مجلة حكمة

كل جهة وظّفت القرآن من زاوية ذاتية لتدافع عن مبادئ أيديولوجية – حوار مع بثينة بن حسين

بثينة بن حسن
د. بثينة بن حسن

لماذا تركيزك على المرحلة الأموية في أبحاثك بدءاً من الفتنة مروراً بالنساء؟

يرجع اختياري للفترة الأمويّة منذ شهادة الكفاءة في البحث وأطروحة الدّكتوراه لتغييبها من العبّاسييّن الذّين حرصوا على التّعتيم على الوعي التاريخي ودمّروا الذاكرة الأمويّة لأغراض سياسيّة وإيديولوجيّة.

كذلك تشكو الفترة الأمويّة من قلّة الدراسات المتعلّقة بها رغم أنّها الفترة المؤسّسة للدولة والمؤسّسات (أهمّها الدّواوين وحركة التّعريب التي شملتها وشملت النقود). فقد ابتدأ المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن بدراسة جيدة للفترة. ثمّ تلته دراسات عبدالحيّ شعبان ودراسات ابراهيم بيضون التي تناولت دراسة الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للدولة الأموية بصفة إجمالية. فحرصنا على التعمّق والتدقيق في أبحاثنا لاكتشاف جوانب جديدة من هذا التاريخ الأساسي والمحوري في الحضارة الإسلامية والإنسانية.

 

ما هي المعضلات التي واجهتك في بحثك سواء في الروايات أو المصادر أو حتى التابوهات؟

إحدى أهم الصعوبات التي واجهتني هي التابوهات الموجودة حول المرأة والسّياسة والمرأة ونشر المعرفة أو دورها في المجال العام والمرأة والجنس والمرأة وشرب الخمر. فالمرأة الأمويّة وأقصد بذلك زوجات الخلفاء والشّريفات القرشيّات، كن يشاركن الخلفاء في اتّخاذ القرارات، وكن فاعلات في مجتمعاتهنّ بوسائل عدة، خصوصاً عن طريق مؤسّسة الزواج. فهنّ تزوّجن أكثر من مرّة بعد حصول طلاق أو موت للزّوج.

 

هل يمكن الاستناد الى روايات تاريخية مثل {تاريخ الطبري} وغيره والمعروف أن معظم هذه الروايات يقوم تدوينها على منطلقات سياسية سلطوية؟

يمكننا الاستناد إلى تاريخ الطبري وتاريخ البلاذري رغم أنهما كتبا في الفترة العباسيّة، وذلك نظراً إلى حسّهما التاريخي الموضوعي واعتمادهما على منهجيّة {علميّة} تتمثّل في ذكر الرّوايات السنية والشيعية، خصوصاً الرّوايات الأمويّة المفقودة أو المغيّبة من العبّاسييّن. أورد البلاذري، على سبيل المثال، تعريفاً لشخصيّة الخليفة يزيد بن معاوية (الذي هاجمته الرّوايات الشّيعيّة لقتله الحسين بن عليّ)، معتمداً فيه على الروايات الشيعية (رواية أبي مخنف الكوفي) والأمويّة (عوانة بن الحكم).
ويعتبر البلاذري المصدر الوحيد الذي ذكر خصال هذا الخليفة الذي عتّم عليه طوال قرون. فهو سياسيّ لا يقلّ مقدرة سياسيّة عن أبيه معاوية وهو شجاع وجريء. ولم يكن مستسلماً للملذّات كما تذكر بقيّة المصادر: {حدّثني العمري عن الهيثم بن عديّ عن ابن عيّاش وعوانة وعن هشام ابن الكلبي عن أبيه وأبي مخنف وغيرهما قالوا: كان يزيد بن معاوية أوّل من أظهر شرب الشراب والاستهتار بالغناء والصيد واتّخاذ القيان والغلمان والتفكّه بما يضحك منه المترفون ثمّ جرى على يده قتل الحسين، وقتل أهل الحرّة، ورمي البيت وإحراقه، وكان مع هذا صحيح العقدة في ما يرى، ماضي العزيمة لا يهمّ بشيء إلاّ ركبه} (البلاذري، أنساب الأشراف، دار الفكر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، بيروت، 1996، ج 5، ص 299) ونحن بصدد البحث في المصادر عن تصحيح لهذه الصّورة المشوّهة للأموييّن.

 

إلى أي حد استفدت من المستشرقين في بحثك؟ وفي رأيك، لماذا يركز المستشرقون على {الفتنة} و{الملل} و{الطوائف} في أبحاثهم ودراستهم؟ هل هدفهم البحث العلمي أم تنمية العصبيات في البلدان المشرقية؟

استفدت كثيراً من أعمال المستشرقين خصوصاً القدامى منهم كفلهاوزن. تمتاز كتابات الأخير بموضوعيّتها وباعتمادها على المصادر البيزنطيّة والسريانيّة.
كذلك اعتمدت على الاستشراق الحديث في التّاريخ الأموي وأهمّ واحد هو أنتوان بوروت.

(Antoine Borrut,Entre Mémoire et pouvoir L’espace syrien  sous les derniers Omeyyades et les premiers Abbassides (v.72-193/692-809),Brill,2010,543p.)

في الحقيقة لم أستند إلى المستشرقين في دراستي للفتنة بل تأثّرت بالغ التأثّر بأستاذي هشام جعيّط عندما درسّنا في الجامعة التونسيّة الفتنة الكبرى. وأعجبت وانبهرت بأستاذي هشام جعيّط وبعبقريّته في دراسة هذه الفترة طوال سنوات شبابي. وتعمّقت في قراءة مصادر التّاريخ الأموي، فوجدت أنّ تاريخ العرب المسلمين هو تاريخ فتن وانشقاقات. وهذه الفتن نشأت كلّها في الفترة الأمويّة.

 

كيف تفسرين الفتنة بمفهومها الديني والفقهي، كيف تنظرين إلى {الفتنة} اليوم انطلاقاً من التاريخ والماضي؟

الفتنة هي انشقاق داخل المجموعة الإسلاميّة حول مسائل سياسيّة ودينيّة استناداً إلى النصّ القرآني. فكلّ طرف، وظّف القرآن من زاوية ذاتيّة ليدافع على مبادئ أيديولوجيّة. وقسّمت هذه الفتنة أو الفتن المسلمين إلى مجموعات شيعيّة وسنيّة وخارجيّة ما زالت تتصارع إلى اليوم.

برأيك هل تستغل وتوظف الشعارات الدينية التي حصلت في الماضي (الصراع السنّي- الشّيعي) لتحقيق مآرب سياسية في الوقت الراهن، خصوصاً من خلال ما يحدث في سورية والعراق ولبنان؟

مع الأسف، توظّف الإمبرياليّة الأميركيّة الصّراعات والانشقاقات بين الشّيعة وبين السنّة شعارات دينيّة ترجع إلى الفتنة لتقسّم وتحطّم سورية والعراق ولبنان.

 

ما حجم تأثير الفتنة على مجرى التاريخ الإسلامي وواقعنا المعاش؟

أثّرت الفتنة الأولى والفتنة الثّانية على مجرى التّاريخ الإسلامي بإحداث انقسامات واختلافات طوّرت السّياسي وعمّقت الأيديولوجي. وهي تؤثّر تأثيراً عميقاً على انقسام المجموعة الإسلاميّة في الوقت الرّاهن إلى شيعة وسنّة. ممّا يسهّل تفتيت العالم العربي والشّرق الأوسط من قوى الاستعمار الجديد.

 

خلال كتابتك التاريخ مع من تكون عاطفتك، هل تؤرخين انطلاقاً من هويتك الاسلامية أو العلمانية أو النسوية؟

تعلّمت من أساتذتي في التّاريخ الإسلامي، ابتداء من المرحوم عمر السعيدي ثمّ مع الأستاذ هشام جعيط في نطاق بحث شهادة الكفاءة في البحث وشهادة الدكتوراه. تعلّمت ما معنى أن أكون مؤرّخة في تاريخ الإسلام. فأنا أحاول كلّ جهدي أن أتّبع الصّرامة العلميّة والموضوعيّة في التّعامل مع المصادر، ويساعدني انتمائي إلى الهويّة الإسلاميّة على فهم عقليّة الفاعلين السياسييّن الأموييّن وتحليل الخطاب الدّيني للمعارضين لهم من دون تعصّب ديني ومذهبي.

كذلك أنا امرأة ثائرة على عقليّة ترى أنّ الكتابة التّاريخيّة حكر على الرّجال، خصوصاً إذا تعلّق الأمر بالتّاريخ السّياسي والفتن في التّاريخ العربي الإسلامي. ويندرج اهتمامي بتاريخ النّساء لتغييب هذا التّاريخ المهم وتهميشه من بعض المفكّرين الرّجال العرب والتونسيّين على أساس أنّه تافه وليس له  تأثير على مجرى التّاريخ. وأنا في النّهاية أنتمي إلى المدرسة التّاريخيّة التّونسيّة التّي تعتمد المنهج العقلاني وأساليب البحث الجديدة.