأساسي يتمثل في كون المجتمع هو نظام للتعاون بين أشخاص أحرار و أنداد. وبهذا، فإنّ نظرية العدالة كإنصاف تأخذ منطلقها من حدس متضمن في الثقافة العمومية للمجتمع الديمقراطي[15].

       بناءً على ما سلف ذكره، فإن “جون رولز” يؤكد على أنّ الهدف الرئيسي لنظريته ليس ميتافزيقيا ولا  إبستيمولوجيا، وإنما هدفا عملياً من الدرجة الأولى. مشيراً، إلى أنها لا تقدم نفسها كتصور صحيح وإنما كأساس لتوافق سياسي واعي و طوعي بين مواطنين أحرار و أنداد[16]. وحينما يتأسس هذا التوافق بكيفية صلبة وعلى مواقف اجتماعية وسياسية عمومية، فإنه يضمن خير لكل الأفراد و لكل الجماعات التي تنتمي إلى نظام ديمقراطي عادل.[17]

       بالرغم من أنّ رولز يُصنَف في المذهب الليبرالي، إلاّ أنه حاول أن يجد لنفسه مكانا يتميز به عن كل رواد هذا المذهب، الذين يتكلون على المنهجية الميتافزيقية في النظر إلى الانسان و الطبيعة و المجتمع و الكون. تلك المنهجية التي تركز على ما يجب أن يكون بدل التركيز على ما هو كائن. ولعلّ هذا ما جعل رولز يلتجأ إلى مقاربة سياسية تقوم على ما يسميه بمبدأ تعليق الشرط الإبستيمولوجي[18] . وهذا المبدأ يلح على ضرورة اتخاذ موقف الحياد إزاء القضايا المتعلقة بالطبيعة الإنسانية، و الإمساك عن الادعاء فيما يتعلق بأسس النظام الديمقراطي ومبادئ العدالة. وقد عبر “رولز” عن ذلك بقوله: إن القضايا المتعلقة بالعدالة الأساسية، يمكن دعمها إلى أقصى حد ممكن استناداً إلى القيم السياسية وحدها”[19].

   إنّ قبول التصور السياسي البنائي كبديل للتصور البنائي الميتافزيقي هو الكفيل بتحقيق المثل الأعلى للمواطنة الديمقراطية، الذي ينحل فيه الخلاف المذهبي، وفقا لمبادئ العقل العمومي. وبهذا، يتم ضمان للمجتمع نوعا من التماسك و الاستقرار و التوازن.

       وفي نفس السياق، فإن الاعتراف بمبادئ الثقافة السياسية المشتركة هو ما يجعل الليبرالية السياسية ممكنة، ويسمح بانتشار مشاعر الثقة بين الأفراد و المؤسسات. وبهذا يظهر لنا مفهوماً آخر ألا وهو مفهوم “الثقة المعقولة”، الذي يعد أساس التصور السياسي الرولزي، ويقول في هذا المنحى: ” إن الثقافة العمومية باعتبارها مخزونا مشتركاً يتضمن الأفكار و المبادئ الأساسية المعترف بها ضمنياً، ونأمل في صياغة هذه الأفكار و المبادئ بشكل واضح، بحيث يمكن التأليف بينهما في إطار تصور سياسي للعدالة يتناسب مع معتقداتنا الأكثر رسوخاً[20] . ومفهوم الثقة المعقولة، يقابل إلى حد بعيد مفهوم الحقيقة في المجال المعرفي، ووظيفته التقريب بين المذاهب المعقولة المتنافسة، و ضمان إمكانية التوافق بينها وإمكانية تنظيم المجتمع بشكل جيد ومعقول. ذلك، أنّ الاعتراف الضمني بمبادئ الثقافة السياسية المشتركة، يقتضي بالأساس الثقة في المؤسسات الأساسية من جهة، و التحفظ في ادعاء الحقيقة، وهو ما يفسح المجال لليبرالية سياسية تتيح الفرصة لقيام اجماع بالتقاطع[21].

       إنّ الليبرالية السياسية عند جون رولز ، كما حددها في كتابه ” نظرية العدالة” تبدأ من حقيقتين رئيستين:

  • الأولى هي التعددية المعقولة، أي أن يقبل الكل التفكير في المختلف حين يفكر في الشأن العام، أي أن تعدد وتنوع المذاهب الشمولية هي صيغة دائمة للمجتمع الديمقراطي.

  • الثانية ففي الديمقراطية، السلطة السياسية تفهم كسلطة المواطنين الأحرار و المتساوين كجماعة بشرية.[22].

       وبناءً على ما تم التطرق إليه أعلاه، يمكن القول أنّ  ما قدمه رولز يعتبر تصور سياسي،  أو بالأحرى نظرية سياسية وليس تصور ميتافزيقي غارق في التجريد، هذا و بالرغم من أنه كان يصف نظريته في كتابه العمدة “نظرية العدالة” بأنها نظرية شاملة. لكنه في مقالته الرصينة “نظرية العدالة كإنصاف بين السياسة و الميتافزيقا”، وكتابه حول الليبرالية السياسية، قلص من نطاق نظريته و اعتبرها نظرية سياسية فقط[23]. هذا بالإضافة إلى أنه كان يعتبر نظريته في كتاب “نظرية العدالة” أنها كونية و صالحة لكل المجتمعات الإنسانية، بغض النظر عن موقعها الجغرافي و ثقافتها و حضارتها و نظامها السياسي، إلاّ أنه تنازل عن ذلك في كتاباته اللاحقة، معتبراً نظريته محدودة في سياق المجتمعات الليبرالية الديمقراطية، وبنمط العقلانية الذي تقوم عليه. وهذا يجرنا إلى طرح التساؤل الآتي: هل جون رولز له نظرة أندرومركزية بخصوص المجتمعات الإنسانية؟ هذا تساؤل متشعب ولا يسمح المقام بالإجابة عليه اجابة جاهزة، كل ما يمكن أن نقوله هو أنه كان يعتبر المجتمعات غير الغربية -بشكل ضمني طبعاً- مجتمعات غير ديمقراطية وغير قائمة على النمط العقلاني. ولعلّ تأكيد رولز على أنّ “تخلف المجتمعات النامية يعود بالأساس إلى عوامل داخلية محضة تتمثل في فساد النخبة، إضافة إلى أنها غير قادرة على القيام بتوزيع عادل للثروات وهلم جرا”[24]، خير دليل على تماهيه مع التصورات الأرومركزية، وهو ما يطرح السؤال على قدرته على صياغة تصور كوني للعدالة.

  • المجتمع المحكم التنظيم:

      يعرف “جون رولز” المجتمع الحسن التنظيم، بأنه ذلك المجتمع الذي تم تصوره لضمان الخير لأفراده، ويتميز بكونه محكوم بتصور عمومي للعدالة. ففي هذا المجتمع يحترم كل فرد نفس مبادئ العدالة، التي يعرف أن كل فرد آخر يحترمها بالقدر نفسه. كما أنّ المؤسسات الاجتماعية القائمة تحترم هذه المبادئ و تجسدها[25] ، أي أن هذه المؤسسات السياسية و الاجتماعية يجب أن تشتغل بكيفية تولد في نفوس الأفراد الاحساس بالعدالة. إن هذا المجتمع مصمم لتعزيز رفاهية أعضائه بدون تمييز. لكن، يصعب كثيرا أن يتم الحصول على مجتمع، يقبل كل أعضائه مفهوما سياسياً للعدالة. لهذا، فإن فكرة المجتمع حسن التنظيم تعتبر فكرة طوباوية و مثالية في شكلها الأقصى، كما يعترف رولز نفسه بذلك، قائلاً: “إن المجتمع الحسن التنظيم الذي يقبل كل أعضائه العقيدة الشاملة ذاتها، هو مجتمع مستحيل الوجود في واقع التعددية المعقولة”[26]. قد يحدث أن يظهر خطر وجود تباين بين الدوافع الحقيقية للأفراد و احترام مبادئ العدالة، وهو الشيء الذي يستدعي لا محالة ما يسميه رولز بالتربية الأخلاقية، قصد توفير الحوافز الناقصة، ووفقا لرولز ان الناس الذين يتصرفون وفقا لمبادئ العدالة يتصرفون باستقلالية، ووفقا للمبادئ التي تعبر بالطريقة الأفضل عن طبيعتهم ككائنات أخلاقية و عقلانية أحرار و متساوين[27]، ويقول رولز في هذا السياق: إنّ ” التربية الأخلاقية هي التربية من أجل الاستقلالية الذاتية”[28].

       وفي هذا الإطار، لابد من استحضار مفهوم الثقة المعقولة، التي تعبر عن الرغبة في التوفيق بين المذاهب المتنافسة، التي يدعي كل واحد امتلاك نوع من الحقيقة، والتأليف بينها في اطار ما يسمى بالمجتمع حسن التنظيم، الذي يعد ذلك النظام الاجتماعي البالغ درجة كافية من الاكتفاء الذاتي، وتتوفر فيه شروط التعاون المنصف بين المواطنين ذوي التفكير العقلاني و لهم الكفاءة الأخلاقية، و يتمتعون بالحرية و المساواة ويشتركون في تصور واضح حول العدالة.

      وباختصار فإن الحديث عن مجتمع حسن التنظيم، يقتضي الحديث عن ثلاثة أمور:

  • أنه مجتمع يقبل كل واحد فيه، ويعرف أن كل واحد آخر مثله يقبل المفهوم السياسي للعدالة، وبذلك يقبل مبادئ العدالة السياسية ذاتها.

  • أن البنية الأساسية للمجتمع: (مؤسساته الاجتماعية و السياسية وطريقة ترابطها في نظام تعاوني) هي فكرة ذات معرفة عمومية أو يعتقد بوجاهتها لتحقيق مبادئ العدالة تلك.

  • أن للمواطنين حس بالعدالة، وهذا يمكنهم من أن يفهموا ويطبقوا مبادئ العدالة المفهومة من العموم، والعمل وفق ما ينتظر منهم داخل المجتمع أي ما يشتمل من واجبات و التزامات.

       وبهذا فإن المفهوم العام للعدالة، يوفر في مجتمع حسن التنظيم، وجهة نظر معترف بها ومشتركة، يستطيع المواطنون بواسطتها أن يقاضوا مؤسساتهم السياسية أو بعضهم البعض فيما يتعلق بمطالب حقهم السياسي.[29]

      ويتحدث رولز في هذا المنحى عن البنية الأساسية للمجتمع الحسن التنظيم، و التي تؤلف الطريقة التي تتلاءم بحسبها المؤسسات السياسية و الاجتماعية وتدخل في نظام تعاون اجتماعي، وطريقة تعيينها للحقوق و الواجبات الأساسية، وتنظيمها لتقسيم الفوائد التي تنتج من التعاون الاجتماعي عبر الزمن، وتشمل  القانون الأساسي السياسي ذا القضاء المستقل، وصورا من الملكية معترف بها قانونيا وبنية الاقتصاد. ولما كانت العدالة كإنصاف تبدأ بالحالة الخاصة للبنية الأساسية، فإنّ مبادئها تنظم هذه البنية، ولا تنطبق مباشرة على المؤسسات، ولا تنظم المجتمع وجمعياته من الداخل.[30]

  • المجتمع كنظام للتعاون المنصف:

      تنطلق نظرية العدالة كإنصاف من فكرة وجوب النظر إلى المجتمع كنظام للتعاون المنصف، وإن الشخص الذي سيتعاقد مع أفراد مجتمعه ما هو إلاّ ذلك الكائن القادر على المشاركة في الحياة الاجتماعية، أو على لعب دور معين داخل النسيج الاجتماعي.

     وبهذا فإنه يمتلك قدرة التأثير و الاحترام لمختلف الحقوق و الواجبات، وعلى هذا الأساس يقتضي الأمر اعتباره مواطن، أي أنه عضو اجتماعي كامل النشاط عبر كل  حياته، وبما أنه مواطن فإنه شخص حر. حر بفضل كفاءاته الأخلاقية و العقلية.

       وبما أنّ الأشخاص هم أعضاء بشكل كامل داخل النظام المنصف للتعاون الاجتماعي، فيسند لهم رولز كفاءتين أخلاقيتين مرتبطتين بفكرة التعاون الاجتماعي وهي: ( القدرة على تملك حس العدالة، تصور معين للخير).

       إنّ حس العدالة يمكن الشخص من فهم وتطبيق و احترام التصور العمومي للعدالة، الذي يرسم حدود التعاون المنصف أثناء إنجاز أفعاله. أمّا توفره على تصور للخير[31]  فيمكنه من تشكيل ومراجعة تصور الامتياز الذي يمكن أن ينتج عن هذا الخير بشكل عقلاني.

      وعلى هذا الأساس، فإنّ توفر الشخص على كفاءتين أخلاقيتين، إضافة إلى كونه حر وند للآخر هو إحدى الأفكار الحدسية الأساسية المتضمنة في الثقافة العمومية للديمقراطية،[32].

       وتجدر الاشارة في هذا الإطار، إلى أنّ هدف النظرية الرولزية، يكمن في تحديد صيغ و طرائق التعاون الاجتماعي الضامنة للإنصاف، من خلال تعيين الحقوق و الواجبات الأساسية التي تضعها المؤسسات السياسية و الاجتماعية، مع تحديد نمط وضوابط تقسيم المنافع المترتبة على التعاون الاجتماعي[33] .  وإنّ هذا الأخير يتميز حسب دراسة “علي تتيات” و “محمد بلعزوقي” بثلاث خصائص رئيسة وهي: أنه نمط من الترابط تحكمه قواعد و إجراءات دقيقة يقبلها الجميع، وأنه يضمن الإنصاف بين المتشاركين بما يقوم عليه من تكافؤ في الحقوق و الفوائد، وتضمن فكرة الفائدة العقلانية التي تختلف عن المنافع الفردية الضيقة[34].

  • الوضعية البدئية:

        لكي  يقوم جون رولز بإرساء مقاربته المؤسساتية و الاجرائية، يفترض ما يسميه بالوضعية الأصلية، ويعني بهذه الأخيرة حالة الجمود الأولى التي تضمن عدالة التوافقات الأساسية التي يمكن التوصل إليها لاحقا، فيمكن تقويم مدى عقلانية و ملاءمة  نظرية ما للعدالة إذ كانت مبادئها قد انتقاها الأشخاص بإرادتهم و بتفكيرهم العقلاني . هذه الوضعية التي سيتعاقد في إطارها الأفراد الأحرار و العقلانيون وتحت حجاب الجهل، الذي سيحجب عنهم أصولهم الاجتماعية و الثقافية و الفكرية و الاقتصادية و السياسية الأيديولوجية وهلم جرا، بحيث سيصبح المتعاقد عاجزاً عن تصميم مبادئ تخدم وضعيته الخاصة، و مبادئ العدالة ستكون نتيجة تداول منصف بين كل المتعاقدين[35]  . بمعنى آخر، أنّ الرجوع إلى فكرة الوضعية الأصلية للمتعاقدين هي وسيلة لتفادي تأثير المواقع و التصورات الاجتماعية على المعايير المؤسسة للحالة الترابطية القائمة.[36]

      إن العقد الذي سيتم إبرامه في سياق هذه الوضعية يضمن احترام جميع تصورات الحياة الخاصة حينما تتصف بالعقلانية وتحترم مقتضيات العدالة، ويراهن رولز في سياق حديثه هذا على الحس المشترك حول قضايا العدالة، الذي يتقاسمه جميع  ممثلي المواطنين أثناء الفعل التعاقدي، وأنّ مسألة الحرية والمساواة – التي سيحرص رولز على التوفيق فيما بينها بعدما كانت متنافرة بين التيار الاشتراكي و الليبرالي- تعد إحدى الركائز التي لم يكلف المتعاقدون أنفسهم بتبريرها، لأنها تنتمي إلى البداهات و القناعات الأخلاقية [37]. هذه الوضعية يجب أن تكون منصفة بالضرورة على نحو تسمح بعدالة الاختيارات الناتجة عنها .  ذلك، أن كل ما ينتج عن اجراءات عادلة، لابد وأن يكون هو أيضا عادلا. ولكي نضمن ذلك، فإنّ رولز يحدد مجموعة من الاحتياطات لعملية التداول والاختيار ويصطلح عليها الضوابط الصورية لتصور العدالة. فما هي هذه الضوابط؟

       أولا شرط العمومية، ومفاده أن يدور التداول  حول مبادئ مصاغة بصورة عمومية، لا تستدخل أي مكون شخصي، وذلك من أجل الحيلولة دون التماهي مع التصورات الفئوية الضيقة.

       ثانيا شرط الكونية، الذي يقتضي أن تكون المبادئ صالحة للكل وبدون استثناء. وهذا الشرط يقتضي طرح السؤال حول الكيفية التي سنتصور بها تلاؤم نموذج العدالة كإنصاف مع المجتمعات ذات التقاليد الديمقراطية وضرورة توفر شرط الكونية أثناء التداول في الوضعية البدئية ![38]

       ثالثا العلانية وهو شرط يستدعيه في حقيقة الأمرالشرطين السابقين ويقول بخصوص هذا الشرط: ” إن أهمية شرط العلانية يكمن في حكم المتعاقدين، بأن تصور العدالة يمثل مكوناً أخلاقيا للحياة الاجتماعية معترف به”

       رابعاً علاقة النظام بين المبادئ، حيث بإمكان مبادئ العدالة، أن تخلق نوعاً من النظام و التراتبية بين المبادئ نفسها ومن ثمة بين المطالب المقبولة حسب معيار تصور العدالة.

       وأخيراً شرط البت و الاطلاق، الذي يحيل إلى نهائية اختيار المبادئ وعدم قابلية التراجع عليها تحت أي ذريعة.[39]

       هذه الوضعية البدئية، تماثل  في حقيقة الأمر الحالة الطبيعية التي تحدث عليها فلاسفة العقد الاجتماعي، لأنها وضعية مساواة و مواجهة لحالة توتر وضغط وفوضوية، تقتضي اللجوء إلى اختيار جماعي لمبادئ  تسمح بالتغلب على الطابع غير المستقر لحالة مساواة غير خاضعة لمبادئ[40]. وهذا ان كان يدل على شيء، فإنه يدل –من وجهة نظرنا- على أنّ ما قدمه رولز ليس جديدا كل الجدة، وإنما استعادة لما قاله فلاسفة العقد الاجتماعي، لكنه يصر على أن نظريته تدفع بتصور العقد الاجتماعي “المعروفة جداً عند لوك وروسو” إلى أقصى مستوى من التجريد [41] . مبيناً في هذا الإطار، أنّ ميزة التعاقد تكمن في أنه يتيح الفرصة ليتم تصور مبادئ العدالة، بصفتها مبادئ من شأن الأفراد ذوي التفكير العقلاني أن يختاروها، كما يسمح بشرح و تبرير تصورات ومبادئ العدالة[42]، وهنا لا بد من وقفة سريعة مع ما يسميه رولز ب “حس العدالة”، والمبني أساسا على معرفة واضحة بمبادئ العدالة سواء من قبل الأنا أو الآخر. ذلك، أن الفرد الذي يعرفها يجب أن يعرف، بل وأن يقتنع بأن الآخرين يعترفون بها و يلتزمون بها.

       يحدد رولز صفتين جوهريتين في الوضع الأصلي، بصفته صيغة من صيغ أفكار العقد الاجتماعي السياسي:

       أولا أنه افتراضي لأنه لا نسأل الأطراف عما يمكنهم الاتفاق عليه أو عما يريدون الاتفاق عليه أو ما اتفقوا عليه بالفعل.

    ثانياً إنه ليس تاريخيا لأننا لا نفترض أن الاتفاق قد وقع أو يمكن أن يقع في وقت ما[43]

       بما أنّ المجتمع الانساني، يحتضن أفراده تصورات متعددة بخصوص العدالة، فإنّ الوضعية البدئية مطالبة باستحضار هذه التعددية، وأن تتمكن من إثبات تفوق مبادئ العدالة كإنصاف. والوضعية البدئية ليست لحظة تاريخية، وإنما هي منهج تحليلي عام لأجل الدراسة المقارنة بين تصورات العدالة. وبهذا، “فهي أورغانون لأجل التفكير في الموضوعات السياسية و الأخلاقية المتعلقة بالبنية الأساسية للمجتمع العادل”[44].

       وفي هذا السياق، يستحضر رولز مجموعة محدودة من التصورات الكلاسيكية حول العدالة: (تصوره الخاص “مبدأي العدالة”، شكلين من مبدأ المنفعة الكلاسيكي، المنفعة المتوسطة …)، هذه المقارنات ينبغي أن تنتهي بإظهار تفوق مبدأي العدالة. وبهذا، يظهر لنا أن رولز يحاول ما أمكن أن ينتصر تصوره للعدالة في الوضعية البدئية، هذا وبدون أن نطرح السؤال حول الصلاحية التحديدية لتصورات العدالة المتعددة المطروحة و المقارنة. على أي، رولز يعترف بأن ما سيتم التوصل إليه بعد التداول المستوفي للشروط المذكورة أعلاه ليس أزليا  أو قراراً نهائيا. لذلك، يلح على ضرورة الرجوع إلى هذا النوع من المنهجية، كلما اقتضت الضرورة ذلك.

  • حجاب الجهل في نظرية العدالة كإنصاف:

      يعد حجاب الجهل عنصر مركزي في نظرية جون رولز، لأنه أساسي في الوضعية البدئية التي تحدثنا عليها قبل قليل لكي يتم التعاقد بشكل منصف لكل المتعاقدين من جهة أولى، ولكي يتم اختيار المبادئ التي تحكم مشروع العدالة من جهة ثانية، إذ يمثل وسيلة احتياطية لمقاومة الأنانية وعودة الفرد إلى التفكير اللاعقلاني المتمثل في التفكير في الأوضاع الأصلية. والغاية من حجاب الجهل هو تحييد واستبعاد كل ما يمثل عاملا عرضيا للتواجه بين الناس. لذلك، سيفترض جون رولز أنّ المتعاقدين لا يتوفرون على أي معرفة تسمح لهم بتقييم آثار اختياراتهم على وضعياتهم الخاصة، وبهذا ستنتفي المبررات الخاصة، وتسيطر الأحكام العامة على المقترحات.[45]

       من خلال حجاب الجهل، سيحرم المتعاقدون من معرفة واقعهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي، إلى جانب حرمانهم من معرفة نصيبهم من التوزيع الطبيعي للقدرات و المهارات: كمستوى ذكائهم وقوته. وبهذا، سيتم اختيار المبادئ الصحيحة للعدالة، وخلف ستار الجهل، حيث أنه لا يمكن للأفراد في الوضعية البدئية وأثناء التعاقد أن يختاروا المبادئ التي قد تخدم وضعيتهم الخاصة. إذ أن كل الأفراد متساوين وكلهم محرومين من معرفة أصولهم ويسود التكافؤ، ولا وجود لأحد متفوق على الآخر في هذه الوضعية. وبهذا، ستكون المبادئ المختارة للعدالة، نتيجة تعاقد  منصف، ومن هنا اسم النظرية الرولزية “العدالة كإنصاف”. وليس هذا فحسب، بل أن حجاب الجهل سيجعلهم يجهلون حتى ترتيبهم في حساب الأجيال. أمّا ما سيسمح لهم بمعرفته، فينحصر في كون مجتمعهم محكوم بسياق تطبيق العدالة. وحجاب الجهل إلى جانب الوضعية البدئية، ليسوا بلحظات تاريخية أو واقعية، وإنما افتراضات محضة، وتقنيات تُمكن الأفراد من  استحضارها عندما يفكرون في مبررات ما يمكن أن يطرح كتصور عمومي للعدالة. ولعلّ الفائدة التي يمكن أن يجنيها المتعاقدون في ظل حرمانهم من المعارف وفي وضعية مصيرية (الاتفاق و التعاقد)، هي تفادي المقارنات الضيقة بين المصالح العامة والخاصة والتي قد تجعلهم ينتصرون للمكاسب الفردية على حساب المنافع العامة.

       إنّ حجاب الجهل سيمنع حدوث انسحابات من الفعل التعاقدي تحت ذريعة عدم تناسب المقترحات مع المصلحة الشخصية أو لأجل التحيز لمبدأ دون آخر ويقول رولز: ” إنّ التحجيم الذي تخضع له المعلومات في إطار الوضعية البدئية يكتسي أهميية أساسية فبدونه لن يكون في مقدورنا بناء نظرية دقيقة حول العدالة”[46]  .

  • مبادئ العدالة:

        إن صياغة مسألة المبادئ ليست مسألة سهلة، بل إنها مسألة عسيرة، وما اتسمت به المبادئ التي صاغها رولز هو أنها قابلة للتطوير وإعادة الصياغة والتعديل، ولكن قبل استعراض الصياغة الأولى و الثانية لابد من ان نشير إلى أن الفكر الديمقراطي، قد عكس منذ قرنين بأنه لا يوجد أي إجماع حول الكيفية التي ينبغي أن تنتظم بحسبها المؤسسات الأساسية داخل نظام ديمقراطي، إذ ما كانت مطالبة بتحديد وتأمين الحقوق و الحريات الأساسية للمواطنين، وبالاستجابة لمقتضيات المساواة الديمقراطية باعتبارهم أشخاص أحرار و أنداد. أي أنّ هناك اختلاف كبير حول الكيفية التي يمكن من خلالها أن نحقق قيم الحرية و المساواة في إطار البنية الأساسية للمجتمع على أحسن وجه. ذلك، أنه يجب ألا أن ننسى بأنّ هناك تيارات مختلفة متصارعة فيما بينها، وخاصة بين تقليد جون لوك الذي يولي أهمية كبيرة لحرية التفكير و الاعتقاد وبعض الحقوق الأساسية المتعلقة بالشخص و بالملكية، وبين تقليد روسو الذي يركز على حرية القدامى أي تساوي الحريات السياسية وقيم الحياة العمومية.

       مهمة العدالة كإنصاف هي التحكيم بين هذه التقاليد المتنافسة، وذلك باقتراحها مبدأين يلعبان دور الموجه في إطار تحقيق قيم الحرية و المساواة من طرف المؤسسات الأساسية، وهذه المبادئ مرتبة وقائمة على ما يسمى ب “مبدأ الأولوية المعجمية”.

  1.        لكل شخص حق متساو مع غيره في النسق الشامل من الحريات الأساسية المتساوية حيث ينسجم ذلك مع نسق مماثل من الحرية للجميع.

  2.         ينبغي تنظيم التفاوتات الاجتماعية و الاقتصادية على النحو التالي:

        (أ): أن تكون لصالح الأقل حظا في المجتمع.

       (ب): أن تكون مرتبطة بوظائف ومواقع مفتوحة للجميع في إطار من المساواة العادلة في الفرص.[47]

       يقصد رولز بخصوص المبدأ الأول، حرية المشاركة السياسية في جميع مستوياتها،  وحرية التعبير و الاعتقاد  والحرية الشخصية مع حق تملك الملكية  الخاصة. وهذه الحريات، يجب أن يتمتع بها كل المواطنين على قدم المساواة، مادام أنهم في مجتمع عادل.

      أما المبدأ الثاني، والذي يمكن تقسيمه إلى مبدأين (مبدأ تكافؤ الفرص، مبدأ الفارق)، فيما يتعلق بالأول، فإن الأمر يقتضي وجود اللامساواة في الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية، والتي تكون مبررة إذ كانت مرتبطة بوضعيات يكون لدى الجميع فرصة منصفة في احتلالها، بوجود مواهب معينة لدى كل فرد، أي أن الأمر لا يتعلق بتعادل النتائج، بقدر ما يتعلق بتكافؤ الفرص.

       أما الثاني فيتعلق بمبدأ الفارق، وهنا اللامساواة في الامتيازات الاجتماعية و الاقتصادية، يتم تبريرها بأنها في صالح الفئات الأقل حظا من داخل المجتمع.

       إن المبادئ الرولزية، ناتجة من بناء هرمي مؤسس ابتداءً على تكريس الحريات الأساسية،  ثم الحرص على تكافؤ الفرص. أما مبدأ الفارق، فإنه يعطي الأولوية للدفاع عن مصالح الفئات الأقل حظا في المجتمع، مؤكداً أنه يكفي أن تتحسن وضعية الفئات الأسوأ حالا، لكي تعتبر الوضعية النهائية أكثر عدالة من الوضعية الأولى[48]

       إنّ هذه الصياغة  غامضة  وباعتراف حون رولز نفسه، لكن هذه الصياغة مختصة بالتطبيق على البنية الأساسية للمجتمع، فالأول مختص بالحقوق و الحريات و الآخر مرتبط بتوزيع الامتيازات ذات الطابع الاجتماعي و الاقتصادي.  ومن جهة أخرى هناك علاقة معجمية بين هذين المبدأين، بحيث لا يمكن الانتقال إلى المبدأ الثاني دون استيفاء المبدأ الأول، “وهذا ما يمكن دعوته بأولية الحريات الأساسية على كل المقاربات الاجتماعية و الاقتصادية”.  ولابد من الاشارة في هذا الإطار، إلى أنّ هناك اختلافا بين المبدأ الأول و الثاني، فإذا كان مبدأ الحريات  أكثر استقراراً، لكونه يقوم على أساس مبدأ المساواة في الحريات، فإنّ المبدأ الثاني يحتاج إلى دعامة تبريرية أكبر، نظرًا لأنه يسعى إلى إضفاء طابع العدالة على وضعية تفاوتية. [49]

وإن المبدأ الثاني، قابل أن يؤول إلى الكثير من التأويلات، لكن رولز يحدد أربع تأويلات، إذ يمكن قراءته كمبدأ يدافع على نظام الحرية الطبيعية، أو على المساواة الليبرالية، أو على الارستقراطية الطبيعية أو المساواة الديمقراطية، وبالتالي يختار رولز التأويل الأخير باعتباره الأنسب لنظرية العدالة كإنصاف.

     ولكن بعد ذلك سيقوم رولز بتعديل هذه المبادئ وسيقوم بصياغتها على الشكل الآتي:

  1. لكل شخص نفس الحق، في نظام منسجم بشكل كلي مع الحريات و الحقوق الأساسية المتساوية بالنسبة للجميع و المتساوق مع نفس النظام بالنسبة للكل.

  2. يجب أن تخضع التفاوتات الاجتماعية و الاقتصادية لشرطين.

أولا: يلزم أن تكون مرتبطة بوظائف ومواقع مفتوحة في وجه الجميع حسب الشروط المنصفة لتكافؤ الفرص.

ثانيا: يجب أن تكون هذه التفاوتات للصالح الأفضل للأعضاء الأكثر حرماناً في المجتمع[50].

  • مؤسسات العدالة كإنصاف:

    عندما يطلع المرء على نظرية العدالة كإنصاف والمبادئ المؤسسة لها، فإن أول سؤال  قد يتبادر إلى ذهنه هو: إلى أي حد يمكن أن تتحقق هذه النظرية على المستوى الواقعي و الموضوعي؟

       أكيد أنه تساؤل ضروري ويفرض نفسه، ولا يمكن القفز عليه، والحقيقة أن هذا التساؤل يطرحه كذلك أطراف التعاقد وهو الأمر الذي وعى به فيلسوف العدالة كإنصاف، لأن تبني هذه الأخيرة لمسألة التأسيس للفضائل و الأحاسيس الأخلاقية، وهو الأمر الذي يستحيل أن يتحقق دون الحسم في مسألة المبادئ الأساسية المتحكمة في بنية المجتمع، بالمعنى الذي يعطيه رولز لهذه المفاهيم. وبهذا، فإن التصور الرولزي يضمن الأحاسيس المشار إليها على أساس أكثر واقعية وعقلانية. وبهذا، فإن هذا التصور يلزم نفسه بقابلية التحقق الصريح على أرض الواقع من خلال مؤسسات واضحة مهمتها الأساسية، هي: تطبيق ما تم  تداوله خلال التعاقد المنصف بين المواطنين الأحرار و المتساوين والذين سيتحولون بعد الاتفاق إلى وكلاء توكل إليهم مهمة اختيار النظام السياسي و الدستوري المناسب و المنسجم مع مقتضيات مبدأي العدالة، وهو الأمر الذي يستدعي بالضرورة الرفع التدريجي لحجاب الجهل، لكي يتم التداول من جديد على خصوصية المجتمع ومؤسساته الدستورية و التشريعية الخاصة. لذلك، سيسمح للوكلاء بمعرفة الموارد الطبيعية و الثقافية و السياسية ومستوى النمو الاقتصادي. لكن، مع الاستمرار في حجب معرفة وضعية الوكلاء داخل الرقعة الاجتماعية.

ويقول رولز في هذا الإطار: “ينبغي عليهم (الوكلاء)  أن يختاروا الدستور الأكثر عدلا و الأكثر فعالية، ذلك الذي يتوافق مع مبدأي العدالة والذي حُسِبَ جيداً لكي يقود إلى تشريع عادل وفعال”.

      وتجدر الإشارة في هذا المنحى، أن التداول ليس حراً بل موجها بمبدأي العدالة، كما أن له ثلاث واجهات: (الدستور المختار بشكل جيد، إصدار مدونات قانونية منصفة، مبدأي العدالة معيار مستقل للحكم على عدالة القواعد الدستورية).

       ويلح رولز في هذا السياق، إلى أنّ المبدأ الثاني الذي تم الاتفاق عليه سيثير الكثير من الجدل، لأنه ذو طبيعة اقتصادية و اجتماعية على عكس المبدأ الأول المتعلق بالحريات، والذي اتفق الشركاء على عدم قابليته للمساومة أو الاستثناءات، أي ضرورة الاشباع التام لمطلب المساواة في الحريات الأساسية، كما أن ملامح الظلم واضحة فيما يخص الجانب الاقتصادي و الاجتماعي .

       فبخصوص الحريات سيتم إنشاء المجلس الدستوري، ويجب إعطاء جميع الضمانات الدستورية، لأولية الحريات وحرمتها النهائية.

      أمّا ما هو اقتصادي و اجتماعي، فإنه يقتضي تأسيس المجلس التشريعي، و الذي ينبغي أن يجعل كل اختيارات برامجه الاقتصادية و الاجتماعية، موجهة بمبدأ التفاوت بحيث تصب جميعها وبكيفية منصفة في مصلحة الفئات الأكثر حرمانا من داخل المجتمع.

     وهنا الأمر يقتضي حسب جون رولز أن يتم رفع حجاب الجهل للمشرعين، وتمكينهم من معرفة الصورة العامة للوضعية الطبقية ومعطيات أكثر تدقيقا حول الموارد و الثروات .

     فبعد تحديد السيرورات العادلة في التداول، إضافة إلى الإعلان الصريح للحريات في المستوى الدستوري، إضافة إلى التكفل بوضع التشريعات تحاول أن تخدم عدالة اجتماعية منصفة نصل إلى المرحلة النهائية و المتمثلة في تفعيل الاختيارات الدستورية و التشريعية في إطار حياة الناس الاعتيادية من خلال المواجهة القضائية عبر التشريعات مع الحالات الجزئية وفق احترام قواعد وقوانين العدالة، وهنا يمكن  أن نرفع حجاب الجهل بشكل كامل، ونمكِّن الجميع من معرفة وضعه داخل شبكة العلاقات الاجتماعية و الاقتصادية العامة.

       ويؤكد رولز في هذا الإطار،  أن الحرية هي روح المجتمع العادل، و النقاش يجب أن لا يتيه في التعريفات السابقة للحرية داخل المجلس الدستوري، وما يهم هو الاتفاق على تصور وظيفي وواضح حول الحرية وسيتم التركيز على ثلاث متغيرات أو مكونات: حرية الفاعلين، تدقيق ضوابط الحرية التي هم محررون منها وما هم أحرار فعله أو عدمه، مقدما تعريفا إجرائيا ومركبا لمفهوم الحرية، وهو كالآتي: إن هذا الشخص حر أو ليس حر إزاء ضابط أو  مجموعة من الضوابط، في أن يفعل أو لا يفعل هذا الشيء أو ذاك.[51]

        هنا يظهر لنا تركيز رولز على الحرية، كما ظهر لنا أثناء صياغتة لمبادئ العدالة كإنصاف، كما لا ننسى أنه قد أكد غير مرة، أنه لا يمكن الحد من الحرية إلا باسم الحرية، كل هذه المعطيات تعد دعامات أساسية،  لكي نؤكد على محدودية محاولته التوفيقية بخصوص الحرية و المساواة.

  • خاتمة:

      نخلص من خلال ما تم التطرق إليه، إلى أنّ نظرية جون رولز هي نظرية عميقة ولا يمكن لمقالة من هذا الحجم أن تحيط بكل جوانبها و أبعادها ومرتكزاتها و منطلقاتها. لكن، من خلال ما تم استعراضه يمكن التأكيد على المستوى المبدئي، أن نظرية العدالة كإنصاف هي رؤية سياسية محضة قابلة للتحقق في المجتمعات الليبرالية ذات التقاليد الديمقراطية، وإن كانت رؤية لا تخلو من الأبعاد المثالية الطوباوية، مثلها في ذلك مثل أي نظرية فلسفية أخرى في مجال الفلسفة السياسية. لكن، الخطوات التي سطرها رولز من قبيل: الوضعية الأصلية و الضوابط الصورية و  حجاب الجهل مروراً بمؤسسات العدالة المتمثلة في المجلس التشريعي و المجلس الدستوري، كلها دعامات تجعل من النظرية الرولزية نظرية قابلة للتحقق على أرض الواقع. لكن، رولز بالرغم من محاولاته للتوفيق بين الحرية  والمساواة، إلا أنه لم يتوفق في ذلك نظرا لنزعته الليبرالية التي جعلته يركز من الدرجة الأولى على الحرية.

     نظرية رولز في العدالة تعتبر نظرية فريدة من نوعها، لأنها شاملة نظرا لطبيعتها التتويجية للفلسفات التعاقدية الأنوارية، فبالرغم من الكم الهائل من الدراسات التي أنجزت بصددها إلا أنها مازالت منفتحة على تصورات ودراسات أخرى مستقبلا.


لائحة المراجع و المصادر (نظرية العدالة كإنصاف):

الكتب: باللغة العربية:

مراد دياني، حرية –مساواة-اندماج اجتماعي : نظرية العدالة في النموذج الليبرالي المستدام، الطبعة الأولى، المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات، بيروت، يناير ، 2014.

محمد هاشمي، نظرية العدالة عند جون رولز: نحو تعاقد اجتماعي مغاير، الطبعة الأولى، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2014.

محمد عثمان محمود، العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر الليبرالي السياسي المعاصر: بحث في نموذج رولز، المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات. الطبعة الأولى،  بيروت، 2014.

جون رولز: العدالة كإنصاف إعادة صياغة، ترجمة: حيدر الحاج إسماعيل، الطبعة الأولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت ، 2009.

باللغة الأجنبية:

John Rawlz, Théorie de la justice, Edition de Seuil, 1997

John Rawlz, Political Liberalism, John Dewey Essays in philosophy: No: 4 (New York: (24) Columbia University Press, 1993

John Rawlz, Libéralisme Politique, traduit de l’américaine par ; Catherine Audard, 1993,  PUF

John Rawlz, A theory of justice, Belknap press of Harvard university press , Cambridge , 1971

المقالات:

جون رولز، العدالة بين السياسة و الميتافيزيقا، ترجمة: ، محمد هاشمي، مجلة مدارات فلسفية ، العدد 10 سنة 2004.

عبد الله السيد ولد أباه، نظرية العدالة لدى جون رولز: الأطروحة ونقادها. حكمة : من أجل اجتهاد ثقافي فلسفي.

علي تتيات، محمد بلعزوقي، العدالة بين الأجيال في نظرية العدالة لدى جون رولز، مجلة جامعة النجاح للأبحاث (العلوم الإنسانية) المجلد 28  (5) ، 2014، قسم الفلسفة، كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية، الجزائر 2، الجزائر.

نوفل حنفي، العقد الاجتماعي عند جون رولز، مؤمنون بلا حدود.

حوارات:

نور الدين علوش (المحاوِر) ،  نوفل الحاج لطيف ( المحاوَر): طروحات حول العدالة في الفكر الفلسفي المعاصر ،  حوار منشور في الموقع الإلكتروني الرسمي لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات و الأبحاث” يوم 25  فبراير 2016.

[1] عبد الله السيد ولد أباه، نظرية العدالة لدى جون رولز: الأطروحة ونقادها. حكمة : من أجل اجتهاد ثقافي فلسفي.

[2]  نور الدين علوش (المحاوِر) ،  نوفل الحاج لطيف ( المحاوَر): طروحات حول العدالة في الفكر الفلسفي المعاصر ،  حوار منشور في الموقع الإلكتروني الرسمي لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات و الأبحاث”.

[3]  لا بد من الاشارة في هذا السياق إلاّ أننا لاحظنا ظهور مجموعة من الدراسات و الأبحاث في الآونة الأخيرة تحاول فهم نظرية رولز، خاصة دراسة “منير لكشو”، “دراسات رولزية” والتي صدرت سنة 2006. ودراسة “محمد هاشمي” بعنون :” نظرية العدالة عند جون رولز: نحو تعاقد اجتماعي مغاير”، التي صدرت سنة 2014. ودراسة “مراد دياني” المعنونة ب: “حرية مساواة اندماج اجتماعي: نظرية العدالة  في النموذج الليبرالي المستدام “، التي صدرت سنة 2014. إضافة إلى دراسة “محمد عثمان محمد” بعنوان: ” العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر الليبرالي السياسي المعاصر: بحث نموذج رولز” التي صدرت سنة 2014. إضافة إلى الكم الهائل من الأطروحات و الرسائل الجامعية التي تُنتج سنويا بخصوص هذه النظرية سواء في العالم العربي أو المغاربي أو الغربي بشقه الأنجلوساكسوني و الأوروبي، وهذا إن كان يعني شيئا، فإنه يعني من وجهة نظرنا، أنّ نظرية رولز لم تُفهم بعد بالشكل الكافي و المطلوب.

[4]  جون رولز، العدالة بين السياسة و الميتافيزيقا، ترجمة: ، محمد هاشمي، مجلة مدارات فلسفية ، سنة 2004. ص: 99.

[5]  John Rawlz, A theory of justice, Belknap press of Harvard university press , Cambridge , 1971, p 51

نقلا عن : مراد دياني، حرية –مساواة-اندماج اجتماعي : نظرية العدالة في النموذج الليبرالي المستدام، الطبعة الأولى، المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات، بيروت، يناير ، 2014، ص: 89

[6]  نور الدين علوش (المحاوِر) ،  نوفل الحاج لطيف ( المحاوَر): طروحات حول العدالة في الفكر الفلسفي المعاصر ،  حوار منشور في الموقع الإلكتروني الرسمي لمؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات و الأبحاث”.

[7]   عبد الله السيد ولد أباه، نظرية العدالة لدى جون رولز: الأطروحة ونقادها. حكمة: من أجل اجتهاد ثقافي فلسفي.

[8]   حوار بين نور الدين علوش، نوفل الحاج لطيف، مصدر موثق سابقا.

[9]  جون رولز: العدالة كإنصاف إعادة صياغة، ترجمة: حيدر الحاج إسماعيل، الطبعة الأولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت لبنان، 2009 ، ص: 249/250.

[10] John Rawlz, A theory of justice, Belknap press of Harvard university press , Cambridge , 1971, p 12 /13

في: مراد دياني، حرية –مساواة-اندماج اجتماعي : نظرية العدالة في النموذج الليبرالي المستدام، الطبعة الأولى، المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات، بيروت، يناير ، 2014، ص: 88.

[11]  محمد هاشمي، نظرية العدالة عند جون رولز: نحو تعاقد اجتماعي مغاير، الطبعة الأولى، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2014، ص:159.

[12]  كما يبين ذلك إيمانويل كانط في كتابه ” أسس ميتافيزيقا الأخلاق”.

[13]  المصدر السابق، ص: 75/76.

[14]  جون رولز، العدالة بين السياسة و الميتافزيقا، ت: محمد هاشمي. مرجع موثق سابقا، ص: 101.

[15]  نفس المصدر، ص: 101 و 104.

[16]  تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن جون رولز عندما يؤكد على التوافق السياسي الواعي و الطوعي بين الأفراد ، فإن هذا التوافق ليس واقعيا أو تاريخيا و إنما افتراضيا.  أي أن جون رولز يفترضه فقط وليس لحظة تاريخية بعينها.

[17]  نفس المصدر، ص: 102.

[18]  أحمد أغبال، الليبرالية السياسية ومبادئها الأخلاقية: مدخل إلى فلسفة جون رولز، الرابط الإلكتروني للمقال.

http://sophia.over-blog.com/article-75101174.html

[19] Rawlz John, Libéralisme Politique, traduit de l’américaine par ; Catherine Audard, 1993,  PUF, p ; 138

[20] Rawlz John, Libéralisme Politique, traduit de l’américaine par ; Catherine Audard, 1993,  PUF, p ; 8

[21]  أحمد أغبال، الليبرالية السياسية ومبادئها الأخلاقية: مدخل إلى فلسفة جون رولز، مرجع موثق سابقاً.

[22]  عبد الله مطيري، جون رولز: فيلسوف الإنصاف، موقع ثقافات.

[23] John Rawlz, Political Liberalism, John Dewey Essays in philosophy: No: 4 (New York: (24) Columbia University Press, 1993, p; 175.

[24] منير لكشو،  “مآزق النظرية الليبرالية أمام إشكالية الهجرة واللجوء”   ندوة دولية  “اللجوء : الاشكالات و التحديات” منظمة من قبل مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث ” صالون الجدل الثقافي “بالرباط، يوم 26/11/2016.

[25]  Rawlz John, Théorie de la justice, Edition de Seuil , 1997, P : 495/496

[26]  جون رولز، العدالة كإنصاف: إعادة صياغة، ترجمة: حيد حاج إسماعيل، الطبعة الأولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2009، ص: 98.

[27]  مراد دياني، حرية مساواة اندماج اجتماعي …، مرجع موثق سابقا، ص: 93

[28] Rawlz John, A Theory of justice , Cambridge, Mass Belknap  Press of Harvard University Press,  1971,

 P ; 516

[29]  جون رولز، العدالة كإنصاف: إعادة صياغة، ترجمة: حيد حاج إسماعيل، الطبعة الأولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2009، ص:  97.

[30]  نفس المصدر، ص: 98/99.

[31]  يعرف جون رولز مفهوم الخير في مقاله حول العدالة بين السياسة و الميتافزيقا أنه كل ما له قيمة في الحياة الإنسانية، وهذا يُظهر لنا على المستوى الخفي تأثر جون رولز بالفلسفة اليونانية، على اعتبار أن أرسطو يعرف الخير في كتابه ” الأخلاق النيماخوية” بأنه ما يشكل غاية قصوى لأفعال الناس، أو بتعبير أرسطو نفسه: ” أنه ما تنزع إليه الأشياء أجمعها” Aristote: Ethique a Nicomaque vrin 1990

[32]  نفس المصدر، ص: 105/106.

[33] Rawlz John, libéralisme Politique, Edition PUF. 1995. P : 40

[34]  علي تتيات، محمد بلعزوقي، العدالة بين الأجيال في نظرية العدالة لدى جون رولز، مجلة جامعة النجاح للأبحاث (العلوم الإنسانية) المجلد 28  (5) ، 2014، قسم الفلسفة، كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية، الجزائر 2، الجزائر.

[35] Rawlz John, A Theory of justice , Cambridge, Mass Belknap  Press of Harvard University Press,  1971, p: 12/142/136/18

[36]  عبد الله السيد ولد أباه، نظرية العدالة لدى جون رولز: الأطروحة ونقادها. مرجع موثق سابقا.

[37]  محمد هاشمي، نظرية العدالة عند جون رولز، مرجع موثق سابقاً، ص: 194/195/196.

[38]  من الضروري أن ندلي في هذا السياق بهذه الملاحظة مفادها، أن رولز في كتاباته اللاحقة قد أكد على أساس أّنّ نظريته تتلاءم مع المجتمعات الديمقراطية الغربية وليس مع المجتمعات الأخرى لكنه يركز على هذا شرط الكونية في التداول، مع العلم أنه لم يقوم بتعديل هذه الشروط فيما بعد.

[39]   تم الاعتماد في تحديد هذه الشروط المتعلقة بالتداول بين الأفراد في إطار الوضعية البدئية، على المرجع الآتي:

محمد هاشمي،  نظرية العدالة عند جون رولز، مرجع موثق سابقا، ص: 115/116/117.

[40]  المصدر السابق،  ص: 84/85.

[41] Rawlz John, Théorie de la justice, Edition de Seuil , 1997 , p: 37:

[42] Rawlz John, Théorie de la justice, Edition de Seuil , 1997, P : 42/43

[43]  محمد عثمان محمود، العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر الليبرالي السياسي المعاصر: بحث في نموذج رولز، المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات. الطبعة الأولى ،  بيروت، 2014. ص: 168.

[44]  محمد هاشمي، نظرية العدالة عند جون رولز، مرجع موثق سابقاً، ص: 108/110

[45]  محمد هاشمي، نظرية العدالة عند جون رولز: مرجع موثق سابقا.

[46]  محمد هاشمي، نظرية العدالة عند جون رولز، مرجع موثق سابقا، الصفحات: 117/118/119.

[47]  نوفل حنفي، العقد الاجتماعي عند جون رولز، فئة مقالات، مؤمنون بلا حدود.

[48]  مراد دياني، حرية مساواة … مرجع موثق سابقا، ص: 98/97/96/95.

[49]  نفس المرجع، ص:89، 91.

[50]  جون رولز، العدالة بين السياسة و الميتافيزيقا، ترجمة: ، محمد هاشمي، مجلة مدارات فلسفية ، سنة 2004، ص:  100.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ هذه الصياغة جديدة على الصياغة التي قدمها جون رولز في كتابه “نظرية العدالة” وتستعيد الصياغة التي أجريت في: The basic libértiers and their priority-tanner lectures on humain , values , VOL «    salt_lake sity University of Utah Press : 1982, p : 5

[51]  محمد هاشمي، مرجع موثق سابقا، ص: 143،144،145، 141