مجلة حكمة

حدود السلطة – چون سايمنز / ترجمة: سلمى إدريس

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

بادئ ذي بدء، فإنّ چون سيمنز انتهج في عمله الفلسفي موضوعين بارزين بمضمون ذلك العمل:

  • كان يعترض وبشكلٍ داحض على تلقي بيانات الالتزام السياسي، بل ويندّد بأهمية الموافقة الفعلية وغيرها من الاعتبارات التاريخية في مطالب الدول، وذلك بالتنظير في الشرعية السياسية.

  • في ضوء النظرية اللاكانية، كان يدعو چون لفهمٍ أوسع لموضوع الشرعية السياسية وحقوق الملكية كذلك.

 ففي كتاب “حدود السلطة” نسج هذان الموضوعان وبشكلٍ واضح وبديع، الدعم وتطوير التقييم الأخلاقي الشامل للمطالب التي تندِّد بها الدول بشأن الحقوق على الأراضي. وحتماً، فإن النتائج النهائية تستوضح الوسيلة الأكثر تطوراً والتي بدورها تتيح عرض النَزعة الانفرادية والإرادية وذلك من جانب النظرية اللاكانية للحقوق الإقليمية.

وكما نستنبط من العنوان، بأنّ هذا الكتاب لا يُركزّ في المقام الأول على شرعية السلطة السياسية أو حتى استعراض تبرير الحكم السياسي الإقليمي بشكل عام. لكن عِوضاً عن ذلك، فإنّ جوهر الغموض الذي يحاول كشفه هذا الكتاب، هو عن كيفية ما يمكن لدولٍ معينّة استحقاقها لأجزاء معينّة من الأرض بمواردها الطبيعية كالبحر والهواء وغيرهما.

وتعدّ هذه المشكلة الحدودية هي المتطلب النظري لرسم وتعيين حدود السلطة السياسية لكل دولة، بالإضافة إلى السيادة الإقليمية في الأماكن الملائمة والتي يبرز دورها من الجانب الإقليمي عادةً.

وما قد ذُكر آنفاً، هو المتطلب الدقيق الذي سعى سيمنز إلى التركيز عليه في أي نظرية تتقابل مع الشرعية السياسية.

ويكمن الجوهر في النظرية اللاكانية التي استعان بها سيمنز بأنها تُمكّن من حلِّ المشكلات الحدودية والتي عجزت عن حلها كُلّاً من النظريات الوظيفية النفعية وكذلك النظريات الهيكلية البنائية.

وتناشد الدُول الحديثة بثلاثة حقوق إقليمية رئيسية:

  • حقّ السُلطة التامّ على الأرض جغرافياً.

  • حقّ التصرّف التامّ بجميع الموارد داخل المنطقة.

  • حقّ التحكم التامّ بتحركات الأشخاص – من دولة لأخرى – بما في ذلك استخدام الموارد داخل حدود تلك المنطقة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الحق الأكثر طلباً ضمن تلك الحقوق هو حقّ “السلطة الإقليمية”.

فوفقاً لرأي سيمنز اللاكاني المتعلّق بالسلطة الإقليمية الشرعية، بأنّ الإقليم المُحدّد في الدولة ينشأ نتيجةً للتفضيلات المُطلَقة للأفراد المنتسبين لذلك الإقليم.

فعندما يستجيب الأفراد لإنشاء جماعة سياسية أو حتى الانضمام لإحداها، فإن ذلك يُبيّن رغبتهم بالموافقة على القانون المسنون لتلك الدولة، ليس هذا وحسب، بل إنّهم متفقون أيضاً بشكلٍ ضمني على أنّ الأراضي التابعة لهم والتي يملكون حقوقهم عليها، ستخضع للسلطة التامة والقانونية من تلك الدولة.

يجدر بالذكر بأنّ الاتفاق الضمني الآخر ليس بغرض التنازل عن أي أرض؛ ولذلك يتم الدمج داخل نطاق الدولة مالم يتم تقييد المالِكين اللاحقين لقبول سلطة الدولة على تلك الأرض.

بعبارةٍ أخرى، الأفراد الذين يوالون دولة معينة بمحضِ إرادتهم، فإنهم بذلك يقبلون بالانتقال إلى الدولة التي نحن بصدد التطرق إلى بعض المُجريات المتعلِّقة بحقوقهم الطبيعية كأفراد وكمالكي أراضي.

تستحق الدولة حقوق ولايتها على منطقةٍ جغرافية معينة؛ وذلك بتلقيها هذه الحقوق المحولّة من أفراد معينين مع ممتلكاتهم في مناطق محددة من الدولة. على إثر ذلك، فإنّ الإقليم الشرعي للدولة هو عبارةً عن تركيب مكونّ من عدة بقع مختلفة؛ نتيجةَ تفاقم الممتلكات الطوعية من ممتلكات الأفراد المنتسبين للدولة، والذين بدورهم سَخرّوا أنفسهم طواعيةً في سبيل السلطة السياسية لتلك الدولة.

ولذا بات من السهل أن ندرك أهمية حقوق الدول في إدارة الموارد وضبط أفواج الهجرة. بدءًا من هذا التصور الأساسي لحقوق الدول للسلطة الإقليمية والتي هي بدورها مستسقاة من الأفراد المعنيين المنتسبين إليها. إضافةً إلى حقوق الملكية الطبيعية والمشتركة. فصاحب الملكية مخولّ بإدارة استعمالاته أينما يتم وضع ممتلكاته. ومنذ ذلك الوقت، فإنّ إقليم الدولة الشرعي بالنسبة لسيمنز مكونّ من أرضٍ وموارد، شريطةَ أن يكون المنتسبين لها ذوي الحقوق الملكية.

ومن هنا نستوضح ونلاحظ حق الدولة في إدارة الموارد التابعة لأرضها على أنه مستمَدٌ من تلك الحقوق.

فوفقا لما قاله سيمنز: “من حقِّ الدولة الحماية والسيطرة والاستبعاد، فلها كل ما للأفراد مالكوا الأراضي على حدٍّ سواء.”

ولذلك تم إيضاح حق الدولة في ضبط الهجرة إلى أراضيها تماماً مثلما تمت الإشارة إلى حقيقة مفادها بأنّ الإقليم مكونّ من ملكيات الأراضي الشرعية التي تخص منتسبي الدولة.

ولنظرية سيمنز تَبِعات تصحيحية جذرية فيما يتعلق بالمطالب الإقليمية للدول الحديثة، فكما قال: “لا توجد دولة حديثة تحكُم أفراداً مؤيدين، وكذلك لا وجود لأي مطالَبات إقليمية من أي دولة حديثة قد تكونت من ممتلكاتِ أفرادها المؤيدين فحسب”. بناءً على ذلك، فإننا إن أردنا تطبيق النظرية اللاكانية لسيمنز؛ فيجدر بنا حينئذ أن نتوصل إلى خلاصة وهي: “لا وجود لدولة تمتلك سلطة شرعية على كامل أرضها المُطالَب بها، بل ليس هناك دولة لها الحق المطلق في السيطرة على موارد أرضها ولا حتى في ضبط وتنظيم الهجرة إلى أراضيها”.

ولذلك يصعب تصور أن تتجه أي دولة بشكل شرعي لامتلاك حقوقٍ إقليمية في المستقبل القريب. وهذا هو نتاج وواقع ما آلت إليه أفعال التمادي من سيمنز في تطرفه، وحصل هذا لسببين هما:

  • يَعتبر سيمنز أنه ليس بمقدور أي دولةٍ تشريع سلطتها أو ولايتها عن طريق إصلاح مؤسساتها وقوانينها وسياساتها بُغية تحسين أداء المهام الأساسية أخلاقياً، وكذلك اجتثاث المظالم الهيكلية لتحقيق رفاهية مواطنيها والبشرية جمعاء على أراضيها المُطالَب بها.

وتعدّ كل هذه المزايا الهيكلية والنفعية للدول كافية تماماً لأجل الحكم الشرعي الإقليمي إذا ما استمرت الدول في إرضاخ الأفراد وممتلكاتهم الطبيعية للسلطة ظلماً وعدواناً وعمداً.

  • رفضَ سيمنز تقبّل الرأي السائد على نطاقٍ واسع والذي يدور حول إصلاح المطالبات المتعلقة بانتهاكات حقوق تاريخية يتم استبدالها عادةً نتيجةً لتغير الظروف بمرور الزمن.

 فوفقاً لسيمنز، عندما يتم انتهاك حقوق ملكية الأفراد بالتوسع الإقليمي للدول، أو حتى وإن حدثت مثل هذه الانتهاكات في الماضي البعيد، فإن مطالباتهم للإصلاح لا تزال قائمة مع الوقت ويتم توارثها عبر الأجيال.

على هذا النحو، فإنّ الأخطاء التي لا تعد ولا تحصى، والتي بدورها شوهتّ التاريخ الطويل لتشكيل الدولة قد خلّفت آثاراً أخلاقية مستمرة من شأنها أن تكبح أنواع الإجراءات السياسية الأساسية التي يستطيع الأفراد والمجموعات الموجودة حالياً تأسيسها وصيانتها شرعاً.

هناك بونٌ شاسع بين نظرية الحقوق الإقليمية لسايمونز بشِقيها المثالي والغير مثالي، وليس فقط الإجراءات السياسية المتاحة، بل وأيضاً التطلعات المألوفة للإصلاح السياسي التي تستوجب استنهاض البحث لمزيدٍ من مسبّبات أخرى لاستنتاجاته الجذرية. جديرٌ بالذكر، بأنّ رواية سايمونز للحقوق الإقليمية تستند على مجموعتين من الادعاءات المثيرة للجدل إلى حدٍّ كبير.

ومما هو غني عن البيان والتوضيح بأنّ هناك الكثيرون ممن سيعترضون على ضرورة الموافقة الفعلية للأفراد؛ وذلك لإخضاعهم الشرعي للحكم السياسي. ومما يلقي بظلال الشكّ على التطوع السياسي هو الضرورة الأخلاقية لإنشاء المؤسسات السياسية التي بدورها تحمي المصالح الأساسية لكل طرف وتأمين شروط عادلة لتنظيم وضبط التفاعلات الاجتماعية التي نتعامل معها بشكلٍ لا يمكن تجنبه. ومما يثير الجدل هو ادعاءات سايمنز حول الحقوق الطبيعية القوية للتملّك الكامل في الأراضي.

لذلك يشكِّك الكثيرون في أنّ الأفراد يمكنهم اكتساب حقوق ملكية – قاطعة – في الأرض وذلك قبل تأسيس المؤسسات السياسية، ويكون ذلك بدمج عملهم في أرض تلك المؤسسات. أمّا التنظيم البنائي الصحيح لهذه الملكية الطبيعية في الأرض والذي تقوم به السلطات السياسية بغياب موافقة المالكين فإنه يعدّ انتهاكاً للحقوق. وأنّ مثل هذه الانتهاكات ينتج عنها استحقاقات تعديلية يستمر مداها على مرِّ العصور.

وبدورنا، إذا اعتقدنا بأنّ حقوق الملكية هي حقوقٌ مؤسسية تُسهلّ توزيع الموارد التي يحتاجها الأفراد من أجل متابعة خططهم وأهدافهم، فقد نشك حينئذٍ في أنّ حقوق الملكية في الأرض يمكن أن تمثِّل الدور الذي تحتاج إليه نظرية سايمنز حول الإقليم.  فمهما كانت أسس تلك النظرية مثيرةً للجدل ومخالِفةً لما يؤول عليه الواقع، فقد يعتقد البعض بأنّ أهمية نظرية الحقوق الإقليمية لسايمنز هي النظرية الوحيدة التي تملُك الموارد النظرية لحل مشكلة الحدود. بالرغم من ذلك، فإنه من غير الواضح أنّ مهمة تحديد وتمييز الاختصاصات القضائية الإقليمية تمثل تضاداً قابلاً للتفاعل لما يسمى بـ “الكانتانية الوظيفية” والتي يعتبرها سايمنز المنافس الرئيسي لمقاربته.

بطبيعة الحال لا يمكن للأحكام والشروط الوظيفية أو البُنيوية المَحضة للسلطة السياسية الشرعية أن تَحلّ هذه المشكلة؛ لأنها متطلبات تتعلق بالترتيب الموضوعي للتجمعات السياسية على ولايتها القضائية مهما كان ذلك، ولكن يبدو أنه لا يوجد سبب لعدم إمكانية دعم الأهمية الوظيفية أو البنائية لشرعية الدولة الإقليمية بمبادئ إضافية من شأنها معالجة مسألة الحدود من دون أن تحجب نهج النظرية اللاكانية لسايمنز.