مجلة حكمة
تشارلز تايلور

انبعاث ظاهرة الهويات: قراءة في منظور المفكِّر الكندي تشارلز تايلور – حسام الدين علي مجيد

تشارلز تايلور
تشارلز تايلور ، الفيلسوف الكندي

ربَّما يخفى على الكثيرين أنَّ الأستاذ الدكتور تشارلز تايلور ( Charles Taylor)، الفرانكوفوني المولود في العام 1931 في مدينة مونتريال بمقاطعة كيبِك، هو واحدٌ من أبرز مُفكِّري السياسة المعاصرين. ويصنَّف من حيث فكرهِ السياسي بكونهِ من الليبراليين اليساريين ومن أبرز واضعي النظرية المجتمعاتية Communitarianism. يعمل حالياً أستاذاً لفلسفة القانون بجامعة إيلنوي الأميركية. تلقَّى تعليمهُ في جامعة ماك جيل  (McGill) الكندية، ثم أتَّم دراساتهُ العليا في جامعة أُكسفورد العريقة، وذلك قبل أنْ يعود أدراجَهُ إلى جامعة ماك جيل مرَّةً أُخرى ولكن كي يُدرِّسَ فيها الفلسفة السياسية. وفي رصيده سلسلة من الدراسات المؤثرة في ميدان العلوم السياسية بعامة وعلم الإجتماع السياسي بخاصة، فضلاً على قرابة عشرة كتب ولعلَ من أهمها كتابهُ الموسوم «ينابيع الأنا: تكوين الهوية الحديثة» الصادر في العام 1989، وكذلك كتابهُ الأخير والموسوم «عصر العَلمنة» الصادر سنة 2007. منح تايلور في العام 2007 جائزة تيمبيلتون  (Templeton Prize) عن مجمل أعمالهِ. وفي العام 2008 حاز على جائزة كيوتو والمعروفة بتسمية «نوبل اليابان».

بادئ ذي بدء نجد أنَّ تايلور في تفسيره لظاهرة إنبعاث الهويات الثقافية عالمياً يُشدِّدُ على فكرة الحاجة الى سياسة الاعتراف Recognition Policy. فهذه السياسة ترتبط بصورة وثيقة بمبادئ و سياسة أقدم عهداً وأوسع انتشاراً وهي المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الموارد الاقتصادية. ومن المؤكد أنَّ مطلب إعادة توزيع الموارد لم يكنْ قط مجرد قضية اقتصادية بل ضمَّ ايضاً بين ثناياه برنامجاً ثقافياً سواءً بصورة صريحة أو ضمنية. فالإشتراكية على سبيل المثال لم تقتصر طروحاتها على توفير ظروف وفرص اقتصادية أفضل للفقراء والمحرومين، بل اشتملت كذلك على خلق ثقافة جديدة وأشكال جديدة من العلاقات الاجتماعية. وبالتالي فإنَّ دعوة المجتمعاتيين وبخاصة تايلور إلى سياسة الاعتراف قد تبدو أحياناً معنيةً حصرياً بقضية الهوية والتباين الثقافي، ولكن أنصارها يُدرِكون في الوقت نفسه بأنَّ هذه القضية لا يمكن فصلها عن الأنساق والهياكل الاقتصادية والسياسية. والسبب في ذلك يتمثل في «أنَّ تقييم الهويات يتم بالإستناد إلى مكانة المنتَمين إليها في هيكلية السلطة، وأنَّ إعادة تقييم تلك الهويات يقتضي إحداث تغييرات في هيكلية السلطة عينها».

   عليهِ،  ليست حيادية الدولة هي السبيل الوحيد للتعامل مع التنوع الثقافي، بل هناك سُبُلٌ أخرى بديلة ولعَلَّ من أبرزها سياسة الاعتراف العام بالأقليات الثقافية. وهي تعني إعادة توزيع الموارد الاقتصادية والسلطة السياسية لصالح الأقليات وليس لصالح الأكثرية المهيمنة. ومن ثم، تغدو سياسة الاعتراف إقراراً من لدن الدولة – الأمة بوجود الاختلافات والتباينات الثقافية وعلى نحوٍ رسمي. وتتخذ هذه السياسة في الأدبيات الغربية المعاصرة تسمياتٍ عدّة، مثل «سياسة التباين» و»سياسة الهوية».

          والى جانب إعادة توزيع الموارد والسلطة، نجد أنَّ المجتمعاتيين يذهبون بعامة الى كون سياسة الاعتراف تشتمل على الإقرار بحقيقة كون الاستيعاب assimilation والتنوع diversity ليسا بِمقَصورَين على مجتمعٍ أو منطقة بعينها دون غيرها، وهما كذلك ليسا متعاديَين بالضرورة. بل إنهما دائماً ما كانا متواجدَين على نحوٍ متزامن بين شتّى الجماعات وبمستويات متفاوتة. وسواءٌ ما إذا بقيت الثقافات الفرعية على حالها أم تقاربتْ مع بعضها البعض تدريجياً عبر الاندماج في الثقافة المهيمنة، فإنَّ التباينات الثقافية ما بين الجماعات ستستمر دائماً في الوجود. وحتى إذا ما ازداد عدد الجماعات المتباينة ثقافياً فإنها لن تُشكِّلَ مصدرَ تهديدٍ للثقافة المهيمنة.

  يُعَّدُ تايلور أولَ مَنْ تطرق إلى مفهوم «سياسة الاعتراف العام» في مقالتهِ التي حملت ذات الاسم ونشرت عام 1994. إذ أنَّهُ يرى كون سياسة الاعتراف تعني من جهة الاعتراف بالهوية المميِّزة لكلِّ فرد ومن كِلا الجنسَين، إلا أنَّ الاعتراف في هذه الحالة إنما يركز على المستوى الفردي، ويتمثل في الإقرار بالكرامة المتساوية equal dignity على النحو الذي يشمل الجميع، بحيث يحظى كافة الأفراد بمجموعة موحدة من الحقوق والحريات والامتيازات وبصورة متساوية.  بيد أنَّ ما تميَّز بهِ طرح تايلور قد تجسد في تركيزهِ على المستوى الجماعي للإعتراف، أي بمعنى الإقرار بالتباينات ما بين الجماعات وخصوصيات كل منها بصورة رسمية. وذلك لأنَّ من الضروري الاعتراف بالهوية المميزة لهذا الفرد أو تلك الجماعة حتى يتم بذلك تمييزها عن هوية فردٍ آخر أو جماعةٍ أخرى. «فالقضية الجوهرية هنا تتجسد في كون هذا التمايز والخصوصية أمرٌ قد تم تجاهلُهُ واخفاؤهُ، ثم سُعِيَ في استيعابهِ بواسطة الهوية المهيمنة أو هوية الأكثريةmajority identity». ومن ثمَّ يغدو بروز النزعة القومية والأثنية لدى الأقليات أمراً لا يمكن الحؤول دون قيامهِ إذا واجهت الجماعة المتمركزة إقليمياً ما يمكن أنْ تفهمَهُ على أنَّهُ هيمنة أو اضطهادٌ مُمارَسٌ تجاهها من قبل جماعةٍ أخرى. ونتيجة لذلك فقد نجَمتْ لدى الأقليات الحاجة إلى الاعتراف بخصوصياتها وتباينها فيما بينها من جانب، وبينها وبين الأكثرية المهيمنة ثقافياً من جانبٍ آخر.

وتقوم فكرة الحاجة الإنسانية الى الإعتراف على فكرةٍ مفادها، «أنَّ هوياتنا يتم تشكيلها إلى حدٍ ما بالاعتراف Recognition أو بعدم الاعتراف، وغالباً ما تتشكل بفعل سوء اعتراف الآخرين. ولذلك فإنَّ شخصاً أو جماعةً ما ستعاني من ضررٍ حقيقي وتشويهٍ خطير إذا ما الناس أو المجتمع المحيط بهم كوَّنَ صورة مُختَزِلة او مُهينة أو مُزدَرية عنهم ونَقَلها إليهم في ذات الوقت. وتبعاً لذلك، فمن الممكن حينئذٍ أنْ يتسبَّبَ عدم الاعتراف أو سوء الاعتراف في أذىً نفسي، فيتخذ شكلاً من أشكال الاضطهاد وذلك بجعل المرء حَبيس نمطٍ زائف ومشوَّه ومُختزل عن الذات Self»، ومثال ذلك لديهِ حالة السود والسكان الأصليين في الولايات المتحدة.

فالجماعات عموماً تكون ضحية الاضطهاد، وذلك حين تجد بأنَّ تقاليدها وممارساتها تتعرض للتلاشي والزوال كلما تكيًّفتْ تلك الجماعات مع الكيان الثقافي والكيان السياسي للأكثرية المهيمنة. مما يدفع ذلك بكلٍّ منها إلى أنْ ترى نفسها من زاوية كونها ضحيةً من ضحايا الإمبريالية الثقافية cultural imperialism. وفي ذات الوقت يتم العمل على « قولبة أوتنميط « الجماعة، بحيث تقوم الأكثرية المهيمنة نفسها بالإشارة إليها بصفة الغَيرية، أي ذلك

«الآخر the other». وبهذا فإنَّ الإمبريالية الثقافية تشتمل على إضفاء الصفة الشمولية على تجربة وثقافة الجماعة المهيمنة وما أنشأتهُ من مؤسسات، وعلى النحو الذي تدفع هذه الثقافة لِتكون مثالاً تحتذي به الأقليات الثقافية.

تأسيساً على ذلك، « فإنَّ سوء الاعتراف لا ينطوي على الافتقار للاحترام المطلوب فحسب، بل ومن الممكن أيضا ان يتسبَّبَ في إحداث جَرحٍ بليغ grievous wound، بحيث يجعل ضحاياهُ أسرى كراهيةٍ شديدة للذات self. ومن ثمَّ يُمسي الإعتراف المطلوب ليس مجرد مجاملة نَدينٌ بها إلى هذه الجماعة أو تلك، بل هي حاجة إنسانية ضرورية لإستمرارية الوجود» وفقاً لتعبير تايلور. وبناءً عليهِ، فان تايلور يتفق مع الديمقراطيين الإجتماعيين في أوروبا من حيث تقاسم فكرة أنَّ الإكراه أو الاضطهاد يتسبب في إحداث «أذىً نفسي» و»جرح بليغ» لدى الأقليات، بحكم ما ينطوي عليه الإكراه من إذلالٍ جماعي، بيد أنَّ الذي يتميز به تايلور هو تأكيده على كيفية تبلور الهوية ذاتها بفعل سوء الاعتراف بها، وبالشكل الذي يجعل من معاناة الأقلية جزءً لا يمكن فَصلهُ عن هويتها.

ومن آياتِ ذلك، تشديد تشارلز تايلور على وجود صلة رابطة ما بين الهوية والاعتراف، وتتمثل تلك الصلة في الخاصية التي يتسم بها نمط حياة الإنسان بعينهِ «وهي خاصيته التحاورية dialogical character. إذ بموجبها فإنَّنا نكون كائناتٍ بشرية حقَّاً وقادرين على إدراك ذواتنا، وبالتالي يغدو في مقدرونا تحديد هويتنا …. ولنتأمل في ما نَعنيهِ بالهوية، إنَّها تعني مَنْ نكون، فهي المكان الذي نَنْتَسِبُ إليه. إنها تجسد بحق الخبرات والتجارب السابقة التي تُضفي معنىً على أذواقنا ورغباتنا وخياراتنا و مَطامِحِنا ….. ومن ثمَّ فإنَّ إدراكي للهوية التي أحملها لا يعني بأنَّني قد حققتهُ في حالٍ من العُزلة، بل يعني أنَّني قد جَعلتُ الهوية موضوعاً للحوار مع الآخرين ….. وبذلك فإنَّ هويتي تعتمد إلى حدٍ كبير على علاقاتي التحاورية مع الآخرين».

    في ضوء ذلك، فإنَّ تكَّون الهوية وبروزها إنَّما يتم وفقاً لآليةٍ واحدة وهي التحاور والتفاعل مع الآخرين. فالتحاور هو الذي يَقود إلى تعيين ملامح التماثل والتباين ما بين الهويات سواءً على صعيد الأفراد أم على صعيد الجماعات. ذلك لكون الفرد لا يستشعر تباينهُ وخصوصيتهُ إلا من خلال تفاعلهِ مع أقرانهِ. وكذلك الحال مع الجماعات، فهي إنما تُدرِكُ خصوصياتها الثقافية عبر التفاعل مع الجماعات الأخرى سلباً كان ذلك أم إيجابا، وهي تُريدُ من خلال هذا التحاور نيل الاعتراف بها بوصفها جماعة متميزة عن الجماعات المحيطة بها.

 يُضيفُ تايلور إلى ذلك، فكرة أنَّ سياسة الاعتراف ترتبط بذلك التغيرَين الرئيسَين الذَين أصابا هيكلية المجتمع الغربي وتراتُبهِ الاجتماعي منذ أواخر القرن الثامن عشر:

 يدور  أولهما حول التحول من تبني الشرف honor إلى تبني الكرامة dignity. حيث أنَّ النظام الاجتماعي القديم الذي ساد أوربا قبيل الثورة الفرنسية عام 1789 كان مستنداً إلى مفهوم الشرف، أي أنَّهُ قامَ على أساس عدم المساواة بين الأفراد لِكونِ الناس متفاوتون في الشرف والمكانة، والذي تمثل في الامتيازات الطبقية التي حظي بها النبلاء والإقطاعيين دون عامة الناس. وبذلك فإنَّ التغيير الأول الذي أصاب جوهر هذا النظام قد تجسد في زوال تلك الامتيازات الطبقية، أي اللامساواة في الحقوق والواجبات، وحلول مفهوم الكرامة محله. أي بمعنى قيام المساواة ما بين كافة المواطنين بإعتبارهم بشراً في المقام الأول. « فقد برزت إلى الوجود سياسة العمومية politics ofuniversalism، وهي السياسة التي تشدد على فكرة الكرامة المتساوية لعموم المواطنين. ويتمثل جوهر هذه السياسية في تحقيق المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. إذ يُستهدف منها الحؤول دون وجود مواطنين من الدرجة الأولى ومواطنين من الدرجة الثانية مهما كانت التكاليف.

  أما التغيير الثاني، من منظور تايلور، فقد تجسد في تطور الفكرة الحديثة عن الهوية، مما أدى إلى ظهور سياسة التباين politics ofdifference، وهي تعني الإقرار بوجود الهوية المميزة لهذا الفرد أو تلك الجماعة بحيث يتم بموجب ذلك تمييزها عن هوية أي فرد آخر أو أية جماعة أخرى. فالقضية الرئيسية ضمن التغيير الثاني إنما تتمثل في كون خصوصية الجماعة قد جرى تجاهلها وتهميشها، ثم شُرِعَ في استيعابها  بواسطة هوية مهيمنة وهي هوية الأكثرية». فالجماعات المهيمنة تميل إلى ترسيخ سيطرتها من خلال غرس صورة الدونية في أذهان الخاضعين لهذه السيطرة، ومثال هذه الجماعات الخاضعة كل من السود والهنود الأميركيين والشعوب المستعمَرة بصورة عامة «ومن ثم تغدو المهمة الأولى لدى هذه الجماعات هي وجوب القيام بتطهير ذواتها من تلك الهوية المفروضة عليها والهدّامة… ولكي يتحقق الإعتراف بخصوصية «الأخر» عملياً ينبغي بالدولة ضمان الحقوق والحريات الأساسية للفرد والجماعة معًا وعلى قدم المساواة، بحيث يتم فيها الأخذ بالاعتبار ما لَحِقَ بتلك الجماعات المحرومة من ظلمٍ تاريخي.

مما يشيرُ ذلك بعبارةٍ أُخرى الى كون الانقسامات الجوهرية في المجتمعات المعاصرة لا تعكس التفاوت الطبقي وحسب بل تعكس ايضاً التفاوتات العرقية والاثنية والجنسية. بحيث يتزامن وجود هذين النوعَين من التفاوتات إلى حد ما. وأما المواطنون مِمَنْ يعانون جرّاء هذه التفاوتات المتزامنة فنجدهم لا يعيشون في ظل الشعور بالحرمان فحسب وإنما يترافق ذلك ايضاً مع شعورهم بإزدراء أنفسهم  sense ofdisrespect. وبغية إعادة التوازن الاجتماعي والسياسي إلى المجتمعات المعاصرة، ينبغي احترام تلك الجماعات المهمّشة اقتصادياً وثقافياً. والسبيل الأمثل لإحترامها هو بمعالجة ما تعانيهِ من ضعف وقِّلة الحيلة على الصعيدين الجماعي والفردي. أي من خلال النهوض بالظروف التي تخلق الاحترام. ويعني ذلك، التعامل مع أسباب الضعف الجماعي ومعالجتها. «ذلك أنَّ الجماعات القوية هي التي تفرض احترامها على غيرها دون أنْ تُطالِبَ غيرها بإبداءِ الاحترام لها».

 ويلاحظ مما تقدم ذكرهُ، أنَّ سياسة الاعتراف شأنها من شأن مبدأ المساواة وفكرة حيادية الدولة فهي جميعاً تنبعث من مِشكاةٍ واحدة والمتمثلة في ذات المرء Self. بيد أنَّ الآراء ذوات الصلة بسياسة الاعتراف خصوصاً والهوية الثقافية عموماً تتعامل مع هذه الذات Self  بوصفها جزءً من ذاتٍ الجماعة وكينونتها. بمعنى أنَّها تنظر إلى الفرد بإعتبارهِ عضواً في جماعة، لأنَّ الفرد أصلاً تتكون صورتهُ عن ذاتهِ من خلال إنتمائهِ الثقافي. ولهذا السبب ركز تشارلز تايلور على وجوب قيام أعضاء الجماعات المهمَّشة بالتخلص من الصور السلبية عن ذواتهم والتي اكتسبوها بتأثير الأكثرية المهيمنة. وكذلك توجيه العناية صوب الظروف المادية التي تتسبَّب في إضعاف هذه الجماعات وشعورها بازدراء الذات. فالفرد إنْ لم تكنْ لديهِ صورة ايجابية عن ذاتهِ لا يمكنهُ تدشين حياتهِ الطبيعية، ولا أنْ يعطي لِحياتهِ شكلَ الحياة السعيدة، ولا أنْ يمنح قيمةً أخلاقية لأفعالهِ إزاء «الآخر».

 وفي نفس هذا السياق، يؤكد الليبراليين المجتمعاتيين بعامة فكرةَ أنَّ الاعتراف هو الذي يُكوِّنُ الهوية.ً فعلى حّد تعبير إيمانوئيل رينو Emmanuel Renault، «إذا كانت الحاجة للاعتراف بِقيمَتي الخاصة لا تنفصل عن ما أتمثل به وفق هويتي الشخصية، فحينئذ ينبغي أنْ يكون الاعتراف المجتمعي بالهوية معدوداً من بين الحاجات الأساسية للأنا». وبذلك يشير إيمانوئيل رينو إلى فكرة أنَّنا إذا أدركنا كون الثقافة في جزءٍ كبيرٍ منها هي نتاجٌ إنساني، وأنَّ الإنسان بذاتهِ وفي جزءٍ كبيرٍ من كيانهِ هو نتاجٌ ثقافي، عندئذ يكون في مَقدورنا تفسيرَ سبب هذه الحاجة إلى الاعتراف بالهوية على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي. فالفرد والجماعة يَحكمُهما نزعة البقاء والحفاظ على الذات. وهذه النزعة يمكن إشباعها فقط بواسطة الاعتراف بهوية حاملها، و إلا ستغدو هذه الهوية في حالٍ من الاهتياج والسعي المكثف للحفاظ على الخصوصية والتمايز بفعل سوء الاعتراف بها، أي نتيجة اضطهادها وتهميشها بعبارةٍ أكثر وضوحاً.