مجلة حكمة
الغموض موسوعة ستانفورد للفلسفة

الغموض

الكاتبروي سورنسن
ترجمةمنى الرفاعي
تحميلنسخة PDF
د. روي سورنسن، بروفيسور الفلسقة في جامعة واشنطن سانت لويس، كاتب مقالة الغموض
د. روي سورنسن، بروفيسور الفلسقة في جامعة واشنطن سانت لويس، كاتب مقالة الغموض

حول التحدي الفلسفي الذي يطرحه الغموض ، والمقارنة مع الإبهام والعموم، وبحث السؤال حول ما إذا كان كل الغموض لغوي أم لا؛ نص مترجم لد. روي سورنسن، والمنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. نسخة PDF


هناك اتفاق واسع على أن المصطلح يكون غامضًا عندما يصل إلى درجة يكون فيها مختَلـَفًا عليه، هذا يجعل المصطلح المختلف عليه حرجًا فيما يخص الغموض. وهنا سأركّز على الوصف التاريخي للحالات المختلف عليها والتي قد يقبلها معظم المفسّرين. عندها سيتقارن الغموض مع العمومية، وهذا سيوضّح التحدي الفلسفي الذي يتظاهر به الغموض. حينها سأناقش بعض النظريات المنافسة للغموض مع التأكيد على المنطق متعدد القيمة والتقييم الفائق والسياقية. وسأختم بسؤال ما إذا كان كل الغموض لغويًا.

 

  1. مقاومة الاستفسار
  2. المقارنة مع الإبهام والعموم
  3. التحدي الفلسفي الذي يطرحه الغموض
  4. المنطق متعدد القيم
  5. التقييم الفائق
  6. التقييمية الفرعية
  7. السياقية
  8. هل كل الغموض لغوي؟
  • المراجع
  • أدوات أكاديمية
  • مصادر أخرى على الإنترنت
  • مقالات ذات صلة

مقاومة الاستفسار

إن قطعت رأسًا واحدة من رجل ذو رأسين، فهل بهذا تكون قد قتلته؟، ما هو الحد الأقصى لطول قامة رجل قصير؟، ومتى تتطور البيضة المخصبة لتصبح إنسانًا؟

يستحيل الإجابة على تلك الأسئلة لأنها تحتوي على حالات وسطية مطلقة. في الغالبية العظمى من الحالات فإن عدم إدراك الحدود على صلة بالوسائل المعطاة لحل المسألة (Sorensen 2001, chapter 1)، فمثلًا لا نستطيع الحكم على ولدٍ ما بأنه “سمين” بمجرد النظر إليه، فهذا يعتبر حالة وسطية. وقد تحاول أمُ فضولية أن تحل المسألة عن طريق حساب مؤشر كتلة جسم ابنها، فالمعادلة هي أن تقسم وزن جسمه (بالكيلوجرامات) على مربع طوله (بالأمتار)، فإن تعدّت القيمة 30 فهذه النتيجة تعتبره سمينًا. العملية الحسابية نفسها سوف تخلق حالة وسطية، فالأم قد تستخدم رسم بياني للوزن مقابل الطول. الرسومات البيانية هذه ليست قطعية لأنها لا تعكس نسبة الدهون إلى العضلات، أو ما إذا كان الطفل لديه عظام كبيرة، وما إلى ذلك. فلا يمكننا الحكم قطعيا إذا ما كان الولد سمينًا أم لا إن لم يوجد طريقة لحساب ذلك، فنعتبره إلى ذلك الحين حالة حدودية. عندما نصل لهذه المرحلة سوف نبدأ بالظن ما إذا كان الشك الذي بداخلنا يعود إلى مفهوم السمنة فضلًا عن طرائقنا المحدودة لحسابها.

يستهدف تشارلز ساندر بيرس الحالات الحدودية المطلقة في مقدمته عن “الغموض” في “قاموس الفلسفة وعلم النفس”:

تعتبر مسألةً ما غامضة عند وجود حالات محتملة للأشياء المقصودة غير المؤكدة جوهريا، وإن تأمل فيها المتكلّم فسيعتبرها مرفوضة أو مسموح بها في الفرضية. لا نعني بعدم التأكد الجوهري التردد في النتيجة الصادرة عن جهل المتكلم، ولكن لان عادات المتكلم في اللغة كانت متوسطة.(Peirce 1902, 748)

في الحالات الحدودية النسبية فإن السؤال واضح ولكن طريقة إجابتنا عليه ناقصة، أما في الحالات الحدودية المطلقة فنجد النقص في السؤال نفسه. عندما يتم تطبيق مصطلح ما على إحدى حالاته الحدودية المطلقة فالناتج سيكون عبارة تقاوم جميع محاولات تقرير ما إذا كانت صحيحة أم خاطئة. لا يوجد كم من التحليل التصوري أو التحقيق التجريبي بإمكانه تقرير ما إذا كان فصل رأس واحدة من رجل ذو رأسين يعتبر وكأنك قطعت رأسه. قد نتظاهر بأننا حللنا الأمر عن طريق وضع شروط بأن “قطع الرأس” يعني “فصل الرأس” (مثلا تعارض التعبير مع “اجعله بلا رأس” أو “افصل الرأس” أو “افصل الرأس الأكثر أهمية”). ولكن هذا قد يرقى إلى تغيير الموضوع إلى مسألة تبدو بكل بساطة مماثلة لقطع الرأس.

الغموض يُعرّف قياسيًا على أنه امتلاك حالات حدودية. فمثلًا كلمة “طويل”، الرجل الذي يبلغ طوله 1.8 مترًا لا يعتبر بوضوح طويل القامة ولا قصير القامة. لا يوجد كم من التحليل التصوري أو التحقيق التجريبي بإمكانه أن يقرّر هل يعتبر طول 1.8 طويلًا أم لا. فالحالات الحدودية مقاومة للاستفسار.

عندما تطرح سؤالًا بلاغيًا مثل “من أين يبدأ ذيل الثعبان؟”، فالمتكلم يلمّح إلى عدم وجود إجاية محددة. ولكن يمكن تحديد موقع الذيل عن طريق تعقبه من نهاية القفص الصدري للثعبان. نسبة خاطئة من عدم التعيين قد تؤدي إلى تخلي سابق لأوانه عن الاستفسار. إن خطر الاستفسار غير المجدي والأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها يجب أن يتوازن ضد خطر التخلي عن الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها حقًّا.

مقاومة الاستفسار عادةً ما تكون لعنة عكسية، لأنه بالإضافة إلى عدم الوضوح في الحالة الحدودية، يكون هناك بشكل طبيعي عدم وضوح عند بداية الغموض. الشفق يحكم الوقت الفاصل بين النهار والليل، ولكن عدم إدراكنا لمتى يبدأ الشفق يوضح أن هناك حالات حدودية تتعلق بالنهار. بناءً على ذلك فالحالات الحدودية هي حالة حدودية بحد ذاتها. هذا النظام الأعلى من الغموض يبدو أنه يظهر أن الغموض غامضًا بذاته. (Hu 2017 ).

غموض مصطلح “غامض” سيكون له نتيجتين مهمّتين، أولا غوتلوب فريج لم يستطع وصف المسندات الغامضة بشكل متناسق على أنها غير مترابطة، ويستخدم في اتهامه كلمة “غامض”. مفهوم فريج عن الدقة هو بحد ذاته غير واضح لأن كلمة “دقيق” هي مكمّل لكلمة “غامض”.

ثانيًا، الغموض المحيط بكلمة “غامض” تقضي على الجهود التي تصنع خطًّا فاصلًا محايدًا بين الصحيح والخطأ. إن لم يكن الفاصل بين الصحيح والخطأ، فعندئذ سيكون بين الصحيح والحالة المتوسطة. تقديم حالات وسطية أبعد يؤخر الحتمية.

هذا يحفّز الأفكار الثانية بخصوص الغموض من الدرجة الثانية. فبدلًا من الاستمرار في التعامل مع غموض الدرجة العليا كنوع من التبصّر، بعض الفلاسفة يرفضون الاعتراف بأن الغموض الأقصى هو حالة من الوهم (Wright 2010). فهم ينكرون وجود تكرار مطلق للحالة الحدودية. يرون أيضًا أنه من المؤثّر جدًا عدم تناول المتكلمين للحالات الحدودية المتداخلة. (Raffman 2005, 23)

يقول المدافعون عن الغموض الأقصى بأن المتكلمين العاديين يتجنبون تكرار “حدود” لنفس سبب تجنبهم كلمات مثل “مليون” أو “يعرف”. التكرار مربك لكن له معنى تام. “الحدود” تعتبر مسند غامض، فمثلا “الحدود” ممكن أن تترسّخ في نقاشات الاستدلال التراكمي. يحاول أيضًا المدافعون عن الغموض الأقصى حسم الحالة بعيّنات محددة مثل الحد الفاصل عند ثنائيي الجنس (استنتاج أن هؤلاء الأشخاص هم حالات حدودية ذكورية متداخلة).(Sorensen 2010).

المقارنة مع الإبهام والعموم

كلمة “طويل” نسبية. فالشخص بطول 1.8 متر يعتبر طويل بالنسبة للأقزام ولكنه ليس كذلك بالنسبة للماساي. على الرغم من أن النسبية تزيل الغموض، إلا أنها لا تلغي الحالات الحدودية. هناك أقزام أقصر تعتبر أطوالهم متوسطة بالنسبة للأقزام، وهناك ماساي طوال تعتبر أطوالهم متوسطة بالنسبة للماساي. إن أصحاب الغموض الصريح هم توضيحات كاملة للكلمة مثل “هو طويل بالنسبة إلى رجل فرنسي من القرن الثامن عشر”. الكلمات تكون غامضة فقط بطريقة غير مباشرة، من خلال امتلاك ميزة الإحساس بأنها غامضة. وعلى العكس، فالكلمة المبهمة تحمل غموضها صريحًا ببساطة لأنها تملك ميزة المعنى المزدوج.

هذا التناقض بين الغموض والالتباس في المعنى تحجبه حقيقة أن معظم الكلمات غامضة ومبهمة. كلمة “طفل” مبهمة لأنها تحمل معنيين، فهي تعطي معنى “ذرية” ومعنى “الذرية الصبيانية”. المعنى الأخير لكلمة “طفل” غامض لأنه يملك حالات حدودية. التناقض معقّد إلى حدٍ أبعد بالحقيقة التي تقول بأن معظم الكلمات عامةٌ أيضًا، فكلمة “طفل” مثلًا يندرج تحتها الأولاد والفتيات.

الغموض والالتباس يتناقضان أيضًا حسب تقدير المتكلم. إن وُجدت كلمة مبهمة، فالمتكلم قادر على حلّها بعيدًا عن الاستخطام الحرفي لها، فمثلًا يمكنه أن يخبر بأن كلمة “طفل” يعبّر بها عن “الطفولة الصبيانية”. وإن كانت الكلمة غامضة فالمتكلم لا يمكنه حلّ حالتها الحدودية، فمثلًا المتكلم لا يمكنه أن يعني بكلمة “طفل” كل من هو تحت الثامنة عشرة فقط من خلال نيته هذا القصد. إن جاز التعبير فهذه الفكرة ليست ضمن ما يتعلق بكلمة “طفل”، قد يُفهَم بأنه يتبنى اعتقادا حرًا بأن هذا المصطلح يناسب قصدًا خاصًا. الاعتراف بالابتعاد عن الاستخدام العادي من شأنه أن يعفيه من الالتزام بالدفاع عن الانفصال الحاد.

عندما قال ألفريد هيتشكوك مخرج الأفلام متأملًا أن جميع الممثلين أطفالًا فقد كان يتصرف بحرية مع الحالات العكسية الواضحة لكلمة “طفل”، فضلًا عن حالاتها الحدودية. إن مدى ملائمة عموميته ليس محكومًا بالقيمة الحقيقية للمعنى الحرفي، لأنه غير صحيح على نحوٍ جليّ. وكذلك نحن لا نحكم على دقة الحالة الحدودية من خلال قيمتها الحقيقية، لأنه من الواضح أنه ال يمكن التأكد إن كانت صحيحة أم لا. بدلًا من ذلك نحكم على الدّقة من خلال البساطة والتحفظ والخصوبة. الدقة التي ترسم خطًا وسط الحالات الحدودية تحفظ الاستخدام النموذجي أكثر من الدقة التي ترسم خطًا وسط الحالات الواضحة. ولكن المحافظة هي مجرد أمنية من بين الكثير. في بعض الأحيان التوازن الأفضل يتحقق على حساب تحوّل الحالات الإيجابية السابقة إلى حالات سلبية.

بمجرد أن ننتقل من المعنى الحرفي إلى المعنى المجازي، نحصل على سيطرة إبداعية على مفراداتنا كلها ليس فقط الغامض منها. عندما تقول وكيل سياحي أن “فرنسا سداسية”، فلا يمكننا الإشارة إلى أنها تعهدت بخطأ تصنيف فرنسا هندسيًا كمضلع له ستة جوانب. بدلًا من ذلك نفسر قول الوكيل السياحي مجازيًا، مثل أن تعني بأن حدود فرنسا تمثل الشكل السداسي. وبالمثل، عندما يقول الوكيل السياحي أن “رينو هي أكبر مدينة صغيرة” لا نفسرها على أنها تغفل الغموض الذي تحمله عبارة “مدينة صغيرة”. تمامًا مثل استخدامها خطأ “فرنسا سداسية” للإشارة إلى استعارةٍ ما، تستخدم الإبهام الواضح في عبارة “رينو هي أكبر مدينة صغيرة” للإشارة إلى المبالغة.

مع افتراض أنّ المتكلّمين ينقصهم التّقدير الحرفي لمصطلح غامض، فلا يجب علينا توبيخهم على ترددهم. فحيثما لا يوجد قرار لاتخاذه، فلا مكان للخطأ.

قد يملك المتحدثون تقديرًا حرفيًا إن كانت للعبارات التي تحمل مسندًا لحالاتها الحدودية اختلافات مسموحًا به في الاستخدام اللغوي. فمثلًا، يقول كريسبن رايت وستيوارت شابينو أن المتكلم الكفؤ يمكنه تصنيف الحالات الحدودية بشكل تام كمثال إيجابي، بينما متحدث كفؤ آخر قد يفسر الحالة سلبية تمامًا.

من أجل المقارنة، انظر إلى التقدير بين التهجئات البديلة. يستخدم البروفيسور ليترمان كلمة “حكم” بدون حرف العلة الأول (ترتيبه في الكلمة الحرف الخامس) للترويج لفكرة أن الحرف الصامت يشير إلى حرف علة طويل. ما زال مولعًا بذكريات أغنية الأطفال لتوم لهرر التي كتبها عام 1971 بعنوان “حرف العلة E الصامت”، والتي تقول أنه يمكن للجميع معرفة:

ما هو الحرف الذي غير معنى وطريقة نطق كلمة can لتصبح “cane”؟

وما هو الحرف الذي غير معنى وطريقة نطق كلمة pan  لتصبح “pane”؟

إنه بالطبع حرف العلة “E” المضاف إلى آخر كل كلمة منهما.

ويقول أيضا ما الذي يمكنه تحويل كلمة “cub” إلى كلمة “cube”؟

وكلمة “tub” إلى كلمة “tube”؟

إنه حرف العلة “E” المضاف إلى آخر كل كلمة.

برفض البروفيسور ليترمان الإضافة المضللة لحرف العلة “إي” ولكن يعترف بأن إضافتها في كلمة “حكم” صحيحة، فهو لا يعاقب طلّابه على خطئهم في تهجئة كلمة “حكم” عند اضطرارهم إلى كتابتها. ومثل أساتذة آخرين، فهو يوبّخ طلابه إن فشلوا في الالتزام بالتهجئة نفسها طوال الكتابة. اختر ولكن التزم باختيارك!

فيما يتعلق بتهجئة كلمة “حكم”، فالبروفيسور ليترمان لديه تأكيد قوي بأن الكلمة في ذهنه لا تحتاج لنطق حرف العلة “إي” الأول في الكلمة. يمكنه الاستمرار في ذلك، وضم إلى ادعاءه الأصلي معلومات عن البديل، فيقول بأن كلمة “حكم” لا تحتاج لحرف العلة “إي” الأول وقد تحتاجه أيضًا. في المقابل تأكيد ليترمان على أن “مارثا هي امرأة” ليس قويًا فيما يتعلق بأن “مارثا: هي حالة حدودية لـ”امرأة”. (مثلا، ليترمان يعلم بأن مارثا أصغر مما تبدو عليه). المعلومة الجديدة قد تؤدي بليترمان للتراجع عن ادعاءه لصالح معلومة مقيّدة، مثل “مارثا قد تكون امرأة وقد لا تكون”. من الصعب التعبير عن فقدان البروفيسور ليترمان للثقة إن كانت المعلومات عن حالتها الحدودية ببساطة طرقًا مختلفة وجائزة لوصفها. اكتشافات المتغيرات الرمزية لا تتعهد بتغيير المعتقدات السابقة.

الجديد عن الحالة الحدودية له خاصية مميزة. فقدان الوضوح يتسبب في فقدان الصلاحية، إن لم تخفف من ثقتك فستكون مسؤولاً عن القطعية. للاعتراف بأن مراثا هي حالة حدودية لكلمة “امرأة” فبهذا تعترف بأنك لا تعرف أن مارثا امرأة. لهذا السبب يمكن حلّ المناظرات من خلال إظهار أن الخلاف هو فوق الحالات الحدودية. على المناظرين أن يكونوا في حالة من عدم الثقة إن كانوا يتعاملون مع حالة حدودية، فهم لا يملكون حرية تشكيل معتقدات خارج إطار شهادتهم.

كل جديد عن المنطق البديل هو مثل الجديد عن التهجئة البديلة، لا يوجد تأثير مؤكد (باستثناء معتقدات اللغويات الفوقية عن طبيعة الكلمات). تأكيدك على أن “جميع العزّاب رجالًا” قوي بالنسبة للخبر الذي يقول بأن “أعزب” لها منطق بديل بمعنى أنها تملك طابعًا ذكوريًا. المصادقات ليست قوية بالنسبة للعمومية المخفية. إن قالت فتاة أفريقية بأن “الفيلة لا يمكن ترويضها” ولكن علمت حينها أن هناك نوعًا آخر من الفيلة يستوطن آسيا فستفقد بعضًا من الثقة، وتقول بإمكانية ترويض الفيلة الآسيوية. الأخبار عن العمومية المخفية لها تأثير مؤكّد. فيما يتعلق بالقوة، فإن الغموض يعكس العمومية أكثر من أن يعكس عدم الوضوح.

المصطلحات الحسابية مثل “الأعداد الاولية” تظهر أنه بإمكان مصطلح ما أن يكون عامًا دون أن يكون غامضًا، وكذلك أيضًا يمكن لمصطلح آخر أن يكون غامضًا دون أن يكون عامًا أو والعكس صحيح. الحالات الحدودية ذات الخبر الفارغ تحليليًا تفسّر هذه الاحتمالية.

العمومية مفيدة بالتأكيد، ما يتعلمه المرء حول حالة معينة من حرف “الفاء” يمكن إسقاطه على حالات أخرى من الحرف بناءً على الحرف المعمول به. عندما تعلم فتاة أن قطتها تملك غشاءً رافًا يحمي عينيها، فتتوقع بشكل صحيح أن لقطة جارتها نفس الغشاء الرّاف. والعمومية تنقذ العمل، فعندما تقول الفتاة بأنها تريد لعبة بدلًا عن الملابس، فهي تضيّق مجال الهدايا المقبولة بدون التطرق إلى مشكلة تحديد هدية بعينها. الفتاة أيضًا توازن بين القيم، فعلى الهدية أن تكون مرغوبة بحد ذاتها وبرغم ذلك أن تكون مفاجأة. إن كنت غير واثقٍ أيّ قناة هي التي تعرض الطقس، فيمكنها التحديد عن طريق وصف القناة بقول إنها القناة رقم “شيء وأربعون”. هناك علاقة عكسية بين ثراء محتوى مسألةٍ ما وبين احتماليته، كلّما كان الادعاء محدّدًا كلما قلّت احتمالية صحّته. يمكننا عمل مقايضات معقولة بين الحقيقة والتفاصيل عن طريق قياس العمومية.

لـ”الغموض” معنى يرادف العمومية الشّاذة. هذا ينتج العديد من التفسيرات المبهمة عن الغموض. فمثلًا يقول العديد من المفسّرين أن الغموض ينتج بسبب التصنيفات الواسعة التي تسهل عملية التصنيف. فإن وصفت سترتك بأن لونها أحمر فليس عليّ التأكيد على أنه أحمر قرمزي. هذه الحرية في استخدام الفواصل الشاسعة تساعد بشكل واضح على التعلّم والتعليم والتواصل والتذكّر. إن يكن؟ فالمشكلة هي تفسير وجود الحالات الحدودية. هل هي موجودة لأن الغموض هدف؟ أم أنها آثار جانبية للنقاشات العادية، مثل الصدى؟

كل لغة طبيعية هي غامضة ومبهمة في نفس الوقت. غير أن كلا الميزتين تبدوان غير أساسيّتين. في الواقع هما محذوفتان من اللغات المصغّرة مثل مدققو التدوين ولغات البرمجة الحاسوبية والتفسيرات الرياضية. وأكثر من ذلك، يبدو أن كلا من الغموض والإبهام يجب أن يكونا مصغرّيْن. “غامض” و”مبهم” كلاهما مصلحات ازدرائية، ويستحقّان سمعتهما السيئة. فكّر بكل المعاناة الآلية المستهلة

لو سأل السائق الراكب: هل اتجه يسارًا؟

فيجيبه الراكب: بنعم (right) ]تعني نفس الكلمة يمين ونعم باللغة الانجليزية[.

 

يمكن للإنجليزية أن تكون فتّاكة. على مدى طويل ناشد الفلاسفة بلغة مثالية من خلال الإشارة إلى كيف أن الغموض يخلق خطر المواربة:

على الأطفال ألا يعملوا

كل شخص هو طفل لشخص ما

إذًا لا يجب على أحد العمل

لحسن الحظ أننا نعرف كيف ننتقد ونصحح كل الالتباس. في الواقع كل لغة طبيعية يمكنها إزالة الغموض بنفسها بمعنى أن لكل لغة مصادرها اللازمة التي يمكن بها أن تحدد بشكل استثنائي أي قراءة يرغب بها المرء. الغموض هو غالبًا السبب وراء التأمل الفلسفي ونادرًا ما يكون هدفًا لها.

التّحدي الفلسفي الذي يطرحه الغموض

على النقيض، ينتج الغموض مشكلة عميقة ألا وهي تناقض الاستدلال التراكمي. مثلًا:
الخطوة الأساسية: إن كان الإنسان بعمر يوم واحد فهو طفلًا.

الاستقراء: إن كان الإنسان بعمر س من الأيام يكون طفلًا، إذًا يكون طفلا أيضًا بعمر س+1.
النتيجة: بذلك يكون الإنسان ذو عمر 36500 يوم طفلًا.

النتيجة خاطئة لأنّ الإنسان بعمر المئة سنة هو بكل وضوح ليس طفلًا. بما أنّ الخطوة الأساسية يتضح أنها صحيحة والبرهان صحيح بالاستقراء الرياضي، فيبدو ألّا خيار لدينا سوى رفض الافتراض الثاني.

انتبه جورج بولوس (1991) إلى أنه لدينا حجة مستقلة ضد خطوة الاستقراء. فبالإضافة إلى الدلالة على جمل شرطية معقولة مثل “إن كان الإنسان بعمر يوم واحد هو طفل، فالإنسان بعمر يومان هو طفل أيضًا”، وكذلك الاستقراء يشمل حالات شرطية سخيفة مثل “إن كان الإنسان بعمر يوم واحد هو طفل، فعندما يكون عمره 36500 يوم يكون طفلًا أيضًا”.

تحيّر بولوس لماذا نتجاهل هذا التفنيد الواضح بالأدلة؟ أحد التفسيرات هو أننا نميل إلى التعامل مع الاستقراء كتعميم عام، مثل “يملك الناس عشرة أصابع”. (Sorensen 2012). بينما التعميم الرسمي “جميع الناس لديهم عشرة أصابع” يدحضه الناس أصحاب الأحد عشر إصبعًا. التعميم العامل يتساهل مع الاستثناءات.

هذه الفرضية منطقية بالنسبة للمقبلين الجدد على الاستدلال التراكمي المتناقض، ولكنها أقل منطقية بالنسبة لأولئك الذين يدرسهم البروفيسور بولوس. فهو يرشد طلّاب المنطق إلى التفسير الصحيح للاستقراء. عندما ينجرف الطلّاب نحو القراءة العامة، يذكّرهم بولوس بأن الاستقراء هو تعميم رسمي.

تحت إشراف بولوس الصارم، يدفع طلاب المنطق برهانٍ ثانٍ نحو قلب المفارقة الاستدلالية التراكمية. على الرغم من بعد المفارقة عن الواقع. إنكار الفرضية الثانية يوحي كلاسيكيًا إلى بداية الطفولة. لأنها تعني التعميم الوجودي على رقم ن من الأيام، بحيث أن الإنسان يكون طفلًا بعمر ن من الأيام ولكنه لا يكون كذلك بعد يوم واحد منها.

يقبل علماء الجهل المعرفي، (وهو مبدأ فلسفي يؤكد على أن هناك حدود للخبر الغامض لا يمكن اكتشافها)، هذه النتيجة المدهشة، ويعتقدون أن الغموض هو شكل من أشكال الجهل. يجد تيموثي ويليامسون (1994) أن مصدر الجهل ببداية الطفولة يعود إلى مبادئ “هامش الخطأ”. إن كان المرء يعلم أن الإنسان بعمر ن من الأيام يكون طفلًا، إذًا هذا الإنسان لا بد وأن يكون طفلًا بعمر ن + 1 من الأيام. من ناحية أخرى قد يحالف المرء الحظ. مع افتراض أن هناك بداية، فربما نجهل موقعها.

الجدال حول مبدأ هامش الخطأ يجرّنا عميقًا نحو علم المعرفة والوجهة (Yli-Vakkuri 2016)، بعض المفسرين يحولون التركيز نحو مواقف أضعف من المعرفة. كما قال نيكولاس سميث (2008- 182)، لا يمكننا حتى أن نخمّن أنّ بداية الصلع هي 400 شعرة. وينكر هارتري فيلد (2010 – 203) فكرة أن الإنسان العاقل يخشى التقدم في العمر بعد تخطيه مرحلة البداية. لا يتطلب الأمل والتفكّر والتساؤل أي أدلة ولكن يتطلبون الفهم، فهذا يكشف أن هذه المواقف لديها مشاكل في التمسك بفكرة بداية الشيخوخة (أو أي خبر غامض آخر). مما يفسر ذلك تفسيرا بسيطا هو أن الكفاء اللغوية الصريحة تعطينا معرفة بعدم وجود بدايات مثل هذه. هذا يفسر المظهر الهزلي لعلماء الجهل المعرفي. تمامًا كما لا يوجد مجال تصوري عن وجود رقم صحيح بين الرقم ستون وواحد وستون، فلا يوجد مجال تصوري عن تجاوز المرء لمرحلة بداية الشيخوخة بين عمر الستون والواحد والستون.

أحد علماء الجهل المعرفي قد يرد: إن ثقتي الجزئية في أن بداية الشيخوخة محددة بعمر معيّن لا تتجمع لتصبح ثقة كليّة بعدم وجود رقم كهذا. إن راهنتُ على كل رقم كعمر محدد للبداية، فسأخسر عند رقمٍ ما بالتأكيد، أما إن كسبت الرهان فلن يكون هناك فرصة لي للتحول إلى الشيخوخة. وبذلك يكون وكيل مراهناتي قد أنشأ كتاب مراهنات رابحة ضدي، ويكون له الحق في الحصول على الربح بدون الاضطرار لتحديد أي رهان خسرته. بما أنه يمكن استخلاص الاحتمالات من موقف الرهان الافتراضي، فيجب عليّ في الواقع إسناد بعض الاحتمالات الصغيرة (لا تكاد تُذكر عادةً) إلى فرضيات تحدد البداية بدقة. وعليك كذلك أيضًا.

ينكر ستيفان شيفر (2003 – 204) أن تقديرات الاحتمالات الكلاسيكية تنطبق على السياقات الغامضة. لنفترض أن دونالد هو حالة حدودية في العمر والصلع، فوفقًا لشيفر علينا أن نكون واثقين في جملة العطف هذه “دونالد عجوز وأصلع”  كما في حالات العطف الأخرى. إضافة العطف لا يقلل الثقة لأن لدينا “الاعتقاد الجزئي الغامض” فضلًا عن الاعتقاد القياسي الذي يفرضه الرياضيون الذين يطوّرون نظرية الاحتمالات. يعرض شيفر تقديرًا لهذا الموقف الافتراضي المرتبط بالغموض، فهو يضع قواعد للاعتقاد الجزئي الغامض لتوفير حل نفسي للتناقض الاستدلالي التراكمي.

الدراسة معقّدة من جانب حقيقة أنّ الاعتقادات الجزئية الغامضة وتتداخل مع الاعتقادات الصحيحة (MacFarlane 2010)، انظر إلى عبارة تحمل كلا من الغموض والدقة، “دونالد عجوز وأصلع ولديه عدد زوجي من الشعر”، إضافة جملة العطف الدقيقة من المفترض أن تقلل الثقة. على شيفر أيضًا أن يتكيّف مع حقيقة أن بعض المتكلمين مترددون بخصوص ما إذا كان طبيعة الغموض تشمل عدم التأكد. حتى المتحدّث المثالي قد لا يكون متأكدًا بسبب وجود غموض في الحدود بين عدم اليقين المرتبط بالغموض وأنواع أخرى منه.

يفترض مفسرون آخرون أنه من الممكن منطقيا أن يمتلك الخبر الغامض حدود قصوى، إنهم فقط يعتقدون أنها معجزة، “من الممكن منطقيًا أن تأتي كلمات هذه الصفحة إلى الحياة وترتب جواربي، ولكن أعرف الكلمات بما يكفي ليجعلني أستبعد هذا كاحتمال جدي. لذا أنا محق في التردد بخصوص احتمال أن مصطلحاتنا القاسية والمتوفرة مثل “أحمر” بإمكانها أن تصف الأشياء بلباقة”. علماء الاحتناك المعرفي يقاومون حقيقة أن هذا التردد يقع على عاتق الإفراط في تقدير دور الشروط في المعنى. يقول علماء الاحتناك المعرفي أن العديد من المعاني مكتسبة بشكل سلبي افتراضيا فضلًا عن كونها مكتسبة بشكل إيجابي عن طريق القرار. إن كانت بعض الحدود مؤهلة للرجوع إليها أكثر من غيرها، إذا فالبيئة المحيطة تقوم بالعمل.

يشك بعض الفلاسفة فيما إذا كانت أدوات التحليل الدقيقة تناسب النقاشات الغامضة أم لا. إتش.جي.ويلز كان من بين أوائل من اقترحوا أنه يجب علينا أن نخفف من حدة تطبيق المنطق:

الغموض يشمل كل صنف، وكل مصطلح يصيح غامضًا عن حدوده، وكذلك أيضًا طريقة تفكري. المنطق المتصلب ما هو إلا اسم آخر للغباء، أو نوع آخر من التعنت الفكري. إذا دفعت بسؤال فلسفي أو ميتافيزيقي نحو مجموعة من القياسات المنطقية الصحيحة، بدون أن ترتكب مغالطة متعارف عليها عموما، فبرغم ذلك ستترك خلفك مشكلة معينة أو خسارة هامشية عن الحقيقة الموضوعية، وستحصل على انحرافات من الصعب تتبعها في كل مرحلة من هذه العملية. كل صنف يترنّح في تعريفه، وكل أدة حرة بعض الشيء في معالجتها، وكل معيار لديه خصوصيته. – “الأشياء الأولى والاخيرة” 1908

يؤمن الكثير من الناس أن المشكلة تكمن في المنطق نفسه فضلًا عن طريقة تطبيقه. فهم يفضلون حل الاستدلال التراكمي المتناقض باستبدال المنطق القياسي بمنطق منحرف أكثر عملية.

هناك نطاق واسع للغاية من الآراء حول كيفية تنفيذ تنقيح للمنطق. كل طريقة من طرق المنطق المنحرف قد تم تطبيقها من أجل حل الاستدلال التراكمي المتناقض.

 

  1. المنطق متعدد القيم


كان المنطق متعدد القيم من إحدى الأنظمة المفضّلة سابقًا. في هذا المنهج تُسنَد التعبيرات الحدودية إلى حقائق ذات قيمة تكمن بين الحقيقة الكاملة والخطأ الكامل. يفضّل بعض علماء المنطق ثلاثة قيم حقيقية، والبعض الآخر يفضّل أربعة أو خمسة. النهج الأكثر شعبية هو استخدام عدد لا نهائي من القيم الحقيقية التي تمثلها الأعداد الحقيقية بين صفر (يمثل الخطأ الكامل) وبين 1 (يمثل الحقيقة الكاملة). هذه السلسلة اللا متناهية من القيم الحقيقية قد تخدم الجدل المستمر حول الاستدلال التراكمي الذي يشمل “الأعداد الحقيقية الصغيرة”. (Weber and Colyvan 2010)

يعترض النقّاد على أن هذا الانتشار الواسع للقيم الحقيقية يثير الإفراط في دقة المنطق الكلاسيكي. وبدلًا من وجود خط واحد فقط غير طبيعي يفصل بين الحقيقة والخطأ، يملك علماء المنطق متعدد القيم عدد لا نهائي من الخطوط الفاصلة مثل تلك الموجودة بين عبارة حقيقية بنسبة 0.3 وبين تعبير ذو قيمة حقيقية أعلى. وكما قال مارك سباينسوري ” … أنت لا تحسّن من جودة فكرة سيئة عن طريق تكرارها”.(1996 – 255)

قد يجيب أحد مؤيّدي المنطق ذو القيم اللا متناهية على سابينسوري بالمقارنة. إنها فكرة سيئة إن شكّلت دائرة باستخدام خط مستقيم، واستخدام خطّيْن ليس أفضل بكثير، ولن يتحسن الوضع كثيرًا إن استخدمت مثلّثًا. ولكن كلّما أضفنا خطوطًا مستقيمة للمثلث، مربع وخماسير وسداسي وإلخ، كلما أحدثنا تقدمًا، بتكرار الفكرة الخاطئة التي تقول بتشكيل دائرة باستخدام خط مستقيم.

في الواقع قد يكون من المغري أن نستنتج أن “الدائرة قد تشكّلت باستخدام مضلع يملك عدد لا نهائي من الأضلاع”. إعلان الانتصار هذا نفسه قد يحتاج إلى توضيح، هل تم الكشف عن الدائرة على أنها مضلع ذو عدد لا نهائي من الجوانب؟ هل حلّت الخطوط المستقيمة محل الخطوط المنحنية؟ هل تم إثبات أن الخطوط المنحنية، وبالتالي الدائرة، غير موجودة؟ يمكن للنموذج أن ينجح بدون إيضاح ما تم إنجازه.

ولكن الاستغراق في التفكير في المقارنة التي تقول “الدقة بالنسبة للغموض مثل الاستقامة بالنسبة للانحناء” سابق لأوانه. يجب على علماء المنطق متعدد القيم أولًا تبرير المقارنة عن طريق توفير التفاصيل عن كيفية حساب القيم الحقيقية للتعبير الغامض من خلال القيم الحقيقية لمركبات التعبير.

مؤيدو المنطق متعدد القيم يقاربون هذا الالتزام بالصناعة الكبيرة. تُقدّم القواعد الجديدة والدقيقة لحساب القيمة الحقيقية لتعبير مركب يحتوي على عبارات ذات قيمة حقيقية متوسطة. القوانين الجديدة والدقيقة مقدّمة لحساب القيم الحقيقية للعبارات المركبة التي تحتوي على قيم حقيقية متوسطة. فمثلًا القانون المنقّح لحالات العطف غرضه تعيين قيم حقيقية لجمل العطف تماثل القيم الحقيقية الأقل للحالات الأخرى.

صنعت هذه القوانين لإخضاع جميع النظريات القياسية في حالة أن جميع القيم الحقيقية هي صفر وواحد. بهذا المعنى، فإن المنطق الكلاسيكي هو حالة مختصرة عن المنطق ذي القيمة المتعددة. تم الاتفاق على المنطق الكلاسيكي للعمل بشكل جيد في المنطقة التي صممت لأجلها وهي الرياضيات.

معظم نظريات المنطق القياسي تنهار حينما ترتبط بالقيم الحقيقية المتوسطة. حتى التناقض الكلاسيكي في جملة “دونالد أصلع، والحالة ليست كونه أصلع” قيمتها الحقيقية تبلغ 0.5، ولكن جملة “دونالد أصلع” تملك قيمة حقيقية تبلغ 0.5. يلاحظ علماء المنطق متعدد القيمة أن الخطأ الذي نسبوه إلى المنطق الكلاسيكي لا يزال بالإمكان تطبيقه بشكل مثمر. ولكنهم مصرون على أنّ الاستدلال التراكمي المتناقض يفسّر كيف تتراكم الأخطاء الصغيرة لتكوّن أخطاء أكبر.

يشتكي نقّاد المنهج متعدد القيم أنه يفسد ظواهر مثل ظاهرة التحفّظ. إن اعتبرتك حالة حدودية للرجل الطويل، فلا يمكنني التأكيد بإخلاص أنك رجل طويل ولا يمكنني كذلك التأكيد بإخلاص على انك ذو طول متوسط. ولكن يمكنني التأكيد على الادعاء المتحفظ “إما أنك طويل أو ذو طول متوسط”. قاعدة القيمة الحقيقة للانفصال هي إسناد جملة منفصلة. عادة الإضافة المنفصلة في الادعاء المتحفظ لا تكون معقولة أكثر من غيرها. وهكذا لا يمكنه أن يزيد من نسبة الحقيقة. وبشكل مخيب للآمال فإن مؤيدي المنطق متعدد القيمة لا يمكنهم القول بأن مصدر زيادة التأكد هو زيادة نسبة الحقيقة.

علماء الاحتناك المعرفي يفسرون ارتفاع نسبة التأكد بارتفاع نسبة احتمالية الحقيقة. حيث أن إضافة الجمل المنفصلة يمكنه أن يرفع من الاحتمالية إلى أجل غير مسمى، فهم يتبوؤون بشكل صحيح أنه بإمكاننا تحديد طريقنا نحو التأكّد. على كلٍّ، علماء الاحتناك المعرفي لا يحتكرون هذا التنبؤ.   

 

  1. التقييم الفائق


حسب التقييمية العليا، فإن التعبيرات الحدودية ينقصها قيم حقيقية، وهذا يفسّر بعناية لماذا يستحيل عالميًا معرفة القيم الحقيقية لتعبير حدودي. ويعرض المختصين بالتقييمية العليا تفاصيل عن الحالات الحدودية البحتة. الجمل البسيطة المتعلّقة بالحالات الحدودية ينقصها القيم الحقيقية، والجمل المركّبة منها يمكن أن تملك قيم حقيقية إن نتجت بشكل صحيح بغض النظر عن مدى دقة التعبير. فمثلًا جملة “إما أن يكون السيّد ستووب طويل القامة أو أن الحالة ليست عن طوله” صحيحة لأنها نتجت بشكل صحيح حسب جميع محاولات تحديد كلمة “طويل”. لذلك طريقة التقييم العليا تسمح للمرء بالاحتفاظ بجميع النظريات القياسية عن المنطق في حين الاعتراف بـ”فجوات القيم الحقيقية”.

قد يتساءل المرء ما إذا كانت هذه النتيجة المذهلة هي مقاربة حقيقية مع المنطق القياسي. هل المختص بالتقييمية العليا يصف التعبيرات الغامضة على أنها افتراضية؟ أم هل يشير فقط إلى وجود تعبيرات معينة غير افتراضية تملك هيكلًا مماثلًا للمنطق القياسي؟ (بعض الدوائر الكهربائية تشابه الحشو ولكن هذا لا يجعلها حشو فعلًا). وصف كيت فاين (1975 – 282)، وبخاصةً ديفيد لويس (1982)، الغموض على أنه غموض مفرط، فبدلًا من وجود مصطلح غامض واحد، هناك العديد من المصطلحات الدقيقة التي تشابه بعضها البعض، كلمة “طفل” قد تعني الإنسان بعمر اليوم الواحد أو يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر، لذلك منطق الغموض هو منطق يتبناه الغامضون في كلامهم. فكرة لويس تقوم على أن العبارات المبهمة صحيحة عندما تنتج بشكل صحيح وفق جميع محاولات إزالة اللبس. ولكن يفترض علماء المنطق عادةً أن العبارة تفقد غموضها قبل توظيف المنطق. الحقيقة البسيطة التي تقول أن العبارة الغامضة تخرج صحيحة وفق جميع محاولات إزالة اللبس لا تظهر العبارة بحد ذاتها على أنها صحيحة. قد تملك الجمل التي تفقد غموضها قيم حقيقية، ولكن أفضل ما يمكن قوله عن تلك الجمل هو أنها ستكتسب قيم حقيقية إن فقدت غموضها.(Tye 1989)

سوف تتلاقى التقييمية العليا مع المنطق الكلاسيكي فقط إن امتلكت كل كلمة من الجملة ذات القيمة العليا تفسيرًا موحّدًا، فمثلًا جملة “إما أن النسخة الكربونية عن توقيع تيدي روزفلت هي المخطوطة الأصلية أو أن الحالة ليست كذلك أن النسخة الكربونية عن توقيع روزفلت هي توقيع شخصي” تكون صحيحة فقط إذا كانت كلمة “مخطوطة أصلية” ذات نفس التفسير في كلا الجملتين المنفصلتين. تقاوم الجمل الغامضة التفسيرات المتداخلة، إلا أنّ التفسيرات المتداخلة مسموح بها في الجمل الغامضة. وكما لاحظ لويس بنفسه في نقد منطق الصلة، جملة “مشى سكورج على طول الضفة في طريقه إلى المصرف” قد تتلقى محاولات مختلطة لإزالة اللبس. عندما تعرض المبيدات جملة “سم غير سام للنمل” فنحن نحوّل بسهولة نسبية الجملة الاسمية: المادة آمنة للبشر ولكن سامة للنمل.

حتى وإن وافق المرء على تقارب القيمة العليا مع المنطق الكلاسيكي في النظريات، إلا أنهما يختلفان بوضوح في جوانب أخرى. القيمة العليا ترفض قواعد الاستدلال مثل المعارضة والدليل الشرطي وبرهان الخلف (Williamson 1994, 151–152). في نظر القيمة العليا برهنة العبارة على أنها غير صحيحة لا يعني أنها خاطئة.

أصحاب مبدأ القيمة العليا موضوعون تحت ضغط رفض المبادئ الدلالية وثيقة الصلة بتطبيق قوانين المنطق. بمعنى آخر، فإن الحقيقة غير تقديرية. وبموجب اتفاقية المخطط “ح” لألفريد تارسكي فإن الحقيقية العليا عندها تكون غير تقديرية. وبمعنى آخر الحقيقة غير قابلة للاقتباس. أصحاب مبدأ القيم العليا يقولون أنه لتكون محقًّا يكفي أن تكون فائق الصدق، بموجب جميع محاولات التدقيق. بما أن أصحاب مبدأ التقييم الفائق يقبلون باستبعاد الوسط، فقد يضطروا إلى القول بأن “ب” صحيحة و”ليست ب” صحيحة أيضًا، حتى وإن كانت “ب” حالة حدودية. هذا يعني أن أحدهما يكون صحيحًا، وهذا قد يمثل خسارة كبيرة لثغرات القيم الحقيقية عند التقييمية العليا. (Williamson 1994, 162–163)

هناك اهتمام أخير بـ”الصدق الوجودي” الخاص بمحدد الكَمّ الوجودي لمبدأ القيم العليا. كجزء من حلّه للاستدلال التراكمي المتناقض، أحد مؤيدي مبدأ القيم العليا سوف يؤكّد على “وجود إنسان في مرحلة الطفولة بعمر ن من الأيّام ولكنه لن يكون كذلك بعمر ن + 1 من الأيام”، بالنسبة لهذه الجملة فهي قد خرجت صحيحة بموجب جميع المحاولات المسموح بها لتحديد كلمة “طفل”. ومع ذلك، سيضيف أصحاب مبدأ التقييمية العليا تفسيرا غير مضمون عند وضعهم تحت ضغط، “أوه، أنا لا أقصد حقًّا أنّ هناك بداية حادة للطفولة”.

يتسائل البعض بعد التوضيح عن كيفية اختلاف التقييمية العليا عن مبدأ الشك التجريدي المتشدّد. اعترف بيتر أنغر (1979) في أيّامه العدمية أنه من المفيد التحدّث كما لو كان هناك أطفال، ولكنّه أصر على أنه، وبالمعنى الدقيق للكلمة، المصطلحات الغامضة مثل كلمة “طفل” لا يمكن تخصيصها على أيّ شيْء. كان أنغر حرًا في استخدام مبدأ التقييمية العليا لتفسير حديثنا العادي عن الأطفال، ولكنه استخدم بدلًا عن ذلك مصادر أخرى لتفسير كيف نطبّق المسند الفارغ بشكل صحيح، ولكن بمجرّد أن زال الغبار وظهرت الأنقاض الدقيقة، اضطر أنغر إلى استخلاص أنه لا يوجد أطفال.

رسميًا يرفض مؤيد مبدأ التقييمية العليا مرحلة الاستقراء في برهان الاستدلال التراكمي، ولكن يبدو أنه يرفض مرحلة الأساس في برهان الاستدلال التراكمي بشكل غير رسمي.

 

  1. التقييمية الفرعية


التناظر المنطقي أيضًا يلازم التقييمية العليا. بينما تحلّل التقييمية العليا الحالات الحدودية من ناحية ثغرات القيمة الحقيقية، فأصحاب التقييم الفائق يفسرونها من ناحية زخم المعلومات عن القيم الحقيقية، وهذا الزخم هو افتراض يحتمل الخطأ والصّواب في نفس الوقت. قاعدة تحديد زخم المعلومات هذا هي المرآة العاكسة لقاعدة تحديد الثغرات، بمعنى أن العبارة تكون صحيحة تمامًا إذا خرجت صحيحة وفق محاولة واحدة من محاولات التدقيق، وكذا الحال مع العبارة الخاطئة. لذا فإن خرجت العبارة صحيحة وفق دقة واحدة وخاطئة وفق دقة أخرى فالعبارة صحيحة وخاطئة في نفس الوقت.

لتجنب عدم الأهمية يجب على المختص في الجمل التي تحتمل الصواب والخطأ أن يتبنى منطقًا يعمل على إيقاف عبارتين متضادتين أن يكونا مشتركتيْن في جميع الأشياء. التقييمية الفرعية الناتجة هي ثنائية عن التقييمية العليا.

جورج هيغل هو الأب الروحي للتقييمية الفرعية. بالنسبة لهيغل فالشكل الأساسي للغموض هو الغموض المتباين، فالرّجل الموجود على عتبة بابك واقع خارج غرفتك وداخلها أيضًا. درجة الغموض هي مجرد حالة خاصّة عن الصراع المتأصّل في تحقيق الأمر، وهو أي عملية تتطلّب إظهار تدريجي للتناقض المتوارث عن الحالة الأصلية. في مرحلة ما، الدودة المتحركة ليست فراشة بناءً على ما كان وما سيكون. آمن اتباع هيغل أن هذا المفهوم الجدلي للغموض قد حل الاستدلال التراكمي وبرهن على ضعف المنطق الكلاسيكي. اقترح الماركسي الروسي جيورجي بليكانوف منطق التناقض ليخلف المنطق الكلاسيكي (Hyde 2008, 93–5)، وذهب أحد تلامذته وهو هنري ملبيرغ (1958) إلى أبعد من ذلك وهو استبدال الثغرات بالزخم المعلوماتي. لذلك فالنسخة الأولى عن التقييمية العليا مركّبة، وتوفّق بين نظرية المنطق الكلاسيكي النظرية المضادة التي يتبناها منطق التناقض.

كما شاهدنا، يبدو أنه لا يوجد أسباب لتفضيل منطق عن منطق آخر. بما أنّ الفلاسفة الغربيون يبغضون التناقض، فالمساواة مع الجمل التي تحتمل الخطأ والصواب قد تقلل من الشعبية الكبيرة للتقييمية العليا.

قد يرحّب أحد الانتهازيين من مؤدي مبدأ الاحتناك المعرفي بهذه المعركة القائمة بين الثغرات والزخم المعلوماتي، فهو يهتف للجانب الأضعف. وبرغم أنه لا يريد للتقييمية الفرعية أن تفوز، إلا أنه يريد لها أن تحقق الفناء المتبادل مع شبيهه في التقييمية العليا. حساباته السياسية تكون: الثغرات + الزخم المعلوماتي = التكافؤ الثنائي.

تباحث بابلو كوربيروس (2011) أن التقييمية الفرعية تتعامل بشكل أفضل مع الرتبة الأعلى من الغموض من التقييمية العليا. ولكن بالنسبة للجزء الأكبر، أصحاب التقييمية الفرعية ومنافسيهم قد ادّعوا بكل بساطة أن التقييمية الفرعية لافتة تمامًا كالتقييمية العليا (Hyde and Colyvan 2008)، هذا الطموح البسيط يبدو حكيمًا. في النتيجة، ثغرات قيم الحقيقة تحصل على دعم مستقل إلى أبعد حد من تاريخ الفلسفة (على الأقل تاريخ الفلسفة الغربي). ما قبل النمو الانفجاري لأبحاث الغموض بعد عام 1975، جمع فلاسفة اللغة العادية مجموعة شاملة الرؤية عن التحليلات التي تقترح أن الثغرات كامنة في الفرضيات وعجز المراجع والأدب والمسائل المستقبلية المشروطة والإنتاجية، وإلخ. تدمج التقييمية العليا بصرامة بين هذه المطالبات في اللغة العادية.

يصف المختص في الجمل التي تحتمل الخطأ والصواب التعصب للتناقضات على أنه ظاهرة سطحية، ومقتصر فقط على البيئة الأكاديمية للغرب في القرن العشرين، وربما حتى الآن تتفوق الصين عليها. تصدّى الفلاسفة التجريبيون للمطالب القديمة في اللغة العادية بنتائج تجريبية تدل أن الحديث ذو الوفرة المعلوماتية يسهل تحفيزه بالحالات الحدودية تمامًا مثل الحديث ذو الثغرات. (Alxatib and Pelletier 2011, Ripley 2011).

 

  1. السياقية


كما أن السياقية في علم المعرفة تتقاطع مع الأقسام المألوفة عند علماء المعرفة، مثل علم الأساسيّات والتوثيقية والترابط المنطقي، فهناك أتباع لمبدأ السياقية في كل معتقد عند نظريات الغموض. فهم يُحدثون تشابه جزئي بين الاستدلال التراكمي والمغالطات التأشيرية مثل:
مرحلة الأساس: الأفق يبعد بمتر واحد.

مرحلة الاستقراء: إن كان الأفق يبعد بعدد ن من الأمتار، فهو بعيد بعدد ن + 1 من الأمتار.
مرحلة النتيجة: الأفق يبعد بأكثر من مليار متر.

الأفق هو خط تلاقي الأرض مع السماء وهو بالتأكيد يبعد بمقدار أقل من مليار متر، حيث أنّ المحيط الدائري للأرض يبلغ أربعين مليون مترًا فقط. ولكن عندما تسافر نحو الأفق لتحديد عدد ن الذي فشلت عنده مرحلة الاستقراء، فرحلتك لا جدوى منها تمامًا مثل فكرة ملاحقة قوس قزح. لا يمكنك الوصول للأفق لأنه يتغيّر بتغيّر موقعك. جميع أتباع مبدأ السياقية يتهمون الاستدلال التراكمي بالمرواغة. من ناحية، لكلمة “طفل” معنى موحّد، يعني أن قاعدة السياق الثابت أو، أسلوبه، لاستخدام المصطلح ثابتة. ومع ذلك، فمجموعة الأشياء التي ينطبق عليها المصطلح، أو المحتوى، تتغير بتغيّر السياق. في هذا الصدد، الكلمات الغامضة تشابه المصطلحات الدّالة مثل: أنا – أنت – هنا – الآن – اليوم – غدًا. إذا أخبر المدين دائنه يوم الإثنين “سأرد لك مالك غدًا”، ومن ثم كرّر الجملة يوم الثلاثاء. هناك معنيان، الأول هو أنه قال نفس الشيء، أي نفس الأسلوب، والآخر هو أنه قال شيئًا مختلفًا، أي المضمون مختلف، ففي الجملة الثانية “غدًا” تعود إلى يوم الأربعاء.

حسب مبدأ السياقيّة، فالقوانين التي تحكم التغيير تمنعنا من تفسير أي مثال عن مرحلة الاستقراء أنها تملك سابقة صحيحة ونتيجة خاطئة. العملية الحقيقية لمحاولة دحض مرحلة الاستقراء تغيّر السياق، وبالتالي الاقتراح لن يخرج خاطئًا. في الواقع مبدأ السياقية يؤكد عادةً على صحة كل اقتراح. قبلوها إلزامي، لذلك فالهجوم المباشر على مرحلة الاستقراء يجب أن ينتهي. نأخذ بعين الاعتبار تحذير سينيكا لتلميذه نيرو: “لا يهم عدد المعدمين، فلن تقتل خليفتك أبدًا”.

يؤكّد هانز كامب، مؤسس مبدأ السياقية، على أن امتداد الكلمات الغامضة يدور في مدار ذاكرة المتحدّث للالتزام التحاوري. تقول ديانا رامفي بأسلوب نفسي أكثر أن التغيير في السياق يثير تحويلات في البنية بين التصنيفات المتشابهة.

يدمج ستيوارت شابيرو أفكار كامب مع مفهوم فريدريك وايزمان عن البنية المفتوحة. يظن شابيرو أن المتحدّثين يقدّرون الحالات الحدودية لأنهم حكّام مستقلّين، فالحالات تكون صحيحة على حسب حكم المتحدّث عليها بأنها صحيحة. فرضًا أن الجمهور لا يقاوم، فالحالة الحدودية لكلمة “طفل” يمكن وصفها بـ”طفل” وتكون صحيحة. يدرك الجمهور أن المتحدّث المختص قد يفسّر الحالة الحدودية بشكل مختلف، وكما قال وايزمان: “كل وصف يمتد نحو أفق من المسؤولية الصريحة: مهما بعدت، سأرى هذا الأفق أمامي”.(1968 – 122)

تؤثّر الذرائعية الأمريكية في السياقية عند ديليا جراف فارا. فكّر في مزارع الهندباء البريّة، والسؤال لمَ قد يرغب شخصٌ في زرع الأعشاب؟ والجواب هو أن الأعشاب مرتبطة بالفوائد. الهندباء غير مرغوبة عند حرّاس الحدائق ولكنها مرغوبة عند المزارعين لاستخدامها في الأكل وصناعة النبيذ والاستخدامات الطبية. تظن فارا أن هذه الفوائد النسبية تمتد لتصل إلى الكلمات الغامضة، فمثلًا كلمة “طفل” هي درجة من درجات عدم النضج وذات مغزى عند المتحدّث. وحيث أن اهتمامات المتحدّث تتغيّر، فهناك فرصة لتتغير ملحقات كلمة “طفل”. تتردد فارا في وصف نفسها كمؤيدة لمبدأ السياقية لأن السياق له تأثير غير مباشر على الملحقات عن طريق التغييرات التي يحدثها في اهتمامات المتحدّث.

إلى أيّ مدى تصل بنا الدقة في المقارنة بين الكلمات الغامضة والمصطلحات الدّالة؟ يجيب سكوت سومز  (2002 – 445) بأن جميع الكلمات الغامضة هي حرفيًا مصطلحات دالة. هذا الجواب الصريح معرّض للدحض، حيث أنّ مروجو الاستدلال التراكمي بإمكانهم الاستقرار على المصدر. عندما ينسب أصحاب الاستدلال التراكمي “الأفق” إلى الشمال الشرقي من سطح الرصد لمبنى الإمباير ستيت، فهو يبدو أنه يُحدِث استدلال تراكمي متناقض يستغل غموض كلمة “أفق” وليس دلالتها.

كل اللغات الطبيعية تحتوي على الضمائر والإضمار، وغيرها من أدوات الإشارة. فمثلًا في جملة “جاك يشعر بالتعب وكذلك جيل” كلمة “كذلك” تفرض على القارئ أنّ جيل يشعر بالتعب. يفترض جيمس ستانلي أن مروّجو الاستدلال التراكمي يستخدمون الفرضية التي تقول:

إن كان الأوّل طفلًا، فهذا يعني أن الثاني طفلًا، وإن كان الثاني طفلًا فالثالث هو طفلٌ أيضًا، وإن كان الثالث طفلًا فالرابع طفلٌ أيضًا .. وهكذا.

كل “هذا” تشير إلى العنصر ن في سلسلة من الأمثلة المتفاقمة عن كلمة “طفل”. معنى كلمة “طفل” لا يتغير لأن الظهور الأول لها يحكم الجمل اللاحقة، وهذا بفضل “كذلك”. إن كانت المصطلحات الغامضة دالة حرفيًا، فمروّج الاستدلال التراكمي قد يملكون ردًّا قويًا على هذه الفرضية. وإن كانت المصطلحات الغامضة تشبه فقط المصطلحات الدالة، فيحتاج علماء مبدأ السياقية إلى تطوير تشابه جزئي بطريقة تحايل على استشارة ستانلي بالاستدلال التراكمي.

على السياقي أن يعالج طريقة ثانية لموازنة السياق. ينصح آر.إم.ساينزبيري (2013) مروج الاستدلال التراكمي أن يقدم فرضياته في ترتيب عشوائي بشكل واضح. لا أزواج من الحالات المتوالية تثير تنبيهًا بوجود حالات مشابهة يكون التعامل معها مختلفًا. إلا إذا كان السّامع يملك ذاكرة استثنائية فلن يشعر بالضغط في التأقلم مع السياق.

وعلى السياقي ان يجد تغيّرات كافية لمنع أي نقاش حول الاستدلال التراكمي. وبما أن الغموض يتسرب نحو كل تصنيف نحوي، يشتكي النقّاد أن السياقية تتعدّى حدود الغموض التي يؤيّدها اللغويون واللغويون النفسيون.

بعض الجدال حول الاستدلال التراكمي يتضمن مسندات لا تعطينا فرصة المراوغة، وهذا مسألة أخرى. انظر إلى الاستدلال التراكمي الذي تبدأ خطوته الأساسية من رقمٍ معيّن كبير بما يكفي لئلا نفكر فيه. أو فكر في مسند استقرائي معقد جدا لدرجة ألا نعقله، مثلًا قد نكرر لكمة “أم” آلاف المرات (Sorensen 2001, 33). يمكن أن تكون هذه المسندات جزء لا يتجزأ من الاستدلال التراكمي المخدّر للعقل والذي لن يولد تغييرات في السياق أبدًا.

أحد الجدالات التي لا تصدق أن عن الاستدلال التراكمي أنه يستخدم مسندات لا يفهما إلا أفراد في عوالم أخرى ممكنة، أو مخلوقات ذات أنواع مختلفة من العقول عنّا. ومن ناحية خيالية أكثر، قد يكون هناك مسند غامض، مثل “القاتل الأصفر” عند ساول كريبك، يقتل كل من يفكّر فيه. المشكلة الأساسية هي أنّ السياقية نظرية علم نفسانية عن الاستدلال التراكمي، ويمكن للنقاشات أن توجد بدون ضرورة طرحها.

 

  1. هل كل الغموض لغوي؟

يشجع علماء التقييم الفائق وجهة النظر القائلة بأن الغموض ما هو إلا مسألة تتعلق بالتردد اللغوي، السبب وراء وجود حالات حدودية هو أننا لم نكلّف أنفسنا عناء التفكير فيها.

أسلوب التقييمية العليا يسمح لنا بتعيين قيم حقيقية قبل اتخاذ أي قرار، يظن مختصين الفعل التعبيري أن هذا خطأ قريب من تعيين قيم حقيقية للمطالبات القياسية (MacFarlane 2016). قد يتقبّل المناقش تكرار المعنى عند المنطق الكلاسيكي على أنه قيود تحكم الأهداف المتنافسة لرسم الخيوط. يمكنني أن أقبل جملة “إما أن دونالد أصلع أو أنه عجوز” بدون قبول كلا الجملتين المنفصلتين. يمكن قبول جملة محددة كميًا حتى مع عدم وجود مثال. هز الكتفين يشير إلى الاستعداد للذهاب في أحد الطريقين، وليس الجهل الذي اعتاده العالم. يحاول المختصين بالتقييمية العليا التعبير عن هذا المعنى من خلال توسيع مدى الشروط التي تتحدد وفقها القيم الحقيقية. وهذا هو المجال الخاطئ للرسالة.

المختص بالفعل التعبيري مستعد لتفسير كيف تطورت التقييمية العليا لتصبح النظرية الأكثر احتراما عن الغموض. صوّر فريج الغموض كأثر جانبي للكسل. ولكن تصدّي المختصين في التقييمية العليا لهذا التردد عملي جدًا. يمكننا فهم المعنى كلما أضاءت لنا المعلومات والاهتمامات الجديدة بدلًا من إلزام أنفسنا قبل الأوان. هذا التخمين يبشّر المبادرة الشرطية العالية بإصدار القوانين وفرضها (Endicott 2000). يبدوا في كثير من الأحيان أن من يحكم في كثير من الأحيان يمارس ويتحكّم بالتقدير عن طريق وسائل الغموض في اللغة. قد تنشأ الشكوك حول مدى التقدير من الغموض ذو الدرجة العالية (Schauer 2016).

التقدير من خلال ملء الثغرات يرضي من يظنون أن الحكم عملية إبداعية. فهو ينبّه كل من يظن أن القوانين هي التي من المفترض أن تحكمنا وليس البشر. سبق وتم التشكيك أيضًا في عقيدة التقدير من خلال عدم التعيين على خلفية أن مصدر هذا التقدير هو الاعتبار العام للشروط القانونية فضلًا عن غموضها (Poscher 2012).

علماء التقييمية العليا يؤكدون على الفرق بين الكلمات والموضوعات. الموضوعات يبدو أنها ليست من نوع الأشياء العامة أو الغامضة أو المبهمة (Eklund 2011). من هذا المنظور، يبدو أن جورج هيغل ارتكب خطأ في التصنيف عندما وصف “الغيوم” بالكلمة الغامضة. على من أننا في بعض الأحيان نتحدث عن “الغيوم” على أنها مبهمة أو حتى كلمة عامة في منطقة معينة، فهذا لا يخوّلنا لاستنتاج أن هناك غموض غيبي أو عمومية غيبية.

أتباع التقييمية العليا هنا يندمجون في معتقد الأرثوذكسية الذي يعود تاريخه إلى عصر مقالة برتراند راسل الإبداعية بعنوان “الغموض” (1923). أعاد مايكل داميت (1975) التأكيد على هذا الإجماع، وأعاد المفسرون اللاحقون الاعتراف به شعائريًا.

في عام 1978، ركّز جاريث إيفانز معارضته على الأهداف الغامضة باستخدام برهان قصير على غرار هجوم ساول كريبك على الهوية المشروطة. لو وُجد موضوعًا غامضًا فالعبارات على هيئة “أ = ب” يجب أن تكون غامضة، حيث أنّ كل من المصطلحات المفردة الجانبية تعيّن هذا الموضوع بدقّة. لأن الغموض مزعوم بسبب الموضوع فضلًا عما يمثّله. ولكن أي عبارة على هيئة “أ = أ” هي صحيحة بالتأكيد. وبالتالي، “أ” لها خاصية تطابق “أ” الأخرى بالتأكيد. وبما أن “أ = ب”، فـ “ب” لها الاحقية في أن تتطابق مع “أ” بالتأكيد. إذًا، “أ = ب” صحيحة بكل تأكيد.

يوافق إيفانز على وجود عبارات غامضة الهوية حث تكون فيها إحدى العبارات الجانبية غامضة، تمامًا كما يوافق كريبك على وجود عبارات ذات هوية مشروطة حيث تكون العبارة الجانبية ذات مسمى رخو أو ضعيف. ولكن حينها يكون الغموض راجعًا إلى اللغة وليس الكلمة.

على الرغم من هجوم إيفانز اللافت، إلا أن هناك اهتمامًا يتجدد بالأشياء الغامضة منذ ثمانينيات القرن الماضي. وقد استحضره بيتر فان إنواغن (1990 – 283) قبل هذا في ستينيات القرن الماضي، حيث كان هناك إجماع على أن جميع الإلزامات لغوية. يتحمل معظم الفلاسفة الآن بجدية مسؤولية الخصائص اللازمة.

بعض الأسباب فنية. فالمشاكل التي حدثت مع كريبك عند دحضه للهوية المشروطة تملك نظائر هيكلية كان لها أثرا على برهان إيفانز. يعتمد إيفانز أيضًا على المراجع التي يتحدّاها علماء المنطق المنحرفين (Parsons 2000).

في ظل غياب “قياس الخلف” القاطع، يشعر معظم علماء المنطق أن دورهم هو أن يكون الليبرالي الذي يوضح الحيز المنطقي للمواضيع الغامضة. يجب أن يكون هناك “موضوعات غامضة لأولئك الذين يريدونها”. وعلى المنطق أن يكون محايدًا وجوديًا.(Cowles and White 1991)

بما أن علما الاحتناك المعرفي يحاولون حل الاستدلال التراكمي بأكثر من استعمال حاسم للمنطق الكلاسيكي، فهم بطريقة منهجية ملتزمون بنصرة المنطق. فعلينا أن نقبل النتيجة بدلًا من البحث عن الثغرات.(Williamson 2015).

لدى بعض الأشخاص غير المعادين للموضوعات الغامضة طموح للتوحيد بين مختلف أنواع عدم التعيين (Barnes and Williams 2011). الحديث عن عدم التعيين موجود في ميكانيكا الكم وتحليلات المستقبل المفتوح والخيال الجزئي وكذلك فرضية الاستمرارية. ربما الغموض هو وجه واحد من أوجه عدم التعيين.

تتعارض هذه النظرة الشاملة مع القرار المستمر للكثيرين لربط الغموض بالاستدلال التراكمي المتناقض. فهم يخشون أن تعكّر الغيبيات الوضوح الذي يحققه الصعود الدلالي.  (Eklund 2011)

ولكن ربما يكون الطين على قمة الجبل في ذلك الحين. يزعم ترينتون ميركس أن الوصف القياسي للغموض اللغوي يعتمد على الغموض الغيبي، إن كانت جملة “دونالد أصلع” ناقصةً قيمة حقيقية بسبب عدم وجود حقيقة تجعلها صحيحة، فالتقصير يظهر بسبب وجودي.

الرؤية التي تقول بأن الغموض هو لغويٌ دائمًا قد هوجمت كثيرًا من اتجاهات أخرى. انظر إلى غموض الخرائط، الغموض هنا تصويري وليس منطقي. لذا لا يمكن لأحد أن يستنتج أن الغموض لغوي فقط من الفرضية التي تقول أن الغموض تمثيلي. (Varzi 2001)

أو فكّر في الموسيقى الآلية الغامضة مثل مقطوعة “الغيوم” لكلودي ديباسي. للموسيقى بناء ولكن تملك مقدار قليل جدا من الدلالات التي تجعلها لغوية. هناك مرجع منتشر بين الآلات مثل الاقتباس الموسيقي أو الأفكار المهيمنة أو الولاء الفني. هذه الأدوات المرجعية ليست دقيقة، لذلك بعض الموسيقى تبدو مبهمة (Sorensen 2010). قوة وأهمية هذا الجدال تعتمد على العلاقة بين الموسيقى واللغة، تفرّعت اللغة والموسيقى، في ظل فرضية اللغة الموسيقية، من “لغة موسيقية” مشتركة مع لغة مختصة بعلم دلالة الألفاظ والموسيقى المختصة بالتعبير عن المشاعر. هذا السيناريو يجعل من المعقول أن الموسيقى الواضحة آليًا قد تملك بقايا عن المعنى الدلالي.

يبدو التصور العقلي غامضًا أيضًا. فعندما تقوم فجأة بعد انحناء لمدة طويلة، ترى “نجومًا في عينك”. أستطيع القول بوجود أكثر من عشرة من هذه الأضواء الهلوسية ولكن لا أستطيع تحديد عددها بالضبط. هل عدم التحديد العقلي هذا يقلل من عدم التحديد اللغوي؟ ولماذا ليس العكس؟ فاللغة هي النمو النفسي للإنسان. لذلك يبدو طبيعيا أن ترى اللغة مجرد حامل بسيط للغموض.


المراجع

  • Alxatib, Sam and Jeffry Pelletier, 2011, “The psychology of vagueness: Borderline cases and contradictions”,Mind and Language, 26(3): 287–
  • Barnes, E. J. and J. R. G. Williams, 2011, “A Theory of Metaphysical Indeterminacy”,Oxford Studies in Metaphysics, vol. 6.
  • Boolos, George, 1991, “Zooming Down the Slippery Slope”,Nous, 25: 695–
  • Corberos, Pablo, 2011 “Paraconsistent Vagueness: A Positive Argument”,Synthese183(2): 211–227
  • Cowles, David W. and Michael J. White, 1991, “Vague Objects for Those Who Want Them”,Philosophical Studies, 63(2): 203–
  • Dietz, Richard and Sebastiano Moruzzi (eds.), 2010,Cuts and Clouds: Vagueness, Its Nature and its Logic, New York: Oxford University Press.
  • Dummett, Michael, 1975, “Wang’s Paradox”,Synthese, 30: 301–
  • Endicott, Timothy, 2000,Vagueness in the Law, New York: Oxford University Press.
  • Eklund, Matti, 2011, “Being Metaphysically Unsettled: Barnes and Williams on Metaphysical Indeterminacy and Vagueness”,Oxford Studies in Metaphysics, vol. 6.
  • Evans, Gareth, 1978, “Can there be Vague Objects?”,Analysis, 38: 208.
  • Fine, Kit, 1975, “Vagueness, truth and logic”,Synthese, 54: 235– Reprinted in Keefe and Smith (eds.) 1996, 119–150.
  • Field, Hartry, 2010, “The Magic Moment” in Dietz, Richard and Sebastiano Moruzzi (eds.), 2010,Cuts and Clouds: Vagueness, Its Nature and its Logic, New York: Oxford University Press, 200–
  • Graff, Delia, 2000, “Shifting sands: an interest-relative theory of vagueness”,Philosophical Topics, 28: 45–
  • Graff, Delia and Timothy Williamson (eds.), 2002,Vagueness, Aldershot: Ashgate Publishing.
  • Hyde, Dominic and Mark Colyvan, 2008, “Paraconsistent Vagueness: Why Not?”,Australasian Journal of Logic, 6: 107–
  • Kamp, Hans, 1981 “The Paradox of the Heap”, in Uwe Münnich (ed.), 1996,Aspects of Philosophical Logic, Dordrecht: D. Reidel, 225–
  • Keefe, Rosanna, 2000,Theories of Vagueness, Cambridge: Cambridge University Press.
  • Keefe, Rosanna, and Peter Smith (eds.), 1996,Vagueness: A Reader, Cambridge: MIT Press, 119–
  • Lewis, David, 1982, “Logic for Equivocators”,Noûs, 16: 431–
  • –––, 1988, “Vague Identity: Evans Misunderstood”,Analysis, 48: 128–
  • –––, 1993, “Many, but almost one”, inOntology, Causality, and Mind: Essays on the Philosophy of D.M. Armstrong, Keith Campbell, John Bacon, and Lloyd Reinhardt (eds.), Cambridge: Cambridge University Press.
  • MacFarlane, John, 2010, “Fuzzy Epistemicism”, in Dietz and Moruzzi (eds.) 2010, 438–
  • Merricks, Trenton, 2001, “Varieties of Vagueness”,Philosophy and Phenomenological Research, 63: 145–
  • Parsons, Terence, 2000,Indeterminate Identity: Metaphysics and Semantics,Oxford University Press.
  • Peirce, C.S., 1902, “Vague”, inDictionary of Philosophy and Psychology, J.M. Baldwin (ed.), New York: MacMillan, 748.
  • Poscher, Ralf, 2012, “Ambiguity and Vagueness in Legal Interpretation”, in Lawrence Solan and Peter Tiersma (eds.), 2012,Oxford Handbook on Language and Law, Oxford: Oxford University Press.
  • Raffman, D., 1996, “Vagueness and context-sensitivity”,Philosophical Studies, 81: 175–
  • –––, 2005, “Borderline cases and Bivalence”,Philosophical Review, 114: 1–
  • Ripley, David, 2011, “Contradiction at the Borders”,Vagueness in Communication, Rick Nouwen, Robert van Rooij, Uli Sauerland, Hans-Christian Schmitz (eds.), Dordrecht: Springer: 169–
  • Russell, Bertrand, 1923, “Vagueness”,Australasian Journal of Philosophy and Psychology, 1: 84–
  • Sainsbury, R. M., 1996, “Concepts without boundaries”,Vagueness: A Reader, in Keefe and Smith (eds.) 1996, 251–
  • Schiffer, Stephen, 2003,The Things we Mean, Oxford: Oxford University Press.
  • Shapiro, Stewart, 2006,Vagueness in Context, Oxford: Oxford University Press.
  • Smith, Nicholas J. J., 2008,Vagueness and Degrees of Truth, New York: Oxford University Press.
  • Soames, Scott, 1999,Understanding Truth, New York: Oxford University Press.
  • –––, 2002, “Precis ofUnderstanding Truth and replies”, Philosophy and Phenomenological Research, 65: 429–
  • Sorensen, Roy, 2001,Vagueness and Contradiction, Oxford: Oxford University Press.
  • –––, 2010, “Borderline Hermphrodites: Higher Order Vagueness by Example”,Mind, 119: 393–
  • –––, 2011, “Vague Music”,Philosophy, 86: 231–
  • Stanley, Jason, 2003, “Context, interest-relativity, and the sorites”,Analysis, 63: 269–
  • Tye, Michael, 1989, “Supervaluationism and the Law of Excluded Middle”,Analysis, 49(3): 141–
  • Unger, Peter, 1979, “There are no ordinary things”,Synthese, 4: 117–
  • van Deemter, Kees, 2010,Not Exactly: In Praise of Vagueness, New York: Oxford University Press.
  • Van Inwagen, Peter, 1990,Material Beings, Ithaca, NY: Cornell University Press.
  • Varzi, Achille, 2001, “Vagueness in Geography”,Philosophy and Geography, 4: 49–
  • Waismann, Friedrich, 1968, “Verifiability”, inLogic and Language, Anthony Flex (ed.), Oxford: Basil Blackwell.
  • Weber, Zach and Mark Colyvan, 2010, “A Topological Sorites”,Journal of Philosophy, 107(6): 311–
  • Williamson, Timothy, 1994,Vagueness, London: Routledge.
  • Wright, Crispin, 2001, “On Being in a Quandary”,Mind, 110: 45–
  • –––, 2010, “The Illusion of Higher-Order Vagueness”, in Dietz and Moruzzi (eds.) 2010, 523–

أدوات اكاديمية

 How to cite this entry.
 Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
 Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project(InPhO).
 Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر أخرى على الأنترنت

[Please contact the author with other suggestions.]

مقالات ذات صلة

boundary | identity | identity: over time | indexicals | law: and language | logic: fuzzy | logic: many-valued | logic: paraconsistent | many, problem of | properties |Sorites paradox | temporal parts

[1] Sorensen, Roy, “Vagueness”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Summer 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/sum2018/entries/vagueness/>.