مجلة حكمة
محرك الذاكرة وكيفية

محرك الذاكرة: حتى بعد وفاته، مازال المشهور بفقدان ذاكرته يغير جذريا فهمنا لعمل الذاكرة وكيفية المحافظة عليها مع تقدمنا في العمر – دونالد ماكي

محرك الذاكرة

أتذكر لقاء <M .H.> في ربيع عام 1967، لعله كان في عُمر الأربعين وكنت أصغر منه بستة عشر عاما. فقد أحضره أستاذي <L-H. توبر> إلى مكتبي الصغير عبر مكتبة قسم علم النفس في معهد ماساتشوستس للتقانة (M.I.T.)ا(1). وأتذكر، إلى حد ما، وجهه النحيل المبتسم والمشرق عندما كان يمر عبر المدخل الضيق برفقة <توبر> الذي عرَّفنا ببعض ك <دون> و<هنري> وكأننا سنصبح أصدقاء. وأظن أنني خاطبت <هنري> «سيدي» ونحن نتصافح لأنه كان حائزاً قدراً من الشهرة في المعهد .M.I.T. لقد طمأن <توبر> <هنري> بأنه سيستمتع بالمشاركة في تجربتي حول فهم الجمل، الأمر الذي كان يتقنه ثم اعتذر وخرج.

لم يخطر ببالي مطلقا، ونحن نصعد الدرج إلى غرفة الاختبار، بأن هذا الرجل الهادئ سيصبح مركز أبحاثي لنصف قرن. فقد فتحت الباب وأجلست <هنري> على مقعد خشبي مواجها مقعدي، وأشعة الشمس تتخلل الغرفة عبر نوافذ كبيرة على يميني. وكانت أمامي ساعتا توقيت ورزمة من 32 بطاقة مفهرَسة أبجديا بحجم 5×3 تحتوي على جمل قصيرة مطبوعة. فقد قمت بتشغيل جهاز التسجيل وبدأت بما ظننت أنه لن يكون أكثر من اختبار روتيني.

[blockquote]إذا قرِعَ الباب واضطررت إلى الخروج، فأنت بحاجة عند عودتك إلى أن تقدم نفسك مجددا ل <هنري> شارحا له المهمة المكلف بها. [/blockquote]

 

منذ عام 1967 أصبح الحرفان الأولان (M .H.) من اسم <هنري> من أكثر الحروف شهرة في تاريخ علوم الدماغ. (لم يعرف الناس اسمه الكامل: <H. موليسون>(2) إلا بعد وفاته عام 2008). وبدأ <هنري> شهرته قبل 13 عاما عندما كان في السابعة والعشرين، عندما استأصل أحد جراحي الأعصاب جزءا صغيرا من دماغه الأوسط والمعروف بمنطقة تلفيف الحصين(3). وأدى هذا الاستئصال إلى إقصاء تهديد الصرع لحياته إلى درجة كبيرة ولكنه حمل معه تأثيرا مزعجا غير مقصود صاحبَه طيلةَ حياته، حيث لم يعد باستطاعته تعلم معلومة جديدة بشكل طبيعي، الأمر الذي أحدث ثورة في دراسة الذاكرة والدماغ.

إن دراسة <هنري> ساعدت آخرين قبلي على إيضاح دور منطقة تلفيف الحصين في تكوين ذكريات مركبة جديدة، والتجارب الشخصية المعاشة. إن بحثي مع <هنري> أظهر أن منطقة تلفيف الحصين تساعد أيضا على الاحتفاظ بذكرياتنا الموجودة وترسيخها عن طريق تجديدها. ومن دون هذا التجديد، فإننا سننسى وإلى الأبد.

أدت هذه الفكرة إلى التخلص من مفهوم تراجع الذاكرة بآلية مجهولة لا رحمة فيها. إن الآلية التي تجعلنا نعيش ذكرياتنا القديمة يبدو أنها تخفف من صعوبات التذكر التي تحدث مع التقدم الطبيعي في العمر. فعوضا عن ترك أجزاء ماضينا تنجرف ببساطة مع الزمن، فإن الدماغ يبقى معنيّاً وبشكل فعَّال بترميم الذكريات المتآكلة. إن هذه المعلومات الدقيقة وجدت الحل للغز عمره مئة عام في أبحاث علم النفس حول النسيان. وحتى الآن، لم يستطع أحد أن يفهم بوضوح لماذا يكون الأشخاص المصابون بالنسيان، والذين هم بالتعريف يعانون صعوبات في اكتساب المعلومات التي تصادفهم بعد أذية الدماغ، عادة لديهم صعوبات في تذكر المعلومات التي تعلموها لسنوات عديدة قبل الأذية الدماغية.

 

«من أنتَ؟»(**)

وفي فيلم Overboard (سقوط من المركب إلى البحر) الذي عُرِضَ عام 1987، قامت الممثلة <G. هاون> بدور سيدة من نجوم المجتمع ارتطمَ رأسها فتسقط من فوق مركبها إلى البحر فتصاب بفقد الذاكرة التام لدرجة فقدانها هويَّتها. وحبكة الأفلام التي تتسبب في النسيان غالبا ما تستحضر مشاهد درامية، حيث تمحى الذكريات حالا من حياة الممثل الماضية، ولكن بطل القصة يبقى قادرا على تكوين ذكريات للوقائع والتجارب الجديدة. وهذه الحالات ليست إلا مجرد روايات خيالية. إن الأشخاص المصابين حقيقة بالنسيان لديهم صعوبات في اكتساب معلومات جديدة، ولكنهم (باستثناء حالات من مرض ألزهايمر) لا يفقدون ذكريات ماضيهم كاملة، سواء كان ذلك بسبب أذية الدماغ أو ارتجاج الدماغ أو التسمم الكحولي أو الإنتان بالحمَّات الراشحة.

في عام 1953 فَقَدَ <هنري> ذاكرته بعد الجراحة التي خضع لها، حيث تم استئصال المكونات المركزية لبناء الذاكرة. وقدرته على تذكر تجارب جديدة أصابها ضرر بالغ. وبعد برهة وجيزة تمحى ذكرياته الأكثر هشاشة للأحداث الجديدة (ذكرياته العرضية أو العابرة). فإذا قرِع الباب أثناء قيامك بالاختبار واضطررت إلى المغادرة ولو إلى دقيقة واحدة، فعند عودتك قد يسألك <هنري>: «من أنت؟» عندئذ يتعين عليك تقديم نفسك وأن تشرح له مجددا المهمة التي يتعين عليه متابعتها.

لم يكن <هنري> قادرا على تكوين انطباعات ذهنية للتجارب العابرة ويحتفظ بها. ولتوثيق عجز كهذا في الذاكرة، رسخ أستاذي وآخرون الدور الحاسم لمنطقة تلفيف الحصين في تكوين ذكريات جديدة طويلة الأمد. مع أن ذاكرة <هنري> للأحداث والوقائع المتعلمة قبل إصابته بدت طبيعية تماما في البداية. لقد لفظ الكلمات اليومية بطلاقة، يسأل بسهولة فمثلا: «هل التقينا من قبل؟» وكان يجيب عن الأسئلة بوضوح حول أمكنة دراسته الثانوية ومكان ولادته.

 

خضع <H. موليسون> في سن 27، والمعروف لدى العامة حتى وفاته عام 2008 بلقب <M .H.>، لاستئصال التشكلات الدماغية التي تحرك الذاكرة. وكنتيجة، لم يعد في مقدوره تذكر تجارب جديدة بطريقة طبيعية. ومع تقدمه في السن، تدهورت ذكرياته السابقة بسرعة غير معتادة، إذ بدأ فريق عمل بحل اللغز. باتجاه عقارب الساعة من اليسار إلى اليمين: <M .H.> في المدرسة الثانوية، في مطلع الثلاثين من عمره، في حوالي الخمسين من عمره، وفي عمر الستين، وكرجل عجوز.

 .

في ستينات القرن الماضي اقترح الاختصاصي في علم النفس <W. ويكيلگرن> [من المعهد M.I.T.] بأن منطقة تلفيف الحصين تسهل تشكيلَ ذكريات دائمة في القشرة الخارجية للدماغ (القشر الحديث). وتأخذ تلك الذكريات القشرية شكل ارتباطات قوية بين العصبونات. وهكذا يشبه القشر الحديث مستودعا، بينما يعمل تلفيف الحصين كبانٍ للذكريات، سواء كانت ذكريات عرضية عابرة كذاكرتي عن لقاء <هنري> أم ذكريات واقعية(4) كمعنى كلمة ما. فهذه الفكرة المنبثقة بعد درجة كبيرة من العمل مع <هنري> جاءت كإعادة نظر جذرية في طريقة التفكير السابقة. سابقا كان الباحثون يعتقدون أن منطقة تلفيف الحصين هي المستودع المباشر للذكريات. وبما أن منطقة القشر الحديث neocortex كانت سليمة؛ لذا بدا منطقيا أن تكون ذاكرته للكلمات التي تَمَّ تخزينها قبل عمليته الجراحية سليمة.

لذلك، وفي يوم مقابلتي لـ<هنري> افترضت بأنه سينجز جيدا اختبار فهم الجمل. فقد أعطيته التعليمات لقراءة 32 جملة مبهمة. فعلى سبيل المثال، إن جملة: «I just don’t feel like pleasing salesmen» والتي تعني إما «أنا لا أريد إرضاء الباعة» أو «أنا لا أريد الباعة اللطفاء حَوْلي». لقد كانت مهمة <هنري> أن يعثر ويصف كلا المعنيين لكل جملة وبأسرع ما يمكن.

لقد اكتشف <هنري> كلا المعنيين فقط لـ20 % من تلك الجمل، بينما تمكن طلبة جامعة هارڤارد من العثور على جميع المعاني المبهمة. لم يجد طلبة جامعة هارڤارد أي صعوبة في تمييز أي التباس. كما أن <هنري> استغرق عشرة أضعاف الوقت الذي استغرقه طلبة الكلية – أكثر من 49 ثانية في المتوسط – كي يبدأ توصيفه. كما أن توصيف <هنري> عموما لم يكن كاملا، غير دقيق ويصعب فهمه. وعلى سبيل المثال، في إحدى المراحل شرح <هنري> كلا المعنيين لعبارة «I just don’t feel like pleasing salesmen» كالتالي: «الشخص لا يحب الباعة الذين يتوددون إليه. آهٍ، وأنه شخصيا غير معجب بهم، و وهو شخصيا غير معجب بهم، وعندئذ أفكر في جملة كان يمكن له أن يقولها إنه نفسه، هو لا، آهٍ، ودود، باعتباره conglamo، من بين كل الباعة الودودين.»

[blockquote]في عمر الأربعين، بدا <هنري> أصغر بكثير من أن يعاني صعوبات في العثور على الكلمات، لكن وبوضوح فإن شيئا ما كان يحدث لذاكرته للمفردات اللغوية. [/blockquote]

في تلك الأثناء لم أعرف ماذا أعمل بتلك الملاحظات. فمجموعة من الأسئلة الباعثة على الاضطراب جالت في خاطري، ولم أنظمها وأتعامل معها إلا لاحقا. فلماذا كان <هنري> يعاني صعوبات في فهم جمل الاختبار؟ فمنذ عام 1874 اعتقد أطباء الأعصاب أن منطقة من قشر الدماغ والمعروفة حاليا بمنطقة فيرنيك(5) مسؤولة عن فهم الجمل. إن القشر الحديث عند <هنري> سليم لم يصبه أذى، وإن عدم فهمه شوَّشني لأن منطقة بروكاBrocas area والواقعة في منطقة أخرى من القشر الحديث كان يعتقد بأنها الأساس لإنشاء الجمل من الناحية النحوية. وما الذي عناه <هنري> بكلمة «conglamo» – هل هو conglomeration: خليط أو مزيج، أم concatenation: يسلسل أو بشكل سلسلة، أم إنه خليط من كلتا الكلمتين؟

 

 

عندما كان <هنري> في الأربعين من العمر كان أصغر عمراً من أن يعاني صعوبات في العثور على الكلمات المناسبة، ولكن، كان واضحا أن شيئا ما يحدث لذكرياته اللغوية للكلمات، ولم تكن عندي أي فكرة عمّا يعنيه ذلك. بعد ذلك اكتشفت، وفي وقت متأخر، الصلة بين أذية منطقة تلفيف الحصين عند <هنري> وبين ذاكرته للكلمات التي تعلمها في مرحلة المراهقة.

نمط رباط مصنوع من النايلون(***)

بعد حصولي على درجة الدكتوراه من المعهد M.I.T. في عام 1967، أصبحت أستاذا بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. وقد أصبح مؤكدا لديَّ بأن اللغة هي وسيلة جيدة لدراسة جوانب عديدة للذاكرة، بما فيها تأثير التقدم في العمر في قدرتنا على تذكر الكلمات المألوفة. وعلى عكس التجارب الشخصية التي تتفاوت من شخص إلى آخر، فقد تعلمنا جميعا التهجئة والمعنى والنطق نفسها للكلمات. إن التماثل في معرفة الكلمات عند البالغين الشباب سهَّل عليَّ الإقرار بما إذا كان عامل العمر مسؤولا عن اضطراب ذاكرة الكلمات عند الأكبر سنا.

ومن خلال أبحاثي ولسنوات متتالية، تمكنت من رسم الخطوط العريضة للتغيرات النوعية المرتبطة بالعمر عن كيفية تذكرنا للكلمات. ففي عام 1990، على سبيل المثال، توصلنا أنا وزملائي إلى أننا كلما تقدمنا في السنّ تراجعت قدرتنا بصورة منهجية منظمة على تذكر لفظ الكلمات المألوفة النادرة الاستعمال. ذلك أننا حين أعطينا بعض الأشخاص تعريفا مثل «نمط رباط مصنوع من النايلون»، فإن البالغين سنّ 65 فما فوق لم يتمكنوا من أن يستحضروا في أذهانهم كلمة «Velcro» بعدد المرات نفسه وبالسرعة نفسها كما استطاع البالغون من عمر 18 إلى 20 عاما. فبالنسبة إلى الأكبر عمراً بقيت الكلمة على رؤوس ألسنتهم، كانوا يعرفون معنى الكلمة، صوتها اللفظي الأول (ف) وعدد مقاطعها، إلاّ أنه لم يكن بمقدورهم استدعاء الكلمة كاملة إلى ذاكرتهم.

في عام 1998، نشر فريقي للأبحاث اكتشافا مرتبطا بما سبق، بأن المقدرة على تهجئة الكلمات المألوفة استعمالا وغير المألوفة في طريقة كتابتها من قبيل «rhythm»، «physicist»، و«yacht»، أيضا تتراجع مع التقدم في السنّ. وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك في أن البالغين ستين سنة وما فوق المشاركين في تجاربنا قد ارتكبوا أخطاء في تهجئة الكلمات أكثر مما حدث مع البالغين الشباب. ومع ذلك، فإن الأشخاص الأكبر سناً كانوا يدركون أنه سبق لهم تهجئة «bicycle» (دراجة) من دون صعوبة إلا أنه لم يعد بإمكانهم أن يتذكروا فيما إذا كانت حروفها تكتب «bicycle» أم «bysicle» أم «bisykle»، حتى يصادفوها مطبوعة.

 

 

كيف يتم ترميم الذاكرة(****)

  إذا لم نستعمل ذكرياتنا، فإنها تتراجع تدريجيا مع مرور الزمن. ويعتقد الآن، أن تلفيف الحصين الذي يتحكم في مكونات الذاكرة، يُهندس ترميم الذكريات الذابلة كاستجابة لتجارب الحياة. فمثلا، إذا تعرض أحدنا إلى اسم شيء مثل «abacus» (مِعداد: آلة لتعليم الأطفال العد)، ولم يتمكن من تذكر هذا الاسم – الذي يتم تخزينه في منطقة بروكا، حيث تُختزن أسماء المنازل وبطاقات التعريف – عند رؤيته للمِعداد. ولكن، عند سماعه لاسم هذه الآلة، فإن تلفيف الحصين يبدأ عمله بإعادة تكوين ذكراه في منطقة بروكا.

 

  (1) أحد الأشخاص ينظر إلى صورة مِعداد.

  (2) يعالج القشر البصري (الفص القفوي) الصورة.

  (3) تنتقل المعلومة إلى منطقة بروكا، التي تختزن ذكرى الكلمات، ولكن ذكرى كلمة “مِعداد” ضعيفة ولا يمكن تذكرها.

  (4) يقدم الباحث إشارات (إنه جهاز للعد. يبدأ الاسم بحرف «م»…)، ومع ذلك لم تستطع منطقة بروكا استحضار الاسم.

  (5) يفصح الباحث عن الجواب: «إنه مِعداد.»

  (6) ترسَل المعلومة الجديدة إلى تلفيف الحصين الذي بدوره يتفاعل مع قشر المخ cortex لتكوين ذاكرة التهجئة واللفظ ومعنى كلمة «مِعداد».

  (7) تخزن الذكرى المجددة في منطقة بروكا.

 

 

 

لقد أوضحت اكتشافاتنا بأن البالغين الأصحاء من السن 65 وما فوق يواجهون صعوبات ضئيلة، لكنها مؤكدة، في استعادة معلوماتهم عن مفردات اللغة التي تعلموها منذ عدة عقود، صعوبات تزداد شدة مع التقدم في السن. في البداية، قد تأتي المعلومة إلى الذهن مع بعض التأخير، ولكنه كلما ازدادت هشاشة الذاكرة مع مرور الزمن، يصبح استرجاع المعلومة غير ممكن. وفي الحالات الشديدة وحتى برؤية الكلمة فإنه يتعذر لفظها الصحيح وتهجئتها وكذلك معناها. (لمعرفة أي شكل للذاكرة يتراجع مع العمر وما يمكن عمله بهذا الشأن، انظر الإطار بعنوان «نبع شباب الذاكرة».)

يعتقد أننا عندما نواجه: «على رأس اللسان» وعلى «رأس القلم»، فإن خللا قد حصل في الارتباطات العصبية المعنية بالذاكرة في القشر الحديث للدماغ. كما تضعف، مع مرور الزمن، المقدرة على استحضار معرفتنا بكيفية تهجئة «rhythm» أو لفظ «Velcro» إذا كنا نادرا ما ننطق بها أو نراها أو نسمعها. إن الاستخدام المتكرر لكلمة ما أو التعرض لها حديثا يقوي تلك الارتباطات ويحول دون النسيان. فلدى المتقدمين في العمر لا يظهر عجز في الفهم أو التهجئة أو الذكرى للكلمات التي غالبا ما يستعملونها أو يسمعونها أو يكتبونها.

[blockquote]بخصوص السؤال، «ماذا تعني كلمة ‘lentil’؟» أخبرنا <هنري>: «إنها كلمة مُركَّبة بطريقة ما، من ‘lent’ و‘till’… (يعني) زمانا ومكانا لِـ» [/blockquote]

شيخوخة رجل مصاب بالنسيان(*****)

بينما كنت أستقصي تأثير العمر في تذكر الكلمات، راجعت أسئلتي في عام 1967 إلى <هنري> عن المفردات اللغوية، وبخاصة سجلا مكتوبا من 178 صفحة لمقابلات معه تم تسجيلها في عام 1970 من قبل <W. مارسلين-ويلسون> [زميل خريج الـM.I.T.]. وقد كشف التسجيل أن <هنري> وفي سن 44 لاقى صعوبات غير عادية في تذكر الكلمات القليلة الاستعمال. فعوضا عن وصفه للأشخاص بأنهم «أكثر استرخاء»more relaxed، قال <هنري>: «إنهم أكثر ارتياحا» more eased. وعلى نحو مماثل، فإنه أشار إلى نموذج لطائرة بأنه مصنوع من «الخيزران» أو «ما يشبه الخشب»، عوضا عن استخدام «خشب البلزا»(6). وقد طاردتني آنئذ أفكار، كما لو أنني لم أر قطُّ أخطاء كهذه عند يافع. فقد بدا الأمر وكأن ذكريات <هنري> عن المفردات اللغوية تعاني تراجعا سابقا لأوانه.

وعندئذ خطرت لي الفكرة بأنه ربما عكست مشكلات <هنري> في إيجاد الكلمة المناسبة عدم قدرته على أن يتعلم معلومة كان قد نسيها تماما. وكما ظننت، أن عجزه الأساسي يكمن في عدم مقدرته على تكوين معلومة جديدة في قشرة مخه. واستنتجت بأن أذية تلفيف الحصين عند <هنري> ربما منعته من تخفيف التدهور المرافق للتقدم في العمر. وعدم المقدرة هذا ربما أدى إلى تحويل الصعوبات العادية والضئيلة الأهمية في استرجاع الكلمات عند البالغين الكبار إلى اضطرابات بالغة الأهمية.

حتى الآن كانت لديّ إشارات بأن <هنري> عانى فجوات حادة في الذاكرة. وكي يتم التحقق من أن ذاكرة <هنري> تخبو بشكل غير اعتيادي، فإنني أحتاج إلى مقارنة معرفته بمفردات اللغة وهو في مطلع السبعين من عمره بتلك لدى أشخاص بذاكرة طبيعية يشبهون <هنري> في الجوانب الأخرى كلها. كما أنني أحتاج إلى توثيق تغير ذاكرة <هنري> للمفردات اللغوية خلال حياته. وإقامة الدليل لتدهور غير طبيعي للذاكرة ربما يفسر وللمرة الأولى لماذا ينتهي المطاف بمعظم الأشخاص الذين يعانون أذية تلفيف الحصين إلى نسيان المعلومات المكتسبة قبل تلك الأذية.

 

نبع شباب الذاكرة(******)

  يميل الدماغ، شأنه شأن بقية أعضاء الجسم، إلى التراجع مع التقدم في العمر، إلا أن العلم يقترح طرقا للحد من هذا التراجع.
 

 

أولا، ومن وجهة نظر بسيطة، لا تصاب كل مظاهر الذاكرة بالاهتراء. إن المسنين قادرون على فهم جمل تتألف من كلمات مألوفة وأن يتعلموا مجددا معلومات منسية كما لو كانوا صغارا، مع أن ذلك يتم بطريقة أبطأ. فكل أنماط السلوك، إلى حد ما، أبطأ عند المسنين مما هي عليه عند اليُفعان – اختلافٌ يقاس بجزء من الآلاف من الثانية.

  بطرق أخرى، إن الوظيفة المعرفية تتحسن مع التقدم في العمر. فمثلا، يستمر محتوى المفردات بالتوسع حتى عمر الثمانين وحتى بعد ذلك. وكمسنين، إننا نستعمل وبشكل عفوي كلمات أكثر تنوعا ونسجل رقما أعلى في اختبارات المفردات.

  في حين أن المسنين يواجهون صعوبات – إلى درجة ما – في تعلم استعمالات جديدة للكلمات القديمة وفي تذكر أشياء كرقم هاتف طويل جدا عند محاولة طباعته. كما أننا نتعرض لتجارب مزعجة باستذكار تهجئة الكلمات الشائعة الشاذة، ككلمة «rhythm»، وكذلك اللفظ لا سيما فيما يخص أسماء الأمكنة والناس – والتي تعلمناها منذ عقود.

  تقترح الأبحاث الحديثة، بما فيها أبحاثي، بأن المسنين يمكنهم التعامل مع هذه التغيرات. ويكون المفتاح بالتعرض لها. فالانخراط في فعاليات اجتماعية يساعد على صيانة جوانب عديدة من الذاكرة اللغوية فضلا عن الجوانب الأخرى للذاكرة. فقبل مقابلة الأصدقاء، يمكننا التدرب على أسمائهم كي نتجنب مشكلات نسيانها. ويمكننا أن نحافظ على تهجئتنا ومهارة استرجاع أو تذكر الكلمات بممارسة الألعاب كالخربشة والتي بواسطتها نمارس تلك المهارات خيرا من انخراطنا في فعاليات سلبية كمشاهدة التلفاز.

  يمكننا أن نمنع تدهور قدراتنا في مجال اختصاصنا – كالكلام مع الناس أو لعب الشطرنج أو العزف على البيانو – بالاستمرار بممارسة تلك الأنشطة أو الألعاب. وبوجه أعم، فإنه يمكننا الانخراط، وخلال كل مراحل العمر بالتعلم، في مجالات شتى. إذن، فإن التعلم وإعادة التعلم – يدعم ذكرياتنا القديمة – هي وسائل تجعل من تلفيف الحصين يحفظ لكل منا شبابه.

 

 

 

 .

وعندما كان <هنري> في سن 71 و73، طلبت إلى زميلي في دراسات ما بعد الدكتوراه <E .L. جيمس>، وهو الآن أستاذ علم النفس في جامعة كولورادو، أن يركب الطائرة إلى بوسطن كي يختبر ذاكرة المفردات اللغوية عند <هنري> في المعهد .M.I.T. لقد أردت تقييم قدرة <هنري> على تعريف الكلمات، مع أسئلة مثل «ماذا تعني كلمة «squander» (يُسرف)؟» وذلك لنرى ما إذا كان قادرا على اختيار الكلمات التي تعني «squander». كما رغبت في تقييم مقدرة <هنري> على تذكر أصوات الكلمات لتسمية أشياء مألوفة صورها معروضة وأن يقرأ الكلمات القليلة الاستعمال بصوت عال. أخيرا، إنه أمر مثير فيما لو تمكن <هنري> من تذكر التهجئة الشاذة لكلمات مثل «rhythm».

وقد أنجزت مع <جيمس> مجموعات من الكلمات التي استعملها <هنري> حكما في مطلع حياته، وارتكزت على العمر الذي تم فيه اكتساب المعرفة الطبيعية لكل كلمة وعلى أساس التسجيل الواسع للكلمات التي استعملها <هنري> أثناء حديثه مع <مارسلين-ويلسون> وعمره 44 عاما. لقد صنفنا الكلمات كعالية التداول أو كقليلة التداول معتمدين على إحصائيات كيفية استعمال الناس لها. (أنا أناقش فقط نتائجنا للكلمات القليلة التداول لأن أداء <هنري> حول الكلمات المألوفة كان غير مرضٍ.)

[blockquote]تماما كبنّاء يمكنه أن يبني بناء جديدا أو أن يصلح بناء تضرر، كذلك يمكن لتلفيف الحصين تشكيل ذكريات جديدة تحل محل الذكريات الهرمة. [/blockquote]

 

كانت جلسات الاختبار مع <هنري> أيسَر جزء في بحثنا. لقد قضيت أنا وزوجتي <M .D. بورك>، وهي أستاذة علم النفس في كلية پومونا، ومع زملائنا آنذاك، سنين عديدة في محاولة العثور على أشخاص أصحاء بسنّ 71 أو 73 يتمتعون بذاكرة عادية، ويكون مستوى تعليمهم وذكائهم وعملهم وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية كلها مماثلة لحالة <هنري>. لقد انتقينا بعناية المرشحين لبحثنا من سجلات لما يزيد على 750 مرشحا مسجلين في قوائم المرشحين في مختبر الإدراك المعرفي والعمر(7) في جامعة UCLA – مشروع كليرمونت عن الذاكرة السنّ، وهم من المتقاعدين من وظائف مكتبية أو متصلة بعمل جسماني في كليات كليرمونت.

وفي نهاية المطاف، عثرنا على 26 فردا كمجموعات شاهد أو مراقبة مناسبة. وقد أدت مقارنة نتائج <هنري> بنتائج هؤلاء الأفراد إلى الكشف عن الضعف الهائل في ذكريات <هنري> للمفردات اللغوية وهو ما نشرناه (أنا وزملائي) في سلسلة من المقالات بلغت ذروتها عام 2009. وفي اختباراتنا عن معاني الكلمات، على سبيل المثال، أجاب البالغون من العمر 73 عاما الذين لم يصابوا بأذية دماغية إجابة صحيحة عن سؤال «ماذا تعني lentil (عدس)؟» لقد أجابوا أنه نوع من البقوليات كالبازلاء أو الفاصولياء. وفي المقابل أخبرنا <هنري> «بأن كلمة lentil هي كلمة مركَّبة من «lent» و«till»… تعني مكاناً وزماناً لـ». لقد ارتكب <هنري> أخطاء مدوية كثيرة كهذه وأنجز عددا قليلا من التعاريف الصحيحة مقارنة بمجموعة الشاهد، وحتى بالنسبة إلى الكلمات التي تَعامل معها بشكل مناسب عندما كان أصغر عمراً. كما أن <هنري> لم يستطع أن يميز وبشكل موثوق الكلمات النادرة الاستعمال عن الكلمات المزيفة أو الكاذبة مثل «frendlihood» و«quintity». وبالمقارنة، فإن مجموعة 73 عاما تعرفوا بشكل صحيح على 82 % من الإجابات، كما أن <هنري> حقق نسبة 86 % في هذا الاختبار عندما كان عمره 57 عاما.

وعندما أعطينا التعليمات للمشاركين، ليقرؤوا بصوت عال كلمات مطبوعة على بطاقات مفهرسة أبجديا، أخطأ <هنري> في قراءة «triage» (فحص سريع/معالجة) وقرأها ك «triangle» (مثلث)، وأخطأ في قراءة «thimble» (كشتبان) إذ قرأها ك «tim-…tim-BO-lee» وقرأ كلمة «pedestrian» (مشاة) كـ «ped-AYE-ee-string». لقد كانت أخطاء <هنري> في القراءة أكثر بكثير من أخطاء المتقدمين في العمر الذين اختبرناهم مؤخرا. وعلى ما يبدو، فإن <هنري> لا يتذكر كيف تلفظ الكلمات المتعددة المقاطع كالتأكيد على بعض المقاطع وأصوات الحروف الخاصة (كما هي الحال عند لفظ حرفي ال e في «pedestrian»؛ فهل يلفظان طويلين أم قصيرين.)

كذلك كانت هنالك صعوبات مماثلة عند <هنري> في الاختبار المعروف باسم اختبار بوسطن للتسمية(8). وفي هذا الاختبار، يُنتَظر من الأشخاص أن يتعرفوا على أشياء مألوفة مرسومة بالقلم. فإذا لم يستطع الشخص تذكر اسم الشيء، فإن الفاحص يساعده بنماذج صوتية – مثلا «إنه يبدأ ب tr» ثم يتبع ذلك بسؤال يهدف إلى التحقق من معرفة الشخص للشيء ويحتوي على الكلمة نفسها، مثلا: «هل تعرف كلمة trellis (تعريشة)؟» ومع أنها أسماء كانت مألوفة لديه عندما كان أصغر سناً إلا أنه لم يعطِ إجابات صحيحة إلا لعدد قليل من الصور مقارنة بآخرين بعمره نفسه، كما أن استفادته من المساعدات الصوتية كانت أقل منهم، وارتكب أخطاء أكثر في إجاباته المتعلقة بلحن الكلام. فعلى سبيل المثال، لقد سمى <هنري> «snail» (حلزون) باسم «sidion»؛ مما يشير إلى تدهور شديد لذاكرة اللحن لهذه الكلمة المألوفة.

وفي اختبارنا المتعلق بالتهجئة، كان المشاركون يستمعون إلى كلمة ذات لفظ قواعدي غير منتظم مثل «bicycle»، ثم يرونها في تهجئة منقوصٌ منها أحد الحروف «biccle». ويطلب إليهم أن يختاروا أحد حرفين «i» أو«y» لملء الفراغ بشكل صحيح. لقد اختار <هنري> الحرف الصحيح في 65 % من الكلمات، بينما حقق بقية المشاركين نسبة 82 %؛ مما يشير إلى تآكل واسع لذاكرة <هنري> للكلمات المألوفة ذات التهجئة الشاذة.

 

إن ذكرياتنا مخزونة في قشر المخ على شكل تبدل في الارتباطات بين العصبونات (في اليسار). ومع تقدمنا في العمر، فإن هذه الارتباطات العصبية، والتي تمثل ذكرياتنا، تضعف، فننسى.

 

ومن ثمّ، وثقنا منحنى التدهور عند <هنري> بين فترة الأربعين والسبعين من عمره. وبمقارنة نتائجنا بنتائج الآخرين، علمنا بأن الذاكرة اللغوية عند <هنري> تدهورت بشكل كبير عبر السنين، ابتداء من أواخر الخمسين من عمره. وعلى سبيل المثال، ففي دراسة عام 1983، التي قام بها اختصاصيو علم النفس <J. گابريلي>، <N. كوهين>، <S .كوركين> وكانوا جميعا يعملون آنذاك في المعهد M.I.T.، ظهر لدى <هنري> وهو في سن 57 عجزٌ ضئيلٌ ولكنه موثوق في معرفة الكلمات القليلة الاستعمال من الكلمات الكاذبة. وفي سن 73 ظهرت لديه صعوبات أكبر بكثير في الاختبار ذاته. وعلى النسق نفسه، لم يكن لدى <هنري> أي صعوبة في تسمية الصور عندما كان في سن 54، ولكن دراسة <كوركين> في عام 1984 أظهرت بأن <هنري> وهو في سن 73 ارتكب أخطاء كبيرة في استبدال الكلمات مثل «compass» (بوصلة) مكان «protractor» (منقلة)، أو المراوغة مثل «ice clippers» (آلة قص الجليد) مكان «tongs» (ملقط)، أو اختراع كلمات جديدة «trake» (لا معنى لها) مكان «trellis» (تعريشة).

وفي اختبار قراءة الكلمات، ضمن في دراسة لِ<كوركين> وطالبها خريج الدراسات العليا <R .B. پوستل> عام 1993، عندما كان عمر <هنري> 67 عاما ظهرت لديه اضطرابات بسيطة. وفي دراساتنا، كانت هذه الاضطرابات للكلمات نفسها أكثر وضوحا. ففي سنّ 71 أخطأ <هنري> في قراءة 67 % من الكلمات مقابل خسارة 9 % لدى مجموعة الشاهد. وبعد سنتين فقط كان عجز <هنري> للكلمات نفسها أكبر مع ظهور أخطاء جديدة كنسيان بعض أجزاء الكلمة – فمثلا: «affirmation» (تأكيد) على أنها «formation» (تشكل).

صيانة الذاكرة(*******)

ومنذ عقود يعرف علماء النفس بأن الارتباطات المِشبكية في القشر الحديث للدماغ تتأذى مع التقدم في السن، وبذلك تصبح ذكرياتنا المخزونة هناك وبشكل تدريجي أضعف ومبعثرة أيضا. والذكريات الأكثر تضررا هي التي لا نذكرها إلا نادرا. فإذا لم نفكر فيها، نراها أو نسمعها من حين إلى آخر، فإن تلك المعلومات تصبح هشة وتزداد هشاشتها كلما تقدمنا في العمر.

لقد ازدادت وبشكل تدريجي صعوبات تذكر معرفة الكلمات التي نادرا ما كان يستعملها <هنري> أو يصادفها؛ ففي الخمسين من عمره وكذلك في الستين والسبعين، كانت درجة التدهور عنده أكبر بكثير مما هي عند أقرانه من السن والخلفية أنفسهما. ومن ثم، فقد استدللنا على أن تشكلات تلفيف الحصين يجب أن تكون معنيّة بصيانة الذكريات القديمة كما في تشكلات أخرى حديثة تماما. وكما هي حال البنّاء الذي يمكنه أن يبني بناء جديدا أو أن يرمم بناء قد تضرر، هكذا يستطيع تلفيف الحصين أن ينقل الذكريات الحديثة لتحل محل الذكريات التي تضررت أو تبعثرت مع مرور الزمن.

إن إعادة البناء هذه يمكنها أن تحدث كلما واجه أحدنا كلمة منسية أو تجربة شخصية خاصة من الماضي البعيد. لذا، فإن مواجهة الذكريات والتعلم يمكنها أن تدعم ذكريات متصدعة وتقلل من معدل ضياعها. وفي حالة <هنري>، فإن هذه الصيانة من قبل تلفيف الحصين غير موجودة. ولم يكن لدى <هنري> أي وسيلة لتجديد الذكريات المتصدعة من خلال التجارب أو التعلم مجددا – الأمر الذي يسرع من تدهور ذاكرته.

ولدعم هذه النظرية، أردنا أن نحدد فيما إذا كان الآخرون الذين يعانون النسيانَ مع أذية تلفيف الحصين، يصابون في النهاية بتراجع مبالغ فيه أو سريع لذكرياتهم للمعلومات القليلة التداول. كما أردنا أن نعرف فيما إذا كان المسنون الأصحاء قادرين على إعادة تشكيل ذكريات جديدة عوضا عن أخرى أصابها التصدع بسبب التقدم في السن، ومن عدم استخدامهم لها وذلك عندما يجدون أنفسهم في مواجهة تلك المعلومات المنسية.

ومن تجربتي الشخصية كمتقدم في السن، أعتقد أننا غالبا ما نستطيع تجديد ذكرياتنا المتصدعة. فعند إعادة قراءة حكايتي عندما قابلت <هنري>، تفحصت تاريخ مقابلتنا عبر مراجعة التقرير غير المنشور والمكتوب مباشرة بعد الاختبار. ومع أنني كنت متأكدا بأنني قابلت <هنري> عام 1967، فقد تبين أن التقرير يشير بوضوح إلى أن الاختبار تَمّ عام 1966، وأن مقابلتنا التي تمت قبل عام من التاريخ الذي تذكرته حقيقة لا يمكنني نسيانها سريعا.

وعلى أي حال، يستحيل التحقق وتصحيح بعض الذكريات العابرة. وبينما أعيد قراءة وصفي ل<هنري> ونحن نصعد السلالم إلى غرفة الاختبار، تذكرت فجأة أن <هنري> أخرج ما يشبه بطاقة دعائية بحجم أكبر من المعتاد وبدأ يخبرني قصصا عن البنادق. ليس بمقدوري أن أتذكر المعالم الأساسية لقصة <هنري> عن البندقية، ولا توجد لديّ طريقة لزيارة ذلك الحادث من عام 1966 كي أجدد ذاكرتي له. وكنتيجة لذلك، فإن تفاصيل حكاية البندقية سوف تنزلق أكثر فأكثر نحو النسيان، وتشبه كثيرا ذكريات <هنري> فيما يخص ذاكرته للكلمات القليلة التداول: أوجه استعمالها ومعانيها وتهجئتها وطريقة النطق بها.

(مجلة العلوم – ديسمبر2014)


المؤلف:

Donald G. Mackay

<ماكي> هو أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس. فقد حصل على درجة الدكتوراه في علم النفس اللغوي وفيزيولوجيا علم النفس من معهد ماساشوستس للتقانة (M.I.T.)، وهو مؤلف كتاب «تنظيم الإدراك والسلوك: نظرية في اللغة والمهارات المعرفية الأخرى(9)» (1987).


مراجع للاستزادة

  • Supra-Normal Age-Linked Retrograde Amnesla: Lessons from an Older Amnesic (H.M.).
    D.G. Mackay and C. Hadley in Hippocampus, Vol.19, No. 5, pages 424-445; May 2009.

  • The Neural Basis for Aging Effects on Language. D.M. Burke and E.R. Graham in
    The Handbook of the Neuropsychology of Language. Edited by Miriam Faust. Blackwell
    publishing, 2012.

  • Compensating for Language Deficits in Amnesia II: H.M.s Spared versus Impaired Encoding
    Categories. D.G. Mackay, L.W. Johnson and C. Hadley in Brain Sciences, Vol. 3, No. 2,
    pages 415-459; March 2013.

  • Errors, Error Detection, Error Correction and Hippocampal-Region Damage: Data and
    Theories. D. G. mackay and L. W. Johnson in Neuropsychologia, Vol. 51, No. 13, pages 2633-
    2650; November 2013.

  • Permanent Present Tense: The Unforgettable Life of the Amnesic Patient, H.M. Suzanne
    Corkin. Basic Books, 2013
    From Our Archives

  • Making Connections. J. Anthony Greene; July/August 2010.

  • Trying to Forget. Ingrid Wickelgren; January/February 2012.


(*)The Engine of Memory

(**)“Who Are You?ˮ

(***)A Type of Fastener Made of Nylon

(****)How to Restore a Memory

(*****)An Aging Amnesic

(******)Memoryʼs Fountain of Youth

(*******)Memory Maintenance


(1) the Massachusetts Institute of Technology

(2) Henry Molaison

(3) the hippocampal region

(4) أو: دلالية

(5) Wernickeʼs area

(6) خشب البلزا = balsa: خشب أمريكي خفيف ومتين يستخدم في صناعة الطائرات والمراكب.

(7) Cognition and Aging

(8) Boston naming test

(9) The Organization of Perception and Action: A Theory for Language and Other Cognitive Skills (1987)

*مجلة العلوم