مجلة حكمة
ضد الخيال

ضد الخيال – ريدر دو / ترجمة: ندى الدعيج


هل يخلق الخيال تجاربنا في الحياة أم يشوهها؟ يستعين العالم ريدر دو -وهو معلم في جامعة أكسفورد- بسبنوزا وديلوز وكانط لتوطيد علاقة بين الخيال والفلسفة والفن والعلم، ثم يسأل: هل يحررنا الخيال أم يُبعدنا عن الواقع وعن الآخرين وعن أنفسنا؟

يعتقد المرء بأن الخيال شيء جيد وبأن وجوده خير من عدمه. فمن لا خيال له يكون مملاً، وغير جذاب، ومتقزم سياسيا …الخ. لذلك إن معنى الخيال بالنسبة لنا -كأشخاص عصريين- هو بديل للقيم الإيجابية الأخرى.  فهو يرمز للحرية والتقبل، وللسمو والابتكار، وللحماس والإلهام. يجدر الإشارة بأن كل من الفلاسفة الإغريق القدماء وفلاسفة القرون الوسطى اللاتينيين لم يمضوا وقتا طويلا في مناقشة الخيال. إن قيمة الخيال مرتبطة بالمفهوم الذي ينص على أن حقيقة الإبداع وشاعريته مبنية على الحداثة. وضد هذه الخلفية يضع سبنوزا نقدا قويا للخيال وعلى محاور عدة.

فعلى صعيد، السلوكيات النفسية الخيالية للأمل والخوف مدمرة أخلاقيا لأنها توجه نفسها نحو ما ليس موجود. وعلى الصعيد الآخر، إن الأفكار التي لدينا عن الآخرين ليست نتاج تقديرنا لهم كما هم، بل تعبيرا عن تأثيرهم علينا. لذا نحن نحب ونكره الناس؛ لأننا نتخيلهم أعلى أساس تقديرنا لذاتنا الهش بأنهم كذا وكذا، في حين أنهم قد يكونوا في الحقيقة مختلفين جدا. أخيرا، إن الفهم المنطقي للواقع (الفهم المناسب للطبيعة) يتخذ شكل التفكير الإدراكي أو الحدسي والذي لا يتضمن أي منهما الخيال. وبالتالي نفهم من سبنوزا أن الخيال يسجن الذات في فكرها الخاص ويسد الطريق المؤدي لتقدير مناسب للواقع. تطرق لنفس هذا المفهوم فيلسوف القرن العشرين جيلز ديلوز.

ففي كتاب ضد أوديب الذي كتبه مع جوتاري عام 1972، عارض أفعال الرغبة على أنها تأثير الخيال. العقل اللاواعي لاينتج المجاز، لذا فهو لا ينتج أغراض الخيال وإنما الآثار الواقعية في المجتمع. قد ينعزل الشخص المصاب بالفصام الذهاني في هذيانه وسيساهم المجتمع في هذا الانعزال بحجزه في مصحة، لكن الفصام الذهاني نتاج تأثيرات نفسية واجتماعية والتي يجب ألا تفصل عن بقية النتاج الاجتماعي.  لذلك تظهر فكرة العزلة كسمة من سمات الخيال أو غير الواقعي في فلسفة ديلوز وجوتاري. العزلة هي سمة أيضا من سمات العبقرية الرومانسية في الفكر الرومانسي الإنجليزي. إذ يتحدث كوليريدج عن الخيال كملكة إبداعية للإنتاج، هو يفعل ذلك من منطلق فهم أن على الخليقة تحرير نفسها من قيود الواقع المادي. تشكل في إرث الرومانسية تحالف مثير للفضول في نظرية الجماليات والسياسة ربما، بين الشعر والفلسلفة الوضعية. يتفق الفلاسفة الوضعيون ومناصرو إرث الرومانسية على تقسيم محدد لثمرة المفاهيم. إن كان المعنى في الفلسفة الوضعية يخضع لمعايير محددة وضيقة كمحتوى المسائل العلمية -مثلا- سيكون هناك اهتمام من جانب الفيلسوف الوضعي أن يمتلك خطابا إضافيا يغطي كل المعاني الأخرى، والذي سيكون لاحقا خطاب الشعر. وبالمثل، إذا سعى الشاعر لتبرير قوى ابتكاره ضد طبيعة الواقع الساكنة، فلا يضير وجود خطاب علوم موازٍ يغطى جانب الواقع بكلمات موضوعية جافة ومجردة.

قد يكون انقسام هذه الثمرة، والذي يخدم كلا الطرفين، ظاهرة بريطانية مخصوصة.، ولكنها تسلط الضوء على خطر الانجذاب إلى الخيال كملكة إبداعية.  إذا اقتُنيت هذه القوة الإبداعية والحرية التي تلازمها على حساب عزل الذات الخيالية عن الواقع فإن تلك حرية بائسة. القضية إذا هي سواء عما إذا يمكننا التفكير بالخيال كملكة تربطنا بالواقع، لاأعتقد ذلك. قد تكون المفاهيم الأخرى للحياة النفسية مثل المشاعر والرغبة والحلم مصدرا للانخراط في العالم لكن محكوم على مفهوم الخيال أن يعزل الذات. إذا فكرنا في نقاشات الخيال المتقنة بمنظور الفيلسوف الألماني إمانويل كانط، قد نتمكن من رؤية صعوبة الإحالة إلى الخيال كمصدر انخراط في العالم. هناك نقاشين رئيسيين عن الخيال لدى كانط، ويتضمن كلاهما مفهوم الذات. ففي كتاب نقد العقل المحض، عانى كانط في منح اعتبار صنع وعي عن الانطباعات الحسية والمفاهيم كأرقام والهوية. من الواضح أن الانطباعات الحسية والمفاهيم العامة تمثيلات ذهنية مختلفة تماما ومع هذا تتعاونان لتشكيل تجاربنا المعقدة عن الأشياء. يناقش كانط بأننا نجد مسارا نفسيا بين الانطباع الحسي والمفهوم، وبه يمكننا وضع مخطط وطريق وسطي بين الاثنين، وأن هذا هو عمل الخيال.  تعمل ملكة الخيال على جعل الأمر منطقيا للذات لما سيكون تفاوت في الملكات لولاها.  يناقش كانط في كتاب نقد ملكة تجارب الظواهر التي تفوق الخيال. يعتقد بأن هذه التجارب التي ندركها عبر المنطق على أنها غامرة، وحين ندركها نحاول، ونفشل، أن نمنح هذه الظواهر الخارجية تصورا داخليا مناسبا. يحفز المنطق الخيال ليكوّن صورة يعجز المنطق نفسه عن تكوينها. لذا وفي كلتا الحالتين، يعمل الخيال كي يسمح للذات بأن تفهم التجارب لنفسها، غير أنه لا يساعد الذات في تحقيق ارتباط مع الخارج.

المصدر