مجلة حكمة
بلومزبري جماعة

جماعة بلومزبري: ثلاثيات الغرام، الانتحار والشيوعية – آندي ماك سميث / ترجمة: سارة العبدالله

groupwithbustresized
جماعة بلومزبري

 “بدأت جماعة من الكتاب والمثقفين بالاجتماع في منزل فينيسا وشقيقتها فرجينيا وولف عام ١٩٠٥. أُطلق على هذه الجماعة اسم بلومزبري Bloomsbury، ويعود هذا الاسم لمقاطعة وسط لندن تغطيها حدائق تحيط بها منازل أنيقة.” عُرفت هذه الجماعة بتناغم المنتمين لها وعملهم الدؤوب، فقد كانوا نخبة من المفكرين الموهوبين، أو ربما حفنة من الفاسقين الماجنين. “من عاشوا في الساحات، وعشقوا الغراميات”[1]

ظلّت جماعة بلومزبري جماعة مذهلة لثلاثة عقود، فقد اعتادوا على التجمع في البيوت الذكية[2], للجنس والمحادثات الشيقة. لا يكاد أن يخلو عام دون نشر كتاب آخر يسلط الضوء على جزء من حياتهم غير العادية، وظهر الآن أحدث الاسهامات بلومزبيريانا وهو عمل يتكون من آلاف الصفحات تتضمن مراسلات بين الأعضاء وثلاثين ألبوما من الصور يخص اثنتين من أعضاء هذه الجماعة، وقد أتيح للاستخدام العام.

بلومزبري Bloomsbury
فرانسيس بارتيدج-روزموند ليمان

تلك العضوتان كانتا روزموند ليمان شخصية مشهورة في المشهد الأدبي البريطاني خلال الحربين العالميتين، والأخرى كاتبة اليوميات فرانيسيس بارتيج، التي عاشت أكثر من الآخرين، ولم تزل تكتب يومياتها حتى آخر يوم من حياتها، قبل ست سنوات، عن عمر يناهز مئة وثلاث سنوات.

رغم أن أعضاء بلومزبري كانوا رائعين ومتحررين, لكن لم يكن جميعهم سعداء. كانت الروائية فرجينيا وولف هي الشخصية المركزية لهذه الجماعة، والتي كتبت لزوجها بعدما حدث انفجار في منزلها عام ١٩٤١ قائلة: “لا يمكننا تخطي المزيد من هذه الأوقات العصيبة”. ملأت جيوبها بالأحجار وعبرت النهر لتغرق نفسها.

من بين محتويات الأرشيف الذي أطلق حديثا، كانت هناك رسالة لفرانسيس بارتيج والمؤرخة في الثالث من أبريل عام ١٩٤١ أي بعد خمسة أيام من اختفاء فرجينيا وولف وقبل العثور على جثتها. أُرسلت من الناقد الأدبي كلايف بيل زوج فينيسا شقيقة وولف.

بلومزبري Bloomsbury
كلايف بيل- فرجينيا وولف

كتب قائلا:

أخشى أنه لا يوجد أدنى شك أنها أغرقت نفسها مساء الجمعة الماضية، لقد تركت رسائل لزوجها ليونارد وفينيسا. وُجدت عصاتها وآثار أقدامها على حافة النهر. وما ذلك إلا دليل على أنها مرّت قبل عدة أسابيع بتلك الانهيارات المؤلمة مجددا، فاحتمال عامين من الجنون ثم الاستيقاظ مجددا على ما خلفته سنتين من الحرب في هذا العالم، لا يسعني القول بأنها لم تكن حكيمة

 

fba7bdcd-8714-44c1-9d88-0aa70e57c799
دورا كارينغتون- فرانسيس ورالف بارتيج

برزت فرانيسيس مارشال (لاحقا السيدة بارتيج) عبر علاقات جنسية معقدة، لم تكن علاقة حب ثلاثي بل رباعي. بدأت ابنة المعماري ويليام مارشال بالعمل في متجر للكتب بعدما تركت كلية نيوهام كامبردج. كان من ضمن زبائنها لايتون ستراتشي الشهير بلوحاته المتمردة لأشهر الفيكتوريين، والرسامة دورا كارينغتون وزوجها رالف بارتيج. عاش الثلاثة معا في ويلتشير بمزرعة هام سبراي.  بينما كانت كارينغتون تعيش علاقة حب مع أحد أصدقاء رالف كانت متيمة بحب ستراتشي، لكن ستراتشي كان شاذا وأحب رالف بارتيج. بينما بارتيج على الطرف الآخر كان واقعا في حب الشابة فرانسيس مارشال، والتي انتقلت للعيش بمنزل في لندن غير آبهة لحقيقة كونه متزوجا. توفي ستراتشي عام ١٩٣٢ بعد معاناة مع سرطان المعدة ولم تستطع كارينغتون تحمل أمر وفاته، فأطلقت النار على نفسها لكنها لم تصب الهدف جيدا، لذلك كانت على قيد الحياة عندما وصل رالف وفرانسيس لمزرعة هام سبراي بعد ساعات ثم ماتت بعد ذلك بمدة قصيرة.

رسالة أخرى من رسائل أرشيف كلايف بيل الذي صدر حديثا يقول فيها:

” الأمر المرعب بالنسبة لي، حقيقة أنها كانت على قيد الحياة حال قدومكم. ما الذي يمكن أن يحدث؟ -سعيد أنه لا يسعني حتى تخيله- هذا العالم المأساوي الذي ابتلع أعز أصدقائي هو بالنسبة لي عالم نصف حقيقي، غادرت لندن ليوم أو يومين بعد وفاة ستراتشي، ألم يكن الأفضل أن تغادري أنت ورالف أيضا لبعض الوقت؟” 

تزوج رالف وفرانسيس في السنة التالية، واستقرا في هام سبراي حتى توفي رالف عام ١٩٦٠ وعادت هي بعد ذلك إلى لندن.

69454
فيليب ووغان- روزموند ليمان

كانت روزموند ليمان تصغر فرانيسس بارتيج بسنة واحدة، وذاع صيتها عبر رواية الجواب الأغبر عام ١٩٢٧ وهي في عمر السادسة والعشرين، رغم ذلك لم ترق الرواية للجميع. قال ناقد New Yorkerبراندون غيل ناقدا أحد رواياتها الأخيرة ” إنها رواية معيبة، لمحاولتها لوم الرجال على مشاكل النساء بينما المشكلة الحقيقية كانت كما يبدو أمرا يدعى “المصير” لكن النساء لا يسعهن استخدام هذا المصطلح أعني المصير، لن يؤلفن هاملت لو استطعن

تزوجت روزموند مرتين المرة الأولى من فيليبس ووغان الابن الشيوعي لمالك السفن الثري. والذي احتفل لاحقا بكونه بارون ميلفورد الثاني، والشيوعي الوحيد في مجلس اللوردات. كان هناك أيضا رسالة من الأرشيف الجديد من روزموند ليمان إلى فرانسيس بارتيج، تصف نقاشا حادا بين فيليبس ووالده عام ١٩٣٢

لقد بدأ بجدل حول عقوبة الإعدام ثم تحول بسرعة إلى الشيوعية، رسومات قذرة، وتواجد مع مجموعة قذرة ومثقفين فاسدين، وهل تنوي جعل ووغان تتسول لكل قرش، إلخ. قُدّم لووغان وثائق للتوقيع عليها تتضمن موافقته على الذهاب لمحل محركات موريس والعمل كميكانيكي عادي، ثم الذهاب لروسيا لستة أشهر وإيجاد أي عمل، في ذلك اللحين وصلت رسالة لموريس تدعوه لقبول ووغان ومعالجته من سفسفة الشيوعية

ولم يتعالج! ذهب فيليبس لإسبانيا كسائق إسعاف متطوع خلال الحرب الأهلية، تدمر زواجه بعد عودته وبدأت ليمان بعلاقة طويلة غير سعيدة مع سيسيل دي لويس. لكنه قدم حيا على الأقل، على عكس كلايف بيل وجوليان ابن فينيسا الذين قتلوا أثناء قيادتهم سيارة الإسعاف في صيف ١٩٣٧.

 رسالة أخرى كانت من فرجينيا وولف إلى ليمان تدور حول موضوع وفاة ابن أختها جوليان.

كتبت فيرجينيا:

رأيت بورشيا هولمان في المستشفى بعد أيام من وفاة جوليان. أعطتني تفسيرا مختلفا ربما أقل إيلاما -أعني لم تغرق في التفاصيل- وأعدت كل ما قالته لي على فينيسا. كانت مستاءة جدا لسماع كل ذلك. رغم هذا أعتقد أنه كان من المريح لها معرفة ماقد حدث

تماما مثل بارتيج عاشت ليمان حياة طويلة توفيت عام ١٩٩٠ عن عمر يناهز ٨٩ عاما. “نوعا ما، ارتبطت هاتين المرأتين بجيل لم يكن ليظهر إلا بين حربين” هذا ما قالته باتريشيا ماغواير أمينة الأرشيف في كلية كينغ كامبريدج والتي تملك كلا المجموعتين. “كانوا يملكون العلم، الممارسات والحقوق, لكنهم كانوا يملكون وقت فراغ ولم يكن بالضرورة امتلاك منزل. لديهم وجهات نظر محكمة، وصريحين جدا حيال مشاعرهم فقدت هذه المجموعة تماسكها بوفاة أهم أعضاء هذه الجماعة في الثلاثينات والأربعينات، إلا أنهم ضلّوا متماسكين أفرادا وواصلوا أعمالهم الإبداعية.

 26c73as28h7g بلومزبري Bloomsbury

نخبة من مثقفي جماعة بلومزبري:

 

فيرجينيا وولف ١٨٨٢-١٩٤١

أحد أعظم روائيي القرن العشرين تقلصت سمعتها بعد حادثة انتحارها عام ١٩٤١ لكنها أحييت بعد انتعاش حركة النسوية في السبعينات.

كلايف بيل ١٨٨١-١٩٦٤

ناقد فني وبطل سابق للفن الحديث، زوج فينيسا الشقيقة الكبرى لفرجينيا وولف.

جوليان بيل 1908-1937

 ابن أخت فرجينيا وولف، و طالب في كامبريدج. أشيع عنه أنه كان عشيقا للجاسوس أنتوني بلنت. ذهب للصين ثم أسبانيا حيث قاد الإسعاف للجمهوريين ولقي حتفه في معركة برونيتي.

دورا كارينغتون ١٨٩٣-١٩٣٢

فنانة ورسامة صُوّر حبها البائس للايتون ستراتشي في فيلم كارينغتون عام ١٩٩٥  وتملك الآن شهرة بكونها فنانة أكثر مما كانت عليه في حياتها.

روزموند ليمان ١٩٠١-١٩٩٠

روائية. يعد بعض أعمالها سيرا ذاتية، تناقش مشاكل مثل الزنا، المثلية، وتفكك الزواج، وإجهاض الشوارع.

فرانسيس بارتيج ١٩٩٠-٢٠٠٤ 

أطول أعضاء جماعة بلومزبري عمرا، خلدت شهرتها في كتابة يومياتها التي بدأتها منذ زواجها من رالف بارتيج الزوج الأسبق لكارينغتون عام ١٩٣٣.

لايتون ستراتشي ١٨٨٠-١٩٣٢

كاتب “فكتوريون بارزون” وهو كتاب يحوي أربع سير ذاتية لأبطال فكتوريين والذي بدل وعي جيل حول قرن سابق. كان الإقتصادي جون ماينارد كينيز أحد عشاقه.

ووغان فيليبس ١٩٠٢-١٩٩٣

زوج روزموند ليمان. تبرأ منه والده لورد ميلفورد عندما انضم إلى الحزب الشيوعي، ولكن  في عام ١٩٦٣ أصبح الشيوعي الوحيد الذي جلس في مجلس اللوردات.

المصدر


هوامش:

[1] صاحبة هذه المقولة دورثي باركر “lived in squares, painted in circles and loved in triangles“. تصف حياة جماعة بلومزبري. في إشارة لدائرة الصداقات، والساحات الفاخرة التي عاشوا فيها، إضافة لتعقيد مثلث العلاقات الغرامية.

[2] يطلق هذا المسمى على البيوت التي يجتمع فيها من أجل العمل والتسلية.