مجلة حكمة
النقد النسوي لليبرالية - ليندا إم. جي. زيريللي / ترجمة: د. سنية نمر ياسين النقد النسوي لليبرالية - ليندا إم. جي. زيريللي / ترجمة: د. سنية نمر ياسين

النقد النسوي لليبرالية – ليندا إم. جي. زيريللي / ترجمة: سنية نمر ياسين

s200_linda.zerilli
د. ليندا إم. جي. زيريللي، كاتبة واستاذة العلوم السياسية والدراسات الجنسانية في جامعة شيكاغو

شهدت النسوية والليبرالية على مر الزمن تاريخًا حافلًا بالسجالات المعقدة. من ناحية أولى، رسخت الحركة النسوية الأولى والثانية مطالباتهن بالحقوق السياسية وبالمساواة في المواطنة من خلال تقديم الحجج الداعمة لمطالبهن. ولكن على الرغم من تعدد التفسيرات الإيجابية والسلبية لمبدأ الحرية، فإن تبرير اي قيود على حرية الفرد كالعقد الاجتماعي مثلًا، تبقى جوهر الليبرالية بوصفها الجانب الأبرز في تاريخ الفكر السياسي. لقد شكلت الليبرالية مصدرًا قيمًا للنسوية في نضالهن الطويل من أجل الحرية السياسية وضد سلطة الرجال التعسفية عليهن.

من ناحية أخرى، أظهَرَ تاريخ الليبرالية أن إلتزامها الأساسي بمبدأ المساواة شكل الدافع الجدي للمضي قدمًا في مشروعها رغم العقبات التي إعترضتها في أغلب الأحيان. لقد إستُبعِدتْ النساء من قبل العديد من الليبراليين المحدثين والمحدثين المبكرين من إدراجهن في العقد الاجتماعي بحجة فرضية العجز المنطقي، بينما أمسك الرجال بالأدوار التقليدية للجنسين في الأسرة، بمعنى سلطة الرجال على النساء المتمثلة بسلطة الازواج والآباء على الزوجات والبنات. في الواقع، تقيد المفكرون الليبراليون الكلاسيكيون بالمنطق الاجتماعي والثقافي “الطبيعي” لخلافات الجنسين الثنائية، لدرجة أن جون ستيوارت ميل لم يدقق في الحياة العائلية المنظمة للتقسيم الاجتماعي بين الجنسين في العمل،[1] رغم طعنه العنيف بالسلطة الذكورية والدعوة لتدخل الدولة في “الحياة الأسرية للمستبدين الداخليين.”

لقد تحدت النسوية في العصر الحالي، أشكال الحكم التعسفي لأدوار الجنسين التقليدية، و بالتالي لم يعد ممكنًا الدفاع عن تلك الأدوار علانية. إزاء ذلك، إنقسم الليبراليون بشأن كيفية معالجة أشكال عدم المساواة الاجتماعية التي تزدري مبدأ المساواة كونها نتيجة غير مباشرة للعقبات القانونية والسياسية الرسمية التي تشكل المحور التاريخي للنقد الليبرالي. على الرغم من أن جون راولز ورونالد دوركين، وهم من ابرز ليبراليي العدالة الاجتماعية كانا مستعدين أكثر من أسلافهم الكلاسيكيين لتحقيق التوازن بين مطلب الحرية الأساسي وبين أشكال عدم المساواة الصارمة، إلا أنهم غضا الطرف، او بالأحرى لم يُباليا، بالهيكل الإجتماعي للحياة الأسرية وللكلفة الباهظة لحرية المرأة. لقد ناقش المفكرون الليبراليون المعاصرون هذا التقسيم بطريقة مختلفة عن التي ناقشها المنظرون الكلاسيكيون علانية، وذهبوا إلى حد تفويض الأفراد الناضجين والمستقلين القيام بهذا التقسيم بوصفهم موضوع  تلك النظريات، لكن دون ذكر كيفية القيام بذلك. لقد لحظت سوزان أوكين هذا الأمر وإمتعضت منه،[2] إذ تجاهل المنظرون الليبراليون المعاصرون الى حد كبير وبطريقة غير مناسبة أعمال النساء اللواتي شاركن في إلقاء الضوء على تلك المواضيع، على الرغم من أن هذا التجاهل يؤثر بشكل كبير على فرص المرأة الخاصة لأن تصبح كائنًا بشريًا مستقلًا إلى حد كبير وقادرًا على ممارسة  أساس وجود الليبرالية ، ألا وهو الحرية.

في ضوء الإصرار على عدم المساواة الفعلية في مقابل المساواة القانونية بين الجنسين التي تميز المجتمعات الديمقراطية الليبرالية المعاصرة، فإن نظرية النقطة العمياء الليبرالية التي تمنع النساء من تحقيق الحرية تُعتبر أمر مقلق للغاية، وتُمثل بالتالي مشكلة حقيقية للنسوية في حدود وإمكانيات التقاليد الليبرالية. لقد شكلت الليبرالية لبعض النسوية طريقًا مسدودًا نظريًا وسياسيًا، لعدم إمكانية محاسبة التمييز في القطاعين العام والخاص حيث يترعرع التقسيم الخفي في العمل بين الجنسين.[3] يقول بعض النقاد أن على الليبراليين التخلي عن حيز التمييز الكبير الذي يضمن المبادئ الليبرالية الأساسية بشأن حرية الفرد المتعلقة بسلطة الدولة، بينما يقول نقاد آخرون، أن الليبرالية تتطلب نقدًا نسويًا، علمًا بأن هذا النقد لن يعلن موت الليبرالية بالنسبة للحركة النسوية ولكن قد يطرح إلتزامات النسوية الضمنية من خلال أي ليبرالية تكون جديرة بهذا الاسم.[4]  تقول اوكين[5] ” تُدرك الليبرالية جيدًا، أن رفضها الجذري لقبول التسلسل الهرمي وتركيزها على المساواة وحرية الأفراد، يبقى أمرًا حاسمًا بالنسبة للحركة النسوية”، إذ تُشكل  الليبرالية اكبر مصدر للحركة النسوية، التي تسعى إلى أن ترقى إلى افضل مُثُلِها العليا.

 

النقد النسوي للفكر الليبرالي الحديث والحديث المبكر

لقد بدأ النقد النسوي الأكثر حدّة لليبرالية، عن الحقوق الطبيعية المبنية على قدرة العقل بحجج حديثة ومبكرة، وذلك بالتزامن مع بروز مسألة الحكم التعسفي. فقد كتبت ماري ولستونكرافت في الدفاع عن حقوق المرأة (1792) ضد الأساس العالمي- التاريخي للثورة الفرنسية، ودافعت بقوة عن فكرة الحقوق الطبيعية التي وهبها الله وهزأت من المفكرين أمثال روسو الذين حددوا ممارسة هذه الحقوق بالرجل وحده. تضمنت حجة ولستونكرافت في اساسها إستيضاحًا للزعم المتواصل بأن النساء يُعتبرن عاطفيات أكثر من كونهن عقلانيات. تقول ولستونكرافت، أن إتهام المرأة بالشعور المفرط ما هو إلا إنعكاس للقيد الثقافي والعرف بين الجنسين، وليس إنعكاسًا لطبيعتها الأنثوية، وأن مادة العقل الفطرية موجودة عند الولادة لدى كلا الجنسين، إلا أن الإختلاف الشاسع في تربيتهم يؤدي الى تطور قوى البشر العقلانية الطبيعية عند الرجال وضمورها عند النساء.” تُضيف ماري ولستونكرافت، بأنه من الأفضل أن تُعامل بنات جنسها كمخلوقات عقلانية، بدلًا من التملق بفضائلهن الجذابة، وإعتبارهن في حالة من الطفولة الدائمة، غير قادرات على الإعتماد على انفسهن.”[6]

لقد شكل دفاع ولستونكرافت عن قدرة العقل على عدم التمييز بين الجنسين والتي تفوق كل الاحتمالات التاريخية، قرارًا حاسمًا لقبولها كنسوية ليبرالية،[7] وقد إهتمت غالبًا بالأفراد والحقوق شأنها شأن المفكرين الليبراليين. على الرغم من تركيز ولستونكرافت على كليهما، إلا أنها خسرت صوتها السياسي المميز عندما إنضمت للحركة النسوية الليبرالية. كتبت ولستونكرافت في نفس السياق في كراس الحروب لسنة 1790 ، حقيقة تاريخية مهمة دفعت ببعض القراء لتفسير فكرها على أنه فكر قَيِم وشمولي النطاق وراديكالي أكثر من كونه فكرًا ليبراليًا،[8] بينما شبه آخرون وجهات نظرها السياسية بأنها وجهات نظر جمهورية راديكالية معتمدين في ذلك على سطوع نجم الخطاب الثوري والنسوي.[9] لقد دافعت ولستونكرافت بجدية عن حقوق المرأة بإعتبارها شكل متسق من أشكال الديمقراطية القائمة على المشاركة ولم تأخذ بعين الإعتبار الحقوق كعمل قانوني وضعي يركز غالبًا على تأمين حرية الفرد (السلبية) وجهًا لوجه تجاه المجتمع والدولة، وبالتالي لا يوجد حقوق بعيدًا عن ممارسة المطالبة بهذه الحقوق. كتبت انجيلا موان عن هذا الموضوع تقول[10] أنه ” نظرًا لإعتبار الحقوق عمل بلاغي وسياسي من صنع الإنسان، فإن دعوة ولستونكرافت للحقوق قد فُهمت على انها مطالبة لتحول ثوري ونسوي إذ أن الحقوق نفسها فُهمت كجزء من مشروع ديمقراطي واسع لم يتم تناوله إلا نادرًا.”

بعد اكثر من نصف قرن، تناول جون ستيوارت ميل، وهو شخصية رئيسية في التقليد الليبرالي، العديد من المواضيع بالنسبة لخضوع النساء للرجال والطابع الاصطناعي للأنوثة الحقيقية. لقد تحدى ميل مع زوجته هارييت تايلور، الشخصية الفيكتورية ل “ملاك في البيت”، التي انكرت على النساء صوتهن العلني وجعلتهن  الحارسات للأخلاق الأسرية. إستعرض ميل في كتابه  عن الحرية (1859) مسألة الزمان والمكان والظروف التي يحق فيها للدولة أو للمجتمع التدخل في حرية الفرد، كما تناول ايضًا منطق سلطة الذكر المخادع في الجهاز الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والقانوني في القرن التاسع عشر.

شكل كتاب ميل خضوع النساء (1869) شأنه شأن الدفاع عن حقوق المرأة 1792 لولستونكرافت، جولة قوية في الجدل النسوي والخطابة. لقد تحدى ميل مستوحيًا من رفيقته وزوجته المتوفاة تايلور، الفكرة القائلة بأن النساء ينقصهن المنطق بطبيعتهن وغير قادرات على التنمية الذاتية، وقد دافع بقوة وحزم عن الحرية الفردية. حمّل ميل العادات مسؤولية ذلك، وخاصة التمييز في التربية بين الجنسين، وأوضح أن تماسك الوضع الراهن ليس نتيجة القيود القانونية الرسمية على حرية النساء ولكن نتيجة نفسية الذكر المتسلطة أيضًا، ويقول في هذا السياق:

لقد إجتمعت كل الأسباب الاجتماعية والطبيعية، لتمنع تمرد النساء جماعيًا على سلطة الرجال. يختلف وضع النساء عن جميع الطبقات الأخرى الخاضعة، إذ أن أسيادهن يريدون منهن ما هو أكثر من الخدمة الفعلية، هم يريدون مشاعرهن وليس طاعتهن فحسب.  إن جميع الرجال لا يرغبون ان تكون المرأة المرتبطة والقريبة منهم عبدةً لهم غصبًا عنها، بل ان تكون عبدةً بإرادتها، ولذلك فقد وضع الرجال كل شيء في مكانه المناسب لاستعباد عقولهن.[11]

من جهة اخرى وعلى الرغم من دعمه القوي لحقوق المرأة، بما فيه دعمه لحق الاقتراع،  فإن فكر ميل عن  النسوية كان على جانب من الحذر بسبب إهتمامه العميق والمهووس بعادات الإنجاب عند الفقراء العاطلين عن العمل. لقد كان شأن ميل شأن معظم المفكرين المعاصرين الأوروبيين، كان يخشى من أن تدفع تلك العادات، المجتمع البريطاني للعودة إلى الهمجية من خلال ما أسماه “قوة التكاثر الحيوانية[12] ، لكنه رغم ذلك كان يشارك دائمًا وتدريجيًا في روايات الحضارة المهددة بالإنقراض، وقد دعم تعديل قانون الفقراء لعام 1834، لكنه كان يستغرب من تقديم الإعانة التي تُدمر حافز العمل، وفي المقابل من قبول فكرة العوز الشديد التي تضع قيودًا جديدة للمساعدة. لقد واجه ميل المؤيد للإشتراكية المُصلحين الذين رفعوا الصوت للحد من ساعات العمل، وبرر العمل بأنه الترياق الوحيد للتهور وللشهوة. وأضاف أن جنسانية الطبقة العاملة غير المنظمة والمتروكة لذاتها، “تخلق اسرابًا من المخلوقات البائسة التي على الأرجح ستصبح فاسدة، علاوة على أن مثل هذا السلوك يمثل عبودية مهينة للغريزة الحيوانية في خضوعها العاجز أمام إستخدام السلطة المثير للإشمئزاز، والأكثر شيوعا في الآخر.”[13]

كانت نتيجة إهتمام ميل بآثار الحياة الجنسية المضطربة حركة نسوية ضعيفة لم تتمكن من التخلص من فكرة التواضع الجنسي النسائي كضمان ضد اولئك الذين” يتبعون غرائزهم الحيوانية دون أي اعتبار.”[14]  إن وضعية النساء كحاميات للمجتمع المنظم حدت من قدرة ميل على التشكيك بتقسيم العمل حسب الجنس، وهو الذي كان يرى بوضوح ضرر الوجود الداخلي على تطوير النساء ذاتيًا وبالتالي على ممارستهن حريتهن.”[15] مع مرور الزمن، اصبح ميل يستثمر أكثر وأكثر في فكرة “الطبائع العليا” للأفراد، التي رمزت إلى ما تحتاجه نظرية الدفاع الليبرالية. في النهاية، لم يستطع ميل أن يزعزع الاعتقاد السائد في الأنوثة المدجنة اللاجنسية وجعلها المرساة للثقافة الليبرالية المتحضرة والتي قد تسمح للأفراد الذين لديهم القدرة على ضبط انفسهم بأن يتطوروا بحرية.

شكلت التأثيرات السلبية الناجمة عن الجنسانية مخاوف أساسية في الفكر السياسي الليبرالي الحديث، والحديث المبكر، وقد أشارت كارول بايتمان إلى أن الليبرالية تركز على فكرة البشر ككائنات عقلانية حرة ومتساوية، وان موافقتهم ضرورية على أي شكل من أشكال الحكم، إلا انه يُفترض دائمًا أن يكون هناك إستثناءات، وتاريخيًا، إعتُبرت النساء من الاستثناءات إذ أنهن “بحكم طبيعتهن [الجنسية] الخاصة، يشكلن مصدر اضطراب في الدولة.”[16]

عرضت بايتمان في عملها النسوي الكلاسيكي الحالي، العقد الجنسي، لطريقة إستبعاد النساء من فئة الكائنات العاقلة، وبالتالي إستبعادهن من المعادلة السياسية في الحرية والمساواة. إن الوجه الآخر للعقد الاجتماعي، الذي يحكي قصة المساواة في الحرية الطبيعية للرجال وجهًا لوجه مع مفهوم الأبوية للأب، شكّل المبرر الأساسي لسلطة الرجال على النساء. تقول بايتمان، أن العقد الاجتماعي لا يعكس إفتراض تحدي الفكرة الخاصة للحكم التعسفي، لأنه في الواقع يعيد تشريع السلطة الأبوية كحق جنسي ذكوري للأزواج على زوجاتهم. كان هوبز قد أكد ودعم هذا المنطق، سواء في منح حق- الأمومة للطفل في الحالة الطبيعة او التمسك بعدم وجود هيمنة طبيعية للرجال على النساء. رغم ذلك الموقف الجذري، تابع هوبز في تبرير حق الزوجية، بأنه حق سلطة الرجال على زوجاتهم وتملكهم.

تقول بايتمان،[17] أن “مفهوم الأبوية عند هوبز إتخذ شكلًا جديدًا وتحديدًا شكلًا حديثًا، فهو تقليدي، تعاقدي، ينشأ من خلال حق الزوجية، أو بعبارة أدق، من خلال الحق الجنسي، إذ أن حق الرجال بالتواصل الجنسي مع النساء، في شكله المؤسسي الغالب في المجتمع الحديث، يُمارس بصفته حق الزوجية”. إن جون لوك وهو من أشد منتقدي السلطة الأبوية، رفض صراحة حق الأبوية كأساس للحق السياسي، ولم يكن لديه مشكلة بالتمسك بحق الزوجية للأزواج على الزوجات. إذًا، فقد أُعيد تعريف حق الزوجية كحق غير سياسي، وبهذا المعنى قد وُضِعَ جانبًا عند إعادة النظر في أساس السلطة السياسية.

تثير نظرية بايتمان الفرعية بين الجنسين في العقد الاجتماعي تساؤلات كبيرة للنسوية التي تآلفت مع أو إنتقدت الفكر السياسي الليبرالي. فقد كشفت بايتمان عن أن حالة العقد الإجتماعي كمفهوم حيادي بين الجنسين لفهم الأشكال الحديثة من السلطة السياسية هو مفهوم مخادع، وإعتبرت أن العقد كوسيلة لتبرير الحكم السياسي لا يتعلق فقط في شكله التاريخي الكلاسيكي، إنما يتعلق بالترتيبات التعاقدية المعاصرة أيضًا، كأجرة- العمل، والأمومة البديلة، والدعارة، والزواج.  إن ما يجمع بين كل هذه العقود ويدافع عنها هي فكرة الشخص الواحد وذلك بوصفهم ترتيبات بشرية صحيحة مبنية على المبادئ الليبرالية. لقد اقترحت بايتمان أن تجري علاقة تعاقدية من خلال وسيلة تضمن وضعًا حرًا للمرء، سواءَ كان في فعل ” التعاقد في” أو في ممارسة شروط العقد نفسه. وعلى نقيض ذلك، فإن شكل العقد الاجتماعي الحديث أعاد تأكيد العلاقة بين الذكر والأنثى كإحدى علاقات الهيمنة والتبعية. لقد ظهرت النساء في بعض الحالات بأنهن يمتلكن اجسادهن وأن لهن حرية التعاقد على بعض أنواع العقود كعقود الدعارة مثلاً، لكن في الواقع فإنهن يخضعن لأشكال السلطة التي تحافظ على العلاقة الأساسية بين الذكر والأنثى بصفتها علاقة السيد بالتابع، لذا، يبقى العقد حيلة لإخفاء النموذج الأصلي للتبعية.

 

النقد النسوي لليبرالية المعاصرة

اثار نقد بايتمان لنظرية العقد الاجتماعي الكلاسيكي بعض المشكلات، ومنها مشكلة تَنَاسُب التكامل الثنائي لنموذج “السيد والتابع لتحليل عدم المساواة بين الجنسين في المجتمعات الرأسمالية الحديثة”، كما كتبت نانسي فريزر.[18]  من جهتها، كتبت ويندي براون أن في عصرنا الحالي “قد تستمر الليبرالية وتبعية المرأة بشكل جيد دون عقد.[19] ترى فريزر وبراون، أنه يوجد قوى بنيوية كبرى لا تظهر على غرار شكل الفرد الواحد اي الرجل الذي يمارس الإرادة السلطوية على الآخر اي المرأة، لكن هذه القوى تدعم سلطة الرجال بقوة كطبقة جنسية. إن قدرة العقد على تبؤ القيادة قد يحجب عنا أشكال السلطة التي تضر بالنساء ولكن ليس التي تتبع نموذج السيد والتابع، كالزواج الحديث، على سبيل المثال، الذي يتناسب مع جوانب معينة من نقد بايتمان، حيث بعض السلطات القضائية، مثلًا، ما زالت لا تعترف بالاغتصاب الزوجي. لذا، إن التركيز على هذه المعوقات القانونية، قد يشوه فهمنا لكيفية عمل السلطة بين الجنسين. بالعودة إلى نقطة كنا قد حققنا بها سابقًا، قد يغيب عنا حقًا وجود قيود بنيوية وإجرائية مفروضة على النساء وقد وصفتها سوزان أوكين بأنها “حلقة ضعيفة بوضوح وغير متماثلة اجتماعيًا وتنتج بسبب الزواج.”[20]  لا بد من التذكير، أن هذه القيود تشمل التقسيم في العمل بين الجنسين ليس كجزء من أي عقد زواج فعلي ولكن بتقييد فرص تعليم وعمل النساء.[21]

إن غموض هذا العمل والاعتماد الفعلي عليه إفتراضيًا من أجل الموضوع الليبرالي الذكوري غير الملتزم، تُغطيه عملية الفصل الليبرالي في القطاعين العام والخاص. لم تكن الليبرالية هي الأولى وكذلك لم تكن الفلسفة السياسية هي الوحيدة لفصل القطاع الخاص عن القطاعات العامة.[22] “لم تكن الاختلافات بين القطاعين العام والخاص عرضية أو تماسية بل إن فروقات أساسية ما زالت تنظم المبادئ في المجتمعات الآمنة والمعروفة والأكثر بساطة.”[23] على الرغم من أن الليبراليين لا يتفقون على ضرورة وضع حد فاصل بين العام والخاص، إلا انهم يوافقون على تمييز أي نظرية يمكن أن تُسمى نظرية ليبرالية بحق.[24]

تَعتبر وجهة النظر النسوية أنه لا يمكن التقليل من شأن نتائج هذا التمييز، لانه يميل إلى إخفاء أشكال السلطة التي تُقيد بشكل كبير حرية النساء والمساواة. إن هذه الأشكال لا تشمل فقط التقسيم في العمل بين الجنسين ولكن أيضًا في أشكال العنف (على سبيل المثال، العنف المنزلي، الزوجي/ اغتصاب الشريك، وتاريخ الاغتصاب والمطاردة، الخ…) التي تقيد حرية النساء في تنقلاتهن وتَحُدْ من قدرتهن على المطالبة بحقوقهن السياسية بشكل رسمي. قد يحجب إنقسام القطاعين العام والخاص عمل الرعاية غير التوافقي، لجعل هذا العمل يظهر على انه عملاً طوعيًا.[25]  يقول براون في تعليقه على هذا الموضوع [26] “أن الرعية الليبرالية المستقلة قد تتطلب عددًا كبيرًا من الرعايا الذين لا يتمتعون بالإستقلالية، لكنهم يميلون إلى إقامة الروابط، والعلاقات، والتبعيات، والاتصالات التي تحافظ وتغذي حياة الإنسان.” إن مشكلة عدم الإستقلالية في الموافقة والاختيار التي تُميز حياة هؤلاء الرعايا ومعظمهن من الإناث، بالكاد تظهر في إطار الليبرالية في القطاعين العام والخاص. يتمتع الأفراد بحريتهم في الانتقال من عالم إلى آخر كما يشاؤون، لكن التمييز بين الليبرالي الخاص والعام يحجب القيود التي تبدو أنها إضافة سياسية، وهذا من شأنه أن يشمل الأسرة ايضًا. يسعى جون لوك في حجته التي تميز السلطة الأبوية عن السلطة السياسية الى تحرير الأبناء من حكم الآباء (الملوك)، ولكنها تتعامل مع حق الزوجية (حكم الأزواج على زوجاتهم) بوصفه حق غير سياسي تمامًا.[27]

تقول النسوية أن الإدراك الصحيح لطبيعة ومدى القيود المفروضة على النساء القائمات على العمل الخاص، بحاجة إلى تحقيق التفاهم ونشر الموافقة كمصطلح رئيسي في النظرية الليبرالية. كانت نانسي هيرشمان قد ناقشت في عملها حول موضوع الإلتزام السياسي مفهوم الموافقة كأساس للإلتزام السياسي الشرعي المبني على الأفكار الليبرالية الفردية المجردة من منظار ذكوري.” من المؤكد أن الفرد يستطيع القيام بكل إلتزامات مفهوم الموافقة التي تُجرد الناس من ظروفهم الاجتماعية و تتجاهل حقيقة العلاقات الاجتماعية التي تؤثر على جعل الإنسان قادرًا على أن يكون مستقلًا.[28] لا تتفق هيرشمان مع أوكين ضمنيًا فحسب حول نقطة الليبرالية العمياء فيما يتعلق بموضوع العمل الخفي للنساء اللواتي يشاركن في إنتاج كائن مستقل، بل إنها ترى أيضًا في هذه النقطة العمياء أعراض فهم ليبرالي مشوه لإرتباط الناس في مجتمع سياسي، لأنه من غير الممكن وصف هذه الإلتزامات الناشئة بشكل صحيح كمسألة خيار دون تشويه كبير في طبيعة علاقات البشر. إن المسألة الحقيقية ليست في إطالة العلاقات التعاقدية لتطال المجال الخاص، ولكنها في المقام الأول مسألة إعادة نظر في ما يعنيه أن يكون هناك إلتزامات للآخرين.

 

النقد النسوي لليبرالية “الرجل الذري”

يقع كتاب هيرشمان ضمن سلسلة طويلة من النقد النسوي لشخصية “الرجل الذري”، الذي يُمثل المثال الأعلى لليبرالية الذكورية للأفراد غير المتصلين وغير المرتبطين.[29] كتبت ليندا ماكلين من خلال الفقه النسوي تحديدًا، أن النُقاد الليبراليين ينظرون إلى الليبرالية الذكورية، على أن لديها “حقوق سامية رفيعة من خلال المسؤوليات، ولديها حقوق للفصل من خلال الاتصال، ولديها حقوق الفرد من خلال المجتمع.”[30] قالت ماكلين، أن بقدر ما يضع هؤلاء النقاد رؤية بديلة لما يعتبرونه مفهوم الليبرالية الذكورية ” للأفراد المنفصلين،   والذريين، والمتنافسين،” فإن هذا يتجه إلى أن يكون واضحًا من حيث “الاعتماد المتبادل، والاتصال، والمسؤولية، والرعاية.”[31] على الرغم من الضرر الواقع على النساء، فإن وجهة نظر هؤلاء النقاد تتخذ من قيام النساء بالعمل المنزلي الأساس لإعادة النظر في طبيعة العلاقات الإنسانية التي تبدأ مع الفرد كما هو الحال دائمًا وكجزء لا يتجزأ من المجتمع، وبالتالي رُفِضت نظرية العقد الإجتماعي الليبرالي لصالح النماذج الذي يؤكد على الرعاية وعلى الأمومة. علقت ماكلين من جهتها على أنه “يتم التعبير كثيرًا عن الهدف بإعتباره مُكمل أو بديل “لأخلاقيات العدالة”، المبنية على مفاهيم الحقوق والقواعد، مع “أخلاقيات الرعاية” المبنية على مفاهيم المسؤولية والعلاقات.”[32]

لقد رسخت مارثا ميناو في العمل النسوي ما أسمته “منعطف العلائقية” في مجموعة من الكتب، وقد نُشر معظمها في عام 1980، وسعت أن تجد للنساء بديل واضح لوسائل المعرفة كونهن موجودات في العالم الذي لا يَراهُنَ بطريقة ناقصة أو معيبة بالمقارنة مع الرجال. لقد وجدت كاتبات أخريات أمثال كارول جيليغان في صوت مختلف (1982)، وروبن ويست في الحب، والغضب ونظرية القانون (1989)، وسارة روديك في التفكير الأمومي (1989)، في تجربة النساء شعور عميق بالترابط مع الآخرين والحساسية الأخلاقية التي لم تنعكس “إنفصالاً، وموضوعية وكونية، وتجريدية ولكن بدلًا من ذلك إنعكست تعاطف وإرتباط وذاتية (او بين الذاتية)، وسياقية.”[33] على الرغم من أن المطالبات الكونية لتجربة النساء قد سقطت من الإعتبار في السنوات الأخيرة، إلا أن وجهة النظر الليبرالية لا تزال تلقى صدىً مع العديد من النسوية بإعتبارها خطاب يدور محوره حول الذكور ويقوم على مفهوم مجرد وعالي من أفراد قد أخرجوا من أي سياق اجتماعي.

يصف جون راولز “الحالة الأصيلة” في رائعته، نظرية العدالة (I971)، بأنها “حجاب الجهل” الذي يخفي عن الأفراد مكانتهم الخاصة في المجتمع، بما في ذلك سمات مثل الجنس الواحد، وقد وصفته النسوية بأنه تجسيد” لوجهة النظر الذرية للشخص المتناقض مع حقيقة الاتصال البشري.”[34] تقول أيريس ماريون يونغ، إحدى اكثر الأصوات النسوية الناقدة لحجاب الجهل عند راولز و”مثاله الأعلى للحيادية”، بأن المفكر المحايد “يهدف إلى تبني وجهة نظر خارج حالات عمل محددة، و” وجهة نظر متسامية من أي مكان” تحمل منظور، وصفات، وطابع، لموضوع أو لمجموعة مواضيع غير محددة. هذا المثل الأعلى للموضوع المتسامي الحيادي ينفي أو يقمع الفرق في ثلاثة طرق: (1)أنه “ينفي خصوصية الحالات،”(2) أنه” يسعى إلى السيطرة أو القضاء على عدم التجانس في شكل الشعور، “و(3) أنه يقلل من “تعدد الموضوعات الأخلاقية الى ذاتية واحدة.”[35] لذا، إن نقد راولز لمبدأ المنفعة الذي لم يأخذ في الاعتبار تعدد الموضوعات الأخلاقية، قد أدى به الى التأكيد على تعدد الأنفس في الحالة الأصيلة، وتقول يونغ، إن المنطق الذي خاض فيه ” هو مع ذلك منطق آحادي.”[36] بعبارة أخرى،” تفكر كل رعية طبقًا لمصالحها مع معرفتها التامة بأنه يوجد تعددية لآخرين يقومون بنفس الشيئ مع من يجب الإتفاق معه، و” لا يوجد” نقاش فيما بينهم.”[37]

كانت وجهة نظر ماكلين، بأن نقد يونغ كنقد نسوي مثلًا، قد إستند إلى “كاريكاتير” الفكر الليبرالي الذي ميز المُثُل العليا للحيادية باعتبارها السمة المميزة لليبرالية “الرجل الذري،” وأضافت، رغم أن هذا الكاريكاتير قد يكون له أساس في الواقع، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بالليبرالية الحديثة والحديثة المبكرة، إلا أنه ليس صورة دقيقة “للنصوص المعاصرة الليبرالية، التي كان أبرزها عمل كل من جون راولز ورونالد دوركين.”[38] وقد خلُصَتْ سوزان اوكين أن الرجل الذري هو جهاز الفردية المجرد الذي زعم نقد راولز النسوي وجوده، وبأن حجاب الجهل كما كتب راولز “يُجبر كل شخص في الحالة الأصيلة أن يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الآخرين.”[39] أضافت أوكين أيضًا بأنه بدلًا من” التفكير في حالة النكرة” يجب على المرء أن يحاول ” التفكير في حالة الجميع، أي بمعنى كلٌ بدوره.”[40]  تُعلق ماكلين على اوكين بأنها ” تدعي بأن الأشخاص لا يمكنهم ممارسة الحالة الأصيلة ما لم يكونوا مدفوعون بدافع الرعاية والتعاطف، والاهتمام بالآخرين. . . وهكذا قد تحدت أوكين التمييز بين أخلاقيات العدالة وأخلاقيات الرعاية وأشارت الى أن هذه الأخيرة موجودة حتمًا في الأشخاص الذين يصورهم راولز بأنهم ملتزمين بممارسة الحالة الأصيلة.”[41]

لقد إنتقدت أوكين وماكلين الليبرالية، ولكنهن كانتا متعاطفات للغاية أيضًا مع” مفاهيمها الأساسية لحقوق الإنسان، والإستقلالية الذاتية والمساواة والإنصاف والعدالة.”[42] إن هذه المفاهيم من وجهة نظرهن، ليست مقيدة بالضرورة بوجهة نظر الأفراد كوجهة نظر ذرية، وغير مرتبطة بالتزامات تجاه الآخرين، وغير خاضعة لمُساءلة الرقابة العامة – إنها مفاهيم مصيرية للحركة النسوية تمامًا. إن دفاع أوكين وماكلين عن نقد راولز للنسوية، لم يَرْقَ مطلقًا إلى تأييد غير مشروط لعمله في نظرية معينة أو في نظرية ليبرالية بشكل عام. عبرت أوكين وماكلين من خلال وجهة نظرهن عن ضرورة تناول ومعالجة المشاكل الحقيقية في المفاهيم الليبرالية للعلاقات الُأسَرية وللعلاقات بين الجنسين، ويوجد طبقًا لرأيهن موارد كثيرة للقيام بذلك ايضًا.

يأتي عمل راولز اللاحق في إطار صياغة إلتزام صريح بالمساواة بوصفها العلاقة الأساسية التي يدعم بها الرجال النساء. “إن الأفراد البالغين سواء من الُأسَر او الجمعيات الأخرى هم قبل كل شيء مواطنون متساوون: هذه هي حالتهم الأساسية. كتب راولز، في هذا الصدد أنه “لا يمكن لأية مؤسسة أو جمعية قد انضموا اليها أن تنتهك حقوقهم كمواطنين”.[43] يُضيف ايضًا، انه في الحالات الُأسَرية،” بما ان الزوجات يُعتبرن مواطنات على قدم المساواة مع أزواجهن، ويملكن كأزواجهن كل الحقوق الأساسية والحريات والفرص نفسها، وبما ان ذلك يتم بموازاة التطبيق الصحيح لمبادئ العدالة الأخرى، فإن هذا يكفي لضمان حقوقهن في المساواة وفي الإستقلالية.”[44] يُقِر راولز أيضًا أنه ” اذا كانت الأسرة تغرس عادات تفكير وطرق شعور وسلوك متنافي مع الديمقراطية. .. فإنه يجوز لمبادئ العدالة التدخل بوضوح لإصلاح الأسرة.”[45] كما يعترف ايضًا بأن مساهمة النساء غير المتكافئة مع الرجال في تربية الأطفال على نحو واسع تُمثل “فترة طويلة من الظلم التاريخي” الذي يحتاج إلى معالجة سياسية.[46] على الرغم من هذه المطالبات، يبدو أن راولز ما زال مرتبطًا بإدعائه السابق، في نظرية العدالة، حيث أن مبادئ العدالة “لا تُطبق في الحياة الداخلية للعديد من الجمعيات ضمن[ الهيكل الأساسي للمجتمع]، وبما فيهم الأسرة.”[47] بالتالي، لا بد من التسامح بتقسيم العمل داخل الأسرة طالما أنه عمل” طوعي تمامًا وليس ناتجًا عن أو يؤدي إلى الظلم”[48] وقد عبرت أوكين عن ذلك ، ” بأن ذلك قد يكون أكثر من امرًا مربكًا قليلًا.”[49]

كان راولز واعيًا ومتعاطفًا مع النقد النسوي، إلا أن معيار الطوعية الذي تمسك به، كان شأنه شأن معظم الليبراليين بأنه الإختبار الذي يُقَرَرْ بناءً عليه فيما اذا كان الظلم الذي يُمارس غير مناسب على الإطلاق لفهم مبدأ المحافظة على سلطة الرجال على النساء. من اجل هذا الغرض، صنف راولز الُأسَر ضمن جمعيات طوعية خاصة أخرى، واعطى الأسرة الحق في ترك هذه الجمعيات كما هو الحال بالنسبة لترك جامعة أو كنيسة.[50] لقد تخيل راولز سيناريو يتمثل بالقدرة على القول، مع يقين كامل على اقل او اكثر تقدير، أن أي تقسيم للعمل بين الجنسين في الأسرة، هو في الحقيقة تقسيم طوعي، وبالتالي هكذا تكون الأسرة الحقيقية.” تُعلق تريسي هيغنز،[51] على هذا الموضوع فتقول، “يبدو انه لم يخطر في بال راولز، أن التقسيم الطوعي للعمل بين الجنسين في الأسرة قد يُعَرِضْ حق المساواة للفتيات والنساء للخطر من خلال غرس صور نمطية بين الجنسين.”

أما من ناحية اوكين فقالت ” ولما لا؟” في معرض ردها على ادعاء راولز “بأننا قد لا نريد” ان تكون الُأسَر منظمة على اساس مبادئ العدالة التوزيعية.[52] إذا أخذنا على محمل الجد النقد الذي قام به جون ستيوارت ميل منذ فترة طويلة، بمعنى أن الُأسَر هي “مدارس الاستبداد”، يمكننا ملاحظة أن المفكرين المعنيين قد برعوا في المحفاظة على الديمقراطية الليبرالية، في مشاهدتهم لما يحدث خلف حجاب الخصوصية. لقد أعادت أوكين صياغة إهتمام ميل بالسؤال التالي: “كيف يمكن للمؤسسة الاجتماعية أن لا تكون نفس المؤسسة المبنية على العدالة الداخلية، كما يعترف راولز، حيث تبرز المعرفة الأولى المحدودة للعدالة للأولاد الصغار في سياق حبهم وثقتهم بأولئك الذين يهتمون بهم وحيث يتشكل أساس التطور الأخلاقي الذي لا يكون بذاته قائم على العدالة الداخلية؟”[53] بأي حال قد يكون القيام بذلك أمرًا طبيعيًا، من خلال توسيع نطاق المبادئ الليبرالية في خضم الجدل الدائر بين النسوية الليبراليات والنُقّاد. إن هذه المشكلة تُعنى ليس فقط بالتماسك الصلب لليبرالية للتمييز بين القطاعين العام والخاص، وإنما بتطبيقها لمبدأ الحياد بين الجنسين أيضًا الذي قد لا يكون محايدًا على الإطلاق.

 

مساوٍ لمن؟

كان مبدأ المساواة الذي عبر ودافع عنه الليبراليين في الوقت عينه مثيرًا ومربكًا للنسوية. من جهة اولى، شكل مبدأ المساواة العارضة للعديد من الصراعات النسوية الهامة من القرن الثامن عشر والتاسع عشر، والعشرين، بما في ذلك حق الإنتخاب، وقانون الملكية، والأجور. لقد قدم القبول المتزايد للمبادئ الديمقراطية الليبرالية في المجتمعات الصناعية المتقدمة لغة مشتركة، حيث اصبح بالإمكان سماع أصوات النساء السياسية للحصول على مشاركة متساوية في الحكم، وقد وجدت صداها أيضًا مع مفردات أوسع للمساواة كجزء من المنطق السليم الديمقراطي الليبرالي، بدلًا من وصم مطالبات النساء بأنها “مجرد مطلب ذاتي” اي بمعنى (” الشكوى النسائية”).

على الرغم من أن هذا التوسع في مبدأ المساواة للنساء وإن كان لمجرد التوسع فإنه يُعتبر أمرٌ مُلفِت، إلا ان هناك أسباب وجيهة تستتبع التوقف عند هذا الرأي. كانت بعض النسوية قد إنتقدن فكرة المساواة كمبدأ توسعي، وكان هذا الرأي يميل الى الإتجاه بالتوازي مع فكرة أن الحقوق المتساوية تتوسع بذاتها، وذلك بموجب منطق ضمني معين في الحقوق. لقد أغفل هذا الرأي العمل الشاق، الهش، المنوط إلى حد كبير بالسياسة النسوية، إذ لا يوجد ما يضمن أن مبدأ المساواة سوف يطال جماعات لم تُدرج في نطاق اختصاصه، ولا يوجد ضمانة أن ما لم يُدرج حاليًا فلا يمكن إدراجه ابدًا. لذا، شددت النسوية على حضورهن في الممارسات الفعلية للسياسة النسوية، بدلًا من افتراض أن مبادئ الليبرالية تملك منطقها وتوقيتها الخاص.[54]

من جهةٍ أخرى، أثارت النسوية قضيةً أخرى تتعلق بالمساواة، مفادها أن الحياد بين الجنسين الذي يُفترضْ أن يكون أساس وهدف المساواة، يبدو أنه مجرد حيلة للحفاظ على المثل العليا للمحورية الذكورية. وكما رأينا سابقا، فإن العديد من النسوية قد وجهن انتقادات شديدة للفرد الذري في قلب الليبرالية، “للفرد” الذي يُعتبر جنس حيادي بالإسم فقط. إن السعي إلى المساواة ما هو إلا السعي لتحقيق المساواة مع الرجال، وهذا يعني، السعي إلى أن تكون أكثر مثل الرجال. لقد تم التعريف بالنسبة للرجال على الأقل، ما يعني أن يكون المرء مواطنًا، عاملًا، مالكًا لعقار، أحد أعضاء هيئة محلفين، وهكذا دواليك. إن السؤال الذي يُطرح هنا، هل يمكننا حقًا إعتبار الشخصيات القانونية والسياسية كنوع جنس محايد دون غض النظر عن الحقائق البالغة الأهمية في عالم واحد حيث النوع او الجنس الواحد يُعتبر في الحقيقة أساسًا بالغ الأهمية للتمايز الاجتماعي؟

يسأل زيللاه آزينشتاين النسوية في كتابه جسد الأنثى والقانون (1988)، عن ما يحرك الجدل حول إذا كان ينبغي التأكيد على المساواة أو بدلًا من ذلك التأكيد على الفرق. يُعتبر هذا الخيار خيارًا مستحيلًا، لأن التاريخ قد عَرّفَ الحركات النسوية الثلاثة. في الواقع، لم يُجِبْ أو يُبَالِغَ أي نظام قانوني في تحديد القاعدة بأنها جسم الذكر والشخصية الذكورية. بالتالي، هذا يعني أن أي محاولة لمراعاة الاختلاف الجنسي سوف يتم تفسيرها على أن الُمُثل الذكورية تُعيد صياغة الأنوثة الحقيقية، وأن أي محاولة للمطالبة بالمساواة سوف تؤدي إلى ” معاملة النساء كما لو أنهن رجالًا. إن قانون حماية المساواة هو في الواقع من الجنس المذكر ولكنه يخفي طبيعة نوعه في إطار الحيادية الخفية.[55]  لقد جعل هذا الوضع الحركة النسوية في حالة دائمة من الخيار المستحيل: متساوٍ او مختلف. يقول آيزنشتاين، إن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق، هو” في تعددية معنى الاختلاف وإعادة اختراع فئة المساواة.”[56] يُضيف أيضًا، أنه بدلًا من اتخاذ معيار الذكر/ الانثى كعلامة فرق، يجب علينا الإقرار والإعتراف بالإختلافات بين النساء أنفسهن والرجال أنفسهم. “إن الخلاصة في رأي الإختلاف، أن الفروقات بين النساء قد صمتت بينما تميز الإختلاف بين الرجال والنساء، و كذلك قد إفتُرض التماثل بين النساء بينما رُفض التشابه بين الرجال والنساء.”[57] إن الجسم الحامل بالنسبة لآيزنشتاين هو وسيلة ليُحرِف جسم الرجل بينما هو في داخله لكنه مخفي أيضًا من قبل نظرية المساواة: “يذكرنا آيزنشتاين بالفرق المحتمل بين الإناث والذكور الذي جعل من التشابه معيار مساواة غير متناسب، و يذكرنا بشكل عام بالتنوع،”[58] وبأن الرجال لا يحملون وكذلك لا تحمل جميع النساء أيضًا.

إذا إستعرنا عبارة ميرل ثورنتون، بأن “المساواة بين الجنسين ليست كافية للحركة النسوية”، ذلك بسبب أن الحركة النسوية تعرف أن المساواة هي مبدأ يعامل بالمثل وبشكل مختلف وخلاف ذلك على حد سواء.” إن المساواة هي مفهوم يمكن تطبيقه على شيئين (أو أكثر) فقط في بعض المسائل المحددة، و يجب أن يكون سمة لكلا الشيئين فيما يجب أن يكون على قدم المساواة، إذ أن المساواة تعني التناسب،” يقول ثورنتون.[59] يقول آيزنشتاين من ناحيته، أن هناك طريقة أخرى ايضًا للقول، أن المساواة تؤدي إلى إدراج المرأة تحت مظلة معيار المركزية الذكورية.

لقد كتبت الباحثة القانونية النسوية كاثرين ماكينون، في سياق مماثل، وشرحت أن القانون يقدم وضع النساء والرجال من مكان حيادي، وفق ما اسمته “نقطة إنعدام الرؤية” للقانون.”[60] إن مبدأ المساواة القانونية ليس فقط غير كافٍ للنسوية ولكنه يغطي واقع السلطة بين الجنسين بفكرة الحيادية بين الجنسين، التي هي في الحقيقة مجرد تمويه لقانون المركزية الذكورية، أي القانون الذي يتخذ قاعدته من شخصية الذكر.” تُشكل نظرية المعرفة الموضوعية قانون القانون، وهي تضمن أن القانون يدعم التوزيعات الحالية للسلطة أكثر عندما ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمُثُلِه العليا الخاصة للعدالة.”[61] إذًا، بموجب نظرية الحماية المتساوية، على النساء أن يكُنَ اولاً مثل الرجال. لقد صرحت ماكينون بأنه “يُقال اجتماعيًا، يمكن معرفة المرأة من الرجل من إختلافاتهم، لكن من المعترف به أن التمييز ضد المرأة على أساس الجنس، يحصل فقط عندما تستطيع المرأة القول أنها أولًا نفس الشيئ كالرجل، عندها تصبح المساواة بين الجنسين تناقض في المصطلحات، وشيءٌ من الإرداف الخلفي.”[62]

علاوة على ذلك، تقول ماكينون، أن الفرق بين الجنسين هو في الحقيقة نوع من هيمنة سلطة الرجال على النساء، وقد تختفي هذه السلطة عندما يُطبق مبدأ المساواة، لأنه يُظهر أن وضع الرجال والنساء هو على قدم المساواة. بغض النظر عن الاختلافات البيولوجية الحقيقية (على سبيل المثال ان النساء فقط تحبلن)، يختلف وضع النساء فيما يتعلق بالآثار الاجتماعية للاختلافات الجسدية، خصوصًا من حيث الحصول على الثروة، والسلطة، والنفوذ وذلك بسبب قرون من التمييز. أضف إلى ذلك، أن التغاضي عن نوع الجنس، غالبًا ما يكون على حساب النساء وهذا ما تفعله قوانين الخُلع المعاصرة وحضانة الأطفال. إن تجاهل نوع الجنس، بمعنى تأثير التمييز الذي حصل في الماضي على النساء، سيجعل الرجال يظهرون ببساطة وكأنهم أفضل الأمهات: هم يكسبون الكثير من المال ويملكون أنواعًا كثيرة من الأسباب التي قد تأخذها المحاكم بعين الإعتبار عند اتخاذ قرار بشأن حضانة الأولاد.

بالنتيجة ، إذا كان القانون يعامل الرجال والنساء على قدم المساواة، وعلى النحو نفسه، فهذا لأن حقيقة وضع عدم المساواة للنساء غير مرئي. “لكن إذا طلبت النساء أن يعاملن كنساء، فهن يقدمن مبررًا لعدم المساواة في المعاملة بالاعتراف بأنهن مختلفات عن الرجال. كتبت دينيز شيفر، بأن ماكينون قد أوضحت سبب ظهور إنقسام الحركة النسوية المعاصرة على نفسها، وما يقال عن أن الحركة النسوية لا يمكنها أن تقرر ما إذا كانت المرأة تريد المساواة أو تريد معاملة خاصة.”[63] إن المشكلة مع الحيادية الليبرالية أنه لا يمكن معاملة النساء كنساء دون انتهاك مبدأهن الخاص، وحتى أن معاملة النساء بالمثل يترك الإختلافات الحقيقية الكبيرة مخفية في السلطة ووضعًا يسخر من مكانة المساواة بموجب القانون.

تقول المؤرخة القانونية النسوية يوت جيرهارد، “أن المساواة تبقى ضرورية كمعيار للعدل” و “التمتع بحقوق متساوية لا يفترض الاندماج في وضع الرجال ونمط حياتهم.”[64]  إن إفتراض أن مبدأ المساواة هو مركزية ذكورية يأخذ النساء في الاعتبار فقط في المدى الذي يُخفي وضعهن الخاص، هو إفتراض يقوم على سوء فهم لمعنى المساواة في الحقوق.

إن المساواة ليست مبدًأ مطلقًا ولا معيارًا ثابتًا، بل “مفهومًا علائقيًا”، يُعَبِر عن وجود علاقة بين كائنين،هما الناس أو الظروف ويُحدد الاحترام حيث يجب أن يُنظر إليهم على قدم المساواة. يجب السعي اولاً الى المساواة، وطلبها، وتأسيسها، ويُفترض أن الكائنات المقارنة تختلف عن بعضها البعض. خلاف ذلك، قد يُعتبر مبدأ المساواة مُنافٍ للعقل ولا ضرورة له. منطقيًا، قد ينطوي هذا على مساواة جزئية فقط ، وهذا يعني المساواة في جوانب معينة. إن  المساواة المطلقة قد تعني الهوية. إذا كان للمرء أن يُثبت هذا رياضيًا، قد تكون صيغة الهوية تعني  أ = أ ، في حين أن المساواة قد تعني  أ = ب.[65]

 

ترى جيرهارد أن مفهوم أرسطو للمساواة – تناولته كما هو على حد سواء، مع المسائل التي تختلف بإختلاف ما يتناسب مع المتغير الخاص – قد سبب إرتباك مفاهيمي ودفع بالعديد من النسوية للتأكيد على أنه يجب النظر اولاً الى النساء بإعتبارهن كالرجال من أجل أن يُعاملن على قدم المساواة مع الرجل . تقول غيرهارد، أن صياغة أرسطو، قد تركت الباب مفتوحا أمام مسألة ” من يقرر أو ما هي الخصائص أو الخصوصيات التي تقترح المقارنة أو المساواة في المعاملة وما هو المعيار الذي يحدد على أساسه فرق الصفات.”[66] لا يوجد قاعدة منطقية يمكن على أساسها تطبيق مبدأ المساواة. مقابل ذلك، “قد يتغير معيار المقارنة تمامًا ليكون جدليًا نتيجة تقييم وحكم قيمة.”[67]

تقترح جيرهارد لتقدير مدى تعقيد كل مطالبة بالمساواة، أن نركز ليس على الكائنات الاجتماعية المقارنة [على سبيل المثال، أ و ب، رجال ونساء)، كما لو أنهم وحدهم يحددون معيار المقارنة، بل يجب التركيزعلى الموضوعات الاجتماعية حيث يكون الحكم للمقارنة وللسياق التاريخي. إذًا، بتحويل انتباهنا إلى السياق والى الوضع الخاص لاؤلئك الذين يقومون بالمقارنة، تُذكِر جيرهارد النسوية بأن معيار البت بطلبات المساواة لا يوجد اساسًا في الكائن ذاته، ولا يمكن العثور عليه عن طريق عملية منطقية، بل إن كل مطالبة بالمساواة تتطلب رعايا لصنع الأحكام السياسية التي قد تكون مبنية على سابقة ولكن مع ذلك غير معروفة مسبقًا من قبل اي رعية. مثل هذا الحكم قد لا يروق للمعيار المتأصل في المقارنة بين كائنين. “إنه يعتمد على السياق وعلى المنظور القائم على أن أولئك الذين يقومون بالمقارنة لا يجب عليهم بأي حال من الأحوال ان يتجهوا فقط الى موضوع واحد من المواضيع لمقارنته، لأن ذلك يتطلب طرف ثالث.”[68] تقول جيرهارد في كتاباتها أن ما اسماه المحامون “مبدأ المقارنة الثلثية”، “يُخبرنا أنه لا يمكن إيجاد معيار المقارنة في أحد او كلا الجانبين لأنه يتطلب طرف ثالث، أي وجهة نظر محايدة. بالتالي، هذا يعني أن المساواة في الحقوق للنساء لا يمكنها أن تتخذ من الرجال خطها التوجيهي؛ ولا يمكن أن يعني ذلك “بلوغها مكانة الرجل”.”[69]

 

مشكلة المساواة بين الجنسين

التمثيل السياسي 

إن مقاربة مشكلة المساواة القانونية والحيادية بين الجنسين المذكورة أعلاه قد تكون ممكنة من زاوية ذات صلة، أي من زاوية التمثيل والمشاركة السياسية. لقد أكد الفكر السياسي الليبرالي بشكل عام، على أهمية التنوع والاختلاف، حتى أنه دافع عن مبدأ المساواة في ظل القانون، وقد فُهم التنوع بالنسبة للجزء الأكبر من الليبراليين، من حيث تعددية القيم، أي بمعنى تنوع الأفكار. لاحظت آن فيليبس، “أن التنوع الذي يقصده معظم الليبراليين هو تنوع المعتقدات والآراء، والأفضليات، والأهداف، التي قد تنبع من تنوع الخبرات، لكنهم يعتبرونهم مبدًأ منفصلًا عنه أيضًا.”[70] إن فَهْم هذا التنوع له نتائج مهمة على كيفية فهم الليبرالية للتمثيل السياسي، وتقول فيليبس في هذا المجال، “عندما يؤخذ الاختلاف بعين الإعتبار من حيث التنوع الفكري، فإنه لا يهم كثيرا من يمثل مجموعة الأفكار.”[71] لذا نتيجة لذلك،” قد يُخيل أن الرجال يتصدون للنساء عندما تكون المسألة مسالة تمثيل السياسات أو البرامج او المُثُل المتفق عليها. طرحت فيليبس هنا السؤال التالي: كيف يمكن للرجال ان يتصدوا للنساء في حين أن المسألة في حد ذاتها هي مسالة تمثيل النساء ؟ “[72]

لقد تمادى الليبراليون في إخضاع مسألة فيليبس حول “سياسة الوجود” الى” سياسة الأفكار” واتجهوا إلى الإعتقاد أن هذه الأفكار متصلة بفئات اجتماعية مختلفة. غالبًا ما كانت تؤخذ بعين الإعتبار مسألة العدالة وتمثيل مساواة المجموعة ضمن الإطار الكبير للحيادية الليبرالية، إذ كيف يمكن موازنة ما ناقشه جون راولز في، الليبرالية السياسية (1993)، بأن المطالبات غير قابلة للقياس ولكنها مطالبات عقلانية متساوية لمنافسة “المذاهب الشاملة” أو لمنافسة وجهات النظر العالمية.[73] طبقًا لرأي راولز، إن عدم قابلية القياس لا يؤدي بالمدافعين عن الليبرالية إلى اليأس، لذا قد يعمل تدبير سياسي على خلق “إجماع متداخل” حول المبادئ الأساسية للإنصاف والعدالة. لقد فهم راولز من خلال عملية تصور مشكلة تنوع المعتقدات أو النظريات، مسألة “التمثيل الصحيح” لوجهة نظر المواطنين الأحرار والمتساوين  بسياسة الأفكار، ولكن ليسوا متساوين من حيث سياسة الوجود: ” لم يعنِ راولز على الإطلاق أنه يجب ان يكون هناك مساواة تقريبية للتمثيل بين مختلف المجموعات التي تشكل المجتمع.”[74]

تُشكل المشاكل في المفاهيم الليبرالية للحيادية والتمثيل السياسي العادل في آن واحد من منظار النسوية ذات   المشاكل الموصوفة وخلافها من قبل المفكرين الليبراليين الذين حاولوا إعادة الإعتقاد الى الالتزام بالحرية الفردية من خلال الواقع الذي يعيشه الناس في الجماعات الثقافية. لقد ناقش ميل كيمليكا ( 1989) وجوزيف راز (1994) مثلين معروفين، عن عدم إمكانية وضع مفهوم للحرية الفردية خارج حقوق اختلاف المجموعة[75]، وعن أنه يُنظر بعبارة أخرى إلى العضوية في جماعة ثقافية، على أنها الشرط السياقي “للحرية الفردية والإزدهار.”[76] من جهة اولى، قد يقول نُقّاد النسوية الليبرالية أمرًا من هذا القبيل، بحجة أن الاختلاف الجنسي ووجود كائن متجسد كعضو من مجموعة تسمى النساء، هو نقطة انطلاق ضرورية للمطالبات بالإستقلالية الذاتية والحرية. من ناحية أخرى، تنظر النسوية ببالغ الأهمية إلى فكرة أن جميع النساء لديهن نفس أو حتى مصلحة مماثلة بصفتهن نساء. هل يمكن لهذه الخطوة أن لا ترقَ إلى المحاولة الكبيرة “لتقليص التعددية الى الوحدة” التي ميزتها يونغ باعتبارها جوهر الحيادية الليبرالية والمنطق المحايد؟[77] كتبت فيليبس في هذا الصدد تقول، إذا كنا لا نعتقد ” بأن جميع النساء لديهن مصالح متطابقة”، إذًا ” بأي معنى نحن ممثلات بعدلٍ اكثر عندما نرى أن ممثلينا هم أعلى درجة من أنفسنا؟”[78] بعبارة أخرى، مهما كانت المشاكل التي قد تترافق مع أفكار السياسة الليبرالية ، التي تميل الى معالجة الأفكار بصفتها مستقلة عن أولئك الذين يحملونها، ما هو المكسب في التحول إلى سياسة الوجود، التي تقوم على أن تنوع الناخبين لا يمكن الإعتماد عليه بشكل صحيح ما لم تكن الأفكار المتنوعة متمثلة عن طريق مجموعات متنوعة؟ هل يمكن للممثلين الذكور المنتخبين الذين يحملون أفكارًا نسوية أن يكونوا بديلاً عن وجود النساء وذلك بصفتهم ممثلين منتخبون؟

إن المشاكل التي تثيرها فكرة سياسة الوجود في بعض الجوانب الرئيسية تنبع من التفكير، مع الليبرالية بالطبع ، بأن السياسة هي في المقام الأول نشاطًا يهتم بالممارسة الشرعية لسلطة الدولة على الأفراد وفرض قيود على حريتهم. بالنسبة لليبراليين، يملك الأفراد الحق في التحرر من السياسة. وفي إعادة صياغة لنص هوبز، يمكن القول بأنني حرٌ تحديدًا حيث تسكت القوانين. والسؤال المطروح هنا، هل يوجد شيئ حقيقي في هذا الادعاء؟ الجواب هو أنه، لا يجب أن ننظر إلى أبعد من بروز الشمولية، التي “تُخضع جميع مجالات الحياة لمطالبات السياسة ولعدم اعترافها المتسق للحقوق المدنية” للإشتباه في أن “الحرية تبدأ حيث تنتهي السياسة”، كما كتبت حنة أرندت.[79] لقد تساءلت ارندت، حول مبدأ “سياسة اقل وحرية اكثر”، وقالت أليست عقيدة الليبرالية محقة بعد كل شيء؟  “أليس صحيحًا أنه كلما صغُر الحيز الذي تشغله السياسية، كلما اصبح المجال المتروك للحرية اوسع؟”[80]

وقد أضافت أيضًا، أن مفهوم الحرية يرى أن الحرية يجب ان تكون محمية من السياسة، ولكن ليس بصفتها النشاط السياسي نفسه، ويجب ان تقوم على فكرة السيادة أوعلى الإرادة الحرة. بالتالي، فإن الحرية من خلال مفهوم المحور- الإرادي ، تصبح “حرية الإختيار، التي تحكم وتقرر بين معطيين معينين.”[81] إن فكرة الحرية كإرادة حرة، هي فكرة وهمية وخطيرة على حد سواء، كما أكدت أرندت.

إن هذا التعريف السياسي للحرية مع السيادة هو ربما النتيجة الأكثر ضررًا وخطورة للمعادلة الفلسفية للحرية وللإرادة الحرة. قد تؤدي هذه النتيجة إما إلى الحرمان من حرية الإنسان – بمعنى انه اذا تحقق فإن البشر مهما كانوا، فإنهم لن يكونوا ابدأ مستقلين – او إذا فطنوا بأنه يمكن شراء حرية شخص، او جماعة، فقط بثمن الحرية، أي شراء سيادة، كل الآخرين. . .واذا رغبوا بأن يكونوا احرارًا، فإن ما يجب التخلي عنه تحديدًا هو السيادة بالضبط .[82]

إذًا، من خلال نقد أرندت، فإن الحرية بصفتها كسيادة تُعتبر السمة للطابع غير السياسي والمميز لليبرالية. إن غاية السياسة هنا هو حماية المصالح والحقوق الفردية، فحيث توجد الحرية الفردية لا يوجد مكان للسياسة. إن تعريف الحرية مع الإرادة الحرة يخلط ويدمج فعل “الإرادة” مع فعل “القدرة”، مما يعني أنه لا يُعتَرَف بأن المرء يحتاج ان يكون قادرًا لفعل ما يُريد، وأن هذه القدرة تتوقف على وجود الآخرين. إن القيام بفعل “القدرة”، في حد ذاته يُعتبر عملية مؤهلة للقيام بالعمل والربط مع الآخرين، وليس مجرد رغبة وتعاطي المرء مع نفسه.

نعود إلى السؤال حول سياسة الوجود، من خلال فهم أرندت للحرية غير المطلقة كعمل سياسي يؤخذ في الإعتبار، بمعنى، هل يكفي أن تكون النساء أعضاء منتخبات في الحكومة، أو أن تمثيل الرجال لمصالح النساء وتعاطفهم مع تلك المصالح يفي بالغرض؟ إن التركيز على المصالح، التي وردت في الفكر السياسي الليبرالي كمعطى مسبق ومرتبط بالجماعات، يؤدي بالضرورة إلى قلق يُفهم منه بأن الأفراد قد لا يكونوا ممثلين من قبل الجماعات التي تدعي التحدث باسمهم. ومن المقلق أيضًا، أن النساء في المكان الذي يُمثلن فيه  النساء، يُعتبر تأكيد لسياسة الوجود كما كتبت فيليبس على”أن أؤلئك الممثلات يتابعن باهتمام مجموعة مصالح متجانسة أو ثابتة”.[83] يمكن الإشارة هنا الى أن المصالح وتمثيلها أو سوء تمثيلها ليست هي المحور، بل المحور هو النساء ومشاركتهن السياسية في المؤسسات الديمقراطية الليبرالية. كتبت فيليبس تقول “أن سياسة الوجود لا تعني سجن الناس في هويات مممنوحة مسبقًا ومختزلة في جوهرها”، “بل الهدف، هو تمكين المستبعدين حاليًا من السياسة على الانخراط اكثر وبشكل مباشر في النقاش السياسي والقرار السياسي.”[84]

 

الليبرالية و”خيار الحركة النسوية”

يعترف الليبراليون بأهمية المشاركة السياسية، وبالحق في أن تكون مشاركًا في الحكومة، لكن هذا الإعتراف بعيد كل البعد عن جوهر الفكر السياسي الليبرالي. في المقابل، إن حقك هو أن لا تكون محكومًا من قبل سلطة تعسفية، وحقك في أن يحكمك ممثلين تختارهم بنفسك، وتكون مهمة هؤلاء الممثلين ضمان حماية الدولة لحقوق الأفراد. بطبيعة الحال، هذه الأفكار المألوفة هي جوهرية بالنسبة للمخصصات النسوية اليبرالية، فقد كانت الحركة النسوية معنية دائمًا بتأمين وحماية حقوق النساء. إن السؤال المطروح، هو فيما إذا كان ينبغي أن تكون الفكرة الليبرالية للأختيار الحر للافراد ضمن فئة وصفية أو ضمن قاعدة. على الرغم من أن النسوية، بما في ذلك اللواتي قد إنتقدن الليبرالية بشدة، وتَبَنيْن الفكرة المعيارية لقدرة النساء على اختيار مسار حياة لأنفسهن للانخراط في الأنشطة على أساس طوعي، وهلم جرا، فقد رأينا أن معظمهن إنتقدن بشدة، وسائل الفكرة المهمة للإختيار في النظرية الليبرالية حيث أنها تُخفي علاقات القوة.

إنتقدت النسوية الليبرالية مثل أوكين وماكلين بشدة فكرة الاختيار. لقد رأينا في مناقشة راولز، أن فكرة الطوعية تخفي علاقات القوة التي تحفظ التقسيم في العمل بين الجنسين، ومع ذلك، إتجهت النسوية الليبرالية إلى ملاحظة أن إزالة العقبات التي تعترض التنمية الذاتية للنساء ترتبط حصرًا باللغة التي يختارونها. لقد سلمن جدلًا، أن ما يدعم النساء هو ليس ما ترغب به النساء انفسهن ولكن ما قد وضعه الرجال في طريق النساء كلما سعين إلى التحرر من قيود الأسرة التقليدية. بالتالي تركز النسوية الليبرالية على الواقع المادي للأجور المنخفضة، وخيارات رعاية الأطفال غيرالكافية، والفصل بين الجنسين لليد العاملة، إلخ… على ان هذه هي العقبات التي تقف في طريق النساء اللواتي اخترن حياة الحرية وهن محقات بوضوح للقيام بذلك في كثير من النواحي، إذ ان هذه العقبات تُشكل عقبات حقيقية.

ولكن ماذا لو ان الأثر الخطير الحقيقي لسلطة الذكور تحوَلَ لأن يكون تلك الصور النمطية النسائية “المتضررة بعمق بحيث أصبحن حقيقة تجريبية”، كما كتبت ماكينون.[85] لقد وقع الفكر الليبرالي في هذه النقطة إذا جاز التعبير، إذ قد يحصل أن تختار المرأة بشكل كبير البقاء في المنزل وإنشاء أسرة، وأن لا تمارس مهنتها، وأن لا تشارك في العملية السياسية، إلخ…..لأنه إذا لم يكن ضرورة للاختيار، فإنه يصبح من الصعب أن يجادل ضده. بسبب هذه الحجة، لم يدافع راولز عن تدخل الدولة في الأسرة إذا إختارت النساء كما قال ان يكن امهات والبقاء في المنزل . كلما زادت الصور النمطية الواقعية التجريبية للأنوثة الحقيقية، كلما كان من الصعب القول أنه يمكن أو ينبغي تغييرها، إذ أن ممارسة الاختيار الفردي يُحدد هنا كامل نطاق الحرية.

تقول ماكينون، ان الليبراليين والنسوية الليبرالية، لا يمكنهم أن يروا الطبيعة الحقيقية لسلطة الذكور لأنهم يتمسكون بفكرة الاختيار. لقد كتبت ماكينون تقول “أنه في حين ترى الحركة النسوية الليبرالية أن التمييز على أساس الجنس يُعتبر في المقام الأول نوعًا من الوهم أو الخرافة ويجب تصحيحه، ترى الحركة النسوية الحقيقية أن وجهة نظر الذكور الأساسية لسلطة الذكر هي سلطة أساسية لخلق العالم على صورته الخاصة، وعلى صورة رغباته، وليس فقط بوصفها منتجه النهائي الوهمي.”[86] إذا سلمنا جدلًا، أن الأفراد هم الصّناع الأقوياء للمعنى الذي يواجه العقبات التي يجب ازالتها، فإننا قد نفشل في أن نرى حقيقةً طبيعة القيد الذي تضعه القوانين والأعراف والقواعد لمجتمع ذكوري يهيمن على النساء. كذلك، فإننا سوف نفشل في رؤية كيف أصبح العديد من النساء على الحالة التي أرادها لهن المجتمع الذكوري. بالتالي، فإن خياراتهن الأنثوية التقليدية سوف تُظهِرُهنَ كأنهن أحرارًا. تشرح نانسي هيرشمان في هذا السياق فتقول:

يأتي هذا البناء من السلوكيات الاجتماعية والقواعد ليُشكل ليس فقط ما يُسمح للنساء القيام به، بل ما يُسمح لهن أن يَكُن أيضًا: كيف يُسمح للنساء بالتفكير وتصور أنفسهن، ما يمكنهن وما تُرِدن، وما هي أفضلياتهن، ونظرياتهن المعرفية، ولغتهن…. لم تكن هذه القواعد ومعايير النظام الأبوي مجرد قيود خارجية على خلاف الرغبات الطبيعية للنساء؛ لكن بدلًا من ذلك، خلقوا سياق ثقافي كامل جعل النساء يظهرن في الواقع أنهن يخترن ما يقيدهن.[87]

كتبت ليندا هيرشمان، أن فكرة الحرية الفردية قد حُدِدتْ تمامًا من خلال ممارسة الاختيار وقد وجدت طريقها إلى التفكير النسوي المعاصر في الديمقراطيات الليبرالية المتقدمة، لذا فقد أطلقت عليها “خيار الحركة النسوية”.[88] إن محتوى الفكرة هو أن الحركة النسوية قد ازالت معظم العقبات التي كانت قد أبقت النساء في المؤخرة، وقد أصبحن الآن أحرارًا للإختيار. كتب مايكل فيرغسون في هذا السياق، أن خيار الحركة النسوية “يفهم الحرية على أنها القدرة على صنع الخيارات الفردية، ويفهم القمع على أنه عدم القدرة على الاختيار. بالنتيجة، ما دام يمكن للمرأة أن تقول أنها اختارت أمرًا (على سبيل المثال، البقاء في المنزل، وضع ماكياج، مخالفة رأي زوجها)، فإنه يمكن إعتباره من قبيل خيار النسوية ليكون تعبيرًا عن تحررهن.”[89] بما أن الإختيار هو المعيار الوحيد الذي يُحدد على أساسه إذا كانت المرأة حرة، فإنه “يجب أن نمتنع عن الحكم على مضمون الخيارات التي تقوم بها النساء، لأنه “لا يمكن لإمرأة أن” تختار القمع بنفسها.”[90]

في النهاية، تواجه النسوية العاملات ضمن الديمقراطيات الليبرالية السياسية، التحدي المتمثل في كيفية النظر الى أمرين في آن واحد وهما: اولًا، تماسك بُنية السلطة الذكورية التي لا تزال تحد من قدرة النساء على الاختيار الحر، وثانيًا، الطابع الوهمي للخيارات التي يتم إجراؤها في ظل هذه الظروف. لذا، تحتاج النسوية إلى التركيز على الآليات الخارجية التي تحدد معالم الخيارات التي تستطيع النساء القيام بها والآليات الداخلية التي تمنع النساء من اتخاذ الخيارات التي تقوض حريتهم. وهذه مهمة طويلة حقًا.

 

 

 

 


NOTES

[1]Mill, Principles of Political Economy, p. 952.

[2] Okin, Gender, Justice, and the Family, p. 9

[3] For example, see Brown, States of Injury; Di Stefano, Configurations of Masculinity; Pateman, The Sexual Contract; Phillips, Engendering Democracy; and Eisenstein, The Radical Future of liberal feminism.

[4] For example, see Okin, Gender, justice, and the Family; Nussbaum, Sex and Social justice; McClain,  ”’Atomistic Man’ Revisited” Shanley, Feminism, Marriage, and the Law in Victorian England; and Schaffer , “Feminism and Liberalism Reconsidered.”

[5] Okin, “Gender, Justice and Gender,” p. 1546.

[6] Wollstonecraft, A Vindication of the Rights of Woman, p. 3.

[7] On this point see Eisenstein, The Radical Future of Liberal Feminism; Landes, Women and the Public Sphere; and Gatens, The Oppressed State of my Sex “.

[8] Taylor, Mary Wollstonecraft and the Feminist Imagination.

[9] Maoine, “Revolutionary Rhetoric.”

[10] Ibid., p. 3.

[11] Mill, The Subjection of Women, p. 486.

[12] Mill, Principles of Political Economy, p. 354.

[13] 13lbid., p. 352. On Mill’s obsessive concern with the procreative habits of the poor and its influence on his feminist thought, see Linda M. G. Zerilli, Signifying Woman.

[14] Mill, Principles of Political Economy, pp. 368, 367.

[15] Elshtain, Public Man, Private Woman, p. 144. For a sympathetic reading of Mill on the gendered division of labor, see Shanley, “Marital Slavery and Friendship.”

[16] Pateman, The Disorder of Women, p. I8.

[17] Pateman, ’God Hath Ordained to Man a Helper’‘ p. 56.

[18] Fraser, “Beyond the Subject/ Master Model ” p. I74.

[19] Brown, States of Injury, p. 137.

[20] Fraser, “Beyond the Subject/Master Model,” p. I75.

[21] 21 For an excellent historical overview of the limitations associated with pursuing legal equality for women without taking proper account of extra-legal sources of women’s oppression, see Shanley, Feminism, Marriage, and the Law in Victorian England.

[22] For an account of how emerging seventeenth- and eighteenth-century liberal ideas about what counts as public, what private, influenced the access of women to public life, see Landes, Women and the Public Sphere

[23] Elshtain, Public Man, Private Woman, p. 6.

[24] Higgins, “Gender, Why Feminists Can’t (or Shouldn’t) Be Liberals,” p. 1630.

[25] Tronto, Moral Boundaries.

[26] Brown, States of Injury, p. 157.

[27] Elshtain, Public Man, Private Woman, p. 123.

[28] Hirschmann, Rethinking Obligation, p. 8.

[29] See, for example, Di Stefano, Configurations of Masculinity; Pateman, The Sexual Contract; Elshtain, Public Man, Private Woman; Eisenstein, The Female Body and the Law; Jaggar, Feminist Politics and Human Nature; and Hartsock, Money, Sex, and Power.

[30] McClain, ”’Atomistic Man’ Revisited, ” p. 1174. See Minow, Making All the Difference; Rhode, Justice and Gender; and West, ”Jurisprudence and Gender.”

[31]  31McClain, ”’Atomistic Man’ Revisited,” p. 1174.

[32] Ibid. Here the work of Carol Gilligan on women’s moral development and Sara Ruddick on mothering as a practice of care have been very influential. See Gilligan, In a Different Voice and Ruddick, Maternal Thinking.

[33] McClain, ’”Atomistic Man’ Revisited, ” p. 1183.

[34] Ibid., p. 1204.

[35] Young, Justice and the Politics of Difference, p. 100.

[36] Ibid., p. 101.

[37] Young, Justice and the Politics of Difference, 101.

[38] McClain, “Atomistic Man’ Revisited,” p. 1175.

[39] Rawls, A Theory of Justice, p. 148. Such feminist critics of Rawls include Hirschmann, The Subject of Liberty; Young, Justice and the Politics of Difference; and Benhabib, Situating the Self.

[40] Okin, Gender, Iustice, and the Family, p. 244.

[41] McClain, ”’Atomistic Man’ Revisited,” p. 1207.

[42] Ibid., p. 1176.

[43] Rawls, “The Idea of Public Reason Revisited,” p. 791.

[44] Ibid., p. 789; quoted in Okin, “Gender, Justice and Gender,” p. 1565.

[45] Rawls, ”The Idea of Public Reason Revisited, ” pp. 790-91.

 

[46] Ibid., p. 790; quoted in Okin, “Gender, Justice and Gender,” p. 156;.

[47] Rawls, A Theory of Justice, §z; quoted in Okin, “Gender, Justice and Gender,” p. 1563.

[48] Rawls, ”The Idea of Public Reason Revisited,” p. 792.; quoted in Okin, “Gender, Justice, and Gender,” p. 1565.

[49] Okin, “Gender, Justice and Gender, ” p. 1563.

[50] On this point see Okin, “Gender, Justice and Gender.”

[51] Higgins, “Gender, Why Feminists Can’t (or Shouldn’t) Be Liberals,” PP. 1639-40-

[52] Okin, ” Gender, Justice and Gender,” p. 1567.

[53] Ibid., pp. I566-67. Okin believes that the state can and should be proactive in reducing gender inequality. Measures such as state subsidized daycare, parental leave, and flextime are a few of the measures that would make it possible for women and men to share parenting and housekeeping responsibilities and thus for women to work outside the home. But Okin thinks the state should do more than compensate women for their disadvantage. It should also promote an ideal view of the family. In this way she puts forward a comprehensive liberal view of the good that is rejected by Rawls in Political Liberalism. She tells us that the state should “encourage and facilitate the equal sharing by men and women of paid and unpaid work, or productive and reproductive labor”(Okin, Gender, Justice, and the Family, p. 171). Although her end goal is to create genuine non-sexist options that women will freely choose, she does not see  choice as the ultimate arbiter in what the state ought to promote.

 

[54] See Zirelli , Feminism and the Abyss of Freedom

[55] Einstein ,The Female Body and the Law, p. 57.

[56] Ibid ., p. 3

[57] Ibid .

[58] Ibid., p.2

[59] Thornton , “Sex Equality is Not Enough for Feminism,” p. 77.

[60] MacKinnnon , “Feminism, Marxism, Method, and the State, p. 645.

[61] Ibid.

[62] MacKinnnon ,  Toward a Feminist Theory of the State, pp. 215-16.

[63] Schaeffer, “Feminism and Liberalism Reconsidered,” p. 701.

[64] Gerhard, Debating Women’s Equality, p. 9.

[65] Ibid., p. 7.

[66] Ibid., p. 8.

[67] Ibid.

[68] Ibid.

[69] Ibid., p. 9.

[70] Phillips, The Politics of Presence, p. 6.

[71] Ibid.

[72] Ibid.

[73] Rawls, Political Liberalism.

[74] Phillips, Politics of Presence, p. 19.

[75] For a critical response to the idea of group or cultural rights, see kukathas, “Are There Any Cultural Rights?” Kukathas argues that liberalism’s emphasis on individual rights gives members of groups all they need to defend members of minority cultures. Okin argues that arguments for cultural rights do not take adequate account of the sexist character of many minority cultures, which make it difficult if not impossible for women to flourish as individuals and which underestimate the great difficulty that women would have should they wish to exit. Okin, “Is Multiculturalism Bad for Women”.

[76] Raz, “Multiculturalism,” p. 72.

[77] Young, Justice and the Politics of Difference, p. 101.

[78] Phillips, The Politics of Presence, 24.

[79] Arendt, “What is Freedom”, p. I49.

[80] Ibid.

[81] Ibid., p. 151.

[82] Ibid., p. 165.

[83] Phillips, The Politics of Presence, p. 167.

[84] Ibid.

[85] MacKinnon, Toward a Feminist Theory of the State, p. 230.

[86] Quoted in Schaeffer, “Feminism and Liberalism Reconsidered,” p. 701.

[87] Hirschmann, The Subject of Liberty, p. 11.

[88] Hirschman, Get to Work.

[89] Ferguson, ” Choice Feminism and the Fear of Politics, ” p. 248.

[90] Ibid. Okin and McClain  would surely disagree with the basic tenet of choice feminism, namely the claim that the obstacles to women’s self- development have fallen in the face of feminist challenges, so women can now make real choices that express their freedom. But even as they would insist that there is much work left to be done to realize the aspirations of feminism, Okin and MaClain would also say that choice must remain a key – if not the key – criterion in our understanding of freedom.