مجلة حكمة
 خمس أساطير حول نظريات المؤامرة  خمس أساطير حول نظريات المؤامرة

 خمس أساطير حول نظريات المؤامرة – روب بروترثن / ترجمة: فتون القديري

نظريات المؤامرة ليست وليدة اليوم، بل كانت موجودة على مر الأزمنة والعصور. لكنها باتت تحظى باهتمام متزايد في الآونة الآخرة. ومع الانتشار الواضح لفكر المؤامرة بين أوساط جمهور الناخبين وحتى في أوساط ذوي المراتب العليا من المناصب الحكومية، ألهم فكر المؤامرة العديد من المجلات والمقالات الشهيرة واستحوذ على تفكير الكثير من المفكرين. وفي خضم كل هذا، أدى فكر المؤامرة إلى ظهور بعض الأساطير حولها، وإليكم خمسة منها.

الأسطورة الأولى: الجماعات المتطرفة هي التي تستاثر بنظريات المؤامرة

من خلال قراءتك لمقال جديد أو برامج تلفزيوني حول نظريات المؤامرة، ستجد أنها غالبا ما ترتبط بجماعات ذات فكر خارج عن المألوف مثل طائفة قبعات الالومينيوم الذين يعتقدون أنها تقيهم من تضرر الدماغ من المجالات الكهرومغناطيسية، أو تحميهم من التحكم بتفكيرهم. وقد تجدها أيضا مرتبطة بتلك الطائفة التي تعتقد أن هناك كائنات أصلها من الزواحف التي استطاعت أن تتشكل على هيئة بشر من أجل أهداف ما، وصولا إلى ارتباطها بجماعة المؤمنين بالأرض المسطحة. ويمكن اعتبار هذه إشارات على أننا نعيش في عالم مجنون. ويمكنك في هذا الصدد أن تشاهد الرسوم المتحركة للرجل السحلية الذي يظهر مع دليل نظريات المؤامرة، أو مشاهدة التغطية الإعلامية للعديد من المشاهير الذين يدَّعون أن الأرض مسطحة، أو قراءة المقال المكتوب في جريدة واشنطن بوست الذي استهلته كاتبته ب: “حان وقت استبدال تلك القبعات الحمراء، إذا أردت أن يواكب غطاء راسك آخر صيحات الموضة في البيت الأبيض، فيجب عليك أن تستثمر في قبعات الألومنيوم”.

وتقديم النظريات المتطرفة على أنها جوهر نظريات المؤامرة يعطي انطباعا بأن الأشخاص الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة ما هم إلا مجموعة من المعتوهين الذين سيصدقون كل الأفكار حتى التافهة منها. لكن، وبغض النظر عن كل ذلك، ففكر المؤامرة، تخفيفا من حدة وقع عبارة نظرية المؤامرة، منتشر بشكل واسع جدا أكثر من انتشار أي نظرية أخرى.

وتبقى نماذج نظريات المؤامرة الأكثر إثارة للسخرية غير منتشرة بشكل كبير. ففي سنة 2013 ، قال حوالي 4% فقط من الناخبين الأمريكيين أنهم يتفقون مع فكرة كون الزواحف التي تشكلت على هيئة بشر هم من يتحكمون في أمور الحكم والسياسة. ومثال آخر على ذلك، في إحدى استطلاعات الرأي سنة 2108، صرح 7% من المواطنين الأمريكيين البالغين (الراشدين) بأن الأرض قد تكون غير كروية. وفيما يخص أسطورة ذي القدم الكبيرة، فقد كان حوالي 14% يعتقدون بوجوده.

وهناك بعض النظريات الأخرى التي كان لها نصيب كبير من عدد المؤمنين بها. فبين سنتي 2006 و2011 ، أظهرت الاستطلاعات أن عدد المواطنين الأمريكيين وصل إلى ما يزيد عن النصف بخصوص إيمانهم بإحدى نظريات المؤامرة المتعلقة بأن سبب غزو أمريكا للعراق كان بدافع أطماع شركات البترول ولم يكن بسبب ألأسلحة النووية ، أو فيما يتعلق باليد الداخلية للحكومة الأمريكية في هجمات  11 سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال. وقد أظهرت استطلاعات الرأي الحديثة أن هناك نسبة قريبة لتلك الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص الإيمان بنظريات المؤامرة في بريطانيا. وعلى الرغم من أن هذه الإحصائيات لا تعكس الحقيقة الكاملة باعتبار أن استطلاعات الرأي قد اقتصرت على نظريات معينة، يمكننا القول بأن كل واحد منا مرشح لأن يكون من المؤمنين بإحدى نظريات المؤامرة.

 

الأسطورة الثانية: أصبحت نظريات المؤامرة أكثر شيوعا من ذي قبل.

“هل نحن على مشارف الدخول إلى العصر الذهبي لنظريات المؤامرة؟” هكذا صاغ أحد الصحفيين سؤاله في صفحة العناوين بصحيفة الجارديان البريطانية سنة 2017 . وعنون آخر مقاله في نفس الجريدة سنة 2018 ب” نظريات المؤامرة في انتشار غير مسبوق”. ويمكن في هذا الصدد أن نقول بأن شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي بوجه الخصوص هي من ساهم بشكل رئيسي في إذكاء لهيب فكر نظريات المؤامرة.

لكن مع هذا، ليس هناك اي دليل ملموس على أن نظريات المؤامرة قد أصبحت أكثر انتشارا من ذي قبل. لكن الأمر ليس إلا نزعة كل عصر إلى الادعاء بكونه عصر ذروة نظريات المؤامرة. فقبل ثلاثين سنة، أكد المفكرون بأن: “الأجيال التي سبقتهم تداولت نظريات المؤامرة بشكل هاو”، بينما كانت نظريات المؤامرة في عصرهم، أي العصر الذي ينتمي إليه أولئك المفكرون،  قد بلغت ذروتها.

ومن أكثر الدراسات دقة حتى يومنا هذا، قام الباحثون بفحص أكثر من 100 000 رسالة تم إرسالها إلى محرر النشر في صحيفة نيويورك تايمز وجريدة شيكاغو تريبيون ما بين سنتي 1980 و 2010 ، وتوصلوا إلى أن هناك خلفية ثابتة في نسق التنظير بفكر المؤامرة  عكس ما يراه البعض بأنه في تصاعد أكثر من ذي قبل.

وهذا يتطابق كثيرا مع السجل التاريخي. حيث أنه ليس من المنطقي القول بأن نظريات المؤامرة قد ازدهرت فجأة في القرن الحادي والعشرين، أو حتى خلال القرن العشرين. لقد كانت هذه النظريات مع وجود البشر على مر العصور. لكن في عصرنا هذا أمكن نشرها عبر وسائل التكنولوجيا المتاحة. أما في عصر أثينا القديم فقد كان الأثينيون يمثلون مسرحيات تعكس وتحكي كل مناحي حياتهم، وهكذا إلى حدود القرن التاسع عشر  حيث قام معارضو التطعيم بطباعة ملصقات إعلانية للترويج لفكرهم. أما الآن فقد ظهرت الإنترنت كوسيلة ناجحة في نشر نظريات المؤامرة، لكنها مع سهولة انتشارها في الوقت الحالي، إلا أن الناس ليسوا منجذبين إلى فكر نظريات المؤامرة أساسا.

الأسطورة الثالثة: نظريات المؤامرة في عقول كل الناس.

عنونت صحيفة ذي إندبندنت إحدى مقالاتها في سنة 2018 كالآني: “العلماء يكتشفون السبب الذي جعل الناس يؤمنون بنظريات المؤامرة”. وجاء الجواب أو شرح السبب في المقال ذاته على أن نظريات المؤامرة توجد في عقول كل الناس. ومع ازدياد التقدم والدقة في مجال علم النفس الخاص بنظريات المؤامرة، يقوم محللو الصحف المشهورة بإرجاع السبب في الإيمان بنظريات المؤامرة إلى  الميل الفضولي للعقل: ” لماذا يؤمن الناس العقلاء بنظريات المؤامرة الغريبة؟”، أو ” “لماذا نؤمن بما لا يمكن تصديقه؟”

ونتائج علم النفس لا تساعد على فهم لماذا يؤمن الناس بنظريات المؤامرة أو لماذا يرفضونها، لكن التركيز بشكل حصري على التحيز اللاواعي وعلى الأخطاء الإدراكية يؤدي إلى جعل تلك النظريات تتصف بنوع من قابلية التصديق. فغالبا ما نجد معلومات منتشرة من قبيل: تقوم الحكومات والمنظمات بأشياء في السر. وكالات الاستخبارات تخطط لاغتيالات وانقلابات عسكرية،  وتتجسس على الناس، وتحاول أن تتحكم في الرأي العام.

فحتى إن كنت متأكدا جدا بأن الحكومات ليست هي من طور فيروس نقص المناعة البشرية كسلاح بيولوجي ضد المواطنين على سبيل المثال،فإن فكرة أن الباحثين الحكوميين يقومون بتجارب سرية وغير أخلاقية يمكن أن تضر بصحة واستقلال الشعوب المهمشة قد تبدو لك فكرة مقبولة، وقد يكون الاستدلال في ذلك بتراكمات الأحداث عبر التاريخ.

وفي محاولة ذكية في إحدى استطلاعات الرأي ، قام عالم النفس مايك وود بسؤال المشاركين حول بعض نظريات المؤامرة النموذجية غير المؤكدة، وسألهم  أيضا عما إذا كانوا يِؤمنون بالادعاءات التي تفيد بأن الحكومات مرتشية، وبأنها تقوم بتجارب التحكم في العقل، وجهودها في السيطرة على  الإعلام، لكن مايك وود لم يذكر للمشاركين أن هذه الادعاءات الأخيرة هي حقائق تاريخية). وكانت نتائج الاستطلاع هي أن الأشخاص الذين قالوا أنهم لا يؤمنون بنظريات المؤامرة  قد رفضوا أيضا تصديق الادعاءات التي ثبتت صحتها تاريخيا.

والمثال أعلاه ليس للقول بأننا يجب أن نصدق كل نظريات المؤامرة، ولكن لا ينبغي أيضا أخذ التفكير بمبدأ وجود المؤامرة على أنه خلل سيكولوجي.

الأسطورة الرابعة: نظريات المؤامرة هي خطر وجودي يهدد المجتمع.

خلال الأيام القليلة الأولى من شهر أغسطس 2018، وصفت عناوين الأخبار للبث الرئيسي نظرية مؤامرة جديدة على أنها “غريبة”، خطيرة”، و”مرعبة” وبأنها “تيار ديني مضطرب قائم على نظرية المؤامرة”.  وكتب الصحفي ييكس في إحدى مقالاته في جريدة واشنطن بوست بأن هذه الحركة  “مرعبة لأنها تتوسع باستمرار، إنها مخيفة لأننا لا نعرف كيف نوقفها، ومخيفة لأن متبنيها أشخاص لا يمكن إيقافهم”.

وقد ساهمت عناوين الأخبار هذه في توسيع الميل إلى تصوير فكر نظرية المؤامرة على أنه كارثة وباء متفشي والذي “استطاع أن يؤسس نفسه في العقول الأكثر نباهة وذكاء” كما قال المؤرخ دانيال بايبس، أو كما قال الصحفي فرانسوا ويين حول مامبو جامبو التي “اكتسحت العالم”.

أثيرت هذه المقالات الصيف الماضي حول نظرية المؤامرة كانون QAnon ، وهي نظرية مؤامرة مزعومة حول تآمر الدولة العميقة على الرئيس دونالد ترامب. وقد بدأ الترويج لهذه المؤامرة بشكل بسيط وبدون مغزى عبر الإنترنت لينتقل الأمر بعد ذلك إلى ظهور مجموعة من الناس يحملون رموز مصنوعة منزليا وقمصان تحمل نفس الرموز خلال تجمعات الحشود لاستقبال الرئيس ترامب. وعلى الرغم من أن المقالات قد أشارت إلى أن هناك أعداد كبيرة من المؤمنين بهذه النظرية، إلا أنها لم تقدم أية بيانات. في حين أن الاستطلاعات الموالية قد أظهرت أن كل 4 أشخاص من 10 لم يسبق لهم أن سمعوا بها أو أنهم لا يتوفرون على معلومات كافية حولها لتكوين موقف. ومن بين أولئك الذين يعرفون نظرية المؤامرة كانون، فقد أظهروا أنهم يرونها نظرية غير مرجحة بشكل كبير جدا (بين أوساط كل من الديمقراطيين والجمهوريين). وأظهر تحليل لنظرية كانون في الصحف الإخبارية بأن مجموعة قليلة من الأشخاص هم الذين أثاروا كل تلك الضجة حولها. بينما يقوم الأشخاص الذين يعدُّون مثل هذه الأفكار بالجلوس والمشاهدة والتظاهر بأنهم يتعاملون مع النظريات من باب الفضول أو التسلية.

ومن الطبيعي أن تكون هناك نتائج للأفكار، فالشخص الذي قام بتفجيرات أوكلاهوما سيتي تيموثي ماكفي، رأى بأنه يقاوم مؤامرة الحكومة في مصادرة أسلحة المواطنين. والرجل الذي آمن بمؤامرة بيتزا غايت، مؤامرة مطاعم البيتزا بالعاصمة، قام بإطلاق النار في المطعم وأرعب الزبائن من بينهم الأطفال. لكن هؤلاء الأشخاص هم حالات استثنائية شاذة، والشاذ لا يقاس عليه. وقد ساهم هذا في تصوير كل نظرية مؤامرة بـأنها خطر وجودي. وهذا القول في غياب الدليل على ذلك، هو ما تعودت عليه العقول التي أنتجت نظريات المؤامرة أولا.

الأسطورة الخامسة: الحقائق لا تغير أراء الناس حول نظريات المؤامرة.

في دراسة أجريت سنة 2010،حيث يقوم المشاركون أولا بقراءة ادعاءات خاطئة ثم بعد ذلك يتم إعطاؤهم تصحيحات لتلك الادعاءات. ولكن اتضح أن قراءة التصحيح لم يكن مجديا وبالتالي أدى إلى زيادة معتقدات مغلوطة بشكل اكبر بين الأشخاص الذين صدقوا الادعاءات الخاطئة.

وتأثير النتائج العكسية هذه قد اتخذ بشكل واضح شكلا أسطوريا كتفسير لمعطى الحصول على نتائج عكسية أحيانا وصعوبة تغيير أراء الناس حول نظريات المؤامرة من خلال مواجهتهم بالحقائق. تم طرح السؤال التالي في  أحدى مقالات الجارديان سنة 2018: “لماذا أصبحت مناعة الناس قوية تجاه الحقائق اليوم؟” في إشارة إلى النتائج العكسية. وذهبت صفحة راشيونال ويكي إلى أبعد من هذا بقولها بأن النتائج العكسية :”تجعل التفنيدات المستندة إلى أدلة غير مجدية”. ولقد تطرقتُ إلى استمرارية هذه الأسطورة شخصيا في كتابي الذي ألفته سنة 2015 “العقول المشككة”.

ومع ذلك، قامت الدراسات البحثية بإعادة موضوع النتائج العكسية إلى الواجهة. في سنة 2017 ، قام باحثون بإجراء سلسلة من الدراسات حيث تم تقديم حوالي 52 ادعاء خاطئ وتصحيحاتها إلى أكثر من 10000 مشارك. لكن تلك الدراسات لم تصل إلى أي نتائج عكسية وخلصت إلى أن ” يرجحون المعلومات المبنية “، حتى عندما تكون هذه المعلومات مخالفة لما يميلون إلى تصديقه. وأفادت دراسات أخرى بأن التحقق من الحقائق وتحديد التناقضات المنطقية يمكنها أن تقلص من تصديق نظريات المؤامرة.

وأخيرا، فتصحيح التصورات الخاطئة لن يقنع أي شخص بالتخلي عن كل نظريات المؤامرة من طبيعة الحال. ولكن يبدو أن القيام بهذا التصحيح سيكون أفضل من عدم القيام بشيء.

المصدر