مجلة حكمة
الفاشية: التاريخ الأوروبي للفاشية - داريل ميتشل / ترجمة: عياد الرمالي

الفاشية: التاريخ الأوروبي للفاشية – داريل ميتشل / ترجمة: عياد الرمالي

الفاشية: مناقشة من معجم الماركسية


الفاشية هي شكل من أشكال سلطة الدولة التي نشأت وفقا لفكرة “الملكية الفردية” في النظام الرأسمالي، هي نوع عنيف وإرهابي من سلطة الدولة التي أتت على أساس إلغاء وإسقاط المعايير الديمقراطية التي كان يتبناها البرجوازيين في البلاد وإحلال مصالح الشركات محلها ومن ثَم وضعها كهدف عام للدولة والبلاد. كان صعود الفاشية  إلى السلطة من خلال قتال مع طبقات مختلفة من جماهير البرولوتاريا  الذين كانوا في حالة من الاضطراب ومتقبلين لأفكار الثورية ورؤية جديدة للمجتمع.

نشأت الفاشية في أوروبا وتعززت في الثلاثينيات من القرن الماضي، في حقبة اقتصادية مختلفة عما هي عليه الفاشية اليوم. ففي تلك الأعوام قامت أوروبا باستكمال المرحلة النهائية في الانتقال من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي، حيث جلبت ثورة عام ١٩١٧ السوفيتية البرولوتاريين والفقراء الفلاحين إلى السلطة وسحبت الإتحاد السوفيتي خارج النظام الرأسمالي. لقد أشارت الأدبيات الماركسية إلى أن الفاشية الألمانية والإيطالية من أكثر الانظمة الرأسمالية رجعية في تلك الفترة.

“أيها الرفاق، لقد وصفت (اللجنة التنفيذية للشيوعية العالمية الثالثة عشر) الفاشية بأنها من فتحت الباب لظهور الديكتاتورية الإرهابية  في أكثر الأنظمة رجعية،  شوفينية، وأكثرها إمبريالية في النظام الرأسمالي.” ( ديميتروف, الفاشية الهجومية ومهام الشيوعية العالمية في نضال الطبقة العاملة ضد الفاشية، 1935)

يعرب هذا التعريف للفاشية عن الطابع المميز لها في تلك الحقبة. تمثل الفاشية هنا الأجندة السياسية  لقطاع رأس المال: القطاع الأكثر رجعية، القطاع الأكثر شوفينية والقطاع الأكثر إمبريالية، والتي سعت للأسواق من أجل منتجاتها الصناعية. الفاشية هي استجابة سياسية بالمقام الأول للقطاع الصناعي من رأس المال، والتي عبرت عن حاجتها  إلى مستعمرات وأسواق جديدة.

مضى الهدف الاستراتيجي للفاشية الأوروبية متعارضا مع مصالح الرأسمالية الأمريكية. عارضت الإمبريالية الأمريكية الاستعمار الأوروبي المباشر الذي هدد المصالح الامريكية الرأسمالية. لقد سعت كل من اليابان، ألمانيا وإيطاليا للحصول على مستعمرات جديدة ومصادر دخل جديدة  من المواد الخام على حساب كل من الولايات المتحدة، الدول الإمبريالية الأخرى والاتحاد السوفيتي.

لم تكتمل جميع مراحل تطور الثورة الصناعية نظرا لحدوث ظروف معينة في أوروبا أثناء تلك الفترة الانتقالية في الثلاثينيات، ونتج عن ذلك نشؤ معارضة ديمقراطية برجوازية ضد الفاشية داخل الطبقة الرأسمالية. في المقابل، شكلت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفا مع كل من يعارض الفاشية بما في ذلك الاتحاد السوفيتي.

كانت فاشية كل من ألمانيا، إيطاليا و اليابان جزءا من تطور الرأسمالية  التجارية-الصناعية، استنادا إلى مايعرف ب مرحلة ” هنري فورد التصنيعية”  والنظام الاستعماري في جميع أنحاء العالم . لقد استندت الفاشية في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية على صيغة شركات منبثقة من مرحلة احتكار الرأسمالية. وقد سعت الفاشية في أسلوبها القديم إلى “شراكة” بين الشركات والحكومات وموظفي الدولة وممثلي النقابات، أو ما يشبهه من تحويل نقابات العمال  إلى جبهات عمال فاشية  كما هو الحال مع الفاشية الإيطالية في العشرينيات و الفاشية الألمانية في الثلاثينيات. لقد تغير الاقتصاد بشكل دراماتيكي خلال ال 80 سنة الماضية ، وكان على تعريف ” الكومنترن ” للفاشية أن يُحدَّث أو حتي يُلغى.

الفاشية اليوم هي عبارة عن حكم دولة الشركات العملاقة بلا قيود عن طريق تقليد البلاد الديموقراطي-الجمهوري البرجوازي، ، صيغة  الحكومة والدولة وأخيراً نظام الحرية السياسية. إن الفاشية عبارة عن اندماج القوة الاقتصادية-السياسية  للشركات العملاقة مع السلطة السياسية  للدولة وشرعنة الديكتاتورية العسكرية-الإرهابية في عصر الآلاتية. إن الفاشية هي عسكرة حفظ الأمن وتدخل الدولة في كل جزء من الاقتصاد والمجتمع للمحافظة على حكم الملكية الخاصة.

 

الفاشية المعاصرة للولايات المتحدة الأمريكية

الفاشية هي صيغة سياسية  لسلطة الدولة، والفاشية ذات السلطة في القرن الواحد والعشرين هي البوابة المفتوحة للإرهاب الديكاتوتوري لدولة الشركات العملاقة. دولة الشركة العملاقة هي انماج القوة الإجتماعية, الاقتصادية والسياسية  للشركات العملاقة مع الحكومة والسلطة السياسية  للدولة. تعبر كلمة الشركات العملاقة ( Mega-Corporations ) عن تراكم هائل لرأس المال في عصر مايسمى بعصر الاقتصاد الآلاتي ((robotic economy، حين تُقدّر قيمة هذه الشركات بمئات المليارات من الدولارات، ومنها  أتى لقب عملاقة (mega). الدولة منظمة تحتكر العنف في أيدي الطبقة الحاكمة، وهي نتاج التضارب في الطبقية المتعاكسة. تعبر قوة الدولة عن الاقتصاد وتحميه. ليست الفاشية نظاما اقتصاديا ،بل هي نظام سياسي-صيغة من الدولة تستند على نظام اقتصادي وروابط إنتاجية.

الفاشية هي التحول في صيغة حكم الدولة. ويحدث هذا التحول اليوم في سياق الاقتصاد الآلاتي النامي. الفاشية اليوم هي استجابة سياسية فردانة من قبل البشر- طبقة حاكمة ضيقة  بشكل متزايد من الممولين للمضاربات في البورصة- في اقتصاد عالمي تهيمن عليه الشركات العملاقة العاملة في اقتصاد آلاتي. تقود أرضية الملكية الشديدة الضيق للممولين في مضاربات في البورصة والشركات العملاقة  إلى عنف حفظ الأمن الغير مقيد الذي يترجعه المجتمع. كانت أرضية الملكية (الأساس الطبقي) للفاشية خلال الثورة الصناعية نوعا من التسليع الإنتاجي البرجوازي والطبقة الرأسمالية بالتعاون مع طبقة عريضة من أصحاب أملاك بمستوى أقل.

اليوم وخلال عصر الاقتصاد الآلاتي، أصبحت أرضية الملكية للفاشية جمع من الملكية الخاصة البرجوازية وثروة منفصلة عن الإنتاج التسليعي أو مايسمى ب (فائض القيمة). تعبر الفاشية اليوم عن كامل العملية التاريخية من التركيز والتمركز حول رأس المال. ينافس الدولة حجم تركيز القوى المنتجة ونفوذ للشركات العملاقة، ويطلب تدخل الدولة المباشر لحماية مصالحه في الأسواق العالمية. إن النزعة نفسها التي صنعت الشركات العملاقة قد صنعت قبلها صيغة جديدة من رأس مال  تجاري-صناعي يسمى” المضارابات المالية ” ليشير بأنه منفصل إلى حد ما  عن الانتاج التسليعي ( فائض القيمة ) أو مايسمى ب ” الاقتصاد الحقيقي “. صنعت المضاربات المالية البنية التي قامت عليها هذه الشركات العملاقة. لذا تتداخل المضاربات المالية مع مجرى الأحداث للشركات العملاقة و تهيمن عليها.

إن غرض الفاشية، سواء كان في الماضي أم في الاقتصاد الآلاتي الجديد، هو الهيمنة على ثلاثة جوانب مترابطة من العلاقات الانتاجية واستدامتها وهي: الملكية الفردة، الثروة الخاصة، الامتياز الاجتماعي.

اليوم، وخلال هذه المرحلة من الاقتصاد الآلاتي وهيمنة المضاربات المالية عليه, تسعى سلطة الفاشية ” دولة الشركة العملاقة” إلى المحافظة على الثروة الخاصة ، والامتيازات المؤسساتية للمجموعات السائدة في المجتمع في اقتصاد منتزع بشكل متزايد من أساسه التاريخي لاقتطاع  فائض القيمة للإنتاج والانتاج التسليعي. تسعى الشركات العملاقة لحماية منشآتها الانتاجية، واتي تهيمن عليها وبشكل متزايد النظم الآلاتية. يسعى كلا التيارين إلى حماية الدولة من الجماهير المتزايدة للبروتاليين المعدمين الذين أُقصوا خارج مجتمع أُسس على أرضية الملكية الخاصة والامتياز.

يخضع تطور وتعزيز الفاشية القرن الواحد والعشرين  كمجتمع لثورة إجتماعية. إن الثورة الاجتماعية هي انتقال من مجتمع صناعي إلى اقتصاد آلاتي.

أُستبدلت وسائل الإنتاج في القرن الواحد والعشرين؛ فالحاسوب والآلة يدمران الأساس الاقتصادي للرأسمالية والمعتمد على بيع وشراء جهد العمالة. كانت العلاقة الاقتصادية الأساسية  قائمة في الأصل على عملية تبادل بين العاملين في المصانع من جهة والشركات والرأسماليين من جهة أخرى، أي يقوم العمال بالعمل في هذه الشركات وإنتاج السلع بجهودهم مقابل حصولهم على المال، ثم يقومون بشراء حاجياتهم الأساسية من سلع وغيرها، بينما يقوم الرأسماليون بشراء جهود العمال بدفع رواتب لاتساوي مقدار جهودهم، لينتجوا في مصانعهم وشركاتهم ثم يقومون ببيع هذه المنتجات والسلع على العمال، التي هي في الأصل من إنتاجهم. إن الذي يحدث مع الآلات والحاسوب هو تدمير للسوق؛ بمعنى تدمير عملية التبادل القائمة بين العمال والرأسمالية، أي حينما تحل الآلة محل العمال تتوقف عملية التبادل بينهما وينحصر  إهتمام العاملين على شراء الحاجات الضرورية فقط.

 تقوم الفاشية العالمية للشركات في القرن الواحد والعشرين على تدمير موضوعي للنظام الاقتصادي الرأسمالي الذي أحدثته الثورة الاقتصادية في القرن الماضي. تقوم طبقة الرأسمالية العالمية بتنفيذ وتطبيق برنامج الفاشية بهدف حماية الملكية الفردية. هناك نضوج في كثير من البلدان حول العالم، وعلى مدى العقدين الماضيين،و بدرجات متفاوتة فيما يخص  الفاشية الاقتصادية والأنظمة السياسية في تلك البلدان.

الفاشية العالمية

يلعب الطلب على العولمة دوراً خاصة  في تطور الفاشية، ولذلك يجب القضاء على الحواجز التي تحول دون انتقال الرأسمالية العالمية لتشمل أكثر بلدان العالم، ومن ضمن هذه الحواجز المؤسسات الديمقراطية البرجوازية والقوانين القائمة. تعمل الحكومات في مختلف دول العالم على كسر الحواجز المتبقية ، سواءً كانت قانونية أو سياسية،  والإندماج في الأسواق العالمية.

تقوم الطبقة المسيطرة على الحكم في الولايات المتحدة بعمل مبادرة لجمع مزيد من الثروات والممتلكات عبر تشكيل تكتلات تجارية عالمية وأنظمة جديدة للعولمة. الأول هو إتفاق مكون ١٢ دولة وهو مايسمى ب “الشراكة عبر المحيط الهادي” (TPP) والذي يُنتظر صدوره بشكل نهائي من قبل الكونجرس الأمريكي، أما الثاني فهو ” شراكة التجارة والاستثمار عبر الاطلسي TTIP ) )” وهو بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، والذي لايزال قيد التفاوض. مع العلم بأن ليس للشعوب في هذه الدول المتفقة على الشراكة رأي ولا أحقية في التصويت على هذه الاتفاقيات.

تم تصميم كلا البرنامجين (TPP) و ( TTIP ) لعزل وإضعاف اقتصاديات كل من روسيا والصين، ويتم التفاوض عليها سرا والتي تسمى ب ” تسوية المنازعات بين المستثمرين والدولة ” ( ISDS ) وهي مصممة للسماح ل ” الشركات متعددة الجنسيات ” للطعن في قانون الجمارك أو أي قوانين أخرى تضر بالمصالح الاستثمارية لهذه الشركات في هذه الدول. تجتمع هيئة تحكيم مكونة من محامين الشركات العالمية سراً  وتقرر ما إذا حدث أي انتهاك للإتفاق، فإذا تحقق الانتهاك، فإن هذه الهيئة تقدر الغرامة المالية للشركة التي أنتُهكت من قبل الجمارك أو القوانين التي تحكم هذا البلد. وبالتالي فإن من شأن هذا تقويض السيادة الوطنية لأي بلد من هذه البلدان الشريكة عندما تتعارض قوانينها مع المصالح الاستثمارية لهذه الشركات. وتعتبر هذه الاتفاقيات هي مرحلة جديدة ومتطورة من مراحل الفاشية  “الفاشية العالمية”.