مجلة حكمة
رجال أقوياء وديمقراطيات هشة - ديفيد كاي / ترجمة: أسماء العمري

رجال أقوياء وديمقراطيات هشة – ديفيد كاي / ترجمة: أسماء العمري

ديفيد كاي
ديفيد كاي، أستاذ قانون في جامعة كاليفورنيا-إيرفاين، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير.

قال أريك هوبسبوم في مقدمة كتابه الأمم والقومية منذ سنة 1780 (1990)، أن الدول ” ظواهر مزدوجة، شيدت من فوق ولكن لا يمكن فهمها إلا إذا تم تحليلها من الأسفل ” نحن بحاجة إلى الانتباه لهذا الرأي “من الأسفل” الذي كتبه. إلى “افتراضات الناس العاديين وآمالهم واحتياجاتهم وشغفهم ومصالحهم “.

كان هوبسبوم ليوافق على كتاب بشارات بيير الجديد. ففي مسألة نظام: الهند وتركيا وعودة الرجال الأقوياء، يمنحنا بيير استعراضيين متوازيين المتوازية لإساءة استخدام الرموز القومية من قبل الأقوياء وشحذها واضفاء الطابع الانساني عليها من خلال تأثير إساءة الاستخدام هذا على الناس الحقيقيين الذين يعيشون حياتهم في الدول التي يتخيلها قادتهم. بيد أن بيير يفعل أكثر من مجرد وصف شعب الهند وتركيا كضحايا: هو يبين لهم أنهم عملاء فعّالين ويدعمون أحيانا الرجال القوميين الأقوياء، غير أنهم كثيرا جدا ما يتعرضون لدوامة هائلة من القمع والوصم والعنف. يصف بيير يصف كيف صعد ناريندرا مودي ورجب طيب أردوغان من أصول متواضعة ليصبحوا قادة دولهم و”الخسائر البشرية الفظيعة” التي امتلكتها قيادتهم على ديمقراطيات هشة وعلى مواطنيها. لكنه يبين أيضا أن رسائلهم وجدت أتباعا بين الناس، غالبا ما يكونوا فقراء، ولكن من المستغرب أنهم أحيانا من الطبقات الراقية والثرية.

كتاب :  مسألة نظام  الهند و تركيا , وعودة الرجال الاقوياء كتب من قبل : بشارات بيير  اصدر : 12/3/2017 كولومبيا التقارير العالمية  170 صفحة
كتاب : مسألة نظام
الهند و تركيا , وعودة الرجال الاقوياء
كتبه: بشارات بيير
اصدر : 12/3/2017
كولومبيا التقارير العالمية
170 صفحة

يعد العنوان بمعالجة لماذا “عودة الرجال الأقوياء ” هو “مسألة نظام”، لكن الكتاب، الذي هو عبارة أساسا عن عملين مدمجين من التحقيقات الصحفية، لا يركز حقا على كيف أن مودي وأردوغان ساقهما نظام المبادئ بالمعنى التقليدي (مثل النظام العام، القانون والنظام، والنظام الاقتصادي). هؤلاء ليسوا قادة خارجين من بيئة الفوضى المحلية أو صراع الدولة الفاشلة على الرغم من التفاوتات الاقتصادية والقمع الواضح والعنف الذي استغلوه. بل، وفقا للأدلة التي قدمها بيير، فإن مودي وأردوغان مساقين بجوع فوري للسلطة وطموح لتغيير التاريخ وإعادة تصور قيم دولهما ومكانتهما في العالم. ينشر مودي وأردوغان الامثلة والافكار والتحيزات والمجازات التاريخية والخرافات والأساطير في محاولة لإعادة تشكيل بلادهم وتوطيد السلطة السياسية. يؤكد بيير بأنهما منقحين يعتزمان ” تحويل المخاوف وانعدام الأمن للمواطنين إلى دعم انتخابي “

وإن كان هناك شيء يقف في طريقهم فهو النظام. ربما يمنحان ناخبيهم شعورا بأن قيادتهما ستؤدي إلى هيكلة حياتهم أكثر أو المزيد من المال في البنك، لا أنهما يستفيدان بالفعل من الاضطراب وأن يظفرا بإعادة التنظيم. فكر في تصريح أردوغان أعقاب محاولة الانقلاب الدموي الفاشلة في 15 يوليو / تموز 2016، والتي وصفها بأنها “هدية من الله” أو دور مودي في – الصمت في مواجهة – أعمال الشغب القاتلة المناهضة للمسلمين، مثل تلك التي وقعت في ولاية غوجارات في عام 2002 وأسفرت عن مصرع 1000 شخص.

بالتالي، لا يدفع عنوان “مسألة نظام ” هذا الكتاب قدما. بالأحرى، اكتسب اعتبار بيير زخما أكثر ربما في سردية الهند أكثر من تركيا، تفاعلات القائد والناس البسطاء، وهو موضوع جاء في الوقت المناسب فيما يبدو من المحتمل لحظة شعبوية عالمية.

يظهر مودي في رواية بيير كداهية وخطير، ومنظم مؤثر مدى الحياة على الحزب الوطني الهندوسي المتطرف راشتريا سوايامزيفاك سانغ (ر.س.س) الذي ساعد على صياغة رسالة الفوز ومكملة بأبهة الوطنية، لصالح حزب بهاراتيا جاناتا اليمين (حزب بهاراتيا جاناتا). حملته مهارته كممول للمسيرات القومية الهندوسية كل الطريق حتى تعيينه رئيسا لوزراء غوجارات في التسعينيات.

وقعت خلال فترة ولايته في غوجارات المذبحة الرهيبة نتيجة أعمال الشغب الهندوسية عام 2002. ردة فعل مودي؟ رفض الاعتذار وانعدام الندم، هذا الاقتباس من سنة 2013 : ” إذا كان شخص آخر يقود السيارة ونحن نجلس في المقعد الخلفي، وأتى جرو صغير تحت عجلة القيادة، هل نشعر بالألم أم لا ؟ ” يا لتصريح من شخص مسؤول عن سلامة وأمن الناس الضعفاء في مقاطعته .

يمنح بيير صوتا لحيوان مودي الذي قتل بحادثة سيارة بالصدفة من خلال تنقيب التقارير الشخصية بما فيها قصة الشاب الذي أنقذه مصور اخبار دولي في وسط أعمال شغب في غوجارات والذي اصبح رمزا عالميا للعنف، والرجل المسلم  الذي قتل من قبل حشد هستيري لافتراض أنه ذبح بقرة،  والطالب في جامعة جوهارلال نهرو الذي أتهم بالتشهيير بسبب دعوته تقرير المصير الكشميري، ولعل أكثرها مأساويا والمؤثرة على الإطلاق هي قصة طالب متخرج حائز على منحة داليت الدراسية الذي كان يريد أن يكون كارل ساجان الهندي إلا أنه بعد توقيفه عن العمل بسبب النشاط السياسي ” شنق نفسه من مروحة السقف مع العلم الازرق لحركة داليت ” . هذه القصص وحدها تظهر قوة الرموز والطبقة الاجتماعية والتقاليد الدينية والطائفية في هند مودي. ولكن أين مودي نفسه في قصة بيير؟  إنه بعيد بل ولكن متفشي الوجود، مذعن بصمت إن لم يكن تحريضا بصوت عالي، شخصية تقتنص الفرصة بحذر من بيئة حيث تجعل عدم الانسجام والامتعاض فيها المرء عدوا.

كرئيس وزراء منذ عام 2014 , لم يقدّم مودي نفسه كهندوسي قومي فقط بل كقائد عاقل وشامل يريد تطوير اقتصاد الهند وتحسين الكثير من شعبها. يستكشف بيير لماذا يجذب مودي رجال الأعمال الشباب في دلهي وحيدر أباد على الرغم من قيادته الطويلة الأمد للمتطرفين الهندوسيين، مع أخذ بعض الملاحظات الانتقادية المستحقة للصفوة الذين يعرضوا كتبا من قبل كورنيل ويست وتوني موريسون على أنها “مجرد دلائل تعليم جامعي عاجي نخبوي ودلالات رأس مال ثقافي، أشياء خالية من افكارهم وسياستهم “. في حملته السياسية لرئاسة الوزراء، دمج مودي بذكاء منصة التنمية والنمو الاقتصادي لجذب النخب المدنية مع” استيراتيجية حزبه للاستقطاب الديني […]  و استغلال التوترات الطائفية لجلب جماعات الطبقات المختلفة تحت راية بلون الزعفران من حزب بهاراتيا جاناتا ” يقترح هذا التصور عن مودي رجلا أقل قوة، ولكن أن نعرف المصطلح، وليس الرجل شديد التهكم ولكن استراتيجي حزب مؤثر بعمق.

تمتلك مناقشة الهند شعور غني: إن صعود مودي في التيك توك وتقوية السلطة ليس إلا بيان شخصي من الإحباط والغضب والحزن على صعود ال (ر.س.س) وحزب بهاراتيا جاناتا. تقييم بيير لنجاح مودي السياسي سلس ومقنع، ويبدو أنه يشارك براتاب بهانو مهتا وجهة نظره والذي يقتبسه في الختام على النحو التالي ” إن زراعة الانانية الجماعية لخنق كل شخصية فردية، واصدار قانون التعارف القومية غير المتازع عليها لاستباق كل المناقشات حول المصلحة الوطنية الحقيقية، والمطاردة المستمرة لأعداء الامة المفتعلين، فكرة خانقة “.

على النقيض من ذلك، لا تنقل تغطية بيير لتركيا تماما نفس شعور المصلحة الشخصية، ولكنها قصة فعالة مع ذلك. يسجل بيير لحظة – مظاهرة في إسطنبول، بعد هجوم إرهابي وقع على مسيرة سلام كردية في أنقرة سنة2015 – “حين كان السخط مألوفا جدا…شعرت كأني في الوطن كأني في كشمير في التسعينيات.” لكن أردوغان لا يتقاسم خلفية الشخص الذي يؤمن بسيادة القومية كالتي يصفها بيير في مودي. هو يظهر على أنه يحمل طموحا شخصيا أكثر وأقل ارتباطا بالأيديولوجيات القومية، وأكثر مرونة في تحالفاته .

وبطرق أكثر وضوحا من مودي. يبدو اردوغان في نظر بيير عازما على إعادة تشكيل ليس فقط الحكم التركي بل الدولة التركية – للحصول على الرئاسة التنفيذية – التي وافق عليها الناخبون الأتراك بصورة محدودة في شهر أبريل؛ للتحكم بالقضاء والخدمة المدنية؛ للهيمنة، من خلال حزبه حزب العدالة والتنمية، على النسيج السياسي التركي.

بهذا المعنى، يبدو نشر أردوغان لرموز الدين والأمة يبدو أكثر فائدة من مودي، ولكن هذا ليس دائما صحيح. كان اردوغان في وقت مبكر، على سبيل المثال، زعيما ثوريا: سرعان ما اجتاز الصفوف واستولى على رئاسة اسطنبول فقط عبر تخلييه عن القواعد الصارمة التي تحظر الخطاب ” المستفز دينيا ” ووجد نفسه مسجونا لعدة أشهر ومنع من تعاطي السياسة لمدة خمس سنوات. ولكن مع انتقاله إلى المرحلة الوطنية، تبنى اردوغان لغة معتدلة، وحرص على توسيع مساحة التعبير الاسلامي في الحياة العامة والسياسية، ولكن ليس (حتى الان) لانقلاب المجتمع التركي. يفضل هو وحزبه للعدالة والتنمية ” أكبارتي” الجديد، كما يطلق عليه الأتراك في كثير من الأحيان، السوق الحرة والاصلاحات اللازمة لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي. جذبت هذه التحركات الخفية بعيدة عن المؤسسات الكمالية في تركيا الحديثة الليبراليين، في حين جذبت خلفية أردوغان المحافظة والطبقة العاملة في اسطنبول الناخبين في المناطق الريفية.

يسلط بيير الضوء على تيارات الحياة التركية المتغيرة التي استغلها أردوغان، ويبدأ بقصة ميرفي فا كافاكسي، وهي برلمانية تركية كانت أول من رفض ارتداء الحجاب في البرلمان مما أدى إلى مقاضاتها وفقدان مقعدها، وفقدان الجنسية. يحكي قضية فتح الله غولن الحليف السابق لأردوغان، الذي كانت حركته الدينية الجماهرية، في نظر العديد من الليبراليين والمحافظين على حد سواء، تسيطر بذكاء على التعليم الريفي ثم تسللت إلى الحكومة والجيش ووسائل الاعلام، التي أدت في النهاية إلى محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016. يروي بيير قصص الناس العاملين مثل رجب أكسوي الذي أعلن نفسه شيوعيا ولكنه انتخب حزب العدالة والتنمية من أجل الاستقلال التجاري الذي زعم أردوغان بتقديمه، وحاسي بيرليك، الناشط الكردي الذي قتل في أعمال العنف في ديار بكر بعد أن قرر أردوغان بأن مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني لا تؤدي إلى نتيجة.

يقدم كتاب مسألة نظام أردوغان كانتقامي، سياسي طموح طور مريدين للشخصية، وهي صورة لم يرسمها بيير في مودي. في نهاية المطاف، إن صورة بيير لتركيا أردوغان هي تلك حيث شخصية مفردة طورت حزب وأصبحت هذا الحزب وهي الآن في طور التحول إلى الدولة. يخرج المرء من الكتاب معتقدا بأن أردوغان قد يكون ملتزما برموز الإسلام – وللدولة والمجتمع حيث هما الإسلام طابعهما – ولكنه أكثر التزاما لنفسه من تلك الاهداف.

فهم كل من مودي واردوغان، على الرغم من الاختلافات الساشعة في أساليب الحكم، دور الإعلام وسائله في مجتمعاتهم المتغيرة. يتلاعب مودي يتلاعب بالمشاهد ويخلق مسرحية ويسعى للسيطرة على وسائل الإعلام لسحق المعارضة في كشمير، أغلقت حكومته مؤخرا الوصول إلى شبكات الانترنت وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية. إلا ان قدرة مودي على التحكم في المعلومات في الهند تبدو عموما أكثر ضعفا، نظرا للأراضي الشاسعة وعدد السكان الذين يحكمهم.

في الوقت نفسه، اسكت أردوغان أصواتا مستقلة في تركيا. بدأ بشكل جيد قبل محاولة الانقلاب ولكن تسارع منذ ذلك الحين. أغلقت حكومته اغلقت وسائل العلام، وسجنت أكثر من 150 صحفي وتسببت في فقدان الاف الآخرين لوظائفهم، وفرضت قيود كبيرة من أجل الوصول إلى الانترنت ووسائل الإعلام واعتقلت القضاة الأكاديميين وموظفي الخدمة المدنية. تركيا بلد يرزح تحت قبضة أردوغان الاستبدادية على نحو متصاعد، في حين السياسات الهندية تتغلغل فوق المؤسسات القومية التي تم استغلالها وهزها من قبل مودي. إن تحليل بيير لكيفية قيام هذين الرجلين القويين بالارتقاء الى السلطة العليا في بلدانهما أمر حاسم ومفروض.

المصدر