مجلة حكمة
المحاولات الأولى لحل المشكلة السقراطية - موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: ناصر الحلواني

المحاولات الأولى لحل المشكلة السقراطية – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: ناصر الحلواني


مقدمة: هذا نص مترجم للد. ديبرا نيلس، حول المحاولات الأولى لحل المشكلة السقراطية، وهو ملحق لمقالة مطولة عن سقراط، منشورة على (موسوعة ستانفورد للفلسفة)، من ترجمة: ناصر الحلواني، ومراجعة: سيرين الحاج حسين. ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. نسخة PDF


     كانت الحلول المقترحة لحل المشكلة السقراطية، والتي كان بإمكانها تقديم تفسيرات معقولة لما في محاورات أفلاطون من تضاربات، في متناول اليد، منذ القرن الثامن عشر (Thesleff 2009). وُجدَت بقايا الحلول الأربعة، التي نعرِّف بها هنا، مع بعض التنويعات، في افتراضات الحلول المقترحة في القرن العشرين أيضا. وكما هو الأمر دوما، فإن مشكلات كل منها تظل قائمة بمثل ماكان الأمر قديما.

  1. سقراط الحقيقي؛ هو الشخص الذي توافقت صفاته عند اكسينوفانيس وزينوفون، مع صفاته عند أفلاطون.

قد لا يثمر هذا الرأي كثيرا؛ إذ أن التداخلات بين المصادر الثلاثة قليلة للغاية. لاحقا، وفي إطار الافتراض التاريخي نفسه، ظهرت بعض المحاولات المماثلة للعثور على سقراط الحقيقي، من خلال تحديد الآراء التي تُظهر تطورا لما كانت عليه آراء فترة ما قبل سقراط، مثل: آراء هيرقليطس، وبارمنيدس، والفيثاغوريين، واكسينوفان، وانكساجوراس.

  1. سقراط الحقيقي؛ هو من ذهب إلى أن الحكمة ليست سوى استخدام مهارته في نشدان الفهم، بذلك، فهو من تم تصويره في المحاورات التي لا تنتهي إلى نتيجة حاسمة (aporia أي: محيِّرة، وحرفيا: بدون موارد)، وتخلو من أية إشارة واضحة إلى كيفية الإجابة عن الأسئلة الأولية، أو حتى عما يجب أن تكون عليه المرحلة التالية في النقاش.

 بداية، يبدو ذلك مبشرا بأن سقراط الحقيقي قد تم وصفه في محاورات، مثل: خارميدس، ولاخيس، ولايزيس، وأوطيفرون. على أية حال، فمع مرور الزمن، تم تعيين مذاهب واضحة في جميع المحاورات التي بدت، في أول الأمر، مُحيِّرة aporetic، رغم أنها ذات نهايات مفتوحة. كذلك، كان من الإشكاليات، أن تم استبعاد محاورات بارزة، مثل: كريتون، والدفاع، التي بدت، على الأقل، بالنسبة لبعض الباحثين، مقبولة تاريخيا، بمقتضى ذلك المعيار. والأعجب من ذلك، أن محاورة ثياتيتوس، التي يُستشهد بها غالبا كدليل مرشد في محاورتي السياسي والسوفسطائي المتأخرتين، ذات نهاية مفتوحة، غير قاطعة.

  1. سقراط الحقيقي؛ هو من يظهر في محاورات أفلاطون المبكرة.

كانت الصعوبة هي إيجاد طريق غير ملتفة لتقرير أي المحاورات كُتبت أولا. الجزء الوثيق من المعلومات حول ترتيب محاورات أفلاطون، والذي يعود إلى العصور القديمة، هو أن محاورة الجمهورية كُتبت قبل محاورة القوانين، وأنها ليست معلومات مؤكدة بنحو كاف لتدعم تراتبا زمنيا تاما لتواريخ تأليف جميع المحاورات، خاصة مع افتراض أن كثيرا من المحاورات قد تم تأليفها قبل الجمهورية. كانت هناك محاولتان مهمتان لتقديم معيار ملائم تم اتباعهما. (المعيار الأول) القياس الإحصائي للأسلوب (قياس ملامح أسلوب الكتابة الواعي واللاواعي لأفلاطون) الذي ساهم في إيجاد المئات من المقالات التي تدعي أنها أظهرت أي المحاورات كانت أولا.

على اية حال، لم يتمكن أنصار القياس الإحصائي للأسلوب من تجاوز الدور في المشكلة: فكل ترتيب زمني مقترح، يعتمد على الافتراض الأول، أي: ما قبل الجمهورية، هو مثال لعدم إمكانية إيجاد تأكيد مستقل. الحقيقة، أن أول جهد مباشر (Ledger 1989)، صار ممكنا، فقط، بعدما ساهم الكمبيوتر في إمكان إجراء قياسات، وإيجاد روابط متبادلة لعدد هائل من الخصائص الأسلوبية، ومع ذلك، فإن النتائج لم تعزز توقعات الباحثين بخصوص ترتيب تأليف المحاورات. جهد آخر، إلتزم حرفيا بالاقتراح الذي مؤداه أن الصياغات التعبيرية، الدرامية، مثل: “قلت”، و”وافق”، يجب أن تفسح المجال للخطاب، الحواري، المباشر (وهو ماأشير إليه في ثياتيتوس 143b3). بمقتضى هذا المعيار، فكل محاورة تعتمد الخطاب المباشر، تعتبر لاحقة لمحاورة ثياتيتوس. على أية حال، فقد انهار هذا المعيار، بفضل الاستثناءات: فمحاورة لاخيس، مثلا، ستكون، بحسب هذا المعيار، بعد ثياتيتوس، بينما تعتبر، بحسب كافة المعايير الأخرى، من المحاورات المبكرة لأفلاطون. أما محاورة طيماوس التي تبدو من المحاورات المتأخرة، فسيُعاد تصنيفها باعتبارها من محاورات السابقة على ثياتيتوس. ولتزداد الأمور تعقيدا؛ فالعديد من المحاورات قد امتزج فيها الأسلوبين الدرامي والحواري. (المعيار الثاني) التطور الموضوعي، الذي يُفترض أنه سيثبت أن آراء أفلاطون قد تطورت عبر الزمن، في مسائل فلسفية معينة، وأنه بالإمكان ترتيب المحاورات بحسب زمن كتابتها، باعتبار أن الأقل تطورا هي السابقة في الكتابة.

تنشأ هنا مشكلتان عصيتان على الحل: (i) أن تعيين رأي بإعتباره الأكثر تطورا، يستند بشكل تام، إلى الآراء المفضلة لدى الباحثين الذين أجروا تلك التحقيقات. و (ii) حينما تتضمن المحاورات الطويلة أكثر من موضوع، يُقارن بينهما (على سبيل المثال: الجمهورية والمائدة) وغالبا ما يتبين أن أحد الموضوعات متطور للغاية، والآخر تمهيدي، بينما ينعكس الأمر في محاورة أخرى، فلا تعد هناك وسيلة واضحة لبيان أيهما قبل الآخر.

  1. سقراط الحقيقي؛ هو من ترك الاهتمام ما قبل السقراطي بالطبيعة، إلى الاهتمام بالأخلاق، وليس لديه نظرية عن مُثُل مفارِقة (يستند هذه الحل إلى أرسطو، الميتافيزيقا 987b1-6).

تنشأ الصعوبة هنا من أن المُثُل تبدو موجودة ضمنيا، حتى في المحاورات التي تعتبر، بحسب معايير أخرى، مبكرة (مثل: أوطيفرون، راجع: Allen 1971). بالإضافة إلى ذلك، فحينما يتم لاحقا تعريف مسألة أخلاقية معينة، فإن الصعوبات القديمة الخاصة بـ(المعيار الثاني) تعاود الظهور فيما يتعلق بالآراء التي تم اعتبارها آراء خاصة بسقراط. كان بعض الباحثين مترددا في الإقرار بأن سقراط كان يفكر في المُثُل وهو شاب، وحتى حينذاك، لم تكن المُثُل أمرا جديدا، وإنما خطوة ماهرة اتخذها أكثر من فيلسوف؛ للتغلب على معضلة بارمنيدس المتعلقة بالحركة والتغير (بارمنيدس 130b).


[1] Nails, Debra, “Socrates”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2017 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2017/entries/socrates/>.