مجلة حكمة
كاي ريدفيلد جاميسون - ممسوس بالنار: المزاج الإبداعي وثنائي القطب

ممسوس بالنار: المزاج الفني والهوس الاكتئابي – كاي ريدفيلد جاميسون / ترجمة: هديل الدغيشم

كاي ريدفيلد جاميسون
د. كاي ريدفيلد جاميسون

         ”جميعنا، ذوو المواهب، مجانين“ ذلك ما قاله اللورد بايرن عن نفسه وعن رفاقه الشعراء، ويكمل: ”بعضنا مبتهج، والآخر مبتئس، ولكن جميعنا ممسوسون.“ يدور موضوع هذا الكتاب حول كونهم ”ممسوسين بدرجة ما“ وبالتحديد حول الهوس الاكتئابي— مرض يسبب الشعور بالسعادة بتفاوت، والسوداوية، والمزاجات المضطربة— وعلاقته بالمزاج والخيال الفنيين. بالإضافة إلى أنه كتاب يدور حول الفنانين ورحلاتهم، وأمزجتهم واعتبارها مراكب العبور، والاعتقاد الأثري المؤكد بأن هناك ما يسمى ”بالجنون المحض“.

         وأما الجوانب الذهنية والشعورية الواضحة التي تلازم الرحلات الفنية — الطاقة الهائجة، والمزاج العالي، وسرعة البديهة (وهي حاسة للمستبصر/ والعالم الجليل)، والمزاج المضطرب والمحموم— عادة ما تحمل معها جرعة من الأمزجة المتعكرة، والكدر، وأحيانًا نوبات ”جنون“. ويمكن لهذه الأمزجة المتضادة، والتي عادة ما تكون متداخلة،  أن تبدو للعالم غاية في التقلب، أو مفرطة، أو غامضة، أو قلقة، أو مهتاجة. وباختصار، تمثّل تلك المشاعر النظرة السائدة لمزاج الفنّان، وتمثل، كما نرى، أساس مزاج الهوس الاكتئابي. وبذلك عندما يُغمر الفنّان أو الشاعر بتلك الأمزجة المتقطعة المتقلبة، يمكنه أن يصبح قالبًا للخيال والتجربة.

         ويمكن لتلك الأمزجة الهائجة، والفكر المشتت، والمزاج الفني أن تلتحم لتكوّن ”جنونًا محضًا“ ليبقى فكرة مثيرة للجدل. ويرى معظم الناس بأن العقل التدميري، والذي أحيانًا ما يكون ذُهانيًا وغالبًا مرضيًا فتّاكًا- كالهوس الاكتئابي- قد يحمل بعض المزايا (مثل الطاقات الخيالية المضاعفة، وتزايد التفاعل العاطفي، وزيادة الطاقة) المفاجئة. بينما يرى آخرون بأنه اتحاد مقلق ومستصعب يستحضر الأفكار البسيطة ”للعبقري المجنون“  حاملًا معه صورًا تبسيطية بشعة وساذجة، بالإضافة إلى مخاوف من تحويل تباينات الإنسان الفكرية، والأسلوبية، والمزاجية إلى مرض ما، وبالتأكيد وصم أي شخص مبدع، أو مُنجز، أو حيوي، أو مزاجي، أو انفعالي، أو غريب الأطوار بالهوس الاكتئابي يضائل الفكر الفرداني في الفنون، ويهمّش مرضًا خطيرًا وفتّاكًا. بل هناك أسباب أخرى لتلك المخاوف؛ الإفراط في استبصار التحليل النفسي، بالإضافة إلى سوء استعمال السير الذاتية النفسية، حيث أسهم ذلك في جذب سخرية مستحقة. ونظرًا للسمات الاستثنائية في الجينات، وعلم الأعصاب، والصيدلة النفسية تنحى الكثير من العلم النفسي الحديث، و الممارسة الطبية/ الإكلينيكية عن أثار التحليل النفسي، واتجهت نسبيًا إلى المنظور البيولوجي. ويتخوف بعضهم من كون التذبذب بين التحليل النفسي والصيدلة النفسية أكثر وأبكر مما يجب، وهناك يكمن خطر إصرار تمسك مماثل بالأفكار والآراء. وأدى تآكل اللغتين الرومانسية والتعبيرية واستبدالها بالكلمات والعبارات العلمية الموحدة الخاصة بالطب النفسي إلى دفع الكثيرين إلى استبعاد الكم الكثير من الطب النفسي البيولوجي. وهكذا اتباعًا للتعريف، فإن فكرة استخدام معايير التشخيص النفسي في الفنون مستبعدة، ولم يبدي أطباء النفس البيولوجي سوى اهتمامًا ضئيلًا بدراسة الاضطرابات المزاجية للفنانيين، أو الكُتّاب، أو الموسيقاريين، وبالتأكيد كان أولئك الفنانيين أقل حماسًا من أن يُنظر إليهم بمنظار طبي بيولويجي أو تشخيصي. بينما يعتبر جهابذة الفن أفضل مقام لربط العالمين، وبدؤوا النظر في المشكلة. وبما أننا ركزنا مسبقًا على العلاقة بين الإبداع و ”الفُصام“ (عادة ما يشخَّص خطئًا بأنه مرض هوس اكتئابي) أو الأفكار الرائجة عن علم الأمراض النفسية، فقد غادر الباحثون تاركين خلفهم قدرًا هائلًا من أدوار الاضطرابات المزاجية في العمل الفني دونما فحص.

ممسوس بالنار
غلاف الكتاب

         ويتشكل التعقيد فيما بعد، حيث أن أساليب الحياة المشابهة تغطي كمًا من السلوكيات الغريبة والمستهجنة، ولطالما أعطت الفنون حرية التطرف في السلوكيات والمزاج، وفي ذلك الصعيد لاحظ جورج بيكر أن الفنانين الرومانسيين استخدموا مبدأ العبقري المجنون بهدف ”استيعاب الحالات الخاصة، والتحرر من القيود التي ترافقها.“:

       منحتْ هالة ”الهوس“ العباقرة سمة غامضة وفريدة أسهمت في تمييزه عن الرجل العادي، والبرجوازي، والفسطيني القديم، والأهم من ذلك الفنان المحض، حيث اعتبرته وريث الشاعر والمتأمل الإغريقي القديم، أي كمثيله الكلاسيكي، ومكّنه من امتلاك بعض السُلط والميزات الممنوحة لـ ”الممسوس إلهيًا“ و ”المُلهَم“.

         كتب روبرت بورتون في القرن السابع عشر أن ”كل الشعراء مجانين“ وباتت رؤية يشاركه فيها الكثير منذ ذلك الحين—بغض النظر عمّا إذا كانت تستهوي البعض، وعن مدى دقتها— وتساوي علم النفس بالتعبير الفني، فمثلًا تسود رؤية بأنه من العادي أن يرافق الإطار الفني نزرًا من الجنون، وفصّل هذه الفكرة تفصيلًا جيدًا إيان هاميلتون في سيرة روبرت لويل، حيث بيّن فيها ردود فعل زملاء لويل تجاه انتكاساته الجنونية:

       أعلن لويل لكل رفاقه من (سينسناتي) بأنه قرر أن يتزوج ثانية، وأقنعهم بأن يقفوا إلى جانبه باسم المودة، ووجد البعض بأنه كان متحمسًا وثرثارًا أثناء تلك الفترة، ولكن بما أ حديثه كان مبهرًا دائمًا وجذابًا أحيانًا بالنسبة لهم، فمن المؤكد بأنهم لم يجدوا سببًا ليجعلهم يرون بأن لويل كان ”مريضًا“، حيث كان تصرفه كما تمناه بعضهم من شاعر مشهور، ووعدوا بحماية هذه الشعلة الفريدة من أي تطفل يخمدها من نيويورك. وهكذا عندما اقتنعت زوجة لويل، هاردويك، بأنه صار مريضًا بلا شك، وبأن مكالماته إلى نيويورك باتت مشتتة، وطويلة، وجارحة أكثر اضطرت للتعامل مع المعضلة ومع مجموعة من المعارضين من رفاق لويل، حيث أن نظرتها له لم تكن كنظرتهم، حتى عند نقاشهم لنفس الأعراض، ما كانت تراه ”جنونًا“ كانوا يرون بأنه سمة من سمات عبقرية لويل.

      ويرمي هذا الكتاب إلى إنشاء حجة أدبية ومستخلصة من سير ذاتية وعلمية لترابط جذاب- ليس القول بأنه تداخل بين مزاجين، الفني والهوس الاكتئابي، وعلاقتهما بتناغم ودورات أو أمزجة العالم الطبيعي، بل سيكون التركيز على فهم العلاقة بين الأمزجة والخيال، وطبيعة تلك الأمزجة وتنوعها، وتضادها، وسماتهما المتعارضة، واندفاعهما، وتطرفهما (مسببًا لبعض الأشخاص بعض نوبات الجنون)، وأهمية الأمزجة لإثارة الأفكار، وتغيير المفاهيم، وخلق الفوضى، وإرغام الفوضى على الانتظام، وتمكين التحول.

      يبدأ الكتاب بنظرة عامة حول مرض الهوس الاكتئابي؛ ما هو، وعلى من يؤثر، وكيف يظهر. يعتبر كل من الهوس، والاكتئاب، والحالات المتفاوتة بينهما، والانتحار كلها مفصلة من منظورين طبي وآخر فني، من خلال كلمات وتجارب الفنانين، والموسيقيين، والكُتّاب الذين عانوا اضطرابات مزاجية حادّة. وقد تحدثنا في الفصل الثالث عن السيّر الذاتية والأدلة العلمية على العلاقة بين الهوس الاكتئابي والإبداع الفني، حيث أشارت الأبحاث مؤخرًا على وضوح تفاوت نسبة إصابة الكُتّاب والفنانين بالهوس الاكتئابي- مقارنة بعامة الناس- غير أنه لا يعتبر جميع الكُتّاب والفنانين (أو حتى أكثرهم) مصابين باضطرابات مزاجية بارزة. ويبقى هناك بعض الشكوك والاعتراض على فكرة أي ارتباط مماثل، غير أن بعضها تأتّى عن فظائع السير النفسية التي لمّحت لذلك (خصوصًا تلك التي تكون طبيعتها تخمينية أو تأويلية)، ولكن معظمها يبرز نتيجة لقلة الوعي حول طبيعة الهوس الاكتئابي نفسه، ويجهل البعض الاضطراب نفسه، أو التعابير المزاجية له، أو لا يعلمون بأن معظم الناس الذين يعانون من الهوس الاكتئابي لا تتضح عليه أية أعراض غالبًا (أي بأنهم أسوياء نفسيًا). عندما يفكر الناس- حتى أولئك المُلمين بعلم النفس والطب- بالهوس الاكتئابي، فإنهم يميلون إلى تخيل الجناح الخلفي من ملاجئ الجنون والأمراض العقلية المزمنة، ويحكمون مباشرة بأنه لا يمكن لعمل إبداعي ذو معنى أن ينشأ تحت تلك الظروف. ولا يشكل الجنون أو الذُهان إلا نهاية واحدة لسلسلة من أمراض الذُهان الاكتئابي، ولكن في الحقيقة معظم الناس الذين يعانون من المرض لا يصبحون مجانين، وبالمثل فإن العمل الذي يأتي إلهامه أو يُبدع أثناء نوبة ذُهانية قد يكون نُظم بشكل ملحوظ أو مُحرر جزئيًا أثناء نوبة اكتئاب لمبدعه، ويُرتب ويُنهى عندما يكون صاحبه في حالة سوية. إذ أن التفاعل، والتوتر، والتأرجح بين الحالات المزاجية  بالإضافة إلى الإعالة والتهذيب المُستقى من فترات العافية، تُعد جميعها في غاية الأهمية، ولها ذات التوتر والتأرجح المزاج الذي يهب تلك القوة للفن المولود بتلك الطريقة.

      نستعرض في الفصل الرابع الحُجج البيولوجية والنفسية حول العلاقة بين ”الجنون“ والإبداع الفني؛ واستعرضنا أيضًا طبيعة الأمزجة الفنية وأمزجة الهوس الاكتئابي المتغلبة على بعضها، بالإضافة إلى الجوانب السلوكية والفكرية المتشابهة. وناقشنا ببعض التفصيل مدى أهمية بعض التجارب للعملية الفنية، التي تنتج عن بعض الحالات العاطفية الجامحة؛ وناقشنا بتفصيل أقل حاجتها للتهذيب، والتقييد، ولفكرة في غاية المنطقية. وتفحصنا أيضًا الأهمية الإبداعية للغضب والحالات المزاجية والإدراكية المتناقضة لمرض الهوس الاكتئابي أو دوروية المزاج (اضطراب مزاجي أخف قليلًا) واستخدام الفنانين للفن لعلاج أنفسهم. وبكون الهوس الاكتئابي مرضًا دورويًا، فإن إيقاعه وتداوره يماثل تداور العالم الطبيعي، كالموت والحياة، والنور والظلام الملحوظة في الشعر والموسيقى والرسم. وتُعد الدورات الموسمية بحد ذاتها مهمة، وقد نُوقشت في سياق الدليل العلمي لأشكال المزاج والنفسية الموسمية، بالإضافة إلى تحليلها حسب الإنتاجية الفنية الموسمية لروبرت شومان، وفان غوخ، وغيرهم.

      ولأي نقاش حول المزاج والفن فمن الأفضل فحص حياة الشخص بعمق، وأفضل من شرح تعقيد التمازج  بين الوراثة، ورغبة الفرد، والظروف، والمزاج الشعري لجورج غوردون أكثر من اللورد بايرن. فتوارث الجنون، وغرقه في الحزن، وخوفه الدائم من الجنون، بذلك يصبح بايرن على شفا حفرة من الجنون المحض والمرض النفسي، فصراعه الرهيب مع الحزن و”أمزجته المتوحشة”- بغض النظر عن كون أعماله مدينة لها- جرّت معها مشاكل صحية، واجتماعية، وأخلاقية، ونُوقشت في الفصول الأخيرة. إن الهوس الاكتئابي مرض جيني، وتعد تلك حقيقة مهمة ليس لفهم أصوله فحسب، بل أيضًا للمشاكل الصحية والأخلاقية المطروحة لاحقًا في  هذا الكتاب. ونرى في الفصل السادس الحجج العلمية للأساس الجيني للهوس الاكتئابي، واضعين في عين الاعتبار تاريخ العائلة النفسي أو النسب لعدة عوائل فنانة وأديبة مثل: بايرن، وتنيسون، وميليفل، ووليام وهنري جيمس، وشومان، وكولريدج، وفان غوخ، وهيمنغواي، ووولف).

      ويتضح بأن للترابط بين المزاج الفني ومرض الهوس الاكتئابي عدة نتائج بالنسبة للفنانين، والعلاج، والمجتمع. وأثار كل من الصيدلة النفسية والبحوث الجينية احتمالات لا تُحصى، محررة ومغيرة، ولكن تظل المياه الأخلاقية مجهولة بشكل مربك. وليس هناك مرض نفسي كالهوس الاكتئابي من حيث تأثره الكبير بتقدم البحث العلمي العملي والأساسي لعلم الأعصاب. وأدت فاعلية العديد من الأدوية إلى توفير خيارات حديثة ومُنقذة لحياة المرضى. ويتضح بأن الليثيوم، ومضادات الاكتئاب، ومضادات الاختلاج تعتبر الآن المعيار الأساسي لرعاية مرضى الهوس الاكتئابي (ودائمًا ما يُعد العلاج النفسي أو التحليل النفسي وحده، دون علاج دوائي، خطأ مهنيًا) وتقدم تساؤلات مثيرة للاهتمام حول علاج الكُتّاب والفنّانين، حيث يرفض بعض الفنّانين فكرة أخذ أدوية تتحكم بتقلبات أمزجتهم وسلوكياتهم تمامًا، ولكن من المثير للاهتمام أن هناك دليل على أن بعض الفنّانين والكُتّاب يبحثون عن الرعاية النفسية بتفاوت واضح، بمن في ذلك بايرن، وشومان، وتينيسون، وفان غوخ، وفتزغيرالد، ولويل، حيث سعوا عدة مرات لتلقي المساعدة من أطبائهم. ومن جهة أخرى، توقف بعض الكُتّاب والفنّانين عن تناول أدويتهم لأنها تسببت بإفقادهم المزاج الفني المصاحب للمرض، أو لأنهم يشعرون بأن الأعراض الجانبية للأدوية تتداخل مع وضوح أفكارهم وانسيابيتها، أو تُضائل مستوى الحماس واندفاعية المشاعر والنشاط.

      وعلى الرغم من أن مرض الهوس الاكتئابي اعتُبر منذ القدم في أصله مرضًا جينيًا، ولوحظ لأكثر من ألف سنة بأنه يميل لأنْ يشيع بين بعض العائلات أكثر من سواها، إلا أن التطور المتسارع لعلم الأحياء الجزيئي قدّم التقنيات المناسبة لتفعيل الأبحاث بالغة التعقيد حول تلك الجينات المعنية، وبالمثل فإن هناك تزايد هائل في نسبة الدراسات المتعلقة بتكوين الدماغ ووظائفه، مما أدى إلى الوصول إلى مستوى من المعرفة البيولوجية عن مرض الهوس الاكتئابي، ذلك المرض الأكثر تعبيرًا من ناحية إنسانية، والأكثر تعقيدًا من ناحية نفسيّة، وأكثر الأمراض مزاجية، ذلك المرض الذي لا مثيل له في الطب النفسي. أما المسائل الأخلاقية التي تبرز من علم كهذا ومن احتمالية كون مرض فتّاك كهذا يمكن أن يمنح المرء والمجتمع بعض الفائدة، فهي مسائل متفاوتة. فهل سيرغب المرء بالتخلص من هذا المرض إن استطاع؟ جُرب في جزء كبير من الولايات المتحدة التطهير من المرضى الذين يعانون من أمراض ذهانية متوارثة، وينطبق ذلك مباشرة على مرض الهوس الاكتئابي، وقُتل قتلًا منظمًا عدد كبير منهم في معسكرات الاعتقال الألمانية، وحتى الآن فإن هناك مقاطعات عديدة من الصين تُجبر على التطهير وتمارس سياسات لإجهاض الأطفال الذين يعانون من أمراض عقلية متوارثة. ماذا سيكون دور بَزل السَّلى، وتشخيصات الوالدين الأخرى، والإجهاض عندما يجد الأطباء جينات الهوس الاكتئابي؟ وكيف سيكون احتواء المجتمع لمعالجي الجينات المستقبليين وإمكانية منع مرض الهوس الاكتئابي؟ وهل يجب أن ينتج عن العلاج النفسي فنانين أسعد ولكنهم أرق وذوي خيال أقل؟ وماذا يعني لكُتّاب السير الذاتية والنُقّاد أن يكون مرض الهوس الاكتئابي ومزاجاته شائعًا لدى المؤلفين والفنّانين الذين يمحصوهم. نوقشت هذه المسائل ومسائل أخرى في الفصل الأخير.

     وأخيرًا يعد هذا الكتاب عن مزاجات الرحّالة؛ حيث أنه حول الخط الرفيع بين قَدَر إكاروس[1]– الذي احترق من النار ولم يُمس بها فحسب- وأقدار أولئك الفنانين الذين بقوا على قيد الحياة رغم المصاعب ”بدون فقدان الذات في دنيا من الفوضى والليال العتيقة“ يشبه الأمر ”الزورق الليلي“ كما وصف سيموس هيني الشاعر روبرت لويل؛ والساحر ومنظم الأمزجة أثناء ”ما هو غير قانوني وخطر“. إنه عن تلك الجولات.


[1] آلهة إغريقية