مجلة حكمة
لا شعار

لا شعار: إعلان الحرب على الماركات التجارية – نعومي كلاين / ترجمة: فاطمة الزهراء علي

New York, New York. 11/10/08. Culture. Naomi Klein, author of new book Shock Doctrine. Slug: Klein Id. # 30047443A. Photograph by SUZANNE DeCHILLO/ THE NEW YORK TIMES. New York, New York. 8/10/07. Culture. Naomi Klein, author of Shock Doctrine. Slug: Klein Id. # 30047443A Photograph by SUZANNE DeChillo/THE NEW YORK TIMES.
نعومي كلاين

نعومي كلاين صحفية سياسية يسارية وُلدت عام 1970 في مونتريال لأبوين يهوديين كانا من نشطاء حركة “الهيبز” وهاجرا من الولايات المتحدة إلى كندا هربا من التجنيد لحرب فيتنام، والدها طبيب ووالدتها منتجة أفلام تركز على القضايا النسوية، درست نعومي الصحافة في جامعة تورنتو لكنها لم تتمكن من التخرج بسبب مرض والدتها، اشتهرت نعومي بنقدها الحاد لسياسات الولايات المتحدة الخارجية، عملت مراسلة لصحيفة الغارديان وكذلك ذا غلوب آند ميلThe Globe and Mail  بالإضافة إلى كتابتها لمقالات في موقع ذا نيشين The Nationوإنتاجها لعدد من الأفلام الوثائقية، معظم الكتب التي ألفتها نعومي كلاين؛ خصوصا كتاب (عقيدة الصدمة) الذي يتحدث عن تأثيرات النيولبيرالية على اقتصاديات الدول النامية وكتاب (هذا يغير كل شيء) الذي يتحدث عن مقاومة الشركات لمقاييس تغير المناخ؛ هي أطروحات تقوم بمساءلة أسس ما يُسمى بـ”النظام العالمي الجديد”.

في ديسمبر عام 1999 صدر لنعومي كتابها الموسوم بـ(لا شعار: اتخاذ موقف من تنمر العلامات التجارية) وهو الكتاب الذي حقق لها شهرة واسعة بين مثقفي العالم حيث تُرجم لـ28 لغة، تقول نعومي أن فرضية الكتاب الأساسية كانت مبنية في البداية على حدس محض، فقد كانت تقوم ببعض أبحاثها في الحرم الجامعي عندما لاحظت انشغال بال الطلاب باجتياح الشركات الخاصة للمدارس والجامعات، فالطلاب كانوا يشعرون بالغضب من انتشار الإعلانات الترويجية لمنتجات هذه الشركات في الكافتيريا وغرف المذاكرة بل والحمامات، وكان يساورهم إحساس بالقلق من ميل مؤسساتهم التعليمية المتزايد إلى الاستثمار في البحوث التسويقية مما ينذر بتحول هذه المؤسسات في النهاية إلى وسيط لعقود توزيع حصرية للمشروبات الغازية وأجهزة وتطبيقات الحاسب الآلي والماركات العالمية.

no-logo
غلاف كتاب “لا شعار”

تقول نعومي أن سباق الماركات بين الشركات تسبب بإهدار الكثير من الأموال وأوجد ضغوطا على الحلقة الإنتاجية خصوصا ما يتعلق بحقوق العاملين، نعومي لا تعارض العولمة ولكنها تعارض القوانين والسياسات التي تخدم مصالح عدد قليل من الشركات على حساب العالم أجمع، ومن هذا المنطلق فقد قامت بتقسيم كتابها إلى أربعة أقسام: قسم عنوانه “No Space” وقسم عنوانه “No Choice” وقسم عنوانه “No Jobs” وقسم عنوانه “No Logo”.

في القسم الذي يحمل عنوان “No Space” تقوم نعومي فيه بتتبع تاريخ الماركات، فتشير إلى أن الترويج للعلامة التجارية كان يتم في السابق عن طريق وضع وجه لشخصية معروفة ومحبوبة لترغيب الناس في اقتناء المنتج، ثم تحول الأمر تدريجيا إلى انتهاج ما تسميه نعومي بـ”محاولة بيع أنماط حياة” lifestyles عن طريق التركيز على ما يحبه الناشئة وصغار السن وربط العلامة التجارية بكل ما يعتبرونه في مخيلتهم جميلا أو مثيرا كالأفلام والألعاب والرياضة والموسيقى، هنا يظهر السبب الذي يدفع الشركات للتركيز على المدارس والجامعات، وتشير نعومي في هذا القسم – وبشكل متكرر في جميع أقسام الكتاب – إلى أن الشركات المتعددة الجنسية لم يعد يهمها جودة مواصفات تصنيع المنتج بقدر ما يهمها كفاءة استراتيجية التسويق لعلامتها التجارية والذي يستهلك الجزء الأكبر من ميزانية تكاليف التشغيل في تلك الشركات.

في القسم الذي يحمل عنوان “No Choice” تلفت نعومي الانتباه إلى حرص الشركات على الهيمنة في مجال المنتجات التي تقدمها للمستهلكين وذلك عن طريق تحجيم إمكانات منافسيهم بالاحتكار و الإغراق حتى يتمكنوا من تقليل البدائل المتاحة للزبائن، وغالبا ما تلجأ الشركات الكبرى إلى اتباع استراتيجية الاندماج والاستحواذ لتعاظم من حجمها ونفوذها مما يمنحها قدرة أكبر على التحكم بالسوق، وضربت مثلا بعدة شركات منها شركة Wall-Mart التي تجبر المصانع والموزعين على اتباع شروطها ومواصفاتها وتهددهم بسحب منتجاتهم من أرفف فروعها إن لم يلتزموا بتعليماتها، وذكرت نعومي أن شبكة ABC التلفزيونية الأمريكية غالبا ما ترفض عرض أي مادة إعلامية تنتقد شركة Disney، كما أشارت إلى سوء استغلال الشركات لقوانين حقوق الملكية الفكرية Copyright Laws  من أجل إسكات من ينتقدون علاماتها التجارية.

في القسم الذي يحمل عنوان “No Jobs” تزداد لغة الكتاب قتامة وسوداوية حيث تتحدث نعومي عن هجرة المصانع وخطوط الإنتاج إلى دول أجنبية في العالم الثالث، تلك الدول لا تحفظ قوانيها حقوق العمال الذين غالبا ما يعملون بأجور زهيدة وفي ظروف عمل بائسة، هذه الهجرة لخطوط الإنتاج أوجدت فائضا في وظائف خدمات ما بعد الإنتاج في بلدان الشركات الأصلية، لكن هذه الوظائف يغلب عليها انخفاض العائد والتعاقد المؤقت وغياب الضمانات الوظيفية مما يجعلها بلا فائدة على صعيد الخبرة المهنية وبلا جدوى لمواجهة غلاء المعيشة، غني عن الذكر أن نجاح هذه الشركات على حساب ازدياد نسبة البطالة واستغلال العمال في الخارج وتخريب البيئة قد أوجد جيلا كاملا من الشباب الحاقد والناقم عليها وذلك لإحساس عميق يجده هؤلاء الشباب في صدورهم بأن منجزات الشركات الكبرى تسببت بشكل أو بآخر في معاناتهم.

في القسم الذي يحمل عنوان “No Logo” تحدثت نعومي عن استراتيجيات مقترحة لمكافحة تنمر واستئساد – إن صح التعبير – العلامات التجارية وطبيعة البدائل المتاحة لمواجهتها، تقول نعومي: “نحن ندفع الثمن غاليا عندما نقوم بتقديم احتياجات الشركات قصيرة المدى كتحرير التجارة وتخفيض الضرائب على احتياجات الناس”، وتصرح بأن التشبث بمبدا عدم التدخل في الاقتصاد laissez-faire مهما كانت تداعياته سلبية والإيمان الأعمى بقدرة السوق الحرة على إصلاح أخطائها بذاتها مهما كانت نتائجها كارثية هو أمر غير مقبول وخيار لاعقلاني لا يختلف عن تشبث الجهاديين الانتحاريين بعقائدهم الدينية المتطرفة على حد قولها.

تقول نعومي بأنه منذ منتصف التسعينات ونحن نسمع في كل مكان بمصطلح “العولمة” وفوائده القادمة على البشرية، وكان المروجون له يخبروننا بأن ربط الناس حول العالم ببعضهم البعض تجاريا عن طريق اتفاقيات التجارة والتسويق الإلكتروني سوف يمنح فرصة للفقراء والمحرومين في الدول النامية للتعلم والعمل وكسب المال، وأن شخصا يعيش في إندونيسيا مثلا سيتمكن من التمتع بوجبة ماكدونالدز واقتناء حذاء ماركة Nike واستخدام هاتف آبل تماما كأي شخص يعيش في أمريكا وكندا، لكن الحقيقة – كما تقول نعومي – هو أن فكرة “القرية العالمية الصغيرة” كانت فكرة تروجها الشركات الغربية لتجد موطئ قدم لها في الدول الفقيرة يكون بمثابة سوق لاستهلاك منتجاتها.

أثناء تأليفها لهذا الكتاب قامت نعومي بزيارة لحي Spadina Avenue district الذي نشأت فيه أيام طفولتها في تورنتو لتتفاجأ بأن المبنى السكني الذي كانت تقيم فيه قد تحول بكامله إلى متجر يبيع منتجات شركة ملابس شهيرة اسمها London Fog والمذهل في القصة أن نعومي قد قامت في نفس السنة بزيارة لمصنع ملابس يقع في جاكرتا بأندونيسيا، وكان في المصنع 2000 إمرأة يعملن بأجر يومي يبلغ دولارين لإنتاج ملابس تتبع لشركة ذات ماركة عالمية، وعندما سألت نعومي إحدى العاملات عن اسم ماركة الملابس التي يعملن عليها أخبرتها بأنها ماركة London Fog، وعندما سألت نعومي فتاة عمرها 17 عاما تعمل في مصنع في مانيلا بالفلبين لإعداد أقراص CD-Rom drives لصالح شركة IBM عما إذا كانت تعرف كيفية استخدام الحاسب الآلي كانت إجابة الفتاة اليافعة بأنها لم تستخدم حاسوبا في حياتها!

فلسفة العلامات التجارية هي مجرد غطاء لصور مؤسفة من الاستغلال، العمال المساكين الذين يعملون لساعات طويلة وفي ظروف عمل مجحفة في إندونيسيا وفيتنام والفلبين هم القاعدة الذين يمنحون الماركات العالمية بريقها ويعاظمون أرباح ملاك شركاتها، وتؤكد نعومي بأن الفجوة الهائلة بين تكلفة المواد الخام وقيمة المنتج في السوق ليس لها أي تفسير سوى الجشع، ذلك الجشع الذي يمكن قراءته من التكاليف الهائلة لسياسات التسويق التجاري واستراتيجيات الترويج للاستهلاك.