مجلة حكمة
بين القضاة والمفتين : لمن كان يستمع سلاطين المماليك ؟ - ليونور فرناند

بين القضاة والمفتين: لمن كان يستمع سلاطين المماليك؟ – ليونور فرناندِز / ترجمة: علاء عوض


مقدمة المترجم (بين القضاة والمفتين):

تعد المدرسة الاستشراقية المهتمة بمجال التاريخ الإسلامي([3]) من أنشط المدارس الموجودة حاليًّا، ومن أهم تلك المدارس التي اعتنت بدراسة التاريخ -الحقبة المملوكية تحديدًا- “مدرسة الدراسات المملوكية” أو ما تعرف اختصارًا بـ (MSS)، وأبرز مخرجات تلك المدرسة هي مجلة الدراسات المملوكية، التي تصدر منذ أعوام، ويشارك بالكتابة فيها مجموعة من الأساتذة المتخصصين من جامعات مختلفة، يهتمون بدراسة جوانب الحياة في العصر المملوكي، وقد أثروا الدراسات المتعلقة بهذه الحقبة بالعديد من الأبحاث، تتفاوت في الجودة بالطبع، لكنها في المجمل مفيدة وتحوي تحريرات هامة.

وكان قد لفت انتباهي مقال بحثي منشور بالمجلة المشار إليها-نشر عام 2002م- للدكتورة ليونور فرناندز ([4])، وما لفت انتباهي إليه هو عنوانه الأخّاذ: (بين القضاة والمفتين .. لمن كان يستمع سلاطين المماليك ؟)، وأخذت أقرأ في البحث ولم أكد أنتهي منه إلا وأدركت أهميته العلمية من حيث المنهج المتبع فيه ومن حيث المادة البحثية نفسها، فعزمت أن أنقله إلى العربية؛ كي يفيد منه المتخصصون وطالبوا المعرفة.

وأود أن أشكر في مقدمتي أخي الفاضل الباحث أ/ إسلام مصطفى، الذي عرّفني بالمجلة، ولم يدخر جهدًا في إعانتي أثناء عملي حتى فراغي منه، وتكرّم بمراجعة المادة، وساعدني في حل إشكال بعضها، فالشكر موصول له، وأسأل الله أن يجزيه خير الجزاء.

تمهيد:

يتناول هذ البحث موضوعًا مهمًا أشارت الباحثة في مقدمتها إلى أن الباحثين في التاريخ المملوكي قد أغفلوا النقاش فيه.

وهذه النقطة المهمة: هي علاقة الحاكم –في تلك الفترة- بـ القضاة والمفتين، وكيفية تفاعله معهم واستغلال حالة التوافق والخلاف بين علماء المذاهب، وبين القضاة والمفتين من جانب آخر. وهذه النقطة تكشف عن نوع العلاقة بين الحاكم والمفتي/ القاضي في تلك الفترة من التاريخ الإسلامي، وكيف أن المفتين والقضاة كانوا يضيقون على الحكام كي لا يترخصوا باختلاف المذاهب.

ومن المهم الإشارة في هذه العجالة إلى نوعية المصادر التي اعتمدت عليها الباحثة لاستقراء موضوع البحث. فمن البديهي أن تكون كتب التراجم والحوليات من المواد الأولية التي اعتمدت عليها الباحثة، لكن لم تكتفِ بذلك فقط بل اعتمدت على نوعية من المصادر قد تكون بادي الرأي على غير صلة وثيقة بموضوع البحث؛ مثل اعتمادها على كتب الفتاوى وكتب أدب القضاء، فضلًا عن وثائق حجج الوقف التي اعتمدت عليها في التعريف بشروط بعض الواقفين.

ولم تسلم الباحثة من بعض الاستنتاجات التي لا تُوافق عليها وبعض التأويل لبعض النصوص التي اقتبست منها، خاصة ما يتعلق بالاستنباط من شواهد لا تساعد على ما ذهبت إليه؛ وكي لا أطيل في هذه الكلمة سأكتفي بذكر مثال واحد ([5]):

 ذكرت الباحثة أن أموال الوقف سبب من الأسباب التي تجعل الحكام يتحكمون في العلماء ومدخل من مداخل الرِشى وانتشارها؛ وهذا فهمٌ خاطئ؛ لعل سببه عدم تصور طبيعة النظام الوقفي والذي يختلف عما هو من سبيل الوظيفة والرواتب المقطوعة لها من قبل الحكّام، فإن كان هذا يُعدُّ مدخلًا للرشى في هذه الوظائف ففي الوقف لا يوجد هذا المدخل، وتوضيحه أنه لا يحِقُ للواقف نفسه التدخل فيه ولا تغييره، فضلًا عن أن يتحكم في المال المُعطى لصاحبه ويساومه عليه؛ كي يكون مدخلًا للرِشى. فالوقف في الأساس حاسمٌ لمادة الرِشى وهو من العوامل الرئيسة التي تؤدي لاستقلالية القاضي/المفتي بعيدًا عن السلطة وما قد ينوبها من تلك المعاملات المشبوهة.   اللهم إلا أن يكون المراد أن الوقف محبوس على العلماء، ونظّاره من أتباع الوالي ومن قليلي الديانة؛ فيسيرهم الوالي بهواه إغداقًا وإجحافًا، يغدق على من أطاعه ويقتّر على من يخالفه.

وعلى أي حال فالبحث غنيٌ في مادته وموضوعه، ويطرح بعض التساؤلات البحثية المهمة، وإن كنا قد نوافق الباحثة في النتيجة التي توصلت إليها، لكننا لا نوافقها على بعض الشواهد التي حشدتها لتأييد تلك النتيجة، أو في بعض تأويلاتها للنصوص التاريخية التي لا تنهض لذلك الاستنتاج.

طريقة عملي في الترجمة:

  • نقلت البحث إلى العربية وحاولت توخي الدقة في نقل معاني الباحثة، حتى فيما كانت تنقله عن المصادر بالمعنى، لم أكن أعتمد على المصدر، بل كنت أحاول نقل كلام الباحثة لأنه يُعدُّ فهمها هي للمصدر لا كلام المصدر نفسه، فقد يقع في بعض الأحيان مغايرة لما في المصدر عما فهمته الباحثة.
  • بالنسبة للمصادر التي اعتمدت عليها الباحثة وتعليقاتها في الهوامش تركتها كما هي، إلا أنني في بعض الأحيان كنت أشير لموضع المصادر في طبعات حديثة وأفضل تحقيقًا مما اعتمدت عليه الباحثة.
  • علقتُ في بعض المواضع التي ارتأيت أنها بحاجة إلى تعليق، ولم أكثر من التعليقات كي لا أثقل الهوامش، وكي لا أقطع تتابع القراء كثيرًا بها. وفرّقتُ بين تعليقاتي وتعليقات الباحثة بأن جعلت بعد تعليقاتي كلمة (المترجم). وما كان غفلًا من هذه العلامة فهو من تعليقات الباحثة.
  • أضفت عناوين قليلة في صلب البحث وجعلتها بين معكوفين [].

وأخيرًا؛ أرجو أن أكون قد وفقت في ترجمة هذا البحث الثري، الذي أقدمه لقراء العربية وشداة المعرفة، وأرجو أن يجدوا فيه مادة ثرة تستحق عناء مطالعته.

والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين.


رغم تطور الدارسات المختصة بالحقبة المملوكية، في العديد من الجوانب، إلا أن العلاقة بين القضاة والمفتين في ذلك العصر لم تلقَ العناية من تلك الدراسات. وسأقوم في هذه الورقة باستجلاء طبيعة العلاقة بين هاتين الفئتين، من خلال المناظرات والمناقشات التي عقدت بينهم، والتي كانت تظهر على المستويين العام والخاص. وسأقوم بتتبع الدور الذي مثلته كل مجموعة، وأثر ذلك الدور على المجتمع، وكذلك، سيتم رصد دور السلطان في تأييد التعديلات المقترحة على التشريعات، من قبل علماء المذاهب.

 وتبعًا لذلك: سيتم التركيز على قضيتين، تعكسان بوضوح شدة الاختلاف والتنافس الذي كان واقعًا بين الأفراد المنتمين إلى المجموعتين. وسوف تُظهر الحالات المختارة أن المناظرات بين الفريقين كانت تتسم عادة بالشدة، وغالبًا ما كانت تؤدي لمعارضة العامة لإحدى وجهات النظر المطروحة من قبل أحد الفريقين. وتركزت تلك المناقشات بين الفريقين على التفسيرات المتعارضة في توضيح الأحكام الشرعية.

 وحفظت لنا كتب الحوليات التاريخية تلك المناقشات الساخنة، التي كانت تعقد بحضرة السلطان، وكان ما يثير تلك النقاشات -في كثير من الأحيان- هو الأسئلة التي يطرحها السلطان أو الأمير. وحُفظت تلك المناقشات عن طريق الرسائل أو الفتاوى المتعلقة بموضوع النقاش، والتي كانت تُصنف من أحد الطرفين، وحوت تلك الرسالة/الفتوى حجة الفريق الذي ينتمي إليه صاحب الرسالة.

إذا عُلم ذلك، فبمقدورنا تتبع سَيْر تلك النقاشات عن طريق تتبع الرسائل والفتاوى المتعلقة بذلك الموضوع في تلك الفترة عن طريق تتبع كتب التراجم.

وفحص تلك النصوص-الرسائل والفتاوى وتراجم العصور الوسطى والتعليقات عليها- يلقي الضوء على الطرق الشرعية التي كانت تُسلك في تعديل التشريعات. وهذا، بالطبع، يساعدنا على فهم كيفية تحول رأيٍ فقهيٍّ أو شرعيٍّ إلى تشريع عام، بعد فرض الحاكم له.

 وقبل نقاش حالات عدم الوفاق بين القضاة والمفتين سنعرض لوظائف المفتين والقضاة، والمسؤولية المتعلقة بكل وظيفة ([6]).

 [وظيفة الإفتاء، وكيفية تقلدها]

عَنْوَن القلقشندي في كتابه “صبح الأعشى” بعنوان (الإجازة بالفتيا والتدريس) ([7])، ويُعلِمُنا هذا الفصل أن إصدار الفتوى لا يكون إلا بعد حصول المرء على إجازة تسمح له بذلك.
وتُعدُّ الإجازة بمثابة الشهادة التي تسمح للشخص بإصدار الفتوى وفقًا لمذهب معين. وقد أجاز بعضَ العلماء علماء آخرون بارزون وأكثر شهرة.

يذكر ابن حجر العسقلاني في وفيات سنة (801هـ): أن جمال الدين الزهري الشافعي أجازه أبوه في عام (791هـ)، وقال: “وأذِنَ له أبوه بالإفتاء”([8]). وذكر أيضًا في موضع آخر، أن محمدَ بن محمد الغزي المتوفى (724هـ) الطالب بجامع الحاكم، أجيز بالتصدر للإفتاء من البدر ابن الخليل ([9]). وترجم السخاوي لمحمد بن عبد الرحمن المحلي، الذي رافق ابن جماعة عشر سنين، وذكر أنه أجازه ابن جماعة إجازة فيها إذنه له بتدريس الفقه، وإصدار الفتاوى الشفهية والكتابية وفقًا للمذهب الشافعي ([10]). وقد تلقى القلقشندي نفسه إجازة من شيخه سراج الدين أبي حفص، المعروف بابن الملقن، عندما وصل الأخير إلى الإسكندرية، محل إقامة الطلبة في سنة (778ه) ([11]).

وقد يحصل الشخص على أكثر من إجازة من شيوخ مختلفين، ومن المفترض أنه كلما كثرت إجازات الشخص زادت الثقة برأيه. فيذكر السخاوي في وفيات سنة (846هـ) : أن القاضي شمس الدين القرشي الشافعي، الذي ولد بالمحلة عام (763هـ)، أجيز من محمد العَجْلوني، وأيضًا أُعطي إجازة بالتدريس والإفتاء من البُلقيني عام (809هـ)، وأيضًا أجازه ابن عقيل عام (782هـ)([12]). وقد ذكر السخاوي، في وفيات سنة (852هـ)، أن شيخه ابن حجر تلقى إجازة بالإفتاء والتدريس من شيوخه: البلقيني، وابن الملقّن و الأبناسي([13]).

ويمدنا القلقشندي بنص إجازته، وتبرز أهميتها في كونها تلقي الضوء على أهلية المفتي ومدى استعداده لعملية تفسير النصوص. ويذكر القلقشندي في نص الإجازة: “…أن العلم هو أقوى أسباب العبادة…ولما كان فلانٌ ممن شب ونشأ في طلب العلم والفضيلة، وتخلّق بالأخلاق المرضية الجميلة الجليلة، وصحب السادة من المشايخ والفقهاء، والقادة من الأكابر والفضلاء، واشتغل عليهم بالعلم الشريف اشتغالًا يُرضى…وأذن وأجاز لفلانٍ المسمّى فيه… أن يُدرّس مذهب…الشافعي…وأن يُفتي من قصد استفتاءه لفظًا وخطًا على مقتضى مذهبه… المشار إليه: لعلمه بديانته وأمانته، ومعرفته ودرايته، وأهليته لذلك وكفايته”([14])، وقد وقّع على الشهادة أكثر من عالم من علماء المذهب.

ويتضح أن أهلية المفتي تعتمد على معرفته بمختلف مجالات العلوم الدينية بمذهبه، فليس من المستغرب أن الذي يعطي الإجازة هو نفسه عالمٌ بالمذهب.

ويشغل الأفراد المُجازون منصب التدريس، أو على الأقل -كما في حالة القلقشندي- يكونون مؤهلين للتدريس، ويؤكد هذه النقطة المعلومات الموجودة في الوثائق الوقفية. فعلى سبيل المثال، نجد في وقفية السلطان حسن، أن المؤسس عيّن للقبة مدرسًا/مفتيًا بشرط كونه مؤهلًا لتفسير القرآن الكريم([15])، وتشير الوثيقة نفسها إلى الأجر-300 درهم- الذي كان يُدفع لقاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي، والذي كان قاضي القضاة بدمشق؛ كي يقوم بوظيفة الإفتاء في أثناء حياته وبعد مماته لمن يخلفه في منصب قاضي قضاة الشام([16])، وتشير أيضًا الوقفية إلى تعيين شيخ الميعاد ([17])، والذي يجب أن يكون عالمًا مشهورًا بالديانة([18]).

وتنص وقفية المؤيد شيخ المحمودي، على أن يكون شيخ الصوفية حنفي المذهب، ويجب أن يكون مُلِمًّا بالفقه على مذهبه، وأن يكون مُطلِعًا على أعمال المذاهب الأخرى([19]). ويجب أن يكون مؤهلًا للتدريس وإصدار الفتوى. وتذكر وقفية الجمال يوسف الأستادار تعيين عالم بالمذهب الشافعي مؤهلًا للتدريس وإصدار الفتاوى. وأقام الشيخ أبو المعالي محمد الخوارزمي الشافعي في مؤسسة وقف الخانكة، وخُصص له راتب مقابل إصداره الفتاوى والآراء الفقهية، وهذا وفقًا لتعليمات مؤسس الوقف ([20]).

ويَفتَح، بالطبع، هذا الأمر باب الرشوة، ويجعل الأمراء والحكام يدفعون أموالًا كثيرة للمفتين كي يصدروا لهم فتاوى توافق أهواءهم ([21]).

وعلى صعيد آخر، سقط بعض العلماء فريسة الفساد، فبدءوا يجيزون غير المؤهلين للفتوى مقابل مبالغ مالية؛ لأن إصدار الفتاوى أصبح تجارةً مربحةً. وهذه الحالة الرديئة أصبحت منتشرة في القرن الرابع عشر.

فقد ذكر ابن حجر العسقلاني، في وفيات سنة (795هـ)، أحمد بن عمر بن هلال الإسكندراني ثم الدمشقي، الفقيه المالكي، وقد عرف بأنه عالم ماهر، وعلى الرغم من ذلك، قال ابن حجر: إنه عِيبَ لقبوله الرشى؛ كي يعطي إجازات لغير المؤهلين لإصدار الفتاوى، وأنكر عليه فقهاء آخرون ([22]).

وقد تلغى إجازة الشخص بالفتوى في حالة ملاحظة أقران العالم أن أهليته وأداءه أصبحتا محل تساؤل وشك وريبة. فقد ذكر السخاوي مجلسًا عُقد عام (852هـ)، حضره السلطان والقلقشندي والمناوي وبعض فقهاء الشافعية الآخرين، وكان لقاؤهم لإعادة النظر في شَغْل الشيخ ابن جماعة لمنصب شيخ الصالحية ([23]) في القدس، وعُقد المجلس بطلب من سراج الدين الحمصي، والذي ادّعى أن ابن جماعة غير مؤهل للتدريس، واتهمه بأنه أخطأ في عدة فتاوى ([24]).

وذكر ابن حجر أن تفسير الفقيه الشافعي ابن النقَّاش اتسم بالغرابة بعض الشيء، وتفضيلَه لمصاحبة الأمراء، ولكن ما حمى ابن النقَّاش من مهاجمة قطب الدين الهِرماسي هو صداقته للسلطان حسن ([25]). ولاحقًا ذكر المقريزي، في حوادث سنة (760هـ)، أن ابن النقَّاش طُلب للمثول في مجلسٍ حَضره القاضي ابن جماعة بطلب قطب الدين الهِرماسي، حيث اتهمه العراقي بإصدار فتاوى مخالفة للمذهب الشافعي ([26]). ولكن ابن حجر كان أكثر وضوحًا من المقريزي، حيث أضاف أن ابن النقَّاش اتُّهم بأنه أفتى بعض القبط بفتوى تُخالف المذهب الشافعي ([27])؛ نتيجة لذلك مُنع ابن النقَّاش من الإفتاء وكذلك من إعطاء الدروس العامة في الوعظ، إلا إذا قرأ من الكتب ([28]).

 [منصب القضاء]:

يذكر القلقشندي، فيما يتعلق بمنصب القاضي، أن هذا المنصب لا يتولاه إلا المؤهلون، المعروفون بالتواضع والأمانة والصدق والتقوى. وأضاف القلقشندي أن هذا المنصب يجب أن يشغله من يبذل اجتهاده؛ كي يضمن أن تسود العدالة، بعدما يعتمد على شهادات الخصوم وأدلتهم، ويتأكد أن الجميع عومل معاملة عادلة متساوية ([29]).

ويستعين القاضي عند إصدار الحكم، بشهادة الشهود والأدلة المتعلقة بقضيته، وبعد مراجعة المراجع والمصادر القضائية يتعين على القاضي التجهز لإبداء حكمه. وفي بعض الحالات لا يجد القاضي في المصادر القضائية حكمًا سابقًا عليه مشابهًا أو ما يساعده في حالته، فعندها إن كان القاضي يرى نفسه أهلًا للاجتهاد يستخدم اجتهاده ([30]). ويقترح الطرابلسي أن الأفضل للقاضي هو الإحالة إلى المفتي إذا لم يستطع أن يكوّن رأيًا في القضية المعروضة عليه، لكن لو اعتبر نفسه مجتهدًا فله أن يجتهد أو يخرّج على أحكام قضائية سابقة لحالته قبل أن يقضي قضاءه، وأما إذا لم يعتبر نفسه مجتهدًا فعليه أن يستشير المفتي ويصدر بعد ذلك حكمه، وعمومًا يجب على القاضي ألّا يقضي بين الناس إلا أن يكون ملمًّا بكيفية إصدار الحكم القضائي ([31]).

ويتوفر للمفتي عدد واسع من الأدلة المأخوذة من مذهبه أو المذاهب الأخرى، أكثر من القاضي، مما يساعده في إصدار رأيه الفقهي. وهذا الوضع يتيح للمفتي اقتراح حلول وآراء للمشكلات، مما يجعل هذا يتضارب مع تفسيرات القاضي في بعض الأحيان، والتي-أي تفسيرات القاضي- تتصف بكونها أضيق من تفسيرات المفتي.

 فمن الطبيعي أن يلجأ الحكَّام والأمراء للمفتين لتسويغ بعض تصرفاتهم التي ينتقدها ويعترض عليها علماء المذاهب، لكونها غير مشروعة. ولجوء الحكام إلى المفتين فيه مخاطرة واضحة عليهم؛ لأن المفتين قد يفتونهم بما يخالف أهواءهم.

ولم يمتنع المفتون عن المعارضة رغم محاولة رشوة الحكام لهم. لذلك فإن معضلة الحكام والأمراء تتمثل في أن تصرفاتهم تنحصر في خيارين؛ إما أن يتصرفوا كما يحلو لهم ويواجهوا معارضة العلماء، وإما أن يجيز لهم بعض الفقهاء تصرفاتهم.

وغالبًا ما تكون تلك المسائل التي تحتاج الالتفاف حول الأحكام الشرعية= هي المسائل المتعلقة بالاستيلاء غير المشروع على الأموال. فمثلًا: عندما يَضطر الحكام المماليك إلى أخذ رأي العلماء بسبب تصرفاتهم غير المشروعة، يقع العلماء في حرج؛ لأنهم إذا لم يجيزوا أفعالهم سيتعرضون لغضب الحكام؛ لذا فإنه في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، كانت الشجاعة مطلوبة في مثل هذه المواقف الحرجة؛ كي يتمسك العالم برأيه حتى لو خالف هوى الحكام.

فمدح ابن حجر العسقلاني، القاضي تاج الدين الطرابلسي مفتي دار العدل؛ لإصراره على إمضاء أحكامه القضائية وعدم نكوصه عنها عكس غيره ([32]). ويذكر المقريزي في حوادث سنة (780هـ) أن الأمير برقوق، عقد مجلسًا دعا فيه القضاة والعلماء لمناقشة إمكانية حل الأراضي الموقوفة على المساجد والخوانق والمدارس والزوايا، وغيرها من الأوقاف ([33])، فأثار هذا لغطًا بين العلماء الحضور، وكان البُلقيني من ضمن الحضور، ساكتًا؛ ولعل سكوته كي يتجنب معارضة رأي الأمير برقوق ([34])، ولما سئل عن سكوته قال: لم يسألني أحد حتى أتكلم، فطلب منه الأمير أن يبدي رأيه، فاضطر البلقيني لإبداء معارضة طلب الأمير في الاستيلاء على الوقف. وقال ابن أبي البقاء معتذرًا للأمراء: إنهم أصحاب الشوكة والأمر إليهم ([35])، وقال البلقيني غاضبًا: ” يا أمراء أنتم تأمرون القضاة، فإن لم يفعلوا ما ترسموا به عزلتموهم”([36]).

ويذكر ابن حجر في حوادث سنة (803هـ)، أن مجلسًا قد عُقد –عند غزو تيمور المنغولي مدينة سِيواس- لمناقشة أخذ نصف أموال التجار لتجهيز الجيش للقاء العدو، ولم يكن الطلب مناسبًا، وكانت الإجابة من العلماء واضحة. فأجاب القاضي جمال الدين الملطي قائلًا: “إن فعلتم بأيديكم فالشوكة لكم، وإن أردتم ذلك بفتوانا فلا يجوز لأحدٍ أن يُفتي به”([37]). وهذا الرد مستغرب أن يصدر من شخص عُرف عنه سلوك طرق غير مشروعة، واتُّهم بإصدار فتاوى تجيز أكل الحشيش، و-كما يقول ابن حجر- كان يسلك الحيل ليحلل الربا ([38]).

ولقد كان لبعض الفتاوى -المخالفة للسائد من فتاوى علماء المذاهب- أثر عميق، خاصة عندما تُقَرُّ هذه الفتاوى من قِبل الحُكام، ويتبناها بعض العلماء. فمثل هذه الفتاوى تفتح وتمهد الطريق لتغيير بعض الأحكام المتعلقة ببعض التصرفات التي وصفت في وقت سابق بكونها غير مشروعة عند غالبية العلماء.

وقد اشتُهر البُلقيني والسبكي بالإفتاء مخالفين ما عليه المعتمد في المذهب الشافعي، رغم معارضة أقرانهم، وكانوا لا يترددون في ذلك؛ لأن آراءهم كانت مدعومة من قبل الحكام والنُّخب العسكرية ([39]).

وقدّم السيوطي تفسيرًا يعتذر فيه عن الإمامين، فهو يرى أنه على الرغم من أنهما قد فتحا بابًا لبعض الممارسات غير القانونية إلا أنهما كان يتفاعلان مع متطلبات زمانهما، بل إن السيوطي يرى أن الفتوى يجب أن تتناسب مع طبيعة الوقت ([40]).

ولعبت آراء المفتين الدور الأساسي في التمهيد للتغيرات القانونية. تبعًا لذلك، ينبغي أن نتعامل بعناية مع محتوى الفتاوى وطريقة صياغتها؛ لأنه على المدى البعيد، عندما تتلاشى الضجة العامة، كان تُتَّبع بفرض للقوانين. وكلما زاد قدر العالم ومكانته كان رأيه أكثر تأثيرًا، وضعفت فرص معارضة أقرانه له، وقد ساءت سمعة بعض القضاة لدرجة بعيدة جدًّا.

ويبدو أن مفتيي الشام كانوا أكثر فعاليةً في منافسة مؤهلات غيرهم من العلماء. فيذكر ابن حجر في أحداث سنة 828هـ: أن يوسف بن قطب الدين الحنفي حضر من حلب وأظهر الازدراء بعلماء الحنفية، وأنه ليس فيهم مثله. فأراد السلطان الأشرف برسباي أن يختبر صحة دعواه، فأمر بعقد مجلس يحضر فيه بعض علماء الحنفية، وأُحضِرت فتاوى كتبت من نسخة واحدة، فدفع للشيخ نظام الدين شيخ (الظاهرية) واحدة، وللشيخ بدر الدين العينتابي واحدة، وللشيخ سراج الدين قارئ الهداية واحدة وهو يومئذ شيخ (الشيخونية)، ولصدر الدين ابن العجمي واحدة شيخ (المؤيّدية)، وللشيخ يوسف واحدة، وأمر أن يكتبوا عليها منفردين، فأجابوا إلى ذلك إلا يوسف، وقال: أنا لا أكتب إلا بمنزلي. ودفع السلطان لقاضي الحنفية زين الدين التَّفَهْني الفتاوى لينظر من أصاب منهم ممن أخطأ ([41]).

فهل يُفهم من هذه الحادثة أن قاضي القضاة كانت له صلاحية الإشراف على فتاوى علماء المذاهب الأخرى؟ أي إجابة على هذا السؤال ستكون مجرد تكهُّنات؛ حتى تتوفر معلومات عن دينامية تنظيم الفتاوى، وعلاقات علماء المذاهب بعضهم ببعض.

ويتمتع قاضي القضاة بمنزلة أعلى من مفتي دار العدل، ويظهر ذلك في المناسبات العامة والمناسبات الشعائرية والاحتفالية. فعند ذكر المقريزي لدار العدل، قال: إن العادة الجارية فيه كانت بجلوس السلطان في إيوانٍ كبير، وجلوس قضاة المذاهب الأربعة إلى جانبه. فكان يجلس قاضي الشافعية-والذي كان يتحلى بمكانة عالية- إلى يمين السلطان، يليه قاضي الأحناف، ثم المالكية، وأخيرًا الحنابلة.

وقد تغيَّر هذا النظام بعد فترة حكم السلطان الناصر محمد، فكان القضاة يجلسون في الجانب الآخر من السلطان، فكان يجلس قاضي الشافعية عن يمينه، يليه قاضي المالكية وقاضي العسكر، ثم محتسِب القاهرة، ثم مفتي دار العدل، والذي كان شافعيًّا. أما قاضي الأحناف فكان يجلس على يسار السلطان، يليه قاضي الحنابلة ([42]).

وبغض النظر عمّن الذي كانت له الصدارة والتقدم في الأمور المختصة بالشرع والشعائر والمناسبات، يبقى السؤال الذي يظل قائمًا هو: لمن كان يستمع السلطان عندما كان يطلب النصح؟ ومن الذي كان ينفذ قراره عندما تُحملُ الأمور محمل الجد؟

من بين المسائل المهمة التي ذكرها المقريزي، ذكر مجلسًا مهمًا عُقد بطلب من السلطان حسن، وهذا المجلس مثال على المناقشات الساخنة التي كانت بين القضاة والمفتين، وقد دفع هذا النقاش السلطان حسن لطرح سؤال عن أهمية المفتين وفتاواهم. واقعيًّا حينما كان القضاة يترسخون في مناصبهم وكانوا يهاجمون آراء المفتيين، مدعين: أن فتاواهم ليس لها أساس شرعي أو فقهي، خاطب السلطانُ القضاةَ قائلًا: إذا لم يكن للفتاوى أساس شرعي فلنلغِ وظيفة المفتين وفتاواهم ([43]).

وانعقد المجلس بمحلة السرياقية؛ نتيجة لحادثة وقعت عام (760هـ) عندما تم ترميم مسجد الحاكم، وكان المشرف على الترميم الشيخ قطب الدين الهرماسي. وتبرع السلطان -بمناسبة ترميم المسجد- بوقفٍ لدعم احتياجات التأسيس ومرتبات القائمين عليه. وكافأ السلطان -في المناسبة نفسها – المشرف على العمل الشيخ الهرماسي، باقتطاع جزء من أرض زراعية للشيخ وأولاده. وهذه الأرض كانت محور الخلاف في العام التالي، وفي الواقع في عام (761هـ)، انقلب السلطان حسن على الشيخ الهرماسي وصادر ثروته ودمر له منزله.

وسبب هذا التغيير مهمٌّ في ذاته، ووفقًا لابن حجر، كان المسؤول عن هذا الانقلاب في العلاقة هو ابن النقاش، الذي عُرف بآرائه الشاذة، وكما ذكر سابقًا كان يُتهم بإصدار الفتاوى المخالفة للمذهب الشافعي، في أثناء تدريسه بمدرسة الشافعية.

 وقد هاجم الشيخ الهرماسي ابن النقاش على الملأ ونشر عنه الشائعات، وقد أرهق ذلك ابن النقاش وتعهد بالانتقام، وقد بلغ هدفه عندما نجح في قلب السلطان حسن ضد الهرماسي، ودفعه لمصادرة ممتلكاته، ودفعه للأمر بتدمير منزله، والذي بُني في مقابلة مسجد الحاكم، ونفيه هو وأولاده ([44]).

وكانت قطعة الأرض الزراعية، التي تبلغ مساحتها 560 فدان والواقعة بطنطا، هي محور المناقشة الساخنة بين القضاة والمفتين ([45]).

وقُسّمت تلك الأرض إلى قسمين: قسم أوقف على المسجد، والقسم الآخر وهبه السلطان للشيخ الهرماسي بناءً على طلب الشيخ. وتمنى السلطان بعد زوال الهرماسي أن يصادر تلك الأرض، لكن السلطان واجه مشكلة، وهي: أن الهرماسي حوّل تلك الأرض إلى وقف، وقد أبطل الشرط الذي-وَفْقَ المذهب الحنفي- من شأنه أن يسمح للسلطان بمصادرة الأرض.

 حاول السلطان إيجاد مخرج شرعي لهذه المشكلة، فأمر علماء المذاهب بمراجعة صلاحية الوقف، مدعيًا أنه -حين الإشهاد والقَسم على الوقف أمام الشهود- وهب تلك الأرض ولم يكن قد قرأ وثيقة الوقف كاملة، ولم يكن على علم بالجزء الذي وهب للهرماسي على وجه التحديد. وادعى أيضًا أنه وهب الجزء الأكبر من الأرض من أجل الوقف للجامع الحاكم، وجزء صغير فقط خصص للهرماسي.

 وظهر بعد التحقيق أن شهود الوقف قد أقسموا على أنهم كانوا مدركين تمامًا التفاصيل التي يحتوي عليها الوقف، والتي فيما يبدو قد صاغها الشيخ الهرماسي بنفسه، ويظهر فيها بوضوح أن الجزء الأكبر كان من نصيب الشيخ الهرماسي.

 وقد حفزت المشكلة -التي طرحها علماء المذاهب- نقاشًا ساخنًا بين القضاة والمفتين، وجادل القضاة مثل: ابن عقيل وابن السبكي والبسطامي والبغدادي وغيرهم، مطالبين بإلغاء الوقف؛ لأنه لم يتم عن إعلانٍ صحيح للوقف. وفي المقابل رد قضاة الأحناف عن ذلك: بأنه بغض النظر عن الخلل في إقرار الوقف وشهادة الشهود، لا يمكن إلغاء هذا الوقف؛ لأن محتواه قد أجيز من قبل قاضي الأحناف، وقد تم الموافقة عليه عن طريق أخذ رأي قضاة المذاهب الآخرين.

 ودعا السلطان المفتين وقضاة المذاهب للسرياقية، حيث كان يقضي بعض الوقت، ولم يحضر إلا نائب قاضي الشافعية تاج الدين المناوي ([46])، وتعلل قضاة الشافعية والحنفية والحنابلة بالمرض، فامتنعوا عن الحضور.

وجمع السلطان من حضر من علماء المذاهب بأحد المواضع بميدان السرياقية، وطلب منهم البتَّ في المسألة، فاعتبر علماء المذاهب أن الوقف لاغٍ عدا المناوي الذي اعتبره وقفًا صحيحًا، رغم ما فيه من خلل في الإشهاد والقَسم على الوقف، لكنه يصح على المذهب الحنفي، وبالتالي لا يصح إلغاؤه.

وأثار كلام المناوي ضجَّة بين علماء الشافعية والحنفية، وردوا عليه بأن هذا ليس مذهبه، فلم يوافقوه على ما ذهب إليه، واعتبروا الوقف لاغٍ، فقال لهم المناوي: ” الأحكام ما هي بالفتاوى”. وكان المناوي قد ادّعى في أحد المجالس التي عقدت لمناقشة قضية تتعلق بجماعة اليهود، أن الفتاوى لا ينبغي الاعتماد عليها عند إصدار الإحكام، وأن يتم تجاهل رأي المفتين! ورد عليه العلماء الحضور بأن هذا الرأي مخالف لرأي الجمهور وهو خطأ وأنبأ عن جهل صاحبه، وأنه لا يوجد حكم شرعي من غير فتوى من الله ورسوله. وأضافوا أن الفتوى أول من قام بها رب العالمين، ورد سراج الدين الهندي، الذي كان أحد الحضور، أن هذا كفرٌ، ومذهب الإمام أبي حنيفة أن من استخف بالفتوى والمفتين فهو كافر! فدافع المناوي عن نفسه قائلًا: “لم أُرد إلا أن الفتوى إن خالفت المذهب فهي باطلة”، فخطّؤوه قائلين: “إن الفتوى قد تخالف المذهب المعين ولا تخالف الحق في الأمر نفسه”. فتدخل السلطان وسط هذا الجدل قائلًا: “لو قُدّر أن الفتوى لا أثر لها فنبطل المفتين والفتوى من الوجود”. فارتبك المناوي وتحيّر وقال: “كيف أعمل في هذا؟”.

وذكر علي مبارك: أن السلطان سأل المفتين إن كان الوقف صالحًا أم لا؟ فأجابوه بأنه غير صالح وغير صحيح، إلا ما كان من المناوي الذي أصرّ على أنه صحيح ولا يجوز إلغاؤه ([47]). وبعد أن مدح المقريزي موقف المناوي لتثبته، ذكر أن الأرض لم تُزَل ملكيتها عن أيدي أولاد الهرماس. ودعا المقريزي إلى المقارنة بين هذه الواقعة وبين ما صار بعد ذلك من التساهل في إصدار الأحكام، كي ترضي الحُكام ([48]).

وهذه الحالات أظهرت أن القضاة -في منتصف القرن الرابع عشر- كانوا يتمسكون بآرائهم، ولم يرضخوا للضغوط التي كانت تمارس عليهم من قبل الحكام والأمراء ([49])، وفي الواقع لم يزل تأثير القضاة مستمرًا حتى بداية القرن الخامس عشر، حينما بدءوا في المماطلة لإصدار الأحكام، وربما كان السبب وراء ذلك أن منصب القضاء أصبح ينال بالرشى ويعين فيه غير المؤهلين. وأصبحت آراء العلماء على وجه التحديد ذات أهمية، وأصبحت آراء المفتين تُنظر بعناية من قبل القاضي، الذي بدوره يعتمد عليهم، خاصة أن القضاة يلجؤون -عند إصدارهم الأحكام- إلى الاعتماد على وقائع سابقة بدأت في التغير ([50]).

وقف رأي المفتي كضابط أمام تقاعس القضاة عن الالتزام الصارم بنص القانون، مذكرًا إياهم بضرورة تطبيق القانون دون محاباة. ومن الحالات التي تستحق النقاش بهذا الصدد، الفتوى التي أصدرها السيوطي، المسماة “بالجهر بمنع النزول على شاطئ النهر([51])، وقد تسببت هذه الفتوى بانتشار شائعات خاطئة دفعت السيوطي للدفاع عن نفسه، كما ذكر في صدر الفتوى.

 فقد ذكر ابن إياس في أحداث سنة (896هـ)، أنه أشيع أن السيوطي أصدر فتوى بمنع البناء على ساحل بَرِّ الروضة؛ لأن الإجماع منعقد على منع البناء في شطوط الأنهار الجارية، وأما من نسب أن ذلك يجوز على مذهب الإمام الشافعي فهو باطل، وأن هذا لا يوجد في تصنيف من تصانيف الشافعية ([52]).

فيذكر السيوطي سبب صدور الفتوى، وهو أن شخصًا يملك بيتًا في الروضة على شاطئ النهر أصله قديم، على سمت جدران بيوت الجيران الأصلية، ثم أحدث فيه من بضع عشرة سنة بروزًا، ذرعُه إلى صوب البحر نحو عشرين ذراعًا، بالذراع الشرعي، بحيث يخرج عن سمت بيوت الجيران القديمة، ثم أراد أن يحدث فيه بروزًا ثانيًا، أمام ذلك البروز متصلًا به فحفر له أساسًا، ذرعُه إلى صوب البحر ستة عشر ذراعًا بالذراع الشرعي، بحيث يصير المجموع ستة وثلاثين ذراعًا واقعة في حريم النهر، وبسبب ذلك صار منزله بارزًا عن المنازل الأخرى المحاذية له، فقال له السيوطي: إن ذلك لا يجوز باتفاق المذاهب الأربعة، فشنّع الرجل على السيوطي وأشاع أنه يفتي بهدم البيوت التي على الروضة كلها. وهذا كذب ([53]).

ودافع السيوطي عن نفسه في عمله؛ لأن الفتوى تسببت بجلبة وسط العوام، وناقش فيها حجج علماء المذاهب الأربعة، التي تؤيد القول بالتحريم الذي ذهب إليه السيوطي.

ويصب اهتمامنا بالفتوى على الاستنتاج الذي يوضح لنا الخطوات التي تتم لتكييف التغيير في الممارسة القانونية. وتسمح لنا أيضًا بفهم العلاقة بين قاضي قضاة مذهب ما والمفتي؛ لأنها توضح لنا-وفق نص الفتوى- تأكيد القاضي على الحاجة للتغيير، وتوضح لنا كذلك الدور الذي يلعبه الحاكم في نشر الفتوى وتأييدها.

وذيّل السيوطي فتواه قائلًا: “أرسلت بقضية هذا الرجل الذي أراد البروز إلى قاضي القضاة الشافعي، وأرسلت له نُقول المذاهب وهذا المؤَلَف، وعرفته أن الذي كانوا يحكمون به من في البروز بالروضة ونحوها باطل، ليس بحكم الله ولا هو مذهب الشافعي فأذعن للحق، ومنع نوابه من الحكم بذلك، ثم أراد أن يرسل إلى الخصم ويحكم عليه بالمنع من البروز، فأرسلت أقول له: إن أحسن من ذلك أن يحكم حكمًا عامًا بالمنع من غير تعيين خصم ولا توجيه دعوى، فاستغرب ذلك، فأرسلت أقول له: إن ذلك جائز في مثل هذا ونحوه، وقد حكم الشيخ تقي الدين السبكي نظير هذا الحكم وأبلغ منه وألّف فيه مؤلفًا، فأرسلت إليه بمؤلَّف السبكي في ذلك، فحكم بمنع البروز في الروضة منعًا مطلقًا…ونفّذ هذا الحكم قاضي القضاة الحنبلي، وقاضي القضاة المالكي، وأرسلتُ بذلك وبهذا المؤلف إلى السلطان، فأحاط بذلك علمًا” ([54]). وأصدر بعدها السلطان مرسومًا بمنع ذلك مطلقًا.

 ويتضح مما سبق أن السلطان اعتمد في حكمه على كلام قاضي القضاة لا على كلام السيوطي، على الرغم من أن قاضي القضاة لم يستقل بالحكم دون وضعه في الاعتبار كلام السيوطي وفتواه، وأيضًا من أوصل الموضوع للسلطان لم يكن قاضي القضاة بل كان السيوطي نفسه. من خلال ذلك نستطيع أن نتكهن بأن القانون كي يكون مفعلًا ومؤثرًا يجب أن يصدر من جانب السلطان نفسه، ويجب أن يصدّق عليه.

وغالبًا بعد اعتماد القانون –خاصة ذلك الذي يلاقي اعتراضًا من قبل العامة- يطلب السلطان من العلماء الإفتاء أو كتابة الرسائل التي تجيز له فعله. وغالبًا ما كان يتّبع الأمراء السبيل نفسه.

على سبيل المثال، كتبت رسالة مهمة للأمير يشبك الدوادار عندما قرر أن يدخل تغييرًا في المناطق الحضرية سببت ضجة في وسط السكان. كتب ابن الشحنة رسالة يؤيد فيها فعل الأمير، وفي نهاية الرسالة كتب: “وأنت إذا تأملت ما قدمنا لك من الأدلة علمت أن هذا هو الحق ليس إلّا، وأن المعارض فيه في زماننا لم يستند إلى دليل سوى الغرض واتباع الهوى” ([55]).

وأشار ابن إياس إلى هذه الحادثة في حوادث سنة (882هـ)، حيث قال: ” وأمر الأمير يشبك الدّوادار بتوسيع الطرقات والشوارع والأزقّة…وإزالة المباني التي تعترض تلك التوسعة، فحصل بسبب ذلك تأذٍّ لبعض المالكين”، ويبدو أنه قام بذلك بمساعدة أحد نواب قاضي قضاة الشافعية، فتح الدين السوهاجي، والذي وافق على إصدار الفتوى التي تعزز من رأي الأمير، بعد ما تم الضغط عليه ([56]).

 وبدراسة المواقف السابقة وتحليلها يتبين أن الحكام عندما يواجهون مشاكل تختص بالشرع كانوا يستشيرون القضاة ([57])، ومن الصعب تحديد ما إذا كانوا ينتهجون هذا النهج لعدم إرادتهم التلبس بما يخالف الشرع، أم لأجل أن يجدوا من يُلقى عليه باللائمة من قبل العامة.

في كل الأحول يبدو أنهم كانوا يسعون أن تتصف أفعالهم وتصرفاتهم بكونها شرعية، وتبعًا لذلك ففي الحالات التي كان القضاة يعارضون فيها رأي الحكام، كانوا يتعرضون للضغط من قبل الحكام؛ كي يضفوا على تصرفاتهم صبغة الشرعية، وفي حالة عدم رضوخ القضاة للضغط، يتحول الحكام إلى المفتين كي يصدروا لهم فتاوى تضفي على أفعالهم الشرعية. وعمومًا كانت تحظى آراء المفتين برضً عام وسمعة طيبة.

  وبحلول القرن الخامس عشر، مال العديد منهم إلى التغاضي عن القرارات التي كانت تحظى بشعبية من العامة، أما القرارات التي ترضي الحكام والنخبة الحاكمة فكانوا لا يتغاضون عنها.

وعند إجراء تعديلات في القوانين، كانت الاقتراحات تتم أولًا من المفتين، ثم تُقرُّ من قبل القضاة، قبل أن يتم تعميمها من قبل السلطان في الصورة النهائية.

وسواء كان السلطان يستمع إلى القضاة أو المفتين، فهو الوحيد الذي كان يملك الكلمة النهائية في تعميم القرار أو القانون وتفعيله.

وفي الختام، كي نجيب عن السؤال الذي افتتحنا به الورقة وهو: لمن كان يستمع سلطان المماليك عند طلبه الاستشارة؟ هل إلى القضاة أم المفتين؟

فالإجابة: أن السلطان كان يستمع لمن كان يمده بالإجابة التي يريد أن يسمعها، بعبارة أخرى: كان يستمع السلطان إلى نفسه!

المصدر


[1])) د. ليونور فرناندِز: أستاذة الدراسات الشرق أوسطية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ولها العديد من الأبحاث المنشورة في التاريخ الإسلامي، منها بحثنا هذا الذي نقدم له، ولها أيضًا: “تطور مؤسسات (الخانقاه) الصوفية في عهد المماليك بمصر”، “التعليم والسياسة في العهد المملوكي”، “العمارة الصوفية في العهد العثماني المبكر بالقاهرة”.

[2])) ماجستير دراسات إسلامية من جامعة أمدرمان الإسلامية.

[3])) ولانعني بالتاريخ هنا مجرد سرد الأحداث والتنقيب عنها، فمع اتساع رقعة التخصصات زاد التركيز في الموضوعات التاريخية المبحوثة، فأصبحت تتناول علم الاجتماع والسياسة والاقتصاد والشؤون الدينية والأمن الغذائي والملابس، وغيرها من المباحث، وكل هذا يتقاطع مع التاريخ من وجه ما، وما هذا –في نظري- إلا لثراء المادة المبحوثة في كتب التاريخ والحوليات والتراجم بأنواعها، بل وكتب الفتاوى والقضاء وغيرها، التي تعكس الواقع الحياتي والاجتماعي للفترة التي تبحث فيها تلك المصنفات. فاتساع مفهوم ما هو (تاريخ) أدى لاتساع المادة المبحوث فيها وعنها، وأدى ذلك –تبعًا لما سبق- إلى نظرة جديدة في تناول الأحداث التاريخية، وأدى كذلك إلى استنطاق ما لم تنطق به المصادر صراحة من خلال ذلك التكامل المشار إليه.

[5]))  في المواضع التي ارتأيت فيها أن الباحثة سلكت هذا المسلك علقت عليها في مواضعها.

[6])) لمعلومات أكثر تفصيلًا عن: وظيفة ومؤهلات ومسؤوليات القضاة في العصور الوسطى: يراجع (أدب القضاء) لابن أبي الدم، ط.بغداد، 1984م. ولمعرفة معلومات عن العدالة في الحقبة المملوكية، يراجع بحث: (secular justice in an Islamic state: mazalim under the bahari  mamluk)، يورجن نيلسن، لايدن، 1985م.

[7])) القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، دار الكتب المصرية، القاهرة،1926م، 14/322-325

[8])) ابن حجر العسقلاني، إنباء الغمر بأنباء العمر، بيروت، 1986م، 4/62. [2/72، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، تحقيق د. حسن حبشي].

[9])) السابق 5/344-347.

[10])) السخاوي، التبر المسبوك في ذيل السلوك، القاهرة، 1974م، ص60

[11])) صبح الأعشى 14/322 وما بعدها.

[12])) التبر المسبوك، صـ60.

[13])) السابق، صـ230-231.

[14])) صبح الأعشى في صناعة الإنشا 14/322-325.

[15])) حجة وقف السلطان حسن، دار الكتب والوثائق القومية، مخطوط رقم (365)، ورقة (441).

[16])) السابق، ورقة (447).

[17])) الميعاد: درس ديني للوعظ والإرشاد والحث على التقوى، انظر: عاشور، سعيد عبد الفتاح، العصر المماليكي في مصر والشام، القاهرة، دار النهضة العربية، ط2، 1976م، ص479 (المترجم).

[18])) السابق، ورقة (444).

[19])) حجة وقف السلطان شيخ المؤيد، وزارة الأوقاف المصرية، مخطوط رقم (938)، ورقة (44).

[20])) حجة وقف الجمال يوسف الأستادار، دار الكتب والوثائق القومية، مخطوط 17/106.

[21])) يبدو أن الباحثة خلطت بين ما يُخصص للمفتين من الوقف وبين ما يُدفع لبعض المفتين والقضاة في صورة رواتب، فالوقف يُعتبر سادًا لمادة الرِشى من أساسها، على عكس الرواتب التي قد تدخلها الرِشى بالفعل، وبالطبع لا ننفي حالات الرشى التي صدرت عن بعض المفتين، لكن القصد أن التعميم والخلط هنا خطأ، وأيضًا إيضاح أن النظام الوقفي مكافح لمثل هذه الحالات، وأنه محمي داخليًا، على عكس الرواتب التي يتحكم فيها الأمراء، فالنظام الوقفي-في الأصل- خارج عن سلطة الحكام، ما يجعل الذين يتقاضون منه راتبًا أكثر استقلالية في الرأي وأكثر جرأة، والله أعلم. (المترجم)

[22])) إنباء الغمر (3/171). [1/459، ت.حسن حبشي]

[23])) في مطبوعة دار الكتب: (الصلاحية) (المترجم)

[24])) السخاوي، التبر المسبوك صـ216.

[25])) ابن حجر، الدرر الكامنة 4/71-72. لكن هذا ليس كلام ابن حجر وإنما هو كلام الصفدي نقله ابن حجر عنه، ومع ذلك لم يصف الصفدي تفسيره بالغرابة إنما وصف طريقته في التفسير بالغريبة، وليس لهذا علاقة بالخلاف الذي بينه وبين الهرماسي كما يظهر، وإنما السبب كما سيأتي، هو فتواه في حق القبط المخالفة لمذهب الشافعي. (المترجم).

[26])) المقريزي، السلوك (الجزء الثالث، 1/47-48)، القاهرة، 1970م.

[27])) الدرر الكامنة 4/71.

[28])) السابق، ولم يذكر ابن حجر أنه مُنع من الوعظ، بل ما ذكره أنه منع من الفتوى وفقط في الموضع المذكور، والذي ذكر ذلك هو المقريزي كما في الموضع السابق. (المترجم)

[29])) القلقشندي، صبح الأعشى 14/341.

[30])) ابن أبي الدم، أدب القضاء 1/129. وليس الكلام في هذا الموضع لابن أبي الدم كما هو موهم هنا، بل الكلام لمحقق الكتاب في المقدمة؛ في مبحث دراسته للكتاب (المترجم).

[31])) الطرابلسي، علي بن خليل، معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام، القاهرة، 1973م، صـ26.

[32])) ابن حجر، إنباء الغمر 9/22. [4/82، ت. حسن حبشي].

[33])) المقريزي، السلوك (الجزء الثالث: 1/345-346).

[34])) هذا من استنباط الباحثة فلم يذكره المقريزي، وفي سياق القصة، كما ستذكر الباحثة وكما ذكره المقريزي، أيضًا: أن البلقيني اشتد نكيره على الأمير برقوق بل على الشيخ ابن أبي البقاء أيضًا، فكيف يقال: إن هذا لعله كي يتهرب من معارضة الأمير؟ (المترجم)

[35])) لم تذكر الباحثة هنا أن البلقيني انتهر ابن أبي البقاء على كلامه هذا، وهو مهم في هذا السياق (المترجم).

[36])) السابق.

[37])) ابن حجر، إنباء الغمر 4/191 [2/134ت.حسن حبشي]، وفي موضع آخر (4/350) ذكر ابن حجر أن المحلي أجاب قائلًا: ” لو أنك تتصرف من موضع السلطة فحينها كل السلطة معك ولك، وبالنسبة لنا لن نصدر فتوى كهذه، ولا نُحل أن يُعمل ذلك”.

[38])) ابن حجر، إنباء الغمر 4/348[2/196ت.حسن حبشي]. وليس معنى كونه يُجيز وجوهًا من الربا أنه يوافق الأمراء في أهوائهم، فلعله كان يفعل ذلك تدينًا ورأيًا ذهب إليه وإن كان شاذًا، ويعضد هذا التخمين أن السخاوي قد ذكر نحو ذلك في آخر ترجمته له في الضوء اللامع (10/336)، حيث قال: “ولم ينفرد بكثيرٍ مما قاله رحمه الله”. فلا وجه لذكر الباحثة لذلك إلا على سبيل الغمز، بل إن ابن حجر نفسه في آخر ترجمته، قال: إن موقفه هذا مُدِح عليه (المترجم).

[39])) لم تعزُ الباحثة هذا الكلام لمصدر ما، ولو أرادت به كلام السيوطي التالي فلا يستقيم هذا الاستنباط من كلام السيوطي لما ذهبت إليه (المترجم).

[40])) السيوطي، الحاوي للفتاوي1/206-210 [1/156ط. دار الكتب العلمية، مصورة عن الطبعة المصرية القديمة].  لم يقدم السيوطي تفسيرًا اعتذاريًا كما وصفت الباحثة، وإنما كان يشرح ماهو معروف بحيثيات الفتوى عند الفقهاء، وفسّر السيوطي كلامهم بأنها مما عمّت بها البلوى في وقتهم، وهو مسلك معروف عند الفقهاء المجتهدين، فلا يعاب ولا يُحتاج إلى الاعتذار لمن سلك الجادة المعروفة في الاجتهاد والاستنباط والاستدلال، والسبكي والبلقيني من المجتهدين الكِبار، ولا يُعدُ اجتهادهما في النوازل مما يُعتذر عنه (المترجم).

[41])) إنباء الغمر 8/63-64. [3/341ت.حسن حبشي]

[42] المقريزي، المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، مطبعة بولاق، 1854م، 2/208-209. [3/692. ت. د. أيمن فؤاد السيد]

[43] الخطط للمقريزي 2/278-280. [4/121. ت. د. أيمن فؤاد السيد]

[44])) ابن حجر، الدرر الكامنة 4/71.

[45])) إبراهيم بن محمد بن دقماق، الانتصار في واسطة عقد الأمصار، مطبعة بولاق، 1893هـ، القسم 2،94. حيث ذكر طنطا وسط مدن مقاطعة الغربية.

[46])) المقريزي، الخطط 2 /280 [4/120. ت. أيمن فؤاد السيد].

[47])) علي باشا مبارك، الخطط التوفيقية الجديدة لمصر القاهرة، 1888م، أعيد طبعه القاهرة، 1980م، 4/169.

[48])) المقريزي، الخطط 2/280[4/120.ت. أيمن فؤاد السيد]. لم يذكر المقريزي أن هذه كانت صفة عامة بعد ذلك ولا تعميمية كما قد يفهم منه كلام الباحثة هنا، وإنما دعا إلى المقارنة بين هذه القضية وقضية وقف يوسف الأُستادار، وما جرى فيها من تساهل وتناقض، ولم يذكر أن تلك القضية حُكم فيها من أجل الحكام أصلًا (المترجم)

[49])) لبعض الأمثلة على ذلك راجع: السلوك للمقريزي، القسم الثالث: 1/345-346، وإنباء الغمر لابن حجر العسقلاني 4/350.

[50])) لبعض الأمثلة على هذه المسألة، انظر: ما قاله السيوطي في الحاوي للفتاوي 1/206-210[1/156ط.دار الكتب العلمية]، وانظر أيضًا: السخاوي في التبر صـ63.

[51])) السيوطي، الحاوي للفتاوي1/194-197[1/133ط.دار الكتب العلمية]

[52])) ابن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، دار الكتب المصرية، 3/283.

[53])) الحاوي للفتاوى1/194-197[1/133ط.دار الكتب العلمية].

[54])) السيوطي، الحاوي للفتاوي 1/145.

[55])) ابن الشحنة، تحصيل الطريق لتسهيل الطريق، معهد المخطوطات العربية، مخطوط رقم (1337)، ورقة (112).

[56])) ابن إياس، بدائع الزهور 3/127، وليس فيه أدنى إشارة إلى أنه استجاب لضغط الحاكم، ولا أنه تعرض لضغطٍ من الأساس، وكُتب الفقه قبل هذا القرن بحثت هذه المسألة ومثلها من المسائل: كمسألة الميزاب إن صب ماءً في الطريق، فهي غير حادثة، وهي تذكر تحت قاعدة: (جواز احتمال الأذى الخاص في مقابل الأذى العام) (المترجم).

[57])) من الواضح أن القضاة كانوا مؤهلين لإصدار الفتاوى، عن طريق الإجازات، ومع ذلك عندما كان الحاكم يطلبهم للنصح، باعتبار منصب قاضي القضاة، كانوا محاطين بتفسير صارم للقانون.