مجلة حكمة

العزف على وتر مزدوج: العنصر الميتافيزيقي في شعر أدونيس – تيري دي يونغ / ترجمة: أحمد خريس


لقد شاع استعمال صفة “الميتافيزيقي” لنعت شعر أدونيس في الكتابات النقدية التي تناولت أعماله. لكن لم يبد أن أحداً قد سبر الكيفية التي تربط اهتمامات أدونيس “الميتافيزيقية” بجماعة أخرى من الشعراء، اشتُهر أصحابها بأن لديهم اهتمامات مشابهة: ونعني بها جماعة الشعراء الميتافيزيقيين الإنجليز، وأبرز ممثليها هما “جون دَنْ” John Donne و”أندرو مارفيل” Andrew Marvell.

ويتتبع هذا البحث، عبر إيجاد ذلك الرابط، الأوجه التي تعزز فهمنا لكتابات أدونيس، ولاسيما بعض قصائده القصيرة الأولى.

لقد اعتُني اعتناءً كبيراً بالصوت الجماعي في الشعر العربي الحديث، فالشاعر يلقي قصيدته أمام عتبات صرح جماهيري مهيب، أو من وراء منصة قاعة، متلاعباً بعواطف حشد ضخم، يقف أمامه كموسيقي بارع يعكف على آلته. ولقد كان ما سبق الممثلَ للحظة الشعر النموذجية في تاريخ الأدب العربي، غير أن الشعر العربي قد أتاح، دوماً، مثله كمثل أي شعر، متسعاً لأعمال تعبر عن رؤى خاصة. والحق أن الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين هيمن على مشهدها الشعري شعرٌ يحتفي بالانشغالات الخاصة كالحب والهموم الشخصية، وفوق كل ذلك، البحث الدؤوب عن الحرية الفردية.

ولم تبدِّد هذه الانشغالات إلا الاضطرابات السياسية والاجتماعية الطارئة بُعَيْد الحرب العالمية، التي تطلبت قاموساً جديداً.

ومع هذا، فلم تحجب هذه النـزعة الشعرية الجديدة تلك الأصوات ذات المزاعم المغايرة والبرامج الطارئة المماثلة.

لقد استُعمل نعت “ميتافيزيقي” في كتابات نقاد الأدب العربي مراراً ليحيل إلى هذه “الصيغة الخاصة” للشعر، ولاسيما إذا تعلق الأمر بالكتاب المعاصرين. ومن الأمثلة الجيدة لهذا الاستعمال، ما نجده لدى تصنيف مصطفى بدوي (1972:879) لشعر السياسة الخالص لدى الكتاب الفلسطينيين الشباب بُعيد حرب حزيران سنة 1967، التي شعر بدوي أنها كتابات “تختلف عن تلك التي عند بعض الشعراء المؤسسين كأدونيس –مثلاً- أو عبدالصبور التي غدت أكثر استبطاناً نتيجةً للاهتمام المتزايد بالتصوف، وللتأثر العميق بالشعر الغربي … مع هذا، وبقدر ما يغوص فيه الشعر إلى الأعماق الصوفية، أو يحلق فيه إلى القمم المتيافيزيقية، فإن شعر أدونيس وعبدالصبور لا يفقد تواصله مع مأزق العرب بالإجمال، ولا يكف عن الاهتمام بمصيرهم”.

إن “الميتافيزيقي” ليس مُعَرفاً بدقة هنا، لكنه واضح في ارتباطاته بـ “الاستبطاني” و”الصوفي” و”الفلسفي التأملي”، أو باختصار، مع كل العناصر المشكلة لصوت الشاعر الخاص كنقيض للصوت الجماعي.

وليس مصادفة، كذلك، أن يفرد “بدوي” الشاعرَ الحداثي اللبناني أدونيس بالاهتمام (اسمه الحقيقي: علي أحمد سعيد)، فقلة هم الشعراء الذين عُرفوا بثباتهم على نهج خاص في الشعر العربي الحديث مثلما فعل أدونيس. ومن هنا فغير مستغرب أن نجد اسمه مقروناً باستمرار بالنعت “ميتافيزيقي” في النقد الأدبي العربي. ولا يتجاوز هذا الربط –عادة- تحديد بدوي في إشارته المقتبسة آنفاً، أو ملاحظة سلمى الجيوسي (1977:572) “بأن الحقبة المليئة بالأحداث، التي قامت بتغيير الخارطة الوطنية، واجتثت الملايين وهجرتهم، ترجمت –في الحال- عبر كل أنواع الخبرات (الشعرية) بدءاً من الميتافيزيقي الذي بدا مفضلاً لدى أدونيس، وانتهاءً بالشعبي والشخصي”.

وقد يُستدعى (النعت السابق) أحياناً بتضمينات أكثر مشاكسة تُستعمل بوصفها معبرة عن الاستهجان، كي تشير بدقة إلى ضعف الالتزام السياسي، الذي يغدو، من وجهة نظر الناقد، ذا أثر مؤذٍ على المجتمع؛ لأنه يقتضي التضحية بأي شأن فيه مصلحة الجماعة، واضعاً إيَّاه على مذبح نرجسية المصلحة الذاتية. وشبيه بذلك مغزى ملاحظات جليل كمال الدين (1975:38)، على سبيل المثال، عندما يتهم جماعة التموزيين، وهي جماعة من الشعراء الحداثيين ويعد أدونيس عادة من أبرز أعضائها، برفض القيم الوطنية والقومية لتنضوي “تحت الراية العالمية للأدب، الذي يخدم التحلل والتفكك، والميتافيزيك، ويحارب الوعي والتفكير العلمي والرؤية الواقعية الموضوعية للأشياء”. وعلى أي حال، فغالباً ما يكون استدعاء (المعنى السابق) أقل حدة، ويقتصر دورانه تقريباً حول اهتمامات أدونيس التي أطلق عليها علي سعيد (1967: 19) “هموماً ميتافيزيقية، كانت في الماضي وقفاً على الفلاسفة والمفكرين: قضايا الموت والحياة، والله والروح، والجسد والمصير الإنساني” مقدماً توكيده تلك الصلات الفلسفية العامة لاصطلاح “ميتافيزيقي” في مناقشته شعرَ أدونيس. ومما يثير الغرابة –ربما- أن النقاد لم يقدموا قط على مقارنة أعماله –بصورة واضحة- مع مدرسة الشعر الميتافيزيقي في الأدب الغربي، وكان شعراء تلك المدرسة قد عُمِّدوا بنعت ميتافيزيقي من جانب صامويل جونسون، بسبب الزعم باهتمامهم بمصطلحات الجدل، وطرقه التي استعملت في التراث الكلاسي الوسيط لفلاسفة الغرب الميتافيزيقيين، وهو تراث تأثر كثيراً بالتصورات الإسلامية للمذهب الأرسطي.

وثمة حقيقتان إضافيتان تقترحان أن مثل هذا الربط بالتصورات الميتافيزيقية لا يحتاج على الإطلاق إلى التحذلق في فرضياته فهو بادٍ عبر التفحص السريع، وهاتان الحقيقتان همـا:

أولاً: أن الشعر العربي الحديث تأثر عميقاً بمدارس الأدب المعاصرة في الغرب، ولاسيما بالحداثة الأنجلوأمريكية، وبشخص ت.س. إليوت، ولقد اضطلع إليوت ومعاصروه –في أبرز مهماتهم (النقدية)– بإعادة الاعتبار لجون دَنْ، وباقي الشعراء الميتافيزيقيين، عندما كتبوا عنهم مفصَّلاً.

ثانــــــــياً: أن للاهتمام النقدي لدى شعراء الحداثة الغربيين تأثيرَه الجلي على أعمالهم الإبداعية، كما أن بلاغة القصائد الحداثية تحمل عادة آثاراً ملموسة للأسلوب الميتافيزيقي، وولعه بالتخيل الجامح والتناقض Paradox، وأوضح من ذلك تلك الاقتباسات التي تحفز أو تثبط النص الميتافيزيقي لمن سلف (من شعراء)، مثلما نجد ذلك لدى ت.س. إليوت عندما يستدعي في قصيدة “الأرض اليباب” قصيدة مارفيل الشهيرة : “لعشيقته الخَفِرة” To His Coy Mistress بقوله :”لكن من ورائي أسمع هبة هواء باردة، طرطقة العظام، وضحكات خافتة تتناقلها الآذان”. إن السابق يمسك –بإحكام- الإيقاع الأصلي في: “لكن من ورائي أسمع دائماً عربة الوقت المجنحة تسارع في الاقتراب”. كما أنه يشكل مفارقة سياقية في عالم “الأرض اليباب” الحاضر المتصف بالانحطاط. وهكذا، فإن الشعر الميتافيزيقي وشعريته يقفان من وراء شعر غربي كثير، يستحسن الشاعر العربي المعاصر قراءته والتأثر به.

وصحيح أن أدونيس ذاته، قد نُظر إليه بوصفه الأقل تأثراً بالحداثة الأنجلوأمريكية وتنوعاتها بين أقرانه، ذلك أنه تلقى تعليمه في محيط ثقافة فرانكفونية في سوريا ولبنان، لكن كتاباته أظهرت دوماً معرفة بالتراث الأنجلوأمريكي تتجاوز النظرة السطحية. إن بيئة الخطاب الأدبي في ظل عالم حديث تتصاعد كوزموبوليتانيته بتشبع معلوماتي كبير، أثرت في أن يغدو التقسيم الاستعماري التقليدي بين الأنجلوفونية والفرانكفونية أقل أهمية شيئاً فشيئاً، فأدونيس وت.س.إليوت، على كل حال، متضامنان في احترامهما المشترك للشاعر الفرنسي “سان جون بيرس” St. John Perse.

إن المقارنة بين أدونيس والشعراء الميتافيزيقيين قد تثبت أنها الاحتمالية الأكثر تنويراً، إذا ما بدأنا بالبحث –خاصة- عن المميزات البلاغية التي ارتأى الكتاب المحدثون أنها تجعل من الشعر الميتافيزيقي ميتافيزيقياً. وما يثب في هذا السياق سريعاً إلى الذهن هو وسمه بالمخادعة. وإذا كان هذا المعيار الوحيد بين كل ما تحاكم به ميتافيزيقية الشعر، فإن أدونيس، من بين كل الشعراء الحداثيين العرب، ربما الأقرب إلى ممارسة الحساسية الميتافيزيقية، وحتى أعماله المبكرة تظهر لمحات متكررة للتناقض عبر “التنافر المنسجم” Discordia Concors، وهي السمة المميزة للخداع الميتافيزيقي مثلما يعبر عنها بأداتها الأساسية: التخيل.

لو أخذنا مجموعة أدونيس المبكرة “قصائد أولى” بوصفها نقطة انطلاق، فسنجد أن من السهل تحديد عدد من القصائد المتأثرة بهذا الضرب من الكتابة، وهي أكثر بقليل من غير المتأثرة به، والمستندة إلى “تخيلات” (بالصورة التي تجعلها تتكون من جملة استعارات مركبة طُورت وصُقلت على مدى كثير من أبيات القصيدة) تقبض على روح الخداع للأسلوب الميتافيزيقي في شكله الأنقى.

ولعل القصيدة، الألفت للنظر من ضمن هذه القصائد، هي:”مشروع لتغيير الأشياء”، التي تستند إلى حرفية الاستعارة الشائعة التي تشبه الأفكار بـ “الفأر الذي يحفر في الذهن”.

“أمسِ، فأرةْ

حفرت في رأسي الضائع حفرةْ؛

ربما ترغب أن تسكن فيهِ

ربما تطمع أن تملك فيهِ

كل تيهِ

ربما ترغب أن تصبح فكرةْ…”(1).

هذه القصيدة القصيرة الموجزة، تعد ملمحاً مميزاً لأسلوب أدونيس المبكر، معتمدة على إستراتيجية بلاغية واحدة، وهي حرفية الاستعارة الشائعة، كي تنـزع الألفة من أحد البناءات المعرفية سريعة التبادر للذهن، وغير الدقيقة، في تفسير عملية التفكير الإنساني، مثلما يتوضح ذلك لدى الناقد الشكلاني الروسي شكلوفسكي (1965) [صاحب مصطلح نزع الألفة Defamiliarization]. فالموضع المعتاد لاستعارة الأفكار يتحول حرفياً إلى حيوان، هو الفأر، بتغاضٍ–في حقيقة الأمر- عن احتمالية استغلال الانتهاك الحادث. تصبح القصيدة ذاتها –إذاً- تحليلاً تفصيلياً أو شرحاً تدريجياً للعلاقة بين الصورة الاستهلالية الصادمة للفأر، والاستعارة الممثلة لمصدرها، وهكذا فإننا ننتقل من الصورة –التي تظهر دون محفزات- لحفرة تحُفر في رأس الشاعر بوساطة فأر، إلى المقارنة الأكثر تجريدية بين عقل الشاعر والمتاهة (وهي ذاتها مكان معتاد) لتبدأ في تطبيع Naturalize العلاقة بين العقل والفأر، أو لتجعلها مقبولة في شكل متعارف عليه.

أخيراً، وفي سطر القصيدة الأخير: “ربما ترغب أن تصبح فكرة” تنجلي الاستعارة الأصلية التي تبرز التخيل بأكمله، ونُذَكَّر بالصلة التقليدية بين الأفكار والحيوانات القارضة الصغيرة.

يصنع جون دَنْ، عميد الشعراء الميتافيزيقيين الإنجليز، أمراً مشابهاً لما سبق في قصيدته الشهيرة: “البرغوث” The Flea، عندما يتعامل بِحَرْفَّية مع المعنى المعتاد “لاختلاط دم والديْ الطفل في عروقه” باستبدال الطفل عند صياغة الكلام بالبرغوث الذي يمتص –حرفياً- الدم من العاشق وعشيقته المحتملة إلى داخل جسمه، عن طريق لسع كلٍّ منهما تباعاً.

إن الدافع المستتر الذي يحرك هذا التخيل للبرغوث، يُرى بوضوح أكبر في الأسطر التالية، قرب نهاية القصيدة:

“آه، فلتبقيْ يا حيواتٍ ثلاثاً في برغوث واحد ضئيل

حيث نحن لسنا سوى متزوجين فيه بالكاد

هذا البرغوث هو أنا وأنت

وسرير زواجنا هو، ومعبد زواجنا

تقابلنا رغم تذمُّر والديك وشكواك

واجتاحتنا هذه الحيطان الحيَّة فاحمة السواد”. (1933:37)

نجد هنا أن (تضليل) الجديَّة التي يُعامل بها حدث القتل من جانب العشيقة، لا يفهم إلا عندما يُرى مدفوعاً بذلك التطابق الضمني بين البرغوث والطفل. ويمكن التثبت من ذلك –ببساطة- عبر استبدال “البرغوث” بـ “الطفل” في الأسطر الشعرية السابقة، مما يترك لنا شيئاً يقارب شكوى المحب المألوفة.

وهكذا تصبح العشيقة، عبر تضمين معنى قتل الطفل، أو ما هو أسوأ من ذلك، قاتلة طفلها عندما يُسحق البرغوث.

وثمة نقطة أخرى جديرة بالاهتمام، يمكن الربط بها بين هاتين القصيدتين، وهي أن أدونيس ودَنْ، باختيارهما استعارات تتمحور حول أعضاء في المملكة الحيوانية، ولاسيما ما يُحقر منها، يستعرضان مفهوم “حساسية غير المنفصم” Undissociated Sensibility، التي عدَّها ت.س.إليوت مبدأً مميزاً للشعر الميتافيزيقي، وذلك عن طريق دمج الأدنى بالأعلى، باستعمال عالم الهوام لوصف أكثر العمليات الجدلية تجريداً، كالتفكير الإنساني، أو أكثر العلاقات الإنسانية مثالية كالحب. فالميتافيزيقيون يرفضون التفريق المبسط بين الشعري وغير الشعري أو المبتذل، الذي ينظر إليه عادة كصفة فارقة للكلاسية الجديدة(2).

يعد غموض الموت من الموضوعات الأثيرة لدى شعراء الحساسية الميتافيزيقية، لأنه يهب لهم الفرصة ليمارسوا ولعهم بـ “التنافر المنسجم” عبر تطويرات موروثة منذ القدم عن التراث الجدلي الوسيط. وعلى الرغم من أن أدونيس قادم من أساس ثقافي مختلف تماماً عن ذلك الآخر لدى الشعراء الميتافيزيقيين الأوروبيين، فإن الحضارة الإسلامية الوسيطة قد ورثت بدورها تراثات البلاغة القديمة، وترسَّمت خطاها، كالمعتزلة الذين يشبهون في دعاواهم العريضة أندادهم الوسيطيين في أوروبا. لذا فمن غير المستغرب أن نجد في “قصائد أولى” القصيدة التالية التي تستدعي بقوة أسلوب “دَنْ” الشهير في قصائده المعروفة عن الموت، كقصيدة “الرفات” The Relique أو سوينتته “لا تكن مختالاً أيها الموت” Death Be Not Proud (1933: 44 and 63):

“يضمنا الموت إلى صدره

مغامراً، زاهدا

يحملنا سرَّاً على سِرِّه

يجعل من كثرتنا واحدا” (1963: 90).

تفتتح القصيدة بصورة الموت المروعة في تنافريتها، فأدونيس يصف الموت بأنه “يضمنا إلى صدره” تماماً مثلما تضم الأم طفلاً صغيراً [إلى صدرها].

إن نقطة الانطلاق في عملية التصوير هذه، تتمثل في التشخيص Personification بوضوح. لكن تشخيص الموت شائع جداً بوصفه إستراتيجية بلاغية، قد تمر دون تعليق أو مزيد كلامٍ كقولنا إنه “حصادة شرسة [أو هادم اللذات]” التي تمثل جزءاً من المخزون الثقافي الشائع في كل أدب تقريباً، والأدب العربي ليس استثناءً.

لكن ما يثير الدهشة، على كل حال، هو كيف يجري التشخيص؟ إن الموت لا يُشخص بوصفه شرساً، أو حيواناً ضارياً مثلما هي الحال غالباً، لكنه يعالق، على العكس، بتصوير يختزل معنى التعاطف والرقة في التجربة الإنسانية متمثلاً في الأم.

ومثلما يقارن جون دن الموت بالنوم في “لا تكن مختالاً أيها الموت”، مثلاً، فإن أدونيس يقلل من شأن الموت، فينزله من عليائه بما هو غموض مفزع، ويشخصه –بدلاً عن ذلك- في تعبيرات مألوفة وجالبة للطمأنينة، وهي في هذه الحال دالة على حنان الأم. فكما تتشبث الأم بطفلها ولا تدعه يفلت منها، يُحكم الموت قبضته علينا، حتى ونحن في مقتبل الحياة. وهذا التناظر يمتد أكثر في السطر الثالث، حيث الموت مثلما يقول: “يحملنا سرَّاً على سرِّه”. لدينا هنا نكوص من حالة حمل الأم طفلها على يديها إلى الوقت الذي تحمل فيه الطفل ذاته في أحشائها أو أعماق جسدها السرية.

والتوقيت المضاد للتعاقب في القصيدة يشدد على سرمدية الرابط بين أنفسنا والموت/الأم، الذي قد يخفف التعاقب المعتاد للأحداث من حدته بدءاً من فترة الحمل فالميلاد فالطفولة فالنضج. وبالطبع فإن بؤرة التداعي بين الموت وفترة ما قبل الولادة، هي تحويل الموت نفسه إلى نوع من الانبعاث، لذلك فإنه يصبح احتمالية أقل إفزاعاً.

إن العمل على المترادف في التناظر الحادث بين الموت والأمومة، بما فيه من تصويرات أخرى مهمة، يستند أيضاً على المقولة المركزية التي يمكن أن نجد تجسدها وتمثلها في القصيدة، وتتمركز هذه التصويرات حول نفي التعارض بين الواحد والمتعدد.

في البدء يتم إدراك الموت كمثال على التنوع، قائم بدور المغامر والزاهد في آن معاً. ويقدِّم هذان التصويران مثالين حديِّيْين لطبيعة التعامل مع العالم: فالمغامر يقتحم التجربة الحياتية بحماس كبير، في حين ينسحب الزاهد من مثل تلك التجربة، بالحماس ذاته. وهكذا فإن الرابط بين الاثنين هو عدم التكافؤ، والتنافر الشديد.

لكن، على الرغم من أن الموت ذاته يملك أشكالاً متعددة، فإننا نتوحد حين يضمنا، ويستدعي هذا المفهومَ الصوفي الغامض للفناء، عندما يغدو الصوفي مستغرقاً في وحدانية الله، كما يقال، وينعدم وعيه بذاته.

إن الجمع بين الأشد رهبة وحباً في آن لهو انشغال معتاد في كلا الشعرين: الصوفي، والديني الميتافيزيقي. ولأن أدونيس كان قد اعترف بتأثر أعماله البالغ بالشعراء المتصوفة كالنفري(3)، فإننا لا نكاد نفاجأ عندما نعثر على تشابهات بين قصائده وقصائد الميتافيزيقيين. وثمة عنصر مسكوت عنه، نسبياً، لكنه على القدر ذاته من الشيوع في الشعر الميتافيزيقي، يتمثل في البناء الدرامي.

وأنا لا أعني بـ “الدرامي” هنا “المثير” أو “غير المتوقع” كما درج الاستعمال، لكنني أقصد المعنى الأكثر تقنية “المتعلق بنوع الدراما الأدبي”.

ففي القصيدة الغنائية يخاطب المتحدِّث في القصيدة (وهو من شاعت مماهاته بالشاعر) قارئه بشكل مباشر، جاراً إياه بعد ذلك إلى عملية تفسير القصيدة.

أما أعراف الدراما، فإنها تقتضي من جانب آخر، أن يستمع الجمهور بصورة غير مباشرة للعرض المسرحي، أكثر من توجيهه المباشر إليهم كمخاطبين، وذريعة لتصاعد الحدث.

لقد استُعير هذا العرف الدرامي من جانب الشعراء الميتافيزيقيين، وبخاصة دَنْ، وأُدخِل إلى قصائدهم الغنائية(4).

شاهدنا مسبقاً مثالاً على الشكل الهجين الناتج في البيت المقتبس آنفاً من قصيدة “البرغوث”، حيث لا يوجَّه الخطاب فيه إلى القارئ، كما يُتَوقع عادة، وإنما إلى العشيقة المنشودة، التي تستعد في الوقت نفسه لسحق البرغوث بين سبابتها وإبهامها.

إن إعادة التعريف الناتجة من العلاقة بين القصيدة وقرائها في الشعر الميتافيزيقي لها معنيان ضمنيان هامان. الأول: أن الاستعمال الجليَّ للحوار اللاتواصلي يصور حركة القصيدة أكثر نبضاً، وبطريقة حيوية أكبر، أمام عيني القارئ، لا كما قد تظهر في ذاكرة الشاعر/المتحدث وهو يفسر للقارئ أحداثاً من الماضي.

وعلى أي حال، فإن هذه البنية “الدرامية” تملك، من جانب آخر، تأثيراً في إيجاد مسافة بين القارئ والقصيدة، فهو لم يعد مشاركاً في تطور القصيدة؛ إنه يراقبها وحسب.

إن استقراء شعر أدونيس تثقيفي بصورة أساس، ولاسيما في أعماله الأولى، إذا ما أخذنا بالملاحظات السابقة، عالمين بحقيقة أنه برهن على اهتمامه الدؤوب بالدراما، ففي اثنتين من قصائده المبكرة، وهما: “مجنون بين الموتى” و”السديم”، وقد كتبتا في عام 1956، نرى انتظامهما وفق صياغة درامية، تتكامل بتوجيهات مسرحية، وتميز شكلي عبر مجموعة مشاهد. أما في أعماله اللاحقة، فإنه، ربما، ليس مباشِراً في ذلك، غير أن اهتمامه بالدراما المهجنة بالشعر الغنائي يظهر، إذا ما تفحصه المرء، متصلاً دون انبتات. خذ –على سبيل المثال- القسم الأول من قصيدة “سبعة أيام في حياة عجمي منبوذ” المنشورة عام 1959، التي فصَّل فيها لاحقاً وأصبحت “أغاني مهيار الدمشقي”(5):

الشموع انطفأت فوق جبيني

الشموع اشتعلت فوق المدينة

والمدينة

رجل لا يعرف الضوء جبينه

-“جُرَّه يا شرطي…”

-“سيدي، أعرف أن المقصلة

بانتظاري

غير أني شاعر أعبد ناري

وأحب الجلجلة”.

-“جُرَّه يا شرطي

قل له إن حذاء الشرطي

هو من وجهك أجمل”.

آه يا عصر الحذاء الذهبي

أنت أغلى، أنت أجمل.

تعرض القصيدة، في مجملها، صورة مفارقية للصراعات الناشئة، عندما يجابه الشاعر، الذي يرى نفسه النموذج المثالي للبطل المضحي بذاته (مرموزاً إليه بالإشارة إلى المسيح u الذي ضحى بنفسه طوعاً في طريق الجلجلة)، الرؤيةَ المضادة للعالم الخارجي، أو لقوى المجتمع، التي لا تعدُّه رمزاً للبطولة، وإنما خادم يمكن أن تُلوى كلماته لخدمة السلطة القائمة عند الضرورة.

وتمثل تلك القوى بوساطة صوتٍ غُفْلٍ من التسمية، يتحدث في النصف الثاني من القصيدة.

ومن الجدير بالاهتمام أن أدونيس، عندما نشر هذا الجزء من قصيدة “سبعة أيام” في “أغاني مهيار الدمشقي” جزَّأه إلى اثنيْن، جاعلاً الأسطر الأربعة الأولى مستقلة عن البقية.

لكن ظهور القصيدة الأول جاء بتطور خطي واضح في القسمين، بصورة جعلت الشاعر، شيئاً فشيئاً، أقل قدرة على تملك أداة تعبيره؛ أي الكلمات. وأكد هذا التغيير أسلوبياً بالانتقال من الخطاب الغنائي المباشر إلى استعمال الحوار اللاتواصلي.

تبدأ القصيدة، إذاً، بأسلوب غنائي تقليدي، يميز فيه الشاعر بحدَّة بين ذاته والمدينة (وهو رمز معتاد لجوانب المجتمع السلبية في الشعر العربي الحديث)، فَتُشخَّص المدنية (وهذا ما يعبِّد الطريق أمام تعيين هويتها، عبر صوت السلطة الغفل من التسمية في النصف الثاني من القصيدة)، ويعين الشاعر الفرق الجوهري بين ذاته وهذه المدينة/الإنسان، متمثلاً في أنها مُنارةٌ في حين أن ذاته هو غارقة في الظلام.

لقد استعملت الكلمة “منارة” هنا بتعمد، لأن أحد التداعيات المستعملة عادة لكلمة نور في الأدب العربي هو الإلهام (الشعري)، مثلما يَستدعى ذلك الشعور المزدوج بالمعنى، حرفياً ومجازياً للكلمة الإنجليزية “تنوير” Illumination. لذا يصف الشاعر ذاته هنا بأنها محرومة من الإلهام، الذي يُشكل مَعين مهمته الشعرية، حين ينتقل هذا الإلهام/النور إلى المدينة عوضاً عنه. ومع ذلك، فإن المدينة، من وجهة نظر الشاعر القائمة على المفارقة، لا تعرف أو تدرك ما الذي هبط عليها.

إن أحد الأبعاد الأكثر مخادعة للقصيدة ككل، لهو الطريقة التي تتنامى بها صور: الشمعة الضوء النار الذهب (وكلها تترابط عبر تناقضها البديهي مع الظلمة)، وهي تستعمل لتوحيد المقاطع المتعددة في القصيدة، وفي الوقت ذاته، تشير إلى الهبوط من الحالة المثالية إلى المفارقية في إدراك الشاعر ذاته.

ولما كانت القصيدة تبتدئ بتضافر كبير لقواعد الشعر الغنائي التقليدية، فمن المهم أن نتذكر أن إحدى الصور الأساسية لصوت المتحدث في الشعر الغنائي لهي صوت ضمير المتكلم القياسي، ودائماً ما يتقبل القارئ إفادات هذا المتحدث من الدرجة الأولى بوصفها صادرة عن المؤلف، بمجرَّد أن يلج إلى عالم القصيدة. ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى انعدام وجود صوت آخر ليزودنا بتفسير بديل للأحداث. وهكذا فإن بداية هذا المقطع من قصيدة “سبعة أيام” يلزمنا بقبول أحكام الشاعر كأحكام صادرة عن المؤلف، على الرغم من أننا مجبرون، في أثناء عملية القراءة، على تقبل إفادة أنه فقد الخصيصة التي تجعل منه شاعراً، متمثلة في الإلهام أو الرؤيا، وهي القَمِينة بتهذيب أداته؛ أي الكلمات، وتحميلها بالمعنى.

لذا فنحن قُراءً نُدفع إلى وضعية القبول بموثوقية حديث يقوض زعم الشاعر بالتمكن من صنعته. إن هذا لهو الصدع الأول في المظهر الكاذب للتقليد الذي يُظهر الشاعر الغنائي مسيطراً بصورة مطلقة على عمله، وهو يمهد الطريق لخرق أخطر في بناء القصيدة الغنائي: ألا وهو ظهور الصوت الثاني في السطر الخامس، مستعداً وقابلاً بتزويد القارئ بنسخة بديلة للواقع تتصارع مع نسخة الشاعر بدرجة كبيرة.

وكردة فعل على الأمر الذي يوجهه هذا الصوت الثاني: “جُرَّه يا شرطي…” يحاول الشاعر تأكيد هويته كي يستعيد سيطرته على وجهة القصيدة، فيصف نفسه بنعوت البطل المضحي بذاته، الذي “يعبد [ناره]… ويحب الجُلجلة”، وبطل كهذا لا تقيده حدود مفروضة من الخارج، بل هو قادر على ابتكار مصيره؛ لأنه يتقبل أي عقوبة، قد تصل حد الموت، طواعية.

وتأتي الإشارة إلى النار لترمز، فضلاً عما سبق، إلى حضور الإلهام في مستوى أكثف من النصف الأول للقصيدة. وعلى الرغم من أن الشمعة –مصدر النور أو الإلهام في القسم السابق تستجلب حضور النار، فإن النار مسيطر عليها؛ لأنها منقادة للبشر. تتضمن الإشارة إلى النار، المهلكة والمنيرة كذلك، تركيزاً شديداً على دور الشاعر في البحث عن الإلهام، حتى لو حمله ذلك إلى الاستخفاف بالمخاطر التي تستتبع بحثه.

وعلى أي حال، فإن هذه التصريحات الشجاعة تظهرها الأسطر اللاحقة فتغدو “محض كلمات”، فاستسلام الشاعر الآنفُ للسلطة الخارجية – بالطريقة التي تتيح لصوت آخر أن يتحدث في قصيدته- لا يمكن إبطاله بسهولة، ويعود الصوت الثاني إلى السطر العاشر حتى الثالث عشر، ليعرض، بصورة نهائية، سلطة رؤيته البديلة فارضاً إياها على مصير الشاعر. فهي تشدد على أن “حذاء الشرطي/هو من وجهك أجمل”. ويتفق الشاعر مع ذلك، مهزوماً، ومضيفاً كذلك حكمه أن الحذاء “ذهبي” و”أغلى”.

والإضافة المتعلقة بالذهب تتصل على نحو كنائي بالضوء والنار بسبب لونه الذي يضاعف الإحساس باكتمال إذعان الشاعر. فالذهب يفسد العلاقة بين الضوء والنار بوصفهما استعارتين تعبران عن الإلهام، لأنه يشارك في مجموعة أخرى من العلاقات المترابطة، فيصبح كناية عن التجارة والبيع والشراء. وتُفعَّل تلك العلاقات، بتعمد، في القصيدة عبر اسم التفضيل “أغلى” من الصفة “غالٍ” التي تستعمل عادة في التعاملات التجارية اليومية. وبناء على هذا يهبط الشاعر إلى سكنى عالم منحط حيث مصدر النور أو الإلهام قادم من الذهب فحسب، وذلك ما يجعل الشعر مجرَّد عنصر في شبكة العلاقات التجارية، وتصير كلماته مجرَّد سلعة تباع وتشترى، أو لنضع الأمور بطريقة مغايرة قليلاً، فعالم البشر يصطرع، في هذه الأسطر، بحتمية مع رؤيا الشاعر الخاصة، ويقاوم أي محاولة للتواصل معها.

أما الصياغة الدرامية، بأصواتها المتعددة وتقلص أحكامها المباشرة حول تصريحات كل صوت على حدة، فإنها طريقة تثير الإعجاب بقدرتها على توصيل هذا الصراع بين هاتين الرؤيتين المتعارضتين.

ويعد التباين بين الرؤيتين العامة والخاصة موضوعة راسخة في شعر أدونيس، وهو يسهم مراراً وتكراراً في إضاءة العلاقة بين عمله وما يقوم به الشعراء الميتافيزيقيون، وهذه المرة بمستوى أعمق وأوسع من كونه محض مصادفات تقنية. يلاحظ إيرل ماينر Earl Miner، في دراسته المجلية للشعر الميتافيزيقي الإنجليزي: “الصياغة الميتافيزيقية: من دَنْ حتى كاولي Cowley” أن كثيراً من تمظهرات الشعر الميتافيزيقي التي سبق ذكرها هنا، وتشابكاته المعقدة من الجدلي والتخيلي، التي تتطلب تركيزاً لحلها، واستعمالَه التقاليد الدرامية ليخلق الشاعر مسافة بينه وبين جمهوره وغيرها، تبرز جميعاً ما يسميه “الصياغة الخاصة” للشعر الميتافيزيقي (1969: 3 -6). ويحيل هذا إلى حقيقة أن الشعراء الميتافيزيقيين قد رفضوا الدور الجماعي للشاعر بوصفه “إنساناً يتحدث إلى جميع الناس” عن عالم صُوِّر قابلاً للإدراك والمقاربة عبر أفهام مشتركة حوله.

لقد رأى “دَنْ” وأتباعُه عالم البشر، الذي أضفى عليه البلاط في ذلك الزمان الرمزية، عالماً مسخاً، لا لون له، وذا قيم ضالَّة.

ومثلما يلاحظ ماينر، فإن ذلك توضح بأجلى الصور في قصيدة دَنْ الغنائية “تقديس” Canonization.

ستغتني حالُك بالثروة، وستطور

عقلَك الفنون.

انشغل بشيء، واتخذْ مكاناً

وتأمل جلالته أو سمَّوه

أو وجه الملك الحقيقي أو وجهه المدموغ [على العملة]

فكر بالذي سوف تبرمه

طالما سمحت لي أن أحب

(1933:14; also quoted in Miner 1969: 37)

إن المقارنة بين الملك/البلاط، وعالم التجارة مضمنة في الإحالة إلى “وجه الملك الحقيقي، أو وجهه المدموغ” (ملاحظة: صورته على العملة)، وهي تستدعي حكم أدونيس على العالم في “سبعة أيام” أنه مكان تتفرد فيه قوانين السوق. ووصف “ماينر” لشعر “دَنْ” أنه يمتلك “متحدثاً خاصاً يشكل قاعدة للوعي والاستقامة في عالم فاسد يفتقر إلى البصيرة” ينسحب بسهولة على المسيرة العامة لأعمال أدونيس كذلك. وبالطبع، فحقيقة أن تلك المخيلة الجماعية حاضرة في أغلب الشعر يخلق نوعاً من التضارب عند التعامل مع “العالم” الذي استُحضر في شعريْ دن وأدونيس.

إنهما لا يهدفان –أساساً- إلى أن يديرا ظهريهما للعالم، بقدر رغبتهما في تحكيك رؤيتيهما إلى الدرجة التي تغدو فيها مشروعيتهما كونية ومدركة من الجميع. وهما يشتركان في هذا التوجه مع مجموعة أخرى من الشعراء ينتسب أدونيس إليها بقرابة، وهي جماعة الرومانسيين. فلقد أحس الرومانسيون، أيضاً، بالضرورة الملحة لابتكار رؤية خاصة لمجابهة المنظور الجماعي، وغالباً ما صوروا أنفسهم، كما يفعل أدونيس كثيراً، على هيئة البطل الذي يضحي بنفسه.

إن وجود مثل تلك التناظرات بين عمل أدونيس والحركات الأدبية الأخرى، يعزز الخلاف الذي قد ينشأ عند هذه النقطة المفصلية: أن أدونيس ليس شاعراً ميتافيزيقياً، في الأساس، وليس ثمة أثر ملموس لتأثير مباشر على كتاباته من جانب تلك الجماعة الأوروبية من الشعراء (الأغراب)، الذين كاد الناس أن ينسوا وجودهم حتى جرى إحياؤهم من جانب الحداثيين الأوربيين في بداية القرن العشرين، وأن الإصرار على إظهار الجانب الميتافيزيقي في عمل شاعر عربي كأدونيس، لا جرم سيشوِّه، شيئاً ما، طبيعةَ شعره.

من المؤكد أن معظم الطاقة التي يملكها شعر أدونيس موجهة من الخارج باتجاه العالم، مفضلة الخلاص الجماعي على الانعتاق الفردي، ومع ذلك فإن تفحص عمل شاعر من زاوية غير معتادة، يظهر عادة أبعاداً متجاهلة وغير مطروقة من شعره تستحق الاهتمام، وهذه بالتأكيد حال أعمال أدونيس، التي تملك قرابة حقيقية ما من “الصياغة الخاصة” والمزايا الأسلوبية الفارقة التي تقترن بالشعراء الميتافيزيقيين، ويتطلب ذلك أن نفهم شعره بطريقة جديدة أعمق وأجدى.

 

 

 


*     هذه ترجمة كاملة لمقالة:

Terri De Young, upon one Double String: The Metaphysical Element in Adunis Poetry, Al-Arabiyya (1994) 27, 1-15.

1-    أدونيس (1963: 54). دمجت هذه القصيدة –لاحقاً- دون تغييرات في قصيدة “أوراق في الريح” (المقطع 32) واستمر أدونيس بنشرها على هذه الصورة في الإصدارات المتعددة من أعماله حتى هذه اللحظة، انظر مثلاً: أدونيس (1985: 113).

2-    لمعالجة متوازنة لمصطلح “حساسية غير المنفصم”، وعلاقة دَنْ بشعراء الكلاسية الجديدة، انظر غاردنر (1962: 1-8). ومن الجدير ملاحظته، في هذا السياق، أن أدونيس بدأ مسيرته الشعرية محتذياً مرحلة من مراحل الإحياء الكلاسي الجديد في الأدب العربي، وكثير من أعماله النقدية توجهت ضد الحساسية والفهم الجماليين للكلاسية الجديدة.

3-    الأهمية التي يعيرها أدونيس للنفري شهيرة، وللوقوف على وصفه اكتشافه لكتاباته، والأثر الذي أحدثته على عمله لاحقاً، انظر: أدونيس (1971: خاصة 6-10).

4-    للوقوف على تفنيدٍ للعنصر الدرامي في الشعر الإنجليزي الميتافيزيقي، انظر: ماينر (1969: 14-27). ولقد استعملت نماذج من شعر دن في أثناء حديثي لأنه يعد من جانب الكثيرين خلاصة الشعر الميتافيزيقي، والمظاهر النموذجية لمدرسته موجودة في شعره بتركيز شديد. انظر أيضاً: وارنك (1961:4-5).

5-    نشرت “سبعة أيام…” أول مرة في مجلة “شعر” (أدونيس: 1959)، ولقد أعاد أدونيس الاشتغال على هذين المقطعين في القصيدة الأصل، وجعلهما قصيدتين مستقلتين. للعودة إلى النسخة المنقحة لهاتين القصيدتين، انظر: أدونيس (1985: 365 و368).

 

المصادر والمراجع

–      أدونيس (علي أحمد سعيد) (1959): سبعة أيام في حياة عجمي منبوذ. مجلة شعر 12 (مايو 1959)، 24-30. 1963.

–    ………..: قصائد أولى. بيروت: دار مجلة شعر.

–    ………..: (1971) تأسيس كتابة جديدة. المواقف 3 (17-18) 6-10.

–    ………..: (1985) الأعمال الشعرية الكاملة. بيروت: دار العودة.

–         Badawi, Muhammad Mustafa. 1972. Commitment in Contemporary Arabic Literature, Journal of World History 14: 858-879.

–         Donne, John. 1933. The Poems of John Donne. Edited by Sir Herbert Grierson. London: Oxford University Press.

–         Gardner, Helen, ED. 1962. John Donne: Twentieth-century views. New York: Prentice Hall.

–         Jayyusi, Salma. 1977. Trends and Movements in Modern Arabic Poetry, 2. Leiden: E.J. Brill.

–    كمال الدين، جليل (1975) بين السياب وديستويفسكي، الأداب، 23 (7-8): 37-43.

–         Miner, Earl. 1969. The Metaphysical Mode from Donne to Cowley. Princeton: Princeton University Press.

–    سعد، علي (1967): أدونيس وكتاب التحولات، الآداب، 15(1): 18-21، 44-50.

–         Shklovsky, Vicot. 1965. Art as Technique. In Russian Formalist Criticism: Four essays, edited and translated by Lee T. Lemon and Marion J. Reis, 3-43. Lincoln: University of Nebraska Press.

–         Warnke, Frank J. 1961. European Metaphysical Poetry. New Haven: Yale University Press.