مجلة حكمة
مقدمة: الأسس الثقافية للتحليل النفسي السياسي - بول روزان / ترجمة: سارة اللحيدان، ويوسف الصمعان مقدمة: الأسس الثقافية للتحليل النفسي السياسي - بول روزان / ترجمة: سارة اللحيدان، ويوسف الصمعان

الأسس الثقافية للتحليل النفسي السياسي – بول روزان / ترجمة: سارة اللحيدان، ويوسف الصمعان

يمكنك شراء نسخة كندل من كتاب (الأسس الثقافية للتحليل النفسي السياسي) عبر هذا الرابط


  • مقدمة ترجمة كتاب (الأسس الثقافية للتحليل النفسي السياسي)

أضيف إلى المكتبة العربية في السنوات الأخيرة عدد من الكتب المهتمّة بشكل مباشر، أو غير مباشر، بمحاولة فهم سيكولوجية النفس البشرية، بصفتها المدخل الرئيس لفهم العمل السياسي. هذا الطرح سبق ولادة مدرسة التحليل النفسـي. إذ، يمكن الزعم أن الكثير من مفاهيم حركة التحليل النفسي كانت مشاربها الرئيسة من الحراك الفلسفي والثقافي الأوروبي منذ عصر الأنوار، وحتى ما بعد الحداثة التي ساهمت حركة التحليل النفسي في تدشينها ولتصبح أفكار التحليل النفسي مكونًا رئيسًا لأفكار مدرسة ما بعد الحداثة. قد تجوز المجازفة في الزعم أن فرويد وجوزيف بروير، وإن كانا طبيبين، هما أكثر قربًا إلى الحالة الفكرية منهما إلى كلاسيكيات الأكاديميا الطبية في ذلك العصر.

بل يمكن الزعم أن نيتشه وديستوفسيكي أكثر حضورًا من بروكا وفيرنكس[1]. مثّل بروكا ثورة في علم الدماغ باكتشافه أن عطبًا في عضية دماغية جبهية يسرى يؤدّي إلى العجز في وظيفة حركية محدّدة «النطق»، في المقابل اكتشف فيرنكس – يكبر فرويد بثمانية أعوام فقط – أن عطب الخلف الصدغي للدماغ يتسبّب في العجز الحسّي عن فهم «القاموس المنطوق». أوردت المثالين الأخيرين كونهما دشّنا مناطق محدّدة لوظائف معيّنة، ليست بالضرورة مضادّة للفهم التكاملي للدماغ. ما كان بروكا ذا فهم إختزالي «reductionist»، فقد حاول أن يستخدم التنويم المغناطيسي عوضًا عن التخدير في عملياته الجراحية، مثل هذه المحاولة تعكس فهمًا مبكرًا بضرورة مقاربة كلية لفهم الدماغ وبقية الجسد وتداخليهما[2].

أريد من المقاربة السابقة تبيان منابع أفكار التحليل النفسي، قد يُقال إن المنهج الطبي – مركزية المريض – استمرّ مع مدرسة التحليل النفسي وهذا صحيح، غير أن المفاهيم التي بدأت مع العلاج التحليلي، وتحديدًا في بواكيره، لم تكن مجرد إصغاء محايد للمريض أو العميل يستمر سنينًا حتى يمكن بناء فهم سيكولوجية الإنسان المريض والسوي، بل إن رواد التحليل النفسي الأوائل كانوا متضلعين بالمفاهيم ذات المشارب الفلسفية والأدبية عن النفس الإنسانية، إلى جانب حماس وجرأة تبشيريين لاختبار تلك المفاهيم على مجال تجريبي أفراده من بني الإنس، ولعل هذا كان سببًا لبعض النتائج الكارثية في بواكير التحليل النفسي[3].

من هنا كان تركيز هذا الكتاب على السياق الثقافي والسياسي لحركة التحليل النفسي، وذلك من خلال تتبّع أثر فرويد في المجال الثقافي الغربي، بدءًا بفيينا، ثم مهجره في لندن، حيث توفى، إلى جانب بقية أوروبا الغربية. ويستأنف المؤلف التفاعلات الثقافية والاجتماعية في القارة التي ستصبح المهجر والموطن الرئيس لأفكار فرويد حتى قبل وفاته، ثم مهجرًا للكثير من أتباعه، و«روما» التحليل النفسي، أعني القارة الأميركية[4].

هذا الكتاب هو من آخر ما ألّفه بول روزان عن تاريخ وأفكار «حركة التحليل النفسي»، ولا شك أنه تقصّد البدء بتبيان أن فرويد كان منظّرًا وناشطًا لنشر أفكاره من خلال تأسيس الاتحاد الدولي للتحليل النفسي. اختار المؤلف بدهاء نموذج علاقة فروم بحركة التحليل النفسي التي انتهت بطرده، ليشرح تنظيم وسياسة الاتحاد الذي أسّسه فرويد. وتنقّل في هذا الفصل شارحًا سياسة هذا الاتحاد وديناميكيته التي تحكم المنتمين إليه بين القارة المنشأ وقارة المهجر، مستعينًا بما يقرب من نصف المئة من المراجع لهذا الفصل وحده.

.

  • جماعة بلومزبري

في فصل آخر كتب المؤلف عن زيارة فرجينيا وولف وزوجها الناشر ليونارد لفرويد، وتقصد زيارتهما وبعضًا من أعضاء «جماعة بلومزبري»، ذاك لأن فرويد التقاهم بعد لجوئه إلى لندن. وقد تبعت ذلك إسهامات الجماعة، وتحديدًا ليونارد وولف في ترتيب نشر كتب فرويد. ويعرفنا المؤلف على حجم انتشارها في تلك الحقبة، ودور أحد أعضائها «جيمس ستراتشي» الذي كان قد سبق أن قصد فرويد في فيينا وخضع للتحليل النفسي في حلقة فيينا، ثم كان له أن ترجم أعماله فرويد إلى الإنكليزية بمباركة المؤلف. لكن المساحة الأكبر تبقى لديناميكية جماعة بلومزبري، ودراسة تجمع الاستقراء والتحليل لشخصية فرجينيا وولف.

.

  • التحليل النفسي وفلاسفة أوروبا

وفي فصول أخرى يحلّل روزان استقبال فلاسفة أوروبا لأفكار التحليل النفسي، ومن بين من درس المؤلف مواقفهم مارتن بوبر وفيتغنشتاين، ويتوقف بشيء من التفصيل عند معاناة ألتوسير. وفي فصل آخر يوضح الصلة بين السياسة وعلم النفس في عمل المنظرين السياسيين أمثال ميكافيللي، روسو، بيرك، توكوفيل، برلين، ويفرد لحنّة آرندت فصلًا مستقلًا، محاولًا إقناع القارئ أن إصرارها على رفض التحليل النفسي قد لا يكون خليًّا من الادعاء[5].

في الفصل السابع يدرس المؤلف كيف استطاعت المخابرات المركزية الأميركية تأسيس ذراع ثقافية مركزها لندن لتجيش العديد من رموز الثقافة في القرن العشرين من دون علم أكثرهم في دورية إنكاونتر القديمة.

ويستعرض الكتاب تداخل مدرسة التحليل النفسي في بعض قضايا القارة الجديدة، حرب فيتنام، الثقافة الأميركية وجدالاتها، النزعة الجديدة في التربية بتأثير طبيب الأطفال والمحلل النفسي د سبوك[6]، التغييرات الاجتماعية، مرورًا بالثورة الجنسية. ويُفرد المؤلف أحد الفصول لدراسة دور أفكار التحليل النفسي في دعم الحركة النسوية، ثم دور الحركة النسوية في إضافة شروحات وأفكار إلى حقل التحليل النفسي[7].

  • سبب ترجمة الكتاب

لم يكن اختيار هذا الكتاب مصادفة، إذ إن المؤلف بول روزان (1936 – 2005) خير من يصل بالقارئ إلى فهم الدور الذي لعبه التحليل النفسي في الحقل السياسي، فقد درس بين هارفارد وأكسفورد وكانت أطروحته عن «فرويد: فكره السياسي والاجتماعي». وتخصّص بقية حياته في تأريخ حركة التحليل النفسي. كان مقربًا من آنا فرويد، وأذنت له بالاطلاع على الأرشيف البريطاني للتحليل النفسي (أرشيف فرويد). وقد ألّف أكثر من عشرين كتابًا معظمها عن فرويد وتلاميذه وتاريخ حركة التحليل النفسي. في حقل تجاذبي مثل الطب النفسي وعلم النفس حيث التوتر بين المدارس هو القاعدة، استطاع بول روزان أن يُثبت حياده ويستمر مقبولًا عند كل المدارس.

ظل هذا القبول حتى بعد كتابه الشهير عن انتحار فيكتور توسك[8]. وقد قدّم رئيس الاتحاد الدولي للتحليل النفسي الدكتور هوراكيو إتشيجوين لكتاب روزان «كيف يعمل فرويد»[9]، وذكر أنه كان أكثر توفيقًا من جونز – تلميذ فرويد والكاتب الرسمي لسيرته، بل إن الكثير من أعمال روزان حظيت بدعم فيدرالي من «المعهد الوطني للصحة النفسة NIMH».

ولأن هذا الكتاب يبتغي تناول المشارب الثقافية التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في مسيرة التحليل النفسي السياسي، ولموسوعية المؤلف، ولكونه من آخر ما ألّف، سيتفاجأ القارئ بسفر يحكي الحياة الثقافية لما يقرب من سبعة عقود من القرن الماضي، فللمؤلف قدرة استثنائية في قراءة تاريخ الأفكار والشخوص بإيجاز يظل مفهومًا، ليس من قبيل المبالغة أنه في بعض الفصول، وإن تمحور حول الشخصية المركزية للفصل، قد يتناول ما يفوق العشرين شخصية في الفصل الواحد، لينقل للقارئ صورة حية وبليغة عمّا يريد إيصاله.

ثقتنا عالية بأن القارئ سيجد هذا الكتاب فريدًا في سرديّته وكثافة المعلومات بين دفتيه، واستثنائيًا في تقصّيه أحداثًا وتفاصيل لم تكن لتوجد لولا جهود المؤرخين في هذا العلم «علم النفس»، أو غيره من العلوم الأخرى.

 المترجمان

الأسس الثقافية للتحليل النفسي السياسي


  • الهوامش (الأسس الثقافية للتحليل النفسي السياسي):

[1]  بول بروكا (1824 – 1880) جراح فرنسي وعالم تشريح وأنثروبولوجيا، كان من الفريق الطبي لنابليون بونابرت. يمثل اكتشافه لحبسة النطق منعطفًا في علم الأعصاب، يصغر دوستوفسكي بعامين إذ عاش دوستويفسكي بين (1921 – 1981).

أما كارل فيرنيكس (1848 – 1905) فقد كان طبيبًا نفسيًا، وعالم تشريح ألماني، ولد قبل فرويد بثمانية أعوام، وهو تقريبًا مجايل لنيتشه (1844 – 1900). أردت بهذا الهامش إيضاح التقارب الزمني لهذه الشخصيات والشخصية المركزية في هذا الكتاب سيجموند فرويد (1846 – 1939)، وتوضيح ارتباطه بالمشارب الفلسفية والأدبية أكثر من الطبية الكلاسيكية.

هذا لا يغفل أن فرويد أثناء دراسة الطب كان مندفعًا لعلم الأعصاب وكتب بحثا بل وبدأ تدريبه في طب الأعصاب لكنه لم يكمل بسبب العنصرية النازية، ويذكر أحيانًا أن زواجه المبكر ساهم بقطع تدربه وفتح عيادته الخاصة.

عن تأثر فرويد بفكر نيتشة أنظر الفصل2، وعن تأثير فرويد على الفكر ما بعد الحداثي وتحديدًا فوكو أنظر الفصل3 من هذا الكتاب.

Judith Butler, «The Psychic of Power :Theory in Subjection». Page 63 – 105 Stanford University             Press, 1997

[2]       تزامن نشوء مدرسة التحليل النفسي مع ما يمكن تسميته بـ «الاستمرارية الكربلينية» نسبة إلى إيميل كربلين (1956 – 1926)، وهي استمرار للتقليد الطبي الكلاسيكي. وامتداد للطبيب وعالم النفس ويهليم وندت (1832 – 1902)، ترأس كربلين مستشفى هايدلبرغ للأمراض النفسية، وكان من فريقه فرانز نسيل (1860 – 1919) الطبيب النفسي الذي اختص بالفحص المجهري لأنسجة وخلايا الدماغ، وطور الأصباغ التي لا زلت تحمل أسمه، أقنع زميله الطبيب النفسي أليوز الزهيمر (1864 – 1915) بالانضمام إليهم مكتشف المرض الذي يحمل أسمه، وعمل معهم  برودمان (1968 – 1918) الذي قسم القشرة الدماغية إلى باحات برودمان المعتمدة إلى اليوم. وارتحل الفريق إلى مستشفى وجامعة ميونخ عام 1902م.

هوامش

[3]         يصعب تعداد الحالات، أبرزها إيما اكيستين. للمزيد: انظر Unauthorized Freud: Doubters Confront a Legend, Edited F Cow, Viking Adult, 1998. والذي ناقش مجموعة من المؤلفين بلغة تقريعية، لم تفد رسالة الكتاب الاعتراضات الموضوعية للحالات الأولى لفرويد.

[4]         يلمز خصوم المدرسة التحليلية فرويد لأنه استُخدم أميركيًا كرمز في صراعاتها، وكان فريدريك كرو قد كتب هذا في سلسة مقالات في النيويورك تايمز باليوبيل الفضي لوفاته، جمع بعضها في كتاب «حرب الذاكرة The War of Memory». يستخدم دور ابن أخت فرويد «إدوارد بيرنيز» مع إدارة ويلسون في بروباغاندا «الديمقراطية لكل أوروبا» لمعاضدة هذا الرأي، خصوصًا أن أفكار بيرنيز تستند إلى ثلاثية سيكولوجية الجماهير- لوبون/التحليل النفسي – فرويد/غريزة القطيع – ولفرد تروتر.

قد لا يكون هذا الكلام دقيقًا، إذ إن التبشير بفرويد كان نخبويًا في الجامعات والمراكز وجهود تلاميذه بين ضفتي  الأطلسي، وحماس الأميركيين الميسورين ممن قصدوه في فيينا للتحليل النفسي. في زيارته اليتيمة لأميركا عام 1909م لم تذكر النيويورك تايمز شيئًا عنها غير خبر مغادرته! كما أن الرأي

[5]         السلبي حتى الهجاء الذي كتبه فرويد عن الرئيس ويلسون في كتاب «Woodrow Wilson – Psychological Study» لا يدعم هذه المقولة. بعضهم يرى أن فرويد استُخدم أميركيًا كرمز ضد النازية في الحرب العالمية الثانية، وهذا يصعب قبوله كون فرويد انتشر في القارة الأميركية قبل تشكّل رأي سياسي في أميركا تجاه نازية هتلر.

           قارن للمزيد عن آرندت والتحليل النفسي Julia Kristeve, Hannah Arendt

           :Life is a Narrative, UOT Press, 2001.

[6]         بنجامين سبوك (1903 – 1998م): طبيب أطفال ومحلل نفسي. غيّر التقاليد الأميركية التربوية للأطفال من خلال كتبه باتجاه تسامحي. ترجم بعض كتبه إلى العربية.

[7]         يمكن القول إن معظم فيلسوفات النسوية ضليعات بالتحليل النفسي، وهو إحدى أدواتهن التنظيرية. على سبيل المثال: جودث بتلر، مارثا نوسباوم، ليندا الكوف، جوليا كريستيف.

[8]         Paul Roazen, Brother Animel The Story of Freud and Tusk: Knopf 1969.

[9]         How Freud Work: First-Hand Accounts of Pateints, Paul Roazen, Jason Arroson INC 1995.