مجلة حكمة

مفهوم الطب النفسي – ناصر قائمي / ترجمة: يوسف الصمعان

 

41lxtJXZwhL._SX327_BO1,204,203,200_
غلاف الكتاب


مقدّمة للطبعة الورقية:

   امتدّت صيرورة المناقشات والمعضلات المدروسة في هذا الكتاب على مدى قرن من الزمان. وأنا على يقين أن المشكلات المطروحة حقيقيةً اليوم، وستظلُّ كذلك لسنوات لتتجلى، غير أنه، ولسوء الحظ، سيطول بنا الدجى وتطول الوضعية الانتقائية بالطب النفسي يشوبه الارتياب والضبابية، وغير واثق فيما يرمي إليه، وغير قادر على تفسير آرائه الأساسية بوضوح للدخلاء على الميدان ومُورّط في صراع حاد من داخله ومع الرأي العام النزّاع إلى الشكّ. ومن ثمّة فالأشخاص ذوي الأمراض النفسية عليهم أن يبحروا في عالم حيث تتصارع فيه أراء هؤلاء الذين دُرّبُوا لمُعالجتهم، يقابل هذه الآراء المتصارعةً قدرة ضئيلة لبيان الصّواب. فاللبس والاضطراب والتشوّش والفوضى تمثّلُ القاعدة في الوقت الحاضر.

 

ii
تظاهر الممرضات انظر هامش {i}

   وفي الوقت نفسه لقد تعلّمنا الكثير حول مبحث بيولوجيا الأعصاب، وطوّرنا أدوية جديدة وتابعنا العمل على التقدّم في طرق البحث العلمية. ومع ذلك، يكون هذا كلّه عديم الفائدة إن لم تكن لدينا فكرة عمّا سنفعله بكلّ هذه المعرفة. كما صرّح به فرنك آيد [i] المؤسّس البارز لعلم الأدوية النفسية (2005) قد يقودنا المستقبل إلى اكتشاف العديد من الأدوية أو العلاجات الجديدة، ولكنّ مثل هذه الاكتشافات لن تترجم إلى تقدّم عملي ما لم نفهم بكيفيّة أفضل، متى وكيف نستعمل مختلف علاجاتنا. هذا يكون كما لو أمدّونا بـ “لمبرغيني” هديّةً دون أن نملك رخصة سياقة.

   قال وليام جيمس مرّة [ii]: إنّ الأفكار الجديدة تصبح رائجة إذا استجابت لحاجة البشر. ففي بعض الأحيان يشعر الناس بأنّهم يحتاجون إلى أجوبة بسيطة عن مشكلات معقّدة. كما أنّ المشكلة هي أن تكون الأجوبة البسيطة خاطئة في الغالب ولا تنتهي إلى شيء سوى مبادئ تُتّبعُ اتّباعًا أعمى. ففي الممارسة الطّبيّة قد تُسبّب مثل هذه الأخطاء الدوغمائية خطرًا حقيقيًّا لأناس حقيقيين. وعليه فهذا الكتاب لا يُقدّمُ أجوبة بسيطة، ففي حقيقة الأمر يرمي إلى تبيان كيف أنّ أجوبتنا البسيطة خاطئة، بالإضافة إلى الموقف البيو- سايكو–سوشيال أو البيولوجي- النفسي -الاجتماعي   وهو النهج القائل بأنّ كلّ النظريّات صحيحة بالأساس. هذا وتعد المقاربة الانتقائية مجال الطب النفسي المرتكز على الجانب الدرامي في وصف وضعيّات عموم النّاس، أو بتعبير آخر ” بالوعة مطبخ “، فنرتمي في أحضان جميع أنواع الطرق آملين أن يُوجد شيء ما ينبضُ. ههنا ستجد البديل حيث النموذج المتعدّد الأوجه للعقل والمرض العقلي جامع، ولكنه انتقائي يبيّن بطريقة منظّمة متى تستعمل أي المناهج عند إقصاء المناهج الأخرى في فهم المرض العقلي ومعالجته.

   أرجو أن تجعل هذه الطبعة الورقية الجديدة الكتاب منفتحًا لهؤلاء الذين قد يكونون مهتمّين أكثر بمثل هذه الأفكار والطريقة، وأن يُولّد الكتاب نقدًا نحتاجه، وهو يطمح أن يحث على المزيد من الأعمال النّقديّة وليكون علامة بارزة لنقد يفضي لمستقبل أفضل. وعليه من الممكن أننا قد نلتقي بتلك الحاجيات الإنسانيّة الأخرى المرغوبة والضرورية وإن كانت محيرة غامضة في آن واحد.  ثم لنعلم فنتحرر.

 

 

 


هوامش المترجم

[i]  فرنك ايد 1920-2008 طبيب نفسي أمريكي عرف بأنه صاحب أول دراسة عن مضاد الذهان chloropromazine  .. واعترفت بها منظمة الدواء والغذاء الامريكية 1954 , نتج عن علاج مرضى الذهان خروج مئات الألوف من المصحات ومظاهرات حاشدة من الممرضات اللائي سرحن من وظائفهن، أصبح معجمه لمصطلحات النفسية يتمثل في بقية التخصصات.

[ii]   1842-1910 طبيب وفيلسوف وسايكولجيست أمريكي، يوصف بأنه أبو علم النفس الأمريكي، كما أنه مع تشارلز بيرس وجون ديوي يصنفون بمؤسسي البرغماتية الأميركية، أنظر لويس ميناناد في النادي الميتافيزيقي The Metaphysical Club