مجلة حكمة

عبد الله الطايع، ونشوة الحرية – ترجمة: سعيد بوخليط

سعيد بوخليط
مقالة عن (عبد الله الطايع) من كتاب (نوابغ: سير وحوارات)

أصدر، الكاتب المغربي المستقر بباريس، روايته [le jour du Roi]، الأكثر سياسية، قياسا لمؤلفاته السابقة.

قد يحلق رأسه، بين الفينة والأخرى. لكنه حاليا، إن فعل ذلك خلال أيام حزينة من شهر غشت، فلأن أمه توفيت. السيدة مباركة، امرأة أمية، بوشم على الوجه، قاسية ودينامية… . نعم، مباركة رحلت. عبد الله الطايع، الذي يعيش في شقته الصغيرة، المتواجدة بشارع « Belleville » الباريسي، يتكلم عن أم ممقوتة ومحبوبة في الوقت ذاته. عنصر، محوري لرواياته، الساعية إلى كيفية تمثل تعبير جميل للغة العربية، معناه : “أن تمتلك وجها صادقا”، جيد جدا. لم يجده. يسكب، الشاي.

خلف النافذة، ترسم السماء ذات اللون اللبني، بقعة مضيئة. عاد عبد الله الطايع، من المغرب بعد إنهاء مراسم دفن أمه منذ أسابيع بمدينة سلا. بين الشاب والأم، ظلت الأواصر معقدة. يقول : ((لم أكن ابنها المفضل)). وأية علاقة مع نصوصه؟ بكل بداهة. بين طيات مختلف، ما كتبه  عبد الله الطايع، لا شيء متخيل. سواء الفضاءات والأشخاص وكذا أسرار العائلة. بل، حقيقة. انتقل بها إلى الفضاء العمومي، من خلال رواياته المقتضبة : ضجيج النزاعات الأبوية وضعف الأب، رواية (l’armée du salut (seuil 2006) ). الغراميات العابرة، تتقاسمها مدن مراكش وجنيف أو باريس، رواية (une mélancolie arabe (Seuil 2008) ). ثم قنطرة نهر أبي رقراق الآيلة للسقوط، تستدعي أخرى مهدمة، روايته الأخيرة ( le Jour du roi ).

يعترف المهرب، في رسالة إلى “عائلته العزيزة”، أوردتها مجلة “تيل كيل” شهر أبريل 2009: ((أسرق حيواتكم، كي أحولها إلى شذرات أدبية)).

عبد الله الطايع، المزداد سنة 1973، يستحضر مثليته، كما “يتبناها ويتحمل أعباءها”، فجسد، جرأة نادرة في المغرب. مع ذلك، يخاطب أمه أكثر من المجتمع : ((صرخاتها، مثل صورة عن المغرب)). يريد، أن “يقنع” السيدة مباركة، التي صاغت “طريقته الشعرية لرؤية العالم”. بالتالي، يحترمها ويبجلها…. نعم، القصيدة. مجموعة طقوس شعبية، تنطوي على حكايا الجن، لكنها تفتقر إلى الخيال، لأنه لا يهمها قط.

لقد تطرق إلى ذلك، منذ قصته الأولى :[d’un corps à l’autre]، التي مر الآن على كتابتها خمسة عشر سنة، وهو لا يزال طالبا بجامعة الرباط، بعد أن اختار شعبة الأدب الفرنسي. وأقام، حينئذ ورشا للكتابة بمعية ثلاثة من أصدقائه، اختاروا لها تسمية : حلقة المحيط الأدبية ((إسم حي يوجد بالعاصمة المغربية)). مرة في الشهر، يقرأ كل واحد منهم أمام زملائه، قصة من إبداعه. يتذكر عبد الله الطايع : ((لم يكن يستهويهم ما أكتب، لأنه يحفل بالسيرة الذاتية، وهم يريدون خيالا. بل، الخيال العلمي))استمرت، الحلقة سنة ونصف. ثم، سنوات بعد ذلك، أصدر قصته : [D’un corps à l’autre]، ضمن مجموعته : [mon Maroc] (2000)، أول عمل له.

le jour du Roi
le jour du Roi

بفضل التجريب خاصة، اهتدى الشاب في العشريات من عمره، إلى الكتابة أو بالضبط الرغبة في مصارعة اللغة الفرنسية، عدوه القديم، عبر كتابة يومياته. بداية يمكننا القول بأنه لم يكن يحبها ! اليوم، ليس كثيرا : ((الفرنسية لغة الأغنياء، والسلطة. إنها بمثابة إهانة وتحقير، لذلك تصدى لها الفقراء بالعربية))، يعترف عبد الله الطايع. لماذا، إذن سعى إلى تعلمها ؟ لماذا لا يكتب بلغة سعاد حسني، نجمة السينما المصرية، والذي أمسكت بأنفاسه، حلقات مسلسلها التلفزيوني ” هو وهي” ؟ الدافع، يعود إلى مدينة باريس أولا، يقول : ((بالنسبة لجيلي، مثلت باريس شيئا كبيرا، إنها نور)). ثم، بسبب السينما، أيضا. تناقض أم تعارض ؟ خلال سنوات مراهقته، تخيل نفسه ضيفا على “المدرسة الوطنية العليا لمهن الصوت والصورة” ، لقد أراد أن يكون مخرجا. السينما “عقيدتي الأولى”، يضحك بطل المالنخوليا العربية. في مدينة سلا، تبدأ القاعات عروضها بفيلم كاراتيه يتبعه آخر هندي. غير أن، الأفلام المصرية التي تبثها باستمرار شاشة التلفاز، أكثر من غذى مشاعره وعلمته “حرية الأجساد”، يضيف.

في أية لحظة، تحولت مع ذلك اللغة الفرنسية المبغوضة إلى “لغة للسينما”؟ لا يتذكر عبد الله الطايع، لكنها بدت له حينئذ مثل الأداة  الأساسية القادرة على بلورة مشاريعه. الممثلة إيزابيل أدجاني، ودون أن تدري لعبت في هذا السياق دورا، منذ تسمره لأول مرة، أمام صورة لها على غلاف مجلة:  [magazine première]، لم يكن يعرف بأنها فرنسية تنحدر من أصل جزائري. همه الأساسي، تأمل وجهها “الذي ينبعث منه السحر”. ثم التقى بها، سنوات بعد ذلك، فأصبحت مهما قاوم بمثابة معشوقته. إنها  “نجمتي”، يصرخ. ومما زاد في شغفه، قدوم أدجاني إلى الجزائر، شهر نوفمبر 1988، من أجل دعم ثورة الطلبة. هي، إذن،  ليست فقط فنانة مشهورة، بل “صوت سياسي، يتكلم عنا، ولنا”. حكم  ؟ غير مؤكد.

ينتمي عبد الله الطايع إلى المغرب الفقير، حيث ولد وترعرع، مغرب لم يوصف إلا قليلا، لاسيما “من الداخل”، يشير الروائي. اللهم، بعض الاستثناءات، مثل رواية “الخبز الحافي” لمحمد شكري، التي منعت لفترة طويلة في البلد، وقرأها خفية مثل الجميع. نص “مدهش” يتكلم عن “عالم مهمل ومحتقر من قبل المثقفين المغاربة”. تشعرنا، نبرة عبد الله الطايع بحنق، كما الشأن أيضا في روايته :[Le jour du Roi]، الأكثر سياسية بين عناوين متنه، يقول : ((بقدر ما أكتب، أدرك حجم الظلم، وبأني لست الوحيد)).

منذ استقراره في باريس سنة 1998، لم ينس شيئا من محيطه، لكن المسافة منحته الحرية. لو، مكث في المغرب (يعود إليه أربع إلى خمس مرات في السنة)، ربما “استسلمت”، يقول. جراء قوة، الضغط الاجتماعي. فأن، يتحمل و

عبد الله الطايع
عبد الله الطايع

زر جنسانيته المثلية، يعني “فضيحة”. ثم وجد نفسه، متحصنا وراء “تسويات غير مجدية”. خطورة، اختزاله إلى هذا الوضع البطولي المربك، لا يزعجه قط: ((إذا ساهمت، في إزالة صفة العار عن المثلية، فذلك أفضل !)) يجزم مبتسما، مثنيا على الصحافة المغربية، التي ((عرفت كيف تتعامل مع هذه الأشياء بجدية)).

أتى، إلى  فرنسا وكذا اللغة الفرنسية، عبر عشقه للسينما. في هذا الإطار، تلقى دعما ماليا من المركز السينمائي الفرنسي، كي ينجز بصحبة  “لوي غارديل”، سيناريو تحت عنوان :[L’Armée du salut]، مقتبس من روايته التي تحمل الاسم ذاته.

بالنسبة، لآخر مؤلفاته :[Le jour du Roi]. فإن شبح الحسن الثاني، الذي توفي شهر يوليوز 1999 بعد ثمانية وثلاثين سنة من الحكم، ما زال مهيمنا، الخوف أيضا. وكذا، الحقد. خالد، ابن بورجوازي ميسور، اختير من بين “أفضل تلامذة المملكة المغربية”، مما خول له إمكانية المشاركة في استقبال رسمي بحضور الملك. شيء، أحدث الغيرة لدى عمر، صديقه منذ سنوات الدراسة بالثانوي، الذي يعتبر نفسه “غير محظوظ، حتى في الحلم”. فهذا الشاب المغربي، البسيط المنحدر من الأحياء الهامشية بمدينة سلا، يروي حلمه أو كابوسه بالأحرى، وقد شاهد الحسن الثاني : “متجردا من ثيابه، عاريا” نعم، رأيته يصرخ بجنون بعد أن انتابه الرعب  والفزع. المثير أكثر، مشهد تقبيل اليد “حلم المغاربة تقريبا”، يضيف عمر الذي استيقظ مذعورا ومكتئبا جدا، بعد ليلة انتهكت الحرمات. اقتضى، الأمر إذن من عبد الله الطايع جرأة، كي يدشن صفحات روايته بتعرية الملك الحسن الثاني.

الصداقة الغامضة والعاشقة، التي جمعت بين عمر الفقير وخالد الغني، ستنتهي دما. رواية، تناولت حرب الطبقات والطبقات المنغلقة على ذاتها والأجساد ثم اختتمت من حيث بدأت، عتبة العرش. فإلى ما وراء، سور القصر الملكي، ستلتجئ “حادة”، الخادمة الصغيرة التي اشتغلت عند أسرة خالد ثم طردت أخيرا وجهة الشارع. حادة، فتاة شابة، مثل عمر وصديقه خالد، لكن لونها أسود، لذلك ذهبت كي تنظم إلى شعبها من العبيد الذي يخدم القصر  و”الدولة العلوية” “منذ قرون وقرون”.


* le monde, jeudi 23 septembre 2010.