مجلة حكمة
الفلسفة العربية والإسلامية للغة والمنطق – موسوعة ستانفورد للفلسفة ترجمة عمرو بسيوني

الفلسفة العربية والإسلامية للغة والمنطق – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: عمرو بسيوني


حول الفلسفة العربية والإسلامية للغة والمنطق، والأرسطية الفارابية والرشدية، والمنطق في القرن الثاني عشر خلال حقبة الغزالي خاصة، إلى ترسيم المذاهب المنطقية؛ نص مترجمة للـد. طوني ستريت، والمنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. نسخة PDF


المنطق العربي هو تقليد فلسفي استمر منذ منتصف القرن الثامن وصولًا إلى اليوم. لسنواتٍ عديدة كانت الدراسات الغربية للمنطق العربي تميل إلى التركيز على الأجزاء المبكرة من تاريخه، بخاصة على السوابق اليونانية للمنطق العربي، وعلى كتابات الفلاسفة التأسيسيين: الفارابي (ت. 950م)، وابن سينا (ت. 1037م)، وابن رشد (ت. 1198م). ومع ذلك، ففي الآونة الأخيرة كانت هناك انعطافات ملحوظة خارج هذا النطاق من التركيز التقليدي، وأنا أبذل جهدًا خاصًّا في هذا المدخل للتنويه بإسهامات مناطقة ما بعد القرن الثاني عشر في الحلِّ الفلسفي للنقاط المتنازع عليها([3]).

يقدِّم القسمُ الأول من هذا المدخل بعضَ السياقات التاريخية لمجموعة واسعة من الأعمال المنطقية، ويقدم القسمُ الثاني عددًا من النصوص كعيِّنات للحجج الفلسفية التي تتضمنها. أما التقييم الفلسفي لهذه الحجج فهي مهمة جارية الآن في الأدبيات الثانوية، وأشير إلى بعض هذه التقييمات في الملاحظات. لكنَّ اهتمامي الأساس هو تقديم مجموعة من النصوص التي توضّح مسار الحجج التي تواصلت خلال الفترة التكوينية لذلك الفرع المعرفي.

إن المصطلح المفضَّل لديَّ للمادّة التي أغطيها هو “المنطق العربي”. يشير المصطلح الذي استخدمتُه إلى تقليد المنطق المتأصِّل في النصوص المترجمة من اليونانية إلى العربية في حركةٍ بدأت في القرن الثامن الميلادي. استقرَّت التقاليد تدريجيًّا على مجموعةٍ من المصطلحات الفنّية التي تترجِم وتناقِش المتن الأرسطي والشروح العتيقة المتأخرة المرتبطة به، كما توصلت إلى اتفاقٍ حول الإشكالات الرئيسة في ذلك المتن والتي تتطلب الحلَّ. مركِّزةً في البداية على هذه الإشكالات؛ تطورت في خطٍّ مستمرٍ من المناقشات، وتقدَّمت إلى الأمام بشكل أو بآخر إلى اليوم.

يمكن القول إنّ المنطقَ العربيَّ إسلاميٌّ من ناحيتين، كلاهما – في رأيي – له أهميةٌ محدودة. الأولى: أنه نتيجة للفتوحات الإسلامية من القرن السابع، فإن اللغة العربية كانت هي اللغة الأساسية للتعلم. وفيما وراء تحديد اللغة التي تُرجمت بها النصوص التأسيسية للحركة؛ فلم تلعب لغةُ الفاتحين أيَّ دورٍ مهمّ في تطوير الموضوع. ثانيًا: كان على تقليد المنطق العربي بعد القرن الثالث عشر أن يعثر على مكانٍ في التعليم المدرسي، ومن ثَمَّ كان عليه أن يتنافس مع مختلف الفروع المعرفية الإسلامية التي تعالج قواعدَ اللغة والبلاغة والفقه. وفي هذه العملية؛ تخلَّى المنطقُ العربي عن مزاعمه ليتعامل مع الخطاب الجدلي والخطابي والشعري. ولكن في الوقت الذي اعتُرف فيه بالمنطق في مناهج مؤسسات التعليم؛ كانت معظم الجوانب الرسمية لما أصبح يطلق عليه إلى الأبد “المنطق” قد تبلورت بالفعل.

إنَّ إجراءه باللغة العربية، بحسب فهمي؛ ليس ضروريًّا ولا كافيًا لاعتبار المنطق منطقًا عربيًّا. فقد جرى تبنِّي معضلات المنطق العربي وتسجيلها في مصطلحات فنية تؤدَّى أو تترجَم إلى لغات أخرى مثل الفارسية والتركية والعبرية والأردية. ولكي نحصل على مثال من الأمثلة العديدة الممكنة؛ فقد كان كتاب نصير الدين الطوسي: “أساس الاقتباس” الذي كُتِب بالفارسية؛ مناسبًا للترجمة العربية الدقيقة في القرن الخامس عشر، وذلك تحديدًا لأنه منطقٌ عربي مكتوبٌ بلغة أخرى. وعلى المنوال نفسِه؛ جرى تقديم تقاليد منطقية أخرى باللغة العربية، ولكنها ليست – بحسب استخدامي -: منطقًا عربيًّا. إن المنطق الحديث في التقليد الذي افتتحه فريجه Frege، والذي يُدرَّس في معظم الجامعات العربية الحديثة، وباللغة العربية غالبًا؛ ليس منطقًا عربيًّا. كذلك؛ إذا كان صحيحًا أنّ المارونيين في القرن الثامن عشر قد كتبوا مقالاتٍ منطقيةً باللغة العربية، تستند فحسب إلى المنطق الذي درسوه في روما؛ فإنهم قد كانوا يكتبون المنطق اللاتيني باللغة العربية، وليس منطقًا عربيًّا.

1. مخطط تاريخي

  1-1الترجمات المبكرة

  1-2 الأرسطية الفارابية

  1-3 الأرسطية الرشدية

  1-4 المنطق في القرن الثاني عشر

  1-4-1 الغزالي والمنطق

  1-4-2 ابن رشد ونهاية الأرسطية النصية

  1-4-3 تقليد ابن سينا في القرن الثاني عشر

  1-5 تقليد ابن سينا في المدرسة وما بعدها

  1-5-1 الرازي والخونجي

  1-5-2 الطوسي ومدرسة مراغة

  1-5-3 المنطق والمدرسة

  1-6 ترسيم التقاليد المنطقية

2. المذاهب المنطقية في ظل الخلاف

   2-1 مسألة موضوع المنطق

  2-1-1 الألفاظ والمعاني والمعقولات

  2-1-2 المعقولات الثانية

  2-1-3 التصورات والتصديقات

  2-2 محتويات الأطروحة في المنطق

   2-2-1 المنطق كعلم رسمي

   2-2-2 التصديق ونظرية السياق

   2-2-3 أورغانون بديل؟

   2-3 القضايا الموجهة وقياس الموجَّهات

   2-3-1 ابن سينا

    2-3-2 المناطقة ما بعد السينويين

    • الببلوغرافيا

  • موارد الإنترنت الأخرى


 

 

1- مخطط تاريخي

  • الترجمات المبكرة

لقد كان ظهور الخلافة العباسية (750- 1258م) علامةً على بدايات الاهتمام بالفلسفة من جانب النخبة الحاكمة. كان هذا إيذانًا بحركة الترجمة التي تَرَّجمت في المقام الأول المصطلحاتِ السريانيةَ للفلسفة إلى العربية، ولكنها تحوّلت بعد ذلك إلى نصوص أرسطو نفسها والشروح المكتوبة عليها في أواخر العصور القديمة([4]). أحد الأمثلة على الترجمة العربية التي أُنتِجت قبل الانعطاف الأرسطي هو ترجمة ابن المقفع (قبل 756م) لرسالة [أطروحة] منطقية، ربما وصلت إليه من السريانية عبر البهلوية([5]) (ربما من مدخل قديم إلى الفلسفة الكلاسيكية؛ انظر: Gutas 1993: 44 fn. 68). تتجه إشارات الرسالة نحو إيساغوجي، ثم تنعطف إلى المقولات([6])، والعبارة([7])، وأجزاء تمهيدية حول التحليلات الأولى([8]) حول القياس الحملي الاقتراني (دانش بروه 1978). وكما أشار بينس Pines منذ فترة طويلة؛ فإن هذه المادة تقابل المنطق القديم (logica vetus) للغرب اللاتيني (Pines 1996). يجب على المرء أن يضع في اعتباره أن هناك اختلافاتٍ مهمةً بين المنطق العربي في القرن الثامن والمنطق القديم للتقاليد اللاتينية. أولا: كانت هناك ترجمات سريانية لنصوص أرسطية منطقية أخرى متوفرة طيلة هذه الفترة (على سبيل المثال: التحليلات الثانية([9])، Elamrani-Jamal and Hugonnard-Roche 1989)، ومِن ثَمَّ فقد كان هناك علماء لديهم فكرة جيدة عمَّا ينبغي أن تعرضه النصوص اللاحقة في الأورغانون. وثانيًا: بعد فترة وجيزة من إنتاج ابن المقفع لرسالته؛ ترجم علماء آخرون أعمالًا أرسطية كاملة إلى اللغة العربية. نعلم، على سبيل المثال، أن الخليفة العباسي المهدي (حكم 775-785م) قد وجَّه بترجمة: الجدل([10])، والأغاليط [السفسطة]([11])، (Gutas 1993: 43).

كان المسيحيون السريان قد تبنَّوا تقليدًا للتدريس شمل إصدارًا مقتطفًا من الأورغانون السكندري (إيساغوغي فورفوريوس، يتبعه المقولات، والعبارة، والفصول السبعة الأولى من التحليلات الأولى). استمر هذا التقليد المدرسي دون انقطاع خلال الفتوحات العربية وفي ظل الخلافة الأموية (661- 750م). ومع ذلك، وخلال هذه الفترة؛ فقد أثار ذلك القليلَ من الاهتمام من جانب الفاتحين المسلمين.

استمرت حركة الترجمة في اكتساب الزخم خلال القرن التاسع، وبحلول العقد الثالث منه (830م) كانت دائرة من المترجمين تترابط بصورة فضفاضة حول أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (ت 870م). أنتج الكندي لمحة عامة عن الأورغانون بالكامل (مترجمة في Rescher 1963a)، وأنتج أعضاء حلقته: مختصرًا وشرحًا على المقولات، ومختصرًا للعبارة، ونسخة من الأغاليط [السفسطة]، وربما ترجمة مبكرة للخطابة([12])([13]).

في وقت لاحق، ربما في خمسينيات القرن التاسع (850م)؛ بدأ المترجمان السريانيان المسيحيان العظيمان حُنين بن إسحاق (ت 873م) وابنه إسحاق بن حنين (ت 910م)؛ في إنتاج ترجمات متكاملة للأعمال الكاملة من الأورغانون، بصفةٍ عامة عن طريق ترجمات سريانية، بعضها يعود إلى ما قبل الفتوحات العربية. أحدهما أو الآخر (ليس مؤكدًا في المصادر) ترجم: المقولات، وترجم إسحاق: العبارة، ويبدو أن حنين تعاون مع تيودروس، غير المعروف بصورة ما؛ في ترجمة التحليلات الأولى، ويبدو أن الأب والابن كان لهما يدٌ في إنتاج ترجمة سريانية جديدة للتحليلات الثانية، وقدَّم إسحاق ترجماتٍ منقحَّة للجدل والخطابة. وربما كان هناك شخص في هذه الدائرة قد ترجم الشِّعر([14]) إلى اللغة السريانية([15]).

وعلى الرغم من هذه الإنجازات؛ فإن دائرة حنين لم تكن أرسطية بشكل لا لبس فيه. كان حنين نفسُه مهتمًّا بجالينوس أكثر من أي شيء آخر، وما نعرفه عن أعظم عمل منطقي لجالينوس؛ نعرفه من خلال استشهادات حنين في قائمة أعماله المبجَّلة (Boudon 2000: 458 On Demonstration).

1-2 الأرسطية الفارابيّة

ومع ذلك، وبعد فترة وجيزة؛ هيمنت فلسفةُ بغداد من خلال مَنْ تسَمَّوا المشائين، الذين قدَّموا أنفسهم على أنهم إعادة تأسيسٍ لتعاليم أرسطو الحقيقية بعد فترةٍ من القطيعة. كان روَّاد هذه الحركة: السرياني المسيحي أبو بشر متّى بن يونس (ت 940م) وزميله الأصغر المسلم أبو نصر الفارابي (ت 950م). في أوائل القرن التاسع أضاف أبو بشر ترجماتٍ من السريانية للشعر، والتحليلات الثانية إلى الأورغانون العربي المتنامي. ساهم هو وزملاؤه أيضًا في تقليد الشرح على كل عنصر من عناصر الأورغانون.

يملأ أبو بشر كلَّ مكانٍ كُتب فيه تاريخ المنطق العربي باعتباره المدافع الخجول عن وجهة النظر التي ترى أنّ الناطقين بالعربية بحاجةٍ إلى تعلُّم المنطق اليوناني. ففي مناظرةٍ حول المزايا النسبية لقواعد اللغة وقواعد المنطق، عُقِدت لتسلية الوزير؛ يواجه [أبو بشر] منافسًا شابًّا ذكيًّا، السيرافيَّ، الذي يربكه بسلسلة من الدقائق النحوية. ولذلك يجيب أبو بشر:

هذا نحوٌ، والنحو لم أنظر فيه؛ لأنه لا حاجة بالمنطقيّ إليه، وبالنحويّ حاجة شديدة إلى المنطق؛ لأنّ المنطق يبحث عن المعنى، والنحو يبحث عن اللفظ، فإن مرَّ المنطقيّ باللفظ فبالعَرَض، وإن عثر النحويّ بالمعنى فبالعرَضَ، والمعنى أشرف من اللفظ، واللفظ أوضع من المعنى([16]).

ومهما يكن الحكمُ الموضوعي على رؤية أبي بشر لعلاقة المنطق باللغة؛ فقد خرج من عاصفة نقد السيرافي بصورة سيئة. تختلف التقييمات حول ما يجب أن نتعلمه من هذه المناقشة([17])، ولكنها تنفع على الأقل في إظهار أن البعض كانوا متشككين في جدوى المنطق الأرسطي. ذهب علماء مسلمون آخرون إلى أبعد من السيرافي، واعتبروا دراسة المنطق إثمًا، ويرجع ذلك بالأساس إلى ارتباطه بالميتافيزيقا. وكما قال أحد العلماء الإيمانيين([18]) بعد ذلك بسنوات عديدة: “مدخلُ الشرِّ شرٌّ أيضًا” (ابن الصلاح (ت 1245م)، نقلًا عن Goldziher 1981: 205–206).

كان الزميل الأصغر لأبي بِشر، الفارابي؛ هو المساهم البارز في المشروع الأرسطي، ولكن ليس كمترجم (انظر الآن: (Rudolph 2012. فحول مسألة العلاقة بين اللغة والمنطق يقدّم الفارابي وجهة نظرٍ أكثرَ دقة إلى حدٍّ ما من أبي بشر (انظر: 2. 1. 1 أدناه). كما زعم أنه لا غنى عن المنطق لتحليل أشكال الحجج المستخدمة في الفقه واللاهوت [الكلام]، وهو ادعاءٌ كان من المقرَّر أن يجري تناوله بعد قرن على يد أبي حامد الغزالي (ت 1111م)، وبذلك فقد مهَّد الطريقَ لإدخال المنطق في المدرسة (انظر: 1. 4. 1 أدناه). ولدعم ادعائه؛ كتب الفارابي: المختصر الصغير في المنطق على طريقة المتكلمين.

الذي شرح فيه حُجج اللاهوتيين وقياسات الفقهاء باعتبارها أقيسةً منطقية وفقًا لمذاهب القدماء([19]).

إلا أن إسهام الفارابي الرئيس في المشروع الأرسطي كان عبارة عن سلسلة من الشروح على كتب الأورغانون – الكثير منها ضاعت للأسف -، والتي تمثِّل أفضلَ إنجاز في دراسة المنطق الأرسطي باللغة العربية. يهدف عمله في هذه المجال إلى [تحقيق] أدنى حدٍّ من الانسجام، “مشروع صياغة مذهب واحد متناسق، من النظريات المتناقضة أحيانًا؛ الموجودة في أطروحات أرسطو العديدة”، وهذا ما يميّزه كمتشبّثٍ بالالتزام التأويلي الأساسي للعصور المتأخرة القديمة (انظر Wisnovsky 2003: 15, 266). جودة حُجج الفارابي واضحةٌ من شروحه الطويلة المتبقية على أرسطو([20]). وهو أول مفكّر مستقلّ بحق في المنطق العربي، وهي حقيقةٌ احتفى بها ابن سينا عبر اللقب الذي منحه إياه: المعلم الثاني (بعد أرسطو). وعندما وضع ابنُ سينا قياسَه الخاص؛ أشار إلى كلِّ نقطةٍ اختلف فيها مع الفارابي (Street 2001).

إن التقليد الذي ارتبط به الفارابي، وهو تقليد مرتكز على مشاكل تفسيرية في الأورغانون؛ قد وصل إلى إنجازه التتويجي – وهو ترجمة رائعة وواضحة للغاية للأورغانون([21])– في الوقت نفسِه الذي كان ابن سينا قد وضع فيه عمَلَه في الشرق. العمل الذي جعل الأورغانون غيرَ ذي صلة بالنسبة للغالبية العظمى من المنطقيين العرب اللاحقين.

هذه لحظةٌ فاصلة: استمرّ التقليد الفارابي في عمله على النصوص الأرسطية، على الرغم من أنه أكثر دفاعية وتفاعلية مع التحديات التي يطرحها ابن سينا. ببساطة تجاهل تقليدُ ابن سينا النصوصَ الأرسطية. تقلّص التقليد الفارابي بسرعة كبيرة، لدرجة أنه لدراسة المنطق الفارابي حتى في أواخر القرن الثاني عشر؛ كان من الضروري السفر إلى شمال إفريقيا([22]). كانت إسبانيا وشمال إفريقيا آخر معاقله، وكان أفضل فهمٍ لعمل ابن رشد (انظر: 1. 4. 2 أدناه) أنه شرحٌ على أرسطو، مُصَمَّمٌ بالتركيز والتوجّه لنقد ابن سينا.

1-3 الأرسطية السينوية

في الوقت نفسِه الذي كان فيه الفلاسفة في بغداد يضعون اللمسة الأخيرة لترجمة الأورغانون وتأثيثه بالحواشي الواسعة؛ بدأ ابن سينا (ت 1037م) حياتَه العلمية في الشرق، في خراسان. كان من شأن أسلوبه في الفلسفة أن يجعل النصوصَ الأرسطيةَ غيرَ ذات صلة بالتقاليد السائدة للمنطق العربي بعده. مقودًا بحَدْسِه([23])؛ قدَّم نفسَه باعتباره متعلِّمًا ذاتيًّا، قادرًا على تقييم وإصلاح التقليد الأرسطي. بعبارةٍ أخرى؛ أعطى مذهب ابن سينا في الحدْس له أرسطيةً غير مقيَّدة بالالتزامات التأويلية لـ”الحدِّ الأدنى من الانسجام”.

ففي منطق الموجَّهات، على سبيل المثال (الموضوع الخلافي بشكل كبير في التقليد العربي؛ انظر 2. 3 أدناه)؛ تخطَّى المشكلاتِ في الحساب الأرسطي عن طريق اعتبارها إما اختبارات لفطنة الطلاب، أو أخطاء من أرسطو في تطبيق المبادئ. هذا ما يقوله في القياس في الشفاء، المكتوب في منتصف حياته العلمية:

واعلم أنّ أكثر ما يشتمل عليه في التعليم الأول من أمرِ الاختلاطات امتحانات، وليست فتاوى حقيقية. وسيتضح لك حقيقة ذلك في مواضع. (ابن سينا، القياس (1964) 204. 10- 12).

في كتاباته المتأخرة؛ كان ابن سينا أقلَّ اهتمامًا بتفسير ما يعتبره تناقضًا في القياس الأرسطي، وكتب عن مشكلات التحليلات الأولى كمشكلات نشأت بسبب السهو؛ وكمثالٍ على نصٍّ كذلك: فهناك المسائل العشرون [المسائل الغريبة العشرينية]، والتي أعتقد أنها مكتوبة قبل الفترة المشرقية لابن سينا مباشرة (Street 2010: 100–103; انظر التحقيب التاريخي في Gutas 1988: 144). وهو يتألّف من إجاباتٍ على مسائلَ متعلِّقةٍ بالقياس، مُرسَلَة من رجالٍ متعلمين من شيراز (ومِن ثَمَّ يظهر كيف بدا أن نظام ابن سينا كان غريبًا لمعاصريه). لماذا، كما يقولون؛ أنتج ابن سينا نظامًا قياسيًّا يختلف اختلافًا جذريًّا عن نظام أرسطو؟ في نقاط متنوِّعة؛ نجد أن ابن سينا يقدّم أحكامَ أرسطو (حول [القياسات] المختلطة من القضايا الممكنة في المقدمات الصغرى) على أنها إخفاقٌ في تطبيق المبادئ العامة (ابن سينا، المسائل الغريبة: (1974) 94. 14، 94. 20، 94. 22، 95. 5، 95. 11).

لم يَضَعْ حدْسُ ابن سينا أجزاءً مهمة من منطق أرسطو جانبًا فحسب، بل اختلف أيضًا عن تفسير الفارابي لهذا المنطق. ولابن سينا، على كل حال؛ طرق أكثر ملاءمة باستمرار للتراجع عن اتباع الفارابي. فهو يشير إلى الفارابي باعتباره “العالم المتأخر المرموق، الذي نشعر بالاهتمام بتوجيه ملاحظاتنا تجاهه “، في الوقت الذي يبني فيه نظامه المختلف (انظر Street 2001).

وللوقوف على نظرةٍ عامة على منطق ابن سينا؛ توجد الآن ترجمةٌ إنجليزية لمنطق النجاة لابن سينا (انظر Avicenna 2011a). ولكن من بين جميع أعماله الكثيرة([24])؛ فإن الإشارات والتنبيهات لابن سينا كان الأكثر تأثيرًا على الأجيال اللاحقة من المنطقيين. لقد أصبح، كما صرَّح ابن تيمية؛ قرآن الفلاسفة (Michot 2000: 599). من هنا؛ قد نلاحظ بعض الاختلافات العريضة، ولكن النموذجية؛ من التحليلات الأولى في القياس. أولًا: القضايا المطلقة (تترجَم عادة إلى assertoric) لها شروط الصدق المحدّدة بحيث تكون موجَّهة وقتية (من خلال الحذف “لا دائمًا”، ومن ثَمَّ، وعلى سبيل المثال، فإن نقيض المطلقة ليس مطلقًا، والقضية الكلية السالبة المطلقة لا تنعكس، والشكل الثاني من القياس بمقدمات مطلقة؛ عقيم [لا يُنْتِج]. انظر أيضًا: 2. 3. 1 أدناه). وثانيًا: يبدأ ابن سينا في استكشاف الخصائص المنطقية لقضايا الصيغة: “كل (ج) (ب) حين (ج)”. وثالثًا: يقسِّم ابن سينا القياس إلى شكلٍ (اقتراني)، وشكل (استثنائي)، وهو تقسيمٌ يحلُّ محلَّ النموذج القديم إلى حملي، وشرطي (ابن سينا، الإشارات (1971) 309، 314، 374).

القياس على ما حقّقناه نحن على قسمين: اقتراني، واستثنائي. فالاقتراني هو الذي لا يُتَعَرَّضُ فيه للتصريح بأحد طرفي النقيض الذي فيه النتيجة، بل إنما يكون فيه بالقوة،…، وأما الاستثنائي فهو الذي يُتَعرض فيه [النتيجة أو أحد النقيضين]  للتصريح بذلك. (ابن سينا، الإشارات (1971) 374).

وكدليل تقريبي؛ فإننا قد ندعو المنطقيَّ “سينويًّا” إذا تبنّى هذه المذاهب. الإشارات لم تكن النص الوحيد المهم لابن سينا في المنطق العربي اللاحق. استخرج المنطقيون في مرحلة ما بعد ابن سينا الجزء الخاص من التحليلات الأولى من شفاء ابن سينا، حول القياس بمقدمات شرطية، القياس الذي قاموا بالتعديل عليه، ربما حتى أكثر مما عدّلوا في قياس الموجَّهات السينوي (انظر الخونجي 2010: القسم 10؛ وانظر أيضًاك مقدمة الرويهب، xlv–xlviii).

1-4 المنطق في القرن الثاني عشر

يعدُّ القرن الثاني عشر أحد أكثر فترات التحوُّل تعقيدًا في التاريخ الفكري الإسلامي. شهد القرن السابق ظهورَ “المدرسة” كمؤسسة تعليم رئيسة في العالم الإسلامي (Makdisi 1981: 27–32,  وبخاصة  31)، وعُيِّن أبو حامد الغزالي في أعلى هذه المؤسسات الجديدة قدرًا. تناول أحد أكثر المفكرين المسلمين الموقّرين عبر كل العصور؛ حُججَ الفارابي الداعمة لفائدة المنطق في اللاهوت [الكلام] والقانون [الفقه]، وبخاصة في آخر مؤلفاته القانونية، المستصفى في أصول الفقه، وهو النص الذي أصبح بعدها بوقت قريب: دعامة أساسية للمدرسة. كما شهد القرن الثاني عشر أيضًا إنتاجَ ابن رشد لما كان بالفعل آخرَ عملٍ في التقليد الفارابي للمنطق، وهو العمل الذي كان مقدَّرًا أن يُترجَم إلى العبرية واللاتينية، والذي كان، مع استثناءات طفيفة؛ مُهمَلًا من قِبل المنطقيين العرب. وأخيرًا، خلال القرن الثاني عشر؛ بدأ ظهور المنطق السينوي المعدَّل، الذي سيجري تبنِّيه بواسطة النصوص المنطقية للمدرسة.

1-4-1 الغزالي والمنطق

في فترةٍ سابقة، ولاسيما خلال القرنيْن العاشر والحادي عشر؛ بُذِل قدرٌ من الجهد في تحديد العلوم التي تشكّل البؤرة المناسِبة لدراسة العالِم، وكيف ترتبط هذه العلوم بعضها ببعض. قسَّم عالمٌ موسوعي من القرن الرابع عشر علومَ الحضارة إلى “صِنف طبيعي للإنسان يهتدي إليه بفكره، وصِنْفٍ نَقْلي يأخذه عمَّن وضعه” (ابن خلدون، المقدمة (1858) 2: 385). كان العلماء الأوائل قد أقاموا تمييزًا بين العلوم الأجنبية والعلوم الإسلامية. كانت الفلسفة هي العلم البارز في النوع الأول، وعلوم اللاهوت والفقه للنوع الثاني. وعلى الرغم من أن المنطق كان في الأصل جزءًا من الفلسفة، وبسبب هذا الارتباط فقد احتقره كثير من اللاهوتيين والفقهاء (المشار إليها أعلاه في 1. 2)؛ فقد حدث تغيُّرٌ في الموقف في القرن الثاني عشر:

اعلم أن هذا الفن قد اشتدَّ النكيرُ على انتحاله من متقدمي السلف والمتكلمين، وبالغوا في الطعن عليه والتحذير منه، وحظروا تعلمه وتعليمه. وجاء المتأخرون من بعدهم من لدن الغزالي (ت 1111م) والإمام ابن الخطيب (الفخر الرازي (ت 1210م))، فسامحوا في ذلك بعض الشيء. وأكبَّ الناس على انتحاله من يومئذ إلا قليلًا، يجنحون فيه إلى رأي المتقدمين، فينفرون عنه ويبالغون في إنكاره. (ابن خلدون، المقدمة (1858) 113، وراجع: ابن خلدون، 1967: 3: 143- 144).

كان للغزالي التأثير الأكبر في هذا الصدد (انظر Rudolph 2005). وسأتعامل مع مساهمة الرازي أدناه (انظر 1. 5. 1).

جادل الغزالي بأن المنطق، إذا فُهم بشكل صحيح؛ خالٍ من الافتراضات الميتافيزيقية الضارة بالإيمان. وهذا يعني أن المنطق يمكن استعماله في الاستدلال الشرعي:

سنعرفك أنّ النظر في الفقهيات لا يباين النظر في العقليات، في ترتيبه وشروطه وعِياره، بل في مآخذ المقدمات فقط (الغزالي، المعيار (1961) 28. 2- 4).

مال الغزالي إلى موقفٍ أقوى في نهاية حياته. فأكثر من كونه غيرَ ضارّ؛ كان المنطق ضروريًّا للمعرفة الصحيحة. هذا ما قاله الغزالي في بداية كتابه الشهير: المستصفى في علم أصول الفقه (مشيرًا إلى عمليْن من أعماله السابقة في المنطق):

نذكر في هذه المقدمة، …، شرط الحدِّ الحقيقي، وشرط البرهان الحقيقي وأقسامهما، على منهاجٍ أوجز مما ذكرناه في كتاب “محكّ النظر” وكتاب “معيار العلم” (على التوالي: الغزالي (1966)، الغزالي (1961)). وليست هذه المقدمة من جملة علم الأصول ولا من مقدماته الخاصة به، بل هي مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط بها فلا ثقة له بعلومه أصلًا (الغزالي، المستصفى (1322هـ) 10. 15- 17).

وعلى الرغم من أهميته التاريخية في عملية إدخال المنطق إلى المدرسة؛ إلا أن المنطق الذي دافع عنه الغزالي كان مخفوقًا بشدَّة، بحيث لا يمكن التعرُّف عليه فارابيًّا أو سينويًّا.

1-4-2 ابن رشد ونهاية النصّية الأرسطية

كان ابن رشد أحد آخر ممثلي الأرسطية المحتضرة، الذين بذلوا كل جهدهم لمهمة “الحد الأدنى من الانسجام”، والتوفيق بين نصوص أرسطو بعضها مع بعض. كطالبٍ لفلسفة بغداد التي نُقلت إلى الأندلس (Dunlop 1955)، تدرَّب ابنُ رشد على منطق الفارابي، ووجد الكثير من التفاصيل التي نبذها لاحقًا:

إن أسوأ الأمور التي قد يُقدِم العالم المتأخِّر عليها هو الانحراف عن تعليم أرسطو، وسلوك سبيل آخر غير سبيل أرسطو، وذلك ما صنعه الفارابي في كتبه المنطقية … (ابن رشد، مقالات (1983) 175. 6-8)([25]).

بالنسبة لابن رشد؛ كانت محاولات الفارابي لفهم الصعوبات في نصوص أرسطو ضعيفةً للغاية لأن تستَعمَل، أو تجيب على انتقادات ابن سينا. في أحد هذه المواضع، منطق الموجهات؛ عاد ابن رشدة إلى المشكلات أربع مرات خلال حياته العلمية (انظر: Elamrani-Jamal 1995)، ثم يُعيد قربَ نهاية حياته تقييم المشكلات في تفسيرات زملائه، ليكتب:

هذه جميع الشكوك حول تلك المسألة. وقد ظلّت تعرِض لنا، حتى عندما كنّا نماشي في تلك المسألة بعض أقراننا في أجوبةٍ لم يكن حلُّها لهذه الشكوك بيِّنًا. فدفعني ذلك الآن (لعلوّ اعتقادي في أرسطو، ويقيني في أن بحثه أفضل من سائر مَن عداه) إلى تحقيق هذه المسألة بجدٍّ، وأن أبذل وُسعي فيها (ابن رشد، مقالات (1983) 181. 6- 10).

كان مشروع ابن رشد، في ذروة ازدهاره الكامل؛ مدفوعًا بمتطلبات هذا الفهم الدقيق للانسجام الأدنى، وأيضًا – وعلى الرغم من كل شيء – بإعادة الصياغة السينوية، وذات الشعبية المتزايدة؛ للمذهب الأرسطي.

1-4-3- التقليد السينوي في القرن الثاني عشر

ولكنّ العمل على المنطق، الذي كان متقدِّمًا من الناحية الفنّية (ومن ثَمَّ بخلاف [عمل] الغزالي)، ومؤثّرًا على المناطقة العرب المتأخرين (ومن ثَمَّ بخلاف [تأثير] ابن رشد)؛ كان الذي قام به هم المناطقة السينويون، الذين بدأوا في إصلاح وإعادة صياغة عمل ابن سينا. وكما أعلن ابنُ سينا عن حريته في إعادة صياغة أرسطو بحسب ما يستلزمه الحدْس؛ فكذلك اعتبر هؤلاء المناطقة الذي يعملون على منطق ابن سينا أنفسَهم أحرارًا في إصلاح النظام السينوي عند الحاجة، سواء لأجل التناقضات الداخلية، أو المتطلبات الفكرية خارج النظام. كان من أوائل الممثِّلين الرئيسين لهذا الاتجاه: عمر بن سهلان السَّاوي (ت 1148م)؛ الذي بدأ في عمله البصائر النصيرية إعادة صياغة قياس الموجَّهات السينوي([26]). فكان أنّ طلّابَه وغيرَهم من الطلاب هم من سيستمر في إجراء التعديلات النهائية على المنطق السينوي، الذي تميّز بكونه المادّة التي أصبحت تدرَّس في المدرسة.

1-5 التقليد السينوي في المدرسة وما بعدها

نجح الغزالي في إدخال المنطق إلى المدرسة (على الرغم من أنه قد دُرس في مناطق أخرى أيضًا (Endress 2006)). ما حدث بعد ذلك كان بفضل أنشطة المناطقة الأكثر موهبة من الغزالي. وقد سُمِّيت هذه الفترة، مبدئيًّا؛ بالعصر الذهبي للفلسفة العربية (Gutas 2002). وفي هذه الفترة، وبخاصة في القرن الثالث عشر؛ جرى إدخال التغييرات الرئيسة على مدى وبِنية المنطق السينوي. أُدخلت هذه التغييرات بصورة رئيسة في أطروحات قائمة بنفسِها في المنطق. ولوحظ أن القرن الثالث عشر كان هو الوقت “الذي انفصل فيه المنطق باللغة العربية عن التفسير النصِّي، ربما أكثر من أي وقت مضى” (الرويهب، 2010ب: 48-49). العديد من الكتب المدرسية الرئيسة لتدريس المنطق في القرون اللاحقة؛ تأتي من هذه الفترة.

1-5-1 الرازي والخونَجي

لاحظ ابن خلدون (ت 1406م)، في القرن الرابع عشر؛ الطرقَ التي تغيَّر بها المنطق العربي منذ أواخر القرن الثاني عشر (يذكر التقييد المتنامي لموضوع القياس، والتركيز على الجوانب الصورية للمنطق؛ انظر النص (14): 2، 2، 3 أدناه)، وأسماء العلماء الذين يعتقد أنهم مسئولون عن التغيير.

وأول من فعل ذلك (الموضوع كما تُصُوِّرَ حديثًا) الإمام فخر الدين بن الخطيب ومن بعده أفضل الدين الخونَجي وعلى كتبه معتمد المشارقة لهذا العهد…، وهُجِرت كتب المتقدمين وطرقهم كأن لم تكن وهي ممتلئة من ثمرة المنطق وفائدته كما قلناه (ابن خلدون، المقدمة (1858) 113؛ وراجع: ابن خلدون 1967: 3: 143).

لننظر الآن في طبيعة عمل المنطقي الأول الذي ذكر اسمَه، فخر الدين الرازي. لقد شهدت الجهودُ العلمية الحديثة عددًا من الأعمال المهمة المنشورة عن الرازي، ولكن لم يكن هناك تحليل لمنطقه نسبيًّا، باستثناء الشرح على كتابه الملخَّص لكلٍّ من قراملكي، وأصغري نزاد (انظر النصف الثاني لـ: الرازي 2002). كان معلمه الأول في المنطق هو مجد الدين الجيلي، الذي يحتمل أن يكون من طلّاب الساوي([27]). وعلى الرغم من هذه السلسلة؛ فإن الطريقة المهذّبة لتصحيح نظام ابن سينا التي نجدها في أعمال الساوي؛ مفقودة لدى الرازي. ففي لباب الإشارات؛ يضع الرازي حسابَه الخاص المدمَج المميز للموجَّهات، ثم يقول عن عرض ابن سينا:

ومتى وقفتَ على ما ذكرنا؛ عرفتَ أنه مع اختصاره أكثر بيانًا وتحقيقًا مما جاء في الكتاب على طوله (الرازي، اللباب (1355هـ) 22. 14- 15).

ورغم تعليقاته القادحة؛ فإن منطق الرازي هو، فوق كل شيء آخر؛ تطويرٌ لمنطق الإشارات، مقدَّم بطرقٍ مستمدَّة من أساليب ابن سينا في العرض. إن إحدى الطرق لفهم المنطق العربي في القرن الثالث عشر، على الأقل المنطق المطوَّر في بلاد فارس والمناطق المحيطة بها: أنه محاولات لحل الإشكالات الجدلية التي أنشأها الرازي، وسنعطي أمثلةً على هذه الديناميكية في القسم 2، 3 أدناه. وهذا المنطق السينوي: الرازي، مثل الساوي؛ لا يشير أبدًا إلى نص أرسطو، ويشير إلى الفارابي بطريقةٍ تشير إلى أنه ببساطة يعيد صياغة إشارات ابن سينا.

ويبدو أن المنطقي الثاني الذي أشار إليه ابن خلدون؛ أفضل الدين الخونَجي (ت 1249)؛ قد قدَّم المزيد من التغييرات الجوهرية على المنطق السينوي. وقد حُقِّق كتابه الأساس في المنطق مؤخرًا، وهو: كشف الأسرار عن غوامض الأفكار (الخونجي، الكشف (2010)، مع مقدمة طويلة تتضمن سيرة هذا المنطقي المهم، ونظرة عامة على بعض أفكاره الجديدة الأكثر أهمية). وقد وُصِف الخونجي، ربما على نحو جذَّاب؛ على أنه واحد من تلاميذ الرازي، حين كتب ابن العبري عن مجموعة اشتهرت بأنها “أصحاب تصانيف جليلة في المنطق والحكمة،…، [منهم] أفضل الدين الخونَجي بمصر” (مترجَم في ococke 1663: 485.7–13). من المفترض أنه من الممكن أن يكون تلميذ الرازي قد درس على شخصٍ درس على الرازي. سيمرُّ بعض الوقت قبل أن نكون قادرين على تقييم أهمية الخونجي بدقة، حيث يبدو أنه قد مارس نفوذًا استثنائيًّا، وكثيرًا ما اتخذ موقفًا قويًّا ضد رأي الرازي وابن سينا. وبطرقها المختلفة؛ تأثّرت كلٌّ من تقاليد منطق شمال إفريقيا والشرق الأوسط بالخونجي بشدة (انظر القسم 1، 6 أدناه).

1-5-2 الطوسي ومدرسة مراغة

استُلهم كشف الأسرار للخونَجي من قِبَل منطقييْن مشرقييْن كبيريْن آخريْن لم يذكرهما ابن خلدون، وهما: أثير الدين الأبهري (ت 1265م)، ونجم الدين الكاتبي (ت 1267م). يدعي ابن العبري أن الأبهري كان أيضًا من تلامذة الرازي، كما هو الحال بالنسبة للخونجي، وفرصة الاتصال المباشر [بينهما] ينبغي أن تكون منعدمة تقريبًا. كان الكاتبي تلميذَ الأبهري. كذلك ربما يكون العالم الشيعي العظيم نصير الدين الطوسي (ت 1274م) قد قرأ شرح الرازي على الإشارات لابن سينا على الأبهري (Endress 2006: 411). هؤلاء الرجال الثلاثة هم من بين أعظم المناطقة في جميع الأنحاء في القرن الثالث عشر. أنتج اثنان منهما، الكاتبي والأبهري؛ النصيْن اللذين أصبحا الدعامة الأساسية لتدريس المنطق في المدرسة، حيث دُرسا من أواخر القرن الثالث عشر إلى يومنا هذا: إيساغوجي، والشمسية (انظر: Calverley 1933 ، والكاتبي 1948).

كما شارك الثلاثة في مشروعٍ فكري كبير أقامه الحكَّام الإيلخانيون عام (1259م): مرصد مراغة. وقد منح المغولُ الطوسيَّ مهمة إقامة مرصد فلكي، وطَلَب من الكاتبي (ضمن آخرين) مساعدته. وفي مرحلةٍ ما من السنوات الأولى للمرصد؛ انضم الأبهري إليهما. نحن نعلم أن الكاتبي كان يدرّس كلّا من ملخّص فخر الدين الرازي، وكشف الخونَحي؛ للطلاب خلال هذه الفترة، وأن الأبهري والطوسي كانا يناقشان أفضلَ السبل للتعامل مع التحديات التي أثارها الخونَجي على منطق ابن سينا. كُتِبت الأعمال الرئيسة للكاتبي في المنطق (الأطروحة الطويلة: جامع الدقائق، والكتاب المدرسي: الشمسية) بعد هذه المناقشات، واستخدمت العديد من الحجج التي أثيرت فيها. شُرِحت الشمسية للكاتبي على يد قطب الدين التحتاني (ت 1365م)، من بين آخرين كثيرين (للوقوف على تفاصيل حول هذه الشروح الأخرى، انظر Schmidtke 1991, 2013; Wisnovsky 2004). يسجّل شرح التحتاني عددًا كبيرًا من المناقشات الفنية الدائرة بين الباحثين في مرصد مراغة. يشكِّل كتاب الكاتبي وشرح التحتاني معًا التجهيزَ المثير للإعجاب الذي اجتازه معظم العلماء المسلمين في المنطق.

الطوسيُّ مثيرٌ للاهتمام بشكل خاص من حيث علاقته بالانتماءات التاريخية. لقد قدِم إلى إشارات ابن سينا من خلال تلاميذ الرازي، لكنّه طوّر احترامًا أعمق لأساليب ابن سينا، أكثر من أيٍّ من معاصريه. لقد واجه الطوسي عداءَ الرازي لعرض ابن سينا في الإشارات في كتابه: حل مشكلات الإشارات. طبيعة ردود الطوسي على الرازي كانت سلبيةً تمامًا – فقد نقل وصفًا لعمل الرازي أنه “جرح وليس بشرح” -، ولكن في الواقع: اعترف الطوسي بقيمة عمل الرازي. التفاعل الخطابي مع عمل الرازي هو في الحقيقة جزءٌ من حملة أوسع للدفاع عن منطق ابن سينا، وكذلك عرضه لذلك المنطق. ولنأخذ مثالًا على ذلك: فقد كان تفسير ابن سينا لأنواع مختلفة من القضايا المطلقة يثير العديد من التساؤلات بين المناطقة ما بعد السينويين، فيشرح الطوسي لماذا عرضها ابن سينا بالطريقة التي قدَّمها:

الباعث على هذا أن المعلم الأول (أرسطو) وغيره قد يستعملون في القياسات المطلقة نقائضَ بعض المطلقات على أنها مطلقة، ولذلك حكم الجمهور بأنها تتناقض، فلمّا أبطله الشيخ (ابن سينا) أراد أن يجعل لذلك محملًا (الطوسي، شرح الإشارات (1971) 312. 5-7).

في أعماله الأخرى؛ اتخذ الطوسي موقفًا أكثر صلابة ضد التغييرات الأكثر جوهرية المقترحة لمنطق ابن سينا، خاصّة في كتابه: تعديل المعيار في نقد تنزيل الأفكار، وهو تقييم موسَّع لكتاب تنزيل الأفكار للأبهري (الطوسي 1974ب)، حيث تبنّى الأبهري عددًا من مواقف الخونَجي. فلا نجد هاهنا مجردَ عرضٍ متعاطف للمنطق السينوي كما كان يريد ابن سينا أن يُفهَم، بل هو هجوم منطقي على التفكير نحو اقتراحات بديلة. استمر الطوسي في هذا المشروع، في سلسلة من التبادُلات مع الكاتبي (الطوسي 1974أ).

ومن بين أعماله الأخرى، كتب الطوسي كتاب التجريد، على أنه عَرْضٌ غير جدلي للمنطق. وكتب تلميذه الشهير والمؤثّر، العلّامة الحلّي (ت 1325م)، والذي كان قد درس على الكاتبي أيضًا؛ شرحًا عليه، الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد (الحلّي 1363هـ). ولم يطبع النص والشرح إلا في الآونة الأخيرة نسبيًّا (أواخر القرن التاسع عشر)، واستُخدم في الحوزات الشيعية لتقديم المنطق (الرويهب 2010ب: 108 هامش 7). وفي ظاهر الأمر؛ فإن النصَّ أرسطيٌّ محافِظ بشكل كبير، وتتبع عناوينُه المسار التقليدي للموضوعات التي غطّاها الأورغانون، وبنفس الترتيب؛ ومن أجل ذلك كلِّه يبدو أن جوهر مذهبه على وجه العموم وكأنه سينويّ خالص، وعلى وجه التحديد: مذهب الطوسي الدفاعي ضد الرازي والخونَجي والأبهري والكاتبي.

1-5-3 المنطق والمدرسة

استُخدِمت نصوصُ الأبهري والكاتبي في “المدرسة” من قِبل السُّنة والشيعة (على الرغم من أنّ الشيعة تحوّلت إلى نصوص الطوسي والحلي في القرن التاسع عشر). لكنّ التقليد كان أكثر ديناميكيّةً مما قد يوحي به تثبيت هذه النصوص في المنهج الدراسي. أولًا: فمهما كانت النصوص التمهيدية المستعملة في تدريس العِلْم؛ فمن الواضح أن الطلّاب الذين انجذبوا إلى المنطق قد درسوا بشكل جيد خارجَ هذه النصوص مع المعلّمين في المدرسة، الذين كانوا يشاركون تدريس موادَّ أخرى في كثير من الأحيان. ثانيًا: قدَّمت أماكن أخرى، مثل المستشفيات والمراصد؛ مواقعَ أقل رسميةً للدراسة المتقدمة للمنطق (انظر Endress 2006).

إلّا أن المدرسة كانت بمثابة العمود الفقري للتقليد، وقد ذهب عددٌ من الفقهاء إلى التأكيد مرارًا وتكرارًا على أن دراسة المنطق مهمة جدًّا بالنسبة للدين كفرض كفاية: أي كواجب ديني، يجب على المجتمع أن يضمن أنّ بعض الباحثين، على الأقل؛ قادرين على متابعة دراسته.

علم المنطق على قسمين، القسم الأول: ما ليس ممزوجًا بعلم الفلاسفة، كالمذكور في هذا السُّلَّم،…، ورسالة أثير الدين الأبهري المسماة إيساغوجي، وتأليف الكاتبي (أي الشمسية)، والخونَجي (أفضل الدين (ت 1249)، أي الجُمَل)، وسعد الدين (التفتازاني، أي تهذيب المنطق)، وغيرهم من المتأخرين؛ فهذا ليس في جواز الاشتغال به خلافٌ، ولا يصدُّ عنه إلا مَن لا معقول له، بل هو فرض كفاية؛ لأن حصول القوة على ردّ الشكوك في علم الكلام الذي هو فرض كفاية؛ يتوقف على حصول القوة في هذا العلم، وما يتوقَّف عليه الواجب فهو واجب([28]).

بالطبع؛ فإن مثل هذه الفتوى تدعونا إلى التفكير في المنطق الممزوج بالفلسفة؛ أحد الباحثين المذكورين في الدراسة للتوّ يقدّم طوالع الأنوار للبيضاوي على أنه منطقٌ من هذا النوع (البيضاوي 2001). يبدو منطق البيضاوي نفسه غيرَ ضارٍّ – كتعميمٍ للمنطق السينوي – ولكنّه وُضِع مباشرةً قبل عرض اللاهوت الكلامي المتأثّر بشدة بالفلسفة السينوية. كان للعلماء المختلفين مواقف مختلفة، ولكن بالنسبة للفتوى المقتبسة؛ فربما يكون السياق المحيط بالنص المنطقي هو كلُّ ما يهم في جعله مقبولًا من عدمه.

1-6 ترسيم التقاليد المنطقية

بعد عام (1350م) أو نحوها؛ بدأت التقاليد المنطقية تتبلور، على أساس إقليمي غالبًا. قدَّمت دراساتٌ حديثة مِن قِبل الرويهب (2010ب) وأحمد (2012) مخطَّطاتٍ أوّليةً لسبعة قرون، أو نحو ذلك؛ من النشاط المنطقي. يوضّح الرويهب (2010ب) خاصّةً أنه لا يمكننا أن نفترض أنّ هناك نقطةً يتوقف عندها العمل الأصلي ويبدأ التقليد ببساطة في إعادة التأكيد على النتائج القديمة. من الصحيح أن الكثير من المواد المتأخرة، وعلى عكس الجزء الأكبر من مادة القرن الثالث عشر؛ قد قُدِّمت كشروح. وهناك إغراء للاستنتاج من ذلك أن هناك انخفاضًا في الدراسات المنطقية في الممالك التي تحت الحكم الإسلامي، يتوافق مع تراجع القرن السادس عشر للموضوع في بواكير أوروبا الحديثة، ويبدو أن مثل هذا الاستنتاج مدعومٌ بتقليدٍ من الاشتغال العلمي المكرَّس للحديث بشأن تَرف الشروح متعددة الطبقات [الشروح والحواشي والتقريرات] على نصّ أساسٍ عمرُه خمسمائة عام. إلا أنّ النوعَ لا يفرض المحتوى، وكثيرًا ما نجد عملًا أصيلًا قُدِّم بهذه الطريقة([29]).

كانت النزعة الإقليمية عاملًا مهمًا في تقاليد المنطق المدروس في الأندلس. وبشكلٍ عام فإن تبلور التقاليد بعد الخونجي مال أيضًا إلى أن يكون إقليميًّا. وعلى الرغم من قراءة الخونجي في شمال إفريقيا؛ فإنه يبدو أن علماء مراغة لم يُقرَأوا هناك، على الأقل ليس بشكل منهجي. وعلى النقيض من ذلك؛ كان ابن رشد لا يزال يُقرأ ويعلَّم في شمال إفريقيا حتى نهاية القرن الرابع عشر، وحتى ابن خلدون فقد درَّس ابن رشد بالإضافة إلى الموجز للخونجي، وكان معلِّمه، محمد الشريف التلمساني (ت 1370م)؛ قد كتب شرحًا كبيرًا على كتابٍ قصيرٍ للخونجي، الجُمِل (الرويهب 2010ب: 71- 79).

في هذه المرحلة من البحث، من الأفضل تقسيم التقاليد المنطقية الحديثة المبكرة على طول خطوط الانشقاق للإمبراطوريات العظيمة: العثمانية والفارسية والهندية. جميعُ هذه التقاليد أنتجت كمياتٍ هائلة من الأعمال. فيما يتعلق بالتقاليد الفارسية؛ أود أن أشير فقط إلى أنه خلال ظهور الصفويين (1501م) كان التقليد الفلسفي محاطًا بنزاعٍ بين اثنين من كبار العلماء الذين استمدا قوتهما في الربع الأخير من القرن السابق، وصار ذلك نقطةً ملاحظةً فيما أصبح تبجيلًا فلسفيًّا لتفضيل العلماء القدامى على الأحدث، وحظيَ ابن رشد بإحياء الاهتمام من وقتٍ لآخر كنتيجة لذلك (انظر الرويهب 2010ب: 92- 104، لأحد الجوانب المتضمنة في النزاع، و Pourjavady 2011: “Introduction” للخلفية). في التقاليد العثمانية؛ نجد فورةً من النشاط المثير للإعجاب بعد عام (1600م) بين المنطقيين الذين يتعاملون مع قياس النسبة relational syllogisms (عُرض في الرويهب 2010ب، الفصول: 5، 6، 7). وأخيرًا، فيما يتعلق بالهند؛ تُظهر الأبحاث الحديثة تعقيداتِ تشكيل تقاليد تدريس المنطق هناك (وُضعِت لها مخططات في أحمد 2012).

إن مجيء القوى المركزية الغربية يشير إلى نقطة مناسبة يمكننا فيها التكهُّن بأن هناك إمكاناتٍ جديدةً مهمة فُتحت في المنطق العربي. على الأقل، تدرّب بعض أعضاء الطوائف المسيحية في الأراضي المحتلة في سوريا ولبنان في أوروبا. وإذا كانت الكتب التي كتبوها في المنطق باللغة العربية هي ببساطة منطقًا غربيًّا؛ فإن أعمالهم تقع خارج نطاق هذا المدخل. إلا أنني أشير إلى أن بطرس التولاوي (ت 1743م) في مدخله (1688م)؛ يقدِّم تعريفًا للقياس المنطقي يأتي من الخونجي (انظر: الخونجي 2010: 238: 13-14)، وهو الأمر الذي يفترض أنه نتيجة لعملية توفيقية ذات أهمية كبيرة في تاريخ المنطق العربي (انظر: الرويهب 2010ب: 114 وما بعدها). ومرةً أخرى؛ يجب تحقيق النصوص ذات الصلة ودراستها([30]).

2- المذاهب المنطقية تحت الخلاف

من بين العديد من المذاهب المرشّحة التي تحتمل البحث؛ يبدو لي أن المناقشات حول ثلاثة مذاهب منطقية؛ مفيدة بشكل خاص. يتعلق الأول بموضوع المنطق، وهو أمرٌ يجب تحديده إذا كان هناك أي إمكانية لتقديم المنطق كعلمٍ (وهو الشيء الذي يدَّعي – على الأقل – معظم أطراف المناقشة أنه يريده). كان للمذهب المرتبط بابن سينا فيما يتعلق بموضوع المنطق تأثيرٌ حاسم في التقاليد المنطقية اللاتينية، على الرغم من أنه لم يكن المذهب العربي الوحيد في النصوص العربية اللاحقة. وللمجموعة الثانية من المذاهب وما يتعلق بها؛ صلةٌ بتقديم رؤية حول كيفية تناسب فروع المنطق المختلفة معًا – البرهان، والجدل، والخطابة، والشعر -. خضعت التوقعاتُ الموروثة عن الفروع التي ينبغي أن تغطيها الأطروحة المنطقية؛ لضغطٍ من فروعٍ معرفيةٍ جديدة مستمدة من النحو والقانون [الفقه]. وفي نهاية المطاف؛ لم تعُدْ تُعامَل فروعُ الجدل والخطابة والشعر بالطريقة التي كانت عليها في التقليد الأرسطي. وأخيرًا؛ ربما كان قياس الموجَّهات هو الموضوع الأكثر إثارةً للجدل في المنطق خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وأنا أقدّم نظرةً عامة حول سطرٍ واحد من النقاش الذي حدث. إنني أنظر بصورة خاصة إلى الحُجَج الآتية من شرق إيران في القرن الثالث عشر – وهو تقليدٌ أسميه منطق مراغة (انظر 1، 5، 2 أعلاه)؛ لأنها كانت فترة نشاط منطقي خاص مكثف، بلغت ذروتها في الكتب المدرسية المهمة جدًّا في التدريس اللاحق لهذا الفرع المعرفي.

دعوني أتقدّم على الفور إلى الاعتراف بأن هذه قد لا تكون المناقشات الأكثر تطوُّرًا من الناحية الفلسفية أو التمثيلية التاريخية التي جرت في التقاليد العربية (انظر على سبيل المثال Hodges 2011a (في موارد الإنترنت الأخرى) حول موضوع المنطق). ومع ذلك؛ فإن جميعها تتميز بميزةِ كونِها جرت مناقشتُها من قِبل عددٍ من المناطقة العرب على مر القرون، وكانت موضوعًا لبعض الدراسات الأكاديمية على الأقل. توضّح الموضوعاتُ المرشَّحة الأخرى ما أودُّ تجنُّبَه. فبالنظر في العمل الرائع الذي أنجزه ابن سينا حول نظرية البرهان، الذي تُرجم وحُلِّل على يد (Hodges 2009, موارد الإنترنت الأخرى)، بالقدر الذي استطعتُه من تتبع هذا العمل؛ فإنه يُظهِر مستوى غيرَ عادي حقًّا من الفطنة المنطقية. وفي الوقت نفسِه؛ لم أشاهد قطُّ – في ضوء قراءتي الضيقة في التقليد -شخصًا آخر يطوّر أو حتى يستخدم نتائج ابن سينا في هذا المجال. باختصار، يوضّح هذا الموضوعُ عبقريةَ ابن سينا المنطقية أكثر من كونه موضوعًا شائعًا عبر المنطق العربي.

مع الأخذ في الاعتبار لاحقًا: العمل في التقليد السينوي حول الأقيسة بالمقدمات الشرطية والاستثنائية (انظر 1، 3 أعلاه). هذه المادة المهمة أصليةٌ بالنسبة لابن سينا، وتُستَخْدم من بين أمور أخرى في تحليل حُجَّة الرد إلى المحال reductio argument. وإذا راجعنا كشف الخونَجي؛ فإننا نجد الرُّبْعَ الأول من صفحات الكتاب التي تصل إلى أربعمائة قد أُعطِيت للأقيسة بالمقدمات الشرطية أو الاستثنائية؛ مطوِّرًا الموضوع إلى ما هو أبعد من آراء ابن سينا الأصلية في الشفاء (وغالبًا ما يكون ذلك بطريقة رافضة إلى حدٍّ ما لعمل ابن سينا). لقد نظر الخونجي بوضوحٍ إلى تعديلاته على هذا الجزء من منطق ابن سينا على أنها محور مركزي لمشروعه، ثم تبنَّى تعديلاتِه المناطقةُ المتأخرون مثل الكاتبي. فإن كان شيءٌ؛ فسيكون هذا الموضوع أفضلَ من الموجَّهات لتوضيح الخصائص المميزة للمناقشات التي دارت في المنطق العربي. ومع ذلك، وفي الحالة الراهنة للمجال، وعلى الرغم من وجود دراسات رئيسة حول القياس المنطقي لابن سينا بالمقدمات الشرطية (على سبيل المثال: Rescher 1963c; Shehaby 1973; Gätje 1985)؛ فإنه لا يوجد على الإطلاق – على حدِّ علمي – [دراساتٌ حول] الاستقبال والتعديل في التقليد اللاحق. أحد هذين السببين أو كلاهما (أي: الإهمال في التقليد اللاحق، أو الإهمال في الأدبيات الثانوية)؛ يستبعدان موضوعات رئيسة أخرى، مثل نظرية البرهنة، وما يمكن تسميته ما بعد القياسي meta-syllogistic (ولكن انظر حول الأول: Hasnawi 2008; Strobino 2010, 2012; وحول الثاني: El-Rouayheb 2009; Hodges 2011c (في موارد الإنترنت الأخرى)).

2-1 موضوع المنطق

إن المذهب الشائع في أوساط المناطقة اللاتينيين القروسطيين هو أن المنطق علم لغوي. والمذهب المرتبط بذلك هو أن المنطق يشكّل مع النحو والبلاغة: الثلاثية trivium([31])، أو الفنون الثلاثة للغة. لم تكن الثلاثية موجودةً قطُّ في العالم الفلسفي الناطق بالعربية، وعندما تحدّث العلماء عن “الفنون الثلاثة” (الصناعات الثلاث) كانوا يشيرون إلى البرهان والجدل والخطابة. أدّت الصدامات بين العلماء الذين يعملون على النصوص اليونانية، والعلماء الذين يعملون على النصوص العربية؛ إلى طرح السؤال حول كيفية ارتباط المنطق باللغة، وتحديدًا باللغة العربية. وهذا بدوره أجبر على مناقشة ما هو موضوع المنطق، وكيف اختلف موضوعه عن موضوع النحو.

2-1-1 الألفاظ، والمعاني، والمعقولات

دفع العرضُ غير المبشِّر الذي قدَّمه أبو بشر متَّى ردًّا على هجوم السيرافي على المنطق (انظر 1،2 أعلاه)؛ الفارابيَّ إلى القيام بمحاولة ثانية لشرح كيفية ارتباط المنطق والنحو واللغة بعضها ببعض.

النص (1): وهذه الصناعة تناسِب صناعةَ النحو: ذلك أن نسبة صناعة المنطق إلى العقل والمعقولات كنسبة صناعة النحو إلى اللسان والألفاظ. فكل ما يعطيناه علم النحو من القوانين في الألفاظ فإن علم النحو يعطينا نظائرها في المعقولات([32]).

وهذا يسمح للفارابي أن يشرح موضوعَ المنطق، على النحو الآتي:

النص (2): وأما موضوعات المنطق، وهي التي فيها تعطى القوانين؛ فهي المعقولات من حيث تدلُّ عليها الألفاظ، والألفاظ من حيث هي دالة على المعقولات.

(….)

وهو [المنطق] يشارك النحوَ بعض المشاركة بما يعطي من قوانين الألفاظ، ويفارقه في أن علم النحو إنما يعطي قوانين تخصُّ ألفاظَ أُمَّةٍ ما، وعلم المنطق إنما يعطي قوانين مشتركة تعمُّ ألفاظَ الأمم كلها([33]).

إن هذا يعني – وأنا هنا أتَّبع توصيف بلاك Black للمذهب – أن المنطق هو شيءٌ من النَحْو العامِّ، أو بشكل أكثر تحديدًا: أنَّ تقديمَ نحوٍ عامٍّ هو أحد مهمات المنطق. الفلاسفة الآخرون في مدرسة بغداد، مثل يحيى بن عدي (ت 974م)؛ كانوا يتبنَّون إلى حد كبيرٍ مذهبَ الفارابي (انظر ndress 1977, 1978; cf. Black 1991: 48ff). (أعتقد أن الفارابي كان مائلًا نحو الاعتقاد بأن موضوع المنطق هو المعقولات الثانية، وربما وصل في النهاية إلى اعتناق هذا المذهب، انظر (Menn 2012: 68; الفارابي كتاب الحروف (1970) 64، 66- 67)، ولكن الموقف الموصوف أعلاه يمثِّل المذهب الذي كان ابن سينا يدفع ضدَّه).

2-1-2 المعقولات الثانية

تستدعي جوانبُ هذه المحاولة لتحديد موضوع المنطق؛ توضيحًا. أولًا: هل المعقولات [الأولى] المطابقة، مثل “حصان”؛ هي جزءٌ من موضوع المنطق؟ ثانيًا: هل الإشارة إلى العبارات [الألفاظ] أساسيّةٌ في تعريف المنطق، كما يُقْتَرح في عبارة: “[أنه] المعقولات من حيث تدلُّ عليها العبارات”؟

وبعبارة أكثر حذرًا حول ما كان على الأرجح المذهبَ نفسَه الذي قدَّمه ابن سينا: فإن تصوُّراتٍ [مفاهيم] مثل “حصان”، و”حيوان”، و”جسم”؛ تتطابق مع الكيانات في العالم الواقعي، [وهي] الكيانات التي يمكن أن يكون لها خصائص متنوعة. وفي العالم العقلي [الذهني]؛ يمكن للتصورات أيضًا أن تكتسب خصائص متنوعة، خصائص تكتسبها ببساطة من خلال وجودها ومعالجتها من قِبل العقل [الذهن]، خصائص مثل كونها: موضوعًا أو محمولًا أو جنسًا. تلك هي موضوعات المنطق، ويبدو أنها ليست سوى المعالجة العقلية التي تؤدي إلى هذه الخصائص.

النص (3): إذا أردنا أن نتفكر في الأشياء ونعلمها؛ فنحتاج ضرورةً إلى أن نُدخِلها في التصور، فتعرض لها ضرورةً الأحوال التي تكون في التصور، فنحتاج ضرورةً إلى أن نعتبر الأحوالَ التي لها في التصور، وخصوصًا ونحن نروم بالفكرة أن نستدرك المجهولات، وأن يكون ذلك من المعلومات. والأمور إنما تكون مجهولةً بالقياس إلى الذهن لا محالة، وكذلك إنما تكون معلومةً بالقياس إليه. والحال والعارض الذي يعرِض لها حتى ننتقل من معلومها إلى مجهولها، هو حال وعارِض يَعرِض لها في التصور، وإن كان مالها في ذاتها أيضًا موجودًا مع ذلك، فمن الضرورة أن يكون لنا علم بهذه الأحوال، وأنها كم هي، وكيف هي، وكيف تُعتبر في هذا العارض([34]).

هذه الخصائص التي تكتسبها التصورات هي معقولاتٌ ثانية. وهذا عرضٌ لذلك الجزء من مذهب ابن سينا عن طريق الرازي:

النص (4): موضوع المنطق المعقولات الثانية، من حيث إنه يمكن أن يُتأدّى بواسطتها من المعلومات إلى المجهولات. وتفسير المعقولات الثانية: أن الإنسان يتصوّر حقائقَ الأشياء أولًا، ثم يحكم على بعضها ببعضٍ حكمًا تقييديًّا أو خبريًّا. فتكون الماهية محكومًا عليها على هذا الوجه أمرٌ لا يلحقها إلا بعد صيرورتها معلومةً أولًا، فهو في الدرجة الثانية. فإذا بُحِث عن هذه الاعتبارات، لا مطلقًا، بل من حيث إنه كيف يمكن أن يُتأدّى بواسطتها من المعلومات إلى المجهولات تأديًا صوابًا: فذاك هو المنطق، لا جرم كان موضوعه المعقولات الثانية من هذا الاعتبار المذكور (الرازي، الملخّص (2002) 10. 1- 10. 8؛ وانظر الآن: الرويهب 2012، وبخاصة: 72- 77، عما إذا كان توضيح الرازي يتوافق في نهاية المطاف مع ابن سينا).

يشير ابن سينا في كتابه: ما بعد الطبيعة [الإلهيات] إشارة خاصة إلى هذه المعقولات الثانية.

النص (5): العلم المنطقي، كما علمتَ؛ فقد كان موضوعه المعاني المعقولة الثانية التي تستند إلى المعاني المعقولة الأولى من جهة كيفية ما يتوصل بها من معلوم إلى مجهول، لا من جهة ما هي معقولة ولها الوجود العقلي الذي لا يتعلق بمادة أصلًا أو يتعلق بمادة غير جسمانية([35]).

وبتعريف المعقولات الثانية؛ يستطيع ابن سينا وضعَ المنطق ضمن التسلسل الهرمي للعلوم؛ لأنه يمتلك امتداده الخاص به، والذي هو موضوعه المناسب.

ومن ثَمَّ فهذا كثيرٌ فيما يتعلق بالمشكلة الأولى في صياغة الفارابي لموضوع المنطق. ولدى ابن سينا وجهة نظرٍ أيضًا حول المشكلة الثانية، وهي مسألة ما إذا كان اللفظ ضروريًّا أم لا في تعريف المنطق وموضوعه.

النص (6): فلا خير في قول من يقول إن المنطق موضوعُه النظر في الألفاظ، من حيث تدلُّ على المعاني، …، فلمّا لم يتميّز لهؤلاء بالحقيقة موضوعُ صناعة المنطق، ولا الجهة التي بها موضوعه؛ تتعتعوا وتبلدوا([36]).

أحد أسباب ذلك أنه في علم النفس لدى ابن سينا؛ فإن اللغة بما هي مجموعة من التعبيرات المنفصلة؛ ليست ضروريةً للعقل في عملياته. ومع ذلك؛ فينبغي أن نلاحظ أنه مهما كان مذهب ابن سينا الرسمي؛ فإنه يدرك ويحاول التعامل مع العلاقة الوثيقة بين اللغة والفكر.

النص (7): ولو أمكن أن يُتَعلم المنطقُ بفكرة ساذجة، إنما تُلحَظ فيه المعاني وحدها، لكان ذلك كافيًا؛ ولو أمكن أن يطلع المحاور فيه على ما في نفسه بحيلة أخرى، لكان يغني عن اللفظة البتة. ولكن لمّا كانت الضرورة تدعو إلى استعمال الألفاظ، وخصوصًا ومن المتعذر على الروية أن ترتب المعاني من غير أن تتخيل معها ألفاظها، بل تكاد تكون الروية مناجاةً من الإنسان ذهنَه بألفاظ متخيلة؛ لزم أن تكون للألفاظ أحوال مختلفة تختلف لأجلها أحوال ما يطابقها في النفس من المعاني حتى يصير لها أحكام لولا الألفاظ لم تكن. فاضطرت صناعة المنطق إلى أن يصير بعض أجزائها نظرًا في أحوال الألفاظ، …، وأما فيما سوى ذلك؛ فلا خير في قول من يقول إن المنطق موضوعُه النظر في الألفاظ، من حيث إنها تدل على المعاني، بل يجب أن يتصور على النحو الذي ذكرناه([37]).

وكما يقول صبرا Sabra؛ يبدو أن ابن سينا يرى أن “الخصائص التي تشكّل موضوع المنطق لا يمكن تصورها دون ممارسةِ وظيفةٍ معيَّنةٍ للغة” (Sabra 1980: 764).

2-1-3 التصوُّرات والتصديقات

لم يُعتمَد مذهب ابن سينا في موضوع المنطق من أغلب المناطقة الذي تبعوه (انظر: Sabra 1980: 757). بل على العكس تمامًا؛ فقد ادّعى الخونَجي في الربع الثاني من القرن الثالث عشر أن موضوعَ المنطق هو التصورات والتصديقات، وهو ادعاءٌ قُووِم بشدة من أتباع ابن سينا المتبَقّين مثل الطوسي. وقد أوضحت دراسةٌ حديثةٌ القضيةَ في هذه المناقشة (El-Rouayheb 2012).

لفهم خلفية ادعاء الخونجي؛ من الضروري وضع نقطتين في الاعتبار. الأولى: مذهب ابن سينا فيما يتعلق بحالات المعرفة التي يهدف المنطقُ إلى إنتاجها: التصور والتصديق([38]). والثانية: ما الوسيلة بالنسبة لشيءٍ ليكون موضوعًا للعلم الأرسطي.

النص (8): وكما أن الشيءَ يُعلم من وجهيْن: أحدهما أن يُتَصَوَّر فقط حتى إذا كان له اسم فنُطِق به، تمثَّل معناه في الذهن، وإن لم يكن هناك صدق ولا كذب، كما إذا قيل: إنسان، أو قيل: افعل كذا؛ فإنك إذا وقفتَ على معنى ما تخاطب به من ذلك، كنتَ تصورته. الثاني: أن يكون مع التصور تصديق، فيكون إذا قيل لك مثلًا: إن كلَّ بياض عرَضٌ، لم يحصل لك من هذا تصور معنى هذا القول فقط، بل صدَّقتَ أنه كذلك. فأما إذا شككتَ أنه كذلك أو ليس كذلك، فقد تصورتَ ما يقال؛ فإنك لا تشكُّ فيما لا تتصوره ولا تفهمه، ولكنّك لم تصدق به بعدُ؛ وكلّ تصديق فيكون مع تصور، ولا ينعكس. والتصوُّر في مثل هذا المعنى يفيدك أن يحدثَ في الذهن صورة هذا التأليف، وما يؤلف منه كالبياض والعرض. والتصديق هو أن يحصل في الذهن نسبةُ هذه الصورة إلى الأشياء أنفسها أنها مطابقة لها، والتكذيب يخالف ذلك([39]).

لاحظ أنّ التصديق ليس مجرد إنتاج قضية من خلال ربط الموضوع بالمحمول معًا، فإن “التصديق هو أن يحصل في الذهن نسبةُ هذه الصورة إلى الأشياء أنفسها أنها مطابقة لها”. فجميع المعرفة، وفقًا لابن سينا؛ هي إما تصوّرٌ أو تصديقٌ. التصوُّر ينتجه الحدُّ، والتصديق ينتجه البرهان. جميع الأطروحات السينوية في المنطق تنتظم وفق هذا المذهب: يتناول القسمُ الأول التعريف [الحدّ]، والذي يوصِل إلى التصور، ويتناول القسمُ الثاني البرهانَ، والذي يوصل إلى التصديق.

يجري التحقيق في موضوع علم أرسطي بالنظر في تحديد خصائصه في ذاتها، أي خصائصه اللازمة ولكن غير المقوِّمة([40]). فموضوع علم الهندسة المقادير المكانية وأنواعها (مثل المثلّث)، فعلى سبيل المثال نجد أن “مجموع الزوايا الداخلية عبارة عن زاويتيْن قائمتيْن” بالنسبة للمثلّث [متساوي الأضلاع]؛ هي المهمة المناسبة لعلم الهندسة. وإذا كان موضوع علم المنطق المعقولات الثانية؛ فعندئذ تكون المهمة المناسبة لعلم المنطق هي تحديد الخصائص الذاتية للمعقولات الثانية. ووفقًا للخونَجي، ومع ذلك؛ فإنّ بعض الخصائص التي يجري البحثُ فيها من المنطقي هي صفاتٌ للمعقولات الأولى، ونتيجةً لذلك يجب أن يكون موضوعُ المنطق شيئًا أعمَّ من المعقولات الثانية. وهذا ما دفع الخونجي إلى إعلان أن التصورات والتصديقات هي موضوع المنطق. وقد قَبِل الكاتبيُّ هذا الرأيَ:

النص (9): إذ المنطقيُّ قد يبحث عن أمورٍ لا تلحق المعقولات الثانية أصلًا،…، بل المعاني المفردةَ الحاصلة في العقل لأنه يبحث عن مفهومِ الذاتيّةِ والعَرَضية، والنَّوْعِية والجِنْسية والفصلية، والموضوعية والمحمولية، وغير ذلك ممّا يلحق المعقولَ من المعاني المفردة([41]).

وكان المنطقيُّ الآخر الذي تبع الخونَجي في ذلك: الأبهري. وهذا بيانه لذلك المذهب:

النص (10): موضوع المنطق، أعني الشيء الذي يبحث فيه المنطقي من لواحقه من حيث هو هو: إنما هو التصورات والتصديقات؛ لأنه باحث عن الموصل إلى التصور، وما يتوقف عليه الموصِّل، لكون الشيء كليًّا وجزئيًّا، وذاتيًّا وعرَضيًّا، وأمثال ذلك – وباحثٌ عن الموصّل إلى التصديق، وما يتوقف عليه الموصل إلى التصديق، إمَّا توقفًا قريبًا، ككون الشيء قضيةً، وعكس قضية، ونقيض قضية، وأمثال ذلك، أو بعيدًا، ككون الشيء محمولًا أو موضوعًا. وهذه أحوال تعرض للتصورات والتصديقات من حيث هي هي. لا جرم كان موضوعه التصورات والتصديقات (الطوسي، تعديل الأفكار (1974ب) 144. 14- 20).

وهذا جزءٌ من ردّ الطوسي:

النص (11): إن عُنيَ بالتصورات والتصديقات جميع ما يقع عليه هذان الاسمان؛ فهي العلم بأسرها؛ لأنه قسم العلم إليهما، وحينئذ يكون المفهوم منه أن موضوع المنطق هو كل العلوم، ولا شك في أنها ليست بموضوع المنطق

(…)

والحقّ أن موضوع المنطق هو المعقولات الثانية، من حيث يتوصل النظر فيهما من المعلومات إلى المجهولات، أو إلى شيء ما يشبه ذلك، كالإلزامات والإقناعات والتخييلات وغيرها. والتصور والتصديق من جملة المعقولات الثانية، كما أن الحد والقياس وأجزاءها، كالكلي والجزئي، والموضوع والمحمول والقضية والمقدمة والنتيجة وغيرها؛ أيضًا من جملتها، إذا تخصصت بالقيد المذكور على ما بيَّنه أهل الصناعة (الطوسي، تعديل الأفكار (1974ب) 144. 12- 146. 3).

ولكن كما رأينا، فبالنسبة لزملاء الطوسي في مراغة؛ فإن تحديد ابن سينا للمعقولات الثانية كموضوع للمنطق يستبعد أشياءَ ينبغي أن يُبحَث فيها في المنطق (ألاحظ، دون أن أحاول أن أغطي الحجج المضادة المقدَّمة في التقليد المتأخر ضد موقف الخونجي؛ انظر: El-Rouayheb 2012: 82 وما يليه).

2-2 محتويات الأطروحة في المنطق

عندما تمَّ جمْعُ الأورغانون بالكامل أخيرًا بالعربية؛ شمل المجموعةَ الكاملة من النصوص بالترتيب الذي وضعه الفلاسفة السكندريون. كان هناك توقُّع متوارث بأن ذلك هو الامتداد الكامل والمناسب للبحث المنطقي، وهو التوقُّع الذي كان سيقع تحت ضغطٍ في العالم الإسلامي. لقد جرت مراجعته بالفعل في الإشارات والتنبيهات لابن سينا، ولكن كان يجب أن يتبعه التغييرُ الأكثر جوهرية.

كان أحد العوامل في العمل على تحديد بِنية أطروحات المنطق السينوي هو مذهب المعقولات الثانية، وهو المذهب الذي أدّى إلى استبعاد أجزاء من الأورغانون من العالم المنطقي تمامًا، وبخاصة المقولات. والحجج التي استبعدت المقولات كان ينبغي أن تستشكل تضمينَ بعض أجزاء أخرى من عناصر الأورغانون، مثل الجدل.

العامل الآخر في العمل [على تحديد بنية الأطروحة المنطقية] كان مذهب التصوّرات والتصديقات. فإذا شُكِّل البرهان، كما هو مقبولٌ على نطاق واسع؛ للتوصُّل إلى التصديق؛ فإنه قد يتساءل المرء عن أنواع التصديقات، وما المتغيرات في البرهان التي تؤدي إلى أنواع مختلفة من التصديقات. كان هذا المذهب ليحلَّ محلَّ المذهب السكندري عن نظرية السياق، حيث يُتَّخذُ المنطق ليغطِّي تطبيقات المواد المختلفة للتفكير المنطقي، سواءٌ البرهان أم الجدل أم الخطابة أم الشعر أم السفسطة. ووفقًا للنسخة السكندرية من النظرية؛ كان من المفترض أن يُحلَّلَ مجالُ الخطاب وفقًا للسياق الذي وُجد فيه، ففي الشعر على المرء أن يتوقّع عباراتٍ كاذبةً ومستحيلة، وفي البرهان عبارات ضرورية وصحيحة. كان على المنطقيين العرب أن يرفضوا تلك النُّسخة، على الرغم من أنهم فقدوا في نهاية المطاف اهتمامَهم بمجموعة من التخصصات المتسقة مع النظرية.

وثمة عامل أخير، أو مجموعة من العوامل؛ في العمل على تشكيل أطروحة المنطق التي ظهرت في القرن الثالث عشر؛ نشأت من المناقشات في القانون [الفقه]، وخاصة تقليد الجدل القانوني [الفقهي]. كان هذا التقليد يتبلور في نهاية المطاف كأنظمة جديدة، استُبدِلت بالمناقشات في الجدل، ومغالطات السفسطة. ونمت تخصصات مماثلة للنحو واللاهوت [الكلام]، حلَّت محل الدراسة المنطقية للخطابة والشعر. وأنا أفحص كلًّا من هذه العوامل في المقابل.

2-2-1 المنطق كعلم رسمي

يعيِّنُ مذهبُ ابن سينا المعقولاتِ الثانيةَ موضوعًا للمنطق، له خصائصه الأساسية التي يدرسُها المنطقي؛ وهذا يجعل المنطقَ عِلمًا بالمعنى الأرسطي للمصطلح. ولكن – ووفقًا للقيود المفترضة على العلم الأرسطي -لا يستطيع أيُّ علمٍ أن يسبرَ وجودَ موضوعه، بل يجب أن يأخذه على أنه مُعطًى من علمٍ أعلى (في هذه الحالة: الميتافيزيقا). ومع ذلك فإن المقولات تترد جيئةً وذهابًا بين المعقولات الثانية، والمعقولات الأولى التي هي شرط قَبْلي لوجود المعقولات الثانية.

لقد أعلن ابنُ سينا نفسُه عن إشكالية ما إذا كانت المقولات كتابًا منطقيًّا بشكل صحيحٍ أم لا، وقرَّر أنها ليست كذلك، على الرغم من أنه عالجها في الشفاء مراعاةً للعُرف المشّائي. لقد جُمعت حججُه في عدم اعتبار المقولات كتابًا منطقيًّا صحيحًا في الماضي (انظر خصوصًا: Gutas 1988: 265–267)؛ لكنّ خطَّ الحجج قد ذُكِر بعناية من قِبل المنطقيين المتأخرين. هنا يتناول الحلِّي لماذا انتقل الطوسي من المحمولات الخمسة [الكليات الخمس] إلى المقولات العشر:

النص (12): لمّا فرغ من البحث في المقولات الخمس – العارضة لهذه المقولات العشر -؛ شرع في البحث عنها [المقولات العشر]، وإن لم تكن من علم المنطق؛ لأن موضوع المنطق هو المعقولات الثانية – العارضة للمعقولات الأولى -، فكيف يبحث في المعقولات الأولى على أنه جزءٌ من علمه – فإنه يكون دورًا -، بل قد يبحث عنها فيه للاستعانة به على تحصيل الأجناس والفصول، فيكون مُعينًا على استنباط المحدود والمستنتَج، وإن لم يكن من هذا العلم (الحلي، الجوهر النضيد (1410هـ) 23، 4- 8).

باختصار؛ ستكون دراسة المقولات مفيدةً في إعطاء أمثلة ملموسة للمذاهب المنطقية المقدَّمة. يجب تطبيق حجج إزالة المقولات من المنطق نفسها على النصوص التي تبحث المنطق الشائع للجدل، على الرغم من أنني لم أر مثل هذه الحجة لمنطقي عربي. ليس من الواضح بالنسبة لي أن حجة استبعاد المقولات من المنطق، التي تعتمد، في نُسخة الحلّي، على كون المعقولات الثانية هي موضوع المنطق؛ لا تزال تعمل بالنسبة لأولئك الذين لا يوافقون على كوْن موضوع المنطق هو المعقولات الثانية، ومع ذلك فقد جرى استبعاد المقولات من أعمالهم أيضًا.

2-2-2 التصديق ونظرية السياق

تهدف البراهين إلى تحصيل التصديقات. وبتعبير أدق (انظر النص (8) أعلاه): عندما تُكتَسَب التصوراتُ التي تُنتِج في العقل كلًّا من معنى المصطلحات في قضية معينة، وشكلِ نَظْمِ هذه المصطلحات؛ فإن التصديق يحدث عندما “يحصل في الذهن نسبةُ هذه الصورة إلى الأشياء أنفسها أنها مطابقة لها…”. في الواقع، يمكن لأنواع مختلف من الخطاب أن تجلب نوعًا أو أكثر من التصديق، أو شيئًا كافيًا مثل التصديق كي يندرج في النظرية العامة للخطاب. أقدِّم بيانَ الطوسي للنسخة السينوية من نظرية السياق. هذا هو البيان الأتقن الذي أعرفه للمعايير التي تقسّم أنواع الخطاب والتصديقات التي تهدف إلى تحقيقها.

ثمة بعض الكلمات الأولية في سبيل التقديم لهذه الفقرة الكثيفة. يتحدث المناطقة العرب، مثل أغلب المناطقة الأرسطيين؛ عن الصورة والمادة في القضايا والأقيسة، ولديهم فروقٌ محددة جدًّا تؤخذ في الاعتبار عندما يتناولون ذلك. المادة في القضية هي ما يضمن صحة أو خطأ الجهة التي تحملها القضية. عندما تمتلئ المتغيرات المتوهمة في القضية بشروطٍ معينة؛ فقد تكون النتيجة المدعاة محددة دلاليًّا (كما في: “كل إنسان حيوان”، و”لا شيء من الإنسان بحجر”)، وهذا سيجعل مادّةَ القضية ضروريةً أو ممتنعة، وإذا كانت ضروريةً فإنه سيجعل القضيةَ صحيحةً كقضية ضرورية. وبخلاف ذلك؛ قد تكون النتيجة المدعاة غير محددة دلاليًّا، (كما في: “كل إنسان يكتب”)، وهذا من شأنه أن يجعل مادة القضية ممكنة، وتكون القضية صحيحة كقضية ممكنة. في المقابل؛ فإن المادّة في الحُجّة هي الوضع الإبستمي أو القوة الإقناعية لكلٍّ من المقدمات التي تتضمنها، التي ستُمْنَحُ وضعًا إبستميًّا أو قوة إقناعية مشابهة أو أقل في النتيجة، بحسب ما ستُعطى من حُجة صورية مناسبة. (لاحظ أن “الجازم” يُقَدَّم من بلاك Black على أنه “apophantic” (Black 1990: 53)، والذي أقدِّمه أنا: “truth-apt”. وبالنسبة للشروط الفنية المستخدمة للتعامل مع موضوع القياس، انظر الآن: Gutas (2012)).

النص (13): لمَّا فرغ [ابن سينا] عن بيان الأحوال الضرورية للقياسات المنطقية، وما يشبهها، شرع في بيان أحوالها المادّية. وهي تنقسم بحسبها، إلى خمسة أصناف، ذلك لأنها:

إما أن تفيد تصديقًا. وإما تأثيرًا غيره، أعني التخيل والتعجب. وما يفيد تصديقًا؛ فيفيد: إما تصديقًا جازمًا، أو غير جازم. والجازم: إما أن يعتبر فيه كونه حقًّا، أو لا يعتبر. وما يعتبر فيه ذلك: يكون حقًّا أو لا يكون. فالمفيد للتصديق الجازم الحق: هو (1) البرهان. والتصديق الجازم غير الحق: هو (2) السفسطة. والتصديق الجازم الذي لا يعتبر فيه كونه حقًّا أو غير حق، بل يعتبر فيه عموم الاعتراف به: هو (3) الجدل، إن كان كذلك، وإلا فهو الشغب، وهو مع السفسطة يُحسب صنفًا واحدًا، هو: المغالطة. والتصديق الغالب غير الجازم: هو (4) الخطابة. وللتخييل دون التصديق: هو (5) الشعر (الطوسي، شرح الإشارات (1971) 460. 1- 461. 12).

بذهب الطوسي مباشرة إلى وضع أسسٍ لتصديق القضايا، على سبيل المثال؛ كونها أوليةً، أو موافقةً لأغراض المناقشة. فالقضايا كي تُستخدم كمقدمات للبرهان ستتطلب أكثر المتطلبات جاذبيةً بالنسبة لتصديقنا، ومقدمات الأنواع الأقل من الخطاب ستتطلّب شروطًا أضعف.

لم يَزِد الغالبية العظمى من المناطقة العرب المتأخرين عن إيماءة إلى نظرية السياق في فقرة في خواتيم أطروحاتهم. يجب أن يهتم المنطقي فقط – بقدر ما يهتم بالتطبيق المادي للمنطق الصوري على وجه العموم – بالبرهان؛ لأنه يقوده إلى ما هو حق وجازم، وبالسفسطة؛ لأنها قد تضله في البحث عن الحق المبرهن.

من الناحية الفلسفية؛ فإن نظرية السياق هي محاولة لمعرفة التأثير الإدراكي والتواصلي لكل نوع من الخطاب. إنها تفحص بتفصيل فائق الادعاءَ الأرسطي أن القياس المنطقي متضمَّنٌ في صميم جميع التفكير البشري، وفي محاولة لجعل هذا الادعاء جيدًا؛ فإنه يقدّم حسابًا للأشكال القياسية الواهنة وفقًا للمادة الإبستمية لمقدماتها. إنه يعترف أيضًا بأن التواصل يعتمد على ما هو أكثر من مجرد الحقيقة الموضوعية والصحة الصورية، ويقدِّم حسابًا لما يحفِز تصديقَ العارف البشري لأي نوعٍ مقدَّم من امتداد الخطاب. وكنظريةٍ؛ قد يكون انتشارها العالمي أكثر إثارة للإعجاب من قدرتها التحليلية، إلا أنها تقدُّمٌ ملحوظ لنظرية تطوّرت جزئيًّا فحسب في المدرسة السكندرية([42]).

2-2-3- أورغانون بديل؟

يقلِّل مذهبُ المعقولات الثانية من عدد الموضوعات التي تُعالجَ ضمن أطروحات المنطق، أو على الأقل؛ تُعامَل باعتبارها موضوعاتٍ منطقيةً صارمة، ويحدِّد مذهبُ تقسيم المعرفة إلى تصور وتصديق بِنية ما تبقّى في أطروحات المنطق السينوي. وفرضت الاهتماماتُ الصورية للمناطقة ما بعد السينويين المزيدَ من الاهتمام بالبرهان؛ فأصبح القياس، على سبيل المثال؛ مركزًا محوريًّا للبحث بدءًا من القرن الثالث عشر. قُدِّمت التغييرات الإضافية لإيضاح عرض القياس.

النص (14): ثم جاء المتأخرون فغيَّروا اصطلاح المنطق، وألحقوا بالنظر في الكليات الخمس ثمرتَه، وهي الكلام في الحدود والرسوم، نقلوها من كتاب البرهان. وحذفوا كتاب المقولات لأنّ نظر المنطقي فيه بالعَرَض لا بالذات. وألحقوا في كتاب العبارة الكلام في العكس، (وإن كان من كتاب الجدل في كتب المتقدمين لكنه من توابع الكلام في القضايا ببعض الوجوه)، ثم تكلموا في القياس من حيث إنتاجه للمطالب على العموم، لا بحسب مادة، وحذفوا النظرَ فيه بحسب المادة، وهي الكتب الخمسة: البرهان والجدل والخطابة والشعر والسفسطة. وربما يُلِمُّ بعضُهم باليسير منها إلمامًا، وأغفلوها كأن لم تكن هي المهمَّ المعتمد في الفن. ثم تكلموا فيما وضعوه من ذلك كلامًا مستبحرًا، ونظروا فيه من حيث إنه فنٌّ برأسه، لا من حيث إنه آلة للعلوم، فطال الكلام فيه واتسع (ابن خلدون، المقدمة (1858) 112- 113، وقارن ابن خلدون 1958: 3، 142- 143).

من الواضح أن مدى مناسبة هيكل الأورغانون لأطروحات المنطق العربي قد ظلَّ موضع نزاع على الأقل حتى نهاية القرن الثالث عشر. ففي الوقت نفسِه الذي وضع فيه الحلّي منطقَه وفقًا للمخطط السينوي للأورغانون (انظر القسم 1، 5، 2 أعلاه)؛ كان شمس الدين السمرقندي (ت 1310م) يكتب كتابًا مصمَّمًا بعد الموضة التي وصفها ابن خلدون في النص السابق أعلاه، مع اختلاف رئيس. اختتم السمرقندي كتابه قسطاس الأفكار بقسم طويل يغطّي ما أسماه “آداب المناظرة” والمغالطات. لقد تبنّى عن عمدٍ آدابَ المناظرة عبر أطروحات الحجج الفقهية، وقد أخبر قرَّاءه أنه كان قد قصد بذلك أن يحلَّ محل دراسة المقولات والمغالطات السوفسطائية.

النص (15): لقد كان من عادة الأقدمين؛ تذنيب كتبهم المنطقية بإيراد قسم الجدل. ولمّا صار علم الخلاف في زماننا مُغنِيًا عنه؛ فقد أودعت مكانه قانونًا في آداب البحث وترتيبه وتوجيه الكلام وتهذيبه، وهي في صيانة التقرير والتحرير كالمنطق في الرؤية والتفكير، …، وهي وإن كانت مرعيّةً عند المحققين، لكنها ما كانت منظومة في سلك ومضمومة في عقد، فأردت نظمَ منثورها جمع مأثورها. وهو مرتب على قسمين: الأول: في تمهيد البحث وأسبابه. والثاني: في الغلط وأسبابه([43]).

من ناحيةٍ؛ لم ينجح السمرقندي في ذلك: لم يتبعه إلا قليلٌ من المؤلفين اللاحقين في إدراج آداب المناظرة في جزءٍ من أطروحاتهم المنطقية. ولكن من ناحية أخرى، وبمعنى أكثر أهمية بكثيرٍ؛ كان السمرقندي ناجحًا تمامًا. فإنّ صنيعه بإزاحة المقولات والمغالطات السوفسطائية إلى حدٍّ كبير؛ قد اكتسبت مكانًا في نظام المدرسة بجانب الشمسية للكاتبي؛ فقد وُجِدت الأطروحات حول آداب الجدل باستمرار في المخطوطات جنبًا إلى جنب أطروحات المنطق.

ذهبت علوم اللغة الأخرى أيضًا إلى المخطوطات مع المختصرات المنطقية. تنافست مجموعةٌ من الفروع المعرفية المتألِّفة من العلوم النحوية، وبخاصة “علم الوضع” (تقريبًا: علم الدلالة)، و”علم البلاغة” (تقريبًا: الخطابة)؛ لتغطّي المواد التي تغطيها أجزاء من المنطق الأرسطي. وكما الكتب المنطقية المدرسية؛ جرى إنجاز الكتب المدرسية لكلٍّ من علم الوضع وعلم البلاغة، والتي أُدمِجت في التعليم المدرسي القياسي في وقت متأخر إلى حدٍّ ما.

جرت تسمية علم الوضع، وتكريسه كفرعٍ معرفي منفصل عن طريق عمل اللاهوتي [المتكلم] الأشعري الكبير عضُد الدين الإيجي (ت 1355م). ففي رسالة الوضع؛ جمع الإيجي وجهات نظر أسلافه حول الطريق الذي أتت منه اللغة. اتفق الجميع على أن اللغة كانت نتيجةً لتعيين واعٍ – وضع – لوحداتِ الأصوات الملفوظة (أو التعبيرات، الألفاظ) لوحدات التفكير (أو المعاني). لم يكن هناك أي اختلاف [حقيقي] في الموقف الذي تبنّاه أي رأي تجاه أصل اللغة؛ لأنه إما الله أو المجتمع يمكن أن يوظَّف كواضعٍ أوّل للغة. لاحظ أن وحدات التفكير هي منطقيًّا على الأقل قبلَ اللغة؛ ومن ثَمَّ لا تُعتبر اللغة شرطًا مسبقًا للتفكير. اللغة هي مجموع الألفاظ مع مجموع معانيها. بمجرد تعيين الألفاظ لمعانيها من قِبل الواضِع؛ فإن ذلك يكون نهائيًّا لا رجعة فيه. وبعد أن ذكر هذه الافتراضات الشائعة حول اللغة؛ تحوّل الإيجي إلى وضع تصنيفٍ للوضع. لاحظ الإيجي أنّ – فيما اعتبره حالاتٍ غير مُشكلة – المعنى في ذهن الشخص الذي يضع اللفظَ؛ مطابِقٌ للمعنى الذي لديه في حالات الكلام الفعلية. ولكن ماذا عن الضمير، “هو”، الذي سيكون له معنًى مختلفٌ في مواقف الكلام المختلفة؟ هذه هي المشكلة التي أمعن النظرَ فيها الإيجيُّ في رسالته. لقد تبيَّن أنّ حلَّها، كما قال طاش كوبرى زاده لاحقًا؛ ليس سوى قطرة في بحر المشكلات في علم الوضع؛ فإذا أخذ المرء فكرة الوضع بجدية؛ فإن الوضع كتفسيرٍ عام للعلاقة بين اللفظ والمعنى قد انتهى إلى مشروعٍ هائلٍ استمرَّ حتى القرن العشرين (Weiss 1987: خصوصًا  341–345).

عُرِض علم البلاغة بصورة قياسية في الكتاب المدرسي لخطيب دمشق القزويني (ت 1325م) مختصر مفتاح البلاغة. كان علم البلاغة علمًا يحتوي على مادة مستمدة من عمل النحوي العظيم في القرن الحادي عشر واللاهوتي الأشعري عبد القاهر الجرجاني (ت 1078م). مدفوعًا بالجدل حول كيفية الحكم على إعجاز القرآن؛ حاول الجرجاني تطويرَ طريقة لتقويم التفوّق البلاغي.

المبدأ الأساس الذي رغِب في التأكيد عليه منذ البداية هو أن التفوُّقَ الأسلوبي يكمن في المعاني أو الأفكار للكلمات، وكيف ترتبط مع بعضها البعض في تأليفٍ معيّنٍ (النظم)، وليس في الألفاظ أو الكلمات نفسها (Larkin 1982: 77).

2-3- القضايا الموجّهة وقياس الموجَّهات

كان هناك عدد من أنظمة الموجّهات التي طوَّرها وناقشها المناطقة العرب. إن المواد المخصصة لدراسة هذا الموضوع كبيرة للغاية، وأكثر من مجرد حسابٍ سطحي لخطٍّ واحد من التطوير والنقاش. وأنا أتابع بعض الجوانب من القياس السينوي من خلال معالجاته في القرن الثالث عشر، وتحولها إلى جسم مدمج في المذهب الذي أُخِذ به في المدرسة. مع الأسف؛ في تحرير هذا المدخل؛ قد أغفلتُ الإشارة إلى الفارابي وابن رشد، ليس لأنهما غير مهمين، ولكنْ، أولًا لأنّ أطروحة الفارابي الأكثر أهمية حول القياس مفقودة، وثانيًا لأن ابن رشد يقع خارج التقليد المنطقي السينوي.

سيصبح من الواضح أن القياس السينوي قد حيَّر أولئك الذين جاؤوا بعده، وما زال يحيّر أولئك الذين يحاولون اليوم معرفةَ ما كان ابن سينا يفعله. هناك بعض الأسباب التي تجعلك تفكّر في أن القياس السينوي، من وجهة نظرٍ نظامية؛ قاصرٌ إلى حدٍّ ما؛ كان ذلك تقييمًا شائعًا إلى حدٍّ كبيرٍ بين منطقيي القرن الثالث عشر. يؤدي هذا بدوره إلى التفكير في أنه ربما لم يحاول ابن سينا أن ينتج نظامًا قياسيًّا، وأنه كان لديه أهداف أخرى في ذهنه نظرًا لأنه تعامل مع موادَّ انحدرت في نهاية المطاف من التحليلات الأولى لأرسطو (بعضُها، من الشرَّاح؛ كان يبدو متعارضًا مع ممارسات أرسطو). وإذا فَهِمتُ بشكلٍ صحيح؛ فإن هذا بصفة عامة هو كيفية مقاربة هودغز Hodges لابن سينا (انظر: Hodges 2011b, 2012a, and 2012b مع موارد الإنترنت الأخرى). من ناحية أخرى؛ قد يكون لدى ابن سينا نظامٌ معقَّد يدفع إلى تحليل أكثر قُربًا: تمضي دراسات ثوم Thom للقياس السينوي على هذا الأساس. أنا أميل إلى الاعتقاد بأن منهج ثوم واعدٌ أكثر. على أية حال؛ أخذ منطقيو القرن الثالث عشر من ابن سينا، وحاولوا، وفشلوا في تقديم نظام متماسك.

في هذه النظرة العامة الموجزة؛ أصف أحد جوانب شروط الصدق التي طرحها ابن سينا للقضايا الموجَّهة التي أصبحت مذهبًا شائعًا بين المنطقيين العرب فيما بعد. أمضي لفحص بعض ما قاله ابن سينا عن حد الموضوع في القضية، وبعض الاستدلالات التي دافع عنها. أصبحت مذاهب ابن سينا حول كلٍّ من حدّ الموضوع [في القضية]، والاستدلالات الموجّهة؛ قضايا محلَّ جدلٍ كبير في منطق القرن الثالث عشر، وأنا أتابع خطًّا واحدًا من هذا النقاش.

2-3-1 ابن سينا

في مقطع مشهور ومقتبَسٍ بكثرة؛ يضع ابن سينا ستة شروط يمكن أن يقال معها إن القضية لها جهة معينة (جميع أمثلته هي للقضايا الضرورية، إلا أن الشروط نفسَها تنطبق على القضايا ذات جميع الجهات). الشرطان الأولان هما الأكثر أهمية:

النص (16): الضرورة قد تكون على الإطلاق. كقولنا: الله تعالى موجود.

وقد تكون معلقةً على شرط:

والشرط إما (1) دوام وجود الذات. مثل قولنا: الإنسان بالضرورة جسم ناطق. ولسنا نعني به أن الإنسان لم يزل ولا يزال جسمًا ناطقًا؛ فإن هذا كاذبٌ على كل شخص إنساني. بل نعني به أنه مادام موجودَ الذات إنسانًا فهو جسم ناطق. وكذلك الحال في كل سلبٍ يُشبه هذا الإيجاب.

و(2) وإما دوام كون الموضوع موصوفًا بما وُضِع له. مثل قولنا: كل متحركٍ متغير. فليس معناه على الإطلاق، ولا مادام موجودَ الذات، بل مادام ذات المتحرك متحركًا.

وفرق بين هذا الشرط والشرط الأول؛ لأن الشرط الأول وضع في أصل الذات، وهو الإنسان، وهاهنا وضع فيه الذات بصفة تلحق الذات وهو المتحرك؛ فإن المتحرك له ذات وجوهر يلحقه أنه متحرك وغير متحرك، وليس الإنسان والسواد كذلك (ابن سينا، الإشارات (1971) 264- 266).

يأخذ ابن سينا القضية تحت الشرط – سيسمى لاحقًا، لأسباب واضحة: الذاتي– لتكون القضية الصحيحة للاستخدام أثناء وضع النظام الذي كان يجب أن يضعه أرسطو في التحليلات الأولى، ولإعداد المطالب الأساسية للميتافيزيقا الخاصة به. ركّز ابن سينا معظم انتباهه على الذاتي، وعندما بحث عن العكس الأقوى للقضية الذاتية؛ تجاهل الانعكاسات الوصفية. قارب المناطقة اللاحقون مسألة الشروط الذاتية والوصفية بصورة مغايرة، وغالبًا ما تجد القضايا الوصفية تنعكس إلى قضايا ذاتية. لقد دمجوا القراءتين بطريقة لم يفعلها ابن سينا.

نصَّ ابن سينا على حد الموضوع لجميع قضاياه، سواءً أكانت موجهَّةً بوضوح أم لا:

النص (17): اعلم أننا إذا قلنا: كل (ج) (ب)؛ فلسنا نعني به أن كلية (ج) (ب)، أو الجيم الكلي هو (ب).

بل نعني أن كلَّ واحدٍ واحدٍ مما يوصف بـ (ج)، كان موصوفًا بـ (ج): في الفرض الذهني، أو في الوجود الخارجي، وكان موصوفًا بذلك: دائمًا، أو غير دائم، بل كيف اتفق؛ فذلك الشيء موصوف بأنه (ب) من غير زيادة أنه موصوف به في وقت كذا أو حال كذا، أو دائمًا. فإن جميع هذا أخص من كونه موصوفًا به مُطلقا.

فهذا هو المفهوم من قولنا: كل (ج) (ب)، من غير زيادة جهة من الجهات. وبهذا المفهوم يسمَّى مطلقًا عامًّا مع حصره (ابن سينا، الإشارات (1971) 280، 282).

قد تكون عبارة “كان موصوفًا … في الفرض الذهني”؛ تعني أن حد الموضوع يتسع لأقصى حد ممكن، بحيث أن “كل (ج) (ب)” يجب أن تُعتَبر “كل (ج) ممكن (ب)”. هذا هو ما فهمه الفخر الرازي من ابن سينا (وكذلك في نموذجيْن حديثين من التوسيع السينوي القياسي للموضوع. Thom 2003, 2008b).

أعطى ابن سينا عددًا من الحسابات للقضايا والأقيسة الموجَّهة. وهنا أتابع بعض النقاط التي وردت في الإشارات والتنبيهات، قِبلة مناطقة القرن الثالث عشر (على الرغم من أنني أشير أيضًا إلى النجاة، الذي يتوفّر، مثل الإشارات؛ في ترجمة إنجليزية). تتضمن منهجيةُ ابن سينا القضايا التي بدون جهة واضحة (القضية المطلقة، اتُخِذت من قبل ابن سينا لتشمل الجهة الوقتية [الحينية اللادائمة]: “لا دائمًا”، لذلك تُفهم القضية على أنها: “كل (ج) (ب) بالإطلاق العام [بالفعل]”، والقضية السالبة الكلية مثل “لا شيء من (ج) (ب) دائمًا”)، سواء أكانت بجهة واحدة أو بجهتين [الموجهة المركبة]، والقضايا الممكنة سواء أكانت بجهة واحدة (” كل (ج) (ب) بالإمكان العام”) أو بجهتين [الموجهة المركبة]، والقضايا الضرورية (“كل (ج) (ب) بالضرورة”، والسالبة الكلية: “لا شيء من (ج) (ب) بالضرورة”).

في عرضه المبدئي؛ اعتبر ابن سينا أن القضية السالبة الكلية المطلقة، “لا شيء من (ج) (ب)”؛ تنعكس إلى “لا شيء من (ب) (ج)” (وهو عكْسٌ مقبول لدى أسلافه ومعاصريه). ثم رفض ابن سينا أن تنعكس الكلية السالبة المطلقة، وقدَّم مثالًا مضادًّا وُجِد لدى أرسطو “لا شيء من الحصان بنائم” (ابن سينا، النجاة (1985])39)، ومثالًا آخر من اختراعه “لا شيء من الإنسان بضاحك” (ابن سينا، الإشارات (1971) 322). وقَبِل أن القضايا الموجبة الكلية المطلقة، والموجبة الجزئية المطلقة، تنعكس:

  • “كل (ج) (ب)، و”بعض (ج) (ب)”، تنعكس إلى: “بعض (ب) (ج)”.

وقدَّم دليلًا توضيحيًّا على العكس (ابن سينا، الإشارات (1971) 330، ابن سينا، النجاة (1985) 44). وأثبت عكس القضية السالبة الكلية الضرورية:

  • “لا شيء من (ج) (ب) بالضرورة”، تنعكس إلى: “لا شيء من (ب) (ج) بالضرورة”.

النص (18): السالبة الكلية الضرورية تنعكس مثل نفسها سالبةً كلية؛ فإنه إذا كان “بالضرورة لا شيء من (ب) (أ)؛ فـ “بالضرورة لا شيء من (أ) (ب)”. وإلا فيمكن أن يكون (ألفٌ) ما (ب)، وليكن ذلك (ج)، حتى يكون في وقت ما صار (أ) صار (ب (، فيكون هو (ب) و (أ)، ” فيكون ذلك (الباء) (أ): هذا محال (ابن سينا، النجاة (1985) 44-45).

ثم انتقل ابن سينا إلى ما إذا كانت القضايا الموجبة الكلية الضرورية، والموجبة الجزئية الضرورية؛ تنعكسان إلى الموجبة الجزئية المطلقة (ابن سينا، النجاة (1985) 45)، أم إلى الموجبة الجزئية الممكنة؛ وموقفه الأخير هو أنهما تنعكسان إلى الموجبة الجزئية الممكنة (ابن سينا، الإشارات (1971) 335- 336).

  • “كل (ج) (ب) بالضرورة”، و”بعض (ج) (ب) بالضرورة”؛ تنعكس إلى “بعض (ب) (ج) بالإمكان العام”.

رفض ابن سينا عكس السالبة الكلية الممكنة (“لا شيء من (ج) (ب) بالإمكان العام “)، عن طريق المثال المضاد نفسِه الذي استخدمه في رفض عكس السالبة الكلية المطلقة العامة [الفعلية] (“لا شيء من الإنسان بضاحك [بكاتب] بالإمكان العام”). وجادل أن عكس القضية الموجبة الكلية الممكنة، والموجبة الجزئية الممكنة:

  • “كل (ج) (ب) بالإمكان العام”، و”بعض (ج) (ب) بالإمكان العام”؛ تنعكسان إلى “بعض (ب) (ج) بالإمكان العام”.

النص (19): إذا كان “كل (ج) (ب) بالإمكان”، أو “بعض (ج) (ب) بالإمكان”؛ فـ “بعض (ب) (ج) بالإمكان الأعم”. وإلا فليس بممكن أن يكون “شيء من (ب) (ج)”. فـ “بالضرورة – على ما علمت – لا شيء من (ب) (ج)”. وينعكس “بالضرورة لا شيء من (ج) (ب). هذا خُلف (ابن سينا، الإشارات (1971) 339 وما بعدها).

يُلاحظ أن الدليل على عكس السالبة الكلية الضرورية يعتمد على عكس الموجبة الجزئية الممكنة، والدليل على عكس الموجبة الجزئية الممكنة يعتمد على عكس السالبة الكلية الضرورية. ويمكن اقتراح أدلة بديلة: فبالنسبة لعكس السالبة الكلية، على سبيل المثال؛ يمكن أن يجادل المرء بأن عكْس “لا شيء من (ج) (ب) بالضرورة” إلى “لا شيء من (ب) (ج) بالضرورة”، إذا لم يكن “بعض (ب) (ج) بالإمكان العام”: أنّ هذا مع القضية الأولى؛ يُنتِج بواسطة الشكل الأول من القياس الاقتراني Ferio: “ليس بعض (ج) (ج) بالضرورة”، وهذا خُلف. كان هذا الدليل متاحًا لابن سينا، نظرًا لأنه اعتمد الشكلَ الأول من القياس مع القضايا الممكنة لأن مقدماته الصغرى تامة أو قريبة من ذلك، وقد رُفض هذا القياس المختلط ن قِبل أغلب المناطقة اللاحقين، جنبًا إلى جنب الأدلّة الأخرى.

 

2-3-2- المناطقة ما بعد السينويين

وعلى العموم، اعتنق المناطقةُ الذين جاؤوا بعد ابن سينا العديدَ من افتراضاته وتفريقاته: فهمه للقضية المطلقة (على الأقل فيما يتعلق بجهات محمولها)، وتفريق الذاتي والوصفي، وتقسيم القياس إلى اقتراني واستثنائي. لكنهم كانوا قلقين بشأن بعض ادعاءاته المتعلقة بالقضايا الموجَّهة، والأقيسة المنتِجة التي يمكن تشكيلُها منها. وبحلول منتصف القرن الثالث عشر؛ كان شاغلهم الرئيس هو إيجاد شروط الصدق المتعلقة بالقضايا التي يمكن أن تكون مفيدةً في العلوم (انظر النص (24) أدناه)، ومع ذلك فقد انطلق كلُّ واحد منهم من صياغات ابن سينا. كان التفريق [التمييز] المركزي في هذه المناقشات المتأخرة بين القراءتيْن الحقيقية والخارجية للقضايا. وهذا ما يعنيه المصطلحان “الحقيقية” و”الخارجية”:

النص (20): قولنا: “كل (ج) (ب)” يعتبر تارة بحسب الحقيقة، وتسمَّى حينئذ حقيقية، كأنها حقيقة القضية المستعملة في العلوم، وأخرى بحسب الخارج، وتسمّى خارجية، والمراد بالخارج الخارج عن المشاعر (الحواس) (التحتاني 1948: التحرير 94. 6- 8).

كان فخر الدين الرازي أولَ من أدخل التفريق بين القراءات الحقيقية والخارجية (انظر ملاحظات الرازي (2002)، 400). عندما نقول “كل (ج) [ب]؛ فإننا:

النص (21): لا نعني به ما يكون موصوفًا بالجيمية في الخارج، بل ما يكون أعم منه، وهو الذي لو وُجد في الخارج لصدق عليه أنه (ج)، سواء كان في الخارج أو لم يكن. فإنه يمكننا أن نقول “كل مثلث شكل”، ولو لم يكن شيء من المثلثات موجودًا في الخارج، بل على معنى أن كل ما إذا وُجد وكان مثلثًا فإنه لابد وأن يكون بحيث متى وُجد كان شكلًا (الرازي، الملخَّص (2002) 141. 6- 10).

(…)

وأما الثاني، وهو أن نعني بقولنا “كل (ج)” أن كلّ واحد مما وُجد في الخارج من آحاد (ج)، أو كل ما حضر من الآحاد (ج). وعلى هذا التقدير لو لم يوجد شيء من المسبّعات في الخارج لما صح أن يقال “كل مسبَّع شكل”، ولو لم يوجد في الخارج من الأشكال إلا المثلث لصح أن يقال “كل شكل مثلث”. وأما على الاعتبار الأول؛ فهما كاذبتان (الرازي، الملخَّص (2002) 142. 13- 143. 1).

ذهب الرازي إلى تحقيق [فحص] الاستدلالات [بناء على] كلتا القراءتين، ووجد أن الاستدلالات التي تأتي من القضايا بالقراءة الحقيقية تتوافق مع القراءة السينوية. أعطت هذه القراءاتُ للرازي جميعَ الانعكاسات المذكورة في القسم 2-3-1 أعلاه، ما عدا واحدًا (فقد اعتمد أن الموجبة المطلقة تنعكس إلى قضية ممكنة). كما قبِل أيضًا أنّ الأقيسةَ التي تتضمن مقدماتٍ صغرى من القضايا الممكنة؛ مُنتِجة. وربما تكون الاعتبارات الاستدلالية المفضَّلة بالنسبة للرازي هي تلك التي تميل إلى القراءة الحقيقية؛ إلا أن ما يحفِز على ذلك التمييز بوضوح هو الحاجة إلى أن تشير القضايا إلى أشياء غير موجودة “خارجيًّا”: والأمثلة دائمًا من الأشكال الهندسية غير التكرارية.

أوضح الرازي أنه لا يريد بالقراءة الحقيقية أن تبلغ إلى توسيع حدّ الموضوع إلى كل ممكن، كما نسَبه إلى الفارابي (“زعم الفارابي أنه ليس يُعتبر في قولنا “كل (ج)” حصول الجيمية بالفعل، بل كل ما أمكن اتصافه بها”، الرازي، الملخَّص (2002) 142. 4- 5). ولكنه بعبارة “الذي لو وُجد في الخارج؛ لصدق عليه”؛ طرح الرازي نطاقًا من الخطاب يتضمن الجيمات التي لا تمثُّلَ لها، ويبدو أنه اتخذ قضاياه بهذه الطريقة لتشير بالتالي إلى جيمات ممكنة.

هذا على الأقل هو ما فهمه الخونَجي من حلّ الرازي: أنه أخذ القضية إلى حدٍّ ليس أكثر من توسيع حدّ الموضوع إلى الممكن. وعلى عكس الرازي؛ فقد فهم الخونجي عبارة “لو كان موجودًا لكان (ج)” لتشمل الإشارة إلى الجيمات الممتنعة، ومن ثَمَّ فقد عدَّل أو رفض الانعكاسات الأول والثاني والثالث والرابع. وقبل الانتقال إلى كيفية استخدام الخونجي للقراءة الحقيقية؛ انظر تقييمه لقراءة الرازي في خاتمة فصل العكس في كتاب الكشف.

النص (22): واعلم أن هذه الأحكام التي ذكرناها في العكس، وإن كانت تخالف قول المتأخرين من المنطقيين؛ فلعلها لا تخالف قول القدماء منهم مخالفة كثيرة، حتى لو اكتفينا في كون الشيء موضوعًا كونه هو بالإمكان ولم نعتبر الثبوت بالفعل، كما ذهب إليه الفارابي، لزم انعكاس السالبة الضرورية ضرورية، والموجبات الممكنة ممكنة، ولم يزد عكس الفعليات على الإمكان، وكان القياس من الممكنة الصغرى في الشكل الأول منتجًا، على ما لا يخفى عليك بعد اختبارك بما سلف واعتبارك القضايا على هذا الاصطلاح. والمتأخرون حيث غيّروا الاصطلاح ولم يغيّروا الأحكام عمّا قالوه – مع اختلاف الحكم بحسب اختلاف المصطلح – لزمهم الخبط. ولعلّ تردد الشيخ في كون عكس الفعليات ممكنة أو مطلقة إنما هو لتردده في الاصطلاح، فحيث قال إنها تنعكس ممكنةً؛ لم يعتبر الثبوت بالفعل في الموضوع، وحيث قال إنها تنعكس مطلقة؛ اعتبر ذلك؛ لأن لزوم المطلقة على هذا الاصطلاح مما سيكاد أن يكون جليًّا بينًا، فلا يليق بالشيخ إنكاره (الخونجي، كشف الأسرار (2010) 145).

بعد رفضه لفهم الرازي للقراءة الحقيقية؛ عرض الخونَجي قراءته الحقيقية المعدَّلة ليصل إلى استنتاجات مختلفة. فإذا أخذنا عكس الكلية السالبة المطلقة العامة [الفعلية]، الذي اتفق ابن سينا والرازي على رفضه (وفقًا للرازي، فإن ذلك العكس لا يصح سواء بالقراءة الحقيقية أم الخارجية)؛ فقد وافق الخونجي على رفضه من حيث القراءة الخارجية (التي اتخذها بنفس الطريقة التي فعلها الرازي)، ومع ذلك ففي القراءة الحقيقية للخونجي فإنه “لا شيء من (ج) (ب) بالإطلاق العام [بالفعل]”؛ تنعكس جزئية سالبة دائمة “بعض (ب) ليس (ج) دائمًا”. وليُظهر ذلك الأمرَ؛ كان على الخونجي تقديم دليل على ذلك العكس، ثم الرد على الأمثلة المضادة لذلك. سأتخطى الأدلة، وأذهب مباشرة إلى كيفية تعامل الخونجي مع الأمثلة المضادة.

 

النص (23): واحتجوا على عدم انعكاس هذه القضايا بأنه يصدق “لا شيء من القمر بمنخسف بالضرورة الوقتية”، و”لا شيء من الحيوان بمتنفس بالانتشار” ولا يصدق في عكسيهما “بعض المنخسف ليس بقمر”، و”ليس بعض المتنفس بحيوان”، والوقتية أخص القضايا السبع، فمتى لم تنعكس لم ينعكس شيء منها.

وجوابه أنّا نمنع كذب قولنا “بعض المنخسف ليس بقمر” وأمثاله إذا كان الموضوع بحسب الحقيقة لأنه حينئذ يكون معناها: بعض ما لو دخل في الوجود كان منخسفًا ليس بحيث لو دخل في الوجود كان قمرًا، وذلك ممنوع، غاية ما في الباب أنّ كل منخسف داخل في الوجود قمر، وليس يلزم من ذلك صدق كل ما لو دخل في الوجود كان منخسفًا فهو بحيث لو دخل في الوجود كان قمرًا؛ لأن ذلك يتناول الأفراد الواقعة والممكنة والممتنعة، حتى لو شرطنا إمكانها مع ذلك كان حكمها حكم الخارجيات، فالمنخسف الذي ليس بقمر – وإن كان ممتنعًا – فهو من الأفراد التي لو دخلت في الوجود كانت منخسفة، مع أنه لم يجب أنه إذا دخل في الوجود كان قمرًا. وبالجملة إذا كانت القضايا حقيقة تمَّ ما ذكرنا من البرهان على انعكاسها، والنقوض غير لازمة، فوجب القول بصحة العكس (الخونجي، الكشف (2010) 129. 14- 130. 12).

ما يعنيه هذا بالنسبة للمثال المضاد الذي نُظر فيه من قبل “لا شيء من الإنسان بضاحك بالإطلاق العام”، هو أنه ينعكس على هذا المنظور إلى “بعض الضاحك ليس إنسانًا، دائمًا”. هذا لأننا، وفق قراءة الخونجي الحقيقية؛ قد نطرح الممتنع “الضاحك الذي ليس إنسانًا”. مع هذه القراءة الحقيقية المعدَّلة؛ انتهى الخونجي إلى الانعكاسات الآتية:

  • “كل (ج) (ب) بالإطلاق العام [بالفعل] “؛ تنعكس إلى “بعض (ب) (ج) بالضرورة” (الخونجي، الكشف (2010) 143).

  • “لا شيء من (ج) (ب) بالضرورة”؛ تنعكس إلى “لا شيء من (ب) (ج) دائمًا” (الخونجي، الكشف (2010) 135).

  • “كل (ج) (ب) بالضرورة”؛ تنعكس إلى “بعض (ب) (ج) بالضرورة” (الخونجي، الكشف (2010) 143).

  • “كل (ج) (ب) بالإمكان العام”؛ ليس لها عكس قابل للإثبات (الخونجي، الكشف (2010) 144).

لقد صدر مناطقة مراغة – الذين شملت أعمالُهم المختصراتِ المنطقيةَ التي جرى تدريسها كثيرًا في معظم الأحيان في العالم الإسلامي – بشكل رئيس عن عكس لابن سينا والرازي والخونجي. وافق الجميع على وجود مشكلات في استنتاجات ابن سينا، ولكن أيضًا كان نقد الخونجي للقراءة الماهوية للرازي (التي انتقدت معظم استنتاجات ابن سينا) صحيحًا. إلا أن تطوير الخونجي البديل للقراءة الماهوية قد أدّى إلى مشكلاته الخاصة. فأولًا؛ أثبت الأبهري أن القضية الكلية السالبة لا يمكن أن تكون صادقة وفق نسخة الخونجي للقراءة، ثم أثبت الطوسي الأمر نفسه حول القضية الكلية الموجبة. وبحلول الوقت الذي جاء فيه الكاتبي للتعامل مع المشكلة؛ أخذ تعليقَ الخونجي في النص (23) أعلاه على محمل الجد:

… تتعامل القضية من حيث موضوعها الحقيقي مع أفراد واقعية، وممكنة، ومستحيلة (تدخل تحت حد الموضوع). وإذا كان سنحدد الإمكانية (لهذه الأفراد) إلى جانب (الشروط الأخرى)؛ فإن حالتها ستكون حالة الأشياء الموجودة في الخارج.

كما عدَّل الكاتبيُّ قراءةَ الخونجي لحدِّ القضايا بالموضوعات الماهوية إلى تلك التي لديها موضوعات ثابتة في نفسها. ونتيجة لذلك؛ ففي الشمسية؛ قد أُخِذت القراءة الماهوية والخارجية لتكون في نفس الحالة، وهذا يعني أن جميع الاستنتاجات التي يمكن إثباتها من خلال قراءة فإنه يمكن إثباتها من خلال الأخرى. فذهب الكاتبي إلى أنّ:

  • “كل (ج) (ب) بالإطلاق العام [بالفعل]”؛ تنعكس إلى “بعض (ب) (ج) بالإطلاق العام [بالفعل]”.

  • “لا شيء من (ج) (ب) بالضرورة”؛ تنعكس إلى “لا شيء من (ب) (ج) دائمًا”.

  • “كل (ج) (ب) بالضرورة”؛ تنعكس إلى “بعض (ب) (ج)، حين هو (ب)، [بالإمكان أو بالفعل].

  • “كل (ج) (ب) بالإمكان العام”؛ ليس لها عكس قابل للإثبات.

لقد نظر التحتاني، الذي كتب في أوائل القرن الرابع عشر؛ إلى جهود أسلافه في القرن الثالث عشر، ولخّص طبيعة تحقيقاتهم. وإذا كانت رؤيته صحيحة؛ فقد حدّد مناطقة القرن الثالث عشر تحقيقاتهم في القضايا المفيدة علميًّا، واعترفوا في الوقت نفسِه بوجود العديد من القضايا الأخرى ذات شروط الصدق المختلفة التي يمكن أن يحققوا فيها.

النص (24): الفن يجب أن يكون قواعده عامة. لأنا نقول: القوم لا يزعمون انحصار جميع القضايا في الحقيقية والخارجية، بل زعمهم أن القضايا المستعملة في العلوم مأخوذة في الأغلب بأحد الاعتبارين، فلهذا وضعوها واستخرجوا أحكامها لينتفعوا بذلك في العلوم. وأما القضايا التي لا يمكن أخذها بأحد هذين الاعتبارين فلم يعرف بعد أحكامها، وتعميم القواعد إنما هو بقدر الطاقة الإنسانية (التحتاني 1848: تحرير 95 – 96. 11).


الببلوغرافيا

  • Abed, S., 1991, Aristotelian logic and the Arabic language in Alfârâbî, Albany: State University of New York Press.
  • Ahmed, A. Q., 2010, “Interpreting Avicenna: Urmawî/Tahtânî and the later logical tradition on propositions”, Documenti e studi sulla tradizione filosofica medievale, xxi: 313–342.
  • ––– 2011 b, “Systematic growth in sustained error: a case study in the dynamism of post-classical Islamic scholarship”, inThe Islamic Scholarly Tradition, Q. Ahmed, B. Sadeghi, and M. Bonner (eds), Leiden: Brill, 343–378.
  • –––2012“, Logic in the Khayrâbâdî School in India: a preliminary exploration”, inLaw and Tradition in Classical Islamic Thought: Studies in Honor of Professor Hossein Modarressi, Cook, N. Haider, I. Rabb, and A. Sayeed (eds), New York: Palgrave Macmillan, pp. 227–244.
  • الفارابي، 1931، إحصاء العلوم، القاهرة: مكتبة الخانجي.
  • ––– ، 1970، كتاب الحروف، تحقيق: محسن مهدي، بيروت: دار المشرق.
  • ––– ، كتاب القياس الصغير، بيروت: دار المشرق. في: المنطق عند الفارابي، تحقيق: رفيق العجم، في ثلاثة أجزاء، الجزء الثاني، صفحات: 65- 93.
  • Aouad, M., 1989, “La Rhétorique. Tradition syriaque et arabe”, in Goulet (ed.) 1989–, volume 1, pp. 455–472.
  • , ____2003 “La Rhétorique: Tradition syriaque et arabe (compléments)”, in Goulet (ed.) 1989–, Supplement, pp. 219–223. 2005
  • Aristotle, 1989, Aristotle: Prior Analytics, Smith (ed.), Indianapolis: Hackett.
  • Arnaldez, R., 1991, “Mantik”, (“logic”), inEncyclopedia of Islam, 2nd edition, Leiden: Brill, vol. 6, 442–452.
  • ابن رشد، 1983، مقالات في المنطق والعلم الطبيعي، سلسلة: رسائل فلسفية، كازابلانكا: دار النشر المغربية. تحقيق: جمال الدين العلوي.
  • ابن سينا، 1952، كتاب الشفاء: المدخل، تحقيق: محمود الخضيري، جورج قنواتي، فؤاد الأهواني، القاهرة: نشر وزارة المعارف العمومية.
  • ––– ، 1964، كتاب الشفاء: القياس، تحقيق: سعيد زايد، [مراجعة] إبراهيم مدكور، القاهرة: نشر وزارة المعارف العمومية.
  • ,––– 2005,The Metaphysics of “The Healing” (al-Shifâ‘), Provo: Brigham Young University. Translated M. Marmura .
  • –––، 1971، الإشارات والتنبيهات، القاهرة: دار المعارف، تحقيق: سليمان دنيا، في أربعة أجزاء، مع شرح الطوسي في أسفل الصفحة.
  • ,––– 1974, “al-Masâ‘il al-gharîba al-‘ishrîniyya”, in Mohaghegh and Izutsu 1974: 81–103.
  • –––، 1985، كتاب النجاة، طهران: Dânishgâh-i Tihrân، تحقيق: دانش بروه.
  • ,––– 2011, Avicenna’s Deliverance: Logic(from al-Najât), translated and edited by Asad Q. Ahmed, Karachi: Oxford University Press.
  • بدوي، عبد الرحمن، 1948/ 52, منطق أرسطو، القاهرة: دار الكتب المصرية. ثلاثة أجزاء.
  • Baydâwî, 2001, The Ascending Lights(Tawali‘ al-Anwar min Matali‘ al-Anzar), translated in Nature, Man and God in Medieval Islam, and trans. by E. E. Calverley and J. W. Pollock, Leiden: Brill. Two volumes.
  • Bertolacci, A., 2006, The Reception of Aristotle’s “Metaphysics” in Avicenna’s “Kitâb al-Sifâ‘”: A Milestone of Western Metaphysical Thought, Leiden: Brill.
  • Black, D. L., 1990, Logic and Aristotle’s “Rhetoric” and “Poetics” in medieval Arabic philosophy, Leiden: Brill.
  • ,––– 1991 “ ,Aristotle’s ‘Peri hermeneias’ in medieval Latin and Arabic philosophy: logic and the linguistic arts”, Canadian Journal of Philosophy, Supplementary volume 21: 25–83.
  • ,––– 1998“,Logic in Islamic philosophy”, inRoutledge Encyclopedia of Philosophy, London: Routledge, vol. 5, 706–713.
  • Boudon, V., 2000, “Galien”, in Goulet (ed.) 1989–, volume 3, 440–466.
  • Burnett, C. (ed.), 1993, Glosses and Commentaries on Aristotelian Logical Texts: The Syriac, Arabic and Medieval Latin Traditions, London: Warburg Institute.
  • محمد تقي دانش بروه؛ 1978، المنطق لابن المقفع؛ حدود المنطق لابن بهريز، طهران: Anjumân-i Shâhanshâhi Falsafah-i Iran.
  • –––، 1989، المنطقيات للفارابي، قم: مكتبة المرعشي النجفي. 3 أجزاء.
  • El-Rouayheb, K., 2004, “Sunni Muslim scholars on the status of logic, 1500–1800”, Islamic Law and Society 11(2): 213–232.
  • –––, 2005, “Was there a revival of logical studies in eighteenth-century Egypt?”, Die Welt des Islams, 45(1): 1–19.
  • –––, 2009, “Impossible antecedents and their consequences: some thirteenth-century Arabic discussions”, History and Philosophy of Logic, 30(3): 209–225.
  • , ––– 2010 a, “Introduction”, in Khunaji 2010.
  • –––, 2010 b, Relational Syllogisms and the History of Arabic Logic, 900–1900, Leiden: Brill.
  • –––, 2012, “Post-Avicennan logicians on the subject-matter of logic: some thirteenth- and fourteenth-century discussions”, Arabic Sciences and Philosophy 22(1): 69–90.
  • Elamrani-Jamal, A., 1983, Logique aristotélicienne et grammaire arabe (étude et documents), Paris: Librairie Philosophique J. Vrin.
  • –––, 1989, “Alinus”, in Goulet (ed.) 1989–, volume 1, 151–152.
  • –––, 1995, “Ibn Rusd et lesPremiers Analytiques d’Aristote: aperçu sur un problème de syllogistique modale”, Arabic Sciences and Philosophy 5(1): 51–74..
  • Elamrani-Jamal, A. and H. Hugonnard-Roche, 1989, “‘Les Seconds Analytiques’, tradition arabe”, in Goulet (ed.) 1989–, volume 1, pp. 521–524.
  • Endress, G., 1977, The works of Yahyâ ibn ‘Adi: An analytical inventory, Wiesbaden: L. Reichert.
  • –––, 1978, “Yahyâ b. ‘adi fi tabyîn al-fasl bayn al-mantiq al-falsafi wan-nahw al-‘arabî”, Journal for the History of Arabic Science 2: 39–50.
  • –––, 1986, “Grammatik und Logik. Arabische Philologie und griechische Philosophie im Widerstreit”, inSprachphilosophie in Antike und Mittelalter, Mojsisch (ed.), Amsterdam: Verlag B. R. Grüner, 163–299.
  • –––, 2006, “Reading Avicenna in the Madrasa”, in Montgomery 2006: 371–422.
  • Frank, R. M., 1990, “Review of Burkhard Mojsisch, ‘Sprachphilosophie in Antike und Mittelalter’ (Amsterdam, 1986)”, Journal of the American Oriental Society, 110(2): 356–360.
  • Gätje, H., 1985, “Zur Lehre von den Voraussetzungsschlüssen bei Avicenna”, Zeitschrift für Geschichte der Arabisch-Islamischen Wissenschaften, 2: 140–240.
  • الغزالي، 1322هـ، المستصفى من علم الأصول، بولاق: المكتبة الأميرية.
  • –––، 1961، معيار العلم، القاهرة: دار المعارف، تحقيق: سليمان دنيا، باسم: منطق تهافت الفلاسفة.
  • –––، 1966، محك النظر، القاهرة: دار النهضة الحديثة، تحقيق: محمد النعساني.
  • Goldziher, I., 1981, “The attitude of orthodox Islam toward the ‘ancient sciences’”, inStudies on Islam, translated and edited by M. L. Swartz, Oxford: Oxford University Press, 185–215.
  • Goulet, R. (ed.), 1989–, Dictionnaire des Philosophes Antiques, Paris: Editions du Centre national de la recherche scientifique. 5 volumes so far plus a Supplement.
  • Gutas, D., 2000, “Tardjama,” (“translation”, sections 2 & 3), inEncyclopedia of Islam, second edition, Leiden: Brill, vol. 10.
  • –––, 1988, , Avicenna and the Aristotelian tradition, Leiden: Brill.(New edition expected December 2013.)
  • –––, 1993, “Aspects of literary form and genre in Arabic logical works”, in Burnett 1993: 29–76.
  • –––, 1998, Greek thought, Arabic culture: The Graeco-Arabic Translation Movement in Baghdad and Early ’Abbasaid Society (2nd–4th/5th–10th c.), London and New York: Routledge.
  • –––, 2002, “The Heritage of Avicenna: The Golden Age of Arabic Philosophy, 1000 – ca. 1350”, inAvicenna and His Heritage, Janssens and D. De Smet (eds.), Leuven: Leuven University Press, 81–97.
  • –––, 2012, “The empiricism of Avicenna”, Oriens, 40(2): 391–436.
  • Hasnawi, A., 2008, “Avicenna on the quantification of the predicate”, in Rahman et al. 2008: 295–328.
  • –––, 2008,“Topique et syllogistique: la tradition arabe (al-Fârâbî et Averroès)”, in J. Biard and F. M. Zini (eds.), Les lieux de l’argumentation: Histoire du syllogisme topique d’Aristote à Leibniz, Turnhout, Belgium: Brepols, 191–226.
  • –––, 2013, “L’âge de la démonstration. Logique, science et histoire: al-Fârâbî, Avicenne, Avempace, Averroès”, in G. Federici-Vescovini and A. Hasnawi (eds), Circolazione dei saperi nel Mediterraneo : filosofia e scienze, secoli IX–XVII, (Proceedings of the seventh colloquium of SIHSPAI held 16–18 February 2006, Florence), Florence: Edizioni Cadmo, p. 257–282.
  • الحلي، 1363هـ، الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد، طهران: انتشارات بيادر، تحقيق: محسن بيدارفر.
  • Hugonnard-Roche, H., 2003, “La Poétique: Tradition syriaque et arabe”, in Goulet (ed.) 1989–, Supplement, 208–218.
  • –––, 1989 a, “Le de interpretatione”, in Goulet (ed.) 1989–, volume 1, 513–516.
  • –––, 1989 b, “Les premiers analytiques”, in Goulet (ed.) 1989–2003, volume 1 516–520.
  • –––, 1989 c, “Les réfutations sophistiques”, in Goulet (ed.) 1989–, volume 1, 526–528.
  • –––, 1989 d, “L’organon: Tradition syriaque et arabe”, in Goulet (ed.) 1989–, volume 1, 502–507.
  • –––, 1993,“Remarques sur la tradition arabe de l’Organon d’après le manuscrit paris, Bibliothèque nationale, ar. 2346”, in Burnett 1993, 19–28.
  • Hugonnard-Roche, H. and A. Elamrani-Jamal, 1989a, “Les catègories”, in Goulet (ed.) 1989–, volume 1, 507–513.
  • –––, 1989 b, “Les topiques”, in Goulet (ed.) 1989–, volume 1, 524–526.
  • Ibn-Khaldûn, 1858, Prolégomènes d’Ebn-Khaldoun: texte arabe(three volumes), Paris: Benjamin Duprat. Edited by M. Quatremère.
  • –––, 1967,, 1967, The Muqaddimah of Ibn Khaldûn, London: Routledge and Kegan Paul. 2nd edition. 3 volumes, translated by F. Rosenthal
  • Inati, S. C., 1984, Remarks and Admonitions, Part One: Logic. Toronto: Pontifical Institute of Mediaeval Studies.
  • جبر، فريد، 1999، النص الكامل لمنطق أرسطو، بيروت: دار الفكر اللبناني، جزآن.
  • الكاتبي، 1948، الرسالة الشمسية، القاهرة: الحلبي، مع شرح التحتاني.
  • الخونجي، 2010، كشف الأسرار عن غوامض الأفكار، تحقيق: خالد الرويهب، طهران: المعهد الإيراني للفلسفة ومعهد الدراسات الإسلامية، Free University of Berlin. ISBN 978-964-8036-59-6.
  • Lameer, J., 1994, Al-Fârâbî and Aristotelian syllogistics: Greek theory and Islamic practice, Leiden: Brill.
  • ––––, 1996, The Organon of Aristotle in the medieval oriental and occidental traditions”, Journal of the American Oriental Society, 116(1): 90–98.
  • –––, 2006, Conception and Belief in Sadr al-Din Shirazi, Tehran: Iranian Institute of Philosophy.
  • Larkin, M., 1982, “Al-Jurjani’s Theory of Discourse”, Alif: Journal of Comparative Poetics, 2: 76–86.
  • Madelung, W., 2000. “To See all things in things in the sight of God: Nasîr al-Dîn al-Tûsî’s attitude to sufism”, in N. Pourjavady and Z. Vesel 2000: 1–11.
  • Mahdi, M., 1970, “Language and logic in classical Islam”, in von Grunebaum 1970: 51–83.
  • Makdisi, G., 1981, The Rise of Colleges. Institutions of learning in Islam and the West, Edinburgh: Edinburgh University Press.
  • Margoliouth, D. S., 1905, “The discussion between Abû Bishr Mattâ and Abû Sa‘id al-Sîrâfî on the merits of logic and grammar”, Journal of the Royal Asiatic Society, 37(1): 79–129.
  • Menn, S., 2012. “Fârâbî in the reception of Avicenna’s metaphysics: Averroes against Avicenna on being and unity”, in D. N. Hasse and A. Bertolacci (eds.)The Arabic, Hebrew and Latin reception of Avicenna’s Metaphysics, Berlin: De Gruyter, 51–96.
  • Michot, Y., 2000, “Vanités intellectuelles. l’impasse des rationalismes selon le Rejet de la Contradiction d’ibn Taymiyyah”, Oriente Moderno, 19 (n.s.): 597–617.
  • Miller, L., 1984, Islamic Disputation Theory, D. thesis, Princeton.
  • Mohaghegh, M. and T. Izutsu (eds.), 1974, Collected texts and papers on logic and language, Tehran: Anjomane Asar va Mafakher-e Farhangi.
  • Montgomery, J. (ed.), 2006, Arabic Theology, Arabic Philosophy: From the Many to the One: Essays in Celebration of Richard M. Frank, Leuven: Peeters.
  • Perler, D. and U. Rudolph (eds.), 2005, Logik und Theologie. Das “Organon” im arabischen und im lateinischen Mittelalter, Leiden: Brill.
  • Peters, F. E., 1968, Aristoteles Arabus: The Oriental Translations and Commentaries of the Aristotelian Corpus, Leiden: Brill.
  • Pines, S., 1996, “A parallel in the East to thelogica vetus”, in S. Stroumsa (ed.), The Collected Works of Shlomo Pines: Studies in the History of Arabic Philosophy, Jerusalem: The Hebrew University Magnes Press, vol. 3, 262–266. Originally published in Philosophie im Mittelalter: Entwicklungslinien und Paradigmen, P. Beckmann (ed.), p. 125–129, Hamburg: Geburstag, 1987.
  • Pococke, E. (tr.), 1663, Historia Compendiosa Dynastiarum authore Gregorio Abul-Pharajio, Oxford.
  • Pourjavady, N. and Z. Vesel, 2000, Nasîr al-Dîn Tûsî: philosophe et savant du XIIIesiècle, Bibliothèque Iranienne, 54, Leuven, Belgium: Peeters Publishers. Actes du colloque tenu à l’Université de Téhéran (6–9 Mars 1997), Tehran.
  • Pourjavady, R., 2011, Philosophy in early Safavid Iran: Najm al-Dîn Mahmûd al-Nayrîzî and his writings, Leiden: Brill.
  • Pourjavady, R. and S. Schmidtke, 2006, A Jewish philosopher of Baghdad: ‘Izz al-Dawla Ibn Kammûna (d. 683/1284) and his writings, Leiden: Brill.
  • Rahman, S., T. Street, and H. Tahiri, 2008, The Unity of Science in the Arabic Tradition: Science, Logic, Epistemology and their Interactions, Berlin: Springer.
  • الرازي، 1355هـ، لباب الإشارات، القاهرة: مكتبة الخانجي، تحقيق: عبد الحفيظ عطية.
  • –––، 1996، الآيات البينات، بيروت: دار صادر، مع شرح ابن أبي الحديد المدائني.
  • –––، 2002، منطق الملخص، طهران: Intishârât Dānišgāh-i Imām Ṣādiq، تحقيق وشرح: قراملكي، وأصغري نزاد.
  • Rescher, N., 1963a, “al-Kindî’s sketch of Aristotle’s Organon”, The New Scholasticism 37(1): 44–5, Also in Rescher 1963b: 28–38.
  • –––, 1963 b, Studies in the History of Arabic Logic, Pittsburgh: University of Pittsburg Press.
  • –––, 1963 c, “Avicenna on the logic of conditional propositions ”, in Rescher 1963b: 76–86.
  • –––, 1964,, The Development of Arabic Logic, Pittsburgh: University of Pittsburgh Press.
  • Rudolph, U., 2005, “Die Neuberwertung der Logik durch al-Gazali”, in Perler and Rudolph 2005: 73–97.
  • –––, 2012, “Al-Fârâbî: Logik,” in Rudolph & Würsch, 413–422.
  • Rudolph, U., with R. Würsch, 2012, Philosophie in der islamischen Welt. 1. Basel: Schwabe.
  • Sabra, A. I., 1965, “Review of Nicholas Rescher’sAl-Fârâbî’s Short Commentary on Aristotle’s Prior Analytics (Pittsburgh 1963)”, Journal of the American Oriental Society, 85(2): 241–243.
  • –––, 1980,“Avicenna on the subject matter of logic”, Journal of Philosophy, 77(11): 746–764.
  • الساوي، 1898، البصائر النصيرية في علم المنطق، القاهرة: المكتبة الكبرى، تحقيق: محمد عبده.
  • Schmidtke, S., 1991, The Theology of al-‘Allâma al-Hillî (d. 726/1325). Berlin: Klaus Schwarz.
  • –––, 2013,“ Two commentaries on Najm al-Dîn al-Kâtibî’sal-Shamsiyya, copied in the hand of David b. Joshua Maimonides (fl. ca. 1335–1410)”, in Law and Tradition in Classical Islamic Thought: Studies in Honor of Professor Hossein Modarressi, Cook, N. Haider, I. Rabb, and A. Sayeed (eds), New York: Palgrave Macmillan, 173–191.
  • Shehaby, N., 1973, Avicenna’s Propositional Logic, Dordrecht and Boston: D. Reidel.
  • Smyth, W., 1993, “The making of a textbook”, Studia Islamica, 78: 99–115.
  • Stern, S. M., 1962, “A collection of treatises by ‘Abd al-Latif al-Baghdâdî”, Islamic Studies, 1(1): 53–70.
  • Street, T., 2001, “‘The eminent later scholar’ in Avicenna’sBook of the Syllogism,” Arabic Sciences and Philosophy, 11(2): 205–218.
  • –––, 2005,“Fahraddîn ar-Râzî’s critique of Avicennan logic”, in Perler and Rudolph 2005: 99–116.
  • –––, 2010, “Avicenna’s Twenty Questions on Logic: Preliminary Notes for Further Work”,Documenti e studi sulla tradizione filosofica medievale, 21: 97–112.
  • Strobino, R., 2010, “Avicenna on the indemonstrability of definition,” Documenti e studi sulla tradizione filosofica medievale, 21: 113–163.
  • –––, 2012, “Avicenna’s use of the Arabic translations of thePosterior Analytics and the ancient commentary tradition”, Oriens, 40: 355–389.
  • التحتاني، 1948، تحرير القواعد المنطقية في شرح الرسالة الشمسية، القاهرة: الحلبي، أسفل كتاب الكاتبي 1948.
  • Thom, P., 2003, Medieval Modal Systems: Problems and Concepts, Aldershot: Ashgate Publishing.
  • –––, 2008 a, “Al-Fârâbî on indefinite and privative names”, Arabic Sciences and Philosophy, 18(2): 193–209.
  • –––, 2008 b, “Logic and metaphysics in Avicenna’s modal syllogistic”, inThe Unity of Science in the Arabic Tradition: Science, Logic, Epistemology and their Interactions, Rahman, T. Street, and H. Tahiri (eds), Dordrecht: Springer.
  • ––––, 2010, “Abharî on the logic of conjunctive terms”, Arabic Sciences and Philosophy, 20(1): 105–117.
  • ––––, 2012,, “Syllogisms about possibility and necessity in Avicenna and Tûsî”, in C. Dutilh Novaes and O. Hjortland (eds), Insolubles and consequences: essays in honour of Stephen Read. Milton Keynes: College Publications, 239–248.
  • التولاوي، بطرس، 1688 (2001)، إيساغوجي أو المدخل إلى المنطق، بيروت: NDU Press.
  • الطوسي، 1971، شرح الإشارات، القاهرة: دار المعارف، منشور مع الإشارات لابن سينا.
  • –––، 1974a، “مطارحات منطقية بين الكاتبي والطوسي“، in Mohaghegh and Izutsu 1974: 279–286.
  • –––، 1974b، “تعديل المعيار في نقد الأفكار“،  in Mohaghegh and Izutsu 1974: 137–248.
  • von Grunebaum, G. E. (ed.), 1970, Logic in classical Islamic culture, Wiesbaden: Otto Harrassowitz.
  • Walbridge, J., 2000, “Logic in the Islamic intellectual tradition: The recent centuries”, Islamic Studies, 39(1): 55–75.
  • ––––, 2003,, “A nineteenth-century Indo-Islamic logic textbook”, Islamic Studies, 42(4): 687–693.
  • Weiss, B., 1974, “Medieval Muslim discussions of the origin of language”, Zeitschrift der Deutschen Morgenlandischen Gesellschaft, 124(1): 33–41.
  • –––, 1987, “Ilm al-wad‘: an introductory account of a later Muslim philological science”, Arabica, 34(1): 339–356.
  • Wisnovsky, R., 2003, Avicenna’s Metaphysics in Context, London: Duckworth Academic.
  • –––, 2004, “The nature and scope of Arabic philosophical commentary in post-classical (ca. 1100–1900 AD) Islamic intellectual history: Some preliminary observations”, in Philosophy, science and exegesis in Greek, Arabic and Latin commentaries, 2, Supplement to the Bulletin of the Institute of Classical Studies ,83/1–2,ed. H. Baltussen et al. London, 149–191.
  • Zimmermann, F. W., 1981, Al-Fârâbî’s Commentary and Short Treatise on Aristotle’s De Interpretatione, Oxford: Oxford University Press.

موارد الإنترنت الأخرى:

See Hodges’ home page for translations of Avicenna and other papers on Arabic Logic.

([1]) Street, Tony, “Arabic and Islamic Philosophy of Language and Logic”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2015 Edition), Edward N. Zalta (ed.),

URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2015/entries/arabic-islamic-language/>.

[2] ([2]) (المترجم): أود التنبيه على ما يلي:

أولًا: نقلت جميع النقول المذكورة في ذلك المدخل من مصادرها الأصلية، عدا نقلين لابن رشد نبهتُ عليهما. وقد احتفظتُ مع ذلك بإحالات المؤلف للمصادر التي اقتبس منها ترجمات تلك النقول، حفاظًا على عمله، ولأنها مصادر المؤلف، ولأنها دالة على مظان تلك الترجمات للقارئ المهتم بذلك.

ثانيًا: جميع ما في متن النص بين هذين المعقوفين []، فهو من إضافتي، وهي إضافات يسيرة؛ للتوضيح، أو ذكر بعض المرادفات التراثية المتعلقة بالأدبيات الأصلية.

ثالثًا: جميع تعليقات الحواشي هي للمؤلف، إلا التي أكتب قبلها أو بعدها (المترجم)، وقد آثرت أن تكون قليلة للحاجة الماسّة فحسب، نظرًا لضيق الوقت وكثرة الأشغال.

رابعًا: أتوجه بالشكر إلى الدكتور طوني ستريت، على حسن تواصله معي، وإمدادي ببعض النقول العربية الأصلية التي لم تكن مصادرها تحت يدي، فجزاه الله خيرًا.

([3]) هناك نظرات عامة أخرى حول الموضوع. والموصي به بصورة عالية: Arnaldez 1991، وهو جيد حول العلاقة المتبادلة بين المنطق والعلوم الإسلامية؛ Black 1998، وهو استعراض جيد للقضايا الفلسفية الخاصة بالمنطق العربي؛ Gutas 1993، وهو ممتاز حول أنواع الكتابات، والببلوغرافيا الأساسية والتاريخ العام؛ Rescher 1964، وهو لا غنى عنه، مع تاريخ عام وتفاصيل ببلوغرافية للمناطقة الأساسيين طيلة هذا التقليد؛ El-Rouayheb 2010a، لأجل نظرة عامة حول التطورات المهمة في هذا التقليد في القرن الثالث عشر.

([4]) حركة الترجمة هي ظاهرة معقَّدة، ولن نحاول هاهنا التعاطي مع دوافعها أو تحويل التركيز عن موضوعنا. للاطلاع على بيان تمهيدي، انظر: Gutas 2000، ولبيان أكثر تفصيلًا، انظر: Gutas 1998.

([5]) هي شكل من أشكال اللغة الفارسية القديمة (المترجم).

([6]) يشير ذلك إلى الكتاب الأول، Categories، Categoriaeـ المسمى لدى المعرِّبين العرب الأوائل: قاطيغورياس، من الأورغانون (المجموعة المنطقية المجموعة من كتابات أرسطو) (المترجم)

([7]) الكتاب الثاني  On Interpretation، De Interpretatione، المسمّى لدى المعرّبين العرب الأوائل: باريمينياس أو العبارة (المترجم).

([8]) الكتاب الثالث،  Prior Analytics، Analytica Priora، المسمّى لدى المعرّبين العرب الأوائل: أنالوطيقا الأولى، أو القياس (المترجم).

([9]) الكتاب الرابع، Posterior Analytics، Analytica Posteriora، المسمّى لدى المعرّبين العرب الأوائل: أنالوطيقا الثانية، أو البرهان (المترجم).

([10]) الكتاب الخامس، Topics، Topica، المسمّى لدى المعرّبين العرب الأوائل: الطوبيقا، أو الجدل (المترجم).

([11]) الكتاب السادس، Sophistical Refutations، De Sophisticis Elenchis، المسمّى لدى المعرّبين العرب الأول: سوفسطيقا، أو السفسطة، أو الأغاليط (المترجم).

([12]) الكتاب السابع، Rhetoric، المسمّى لدى المعربين العرب الأوائل: ريطوريقا، أو الخطابة (المترجم).

([13]) لمعلومات أساسية حول هذه الفقرة، والفقرات الثلاث الآتية، انظر: Peters 1968: 7–30 and Hugonnard-Roche 1989d والمقالات اللاحقة في Goulet 1989–.

([14]) الكتاب الثامن، Poetics، المسمّى لدى المعربين العرب الأوائل: بوطيقا، أو الشعر.

ويلاحظ أن الأورغانون في العصور الحديثة للبحث المنطقي يقتصر على الكتب الستة الأولى فحسب، في حين أنه يضم الكتب الثمانية في التقليد القروسطي (المترجم).

([15]) لفكرةٍ حول مجموعات الترجمة الناتجة عن ممارسات الترجمة هذه، انظر (وبخاصة حول مجموعة التحليلات الأولى): Lameer 1994: chapter 1.

([16]) الترجمة من Abed 1991: xvi (مع تغييرات طفيفة). وترد ترجمة للمحاورة بأكملها في Margoliouth 1905.

(المترجم): ونحن نقلناه من المصدر (الإمتاع والمؤانسة) لأبي حيان التوحيدي.

([17]) فهناك أولئك الذين يعتبرونها مهمة، ومنهم Elamrani-Jamal (1983) (مع الترجمة الفرنسية)، و Endress (1986) (مع الترجمة الألمانية)، و Mahdi (1970) (بتناول خاص). وهناك أولئك الذين يعتبرونها غير مهمة نسبيًّا، من بينهم فرانك Frank؛ انظر: استعراضه لإندرس Endress في Frank 1990 (وأنا أتفق مع فرانك).

([18]) الإيماني fideist، نسبة للإيمانية، وهي مذهب لاهوتي يقول بالإيمان القلبي من دون الحاجة إلى الاستدلال العقلي، وهو يشيع في المسيحية، بدءًا من أوغسطين ومذهبه في الإشراقات وصولًا إلى الذروة مع البروتسانتية وبخاصة في نسختها الكالفنية والإيمان من خلال التجربة، وهو اتجاه موجود في التصوف الإسلامي – غير الفلسفي – بكثرة. وأقرب ما يمكن التعبير عنه في هذا السياق فوق (النقلي). (المترجم).

([19]) الفارابي، كتاب القياس الصغير (1986) 68. 11- 12. راجع:  Sabra 1965: 242a. ولتحليل الحجج الفقهية التي اخُتزلت إلى أقيسة، انظر: Lameer 1994: chapters 6, 7 & 8.

([20]) راجع: Zimmermann 1981; Dânishpazhûh 1989. ولتقييم فلسفي لذلك المسار القصير، انظر: Thom 2008a.

([21]) هناك إصداران للأورغانون العربي: بدوي (1948/52م)، وجبر (1999م). للاطلاع على ملاحظات حول طبيعة الحواشي، انظر: Hugonnard-Roche (1993)؛ انظر أيضًا العرضَ في هذا المقال: Lameer (1996).

([22]) انظر تقريرًا حول محاولات عبد اللطيف البغدادي (ت 1231م) لتعلم منطق الفارابي في: Stern 1962.

([23]) الحدس هو مصطلح فني في فلسفة ابن سينا. لمعالجة أوسع انظر: Gutas 1988 وبخاصة  197–198.

([24]) انظر: Gutas 1988 لبيان وتسلسل زمني لأعمال ابن سينا الرئيسة، وبخاصة 101 وما بعدها (الشفاء)، و 140 وما بعدها (الإشارات).

([25]) لم أقف على المصدر، وهو كتاب: (مقالات في المنطق والعلم الطبيعي)، تحقيق: جمال الدين العلوي، دار النشر المغربية، الدار البيضاء (1983) – التي ينقل منها الكاتب -، وتحقيق: أسعد جمعة، بعنوان: (المقدمات في الفلسفة، أو المسائل في المنطق والعلم الطبيعي والطب)، دار كيرانيس للطباعة والنشر والتوزيع، تونس، (2014م) فترجمت المراد بأوفق عبارة تؤدي المعنى، وتكون قريبة من الأسلوب القديم عمومًا، والرشدي خصوصًا. والأمر نفسه يقال في النص الآتي من الكتاب نفسه، فليُراعَ ذلك. (المترجم).

([26]) انظر الساوي 1898؛ حيث إنه يصحح بأدب لـ (أفضل المتأخرين) في مسائل من القياس: تصحيح حساب ابن سينا للتناقض 68. 14 وما بعدها، والعكس 76. 3 وما بعدها، والموجهات المختلطة المركبة 91. 10 وما بعدها.

([27])  للوقوف على تحليل أوَّلي، انظر: Street 2005. ويشمل المنشورات المهمة التي لم نرجع إليها لهذه الدراسة، ومنها: Râzî 1996، و 1381 A.H.

([28]) مترجم في: El-Rouayheb 2004: 227.

(المترجم): القائل: الملَّوي في شرح السلم المنورق في المنطق، وقد نقلناه من الأصل، وما بين الأقواس من إضافة الرويهب على النص المترجم إلى الإنجليزية، ونقلها المؤلف.

([29]) يصنع El-Rouayheb (2005) بداية واعدة في بحرٍ من المواد. انظر أيضًا: Walbridge 2000, 2003.

([30]) إن التولاوي (2001)؛ هو جزء من مشروع أكبر، نأمل أن يجلِب هذه النصوصَ إلى ضوء البحث العلمي:

Max van Berchem Foundation/Articles.

([31]) قال في المورد: الثُّلاثيّة: الفنون الحُرَّة الثلاثة [النحو والبلاغة والمنطق] التي كانت تؤلِّف الجزء التمهيدي من الفنون الحرّة السبعة في مدارس العصر الوسيط (المترجم).

([32]) الفارابي، إحصاء العلوم (1931) 12. 5- 8؛ مترجمة في: Black 1998 (تغييرات طفيفة).

([33]) الفارابي، إحصاء العلوم (1931) 17. 5- 7، 18. 4- 7، الفقرة الأولى مترجمة في Black 1998.

([34]) مترجمة ومحلَّلة في Sabra 1980: 752؛ ترجمة كتاب ابن سينا: كتاب الشفاء، المدخل (1952) 15. 9- 17. (اختلافات طفيفة مع ترجمة صبرا).

([35]) ابن سينا، الإلهيات (2005) 7؛ مترجمة في Sabra 1980: 753, and in Bertolacci 2006: 273.

([36]) من: ابن سينا، كتاب الشفاء، المدخل (1952) 23. 5- 6، 24. 3- 4، مترجمة في Black 1991: 54؛ وانظر أيضًا: Sabra 1980: 762.

([37]) ابن سينا، كتاب الشفاء، المدخل (1952) 22: 14- 23: 8؛ مترجمة جزئيًّا في Sabra 1980: 763؛ وجزئيًّا في Black 1991: 54–55 (أجريت تغييرات طفيفة).

([38])  Lameer 2006 هي الدراسة الرئيسة لهذا الثنائي. سيستخدم لاميير (في ترجمة التصديق) “belief” بدلًا من “assent”. انظر الآن: Gutas 2012، الذي يستخدم “acknowledge as true.”

([39]) ابن سينا، كتاب الشفاء، المدخل (1952) 17. 7- 17، المترجم في Sabra 1980: 760 (تغييرات طفيفة).

([40]) المقوِّم constitutive عند المناطقة أعم من الذاتي ومن اللازم، فإن «المقوم هو الشيء الذي يدخل في ماهيته فتلتئم ماهيته منه ومن غيره» (ابن سينا، منطق المشرقيين، 13، ط المكتبة السلفية، القاهرة 1910م)، ومن ثَمَّ «يشترك المقوم واللازم في أن كل واحد منهما لا يفارق الشيء» (ابن سينا، منطق المشرقيين، 14)، و«لما كان المقوم يسمى ذاتيًّا، فما ليس بمقوِّم – لازمًا كان أو مفارقًا – فقد يسمى عرضيًّا، ومنه ما يسمى عرضًا»، (ابن سينا، منطق الإشارات، 213، ط دار المعارف، القاهرة 1960م)، و«قد يستعمل الذاتي بمعنى آخر، …، فيخصص هذا باسم المقوّم، وهو: إما ما تتألف منه الذات فيكون ذاتيًّا بالقياس إلى الذات، …. وإما ما هو نفس الذات فهو ذاتي بالقياس إلى جزئيات الذات المتكثرة بالعدد فقط»، (الطوسي، شرح الإشارات (مع الإشارات ط المعارف)، 200). (المترجم).

([41]) يقتبس El-Rouayheb 2012: 73 من جامع الدقائق في كشف الحقائق f. 12b; British Library codex Or. 11201.

([42]) Black 1990: 247–258 (الذي اعتمدتُ عليه) لتقييم الآثار الفلسفية لنظرية السياق.

([43]) مترجم في Miller 1984: 200 (صنعت تغييرات طفيفة؛ فمخطوطتي تختلف قليلًا عن مخطوطته)؛ وانظر: Berlin ms. Ldbg. 1035, f.141 right column lines 40–45.