مجلة حكمة
بين دارا والخميني: استكشاف إشكالية الهوية القومية في إيران - علم صالح وجيمس وارل / ترجمة: محمد العربي

بين دارا والخميني: استكشاف إشكالية الهوية القومية في إيران – علم صالح وجيمس وارل / ترجمة: محمد العربي

 


تعد إيران دولة متعددة الإثنيات؛ وقد وجدت صعوبة طويلة في إدماج الهويات المختلفة في الخطابات السائدة داخل الهوية الإيرانية، والمهيمن عليها فارسيا. ومن الواضح أنه على المدى الطويل “ستطلب إيران المستقرة حيزًا لكل فرد”[1]، ويتضمن هذا بناء هوية إيرانية من شأنها أن تستوعب الاختلافات وأن تجد المشتركات التـي يُمكِن التأكيد عليها لخلق شعورٍ أقوى بالهوية الوطنية الإيرانية المشتركة. بيد أن هذه المقولة تخفي مشكلة أعمق من مجرد إدماج الأقليات الإثنية والدينية في هوية إيرانية سائدة وجامعة. فمن الواضح أن الفرس- باعتبارهم المجموعة المهيمنة عدديًّا وثقافيًّا وبمفاهيم موارد السلطة- كانوا اللاعبين الأساسيين في تشكيل الهوية الإيرانية حتـى اليوم، غير أن هذه المجموعة المهيمنة نفسها تتصارع مع مفهومها الخاص عن الهوية، والذي لا زال في حالة تغير مستمر حتـى يومنا هذا. يسعى هذا المقال إلى استكشاف هذه التوترات، ووضع المشكلة في السياق الأوسع المتعلق بالتوفيق بين رغبات واحتياجات الثقافة الفارسية المهيمنة مع حقيقة الدولة متعددة الإثنيات والحاجة إلى هوية إيرانية وطنية جامعة. ويجادل أن الجزء الرئيس في حل “أزمة الهوية الإيرانية” هو حل “أزمة الهوية الفارسية” المركزية، والتـي تتأرجح بين الخطابين القومي والإسلامي، واللذين لهما أثر بالغ على الهوية الإيرانية الوطنية الأوسع[2].

وإلى حدٍ بعيد، كانت هذه المشكلة حاضرة في إيران منذ فترة طويلة، غير أن مجيء الجمهورية الإسلامية بعد 1979، والتـي رأت في البداية أن البندول يضرب بقوة في اتجاهٍ واحد، قد أعادها إلى الواقع بقوة مع إدخال الخطابات القومية والتـي- وإن صيغت باللغة “الإيرانية”- كانت بالطبع في معظمها فارسية في بنيتها. إن هذا التوتر المركزي بين القومية والإسلام هو محور تركيز المقال.

أدى هذا التوتر إلى مشكلاتٍ متزايدة بالنسبة للنظام الإسلامي في طهران، في الوقت الذي كان فيه الخطاب المبكر القائم على الهوية الإسلامية والمثالية المشتركة قد تزايد فساده مع حقيقة وجود دولة مُسيطر عليها فارسيًّا في مجتمع متعدد إثنيًّا ومحاطة بجيران عدوانين ومسببين للقلق، ولها علاقة دائمة الاحتراب مع القوة العظمى. ومع أخذ هذا الوضع في الاعتبار، فإن القضية الرئيسية لدى الجمهورية الإسلامية هو ما إذا كان من الممكن توفيق أيديولوجيتها الإسلامية مع حقائق القومية، وما يعنيه هذا بدوره بالنسبة لإدماج الأقليات في الهوية الإيرانية. وفي هذا الصدد، جادل باري بوزان Barry Buzan بأن الهوية المجتمعية هي مُكوِّن رئيس لما يُطلِق عليه “إشكالية الأمن”[3]. ومن الواضح أن قضايا الهوية هذه قد تمت أمننتها بتزايد، في الوقت الذي كان علـى الدولة الإسلامية أن تستثمر في كلٍ من تأسيس والدفاع عن هوية وطنية متماسكة. ويستكمل المقال تناول هذه القضايا باستخدام إطار فكرة الإشكالية وأداتها عن طريق: أولاً، شرح الكيفية التـي تُستخدم بها الإشكالية، ثم استكشاف تاريخ القومية في إيران بتناول المقاربة التي اتخذها الشاهات لخلق القومية والحفاظ عليها، قبل استكشاف الاقتراب الذي اتخذته الجمهورية الإسلامية بعد عام 1979، وفي النهاية، استكشاف التوترات بين مصدريّ الهوية لدراسة ثنائية الإيرانية والإسلامية، قبل عرض كامل الإشكالية التـي ظهرت من خلال تحليلها في الخلاصة.

إشكالية الهوية

إن تعقد الهوية الوطنية الإيرانية إنما يعود في جزءٍ منه إلى ضم العديد من الأعراق واللغات والأقاليم والطوائف والأديان في الدولة الحديثة. غير أن فيروز كاشانـي ثابت يشير إلى أن الفريد في الهوية الوطنية الإيرانية هو “الطريقة التـي كانت بها التأكيدات المتفاوتة على التعبيرات المتكاملة للقومية ولكن المتنافسة أحيانًا قد حولت السياسة الإيران بطرق راديكالية”[4]. لم تكن الهوية الإيرانية أبدًا متجانسة، بل كانت دائمًا متنافرة في العديد من اللحظات التاريخية الخاصة، على نحوٍ أدى إلى تحولاتٍ حادة ليس فقط في مفاهيم النظام ولكن أيضًا في مفاهيم الهوية الوطنية.

على مدار  القرن العشرين على وجه الخصوص، أدى التناقض الدائم في الخطابات الإسلامية والقومية إلى توتر في فهم إيران لذاتها.  يعود أحد أسباب هذا التوتر  إلى أن الخطابات القومية في إيران قد بنيت على أساس من تمجيد التراث ما قبل الإسلامي الذي دائمًا ما صُوّر باعتباره المصدر الأصيل للهوية الإيرانية، مما يربط هذا فكرة إيران بمساحةٍ معينة، وشعور معين بالذات ومعرفةٍ بعظمة الماضي. لقد تم تبنـي هذا الخطاب في الحقبة البهلوية، مع الاستخدام المُكثَّف للماضـي التليد ليس فقط لتعزيز هيبة النظام الملكي، ولكن أيضًا لإعادة تعزيز الشعور بالقومية الإيرانية. وقد اشتملت هذه العملية كذلك على تبنـي مشاعر معادية للإسلام و”معادية للآخر”، وحاولت أن تؤسس لهوية الشعب على أساس من الثقافة واللغة الفارسيتين باعتبارها التجسيد الحديث للماضـي الإيراني التليد المجيد.

يعد هذا نقيضًا حادًا للخطاب الإسلامي الخمينـي، والذي سعى بالضرورة إلى النئـي عن شرعنة نظم الخطابات والهوية القائمين على أساسٍ قومي للنظام الملكي الحاكم، والذهاب بعيدًا بقدر الإمكان ليس فقط عن إعادة فرض الخطاب المؤيد للإسلام، ولكن اتخاذ موقفٍ معادٍ للقومية بوضوح مستخدمًا الرؤية الدوجمائية للأمة وذلك من أجل تجاوز الدولة وإيران إلى الدعوة إلى “رسالة عالمية وحكم إسلامي واسع”[5]. رأى الخمينـي الروابط القومية باعتبارها منتجات للفكر الغربـي والذي كان خصمًا لـ”وحدة الإسلام” واُستخدِم كأداة لتقويضه. نتج عن هذا  ربما الكشف الأكثر وضوحًا عن التوترات المدفونة في قلب الهوية الفارسية، بعد عام 1979، التـي كان لها بدورها أكبر التأثير على الهوية الإيرانية. تفاقمت هذه القطيعة مع هوية النظام الملكي بوضوح بأيديولوجيا النظام الإسلامي الجديد، والتـي لم تتجذر في الإسلام الشيعي والمفهوم العالمي للأمة الذي قوَّض وتجاوز حدود الدول فحسب، ولكن أيضًا في أفكار تضامن الجنوب مع الجنوب، ومحاربة القمع، والطريق الثالث المحايد بين استقطابات الحرب الباردة.

تشكل الفروق بين هاتين الهويتين، والتـي اتضحت أكثر من أي وقت مضـى في أعقاب الثورة، عاملاً أصيلاً فـي فهم الهوية الإيرانية. كما أن التوترات بينهما تشكل تحديًّا أمام أيديولوجيا الدولة والهوية المجتمعية. ويُؤثِّر خلق التوتر بين الفرس ذوي أولويات الهوية المختلفة بدوره على المفاهيم الأوسع للهوية الإيرانية. وهذه الإشكالية أمر له دلالاته وتضميناته بالنسبة للجمهورية الإسلامية.

في الحقيقة، يُمكِن القول أن قدوم الجمهورية الإسلامية قد فاقم هذه التصدعات القائمة، وأن الأمل في أن تعمل الهوية الإسلامية كقوة مُوحدِة لكل الإيرانيين قد أخفق على نطاقٍ واسع، وانعكس هذا في الجدالات المحمومة حول الحكم الدينـي في مقابل العلمانية، وحقوق الإثنيات في مقابل الحقوق الفردية، والصراع حول معنـى الحداثة بالنسبة لإيران وشعوبها. يُعد تحليل جوانب من هذه الجدالات في الآلية الداخلية التـي تتعامل بها الجمهورية الإسلامية نفسها مع قضايا حقوق الإنسان والسياسية الخارجية والتـي يقودها هؤلاء المفترض بهم تدعيم الهوية الإسلامية للدولة برهان على بهذا[6]. ومن ثمَّ، فإننا في مواجهة صورة مُعقدة غالبًا ما تمنعنا من رؤية لب القضايا؛ ولهذا، تتبنـى هذه الورقة أداة الإشكالية والتـي يُمكِن من خلالها استكشاف قضية هوية إيران القومية.

تُعبِّر الإشكالية عن فكرة وجود مشكلة تتسم بكلٍ من الاستمرارية والخطورة بالنسبة لكيانٍ ما، وتُظهِر العلاقات الداخلية المتبادلة والترابط بين القضايا وهو الأهم بالنسبة لنا. لا نتحدث هنا عن مشكلة مستعصية تدفعها آلية صفرية، ولكن على نحوٍ أكبر، حينما تكون هناك سرديتان يبدوان للوهلة الأولى متباعدتين وتسعى كلٍ منهما للابتعاد عن “الأخرى”، فإن هذا فقط هو ما يربط كلٍ منهما بالأخرى ويؤكد تبعيتهما المستمرة. وأكثر من هذا، فإن مفهوم الإشكالية يساعدنا على تجاوز فكرة الترابط البسيط للسرديتين، لتجاوز حقيقة وجود أسس مشتركة قد بُنيت عليها هاتان السرديتان؛ ومن ثمَّ يمكنك بناء علاقة مترابطة لتعريف نفسك في مقابلها، في الوقت الذي تستخدم فيه عناصر الهوية المتماثلة، ولكن الغامضة إلى حدٍ بعيدٍ نتيجة الاختلافات. وفي حالة إيران، فإن ثنائية الاتكاء الدائم على الهوية الفارسية باعتبارها مصدر الجزء الأكبر من الهوية الوطنية الإيرانية، إلى جانب حقيقة السعي إلى الدفاع عن الأرض في عالم واقعي مُكوَّن من الدول- الأمم، هي ما تُكوِّن الأساسيْن المشتركين لتشكيل بنية الهوية الوطنية الإيرانية.

إن تعقد الإشكالية التـي نعرفها هنا أمر عسير على الفهم والتصور، وهو ما يقودنا إلى سببٍ آخر لتبنـي فكرة الإشكالية. يُستخدَم مفهوم الإشكالية في الرياضيات والعلوم المادية البحتة وكذلك في الهندسة، باعتباره “نموذجًا بنيويًّا” وأداة بيانية لتعزيز الفهم الإنساني وتسهيل تطوير خطط العمل لتصحيح الأوضاع غير المرغوب فيها […] إن الإشكالية هي مُكوِّن واحد في نظامٍ أوسع لاستكشاف وإدارة التعقد”[7]. لذا، فإن ما نهدف للقيام به ليس مجرد تحديد الإشكالية وتحليلها عبر كلمات، ولكن أيضًا تمثيلها بيانيًّا (الشكل 1).

photofacefun_com_1476740912
شكل 1. الهوية الإيرانية

وبالتالي، فإن هذه الورقة يشكلها خطابان مختلفان، القومي والإسلامي، واللذان يؤسسان للجدالات حول الهوية الإيرانية، بيد أنها تتجاوز هذا بتناول حقائق هذه الخطابات لكلٍ من الفرس ولكل الإيرانيين. ويُمكِّن تمثيل هذا بيانيًّا في الشكل رقم 2.

 

photofacefun_com_1476741313
شكل 2. بيئة الهوية الإيرانية والفارسية

ومن ثمَّ، ومن وجهة نظر هذه النماذج، يُمكِن أن نرى أن هذين المصدرين المتناقضين للهوية الإيرانية هما المصدران القومي والإسلامي. غير أننا نرى أيضًا أن هوية الفرس- باعتبارها المجموعة الأكبر والأكثر قوة- ليست ثابتة هي الأخرى، وتُعبِّر عن نفس مصدري الهوية المتعارضيْن. إنها مشكلة ذات مستويين؛ أولاً لأن الهوية الفارسية تُوفِّر الأساس للهوية الوطنية على وجه الخصوص، وبدون التزام وثيق من كل الفرس بالهوية الإيرانية المشتركة، سيكون من الصعب خلق أخرى. وثانيًّا، لأن أزمة الهوية الفارسية لها دور في أزمة الهوية الإيرانية الأوسع، وعندما حاولت الدولة خلق هوية إيرانية جامعة، وجدت أنه من العسير أن تقوم بهذا لأن إطارها المرجعي تهيمن عليه أزمة الهوية الفارسية. يتعقد الأمر أكثر بسبب وجود هويات إثنية أخرى عديدة لديها مشكلات مع مفاهيم الهوية القومية الإيرانية المهيمن عليها فارسيًّا.

يزداد تعقيد قضية الهوية الوطنية الإيرانية بسبب صعوبة تمييز الباحثين بين الحدود الحالية للدولة الإيرانية، والتـي تم تثبيتها بكفاءة منذ هزيمة إيران في الحرب الروسية- الفارسية (1826-1828)، وكذلك بسبب المفهوم الأوسع للتاريخ والثقافة الإيرانيين، فضلاً عن التحديد اللغوي لمجموعة اللغات الإيرانية. دفع كل هذا باحثين مثل بروفيسور ريتشارد فري Richard N. Frye للقول “تشير إيران إلى كل الأراضـي والشعوب التـي كانت ولا زالت تتحدث باللغات الإيرانية، وحيث تواجدت فـي الماضـي ثقافات إيرانية متعددة الوجوه فـي الماضـي”[8]. وبالحديث عن تأثير اللغة الفارسية والثقافة الإيرانية على الشعوب الإسلامية الأخرى (خاصةً العرب)، قال فري “لقد أكدت في مراتٍ عديدة على أن شعوب وسط آسيا الحالية، سواءً كانت إيرانية أو تركمانية اللسان، لها ثقافة واحدة ودين واحد وقيم وتقاليد اجتماعية واحدة، فقط اللغة هي ما تفرقها”[9]

لا يُمكِن تطبيق هذه التفسيرات في هذه الورقة التـي تسعى إلى استكشاف الهوية الوطنية الإيرانية، وُتركِّز على ما وقع داخل حدود الدولة الإيرانية الحالية منذ أواخر القرن التاسع عشر، ولكن من الواضح أن هذه التمييزات بين الشعوب التـي تعيش داخل الحدود قد ازدادت أهميتها على نحوٍ متصاعد على مدار القرن العشرين، في الوقت الذي أدت فيه الانقسامات في اللغة إلى انقسامات في الثقافة والرؤى والسياسة، وقد فاقمت، منذ مجيـئ الجمهورية الإسلامية على وجه الخصوص عام 1979، الانقسامات داخل الإسلام، خاصةً بين الشيعة والسنة والصوفية، مع ازدياد ارتباط الدين أيضًا بالهوية الإثنية واللغوية.

إذًا، ترتكز الإشكالية التـي تسعى هذه الورقة إلى تناولها على التباعد الهوياتي بين الفرس والمجموعات الإثنية الأخرى وبين الفرس أنفسهم في سياق الجدل حول الهوية الوطنية الإيرانية ذاتها. هذه النماذج ملحقة بإدراك تأثير هذه الخطابات على كلٍ من مستوى الدولة ومستوى المجتمع (حيث يوجد انقطاع واضح)، وكذلك مع تأثير أهميتها بالنسبة للأيديولوجيا ومفاهيم أمن الدولة/ النظام.

القومية في إيران

إن بناء الهوية الجامعة أمر هام للغاية، غير أنه عسير جدًّا بالنسبة لدولة متعددة الإثنيات. وصف تشارلز تيلليCharles Tilly هذا الشكل من القومية على أنه “قومية تقودها الدولة”[10] (1994, p. 133) وقد أُطلِق عليها أيضًا اسم “قومية تبنيها الدولة”، وهي جهاز يُمَّكن الدولة من “استخدام القومية كأداة ترسيخ حكمها للمجتمع”[11] (Aslan, 2007, p. 246). إن هذا الشكل من القومية، والذي تبنيه الدولة ولكنه يتأسس على التاريخ والمشاعر والثقافة الموجودة في المجتمع، ومُصمم لتأمين حكم نخبة ما، هو سياسـي بكثافة ويُجمل على نحوٍ جيد العمليات التـي شهدتها إيران القرن العشرين، ولا يعود هذا فقط إلى الآليات والعمليات الداخلية، ولكن أيضًا إلى الضغوط الخارجية التـي مورست للتكيف مع النظام الدولـي.

تُوظف الهوية السياسية لإدماج الشعب، على أساسٍ من الشعور بالهوية المشتركة داخل كيانٍ إقليمـي، وكما تجادل ساندرا جويرمان Sandra Joireman، فإن القومية هي إثنية مسيسة[12]. بيد أن إيران لديها مشكلة جلية وتتمثل في احتوائها على العديد من الأقليات التـي تُشكِّل مجتمعة حوالي نصف السكان، وفيما تمكنت الدول المجاورة لها (وهي غالبًا أكثر تجانسًا) من تمتين أنماطها القومية، فإن هذا يضيف إلى تزعزع أمن الدولة الإيرانية، والتـي استجابت نحو هذا إلى حدٍ بعيد من خلال تدعيم هويتها الخاصة. ويؤدي هذا إلى خلق نطاق واسع من مشكلات الأمن:

  • كلما كانت القوميات الساعية لدولٍ بلا دول، كلما عظمت مخاطر الحرب.

  • كلما عملت هذه القوميات على استعادة مهاجرها القومية، وعملت على استراتيجيات إلحاقية للاستعادة، كلما عظمت مخاطر الحرب.

  • كلما كانت الأهداف التـي تعمل عليها إحدى القوميات متجانسة تجاه قومية أخرى، كلما عظمت مخاطر الحرب.

  • كلما كانت القوميات تقمع الأقليات التـي تعيش في دولها بشراسة، كلما عظمت مخاطر الحرب[13].

وعلى الرغم من أن هذا الإطار لم يُصمم كليًّا لإيران، إلا أن ما نراه هو أن إيران تواجه العديد من هذه المشكلات وتنخرط في كثيرٍ من هذه الحالات؛ حيث لدى إيران أقليات كردية وبلوشية وربما عربية تسعى لتكوين دولها، وكذلك احتمالية انضمام الآذريين والعرب إلى الدول المجاورة. بالإضافة إلى هذا، غالبًا ما يُنظر إلى إيران كدولة تريد أن تهيمن على المنطقة وأن يكون الفرس مهيمنين عليها، وغالبًا ما أدى هذا إلى دفع الدولة الإيرانية نحو قمع الأقليات التـي تعيش داخل حدودها بشراسة. إن هذا هام للغاية على المستوى العملـي وعلى مستوى أنه عادةً ما يعرقل قدرة الدولة على إقناع الأقليات بأية فكرة عن الهوية الوطنية الإيرانية الجامعة الموحدة.

في الحقيقة، إن وجود أو عدم وجود “وعي جمعـي” حقيقـي للشعب الإيراني، لهو أمر محل جدل إلى حدٍ ما، بالأخذ في الاعتبار تعدد الشعوب التـي تعيش داخل حدود إيران. تبدأ هذه الورقة من منظور المحاولات البديلة لخلق هوية إيرانية متجانسة وبناء وعي جمعي من خلال ابتكار هوية إيرانية تستبطنها بالتبعية الجماهير لتصبح إذًا حقيقية ومحققة للذات. ويُمثِّل هذا عملية ترجع جذورها التاريخية بشكلٍ عام إلى الثورة الدستورية عام 1906. فخلال هذه الفترة، سعت النخبة الإيرانية، التـي كانت متأثرة للغاية بفكرة القومية، إلى إعادة تشكيل وبناء هوية إيرانية متماسكة. بالنسبة إليهم، تطلب هذا سياسة لنزع الصبغة الإسلامية وتمهيد الطريق إلى “الحداثة والوطنية”، وهي العملية التي انعكست في أجزاءٍ أخرى من الشرق الأوسط، خاصةً في العقود الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية وامتدت إلى دولة تركيا الجديدة التـي كانت أكثر نجاحًا من غيرها في التأسيس لهوية وطنية مرتبطة بالحداثة والتغريب، والتـي أبعدت نفسها عن العناصر الإسلامية للهوية للماضـي. لذلك، من الضروري أن نوصف العمليات السياسية التـي دفعت المحاولات لإعادة تشكيل الهوية الوطنية الإيرانية على مدار القرن العشرين، والتـي تُقدِّم بالتالي خلفية للصعوبات التـي تواجهها الجمهورية الإسلامية في القرن الحادي والعشرين.

 

إعادة بناء الهوية الوطنية لإيران

إن مفاهيم القومية والهوية الإيرانية مصطلحات جديدة نسبيًا في السياسة والمجتمع الإيراني. ويتضح هذا من الطريقة التـي قُدِّمت بها في اللغة الفارسية هذه الحقيقة. في الفارسية تستخدم الكلمتان العربيتان “ملة” و”هوية”[14]، وبالتالي تُترجم الهوية الوطنية إلى “هويت ملي”، ولم تُستخدم مثل هذه المصطلحات، كبنية سياسية، قبل ظهور عملية بناء الدولة الأمة الحديثة، خاصةً بعد عام 1925. ويجادل رازموس إيلنج Rasmus Elling بأن مصطلح “ملة/ ملت” في العربية والتركية إنما يشير إلى الدين أو الطوائف الدينية، ويُضاف أن المثقفين الإيرانيين “سعوا إلى دمج الملة مع مفاهيم “الدولة ذات السيادة” الحديثة و”الدولة- الأمة”[15]. وترى فريدة فرحي Farideh Farhi:

 تجد المسألة الوطنية في إيران، باعتبارها قضية هوية وحقوق وحريات مدنية ووطنية، جذورها في بناء الدولة الحديثة؛ أي في سياسات المركزية الإقليمية وبناء هوية وطنية إيرانية موحدة، والتي مورست بالقوة من خلال الدولة البهلوية الأولى في الفترة من 1926إلى 1941، ثم بعد فترة ركود قصيرة، من خلال الدولة البهلوية الثانية والتي استمرت حتى العام 1979[16] (2008, p. 17).

ترتبط هذه العملية بحقائق انتشار بنية الدولة الوستفالية حول العالم، والتـي بدأت تُؤثِّر على إيران بدايةً من أواخر القرن التاسع عشر. إن ترسيم حدود إيرانية واضحة تماثل الموجودة اليوم ظاهرة حديثة، وقبل هذا كانت هذه الحدود مرنة. وبفضل هذه المرونة، والتـي تحولت إلى حدود صلبة في القرن العشرين، تحولت إيران إلى دولة ذات هوية فارسية مُهيمنة، لكنها تضم أيضًا، مجموعات إثنية أخرى تمثل ما يزيد عن 40% من مجموع السكان على أقل تقدير. بيد أن هذا لا يعنـي إنه لم تكن هناك محاولات في التاريخ الإيراني لفرض شكلاً من المركزية أو الوحدة السياسية. فيجادل توراج أتابكي Touraj Atabki، بأن الأسرة الصفوية، على سبيل المثال، حاولت أن تُوّحِد أراضيها عبر “مأسسة التشيع” باعتباره وسيلة مجدية لخلق ولاء وكفاءة أكبر عند مواجهة جيرانها التوسعيين ذوي الهويات الإثنية أو المذهبية المختلفة عنها تمامًا[17]. وكما يقول عباس أمانت Abbas Amanat:

“لقد تلقت الهوية المجتمعية الإيرانية دعمًا كبيرًا في العهد الصوفي. فمع إعلان المذهب الشيعي كعقيدة للدولة وفرضه بالقوة على أغلبية السكان، أخذت هوية ثقافية واجتماعية جديدة في التشكل. أصبح المذهب الشيعي- المؤسَس على مطالبة الشيعة بشرعية السلطة السياسية، وسردية الشهادة، والتطلع المهدوي- علامة مميزة في الهوية الإيرانية داخل حدود الأراضـي المحروسة لإيران (“مملكه محروسه ايران” بالفارسية)[18]

كان المذهب الشيعي في ذاك الوقت أداة منطقية لتوحيد الإمبراطورية المفككة نسبيًّا والتـي امتدت من بغداد إلى هراة في أقصى امتداد لها، وضمت كليًّا الدول الحديثة في أذربيجان وأرمينيا وإيران وكذلك معظم العراق وشمال سوريا وغرب تركيا وغرب أفغانستان. في مثل هذه المنطقة المتنوعة، كان المذهب الشيعي أداة لشرعنة الحكومة المركزية[19].

وبمجرد أن ثبتت الحدود الوطنية، أتى معها شعور أقوى بأهمية الأرض وارتباطها بالهوية، ومع تقلص حروب الغزو ثم اختفائها نهائيًّا كأسلوب حياة للدول، خلقت الحدود الصلبة وصعود القومية القائمة على الدولة الإثنية الحاجة إلى تكوين حكومات مركزية أقوى وأقوى على مدار القرن العشرين، لتحمي الحدود متزايدة التماسك من الغزو وتحافظ على النظام داخل الدولة الجديدة. وعندما جلبت الحداثة معها تواصلاً أفضل وسهلت وجود دول أقوى وأكثر مركزية، ازداد وعي مجموعات الأقليات. وقبل عملية مركزة السلطة هذه، كان لدى العديد من الحكام المحليين استقلال وحكم ذاتي سياسـي في مناطقهم، وحافظوا على النظام من خلال جيوشهم أو مليشياتهم أو قواتهم العسكرية المستقلة، وذهبوا إلى ما هو أبعد من هذا بتوقيع اتفاقيات مع القوى الأجنبية، وهو الأمر الذي كان غير مقبول للسلطة المركزية ذات المفهوم متزايد الصلابة المتعلق بعدم التصرف في الحدود. وفيما ازدادت قوة الدولة المركزية، سرعان ما اصطدمت بقوة النخب الإثنية في مناطقها حيث قاومت الاندماج في إيران الموحدة. وحاول الطرفان تسييس الهوية كي يزيدوا سلطتهم أو يحافظوا عليها، مع وجود دولة مركزية تسعى لخلق هوية قومية جديدة لكل الشعوب التـي تعيش داخل حدودها.

ومع ذلك، كانت المشكلة في أنه مع ترسيم الحدود الإيرانية أصبحت الأرض والحدود هي المعيار الأساسـي، إن لم يكن الوحيد، للجنسية الإيرانية. وعنى هذا أن أناسًا منتمين إلى مجموعات إثنية وجدوا أنفسهم للمرة الأولى داخل دولة مركزية ذات سيادة قامت بالاختصام من استقلالهم التقليدي ومفاهيمهم الضعيفة للولاء والتحالف. وفي الوقت الذي اقترنت فيه هذه العملية بالرغبة المذكورة مسبقًا في التحديث، والتـي جلبت معها مفاهيم القومية والابتعاد عن الهوية الدينية والتـي قام عليها الصفويون، وبالتالي خُلق فراغ تم الحكم فيه على أشكال الولاء والهوية القديمة بالتخلف، غير أنه في الوقت نفسه كانت القومية هامة لتأسيس الدولة الحديثة وحدودها الصلبة. ما ملأ هذا الفراغ كان بشكلٍ ما حتميًّا، ويتمثل في ثقافة وهوية وإثنية العرق الفارسي المسيطر. تحقق انتشار الثقافة والهوية الفارسية في الماضـي عبر التجارة والضرورة وقوة الجاذبية الثقافية، وهو ما قد نُطلق عليه اليوم القوة الناعمة. غير أنه مع صعود الحكومة المركزية المصابة بجنون العظمة والمهوسة بالحدود والمدفوعة بالقومية وذات القوة والسيطرة المتزايدة، كان من البديهي فرض هذه الثقافة على الجماعات الفرعية داخل الأراضـي الإيرانية باعتباره أمرًا ضروريًّا للأمن، ولمنع تحدي الخطاب القومي المهيمن والذي تبنته الدولة من خلال سياسات المركزة والاستيعاب[20].

دفعت الثورة الدستورية (“انقلاب مشروطه” بالفارسية( والتـي اندلعت عام 1905 بمسألة القومية الإثنية العرقية إلى واجهة الحياة السياسية، وفيما كان نجاح الثورة عائدًا، إلى حدٍ كبير، إلى مشاركة كل الفاعلين الإثنيين، ولا سيما الآذريون والبختيار والأرمن[21]، فإن الثورة قد تأسست على جانبين أساسيين من المطالب يمكن وصفهما بالقومي والديمقراطي.

كان للثورة الدستورية أهميتها القصوى في تاريخ إيران، ومثَّلت نقطة انطلاق برز منها الجدال الحالي حول الدولة والهوية. اجتمع تحالف الدستوريين حول مجموعة من القيم والأفكار والتـي يمكن التعبير عنها اليوم بمصطلحات حقوق الإنسان اللطيفة، لكنها تتجاوزها إلى حكم القانون مقابل القرارات الاعتباطية للحكام المتسلطين، ودور الدين في المجتمع والحكومة، والصراع بين الحداثة والتقاليد، وأماكن تحقق التوازن بين الاثنين بالمفاهيم التكنولوجية والسياسية والدينية والاجتماعية[22]. ويُمكِن القول إن هذه الجدالات قد وجدت سبيلاً لها داخل المذهب الشيعي نفسه، على النحو الذي اتضح في الدور الهام الذي لعبه رجال الدين والطبقة الدينية في الثورة الدستورية، من أبرز هؤلاء[23] سيد محمود طبطبائي، والشيخ فضل الله نوري، وسيد عبد الله بهبهاني، وآية الله نائينـي الذين كتبوا بقوة دفاعًا عن حكم القانون في مواجهة الطغيان الدينـي[24]. ويعتبر هذا ذا أهمية خاصة في حكم الجمهورية الإسلامية، مع بقاء الانقسام بين الإسلاموية والقومية قويًّا ومتأثرًا إلى حد بعيد بالأصوات الإسلامية التـي تُعلِن عن تحديها للنظام الإسلامي وتستمر في طرح الجدل حول قضايا مثل الحكم الدينـي في مقابل العلمانية، والفردانية مقابل الجماعية، والحقوق القومية في مقابل الحقوق القومية وهكذا دواليك.

وعلى الرغم من الانخراط العميق للفصائل الإثنية في الثورة الدستورية، برزت المشكلة سريعًا من حقيقة أن مصطلح “القومي” كان دائمًا ما يُفسر على أنه دلالة للفارسية، بدلاً من أن يكون محاولة لتقديم هوية أوسع للأمة الإيرانية. ومع صعود رضا شاه وإطاحته بأحمد شاه قاجار عام 1925، انغلقت كل الفرص لمثل هذه المبادرات الديمقراطية، وسرعان ما تبنـى سياسات متزايدة في الديكتاتورية وعرّف فكرة “القومية” باعتبارها تدليلاً على القومية الفارسية[25].

يمكن النظر إلى الثورة الدستورية إلى حدٍ بعيد باعتبارها نتاج التغيير الجذري الذي دفعت به الحداثة والأفكار الجديدة إلى إيران خلال العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، والتـي رأت البلد تخضع لعملية بطيئة من بناء الدولة بكل تضمينات ذلك. بيد أن هذه العملية تطلبت تأسيسًا تاريخيًّا وإدراكًا أيديولوجيًّا واضحًا. يمكن تفسير هذا إلى حدٍ بعيد بفعل المؤثرات الاستشراقية والتـي ألهمت، ودفعت بدورها، عمليات التغيير؛ وبالتالي كان للاستشراق أثره العميق على الهوية القومية لإيران. يفهم إدوارد سعيد الاستشراق باعتباره “نظامًا هائلاً تصبح من خلاله الثقافة الأوروبية قادرة على التحكم في وحتى إنتاج الشرق سياسيًّا واجتماعيًّا وعسكريًّا وأيديولوجيًّا وعلميًّا وتصوريًّا خلال مرحلة ما بعد التنوير”[26]. ربما ليس الأمر ببساطة كفرض استعماري فعّال للهوية نفسها، لكنه عملية من التأثير تؤدي من خلالها الأفكار التـي اكتسبت جاذبية في أوروبا إلى موجات من التأثير في أماكن أخرى تبدأ بدورها عمليات في أماكن مختلفة والتـي، وإن كان لها مقدراتها الخاصة، أُعيد تشكيلها بفعل التأثير المستمر للصور الغربية عن الشرق بينما سعى الفاعلين  إلى مزيد من التأكيد والإلهام من مصادر هذه المفاهيم الجديدة والتـي أثرت إلى حدٍ بعيد في عمليات التغيير.

لا ينبغي التقليل من أهمية دور المستشرقين؛ ففي الحقيقة، لعب الفكر الغربـي دورًا هامًا في الفهم الجديد لإيران الحديثة[27]. وكما يذهب مصطفى وزيري Mostafa Vaziri، قام المستشرقون بإعادة بناء الهوية الإيرانية[28] (1993, p. 7)، غير أنه بجانب هذا كان هناك عدد كبير من العوامل الفكرية والتاريخية والإقليمية المُؤثِّرة التـي شكَّلت الجدال حول الهوية الإيرانية أيضًا كأجزاء من عمليات أوسع. تمثلت أحد التأثيرات الرئيسية في المثقفين الإيرانيين أنفسهم، فكما رأى باحثون مثل مهرزاد بروجردي، لعب هؤلاء المثقفون “أدوارًا حيوية في إدارة اللقاء بين الثقافة الغربية وتراث إيران (ما قبل) الإسلامي”[29] (1996, p. 14) كجزء من السعي الحديث عن هوية أصيلة و”عودة إلى الذات” تواءم بين الحداثة والهوية، والذي غالبًا ما يشتمل على العودة إلى الماضـي لإعادة توجيه التاريخ نحو دور جديد في العصر الحديث. وفي هذه العملية من العودة إلى الماضـي التليد والمجيد، رُمي ماض الإسلام وحاضره باعتبارهما عارضان، وأصبح الخطاب المعادي للدين جزءًا من السياسة الجديدة. وكما يشرح بروجردي، نتج مثل هذا الخطاب لفكرة مؤداها (وقُصد بها) أن “العالم الإسلامي قد نُظر إليه باعتباره تجسيدًا لكل ما قد تُرك مؤخرًا في أوروبا مثل: الدين الطاغي، والاستبداد السياسـي، والركود الثقافي، والجهل العلمي، والخرافة وما إلى ذلك”[30].

في الوقت نفسه، وكجزء من النظر إلى الماضـي قبل الإسلامي، أُلحق هذا المشروع المضاد للإسلام بالمذهب شبه التاريخي للآرية. ومن ثمَّ، تبنـى المؤرخون الإيرانيون قومية المستشرقين الأوروبيين الآرية كمحاولة لبناء هوية وطنية وإعادة تقديم الإيرانيين ككيانٍ متجانس[31]. وبكلمات هوما كاتوزيان: “لقد آمن القوميون المحدثون الصاعدون بتفوق إيران، ليس فقط اعتمادًا على أمجادها القديمة الحقيقية والمتصورة، ولكن أيضًا، وبدرجة أكبر، ولكونهم يمثلون شعبًا آريًّا فإن إيران تنتمي إلى العرق الأوروبي الغربي الذي ابتكر الحضارة العلمية والاجتماعية العظيمة وهي أوروبا المعاصرة”[32].

وخلال عملية ابتكار هوية إيران الوطنية من خلال تبنـي التصورات الآرية الاستشراقية حول تخيل هوية وطنية متماسكة، يجادل أفشين متين أصغري بأن “قوميـي إيران قد استعاروا هذه “الفبركة” محولين إياها إلى أساسٍ للهوية الإيرانية الحديثة”[33]. وكما استكشف المؤرخون وغيرهم الماضـي وربطوه بالحاضر، كان من شبه الحتمـي أن يتم تصوير العرق الآري- والذي نُظر إليه كمرادف للعرق الإيراني- باعتباره متفوقًا على بقية الأعراق. لقد تم تأسيس هذا الرابط على أساس الفهم المتزايد لشجرة اللغات الهندية الأوروبية؛ حيث اعتاد المستشرقون على وضع اللغات الأوروبية والآرية في وحدة التفوق، واعتاد القوميون الإيرانيون على نحو طبيعي، وعلى الأقل، على ربط أنفسهم وأمتهم بأوروبا المتفوقة في التكنولوجيا والاقتصاد والأفكار، إذا لم يوضعوا أنفسهم باعتبارهم المبشرون بهذه العملية. وكما يذهب وزيري، “اعتبرت كل من الحضارة القديمة والإنجازات التاريخية للعديد من الشعوب والأعراق في مراحل مختلفة، والتي تًمثِل نتاج مجموعة معقدة من التفاعلات التاريخية، إيرانية وعلى وجع الخصوص فضيلة من الشعب الآري”[34].

 “في تفكيره [أي أخندزاده]، ارتبط الاستشراق بالتقاليد الفلسفية التاريخية الفارسية، ودمجهما معًا في خطابٍ مشترك غايته النهائية ضم إيران المعاد بناؤها في المدار الفلسفي للحداثة العالمية. أما الثمن المدفوع لهذا الالتحاق، فهو فك ارتباط إيران من تراثها العربي الإسلامي والتعامل معه على أنه عنصر خارجي وغير حداثي في التقاليد الإيرانية”[35].

لم تتزامن إعادة بناء الماضـي  مع مقدم الحكومة القومية في إيران التـي حكمت في الفترة من 1925 إلى 1979 فقط، بل استبقتها جزئيًّا أيضًا. فنظرت النخب العلمانية، والتـي ألهمها الفخر القومي، إلى الإسلام باعتباره كمًّا مهملاً، وتبنت مقاربة هوية معادية للعرب. واتهموا العرب والإسلام بأنهم السبب وراء تدمير فارس المجيدة القديمة. ودعا القوميون الفارسيون إلى إعادة بعث المجد الآري وإحيائه، رافضين الأفكار الإسلامية ومدافعين عن سمو الحضارة الفارسية. ولا يزال هذا الخطاب قائمًا إلى اليوم؛ فيؤكد داريوش شايغان، مثلاً، في سعي نحو فخار التراث الفارسـي “لأكثر من ثلاثة قرون، كنا، نحن ورثة الحضارات العظيمة في آسيا وأفريقيا، في “إجازة” من التاريخ”[36].

الخطاب القومي وإعادة بناء الهوية الإيرانية

تأثرت الهوية الوطنية الإيرانية إلى حدٍ عميق بحكم أسرة بهلوي، ولربما وصلت عملية التأثير هذه إلى أقصاها أثناء حكم رضا شاه (1926-1941). يصف جعفريان سياسات رضا شاه باعتبارها محاولة “لبلورة هوية إيرانية في إطار دولة مركزية لها أفكار محددة [دمج الماضـي التليد مع غواية الحداثة]. لقد حاول رضا شاه أن يختزل عددًا كبير من السكان بتنوعاتهم العديدة في نطاق ثقافي ضيق”[37]، لقد كان هذا دائمًا أمرًا عسيرًا. لكن إدماج الآثار السلبية للحداثة، والاعتماد على الماضـي القديم والذي بدا بعيدًا عن الحاضر بالنسبة للكثيرين، مع تبنـي اللغة والثقافة الفارسية كان يعنـي احتمال خلق المنهج الفوقي في بناء القومية لأعداءً أكثر من إسهامه في دعم التصورات التحتية للهوية. ويجادل علي تونا كويوجو  Ali Tuna Kuyucu في شرحه لعملية بناء الأمة بأن:

“باعتبارها مجموعات من الولاءات ومصادر للهوية الثقافية والسياسية، تُبنـي الأمم، بفاعلية، وغالبًا بعنف، من خلال دول مركزية حديثة. وكما تذهب التحليلات البنائية للأمم والقوميات، فإن الأمم لا تصنع دولاً وقوميات، بل العكس هو الصحيح”[38].

طبق رضا شاه وخلفائه هذا النهج القسري في بناء الهوية القومية على مجموعات الأقليات العرقية والتـي كان عليها الاندماج في التيار العام المتفرس (من الفارسية) للحياة الإيرانية. وكما تصف إليز سانساريان Eliz Sansarian، لقد تشكلت سياسة “الحكام البهلويين” المتعلقة بالأقليات الدينية والقومية- الإثنية بالسعي وراء صبغ التجانس على المجتمع وإبعاده عن التنوع، وذلك كي يصبح كل فرد في أية أقلية دينية أو إثنية “إيرانيًّا”[39]. في الوقت نفسه، تطلبت عمليات أخرى أيضًا مرتبطة بالتحديث وبناء الدولة- الأمة وجود دولة قوية تطمح لفرض تحولات جذرية. انعكست هذه العملية في تركيا. وعلى الرغم من أن تركيا تحت حكم أتاتورك اختارت بناء دولة جمهورية وفصل الهوية القومية التركية عن الإمبراطورية العثمانية، أبقى رضا شاه، على النقيض، على مؤسسة الملكية، وأكَّد على الماضـي من خلال تعظيم الإمبراطوريات الفارسية العريقة، وبالتالي خلق مزيج غريب من القديم والحديث. وسعى، أيضًا إلى تقليص سلطة المؤسسات الدينية ومُلاك الأراضـي والحكام المحليين في مناطق الأقليات عن طريق إعادة تشكيل الهوية الوطنية للدولة ومركزة السلطة والمزيد من نشر الحداثة.

وفي سعيها وراء الأسطورتين التؤام؛ الحداثة والقومية، تم تغيير اسم البلاد من فارس إلى إيران (أرض الآريين) لكي يعاد التأكيد على تفوق العرق الآري على الأمم المجاورة. وتم استبدال التقويم الفارسـي الشمسـي بالتقويم الإسلامي بهدف إبعاد أفكار “الفارسية” عن هوية العرب الذين ألقي عليهم اللوم في الخطاب القومي بفرض الإسلام بالقوة على الشعب الإيراني. تصاحبت هذه التغييرات الرمزية مع الاحتفاء بالملكية والتأكيد على الاستمرارية مع الماضـي التليد والمجيد، وربما كان أفضل تمثيل لهذا، تبنـي رضا شاه للقلب التشريفي “شاهنشاه آريامهر”[40]، وذلك كي يربط نفسه أكثر بملوك فارس القدامى. وامتدت هذه العملية مع تبنـي لقبهم القبلي “بهلوي”[41]، والذي اختير كي يعكس شكلاً مرغوبًا من القومية الإيرانية. وفي شرحه لاختيار والده لهذا اللقب، كتب محمد رضا شاه:

“لاسم بهلوي جذور عريقة في تاريخ بلادنا: إنه اسم الموظفين والأباطرة خلال الحقبة الساسانية، إنه اسم والدي الذي تركه لي والذي سأورثه لأبنائي”[42].

خلق الارتكاز على الماضـي القديم رغبة عارمة للبدء في تطهير الثقافة الفارسية من كل ما نُظر إليه باعتباره دخيلاً وجلبه العرب، وهو ما كان يعنـي، إن لم يكن القضاء على الإسلام في إيران، على الأقل اختزال حضوره وتأثيره على المجتمع. وتزاوج مع هذا الشعور المعادي للعرب والتأكيد على الآخر العربـي، وهو ما تطلب مزيدًا من التأكيد على “التاريخ العريق للإمبراطوريتين الإخمينية والساسانية”[43]. وأكد ما شاء الله أجوداني Mashallah Ajoudani على هذه النقطة[44] ؛ حيث جادل بأن النخب الإيرانية، في سعيها وراء الأمجاد العريقة، هدفت إلى تمييز نفسها عن العالم الذي اعتبرته متخلفًا، خاصةً المجتمعات الإسلامية والإفريقية، وذلك بريط التاريخ والثقافة الإيرانية بالغرب.

وكجزء من هذه العمليات، أعيدت كتابة التاريخ أو تم التقليل من قيمته، وأصبحت الآرية أكثر سيطرة على الخطاب الإيراني. وكجزء من هذا الترويج للقومية، أضيفت تأكيدات أكثر عن المخاطر الخارجية في خطاب الدولة. ولم يكن كافيًّا أن يكون العرب هم الآخر الوحيد؛ إذ لم يكونوا في حالة ملائمة لتحدي إيران. وفي الحقيقة، ومع الأخذ في الاعتبار الحقائق الجغرافية والسياسية، كانت القوى الإمبريالية هي مصدر التهديد الحقيقي، خاصةً روسيا وبريطانيا العظمى. وأعاد الهروب من هذا التهديد إعادة التأكيد على الحاجة إلى دولة مركزية قوية من شأنها أن تُوحِّد أكبر عدد من الناس وراءها. وعلى هذه الخلفية، اعتقد رضا شاه بقوة أن إيران المستقلة تمامًا لن تكون ممكنة ما لم يتم استيعاب كل المجموعات العرقية، وما لم تحكم حكومة مركزية قوية كل البلاد[45].

ومن ثمَّ، شرع رضا شاه في عملية التفريس مغيرًا أسماء العديد من المدن إلى أسماء فارسية، وأسس الفارسية باعتبارها اللغة الرسمية الوحيدة لإيران. وبالتماثل مع عملية التتريك التـي قام بها أتاتورك، حاول أيضًا أن يمحو الكلمات والمصطلحات العربية من اللغة الفارسية كي يعيدها إلى شكلها الأصلـي الأكثر نقاءً[46]. وادعى الأكاديمي الإيراني جلال الدين ميرز أن الفارسية “مثل أي شـيء آخر، انتهكها العرب وخربوها”[47]. وعنـى هذا إزالة الكلمات العربية والتركية، كلها تقريبًا بلا استثناء، من القواميس الفارسية لأن هذين اللغتين، وبعيدًا عن كونهما مختلفتين تمامًا عن الفارسية، تمثلان اللغات “القومية” للدول المجاورة الخصمة[48].

قام التأسيس والترويج للقومية الإيرانية البهلوية على أساس ثلاثة عناصر رئيسية؛ هي: البرهنة على الحداثة، والتفريس، وتعظيم الماضـي التليد؛ وهو ما يمكن تقديمه في الشكل رقم 3.

photofacefun_com_1476741647
شكل 3. العناصر الأساسية للهوية الملكية القومية

وبجادل حسين بشيريه بأن: “النموذجين المتصارعين للهوية الإيرانية، وهما القومية والإسلام السياسـي، كانا أداتين في إضفاء الشرعية على النظام السياسـي للدولة في العهدين: الأيديولوجيا الفارسية بالنسبة للشاهات البهلويين من ناحية، ومن ناحية أخرى الأيديولوجيا الإسلامية التـي روج لها الشيعة الإسلاميون”[49].تضمنت هذه العناصر بالتالي على الأقل تهميش فكرة الهوية الإسلامية لإيران؛ إذ أن الإسلام قد كان (1) على ما يبدو نقيضًا للحداثة، (2) وتم فرضه من قِبل العرب ومن ثمَّ لم يكن فارسيًّا، (3) ويضع نفسه نقيضًا لتعظيم الماضـي الزرادشتـي الوثنـي. أما فكرة احتمال وجود نسخة فارسية، أو في الحقيقة إيرانية، من الإسلام فبدا أنها غير مُحتفى بها. وكان لدى هذه القومية البهلوية، التـي بدأت وبلغت ذروتها مع رضا شاه واستمرت مع خليفته محمد رضا، جذورها في خطابات وعمليات أوسع ارتبطت بالمؤثرات الخارجية. لقد عنت الخطابات الاستشراقية والسعي وراء الحداثة تأسيس قومية قائمة في جوهرها على معاداة الإسلامية، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى الصدام مع الإسلام الشيعي.

باختصار، كانت هناك دائمًا ثنائية بين النزعة الفارسية القديمة والإسلاموية الشيعية. وكان من المحتمل دائمًا أن تؤدي المواجهة الأيديولوجية إلى إثارة ردود فعل من قبل الإسلاميين في إيران. وقد لاحظ محمد رضا فيما يتعلق بسياسات والده الإصلاحية العلمانية أن:

“قللت إصلاحات والدي من سلطة رجال الدين في الأمور الدنيوية. وبالتالي، منذ عام 1926، كان هناك قطاع معين من السلطة الدينية معارضًا بشكلٍ صريح لإصلاحات الشاه وإلى تحول إيران إلى أمة حديثة. وعبرت هذه المعارضة عن نفسها مرة أخرى في انتفاضة 1952-1953، وعام 1963، وأعوام 1978-1979”[50].

يُعد هذا الاقتباس كاشفًا لثلاثة أسباب؛ أولاً إنه يُعبِّر عن عمق القطيعة بين الرؤيتـين حول الهوية القومية لإيران، وثانيًّا يعيد التأكيد على العلاقة بين العلمانية والحداثة من ناحية والإسلام والتخلف من ناحيةٍ أخرى، وأخيرًا يُوضِّح أن رجال الدين ليسوا محصنين ضد التوترات التـي خلقتها النقاشات حول الهوية والحداثة، وهو ما ينعكس في بعض الخطابات السائدة بين النخبة السياسية الإيرانية الحالية. تُؤكِّد حقيقة أن عملية بناء الدولة- الأمة في إيران تعود جذورها الأساسية إلى سياسات رضا شاه[51] وابنه محمد رضا على أهمية هذا الخطاب القومي الملكي، كما تؤكد على محددات النقاش التـي برزت في ذاك الوقت والمستمرة في التأثير على الدولة الإيرانية ورؤيتها للهوية القومية حتـى يومنا هذا.

وربما تكمن المفارقة الكبرى في أن كلاً من رضا شاه وابنه قد تعاملا مع الأمن وتحديات الهوية التـي تفرضها الأقليات العرقية من خلال السياسات المركزية والاستيعابية القهرية. ويُمثِّل بقاء هذه السياسات بدون تغيير جوهري منذ الثورة الإسلامية عام 1979[52]، واستمرار إنكار حقوق المجموعات العرقية تناقضًا محزنًا، ومؤشرًا على الفشل في خلق هوية إيرانية جامعة لا تعتمد على هيمنة النزعة الفارسية.

بيد أن هذا لا يعنـي أن القومية ليس لها نتائج أكثر إيجابية. فمن أعظم نجاحات القومية الإيرانية أنها محت على نطاقٍ واسع النزعة التوسعية من القومية الإيرانية، وهو الأمر الذي استمر مع النظام القائم (فيما عدا الخطاب الحماسي خاصةً أثناء الحرب العراقية الإيرانية). تُصوِّر إيران نفسها باعتبارها دولة- أمة “مكتفية إقليميًّا”، ومثل بقية الدول- الأمم، بدأ الاتجاه الأولي نحو القومية في إيران مع تنامي الشعور الوطنـي والحزن نتيجة فقدان الأراضـي و”الماضـي المجيد”. وكما يقول احتشامي، وربما بسبب العدد الكبير من الأقليات الإثنية، “ارتبطت [القومية الإيرانية] عبر أجيال مع قضية تعزيز الوحدة الإقليمية لإيران”[53]. وهو ما حدد المهمة الأهم للدولة الإيرانية، وهي الدفاع عن الأراضـي الإيرانية بدلاً من التوسع.

وكما جادل روبرت جراهام Robert Graham قبل ثورة 1979: “إن الضغط الموضوع على كاهل الهوية الثقافية التاريخية لإيران يعزز من الشعور العارم بانعدام الأمن الذي يسري في النفسية الإيرانية”[54]. إن هذا صحيح اليوم كما كان حينذاك، وبينما كان من الممكن العودة بالجزء الأكبر من انعدام الأمن هذا بالنظر إلى التهديدات المحيقة بإيران، فإنه أيضًا مرتبط بالرغبة في تأمين الهوية في الوقت الذي تستمر التوترات بين الرؤيتين الإسلامية والقومية للهوية الوطنية محدثة أزمات لا نهاية لها في الدولة.

 

الخمينية والإسلاموية والدولة الإسلامية

دائمًا ما مثَّلت أفكار الهوية الإسلامية تحديًّا أمام الهوية القومية التـي قدمتها الدولة الملكية، خاصةً مع تعرض القوة الحقيقية للنخب الدينية وعلاقاتها ومصالحها للتحدي من قِبل التحديث والتحولات الاقتصادية والتـي وصلت إلى ذروتها على يد محمد رضا شاه أثناء الثورة البيضاء. اختلفت الجمهورية الإسلامية، التـي صعدت من رماد التحالف الثوري في عام 1978-1979 بطرق عديدة عن المعارضة الإسلامية في الماضـي. ففيما يجادل ساريول غلام Sariolghalam بأن “صعود الإسلام الراديكالي في إيران كان جزئيًّا ردة فعل لسياسات نظام الشاه المعادية للدين”[55]، فإن الدولة الجديدة كانت أكبر من مجرد إعادة التأكيد على هيمنة النخب الإسلامية القديمة، لقد تكونت من عدد من التأثيرات التـي تتجاوز الإسلام الشيعي التقليدي اللا-سياسـي نسبيًّا. دائمًا ما وقف الخمينـي أمام الأفكار الفارسية، وأكَّد على أن إيران الإسلامية هي وحدها “ما تستحق التمجيد”، وكتب:

“قبل الإسلام، عانت الأراضـي- التـي بوركت الآن بالدين الحق- بشدة من الجهل والقسوة. ليس هناك ما يستحق التمجيد في هذا الماضـي. سنكسر كل الأقلام المسمومة التـي يكتب بها هؤلاء الذين يتحدثون عن القومية والديمقراطية والأفكار المماثلة”[56].

تمثلت رؤية الخمينيين في أن “القومية ظاهرة علمانية، وكل ما هو “علمانـي” يتضمن رفض الأمر الإلهي المتضمن في القرآن لتأسيس المجتمع الصالح”[57]. وبالتبعية، سعت الحكومة الإسلامية لمحو كل علامات القومية العلمانية وجعلت من الإسلام الهوية الأصيلة الوحيدة للإيرانيين. وسعى النظام الإسلامي الجديد ببساطة إلى إحلال الهوية الإسلامية محل الهوية القومية باعتبارها أساس الهوية الإيرانية.

كان من الطبيعي أن يعتبر آية الله الخمينـي الإسلام والشريعة المصدر الوحيد لشرعية الدولة. وبالتالي، كان النظام السابق غير شرعي كليًّا، ليس فقط لأن نظامه السياسـي لم يكن قائمًا على المبادئ الإسلامية، بل لأنه كان علمانيًّا بوضوح. ومن ثمَّ، كان نشر الإسلام بمثابة الوسيلة الوحيدة لتحقيق الهوية الأصيلة للدولة الجديدة. أعلن الخمينـي “لقد ثار الشعب الإيرانـي اليوم لإحياء الإسلام والشريعة في ثورة فريدة من نوعها في تاريخ إيران والإسلام، لأنها أصيلة ومتجذرة”[58]. ككل الثورات ذات الطبيعة الاجتماعية في جذورها، كان هدف الثورة الخمينية إحداث تحول في كلٍ من الدولة والبنية الاجتماعية[59]، وفي خضم التداعيات المباشرة لثورة 1979، استخدم الإسلاميون المؤسسات الدينية من أجل الحفاظ على الأيديولوجيا الإسلامية والترويج لها. وتضمن هذا إغلاق الجامعات عام 1980 لمدة عامين في محاولة لإلغاء التعليم العالي القائم على نماذج التحديث الغربية وغير الإسلامية (شكل رقم 4).

photofacefun_com_1476742008
شكل 4. العناصر الأساسية في الهوية الإسلامية الثورية

كان السياق الذي عمل فيه النظام الجديد، كما تشير فريده فرحي، وهو سياق حرب وعقوبات وضغوط خارجية خلق شعورًا “بخوض معركة في بيئة عدائية” وهو ما سمح بالتبعية للمتشددين بأمننة الوضع، وبالتالي تصوير أنفسهم باعتبارهم “الحراس الحقيقيين لأمن إيران”[60]. تعزز هذا أيضًا إلى حدٍ ما بإيمان الخمينـي بأن الثورة لم تكن حول الحرية، بل الإسلام. ومن ثمَّ، تمثل الإطار المرجعي الوحيد، بالنسبة للمتشددين، في خطاب الأيديولوجيا الإسلامية كما عبر عنه الخمينـي والذي رأى بمقتضاه أن:

“غايتنا ليست الحرية المجردة، وليست الاستقلال المجرد؛ فلا نريد أن نصبح مثل السويد، قد يكون هؤلاء أحرارًا ومستقلين، لكنهم يفتقدون الوعي القرآني […] لكن ماذا تعتقد عما يريده الإيرانيون؟ هل أرادوا الإسلام؟ هل استشهدوا من أجل القرآن؟ إن دماء شبابنا لم ترق من أجل مجرد مكاسب مادية؛ لقد ضحوا بحياتهم وتقبلوا الموت راضين كي يجعلوا من هذه الأرض أرض الإسلام. لم يستشهدوا من أجل الحرية أو التحرر، بل من أجل الدولة الإسلامية، وسنضمن أن تضحياتهم لم تكن سدى، وحتـى لو كان هذا عبثًا بالنسبة للمتحررين الذين بقوا” (الخميني في خطاب بتاريخ 6 يونيو 1979)[61].

أكَّد الخمينـي مرارًا وتكرارًا إنه لا نفع من وراء القومية، وأن “الإسلام ضد القومية”. ومن المقولات الأولية التـي أكَّد عليها النظام الجديد المفهوم الشمولي الأمة، والذي لا يعترف، طبقًا لأوليفييه روا، بالكيانات الإقليمية. ويرى روا أن هذا المفهوم طوباوي[62]، وبالتالي وإلى حدٍ ما، يعد مفيدًا للثوريين باعتباره النقيض التام للقومية. واعتبر الخمينـي أن المقاربة القومية غير الإسلامية للمجتمع والحكم التـي تبنناها البهلويون تمثل ردة عن الإسلام؛ حيث قال: “تُمثِّل هذه الحكومة نظامًا يجلس على رأسه حاكم غير شرعي، وبالتالي فهي حكومة غير شرعية والنواب الذين تم تعيينهم في المجلس [النيابي] غير شرعيين. ومجلس النواب نفسه ومجلس الشيوخ غير شرعيين”[63].

وفي ظل النظام الجديد، كان على كل مظاهر الهوية أن تكون إسلامية بالأساس، مثلما حاول الشاهات قمع كل أشكال الهوية الإسلامية. وربما كان هذا أكثر وضوحًا في محاولات تغيير الزي الرسمي في البلاد؛ حيث تم فرض الأزياء الإسلامية، خاصةً على النساء اللائي أجبرن على ارتداء الحجاب. بيد أنه مع التوترات المستمرة في المجتمع نفسه، شن رجال الدين في البداية هجومًا على الاحتفالات الفارسية القديمة مثل عيد النيروز  وهو يعبر رمزيًّا وبوضوح عن فترة ما قبل الإسلام.

وبينما عززت الحرب مع العراق من قبضة المتشددين، كانت تعنـي في الوقت نفسه أن على النظام أيضًا أن يخفف تدريجيًّا من معظم توجهاته الإسلامية الصارمة. ولكي يوسع من قابليته ويُوحِّد الأمة من خلفه في الصراع مع صدام [حسين]، كان مجبرًا على الدعوة إلى شكلٍ معدل من القومية. لقد ثبت في النهاية أن الافتراضات التـي بناها كلا الطرفين حول قدرة أيديولوجيته على اجتذاب بعض المجموعات داخل الدولة الأخرى كانت على خطأ؛ حيث فوجئ كل منهما أن هؤلاء الذين توقع أن يكونوا موالين للروابط الإثنية والدينية، قد أبقوا على ولائهم إلى حدٍ كبير إلى بلدانهم. وربما يثبت هذا أن كلاً من القومية العربية والأيديولوجيا الشيعية الإسلامية كانتا قاصرتين جدًا من حيث الإقناع بالمقارنة بالقومية القائمة على الدولة.

وداخل إيران، ظل الخطاب القومي الذي يُمجِّد تراث ما قبل الإسلام باعتباره عصر التنوير والمجد غير مقبول، أما الخطاب الثوري الإسلامي فقد صوره في المقابل باعتباره عصر الجاهلية والطغيان. فكما يصفه الخمينـي: “يا إلهي، قد أخبرتهم، أخبرت علماء الدين الفضلاء بكل ما أعرف […] إن الأمر متعلق بأمة قد لاقت طيلة تاريخها عنت حكم الملوك. خلال ألفين وخمسمائة عام من التاريخ، كانت تحت حكم الملوك، هؤلاء الذين لم يجلبوا شيئًا إلا المعاناة والبؤس. حتـى هؤلاء الذين يفرض فيهم العدل كانوا أيضًا أشرارًا […] نعم، عاشت هذه الأمة عبر التاريخ تحت حكم وطغيان هؤلاء الملوك الأشرار”[64].

كان هذا يعنـي أنه فيما استمر النظام في حشد الجماهير وراء الأيديولوجيا الجديدة وإعادة انبثاق هوية إيران الإسلامية، أنه لم يعد يجتذب الهوية القومية التـي استخدمها الشاهات، والتـي أجبرت النظام الجديد على أن يجد خطابًا قوميًّا فارسيًّا أكثر حداثة يرتكز على قدرة اللغة والتقاليد الفارسية على التوحيد، وعلى عملية ربطها بالجوانب الفريدة في الماضـي الشيعي المتداخل مع الثقافة الفارسية. بعبارةٍ أخرى، انتهى النظام الإسلامي إلى استخدام عنصرين جوهريين في عملية صناعة الهوية القومية على الطريقة الملكية: (1) إظهار حداثته، (2) والتفريس بهدف ملء ثغرات الهوية الإسلامية (الشكل رقم 5).

photofacefun_com_1476742232
الشكل 5. العناصر الجوهرية في هوية جمهورية إيران الإسلامية

لذلك، فيما بدت الثورة في البداية قطيعة في كل الجوانب الثقافية والاجتماعية للهوية الإيرانية، ربما فيما عدا فهم إيران لنفسها من حيث الإقليم، ففي الحقيقة توصل النظام الجديد إلى بعض الأدوات الأخرى لتدعيم الهوية الإسلامية لإيران. وبهذا المعنـى، لم يتعارض الإسلام الشيعي مع إيران بشكلٍ كبير، بل في الحقيقة تحول إلى آلية لتوكيدها. وتُؤشِّر سياسات مثل الإصرار القومي لنظام الجمهورية الإسلامية (تمامًا كما هو حال الملكيين) على الدفاع عن المطالب الإقليمية لإيران في جزر أبو موسـى وطنب الصغرى والكبرى[65] والإبقاء على سياسات مثل البرنامج النووي، على أن طهران تعكس استمرارية مع سياسات الأمن القومي السابقة لما قبل عام 1979. وتُمثِّل حرب العراق وإيران حالة هامة على وجه الخصوص إذا أن إيران كانت خصمًا لدولة إسلامية أخرى ذات أغلبية شيعية. ومع هذا، ظل الشيعة العراقيون في غالبيتهم على ولاء لبغداد[66]. كما أن إيران كانت في حاجة إلى خطاب أكثر قومية لحشد الإيرانيين ضد العراقيين “العرب الكفار”[67].

وبمجرد اجتياح العراق لإيران عام 1980، أُعلنت الأرض الإيرانية “مقدسة” مرة أخرى، وتم توظيف مصطلحات مثل الشهادة والتضحية والجهاد لإلهام هوية إيران الإسلامية القومية. وبينما كانت هذه “الحرب الحديثة الأولى لإيران التي لا تخسر فيها جزءًا من إقليمها”[68]، إلا أنها تركت تأثيرًا كبيرًا على النظام الجديد. وقدَّمت الكثير لتحويل الخوف من النزعة الانفصالية الإثنية إلى تحدٍ سياسي تُمَّثله مطالب الأقليات العرقية. حسنت ظروف الحرب الاستثنائية العلاقة مؤقتًا بين الأقليات الإثنية والدولة. ومع هذا، انتهت تضحيات المجموعات العرقية وقت الحرب لإرضاء الدولة إلى تصاعد التوقعات العرقية، وولدت مطالب أكثر بالعوائد. وفي هذه الأثناء، تزايد قلق طهران على حدودها، خاصةً في مناطق بلوشستان وكردستان، وتزامنت هذه المخاوف مع المشكلات الحدودية العامة مثل تهريب المخدرات والسلاح، بما خلق شعورًا أكثر بالتهديد. ويضيف ضعف الرقابة على الأنشطة الإجرامية في هذه المناطق آليات أخرى إلى النزعة الإثنية الانفصالية من ناحية التهديدات المفروضة على استقرار الدولة.

في الآونة الأخيرة، أصبح من الواضح تمامًا أن التعارض الأيديولوجي بين الهوية الوطنية القومية والإسلاموية، وهما المقاربتان الفوقيتان لخلق الهوية وفرضها، قد اتسع بين الشعب والدولة في بعض الأوقات خاصةً خلال القرن الماضي. وربما يكون من الطبيعي أن تشهد الدولة القمعية إحباطًا متزايدًا فيما يخص أفكارها وهويتها. وبالتالي، تعرضت الأفكار الإسلامية للنظام الحالي للتحدي المتزايد من قبل توحد الشعب (خاصةً الشباب) مع الماضـي القديم والذي أصبح مرة أخرى مصدر المشاعر غير الإسلامية والمعادية لرجال الدين بين الشعب وفئاته المجتمعية المختلفة.

في مقالة كتبها المفكر الإصلاحـي عباس عبدي في جريدة “عصر ازدگان”، عقد مقارنة بين الرئيس الأسبق هاشمي رافسنجاني ومحمد رضا شاه وذلك في معرض الجدل بأنهما يمتلكان أيديولوجيا سياسية متماثلة[69]. لقد ساهم الاعتماد على سياسات التفريس والاستيعاب العنيفة، باعتبارها الأساس الصلب للهوية القومية، في تسييس الهويات الإثنية. فعلى سبيل المثال في حالة الحركات الكردية، يشير عباس والي Abbas Vali إلى أن عملية بناء الدولة- الأمة في إيران قد ساهمت في تحويل طبيعة السياسات الكردية من اعتمادها على التمردات القبلية إلى اعتماد مطالب سياسية ومجتمعية أبعد[70]، وهو الأمر نفسه الذي استمر تحت حكم الجمهورية الإسلامية.

أثار خلط عناصر الإسلاموية والقومية التساؤل مرة أخرى حول ماهية النظام السياسـي الذي بإمكانه أن يحكم الإيرانيين. وقد خلقت مؤسسة ولاية الفقيه تكييفًا قانونيًّا للنظام الحالي، في الوقت الذي تُوفِّر له أيضًا مزيدًا من الشرعية السياسية: ويشرح جريجوري روز Gregory Rose هذا قائلاً : “إن ولاية الفقيه هي محور محرك الثوري. ومن خلال السيطرة على العمليات الأساسية للحكم، يجد الفقيه نفسه قادرًا على ضمان الالتزام المؤسسـي وفقًا لأجندة إعادة تشكيل الوعي، وعلى التعبير عن محتوى الهوية الإسلامية الأصيلة المبتغاة وإيضاحها”[71].

أكدَّت فكرة الهيمنة على الحكومة وتضميناتها على التناقض بين الشكل الأولي “النقي” للحكومة الإسلامية وبين الواقع الذي أصبح أوضح من خلال منح الشرعية لمؤسسة الولي الفقيه، “وهو ما سمح للحكومة بتجاهل القوانين الإسلامية في تشريعاتها وسياساتها”[72]، وكذلك ببطء عن خطابها عن الهوية الإسلامية والتحرك بدلاً عن ذلك نحو الإصلاح والتغيير التدريجي. لقد أشارت التعديلات الدستورية في عام 1989 على تحول الدولة من الاتجاه الدينـي إلى الاتجاه السياسـي، مع حدوث تغيرات مصاحبة على خطابات الدولة وهويتها القومية.

يُؤكِّد هذا التكيف على عدة أزمات مستمرة في الجمهورية الإسلامية، لكن يتمثل أبرزها في التوترات المستمرة بين الأفكار القومية والإسلام، والصعوبات في التوفيق بين الرؤيتين وفي خلق قومية إيرانية جامعة.

الثنائية المستمرة بين النزعتين الإيرانية والإسلامية

مثَّلت مسألة تكوين هوية وطنية قوية ومتماسكة اهتمامًا عميقًا عبر تاريخ إيران المعاصر لدى عوام الإيرانيين ونخبهم السياسية الذين سعوا إلى خلق شعور مشترك بالهوية القومية الإيرانية. وعلى مدار القرن الماضـي، واجه الإيرانيون العديد من الأحداث التـي تطلب تشكيل وإعادة تشكيل هويتهم باستخدام “أدوات” متعددة من أجل بناء هوية “قومية”. ودائمًا ما كانت هذه العملية أسيرة الحاجة إلى ربط الهويات بين الثنائيات المتطرفة والمتفارقة والمستمرة مثل: الإسلامية والقومية، وتاريخ ما قبل الإسلام وتاريخ ما بعد الإسلام، والموالاة للغرب والمعادة للإمبريالية، بغض النظر عن ضرورة التوافق مع الحداثة نفسها بمختلف أنماطها والتكيف معها. حدد عدد من المؤلفين هذه التوترات. وبعبارة مالوني Maloney إن هذه المكونات الثلاثة للهوية الإيرانية؛ القومية والإسلامية ومعاداة الإمبريالية، قد تعايشت عبر تاريخ إيران الحديث، وغالبًا في مزيج غالبًا في حالة من التنافس”[73].(2002, p. 102)  وباختصار وبرؤية أكثر تشاؤمًا، تحولت القومية في إيران إلى تعصب، وتحول الدين إلى حالة من التطرف[74].

ويُمكِّن القول إن نتيجة هذه الصراعات التـي استمرت لقرنٍ بين مصدري هوية إيران المتعارضين كانت خلق حالة من أزمة الهوية[75] . إن ارتباك إيران بشأن هويتها القومية يعود في جزءٍ منه إلى أن الإيرانيين كانوا دائمًا تابعين لحكامهم سواء كانوا الشاهات أم آيات الله، وتشكلت هويتهم من أعلى طبقًا لهؤلاء. ويطرح هذا تساؤلاً عما إذا كان من الممكن أن يكون المرء فارسيًّا (أو عضوًا في أقلية إثنية/ دينية)، ومسلمًا وقوميًّا وحاملاً للحداثة في الوقت ذاته، والأهم، ماذا تعنـي إمكانية بناء هوية قومية إيرانية جامعة.

لقد فسدت هذه العملية بدرجةٍ أكبر بحقيقة أن إيران قد شهدت على مدار القرن الماضـي سلسلة من التحولات الاجتماعية والسياسية الحادة. لقد كان من شأن ثورتان ونهاية سلالتين حاكمتين ونفي العديد من الشاهات وانقلاب عسكري والعديد من التحركات الشعبية ومحاولة القضاء على البرلمان الوطنـي والفترات الطويلة من العقوبات الدولية والاجتياحات والتدخلات الأجنبية أن تشغل اهتمام الشعب وأن تربك الهوية الوطنية للبلاد. وأضافت ثورة عام 1979 الإسلامية المزيد من التشويش إلى القضية الأساسـية، ألا وهي من هم الإيرانيون.

عندما يتم مزج التوتر بين الخطابين القومي والإسلامي وحقائق التاريخ ويعتقد المرء أن الأمة موحدة “برؤية خاطئة عن الماضـي وكراهية الجوار”[76]، فإن الدور الفعَّال للنخب والإعلام والمثقفين والتنظيمات الإدارية والنظام التعليمي في تصوير الأمم الأخرى سلبيًّا وتمجيد الذوات الوطنية تخيليًّا يصبح أمرًا حاسمًا[77] . وبهذا المعنـى، تأسست بنية الهوية القومية في إيران بعمق على مشاعر معادية للآخر وعلى تنميط سلبـي للأمم المجاورة بدلاً من التأسس على شعور بالخصائص والقيم الإيجابية التـي تُوحِّد الإيرانيين. وتزداد أهمية هذا خاصةً لأن العديد من المجموعات الإثنية داخل إيران ما بين قومية وتتشارك في عناصر من الهوية المشتركة مع هذه الأمم المجاورة. ومع هذا، فتقليديًّا، دائمًا ما نظر الإيرانيون القوميون إلى الثقافة الإيرانية كثقافة نقية ونبيلة لغويًّا وإثنيًّا. غير أن المفكرين الإسلاميين مثل علـي شريعتـي سعوا إلى نوعٍ مختلف من الهوية للإيرانيين. فيشرح زاهد Zahed هذا بأن شريعتـي “دعا الشباب وطلبة الجامعة إلى الإسلام بالتأكيد على العودة إلى الذات: أي إلى ثقافة إيران “الخاصة”. وقد عرَّف هذا بأنه عودة إلى الإسلام النقي”[78]، اعتقد شريعتـي بأن “هذا الدين هو السلاح الأكثر فاعلية لمحاربة الإمبريالية وهيمنة الثقافة الغربية”[79].

تتجه إيران حاليًا إلى اتخاذ مواقف معادة للإمبريالية بغاية تعزيز وحدتها القومية وذلك بالتفكير في أسوء سيناريوهات التهديدات المعرضة لها. إلا أن هذا أنتج عزلة دولية مفروضة على النظام الإسلامي. تشير الشعارات الثورية الداعية إلى الاستقلال عن القوى الأجنبية إلى أن الصراع من أجل الحفاظ على “الكرامة” الوطنية للبلاد أمر شاق ومليء بالتحديات. يقول ساريول غلام: “يتجذر تصور إيران عن السيادة السياسية بجذورٍ وطنية وشيعية عميقة ستبقى للعديد من السنوات القادمة في الوقت الذي يبذل فيه الإيرانيون جهودًا لموازنة تفاعلهم مع العالم”[80] ويُقدِّم مهرداد مشيخي منطقًا تاريخيًّا وراء هذا “التشكك في الأجانب”، فيلاحظ: “ساهمت الغزوات الكبرى التـي قام بها اليونانيون (334-330 ق. م) والعرب (القرن السابع) والأتراك (القرن الحادي عشر) والمغول (القرن الثالث عشر) في تكوين ذاكرة جماعية متشككة في الأجانب؛ وهي آلية دفاع نفسية جماعية كان من شأنها أن تساعد الإيرانيين على تكييف أنفسهم مع القوى الأجنبية التـي تُقوِّض الهوية الجماعية”[81].

من المؤكد أن هذه الذاكرة ساعدت على خلق شعور إيران بالقومية المرتبطة بجيرانها. ويعد هذا أمرًا هامًا على الخصوص مع تصوير النظام الإسلامي اليوم نفسه باعتباره الحارس الحقيقي لأمن إيران و”هويتها الأصيلة”. وفي شرحه لجنون العظمة هذا، يجادل جريجوري جيلز Gregory Giles بأن هذا الشعور بانعدام الأمن متجذر في حقيقة أن “فترات الهيمنة الأجنبية شكَّلت أساس السلوك الإيراني الداخلي والشخصي على نحو جذري، وبالاستقراء دوليًّا أيضًا”[82].

الخلاصة: إجمال الإشكالية

تبقى القومية والإسلامية، وهما المكونان الرئيسيان لكلٍ من الهوية القومية الإيرانية والفارسية في مرحلتي ما بعد وما قبل الثورة الإيرانية، العاملين الأساسيين لتعريف الهوية القومية الإيرانية. وعليه، ركزت هذه الورقة على الثنائية بين القومية والإسلامية في إيران، واستكشافها عبر التناول المقرب للسرديات التـي بناها الملكيون والقوميون من جهة والإسلاميون من جهة أخرى. وفيما تدعي كل من القومية والإسلامية شرعيتهما الأيديولوجية على أسس متناقضة مفاهيميًا، وهو ما يُفسِر التوتر الدائم بينهما، فمن الواضح أيضًا أن كلا البرنامجين أو الرؤيتين لهوية إيران دائمًا ما استخدما وجود “الآخر” لتعريف نفسه في المقابل ولحشد الداعمين، و

photofacefun_com_1476742756
شكل 6. الخطاب المشترك بين الفرسيين-الإيرانيين والإسلاميين-القوميين

هي العملية التـي شكلت جزءًا كبيرًا من خطاب كل منهما. تنعكس عملية “الأخرنة” السلبية لرؤية الهوية البديلة أيضًا في القابلية التـي يمتلكها كل خطاب لحشد الجمهور في مواجهة “الآخرين”، وهو الأمر الواضح خاصةً مع تركيز القوميين والإسلاميين على الخطابات المعادية للإمبريالية والتـي اتجهت لتأكد مفهومي الوحدة الإقليمية والكرامة الوطنية للبلاد، وهو ما يتضح في الشكل رقم (6).

photofacefun_com_1476743031
شكل 7. جوهر الهوية الإيرانية الحالية

ويساعدنا هذا بدوره ليس فقط على إيضاح طبيعة التوترات بين هذين الكيانين ومدى خطورتهما بالنسبة لإيران ككيان واحد، ولكن الأهم بالنسبة لنا، أنه يوضح التعالق بين القضايا. وترى هذه الورقة أن هذا التعالق ليس مرتبطًا فقط بالتداخل الذي تطور بين الهويتين، بل إنه يتجاوز هذا عندما نستكشف تصوري الهوية الإيرانية؛ فقد يبدو الاثنان أنهما في حالة تعارض دائم، ولكن مع فحص أعمق للأسس التـي انبنا عليها التصوران، سنجد أنهما إلى جانب تشارك التوترات، يتشاركان أيضًا في العديد من التماثلات والتـي غالبًا ما يتم حجبها بالعداوة بين أنصار كلا التصورين. ولا يُعبِر عن هذا فقط عناصر مثل المعاداة المستمرة للإمبريالية والحاجة إلى الدفاع عن الحدود الإيرانية، ولكنه يتجاوز هذا ليوضح التصورات المشتركة عن أهمية تبنـي الجوانب التكنولوجية في الحداثة والأهمية القصوى للفارسية باعتبارها مصدر الثقافة الجامعة بمعنـى التقاليد واللغة والأدب[83]. وإذا كان هذا أوضح أثناء حكم الشاهات القومي، فإنه أيضًا ملحوظ تحت حكم النظام الإسلامي الذي سرعان ما وجدت أيديولوجيته أن عليها

photofacefun_com_1476743597
شكل 8. إشكالية الهوية الفارسية-الإيرانية

التكيف مع معطياتٍ أخرى. يمكن وضع جزء من هذا في سياق التصورات المتعلقة بالتهديدات الجيوبولتيكية والتـي يدركها الواقعيون باعتبارها مقتضيات غير قابلة للتبدل، ولكن هناك الكثير مما يمكن قوله حول الجذور الفارسية المشتركة بين كل من القوميين والإسلاميين القادمين من تقاليد منغمسة في اللغة والأدب الفارسيين. ويمكن تمثيل هذا في الشكلين 7 و8.

بدورها، تُحفِّز هذه التماثلات الجدل حول ماذا يعنـي أن يكون المرء فارسيًّا، مع وجود رؤيتين متصارعتين عن فارس الإسلامية وفارس القديمة والتـي تدّعي كل منهما امتلاك اللغة والأدب والطعام الفارسـي. ويتضح من هذا أنه لحين حل هذه الإشكالية، فإن أي محاولة لبناء هوية إيرانية أوسع محكوم عليها

photofacefun_com_1476749713
شكل 9. الشكل العام لإشكالية الهوية الإيرانية القومية

بالفشل، ليس بسبب أن الفرس لن يكونوا متحدين بما يكفي لإعمال هذه الهوية على نحوٍ سليم، ولكن أيضًا لأنه حتـى يقنع الفرس بهويتهم الخاصة، سيكون من الصعب عليهم تبنـي هوية إيرانية ثانية أوسع دون الخلط بينهما. وسيعنـي هذا أنهم سيستمرون في النظر إلى الأقليات الإثنية الأخرى كتهديدٍ لهويتهم، وأن هذه الأقليات ستستمر في مقاومة أن يكونوا إيرانيين طالما أن هذا سيعنـي أن يكونوا فرسًا، وبالتالي يجعل هذا من الهوية القومية الإيرانية الصحيحة سرابًا.

في النهاية، فإن الطبيعة الدائرية لهذه الجدالات والطريقة التـي تستبعد بها لأقليات العرقية والدينية وتساهم في قمعها المنظم ستمنع ظهور هوية إيرانية قومية أصيلة، وستتركنا مع خريطة الإشكالية المتعلقة بالهوية القومية الإيرانية (شكل رقم 9).

يُشكِّل هذا أساس كل الإشكالية التـي عملت هذه الورقة على تحديدها. ولأن جزء رئيس في طبيعة الإشكالية أنها مستمرة إلى حدٍ ما، وأنها هامة لمستقبل الكيان، فمن غير المحتمل أن يتم حلها سريعًا أو بسهولة، غير أن جمال الإشكالية، أنها وعلى عكس الأزمة، لا تعوق الحلول. ففي حالتنا هذه، فإن الإشكالية تقدم لنا فهمًا من شأنه تعريف حدود القضية. ومن الواضح إذًا تكوين هوية قومية صحيحة بالنسبة لإيران لا يكمن في الأيديولجيتين المتعارضتين اللتين تتشاركان أكثر مما يبدو عليه الأمر، بل في هوية إيرانية مشتركة من شأنها أن توفر سبيلاً لكل من الفرس وغيرهم من مجموعات الأقليات الدينية والإثنية والإسلاميين أن يعبَّروا عن هويتهم الخاصة، مع تأكيدهم على القواسم المشتركة والتـي تجعل منهم إيرانيين. ومع الأخذ في الاعتبار الطبيعة المعقدة ومتعددة الأبعاد للهويات الموجودة داخل إيران، فقد يكون أساس هذه الهوية المشتركة حاضرًا بالفعل ولا يحتاج إلا المناخ المناسب للازدهار.

 

 

شكر وعرفان

يتوجه المؤلفان بالشكر والامتنان إلى المحكمين المجهولين على تعليقاتهم الثرية.

 


المراجع

Abdi, Abbas. “Enqelab ‘Aleyhe Tahqir (Revolution Against Humiliation)”. Asr-e ‘Azadegan 2 (Feb 2000).

Abrahamian, Ervand. Iran Between Two Revolutions. Princeton Studies on the Near East. Princeton: Princeton University Press, 1982.

Ahmadi, Hamid. Qoumiyat va Qoum Garayi dar Iran (Ethnicity and Ethnic Affinities in Iran). Tehran: Nashre Nia, 2000.Ahmadi, H. “Unity Within Diversity: Foundation and Dynamics of National Identity in Iran”. Critique: Critical Middle East Studies 14, no. 1 (2005): 127–147.

Ajami, Fouad. “Iran: The Impossible Revolution”. Foreign Affairs 67, no. 2 (Winter 1988-89): 137.

Ajoudani, M. (2013). “Du Pare Kardane Tarikh: Mirase Shekaste Iran az Rousyie” (The Divergence of History: The Legacy of the Russian Defeats of Iran). BBC Persian. http://www.bbc. co.uk/persian/iran/2013/11/131102_l44_golestan_treaty_ajoudani.shtml cant open it

Amanat, Abbas, and Farzin Vejdani, eds. Iran Facing Others: Identity Boundaries in Historical Perspective. New York: Palgrave Macmillan, 2012.

Anderson, Benedict. Imagined Communities: Reflections on the Origin and Spread of Nationalism. London: Verso, 1991.

Aslan, Senem. “Citizen, Speak Turkish!: A Nation in the Making”, Nationalism and Ethnic Politics 13, no. 2 (2007): 246.

Bashiriyeh, H. “Ideologi-ye Siasi va Hoveyat-e Ejtema’I Iran” (Political Ideology and Collective Identity in Iran) Iran Nameh 23, no. 3 (2003): 271–285.

Bayat, Mangol. Iran’s First Revolution: Shi’ism and the Constitutional Revolution of 1905-1909. Studies in Middle Eastern History. Oxford: Oxford University Press, 1991.

Boroujerdi, Mehrzad. Iranian Intellectuals and the West: The Tormented Triumph of Nativism. Modern Intellectual and Political History of the Middle East. New York, NY: Syracuse University Press, 1996.

Browne, Edward Granville. The Persian Revolution of 1905–1909. New York, NY: Barnes and Noble, 1966.

Buzan, Barry. People, States and Fear: An Agenda for International Security Studies in the Post-cold War Era. 2nd ed. New York: Harvester Wheatsheaf, 1991.

Cottam, Richard. “Nationalism in Twentieth-Century Iran and Dr. Muhammad Musaddiq”. In Musaddiq, Iranian Nationalism and Oil. Edited by James A. Bill and William Roger Louis (London: I. B. Tauris, 1988): 23-46

Cottam, Richard W. Nationalism in Iran. Pittsburgh: University of Pittsburgh Press, 1979.

Cronin, Stephanie, ed. The Making of Modern Iran: State and Society Under Riza Shah, 1921-1941. RoutledgeCurzon/BIPS Persian Studies Series 2. London: Routledge, 2003.

Daha, Maryam. “Contextual Factors Contributing to Ethnic Identity Development of Second-Generation Iranian American Adolescents”. Journal of Adolescent Research 26, no. 5 (2011): 543–569.

De Bellaigue, Christopher. In the Rose Garden of the Martyrs: A Memoir of Iran. London: Harper Perennial, 2005.

Eliassi, Barzoo. “The Iranian Consulate and its denial of Kurdish Identity: Kurds are Portrayed as Linguistic Bastards”. Your Middle East (15 May 2014). Online e-article.

www.yourmiddleeast.com/opinion/the-iranian-consulate-and-its-denial-of-kurdish-identity_23601   [accessed 22 Mar 2016]

Elling, Rasmus Christian. Minorities in Iran: Nationalism and Ethnicity after Khomeini. New York: Palgrave Macmillan, 2013.

Fars News Agency.

http://english.farsnews.com   [accessed 22 March 2016]

Ghani, Sirus. Iran and the Rise of Reza Shah. London: I.B. Tauris, 1998.

Graham, Robert. Iran the Illusion of Power. London: Croom Helm, 1978.

Hinnebusch, Raymond, and Anoushiravan Ehteshami, eds. The Foreign Policies of Middle East States. Boulder, CO: Lynne Rienner, 2002.

Joireman, Sandra F. Nationalism and Political Identity. London: Continuum, 2003.

Kashani-Sabet, F. “Fragile Frontiers: The Diminishing Domains of Qajar Iran”. International Journal of Middle East Studies (IJMES) 29 (1997): 205–234.

Kashani-Sabet, Firoozeh “Cultures of Iranianness: The Evolving Polemic of Iranian Nationalism”. In Iran and the Surrounding World: Interactions in Culture and Cultural Politics. Edited by Nikki R. Keddie and Rudi Matthee. Seattle: University of Washington Press, 2000: 162-181.

Katouzian, Homa. Iran: A Beginner’s Guide. Oneworld Beginner’s Guides. London: Oneworld, 2013.

Katouzian, Homa, and Hossein Shahidi, eds. Iran in the 21st Century, Politics, Economics and Conflicts. Abingdon, England: Routledge, 2008.

Keddie, Nikki R., ed. Religion and Politics in Iran: Shi’ism from Question to Revolution. London: Yale University Press, 1983.

Kia, Mehrdad. “Persian Nationalism and the Campaign for Language Purification”. Middle Eastern Studies 34, no. 2 (Apr 1998): 9–36.

Kurzman, Charles. “Weaving Iran into the Tree of Nations”. International Journal of Middle East Studies (IJMES) 37, no. 2 (2005):137–166.

Kuyucu, Ali Tuna. “Ethno-Religious ‘Unmixing’ of Turkey: 6-7 September Riots as a Case in Turkish Nationalism”. Nations and Nationalism 11, no. 3 (2005): 361–380.

Mahmood, Sariolghalam. “Understanding Iran: Getting Past stereotypes and Mythology”. Washington Quarterly 26, no. 4 (2003): 69–82.

Marashi, Afshin. Nationalizing Iran: Culture, Power, and the State, 1870–1940. Seattle: University of Washington Press, 2008.

Marcinkowski, Christoph. Shi’ite Identities: Community and Culture in Changing Social Contexts. Freiburger Sozialanthropologische Studien 27. Zurich: LIT-Verlag, 2010.

McDaniel, Robert A. The Shuster Mission and the Persian Constitutional Revolution. Studies in Middle Eastern History 1. Minneapolis: Bibliotheca Islamica, 1974.

Moaddel, Mansoor. Class, Politics, and Ideology in the Iranian Revolution. New York, NY: Columbia University Press, 1993.

Omid, Homa. Islam and the Post-Revolutionary State in Iran. New York, NY: St Martin’s Press, 1994.

Pahlavi, Mohammad Reza. Answer to History. New York, NY: Stein and Day, 1980.

Rostami-Povey, Elaheh. Iran’s Influence: A Religious-Poltical State and Society in its Region. London: Zed Books, 2010.

Roy, Olivier. Globalized Islam: The Search for a New Ummah. CERI Series in Comparative Politics and International Studies. New York, NY: Columbia University Press, 2004.

Said, Edward William. Orientalism: Western Conceptions of the Orient. Penguin History. London: Penguin Books, 1978.

Saleh, Alam. Ethnic Identity and the State in Iran. New York, NY: Palgrave Macmillan, 2013.

Sanasarian, Eliz. Religious Minorities in Iran. Cambridge Middle East Studies 13. Cambridge: Cambridge University Press, 2000.

Shayegan, Daryush. Cultural Schizophrenia: Islamic Societies Confronting the West. London: Saqi Books, 1992.

Sheikholeslami, Ali Reza. “From Religious Accommodation to Religious Revolution: The Transformation of Shi’ism in Iran”. In The State, Religion, and Ethnic Politics: Afghanistan, Iran, and Pakistan, Edited by Ali Banuazizi and Myron Weiner, Contomporary Issues in the Middle East. Syracuse, NY: Syracuse University Press, 1986: 227-255

Shlaim, Avi. “A Betrayal of History”. The Guardian (22 Feb 2002)

http://www.theguardian.com/world/2002/feb/22/israel

Skocpol, Theda. States and Social Revolutions: A Comparative Analysis of France, Russia, and China. Cambridge: Cambridge University Press, 1979.

Tilly, Charles. “States and Nationalism in Europe 1492-1992”. Theory and Society 23, no. 1 (Feb 1994): 131–146.

Tindall, Gillian. City of Gold: The Biography of Bombay. Penguin Travel Library. London: Penguin, 1992..

Vali, Abbas. “The Kurds and their Fragmented ‘Others’: Fragmented Identity and Fragmented Politics”. Comparative Studies of South Asia, Africa, and the Middle East 21, no. 1, 2 (2002): 82–95.

Van Evera, Stephen. “Hypotheses on Nationalism and War”. In Nationalism and Ethnic Conflict. Edited by Michael Edward Brown et al. International Security Readears. Cambridge: The MIT Press, 2001: 26-60

Vaziri, Mostafa. Iran as Imagined Nation: The Construction of National Identity. New York, NY: Paragon House, 1993.

Warfield, John N., and George H. Perino. “The Problematique: Evolution of an Idea”. Systems Research and Behavioral Science 16 (1999): 221–226.

Waxman, Dov. “The Islamic Republic of Iran: Between Revolutionary and Realpolitik”. Conflict Studies 308 (1998): 9.

Wilson, Thomas Keith. Hope from Within: Reform in the Islamic Republic and Ayatollah Montazeri’s  Mission to Fulfill the Promises of the Iranian Revolution. Master’s thesis, Creighton University, 2009. Online e-thesis. https://dspace.creighton.edu/xmlui/bitstream/handle/10504/253/Wilson-thesis.pdf?sequence=1   [accessed 22 Mar 2016]

Zahed, Said. “Iranian National Identity in the Context of Globalization: Dialogue or Resistance?” CSGR Working Paper 162/05 (May 2004): 17-19.

“وطن، زبان فارسی و شعر مشروطه، ماشاءالله آجودانی”. ما شاء الله اَجودانى.

http://ajoudani.com/index.php?option= com_content&task=view&id=75&Itemid=26

[accessed 22 Mar 2016]

 

 


المؤلفان

د. علم صالح: زميل بقسم دراسات السلام في جامعة برادفورد، يرتكز بحثه الإقليمي على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمفهومها الواسع ويشمل هذا باكستان وأفغانستان ووسط آسيا بتركيزٍ خاص على العلاقات الدولية لهذه المنطقة؛ بما في ذلك السياسة والهوية والمجتمع في إيران، ودور الأمن والهويات في السياسة الخارجية والصراعات الإثنية والدينية والإسلام السياسـي. وقد نشر كتابه الهوية الإثنية والدولة في إيران ضمن منشورات بلجراف عام 2013، انظر:  Alam Saleh, Ethnic Identity and the State in Iran (New York: Palgrave Macmillan, 2013).

د. جيمس وارل: محاضر في قسم العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط في كلية السياسة والدراسات الدولية بجامعة ليدز. تهتم أبحاثه على الدراسات الأمنية والعلاقات الدولية، بتركيز جغرافي أساسـي على كلٍ من الخليج والشام، وبتركيز موضوعي على العلاقات الغربية مع العالم العربي، والسياسة والأمن في الخليج، والمنظمات الإقليمية والدولية، واستراتيجيات مكافحة التمرد، وإصلاح قطاع الأمن، واستقرار  وشرعية النظم  في الدول غير الديمقراطية. وقد صدر كتابه بناء الدولة ومكافحة التمرد في عمان: العلاقات السياسية والدبلوماسية والعسكرية مع نهاية الإمبراطورية ضمن منشورات آي. بي توريس عام 2014، انظر:

 James Worrall, Statebuilding and Counterinsurgency in Oman: Political, Military and Diplomatic Relations at the End of Empire, Library of Modern Middle East Studies 107 (London: I. B. Tauris, 2013).

[1] Sariolghalam Mahmood, “Understanding Iran: Getting Past Stereotypes and Mythology”, Washington Quarterly 26, no. 4 (2003): 79.

[2] يجب الإشارة إلى أننا في البداية قد اخترنا عمدًا أن نُميِّز بين مفهومي الهوية الفارسية والهوية الإيرانية وذلك كي نوسع من تحليلنا. وليس هذا قرارًا غير جدالي سواء سياسيًّا أو لغويًّا، لكنه يُوفِّر إطارًا مفيدًا لإيراد الفوارق في هذه المقال. ومن المهم أن نلاحظ أن إيران كدولة دائمًا ما كان يُشار إليها كإيران في اللغة الفارسية. أما فارس فهو الاسم الذي استخدمه الإغريق للإشارة إلى البلاد الواقعة تحت سيطرة الملوك الفرس الذين كانت قاعدة حكمهم المنطقة المعروفة بفارس أو پارس (ومن الشائق ملاحظة أن الإيرانيين الزرادشتيين الذين هاجروا إلى الهند في القرن الثامن والذين لا زالوا مقيمين بأعداد ضئيلة على الساحل الغربي في الهند وخاصةً في بومباي، لا زال يشار إليهم كبارسيين (Tinddall, 1992)، بالإضافة إلى هذا، تسمى وكالة الأنباء الرسمية في إيران فارس (FNA, 2014)، وأحد المحافظات الـ31 محافظة في إيران تسمى فارس، وتعرف هذه المحافظة الواقعة في جنوب وسط إيران، وعاصمتها شيراز باعتبارها العاصمة الثقافية لإيران. وبالتالي، ورث الغرب اسم فارس Persia من اليونان الذين أخذوه من اسم المجموعة الثقافية والاجتماعية المهيمنة في المجتمع الإيراني القديم. وتتضح هذه الخاصة في اللغة الإنجليزية، عندما تشير على نحو شائع إلى هولندا Netherland باعتبارها Holland والتـي تصادف وأن كانت المقاطعة الأهم سياسيًّا واقتصاديًّا في البلاد. وتظهر هذه الخاصية أيضًا في اللغة الفرنسية عندما تشير إلى اللغة الهولندية Dutch والتـي غالبًا ما يطلق عليها Hollandais بدلاً من استخدام الكلمة الأكثر دقة وهي Néerlandais. ولم يأتِ العام 1935 حتـى أرسلت وزارة الخارجية الإيرانية خطابات إلى  السفارات الأجنبية في طهران تطلب منها ألا تشير إلى البلاد باسم فارس ولكن باسم إيران. ولكن في ذاك الحين، كانت الأمور قد تجذرت في الغرب بحيث لم يكن لها تأثير خارج الدوائر الدبلوماسية، ومن ثم، فإن مصطلح “فارسـي” لا زال مستخدمًا على نحوٍ واسع في الغرب لدرجة أصبح معها السجاد الفارسـي والفستق الفارسـي أسماء ماركات راقية (عندما تقارن بإيران كماركة أكثر سمومًا) بحيث لم تترك هذه المسميات من قبل الدولة الإيرانية نفسها. ومن المهم أن نلاحظ أيضًا أن استخدام مصطلحات فارس وفارسـي أصبحت عملات رائجة بين الإيرانيين في السنوات الأخيرة، وبخاصةً في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979 مع وجود أشخاص يريدون خلق هوية مفارقة بعيدًا عن تلك التـي هيمن النظام الجديد عليها ولكي يُعرفوا بوضوح مع النظام السابق. وكانت هذه هي حالة قطاعات كبيرة من الشباب داخل إيران وبشكل أكبر في المهجر، خاصةً في أوساط المجموعة القوية المكونة من 2 مليون فارسـي- أمريكي/ إيراني- أمريكي )لأسباب سياسية واضحة( (Daha 2011). يميل استخدام مصطلح “فارسي” إذًا في إيران (أو غيرها) لأن يكون له دلالات سياسية بحيث يجذب الانتباه، خاصةً بالنسبة لهؤلاء الذين يؤيدون النظام الحالـي ويميلون للاعتقاد أن هذا المصطلح يستخدم للتأكيد على وجود رابطة مع النظام السابق وربما على نحوٍ أكثر جدية، لتعمد التمييز بين فكرة أن إيران هي اللغة والثقافة الفارسيتين وأن المجموعات اللغوية الأخرى ليست إلا مجرد متحدثة بلهجات فارسية (وللاطلاع على مثال جيد عن شعور هذه المجموعات اللغوية الأخرى حول هذا الخطاب، انظر: Eliassi, 2014). وعلى الرغم من الصعوبات السياسية واللغوية والتـي تظهر مع استخدام التمييزات فارسـي/ پارسـي، وفارس/ إيران، وفارسـي/ إيراني، فقد تبنينا كلمات فارس/ فارسـي هنا كجزءٍ من تحليلنا كي تساعد على تحديد الأزمة التـي تواجه الهوية الوطنية الإيرانية فقط ولعدم وجود تمييز لغوي أفضل يمكن نقله بسهولة لفكرة الهوية الفارسية.

[3] Barry Buzan, People, States, and Fear: An Agenda for International Security Studies in the Post-cold War Era, 2nd ed. (New York: Harvester Wheatsheaf, 1991): 72.

[4] Firoozeh Kashani-Sabet, “Cultures of Iranianness: The Evolving Polemic of Iranian Nationalism”, in Iran and the Surrounding World: Interactions in Culture and Cultural Politics, edited by Nikki R. Keddie and Rudi Matthee (Seattle: University of Washington Press, 2000): 162.

[5] Fouad Ajami, “Iran: The Impossible Revolution”, Foreign Affairs 67, no. 2(Winter 1988-89): 137.

[6]  على الرغم من أن هذا لا يتعلق مباشرةً بالقضية الرئيسية التـي تتناولها هذه الورقة، إلا أن تصاعد قمع المعارضة الدينية في إيران للسنة والصوفية ولأشخاص مثل آية الله حسين كاظمينـي بروجردي والذي يطالب بالفصل بين الدين والحكومة، يعبر عن بعض المخاوف التـي تنتاب النظام الحالـي حول الأسئلة الأكبر التـي تدور حول الكيفية التـي يجب أن تُنظم بها الدولة. كما ينبغي القول إنه حتى في أوساط المؤسسة الشيعية من مراجع الاجتهاد، هناك معارضون لهم تأويلات مختلفة حولة هذه الأسئلة الحرجة.

[7] John N. Warfield and George H. Perino, “The Problematique: Evolution of an Idea”, Systems Research and Behavioral Science 16 (1999): 221.

[8] Frye, see: Christoph Marcinkowski, Shi’ite Identities: Community and Culture in Changing Social Contexts, Freiburger Sozialanthropologische Studien 27 (Zurich: LIT-Verlag, 2010): p. 84

[9] Ibid: 84.

[10] Charles Tilly, “States and Nationalism in Europe 1492-1992”, Theory and Society 23, no. 1 (Feb 1994):133.

[11] Senem Aslan, “Citizen, Speak Turkish!: A Nation in the Making”, Nationalism and Ethnic Politics 13, no. 2 (2007): 246.

[12] Sandra F. Joireman, Nationalism and Political Identity (London: Continuum, 2003).

[13] Stephen Van Evera, “Hypotheses on Nationalism and War”, in Nationalism and Ethnic Conflict, edited by Michael Edward Brown et al., International Security Readers (Cambridge: The MIT Press, 2001): 128-129.

[14]ترسم في الفارسية “ملت” و”هويت” (المترجم)

[15] Rasmus Christian Elling, Minorities in Iran: Nationalism and Ethnicity after Khomeini (New York: Palgrave Macmillan, 2013): 121.

[16] Afshin Marashi, Nationalizing Iran: Culture, Power, and the State, 1870–1940.  Seattle: University of Washington Press, 2008): 17.

[17] Ibid: 44.

[18] Abbas Amanat and Farzin Vejdani, eds., Iran Facing Others: Identity Boundaries in a Historical Perspective (New York: Palgrave Macmillan, 2012): 13.

[19] Ali Reza Sheikholeslami, “From Religious Accommodation to Religious Revolution: The Transformation of Shi’ism in Iran”, in The State, Religion, and Ethnic Politics: Afghanistan, Iran, and Pakistan, edited by Ali Banuazizi and Myron Weiner, Contomporary Issues in the Middle East (Syracuse, NY: Syracuse University Press, 1986): 227-255.

[20] Kashani-Sabet, “Cultures of Iranianness”: 227.

[21] H. Ahmadi, “Unity Within Diversity: Foundation and Dynamics of National Identity in Iran”, Critique: Critical Middle East Studies 14, no. 1 (2005): 132.

[22] Edward Granville Browne, The Persian Revolution of 1905–1909 (New York, NY: Barnes & Noble, 1966) ؛Robert A. McDaniel, The Shuster Mission and the Persian Constitutional Revolution , Studies in Middle Eastern History 1 (Minneapolis: Bibliotheca Islamica, 1974).

[23] Mangol Bayat. Iran’s First Revolution: Shi’ism and the Constitutional Revolution of 1905-1909, Studies in Middle Eastern History (Oxford: Oxford University Press, 1991): 257-258.

[24]  للتعرف على المحاولات الأخيرة من قبل العلماء لقيادة الإصلاح داخل الجمهورية الإسلامية، انظر: Thomas Wilson (2009).

[25] Ervand Abrahamian, Iran Between Two Revolutions, Princeton Studies on the Near East (Princeton: Princeton University Press, 1982): 127

[26] Edward William Said, Orientalism: Western Conceptions of the Orient, Penguin History (London: Penguin Books, 1978).

[27] Ajoudani, M. (2014). Watan, Zabane Farsi, wa She’re Mashroute [Homeland, Persian language, and constitution’s poetry].

http://ajoudani.com/index.php?option=

[28]Mostafa Vaziri, Iran as Imagined Nation: The Construction of National Identity (New York, NY: Paragon House, 1993).

[29] Mehrzad Boroujerdi, Iranian Intellectuals and the West: The Tormented Triumph of Nativism, Modern Intellectual and Political History of the Middle East (New York, NY: Syracuse University Press, 1996): 14

[30] Ibid: 7.

[31] Elling, Minorities in Iran: 163.

[32] Homa Katouzian, Iran: A Beginner’s Guide. Oneworld Beginner’s Guides. London: Oneworld, 2013): 109.

[33] Amanat and Vejdani, eds., Iran Facing Others:178.

[34] Vaziri, Iran as Imagined Nation: 62.

[35] Marashi, Nationalizing Iran: 71-72.

[36] Daryush Shayegan, Cultural Schizophrenia: Islamic Societies Confronting the West (London: Saqi Books, 1992): 153.

[37]Jaafarian, see:  Said Zahed, “Iranian National Identity in the Context of Globalization: Dialogue or Resistance?” CSGR Working Paper 162/05 (May 2004): 17.

[38] Ali Tuna Kuyucu, “Ethno-Religious ‘Unmixing’ of Turkey: 6-7 September Riots as a Case in Turkish Nationalism”, Nations and Nationalism 11, no. 3 (2005): 364.

[39] Eliz Sanasarian, Religious Minorities in Iran, Cambridge Middle East Studies 13 (Cambridge: Cambridge University Press, 2000): 5.

[40]  يعنـي هذا اللقب ملك الملك ونور الآريين.

[41]  بلهوي هو اسم اللغة الفارسية القديمة ما قبل الإسلام، وربما اختير اللقب أيضًا ليعبر عن قبيلة بهلوي الموجودة في محافظة مازندران والتـي تعود إليها جذور رضا شاه.

[42] Mohammad Reza Pahlavi, Answer to History (New York, NY: Stein and Day, 1980): 53.

[43]  قامت الإمبراطورية الإخمينية في الفترة (550-330 ق. م) والساسانية (224-651م).

[44] Ajoudani, M. (2013). Du Pare Kardane Tarikh: Mirase Shekaste Iran az Rousyie [The divergence of

history: The legacy of the Russian defeats of Iran]. BBC Persian. Retrieved from http://www.bbc.co.uk/persian/iran/2013/11/131102_l44_golestan_treaty_ajoudani.shtml.

[45] Sirus Ghani, Iran and the Rise of Reza Shah (London: I.B. Tauris, 1998): 333.

[46] Charles Kurzman, “Weaving Iran into the Tree of Nations”, International Journal of Middle East Studies (IJMES) 37, no. 2 (2005): 149.

[47] Mehrdad Kia, “Persian Nationalism and the Campaign for Language Purification”, Middle Eastern Studies 34, no. 2 (Apr 1998): 9–36.

[48] Richard Cottam, “Nationalism in Twentieth-Century Iran and Dr. Muhammad Musaddiq”, in Musaddiq, Iranian Nationalism and Oil, edited by James A. Bill and William Roger Louis (London: I. B. Tauris, 1988): 23–46.

[49] H. Bashiriyeh, “Ideologi-ye Siasi va Hoveyat-e Ejtema’I Iran”, Political Ideology and Collective Identity in Iran Iran Nameh 23, no. 3 (2003): 271–285.

[50] Pahlavi, Answer to History: 56.

[51] Stephanie Cronin, ed., The Making of Modern Iran: State and Society Under Riza Shah, 1921-1941, RoutledgeCurzon/BIPS Persian Studies Series 2 (London: Routledge, 2003): 1.

[52] Alam Saleh, Ethnic Identity and the State in Iran (New York, NY: Palgrave Macmillan, 2013): 62.

[53] Raymond Hinnebusch and Anoushiravan Ehteshami, eds., The Foreign Policies of Middle East States (Boulder, CO: Lynne Rienner, 2002): 284.

[54] Robert Graham, Iran the Illusion of Power (London: Croom Helm, 1978): 194.

[55] Mahmood, “Understanding Iran”: p.80

[56]  ملاحظات للتلاميذ في قم، 13 مارس 1979.

[57] Cottam, “Nationalism in Twentieth-Century Iran”: 29.

[58]  الخطاب رقم 38 في 20 من أكتوبر 1978 بعنوان “ثورة شعب إيران المسلم غير مسبوقة في التاريخ”.

[59] Theda Skocpol, States and Social Revolutions: A Comparative Analysis of France, Russia, and China (Cambridge: Cambridge University Press, 1979).

[60] Homa Katouzian and Hossein Shahidi, eds., Iran in the 21st Century, Politics, Economics and Conflicts (Abingdon, England: Routledge, 2008): 22.

[61] Homa Omid, Islam and the Post-Revolutionary State in Iran (New York, NY: St Martin’s Press, 1994): 154.

[62] Olivier Roy, Globalized Islam: The Search for a New Ummah, CERI Series in Comparative Politics and International Studies (New York, NY: Columbia University Press, 2004): 18-44.

[63] خطابات الخمينـي موجودة على الرابط، انظر:

BBC World Service. The Speeches of Ayatollah Khomeini”. :داستان انقلاب”

www.bbc.com/persian/revolution/khomeini.shtml

[64]  خطاب الخمينـي رقم 52.

[65]  توجد هذه الجزر بالقرب من الساحل الشرقي للخليج الفارسـي، وتتنازع ملكيتها إيران والإمارات العربية المتحدة.

[66] Elaheh Rostami-Povey, Iran’s Influence: A Religious-Poltical State and Society in its Region (London: Zed Books, 2010): 134-135.

[67] Saleh, Ethnic Identity and the State in Iran: 33-34.

[68] Katouzian and Shahidi, eds.,Iran in the 21st Century: 16.

[69] Abbas Abdi, “Enqelab ‘Aleyhe Tahqir (Revolution Against Humiliation(“, Asr-e ‘Azadegan 2 (Feb 2000).

[70] Abbas Vali, “The Kurds and their Fragmented ‘Others’: Fragmented Identity and Fragmented Politics”, Comparative Studies of South Asia, Africa, and the Middle East 21, no. 1, 2 (2002): 82–95.

[71] Nikki R. Keddie, ed., Religion and Politics in Iran: Shi’ism from Question to Revolution (London: Yale University Press, 1983): 187.

[72]Dov Waxman, “The Islamic Republic of Iran: Between Revolutionary and Realpolitik”, Conflict Studies 308 (1998): 9.

[73] Maloney, see: Hinnebusch and Ehteshami, eds., The Foreign Policies of Middle East States:102.

[74] Sanasarian, Religious Minorities in Iran: 1.

[75] Hamid Ahmadi, Qoumiyat va Qoum Garayi dar Iran (Ethnicity and Ethnic Affinities in Iran (Tehran: Nashre Nia, 2000): 76.

[76] E. Renan, quoted in, see: Avi Shlaim “A Betrayal of History”, The Guardian (22 Feb 2002). Online e-article.

 http://www.theguardian.com/world/2002/feb/22/israel

[77] Benedict Anderson, Imagined Communities: Reflections on the Origin and Spread of Nationalism (London: Verso, 1991): 33-36.

[78] Zahed, “Iranian National Identity”: 19.

[79] Mansoor Moaddel, Class, Politics, and Ideology in the Iranian Revolution (New York, NY: Columbia University Press, 1993): 152.

[80] Mahmood, “Understanding Iran”: 69.

[81] Shayegan, Cultural Schizophrenia: 86.

[82] Gregory F. Giles, “The Crucible of Radical Islam: Iran’s Leaders and Strategic Culture”, chap. 6 in Know the Enemy: Profiles of Adversary Leaders and their Strategic Cultures, edited by Barry R. Schneider and Jerrold M. Post (Maxwell Air Force Base, AL: USAF Counterproliferation Center, [2003]): 146, Online e-book.

www.au.af.mil/au/awc/awcgate/cpc-pubs/know_thy_enemy/giles.pdf

[83]  إن أهمية الثقافة بالنسبة للهوية الفارسية ليست مجرد مبالغة، ويظهر هذا على نحوٍ خاص في الأدب ولا سيما الشعر؛ فيعرف شعراء مثل حافظ [الشيرازي] و[جلال الدين] الرومي و[فريد الدين] العطار و[سعدي] الشيرازي ونظامي وعمر الخيام، وعلى رأسهم بالطبع الفردوسـي بملحمته الشاهنامه في الغرب ويتمتعون بمكانة جليلة في إيران، ولا يحتاج المرء إلا أن يقرأ مذكرات كريستوفر دي بليج Christopher de Bellaigue (2005) عن حياته في إيران ليرى كيف أن نصوص هؤلاء الشعراء متداخلة في نسيج الحياة اليومية ومقدرة على نحو عظيم. وعلى الرغم من أن الأصول العرقية لهؤلاء الشعراء (وغيرهم) متنوعة، فإن هذا يعكس الأهمية السياسية للكتابة بالفارسية وليس فقط مجرد العظمة الأدبية. ويجب علينا أن نتذكر أن أكثر الكتابات الفارسية شهرة كانت موجودة قبل فترة طويلة من ظهور الدولة الحديثة وأنها ظلت حاضرة ومتبعة في الأوساط الشعبية. ويبدو أن استخدام الأدب الفارسي كأداة للقومية في القرن العشرين قد أدى إلى بعض الاستياء بدلاً عن شعور بالمسار الثقافي المشترك كما كان الحال في الماضي.