مجلة حكمة

الوجه الخفي لجائزة نوبل – ترجمة: سعيد بو خليط

 

سعيد بوخليط
غلاف الكتاب

– [أوصى ألفريد نوبل (1833-1896)، مخترع الديناميت، بثروته الشخصية لخمسة جوائز].

– [عشرة ملايين كورون Couronnes سويدية، ما يعادل مليون أورو ، هي القيمة المالية لجائرة نوبل في الأدب].

من يختفي وراء جائزة نوبل للأدب، أكثر الاستحقاقات أهمية لكتاب الوقت الحالي ؟ ما هو المنطق المتحكم في اختيارات لجنة التحكيم ؟ عدد من الفائزين، الذين أعلن عنهم السكرتير الدائم، وفق بروتوكول لا يتغير، أي على الساعة الواحدة بعد الزوال من أحد أيام خميس شهر أكتوبر، غير معروفين من طرف النقاد الحاضرين في القاعة الكبرى  للأكاديمية السويدية. بينما يتم الاعتراض، على البعض الآخر بقوة أحيانا، لأسباب سياسية وحتى أخلاقية. بحيث، تستبعد الاعتبارات الأدبية إلى مستوى ثان. لذا، تحوم الريبة حول أعضاء لجنة التحكيم : ألا تكرر تارة جائزة نوبل للأدب، تلك الأخرى المخصصة للسلام؟. لكي نعرف أكثر، كان علينا التوجه للقاء هؤلاء الثمانية عشر رجلا وامرأة، المعروفين بصمتهم الحذر، والذين يمنحون هذه الجائزة ذات البعد الكوني  انطلاقا من استوكهولم ، عاصمة بلد صغير محايد، ساكنته تعدادها تسعة ملايين. إنه السويد ، حيث يتم تقديمه في الغالب كنموذج للتطور الاقتصادي والاجتماعي.

ستوكهولم ، مدينة الماء والجزر، من أجل التنقل فيها عليك التعود على أن أقصر طريق من نقطة إلى أخرى، ليس الخط المستقيم، بل الملتوي. قد تعبر بهدوء أذرع البحر، وأنت تنتقل بين الجسور التي تفصل مختلف مناطقها. في عمق « غاملاستان » ـ جزيرة صغيرة بالمدينة القديمة ـ يوجد مقر الأكاديمية السويدية، على بعد خطوتين من القصر الملكي، تحت قبة واجهة كان يشغلها في السابق سوق المال. هذه الأكاديمية التي تأسست سنة 1786 من قبل الملك غوستاف الثالث، على منوال الأكاديمية الفرنسية، أوكل لها ألفرد نوبل مهمة الإشراف على جائزة الأدب. خمس سنوات، فصلت فتح الوصية عن منح أولى الجوائز سنة 1901. كثير من المداولات في الأكاديمية السويدية، كانت ضرورية  قبل أن تقبل مسؤولية تحمل هذه الجائزة. بعض أعضائها الثمانية عشر، أكدوا سنة 1986 على ثقل المهمة وجسامتها. لأنها تجعل الأكاديمية موضع انتقادات من قبل العالم بأكمله، كما تنعرج بها عن مهمتها الأولى : السهر على اللغة والأدب الوطنيين، بالاشتغال على المعجم ثم تخصيص جوائز وطنية.

مثل جل مواطنيه، فإن السكرتير الدائم للأكاديمية عند نهاية القرن 19 السيد” Carl David afwirsén””، كان متعدد اللغات. اقترب مشروعه، من فكر ألفريد  نوبل الذي استحضر دائما :La conversation avec Eckermann، حيث دافع غوته Goethe عن فكرة، « أدب عالمي »: لا يمكن إدراك الآداب الوطنية إلا في إطار كوني. لقد ، خولت جائزة نوبل للأكاديمية السويدية، فرصة استثنائية لكي تعيد تنظيم ذاتها عن طريق إدراك هذا البعد العالمي.

في مكتبه الكبير، الذي تطل واجهته العليا على معلمة « ستورتوغيت »، إحدى الأمكنة الأكثر روعة لستوكهولم القديمـة. يتمثل
Horace Engdahl” “، السكرتير الدائم الحالي، التاريخ من أجل تفسير الحاضر. يقول : ((بسبب جائزة نوبل، فإن أكاديميتنا الحالية، أكثر فكرا وأدبا من أكاديمية غوستاف الثالث في القرن 19، التي هيمنت عليها شخصيات رسمية. انطلاقا، من اللحظة التي قبلنا أثناءها مسؤوليات الجائزة. كان لزاما ، اختيار عناصر لها كفاءات أساسية لكي تتكفل بالتوزيع. اليوم، أكثر من نصف الأعضاء  تقريبا هم: كتاب، البعض الآخر لغويون، أو نقاد للأدب، وكذا مجموعة من الباحثين : ذلك أيضا، يمثل إسهاما كبيرا في أنشطتنا الوطنية)).

بالفعل، فيما وراء حدوده. يمارس السويد ، وهو البلد المحايد سلطة فريدة، من خلال جائزة نوبل : ((يوم 10 دجنبر، يشكل عيدنا الوطني الحقيقي، يضيف السيد السكرتير. مع بداية، شهر دجنبر تعيش السويد بأكملها، على إيقاع احتفالات نوبل. إنها اللحظة، التي يجسد فيها بلدنا سلطة أخلاقية حقيقية أمام العالم أجمع)).

I ـ صرامة وسرية :

تمارس الأكاديمية السويدية هذه “السلطة الأخلاقية”، مع انشغالها بالمآخذ التي تصب عليها بهذا الصدد : تقوم اختياراتها على عمل صارم، كما أن مشاوراتها السرية ومسار تقديم الجائزة، يتبعان بدقة وصية نوبل  : (( أن تتدخل السفارات لدى الأكاديمية ؟ يشكل ذلك بالقطع عملا غير مثمر، يصيح “ديفاي أليكسندر  “مستشار ثقافي بسفارة فرنسا. فلجنة نوبل تتمسك باستقلالها المطلق)). أما ” ياسبير سفينبرو ” الذي انتخب للأكاديمية سنة 2006، فيتحدث عن الإرث اللوثري الحاضر جدا بين ثنايا الثقافة السويدية : مقاومة الضغوطات مبدأ لا يتحمل أي استثناء. يتم الدفاع عن السرية، بقوة: حينما، كان يقرأ هذا العضو في القطار، مؤلفات  المبدعين المنحصرة أسماؤهم في “اللائحة”، فقد أخفى بعناية الأغلفة حتى يتجنب  كل إفشاء.

اللائحة الشهيرة، لمرشحي نوبل، ليست عمومية. كما، أن الإشاعات المتواصلة حول الموضوع، تبقى مجرد تنظير. مع أنها قد تنمو مع الوقت ! لم تمنح أبدا جائزة نوبل لكاتب، في نفس السنة التي ظهر فيها اسم ترشيحه على اللائحة. نذكر غالبا من الجانب الفرنكفوني، شعراء ك : إيف بونيفو ، و أدونيس. أو روائيين مثل : جان مـاري غوستـاف لو كليزيو ، وآسيا جبار . هؤلاء، من نتنبأ  لهم  باعتبارهم الأكثر يقينا، يخضعون في آخر لحظة، لقرار حر يصـدره أعضـاء الأكاديميـة : ((يتذكر “بيرواستبيرغ ” واقعة يعود تاريخها إلى سنة 1957، ظلت متوارية في الأرشيفات السرية، واحتفظ  بها لمدة خمسـين سنـة. حينمـا، اعتبـر آنذاك اختيـار ”كارين بليكسين” ، شيئا محسوما. وفي آخر لحظة، غير أحد أعضاء اللجنة، تصويته :ألبير كامو ، هو الفائز !)).

ما هي الاستراتيجية التي يتم تطويرها، اتجاه هذه الصرامة والسرية، لكي نثير حول كاتب الهالة ذاتها، التي تحظى بها جائزة نوبل على المستوى الدولي، وتنعكس على بلدها الأصلي ؟ تقضي الوصايا، بأن أولى الاقتراحات ترد من العالم أجمع : أكاديميات وطنية، جامعات، فائزين قدامى بالجائزة، جمعيات للكتاب. يتم أولا حصر ثلاثمائة اسم،  تختار من بينها جائزة نوبل للأدب ـ خمسة من عناصر الأكاديمية، الموكولة لها مهمة الجائزة ـ خمسة عشر إلى عشرين اسما، يشكلون “اللائحة الطويلة”، التي ستغدو “لائحة مقتضبة” قبل الصيف، بعد اقتصارها على خمسة أسماء فقط.

تعتبر شهرة الكتاب في الخارج ـ عن طريق ترجمات، ملتقيات وندوات ـ عاملا أساسيا، للتوفر على حظ الترشيح من قبل جمعيات كثيرة، تناط بها مهمة القيام باقتراحات.

II ـ  الترجمة طريق للانتخاب : 

تحدث ” بير واستبيرغ”، رئيس لجنة نوبل للأدب، عن مكابدته “الولع بالقراءة”،  وهو ما هيأه لوظيفتـه. فالاشتغـال، على أسـاس  وجهـة نظـر : الأدب الكوني ، أي عدم تهميش أية لغة أو ثقافة ، يفترض استثمارا ضخما. لذا، نجد من بين أعضاء الأكاديمية، المنكبون على الأدب الإفريقي كما هو الحال مع ” بير واستبيرغ “، إلى جانب عالم بالحضارة الصينية، ثم مهتمون ينجذبون بشكل خاص نحو أدب اللغة الألمانية أو بلدان الشرق، نشير هنـا إلـى الباحثة ”كاتارينا فروستونسون””. مع ذلك، لا تتم تغطية كل العالم.

إضافة، إلى تشبث الأكاديمية الدائم بالتقليد السويدي، القائم على تعدد اللغات. فإننا نلاحظ، حضور أكثر من عشرات  اللغات من خلال مجموع الأعضاء. مع استحالة قراءة، كل الكتاب بلغتهم الأصلية، ولا يترجمون بأكملهم دائما إلى السويدية. تستدعي الأكاديمية حينئذ ما يسميه “Horace Engdahl” ب “الآلة الأدبية لأوروبا” : فرنسا، ألمانيا والآن روسيا، للقيام بنشاط مكثف في الترجمة. تطلب الأكاديمية أيضا لعملها الخاص، أحكام أهل الاختصاص، تقارير وترجمات. حيث بناء على ذلك، تحسم لجنة نوبل ومعها الأكاديمية في الاختيارات.

تمثل إذن، الخزانة قلب هذه المؤسسة، تحتوي رفوف كتبها التي تتسع كل سنة بعشرات الأمتار الخطية، ما يناهز مائة ألف مرجع، تمس كل الأجناس الأدبية والدراسات النقدية.

تبدأ كل جلسة للأكاديمية، يوم الخميس، في قاعة القراءة. تعرض آخر الإصدارات على الطاولة، مع تعليقات للمحافظ السيد ” لارس ريدكيست”  الذي يقوم بعمل تعريفي دقيق، اعتمادا على المجلات التي تصله من مختلف أنحاء العالم. في هذا الإطار التاريخي، الاحتفالي،  يخول الفهرس الإخباري لكل الأعضاء  إمكانية الاختيار بين المؤلفات التي يتلقونها : تجسد الأكاديمية السويدية، صورة بلد بأكمله، يتقاسمه سبيل إلى حداثة التكنولوجيات التي تطورت عنده بشكل خاص، وآخر يحترم التقاليد.

يظهر، الهوس الكبير الاجتماعي والاقتصادي السويدي، بحقوق النساء. حسب ”كاتارينا فروستونسون”  المنتخبة سنة 1992 لعضوية الأكاديمية عن سن الثامنة والثلاثين، بعد حصول مجموعاتها الشعرية الصعبة، على جوائز تقديرية: ((وجود خمس نساء فقط بين ثمانية عشرة فردا، شيء قليل جدا في اعتقاد السويديين : ينبغي في المستقبـل القريـب، رفع نسبـة النسـاء بالأكاديميـة إلى % 50 !)). ماذا نقول، في هذا السياق عن الأكاديمية الفرنسية التي لا نجد فيها، إلا أربعة نساء بين أربعين عنصرا !.

الانفتاح على العالم، كما يوحي به كل حوار مع أعضاء الأكاديمية. ترجمته اختياراتها منذ انتخاب Horace Engdhal”” سنة1999 على رأس منصب السكرتير الدائم. لقد عبر عن تأثره ب : ((المؤلفين الذين لا يكتبون إلا الروايات، والقصيدة الغنائية أو القطع المسرحية، بحيث تتعاظم في عملهم أهمية التجارب،وحكايات السفر، وكذا استكشاف الحقيقة المعاصرة)). يعتبر أدب الاعتراف، ظاهرة أدبية دالة عن عصرنا كما يرمز لذلك عمل « Naipul » : ((لقد كتب روايات جميلة جدا، لكن أيضا رحلات سفر بنمط جديد كليا. إنه، لا يستدعي فقط مشاعر واكتشافات الفرد. كتابات متعددة الأصوات، تبرز همسات أشخاص لا نظن أبدا بوجودهم. لكنه، ليس وجهتنا الوحيدة : ف «إلفريد جيلينك  » هو بالأحرى كاتب الطليعة، تتموقع ابتكاراته في قلب اللغة، أكثر من العالم الخارجي. لا يجب، أن تكون جائزة نوبل للأدب تعبيرا عن مدرسة. إذا ماثلنا الأدب الكبير، ببعض المبادئ الجمالية، كيفما كانت. فإننا ننزاح عن الصواب)).

لكن خلاصات الأكاديمية، لا تفهم، دائما جيدا : أغلب الصحافيين الحاضرين، أثناء الإعلان عن الفائز بالجائزة يجهلون اسم الكاتب. استمرار للسمة الوطنية، ليس تلك للأدب ذاته، ولكن للحكم الذي نحملـه عنـه، حـسـب “Horace Engdhal” : ((لا يوجد رأي عالمي كوني، فيما يتعلق بالأدب، وعي يجتاز الحدود. فالوعي الأدبي محلي، ينحصر في النظام النقدي وهيئات النشر داخل كل بلد)). إضافة، إلى أن انتقاءات السنين الأخيرة، بدت غالبا كأنها سياسية اتسمت بدعم لكتاب “اليسار”، نظرا لمناهضتهم كل أشكال الديكتاتورية. تدافع الأكاديمية بقوة عن نفسها، ضد هذا الاقتراب الجلي من جائزة نوبل للسلام. فهي لا تقبل غير خدمة الأدب، وبمعايير أدبية : يدخل في إطار المحرم، كل تلميح للسياسة أثناء نقاشاتها. وعدم تجنب التأثير السياسي للجائزة، حسب الأكاديمية هو نتيجة وليس قصدا.

هذا المثال الأعلى في الجدية، الحياد والوعي الأدبي الأسمى، ما يتوخاه السكرتير الدائم   إلى جانب كل أعضاء الأكاديمية، بنوع من الاعتقاد الكبير. ألم يوصي ألفرد نوبل ، بضرورة ترشيح المبدع بناء على منظور “مثالي”، صفة  لا يتم الانتهاء أبدا من التخمين فيها ؟ تلك أجمل طريقة، نعطي بها للأدب فعالية داخل العالم، بدلا من جعله شعاعا موجها لمثال أعلى يصارع كل إيديولوجيات تموضع الإستتيقا فيما وراء الإتيقا والسياسة يؤكد دائما السيد السكرتير.

III ـ  بعض الأسئلة حول جائزة نوبل : 

1 ـ كم هو المبلغ الذي يحصل عليه الفائز بنوبل للأدب ؟

ج ـ عشرة ملايين كورون Couronnes سويدية (أي ما يقارب  مليون أورو).

2 ـ هل من الحتمي ترجمة أعمالك إلى السويدية، لكي تفوز بجائزة نوبل ؟

ج ـ لا.

3 ـ ما هي مراحل برنامج الانتقاء ؟

ج ـ من نوفمبر إلى 1 فبراير، تبدأ مهمة تقديم المرشحين إلى لجنة نوبل للأدب وفق اقتراحات تسندها براهين، وذلك من طرف الأكاديميين، قدماء الفائزين بنوبل، الجمعيات (مثل نادي لوبن Le pen). تشرع اللجنة، بعد ذلك في التقليص التدريجي لمجموع الأسماء، حيث ينتقل العدد من 300 اسم إلى لائحة تتراوح بين 15 إلى 20. تقترح وتناقش من قبل كل أعضاء الأكاديمية في شهر أبريل. لكن مع وصول الخميس الأخير من شهر ماي، ستتقلص اللائحة وتقتصر  أخيرا على 5 أسماء، صوتت عليهم الأكاديمية بالإجماع. إبان الصيف، ينكب الأعضاء على قراءة كل مؤلفات الكتاب المنتقين (ثم الاقتصار على الإصدارات الجديدة، بالنسبة لأولئك المندرجين آنفا في اللائحة). بعد ذلك، يتحتم على أعضاء اللجنة، كتابة مقالة توضيحية من خمس إلى ستة أوراق، حول كل واحد من هؤلاء. ثم القيام بعرض تلك المقاربات أثناء شهر شتنبر. التصويت النهائي، يتم يوم الخميس الذي يسبق الإعلان عن الجائزة، وتحاط وسائل الإعلام بالنتيجة الجمعة، التي تلي التصويت. ثم تعلن عنها الأكاديمية رسميا الأسبوع الآخر.

4 ـ متى يعلن عن جائزة نوبل ؟

ج ـ عند الواحدة بعد الزوال يوم الخميس الثاني في أغلب الأحيان من شهر أكتوبر، عقب اجتماع للأكاديمية. مع إمكانية، الاحتفاظ بحق الإعلان عن النتيجة مبكرا (الخميس الأخير من شهر شتنبر) أو أبعد من هذا التاريخ، بالضبط يوم 15 نونبر، كتاريخ نهائي وثابت كما أوصى بذلك ألفرد نوبل.

5ـ متى وكيف يتم تسليم الجائزة ؟

ج ـ مع مظهر الليل الذي يخيم على السويد شهر دجنبر، يستقبل الفائز في الفندق الكبير، تصحبه هيئة تتألف من عشرة إلى خمسة عشر شخصا تتكون حسب رغباته. يوم 7 ديسمبر، يلقي محاضرة رسمية في القاعة الكبرى للأكاديمية السويدية. في العاشرة منه، وبعد مجموعة من التهييئات لضبط قواعد بروتوكول الملكية السويدية، يسلمه الملك وثيقة مزخرفة من قبل رسام كبير تشهد على جائزته، بفضاء Konserthuset (قصر الحفلات). بعد ذلك، وفي (فندق المدينة) Stadshuset يقام حفل عشاء على شرف كل الفائزين بنوبل في السنة ذاتها، بين جدران قاعة ضخمة على ضفة بحيرة تطل على البلطيق. مع تصوير لكل التفاصيل ونقلها مباشرة على القنوات التلفزية.

IV ـ  جاوكسينجيان، الفائز بجائزة نوبل سنة 2000.

يوم 12 أكتوبر 2000، حينما اتصل “Horace Engdahl” بالكاتب الصيني جاو كسينجيان ، لكي يخبره بحصوله على الجائزة. لم يتمكن بعد هذا الأخير، من استرجاع أنفاسه، حتى أدخله الصحافيون الذين تقاطروا قبل ذلك على باب منزله، في دوامة غيرت حياته : حوارات، استقبالات، مع تفكيره أيضا، في صياغة الخطاب الذي يتحتم على كل فائز التوجه به، يوم 7 دجنبر إلى القاعة الكبرى للأكاديمية. كان من اللازم على جاو الفائز الصيني أن يصارع، لكي ينعزل ويكتب بشأن “جدوى وجود الأدب”، مدافعا عن مفهومه بخصوص : “الأدب البارد”، حيث يكون : ((الكاتب في إطاره شاهدا محايدا، يعيش على هامش المجتمع، يعاين الوضع الإنساني ويتلمسه عبر العزلة والصمت، بعد أن يتخلص من كل ارتباط سياسي)).

على الرغم من ذلك، تلاحقه السياسة. ظل تحت المراقبة في الصين الشيوعية، إلا أن هرب وطلب اللجوء في فرنسا سنة 1989 وحصوله على الجنسية الفرنسية سنة 1997 : السفير الفرنسي، هو من رافقه يوم 10 دجنبر 2000،  إلى حفل عشاء فوزه بنوبل. كما هاجمت الصين بقوة اختياره من قبل الأكاديمية، واعتبرته تدخلا سياسيا لا يمكن استساغته، لذلك لم تتوقف المتابعة بعد: فهو دائما مراقب في بلده، ولا يدرج ضمن قائمة الحاصلين على نوبل. حينما، كانت الصين ضيف شرف على صالون باريس للكتاب، لم تستدعيه للمشاركة.

عززت الجائزة بشكل كبير الشهرة التي كان المؤلف يتمتع بها : ترجم إلى ستة وثلاثين لغة مختلفة، مما وسع قاعدة قراءته إلى أبعد حد. وكانت كتاباته من أكثر المبيعات حتى في الولايات المتحدة الأمريكية. بإمكانه، إذن الانقطاع للأدب والرسم دون الانشغال بوضعه المادي.

لكن في سنة 2003، بعد ثلاث سنوات من المحاضرات والخطابات على امتداد أنحاء العالم، سقط مريضا بشكل خطير، أدى به إلى إجراء عمليتين جراحيتين،خرج منهما بوهن شديد : توقف عن كتابة الرواية مكتفيا ببعض القطع المسرحية، لكنه واصل فن التشكيل خاصة، وولوج بعض المدارات الجديدة التي تتأمل الأزمات الحالية للإنسان المعاصر : ((التيمة الخالدة للأدب،هي المجتمع الإنساني: ماضيه، مستقبله، ثم ضجره الحالي. علينا التفكير في أفق إيجاد منظور جديد)). موضوع يستحق جائزة نوبل للأدب.

 

 


هامش :

 النص مأخود من

Aliette armel / in magazine littéraire  numéro 469 .novembre 2007.pp12/16.