مجلة حكمة
النسقوية عند هيجل فينومينولوجيا الروح

مغناة هيجل: فيلسوف مسكون بروح هندية – ترجمة: موسى غزواني

مغناة هيجل: مما قد لا يعرف عن الفيلسوف الألماني هيجل المعلم الأكبر لـ كارل ماركس أنه دون عن الجيتا شيئاً مفصلاً في مقالة طويلة بعنوان: On the Episode of the Mahabharata Known by the Name Bhagavad-Gita by Wilhelm von Humboldt نقد فيها تاريخ الأدب والثقافة الهندية بمافي ذلك الأسس الفلسفية لتعاليم الجيتا.

في الفصل من الملحمة الهندية الشهيرة مهابهاراتا يوم صدع كريشنا بالبهاجافاد جيتا لم تزل عالمياً معتبرة أساس في الدين  وفي نشأة الكون واللاهوت والأساطير والفلسفة في الهند. يقال أن نص البهاجافاد جيتا كُتب ما بين 200 إلى 300 سنة قبل الميلاد لعموم البراهمان (الرهبان) و الكشاتريا (النخبة الحاكمة والعسكرية) وذلك من أجل النهوض بالبرهمية ضد سطوة الفلسفة البوذية.

أما هيجل فقد ولج إلى هذا النص بأسلوب شائع في الوقت الحاضر: وذلك بحسب المبدأ الشهير الذي يقول: أن الحرص يجب أن يُترك، الفعل أبداً لنفسه والثمار تأتي بعد. ثم أخذ هيجل يحلل معنى عدم الإكتراث للعواقب وما يمكن أن يؤول إليه الأمر بالنسبة للأخلاق. أيضاً بحث فيما إذا كانت وحدة الوجود لها اعتبارها بالنسبة لرؤية الجيتا للعالم ولأي حد وإذا كانت كذلك فما القيمة الفكرية التي يمكن أن تضيفها الملحمة؟

وقد يلاحظ القارئ أن هيجل عانى في سبيل أن يجد موطئ قدم يعرض منه الفروقات الجذرية بين الأفكار والصور في القصيدة الهندية وتأملاته الفلسفية التي تنقد وترفض في الأصل توجهات الرومانسية الألمانية في تلك الحقبة.

إضافة لذلك ساد النص كمية من الغرور والجهل على سبيل المثال كثرة اعتراضه على “التكرار الممل” في الشعر الهندي جهلاً منه بأن تلك طريقة شائعة تساعد في حفظ الملحمات الشفهية كما هو الحال في الشعر الهوميروسي.

وهاجم هيجل معاصريه تحديداً الرومانسيين الألمان عن طريق التركيز على مواطن الضعف في الشعر الهندي على سبيل المثال، أشار هيجل إلى مقدمة وارين هاستينغز حاكم الهند على ترجمة ‘ويلكينز’ للجيتا التي تنصح القارئ الأوربي أن يستعد قبل قراءة المغناة لأمور بالغة في الغرابة والسخف إضافة لتقاليد بربرية وانحلال أخلاقي. أليس مثل هذا التحذير يصلح أيضاً لتقديم الإلياذة والأوديسة؟ كل ما في الأمر أن  التحيز الثقافي كان سائداً حينها.

بعد ذلك أشار هيجل أن مقدمة ‘هاستينغز’ وإن كانت مجحفة فهي نظيرة لمواقف ‘شيلجل’ و ‘هومبلدوت’ اللذان بالغا في تبجيل الجيتا ومافيها من حكمة . وفي الحقيقة أن نظرة ‘ويكيلينكز ‘ للجيتا أكثر إنصافاً من  ‘هاستينجز’ لأن الأخير إنما ترجم النص للإنجليزية ليجمل الحكم البريطاني في عيون الشعب الهندي إزاء ما في الجيتا عن تاريخ الحكام الاستبداديين.

 بخلاف ‘ويكيلينكز’ الذي كان يعتقد أن أهمية الجيتا تكمن في تعاطيها مع عقيدة “التوحيد” بحيث أنها تنسخ مافي الفيدا من “الطقوس الوثنية وعبادة الصور” بدون أن تتصادم معها بشكل مباشر حتماً مثل هذي النقاشات شدت فضول هيجل واثارت ميوله الفلسفية حتى في ظل كبريائه البين من تأييدة لتعليقات ‘هاستينغز’ ضد الجيتا وضد مذهب الرومانسيين الألمان.

أيضاً مما جعل من غرور هيجل شيء مضحك هو التأكيد على الفروقات الثقافية بين من يسميهم الهنود و”نحن الأوروبيين”. على سبيل المثال طريقة تناول هيجل للمشهد من القصيدة – حين يقفان كل من ‘أرجونا’ و’كريشنا’ في أرض المعركة، الأمير ‘أرجونا’ على وشك خوض حرب مع أقربائه وطائفته. تلك اللحظة يشوب التردد ذهن ‘أرجونا’ ثم يخوض مع ‘كريشنا’ في حوار طويل حول المغزى من وجود الحرب ويتفرع الحوار ويطال مسائل ذات طابع ميتافيزيقي علق هيجل على المشهد السابق قائلاً:

"هذا ينافي كل مفاهيمنا نحن الأوربيين عن الحرب.. وينافي دوافعنا من تأليف الشعر أيضاً". 

بالسخرية من “حيرة وتردد” ‘أرجونا’، ينسى هيجل أحد أشهر المشاهد في تقاليده -ملحمة هوميروس- على سبيل المثال عندما وقف ‘أخيل’ على بعد مسافة ينظر لضحايا حرب طروادة بينما يلعق جروحه. اوالصراع الموجود في شخصيات شكسبير أثناء الحوارات الداخلية او كتلك الحوارات قبل حدوث المعارك كالموجودة في Henriad وعندما يجتمع ذكر كل من شكسبير و’جدال’ هيجل بخصوص “الأخر المختلف كلياً” وهو نظرة الهندي للعالم – من زاوية ألمانية دقيقة- (تخصه هيجل فقط) يعرب ‘الفكر’ قائلاً: لعل هيجل “في رأيي يكثر الاعتراض”.

[في الجملة الأخيرة الكاتب يقصد التهكم من اعتراضات هيجل  بأسلوب الإنجليزية الكلاسيكية ]

هل يمكن أن يوجد بين فكر هيجل والجيتا  أعمق من هكذا تشابه؟

إذا صح القول فإن هيجل نقد فكراً ليس في النص أصلاً ونقد نصاً لم يرى أنه يحوي فكرا!ً


مقتطفات من كتاب (Hegel’s India: A Reinterpretation with texts – Akash Singh Rathore and Rimina Mohapatra)