مجلة حكمة
اللاسلطوية 101: حوار مع بوب بلاك / ترجمة: حاتم الشعبي

اللاسلطوية 101: حوار مع بوب بلاك / ترجمة: حاتم الشعبي


  • ما اللا سلطوية* ؟ و من اللا سلطويون ؟

اللا سلطوية هي أسلوب حياة أشبه بفكرة عن الطريقة المثلى للعيش , تقوم فكرة اللاسلطوية على أن الحكومة –الدولة غير ضرورية , و مؤذية , و المجتمع اللاسلطوي يقوم من غير حكومة. يؤمن اللاسلطويين بأن  اللاسلطوية هي الطريقة الأمثل للعيش تماماً كما كان أسلافُنا القدامى يعيشون في الماضي  البعيد قبل قيام الدولة السلطوية ، على عكس الذين يؤمنون بالحكومة – مثل الليبراليين ، المحافظين ، الاشتراكيين و الفاشيين – و يطلق عليهم ” الدولانيين “.

عندما تسمع ” مصطلح اللاسلطوية ” لأول مرة قد تعتقد أنها فكرة سلبية بشكل بحت, و تفكر بأنها فوضوية و عشوائية وهذا غير صحيح أبداً فبمجرد التعرف على اللاسلطوية ستعلم بأنها تحمل العديد من الأفكار بخصوص العيش في مجتمع بغير دولة فهم على عكس “الدولانيين ” لايقدمون أي مخطط تفصيلي للعمل مسبقاً.

 

  •  هل يوجد في التاريخ مثال على مجتمع لاسلطوي يعتبر ناجحاً ؟

نعم ، يوجد آلاف الأمثلة على نجاح الفكرة , إذ أن جميع البشر عاشوا في أول مليون من سنواتهم أو أكثر ، فى جماعات صيد و التقاط صغيرة العدد متساوية  في الحقوق , لقد عاش البشر أكثر من مليون سنة في بداية تاريخ البشرية في جماعات صيد صغيرة متساوية في الحقوق و الواجبات , بغير تراتبية أو سلطة مركزية , و استطاعت البقاء و البدء في خلق الحضارة البشرية الأولى رغم صعوبة و ضراوة تلك المرحلة , لابد أن المجتمعات اللاسلطوية  كانت ناجحة , و لكن عند بدء الدولة السلطوية قبل بضع ألوف من السنوات تم منع التجمعات اللاسلطوية و قمعها و تشتيتها  ومن تلك التجمعات التي تمّ فضّها في وقت ليس بعيد جداً تجمعات قبائل البوشمن* , البيجمي , وسكان أستراليا الأصليين.

 

  •  و لكن لا يمكننا أن نعود لمثل تلك الطريقة في الحياة في الوقت الحاضر أليس كذلك؟

تقريباً يتفق كل اللاسلطويين على هذا الأمر , ولكن تظلّ دراسة تلك المجتمعات أمراً ملهماً للغاية , و كثيراً ما تستلهم منه بعض الأفكار التي تقوم بعمل مجتمع طوعي تماماً , فرداني للغاية , ومع ذلك تعاوني لأبعد الحدود , لنأخذ أحد الأمثلة : كان لدى رجال القبائل طرق شديدة الفعالية لحل النزاعات ومن ضمنها الوساطة  و التحكيم غير الملزم , كانت طرقهم تعمل بشكل أكثر من نظامنا القانوني الدولي حالياً , لأن عائلة و أصدقاء  وجيران المتنازعين تشجعهم على التوافق على حل معقول للمشكلة مستعينة بالمتعاطفين الجديرين بالثقة من جانب الطرفين , في السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي حاول خبراء أكاديميون زرْع بعضاً من تلك الأساليب في النظام القانوني الأمريكي و لكن بطبيعة الحال ذبُل الزرع و يبس , لأنه لا يحيى إلا في بيئة حرة ” مجتمع حر “.

 

  •  ألا تظن بأن اللا سلطويين سذّج ! كيف لهم الاعتقاد بأن الطبيعة البشرية طيّبة فى جوهرها ؟

على الرغم من أن اللاسلطويين غالباً ما يُوجهّون نداءات أخلاقية نحو الأفضل عند الناس – تماماً مثل دعوتهم للمصلحة الذاتية المستنيرة –  فاللاسلطوية ليست عقيدة للتضحية بالنفس ، هذا مع أنهم لطالما حاربوا و ماتوا من أجل ما يؤمنون به , يؤمن اللاسلطويون أن تنفيذ فكرتهم  الأساسية سوف يعني حياة أفضل للجميع . صحيحٌ أن اللاسلطويين يرفضون الأفكار المتعلقة بالفساد الفطري أو الخطيئة الأصلية , تلك أفكار دينية بحتة قد تجاوزتها أغلب المجتمعات,و اللاسلطويين لا يؤمنون بطيبة الطبيعة البشرية في جوهرها . هم يأخذون البشر كما هم , إن البشر ليسوا أي شيء بشكل جوهري , نحن من نعيش في ظل الرأسمالية وحليفتها الدولة , نحن لاشيء فقط أناس لم تتح لهم بعد فرصة أن يكونوا أي شيء قد يتمكنون من أن يكونوا عليه.

 

  • كيف تكون واثقاً  من عدم إفتراس البشر لبعضهم البعض بسبب عدم وجود دولة تكافح الجريمة ؟

أيّ نوع من القوة يجب أن تقف ضدها إذا لم تستطع الثقة في عدم افتراس البشر العاديين لبعضهم البعض, كيف يمكنك الوثوق في أن الدولة لا تفترسنا جميعاً؟ هل الأشخاص الذين احتكروا السلطة غير أنانيين هل هم “منزلين ” أو أسمى منزلة من الشعب المحكوم ؟ اِعلم أنه كلما زاد ارتيابك في جيرانك , كلما زادت أسبابك لأن تصبح لاسلطوياً ! . في ظل اللا سلطة , تُختزل القوة و تُتوزّع في جميع الأنحاء والأرجاء , الجميع يملك البعض , ولكن لا يوجد من يمتلك أكثر من اللازم ,أما  في ظلّ الدولة تتركز السلطة في يد الحكومة دون أن يملك الشعب أي شيء منها , أخبرني أي نوع من القوة تستوجب الوقوف ضدها في ذلك الوقت؟

 

  • و لكن – لنتحدث بواقعيّة – ماذا سيحدث إن لم تكن هناك شرطة ؟

مثلما قال اللاسلطويّ آلن ثورنتون :” الشرطة لاتقوم بأعمال الحماية و إنما الانتقام “.

اِنسَ فكرة باتمان الذي يقود سيارته ويتنقل في الأحياء لإيقاف الجرائم التي تحصل , كذلك دوريات الشرطة لاتمنع الجريمة , وكذلك لا تلقي القبض على المجرمين , عندما تمّ إيقاف دوريات الشرطة سريّاً و انتقائياً في أحياء مدينة كنساس , بقيَت معدلات الجريمة على حالها , و تُوازيها  دراسات أخرى تختص بعمل المباحث و مختبرات الجريمة و تؤكد أن ليس لها أي تأثير على معدلات الجريمة, ولكن عندما يجتمع الجيران على حماية بعضهم البعض وصرف أذى أي خطورة إجرامية , صدقني سيجرب المجرمين حيّاً آخر تحميه دوريات الشرطة , لأن المجرم يعرف بأن الخطر حينها سيكون نسبيّاً  دون أدنى شك .

 

  •  و لكن الدولة الحديثة مرتبطة بعمق في تنظيم الحياة اليومية , تقريباً كل نشاط لديه نوع من الارتباط مع الدولة ؟

هذا صحيح ، و لكن عندما تفكر فى الأمر ، ستجد أن الحياة اليومية – تقريبا جميعها – لاسلطوية . من النادر أن يقوم رجل الشرطة بإيقافنا إلا في حالة تدوينه مخالفة مرورية بحقنا   .

إن الترتيبات الطوعية و التفاهمات تسود فى كل مكان تقريبا , مثلما كتب اللا سلطوى رودلف  روكر : ” الحقيقة أنه حتى في ظل أسوأ أنواع الاستبداد ، تنتظم معظم علاقات الإنسان الشخصية مع زملاءه من خلال توافق حر  و تعاون  تضامني ، الأمر الذي بدونه ستكون الحياة الاجتماعية غير ممكنة على الإطلاق ” .

الحياة العائلية ، البيع و الشراء ، الصداقة ، العبادة ، الجنس ، وقت الفراغ .. جميعها أمور لا سلطوية بحتة . حتى في مكان العمل – الذي يعتبره  العديد من اللا سلطويين قهريا تماماً مثل الدولة – يتعاون المرؤوسون بشكل مستقل عن رئيسهم ، في سبيل الحد من العمل و انجازه .

يتحدث البعض أن اللا سلطوية لا تصلح و لكنها تقريباً ، الأمر الوحيد الذي يقوم بتنفيذ الفعل  .  و تتّكئ الدولة – بشكل غير مستقر – على قاعدة من  اللا سلطوية ، كذلك الأمر بالنسبة للاقتصاد .

 

  •  فلنفترض أنك على حق ، إن اللا سلطوية طريقة للحياة أفضل من تلك التي نمارسها الآن ، كيف يمكننا أن نتخلص من الدولة وهي القوية و  القامعة مثلما تقول ؟

لطالما فكّر اللا سلطويون في هذا السؤال ، و لا يملكون أي إجابة محددة . لقد قاتل الفاشيّون على الجبهة في إسبانيا العام 1936 ،  عندما حاول الجيش القفز على السلطة,  كان هناك ما يقارب المليون من اللا سلطويين ، في الوقت الذي أيّدوا فيه استيلاء العمال على المصانع و تشكيل الفلاحين لتعاونيّات على الأرض , و فعلوا الشيء نفسَه في أوكرانيا ما بين 1918 – 1920 ، حيث كان عليهم مجابهة كلاّ من القيصريين و الشيوعيين . لكن ليس على هذا النحو يمكننا إسقاط النظام في عالم القرن الحادي و العشرين .

فلتتأمل الثورات التي أطاحت بالشيوعية في شرق أوروبا . كان هنالك بعض العنف و الموت في بعض الدول أكثر من غيرها ، و لكن ما  أسقط السياسيين و البيروقراطيين و الجنرالات – نفس الأعداء الذين نواجههم – هو رفض معظم السكان التدخل في عملية  الحفاظ على استمرارية نظام فاسد . ماذا كان على الحكوميين في موسكو أو وارسو أن يفعلوه ؟ أن يُلقوا بالسلاح النووي على رؤوسهم ؟ أن  يُبيدوا العمال الذين يقتاتون من خلالهم ؟

لقد آمن معظمُ اللا سلطويين منذ أمد ، أن ما يسمونه الإضراب العام ( الرفض الجمعي للعمل ) يمكنه أن يلعب دوراً كبيراً في انهيار الدولة .

 

  •  إذا كنت ضد جميع الحكومات ، فأنت بالتأكيد ضد الديمقراطية ؟

إن كانت الديمقراطية تعني أن يتحكم الناس في حياتهم فإن جميع اللا سلطويين حينها سيكونون – مثلما أسماهم اللا سلطوي الأمريكي بنيامين تاكر – ” ديمقراطيين جيفرسونيين ثابتين ” . سيكونون وحدهم الديمقراطيين الحقيقيين . إن ما نراه في الواقع ليست ديمقراطية و فكرة أن ننتخب فئة من المجتمع – ما يحصل في أمريكا مثلاً-  ليس ديمقراطياً أبداً بل حفنة من السياسيين يتحكمون في حياتنا بتمرير  القوانين , و استخدام بيروقراطية و شرطة – غير منتخبة – لتنفيذها ، سواء أرادت الأغلبية ذلك أم لم ترد ذلك .

مثلما كتب الفيلسوف الفرنسي روسو مرة – و هو ليس لا سلطوياً : ” في الديمقراطية ، يكون الناس أحرار فقط في لحظة تصويتهم . باقي  الوقت هم عبيد الحكومة ” .

يقع السياسيون و البيروقراطيون في مناصبِهم تحت تأثير قُوى تمثلها الشركات التجارية الكبرى و جماعات المصالح الخاصة الأخرى في أغلب  الأحيان , الجميع يعلم هذا . البعض يستمر في الصمت لأنه يستفيد من أصحاب السلطة , البقية  يستمرون  في الصمت لأنهم يعلمون أن المعارضة لا  تُجدي نفعاً ، و ربما يتم تسميتهم متطرفين أو حتى ” لا سلطويين / فوضويين ! ” إن تحدثوا عن الأمر كما هو . بعض من ديمقراطية !! .

 

  •  حسناً ، إن لم تنتخب مسئولين لاتخاذ القرارات ، فمن سوف يفعل ؟ لا تخبرني أنه بإمكان كل شخص أن يفعل ما يروق له بشكل شخصي  دون اعتبار للآخرين ؟

لدى اللا سلطويين العديد من الأفكار بشأن كيفية اتخاذ القرارات في طور مجتمع طوعي و تعاوني  . و يؤمن معظمُ اللا سلطويين أن مثل هذا  المجتمع يجب أن يرتكز على تجمعات محلية ، صغيرة بما يكفي لأن يعرف أعضاؤها بعضهم البعض ، أو يتشاركون على الأقل في روابط  أسرية أو صداقات ، آراء ، أو اهتمامات .

و لأنه مجتمع محلي ، فالناس يشتركون أيضاً في معرفتهم الشائعة ببيئتهم , يعرفون أنه سيتعين عليهم العيش مع تبِعات قراراتهم ، على  العكس من السياسيين أو البيروقراطيين الذين يقررون لأشخاص آخرين .

يؤمن اللا سلطويون أن اتخاذ القرارات لابد أن يتم دائماً على أصغر مستوى ممكن , كل قرار يمكن أن يتخّذه الأفراد لأجل أنفسهم – بغير  تداخل مع قرارات أي شخص أخر من أجل نفسه – لابد أن يتم على هذا النحو , كل قرار يُتخّذ في مجموعات صغيرة ( مثل الأسرة ،  التجمعات الدينية ، أو زملاء العمل .. إلخ ) هو من جديد لهم ، طالما لا يتداخل مع الآخرين ستذهب القرارات التي تحمل تأثيراً أكثر اتساعاً بشكل ملحوظ -إن كانت تهم أحداً- إلى مجلسٍ عارض  للجماعة يقوم على المواجهة المباشرة , مثل هذا المجلس -مع ذلك- ليس هيئة للتشريع , لا أحد منتخب , يمكن لأي شخص أن يحضر , يتحدث الناس باسم أنفسهم و لكن بينما  يتحدثون بشأن مسائل محددة ، يدركون جيداً أن الفوز بالنسبة لهم ليس – كما كان بالنسبة لمدرب كرة القدم الأمريكية  فينس لومباردي – ليس ” الشيء الوحيد ” , إنهم يبتغون الفوز للجميع ، و يثمّنون صحبة جيرانهم , قد يحاولون في البداية التقليل من سوء الفهم و توضيح المسألة, هذا  كافٍ في الأغلب للتوصل لاتفاق ,و إن لم يكن سيعملون على القبول بحلٍ وسط . كثيرا جدا ما ينجزونه , و إن لم يكن يستطيع المجلس  إرجاء المسألة – اذا كان أمرا لا يستلزم قراراً فورياً- من أجل أن تتناقش بشأنها الجماعة بأكملها قبل الاجتماع الآخر , إن فشل هذا ،  ستتحرى الجماعة ما اذا كانت هناك طريقة لأن تنفصل الأغلبية مؤقتا عن الأقلية ، كلٌّ منفّذٌ لأولوياته .

لدى الأقلية خيارين  إن استمر الناس في خلافاتهم دون حل يُرضي الطرفين: يمكنها أن تساير الأغلبية هذه المرة ، لأن هارمونية الجماعة  أكثر أهمية من المسألة , و ربما يمكن للأغلبية أن تسترضى الأقلية بقرار بشأن أمر آخر . أما إذا فشل كل شيء ، و كانت المسألة شديدة الأهمية  بالنسبة للأقلية ، يمكنها أن تنفصل لتكوّن مجتمعاً مستقلاً ، تماماً مثلما فعلت مختلف الولايات الأمريكية ( كونيتيكت ، رود ايلاند ، فيرمونت  ، كنتاكى ، مين ، يوتاه ، فيرجينيا الغربية .. إلخ ) . إن كان انفصالهم ليس حجة ضد الدولانية و في ذات القوت ليس حجةً ضد اللا سلطة .

ولا يمكن اعتبار هذا الأمر فشلاً للاسلطة ، لأن الجماعة الجديدة ستعيد خلقها و أخيراً , اللاسلطة ليست نظاماً كاملاً ، إنها فقط أفضل من جميع الأنظمة الأخرى .

 

  •  لا يمكننا إشباع جميع احتياجاتنا من خلال مستوى محلى ..

ربما ليس جميعها ، و لكن هناك أدلة من علم الآثار لتجارة  كانت قائمةً على مسافات طويلة – على مدى مئات أو حتى آلاف الأميال – في أوربا اللا سلطوية  ما قبل التاريخ . و قد أدارت المجتمعات اللا سلطوية البدائية – التي قام باكتشافها الأنثروبولوجيون في القرن العشرين ، مثل البوشمن و ساكني جزر التروبرياند القبليين – كانت تجارتهم من نوع  “شراكة تجارية فردية “.

اللاسلطوية العملية لا تعتمد أبداً على اكتفاء ذاتي محلي كامل ، و لكن يلحّ العديد من اللاسلطويين المحدثين على أن التجمعات و المناطق لابد أن تكون مكتفية بذاتها قدر الإمكان ، كيلا تعتمد على دخلاء بعيدين و غير شخصيين من أجل الضروريات .

حتى في ظل التكنولوجيا الحديثة ، التي صُممت خصيصاً لتوسيع الأسواق التجارية من خلال تدمير الاكتفاء الذاتي ، حتى في ظل كل هذا مازال الاكتفاء الذاتي المحلي  ممكناً وهو  أكثر بكثير مما تريد لنا  الحكومات و الشركات أن نعرفه .

 

  •   أحد تعريفات اللاسلطة هو الفوضى . أليس هذا ما سوف تكونه اللا سلطة : فوضى ؟

بيير- جوزيف برودون وهو  أول شخص أطلق على نفسه لقب لا سلطوي قال في أحد كتاباته : ” الحرية هي أُم النظام ، و ليست ابنته “. النظام اللا سلطوي  أرفع شأناً من نظام الدولة القهري ، لأنه ليس نظاماً من قوانين جبرية ، و لكنه ببساطة كيفية إقرار تجمعات من البشر يعرف بعضها  بعضاً  حول سبل العيش معاً. إذن  يرتكز النظام اللا سلطوى على القبول المشترك و المنطق السليم .

 

  • متى تشكلت فلسفة اللاسلطوية ؟

يعتقد بعض اللا سلطويين أن هنالك أفكاراً لا سلطوية عبر عنها ديوجين الكلبي في اليونان القديمة ، وأيضاً لاوزي في الصين القديمة ، و صوفيون من العصر الوسيط و أيضاً أثناء القرن السابع عشر إبان الحرب الأهلية الانجليزية .

لكن اللا سلطوية الحديثة تبدأ مع وليام جودوين و كتابه ” العدالة السياسية ” المنشور في إنجلترا 1793 . أحياها ،  وفي فرنسا بدأت مع بيير – جوزيف  برودون في أربعينات القرن التاسع عشر بكتابه ” ما هي الملكية ؟ ”  وكان ملهماً لحركة لا سلطوية قامت في الوسط العمالي الفرنسي .  وأيضاً عرّف ماكس شتيرنر في ” الأنا و ما لها ” 1844 معنى الأنا المستنيرة ، التي هي قيمة لا سلطوية أساسية , و أيضاً توصل الأمريكي يوشيا وارن – بشكل مستقل في نفس  الوقت – لنفس الأفكار ، و أثر في حركة واسعة النطاق في ذلك الوقت لتأسيس مجتمعات يوتوبية , بعد ذلك  تطورت الأفكار اللا سلطوية لمسافة أبعد من خلال الروسيان : ميخائيل باكونين “الثوري العظيم ” ، و بيتر كروبوتكين “الدارس شديد الاحترام” .

و يأمل اللا سلطويون أن تستمر أفكارهم في التطور في ظل هذا العالم متغير .

 

  • هذه الأمور الثورية لها صدى مماثل كثيرا للشيوعية ، و لا أحد يريد ذلك ..

لقد ظل اللا سلطويون و الماركسيون أعداء منذ ستينات القرن التاسع عشر . و على الرغم من أنهم تعاونوا في بعض الأحيان ضد أعداء  مشتركين – مثل القيصريين أثناء الثورة الروسية أو الفاشيين الأسبان أثناء الحرب الأهلية الأسبانية – فإن الشيوعيين لطالما خانوا اللا سلطويين من كارل ماركس لجوزيف ستالين ، و الماركسيين يتهمون بعنفهم ضد اللا سلطويين .

يسمى بعض اللا سلطويين – أتباع كروبوتكين – أنفسهم ” شيوعيين ” ، و لكنهم يناقضون بشيوعيتهم الحرة الناشئة من أسفل ( لإدارة الموارد  الطوعية للأرض ، المرافق ، و العمل ، من خلال تجمعات محلية يعرف فيها الناس بعضهم البعض ) يناقضون ضد الشيوعية المفروضة بالقوة من خلال الدولة ( تأميم الأراضي و مرافق الإنتاج و إنكار كل حكم ذاتي محلى ، و تحويل العمال لموظفين للدولة ) . كيف يمكن  للنظامين أن يكونا أكثر اختلافا ً؟

رحب اللاسلطويون بسقوط الشيوعية الأوروبية وشاركوا فيها , و ساعد بعض اللاسلطويين الأجانب المنشقين من الكتلة الشرقية  لسنواتٍ طويلة – و هذا الأمر لم تفعله حتى الحكومة الأمريكية , و الآن فاللا سلطويين ناشطين في كل البلدان الشيوعية السابقة .

أضعف التداعي الشيوعي الثقة في كثير من اليسار الأمريكي ، و لكن ليس اللا سلطويين إذ أن العديد منهم لا يعتبرون أنفسهم  يساريين على أية حال .

وُجد اللاسلطويون في كل مكان  قبل الماركسيين ، و ها نحن مازلنا باقين بعدها  .

 

  •  ألا يؤيد اللا سلطويون العنف ؟ 

لا يقارب اللاسلطويون في العنف بعكس ” الديمقراطيين ، الجمهوريين ، الليبراليين و المحافظين ” الذين يظهرون بمظهر سلمي ، و لكنهم يستخدمون  الدولة في القيام بأعمالهم القذرة و العنيفة لحسابهم . و لكن العنف يظل عنفاً حتى ارتداء زي الوداعة أو التلويح بعلم السلام لا يغيّر من هذا العنف شيئاً . و الدولة عنيفة  بحد ذاتها , بغض النظر عن العنف الذي قام ضد  أسلافنا اللاسلطويين “جماعات الصيد و المزارعين القدامى ” ولولا ذلك العنف لما قامت الدول الآن . بعض  اللاسلطويين يؤيدون العنف لتغيير مرحلة معينة ، و لكن كل الدول تمارس العنف كل يوم  لضمان البقاء .

بعض اللاسلطويين ، وفق تراث تولستوى ، سلميين من حيث المبدأ , و يعتقد عددٌ قليل نسبياً منهم فى استمرار الاعتداء ضد الدولة لكن  يؤمن معظمهم بالدفاع عن النفس و يقبلون بدرجة من العنف أثناء موقف ثوري يستلزم ذلك  .

ليست المسألة حول مبدأ العنف مقابل اللا عنف و لكنها تتعلق بالفعل المباشر , يؤمن اللاسلطويون أنه لابد لجميع البشر أن يحددوا  أقدارهم ومصائرهم بأيديهم ،سواءً كان ذلك  فردياً أو جماعياً ، سواءً كان القيام بهذا قانونياً أو غير قانوني، و سواء تضمّن هذا الأمر عنفاً أو كان سلمياً .

 

  •  ما هي بالضبط البنية الاجتماعية للمجتمع اللا سلطوي ؟

لا يقدم اللاسلطويون في العادة مخططاً تفصيلياً، و لكنهم يطرحون بعض المبادئ الإرشادية , ويقولون أن المساعدات التبادلية – التعاون  عوضا عن المنافسة – هي أصحّ أسس للحياة الاجتماعية , إنهم فردانيين من جهة اعتقادهم أن المجتمع يوجد لمنفعة الفرد  و يجب أن يكون لا مركزياً ، بمعنى أن أسس المجتمع لابد أن تكون تجمعات محلية مباشرة , ثم تتفدْرَل تلك التجمعات فيما يتعلق بالمساعدات  التبادلية وذلك لتنسيق الأنشطة التي لا يمكن أن تقوم بها التجمعات المحلية منفردة .

تقلب اللامركزية اللاسلطوية الهرمية القائمة رأساً على عقب . ففي الوقت الحالي ، كلما ارتفع مستوى الحكم ، كلما زادت القوة التي يملكها ,  أما في ظل اللا سلطة ، فالمستويات الأعلى من الاتحادات ليست حاكمة على الإطلاق و لا تملك قوة قهرية ، و كلما ارتفعت كلما قلّت  المسؤولية المفوّضة لهم من قبل الأسفل , مع ذلك ، فاللا سلطويين يدركون خطر أنه ربما تصبح تلك الفيدراليات بيروقراطية و دولانية , نحن يوتويبون ، و لكن أيضاً واقعيين . علينا  أن نراقب تلك الفيدراليات عن كثب مثلما صاغ الأمر توماس جيفرسون : ” اليقظة الأبدية هي ثمن الحرية ” .

 

  •  ألديك أي كلماتٍ أخيرة ؟

كتب ونستون تشرشل ذات مرة قائلاً ” إن  الديمقراطية هي أسوأ نظام للحكم ، باستثناء ما يتعلق  بجميع الأنظمة الأخرى “, و كذلك اللا سلطوية برأيي هي أسوأ نظام للمجتمع ، باستثناء ما يتعلق بجميع الأنظمة الأخرى, إن كل الحضارات و مجتمعات  الدولة  انهارت و تعاقبت بواسطة مجتمعات لا سلطوية , و مجتمعات الدولة بطبيعتها غير مستقرة , و ستنهار حضارتنا أيضاً عاجلاً أم آجلاً لتحلّ مكانها نظم و سياسات أخرى ، ولهذا يفكر اللا سلطويون  في هذا الأمر منذ أكثر من 200 عام .

وها نحن ندعو الجميع  لاستكشاف أفكارنا ، و الانضمام لنا  إن هم آمنوا بمحاولتنا جعل العالم مكاناً أفضل .

 

 

المصدر

 


1 . اللاسلطوية : وجد المترجم أن الترجمة المثلى لمصطلح anarchism بالإنجليزية هي “اللاسلطوية” حيث اتخذ المترجمون الأوائل منحى آخر في ترجمة المصطلحة بـ”الفوضوية”، و هي ترجمة خاطئة جعلت المجتمع العربي يتوجس خيفةً من تلك الفلسفة طوال عقود .

2 . بوب بلاك Bob Black : ( ولد فى 1951 ) : لاسلطوي أمريكي ، كتب العديد من المؤلفات – كتباً و مقالات – فيما يتعلق بوضع اللاسلطوية و سبلها في عالمنا المعاصر بشكل عام ، و المجتمع  الأمريكي بشكل خاص ( من أهمها ” إلغاء العمل و مقالات أخرى ” و ” اللا سلطة بعد اليسارية”) . يميل لكلاً من المدرسة الفردية و ما بعد اليسارية في التراث اللا سلطوي.

3 . قبائل البوشمن : مجموعة عرقية بدائية ، تتوزع مابين بتسوانا و ناميبيا . يبلغ عددهم الآن حوالي 82 ألف , يُعتبرون من أقدم  المجموعات العرقية في أفريقيا على الإطلاق , أكثر ما يثير الاهتمام بالنسبة للبوشمن هو ممارساتهم الاجتماعية واضحة اللا سلطوية ، إذ أنهم  يتخذون قراراتهم بالإجماع و يفسحون مساحة واسعة للنساء في المشاركة بأدوار اجتماعية تخطّت فيها الهرمية الأبوية التقليدية , و يُتوّج الأمر  باقتصادهم ” المجاني ” القائم على تقديم السلع و الخدمات طوعاً بغير اتفاقات تبادلية ملزمة .