مجلة حكمة
العلية في الفكر العربي والإسلامي - موسوعة ستانفورد للفلسفة

العلية في الفكر العربي والإسلامي – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: فاطمة الشملان


حول العلية في الفكر العربي والإسلامي، حول العلية الأرسطية والعلية الفاعلة والعلية الغائية، والمشروطية والعلاقة العلية، والعالم بالقدرات العلية؛ نص مترجمة للـد. كارا ريتشاردسون  والمنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة. نسخة PDF


انبثقت في الحقبة الكلاسيكية من الفكر العربي والإسلامي (القرن 9-12) اعتبارات أصيلة ومؤثرة للعلية وذلك إثر الجدل الواقع بين تقليدين فكريين: الكلام والفلسفة. إذ لعب الخلاف بين المتكلمين عن توزيع القدرة بين الفعلية والعلية دورا في تأويل الاعتبارات المتجلية لله وعلاقته بالعالم. وعلى العكس، رأى الفلاسفة أنفسهم مطورين لعلم عقلاني ابتدأ بأرسطو. وفي هذا التقليد، كان معرفة الشيء هو معرفة أسبابه. ويعد اكتشاف طبيعة العلية جوهريا للعلم.

وفي تلك الحقبة الكلاسيكية على الأقل، نشأ الكلام والفلسفة منفصلين. والحقيقة أن استقلال الفلسفة عن الكلام في تلك الحقبة مبهر مقارنة بوضعها الخاضع للكلام المصنع في العصور الوسطى للغرب اللاتيني. ومع هذا، ساهم الجدل عبر الكلام والفلسفة إلى نشوء كلا التقليدين. وكان مثمرا خاصة لفلسفة العلية التي كانت هجوما على الفلسفة الطبيعية لأرسطو من قبل المتكلمين الأشاعرة. وظفت تلك الهجمات نقاشات عادت للبزوغ في نقاشات العلية بداية العصر الحديث.

  • نقاشات الكلام

    • العدل الإلهي والحرية البشرية في الكلام المعتزلي

    • القدرة الإلهية المطلقة والقدرية عند الأشعري وأتباعه.

  • العلية الأرسطية

2.1 أسباب أرسطو الأربعة في الفلسفة العربية.

2.2 العلية الفاعلة

      2.2.3 الكندي

      2.2.2 ابن سينا

      2.2.3 بعد ابن سينا

2.3 العلية الغائية

  1. المشروطية والعلاقة العلية.

      3.1 نظرية الحتمية لابن سينا

      3.2 حجة “لا اقتران ضروري” للغزالي

      3.3 ابن رشد عن الحتمية العلية في الطبيعة

      3.4 مبادئ موطن خلاف

  1. العالم بالقدرات العلية.

      4.1 ابن سينا عن الاستقراء والتجربة

      4.2 حجة الغزالي الشكية

      4.3 حجة ابن رشد من العلوم الطبيعية

الكتب:

المراجع الأولية

المراجع الثانوية

أدوات أكاديمية

مصادر إنترنت أخرى

مدخلات ذات صلة


  1. نقاشات الكلام

    • العدل الإلهي والحرية البشرية في الكلام المعتزلي

يرى المتكلمون المسلمون، مع بعض الاستثناءات، أن العالم المخلوق مكون من ذرات تختلف عن بعضها البعض عبر احتوائها للحوادث (Dhanani 1994; Frank 1999). وفي العموم، يؤمنون أيضا بأن الله يعيد خلق هذا العالم المكون من ذرات وحوادث تلك الذرات في كل لحظة. وبذا يعتبرون الله العلة المباشرة لكل تغيير. ووفقا لهذا المنظور، يخلق الله الذرات التي يتكون منها جلدي والشحوب التي ينتمي لها في اللحظة الأولى من وجودها وكل اللحظات اللاحقة التي توجد بها. إذا احتفظ جلدي بشحوبه عبر الزمن، فذلك لمحافظة الله على شحوبه. وبالمثل، لو احمر جلدي عند تعرضه للشمس فإن ذلك لأن الله خلق به سلسلة من الحوادث، كل واحدة منها هي درجة حمراء أغمق من سالفتها.

يصنع المتكلمون المعتزلة استثناء مهما لهذا الاعتبار العام: إذ يعتبرون أن للإنسانية القدرة على إحداث أفعالها الخاصة سواء كانت تلك أفكارا أم انتهاكات أم حركات جسدية. ويرون بأن هذا الموقف وفق ما تتطلبه العدالة الإلهية Wolfson 1976; Frank 1982, 1983, 1985; Vasalou 2008)). افرض مثلا أني ضربتك قاصدا وكنتيجة دخلت في غيبوبة. وفقا للأنطولوجية التي نوقشت آنفا، يعتبر المعتزلون أن هذا الحدث تعلق بخلق حوادث معينة، والتي شملت اختياري لضربك والحركة الجسدية للضرب ودخولك في غيبوبة. يؤمن المعتزلة بأني مصدر تلك الحوادث عبر التماس العدالة الإلهية: وإلا سيكون ثوابي أو عقابي بناء على أفعالي جورا.

فوفقا للمتكلمين المعتزلة إذن، تشمل دائرة الفاعلين الله والبشر: يخلق الله ويصون الذرات والحوادث، وتُنتج الفعلية البشرية بعض الحوادث. ينتج البشر الفاعلون بعضها مباشرة؛ اختياري مثلا أن أضربك والحركة الجسدية للضرب. وأخرى ناتجة عن التولد؛ دخولك في غيبوبة مثلا. يُقال إن الحادثة متولدة من فاعل بشري حين يُنتج الفاعل علة الحادثة عوضا عن الحادثة نفسها. وحين ينتج الفاعل البشري علة الحادثة مباشرة، فإن الحادثة ستأتي للوجود مالم تُعرقل. لا يشمل هذا الاعتبار تعاونا بين الله والبشر في الإنتاج المباشر للحوادث. فضلا على أنه لا يشمل مسئولية مشتركة بين الله والبشر في تولد الحوادث. ففي الحالات حيث ينتج الفاعل البشري علة مباشرا لحادثة، عوضا عن الحادثة نفسها، فإن مسئولية حصول الحادثة تقع على الفاعل البشري وحده. وبالفعل، فإن نقطة تعرف الإنسان كمصدر لحوادث معينة هو إخلاء الله من مسئولية وجود تلك الحوادث. ولّد هذا النقاش بين المعتزلة عن مدى الفاعل البشري ومسئوليته مواضيع تعني بالعلاقة بين الدافع والفعل. وبالأخذ أن الدافع تحدده أسباب مسبقة، حيث دافع الفاعل علة كافيا لفعله، فإن مسئولية الفعل تقع على مصدر الدافع، الذي قد يكون خارج الفاعل. ووفقا لعبد الجبار (935-1025)، الدافع ليس علة كافية للفعل، والذي يتطلب الاختيار كذلك (Frank 1982). يربط هذا القول الفاعل والمسئولية بالاختيار.

  • القدرة الإلهية المطلقة والحتمية عند الأشعري وأتباعه:

في القرن التاسع عشر، أقنع الأشعري (874-936) العديد من المتكلمين بأن اعتبارات المعتزلة عن الفعل البشري تحد بشكل خاطئ من القدرة الإلهية. فوفقا له، يتطلب معتقد القدرة الإلهية أن يكون الله متحكما بالكامل في انتاج كل الذرات والحوادث. ولهذا السبب، يحاج الأشعري بأن علينا رفض منظور المعتزلة بأن الفاعلين البشريين يخلقون أفعالهم ويوّلدون آثارها. ويُنشئ منافسا للفعل البشري، حيث الخلق الإلهي للقدرة التي يؤدي بها الإنسان كل فعل من أفعاله هو لب المعتقد (Frank 1966). افرض للمرة الثانية أني ضربتك عن عمد وكنتيجة دخلت في غيبوبة. يرى الأشعري بأن هذا حصل لأن الله خلق بي قدرة ولّدتُ من خلالها دخولك في غيبوبة. هذه القدرة هي قدرة فعل معين، وهي ضربي إياك بطريقة معينة في وقت معين تحديدا. هي حادثة منسوبة إلي مؤقتا فقط. فبالرغم من أن تلك القدرة فيّ، فالله يتحكم كاملا بما يحدث، إذ اختار أن يخلق تلك القدرة. يستخدم الأشعري وأتباعه مصطلح كسب للإشارة إلى هذا النوع من القدرة. ويشرح الغزالي (1056-1111) في أطروحته عن القدرة معتقد الكسب كموقف وسيط بين الحتميين، الذين ينكرون أن للأشياء المخلوقة قدرة، وبين المعتزلة الذين يعتقدون بأن البشر يُنتجون أفعالهم بأنقسهم. هو يرفض موقف القدريين على أساس أنه لا يمكن الاعتداد به في الفرق بين الفعل البشري الإرادي واللا إرادي، كالارتعاش الجسدي. كما يرفض موقف المعتزلة لأسباب مختلفة؛ إذ ثمة في مركز حجته التماس إلى الحضور الكلي للقدرة الإلهية. وعلى أساس تحليله لتلك المواقف المتنافسة، يستنبط الغزالي استنتاجين. الأول، لابد أن يكون من الممكن لكل من مالكي القدرة، الإنسان والله، أن يكونا متعلقين بنفس موضوع القدرة. ثانيا، لا يمكن للقدرة التي يملكها الإنسان أن تكون متعلقة علليا بالموضوع الواقعة عليه القدرة لأن هذا سيتعارض مع الحضور الكلي للقدرة الإلهية. ويربط بين تلك الاستنتاجات مع معتقد الكسب. فكما يرى الأمر، يعزو هذا المعتقد القدرة المخلوقة إلى البشر ولكن يحافظ أيضا على أن العلاقة بين القدرة المخلوقة والموضوع الواقع عليه ليست علية (al-Ghazālī AIFI; McGinnis and Reisman 2007: 254–265; Marmura 1994). يقضي هذا المعتقد للكسب أن الله وحده مالك القدرة العلية.

باختصار، في حين يلتمس المتكلمون المعتزلة العدل الإلهي لإظهار أن دائرة الفاعلين تشمل الله والبشر، فإن الأشعري وأتباعه يلتمسون القدرة الإلهية المطلقة ليقصروا الفاعلية لله وحده. وبالحديث عموما، يبدو أن المتكلمين الأشاعرة يقرون بالحتمية، أي منظور أن الله وحده هو العلة الحق. غير أن بعض المفسرين يتخذ زعم الأشعري أن البشر هم عناصر للقدرات المؤقتة لأفعال معينة للإشارة على أن موقفه لا يصبو إلى كونه حتميا بالكامل (Frank 1966).

كما يبدو أن هجوم الأشعرية على الفلسفة الطبيعية الأرسطية مناصرة للحتمية. إذ يستهدفون المعتقد الأرسطي بأن الأجساد تملك قدرة علية نتيجة لطبيعتها المخصوصة. إذ يقترحون بدلا عن ذلك بأن الله وحده من يملك قدرة علية. وبعض ذلك الهجوم، خاصة ذلك للغزالي، ساهم في نشوء الحتمية في الغرب (Nadler 1996; Perler and Rudolph 2000). كما ساهم هجوم الأشعرية على الفلسفة الطبيعية الأرسطية في اعتبارات العلية في نشوء اعتبارات للعلية في الفلسفة العربية إلى المدى الذي حاولت به الأخيرة دحض ذلك الهجوم.

  1. العلية الأرسطية

    • علل أرسطو الأربعة في الفلسفة العربية

إن كلمة فلسفة العربية مأخوذة من الكلمة اليونانية فلوسفيا. يقضي كتّاب الفلسفة على أنها ممارسة فكرية نشأت في اليونان القديمة، والتي تشدد على استخدام الفهم العقلاني وتطبيقه في السعي للعلم. وأرسطو أكثر الفلاسفة اليونانيين أهمية وتأثيرا بالنسبة لهم. والذين اعتبروه “المعلم الأول”. تشمل التأثيرات الأخرى المفكرون الأفلاطيون الجدد مثل بروكلوس وأفلوطين، وكذلك المعلقون اليونانيون القدماء على أرسطو مثل إسكندر الأفروديسي. انظر المدخل عن Greek sources in Arabic and Islamic philosophy. ومثلما أرسطو “المعلم الأول” لدى الفلاسفة، فإن معتقده عن الأسباب الأربعة هو نقطة البداية لاعتبارات العلية. ففي الفيزياء، يقدم أرسطو معتقده كملحق لدراسة التغير الطبيعي، إذ يقول، علينا أن نمضي بأخذ اعتبار طبيعة وعدد العلل لأن معرفة الشيء هي بالقبض على “لماذا” فيها، وهذا بالقبض على العلل الرئيسية. ومن ثَمّ يطرح أربع أنواع من العلل لشرح التغير الطبيعي (سواء جوهري، أي الإتيان للوجود والمضي عنه، أو عرضيا، أي التغير في الكم أو النوع أو المكان). دافع الكتّاب العرب عن منظور أرسطو في أعمال الفلسفة الطبيعية والميتافيزيقيا، بأن علينا أن نطرح أربعة (وأربعة فقط) أنواع من العلل: مادية، صورية، فاعلية وغائية. وعلى العموم، هم يؤمنون بأن كل نوع من العلل يساهم في هدف التأويل وأن العلل الأربعة مجتمعة تفي بالتأويل.

تعتبر العلل المادية والصورية جوهرية أو حلولية في تأثيراتها، في حين أن العلل الفاعلية والغائية عرضية في تأثيراتها (Wisnovsky 2003b). وبالرغم من أن الفلاسفة يفحصون كل نوع من العلل، غير أنهم يسخرون اهتماما أكبرا للزوج الأخير كما يبدو، أي العلل الفاعلية والغائية. وبالتالي أخذت اعتباراتهم تلك التفاتة بحثية أكثر. ومع هذا، فإن جوانب معينة من اعتباراتهم لعلل أرسطو المادية والصورية قد دّرست (Bertolacci 2002). ولعل أكثرها أهمية هي معتقد الصورة الجسمية، والتي نشأت لشرح خاصية محددة للجسم: تقبلها للأبعاد الثلاثة، الطول والعرض والارتفاع (Hyman 1965; Stone 2001; Shihadeh 2014). يساهم نقاشهم عن الصورة الجسمية بشكل رئيسي في الاعتبارات عن المادة، وليس لاعتباراتهم عن العلية. إذ تنبثق مساهماتهم في الفلسفة العلية أكثر من نقاشاتهم عن الأسباب الفاعلية والغائية.

العلية الفاعلة

يقول أرسطو في الفيزياء 2.3، أن العلل تشمل المبدأ الرئيسي للحركة والسكون. وفي الفلسفة العربية، تشير مصطلحات الفاعل والفعّال والعالة إلى هذا النوع من العلة. وعلى العموم، يعتبر الفلاسفة أن دائرة الفاعلين تشمل الأجرام الطبيعية والعقول المخلوقة والله. يعتبرون الله فاعلا خالقا بمعنى أن فعله لا يقتضي ضمنا شيئا خارجه ولا حتى المادة. ويرى غالب الفلاسفة أن الخلق فعل أزلي وليس وقتي. يعد الكندي (800-870) استثنائيا في دفاعه عن الخلق الوقتي. كما أن ابن رشد (1126-1198) استثنائي أيضا: ففي أعماله الناضجة، يرفض أن الخلق لا يتسق مع النصوص والمبادئ الأرسطية. ففي الشرح الأكبر لما بعد الطبيعة لأرسطو، مقالة لام مثلا، يصوّر ابن رشد إله أرسطو مثلا على أنه العلة الغائية المطلقة للحركة وليس فاعلا خالقا (Genequand 1984). إن الاعتبارات الفلسفية العربية للإله كفاعل خالق مشتقة جزئيا من النصوص الأفلاطونية الجديدة (Wisnovsky 2002; Kukkonen 2010). بلا شك، تلك الاعتبارات متأثرة أيضا بالسياق الثقافي حيث مصطلح “فاعل” مرتبط بالله وبالقدرة الإلهية للخلق. يظل من المهم ذكر أن الفلاسفة يحاولون عرض اعتباراتهم عن الله كخالق فاعل بطرق غير مسبوقة غالبا. وبذا، لا يمكن القول بأنهم يتبعون تقليدا أو ثقافة فقط في تلك المسألة.

يقدم منظور الفلاسفة المتوسع في مجال الفاعلية تحديا فيما يخص تعريف العلة الفاعلة: إذ يتطلب اعتبارا ممتدا ويشمل الفاعلين الطبيعيين الخالقين.

  • الكندي

توجد المحاولات الأولية لتوفير اعتبار ممتد للعلة الفاعلة في كتابات الكندي، والتي تشمل الإبانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد (al-Kindī RAKAF: 214–37; McGinnis and Reisman 2007: 1–16). في هذا النص، يستعرض الكندي العلة الفاعلة عبر مثال مستقى من ميدان الفن: صنع الدينار الذهب. ففي هذا المثال، العلة الفاعلة هو صانع الدينار الذي وحد صورة الدينار بالذهب. والعلية الفاعلة الإلهية كذلك مبنية على مصطلحات فنية، بالرغم من أن فنها متفوق على فننا: صنع سرير أو كرسي لا يعد شيئا مقارنة بالخلق المتجانس لأمر الله التام.

في هذا النص، يوظف الكندي أيضا فارقا بين الأسباب الفاعلة البعيدة والقريبة ليبين كيف أن العلية الفاعلة تعتمد على العلية الإلهية:

العلة الفاعلة فكالرامي بسهم حيوانا فقتله، فالرامي بالسهم هو علة قتل المقتول البعيدة، بينما السهم هو العلة القريبة التي بها قُتل: فإن الرامي فعل حفز السهم قصدا لقتل المقتول والسهم قتل الحي بجرحه إياه (McGinnis and Reisman 2007: 4).

يركز المثال على الطبيعة العملية للعلة الفاعلة القريبة. أن السهم يكتسب القوة المرادة لفعل الحفز وأنه حفز حيوانا، عوضا عن شجرة، يعتمد على الرامي الذي حفزه بقصد قتل الحيوان.

كما يطبق الكندي تفريقه بين العلل الفاعلة البعيدة والقريبة لتبيان الكون والفساد كالتالي: الأمور المخلوقة هي العلل الفاعلة القريبة للكون والفساد، لكن الله هو العلة الفاعلة البعيدة. يتعلق دور الله في الكون والفساد بالنظام المتجانس لخلقه. يُرى هذا النظام في العلاقة بين الأمور المخلوقة، خاصة في علاقاتها العلية.

باختصار، يقترح الكندي في هذا النص بأن كلا من العلل المخلوقة والإلهية يمكن فهمها بمصطلحات الصنع. يخدم نموذج الصانع كاعتبار ممتد للعلة الفاعلة. على صعيد آخر، يُعرّف الكندي اختلافين رئيسيين بين الفاعل المخلوق والإلهي. أولا، الصنع الإلهي متفوق بكثير على صنع الأمور المخلوقة. ثانيا، تعتمد العلية الفاعلة للأشياء المخلوقة على العلية الفاعلة لله وتعتمد أفعالها على نظام الله المتجانس في الخلق.

وفي النص الثاني، الفاعل الحق الأول التام والفاعل الناقص الذي هو بالمجاز، قد يبدو أن الكندي يعزو الفاعلية الأصيلة لله وحده (al-Kindī OPK: 169–171; McGinnis and Reisman 2007: 22–23). ففي هذا النص يعرف الكندي الفاعل الحق بأنه هو الفاعل مفعولاته من غير أن ينفعل هو بتة. وبذا فإن الله هو الفاعل الحق الأوحد. وبالمثل يُعرّف الفاعل المجاز بالفاعل المنفعل حقيقة، أي فاعل ومنفعل في آن واحد. وكل فاعل مخلوق هو فاعل بالمجاز. إذ يحاج أن الله هو العلة الحقة والأولى لكل منفعل لأنه فاعل من غير أن ينفعل بتة. فكما يرى الأمر، الله هو العلة المباشرة لأول منفعل وهكذا (Adamson 2007: 57–62). إن اعتبار الكندي عن الفاعل “الحق” مختلف عن الحتمي. فبينما يقبض الحتمي على أن الفاعلية العلية لله وحده، يعزو الكندي الفاعلية العلية لله والأمور المخلوقة. بيد أن الأمور المخلوقة تختلف عن الله في أنها فاعلة ومنفعلة في آن واحد. على العموم، يرفض الفلاسفة معتقد الحتمية.

  • ابن سينا

منح ابن سينا (987-1037) أكثر الشروحات استفاضة وتأثيرا للعلية الفاعلة الأرسطية. وتظهر أكثر اعتبارات ابن سينا تطورا عن العلة الفاعلة في الطبيعيات والإلهيات في أعظم إبداعاته كتاب الشفاء.

يُعرّف ابن سينا في الطبيعيات من كتاب الشفاء العلة الفاعلة كالتالي:

الفاعل في الأمور الطبيعية قد يقال لمبدأ الحركة في آخر غيره من جهة ما هو آخر؛ ونعني بالحركة ها هنا كل خروج من قوة إلى فعل في مادة. (Avicenna PH: 64).

يعتبر تعريفه “الفيزيائي” للعلة الفاعلة على أنه مبدأ لحركة آخر كافية لغايات عمل الفلسفة الطبيعية، بيد أن هذا التعريف مؤقت:

إذا أخذ المبدأ الفاعلي لا بحسب الأمور الطبيعية، بل بحسب الوجود نفسه، كان معنى أعم من هذا. (Avicenna PH: 65)

 

تقع مهمة إنشاء هذا المعنى الأعم للمبدأ الفاعلي على الميتافيزيقي، الذي تتسامى تحقيقاته فوق اهتمامات أي علم معين، كالفلسفة الطبيعية مثلا.

ففي الإلهيات من كتاب الشفاء، يُعرّف ابن سينا كلا من العلل الأربعة بحسب علاقتها بالموضوع المدروس في الإلهيات، الموجود بوصفه موجود. إذ يُعرّف العلة الفاعلة بالتي تفيد وجودا للآخر (Avicenna MH: 194). ويفرق بين تعريفه الإلهي للعلة الفاعلة عن تعريف الفيلسوف الطبيعي كالتالي:

الفلاسفة الإلهيون ليسوا يعنون بالـ “فاعل” مبدأ التحريك فقط، كما يعنيه الطبيعيون، بل مبدأ الوجود ومفيده، مثل الباري للعالم؛ وأما العلة الفاعلية الطبيعية فلا تفيد وجودا غير التحريك بأحد أنحاء التحريكات؛ فيكون مفيد الوجود في الطبيعيات مبدأ حركة. (Avicenna MH: 195, trans. Modified).

يذكر ابن سينا في هذه الفقرة بأن الأسباب الفاعلة الطبيعية لا ” تفيد وجودا غير التحريك بأحد أنحاء التحريكات، فيكون مفيد الوجود في الطبيعيات مبدأ حركة.” تقترح هذه التصريحات أن العلل الفاعلة لا تفيد وجودا، ولو بطريقة أدنى. إذن، يعتبر ابن سينا تعريفه للعلة الفاعلة كمانحة وجود الآخر بأنها حاوية لكل من العلل الطبيعية والمخلوقة.

ويمضي ابن سينا بشرح مفهومه “الإلهي” للعلة الفاعلة في سلسلة من الحجج، والمعنية بتصحيح أخطاء شائعة عن هذا النوع من العلل. أحد هذه الاعتقادات هو أن كل علة لم تكن فاعلة ثم أصبحت فاعلة، والتي تنبثق من اعتبار الأحداث والعمليات العادية، كقيامي حين أسمع جرس الباب. يعترض ابن سينا بأن هذا يوعز بأن كل فاعل مستقبل للحركة (Avicenna MH: 200). فحين يكون الفاعل ليس فاعلا أولا ومن ثم فاعلا، فإن الفعل نتيجة تأثره بطريقة ما: قيامي جزئيا لتأثري برن جرس الباب. يؤكد ابن سينا بأن في حين أن بعض الفاعلين لم يكونوا فاعلين بداية ثم أصبحوا فاعلين نتيجة تأثرهم بطريقة ما، فإن أيا من تلك الخصائص ليست مطلوبة للفعلية. إذ عدم الفاعلية والتأثير يتضادان مع الحركة والفعل، ويحاج بأن الأخيرتان لا تنتميان للفعلية بالمعنى الحصري. وفي تصحيح هذا الخطأ عن العلة الفاعلة، يهدف ابن سينا الآن إلى افساح المجال لمفهوم الفعلية الإلهية. فأحد صفات الفعلية الإلهية، والتي رأيناها سابقا لدى الكندي، أن الله يفعل دون أن يتأثر بأي شيء. بيد أنه يظل من المهم ذكر أن ابن سينا لا يلتمس إلى المزايا المتفق عليها عن الفاعلية الإلهية لإثبات حجته. بل يحاول أن يُظهر عبر التحليل المفاهيمي أن المنظور المعتاد، أن كل فاعل ليس فاعلا أولا ثم فاعل، إنما هو منظور ضيق جيدا.

وكما رأينا في (2.2.1)، يخط الكندي الفرق بين الفاعل “الحق”، ذلك الذي يفعل دون أن ينفعل به، والفاعل “المجازي”، الذي هو فاعل ومنفعل به في آن واحد. وبالمثل، يفرق ابن سينا بين الفاعل الذي يفعل دون أن ينفعل به وبين الفاعل الذي هو فاعل ومنفعل به في آن واحد. وعلى الرغم من أنه لا يُسمي الفاعل بالـ “مجازي”، إلا أنه يستفيض في مفهوم تراتبي للفاعلية.

إذ يشرح فوقية النوع الأعلى من العلة الفاعلة بالتالي:

إذا كان شيئا من الأشياء لذاته سببا لوجود شيء آخر دائما، كان سببا دائما له ما دامت ذاته موجودة. فإن كان دائم الوجود كان معلوله دائم الوجود، فيكون ميل هذا من العلل أولى بالعلية لأنه يمنع مطلق العدم للشيء فهو الذي يعطي الوجود التام للشيء. (Avicenna MH: 203; Marmura 1984).

ويشرح ابن سينا دونية أحط أنواع العلة الفاعلة بالتالي:

لو أمكن العدم تمكينا فسبق الوجود كان تكوينه ممتنعا إلا عن مادة، وكان سلطان الإيجاد، أعني وجود الشيء من الشيء ضعيفا قصيرا مستأنفا. (Avicenna MH: 204).

إن المواد الدنيوية كالنباتات والحيوانات علل فاعلة من النوع الأدنى.

كما يتعرف ابن سينا أيضا على علة وسطى فاعلة: وهذا النوع الثالث لم يكن عن مادة وكان لعدمه سلطان، ولكن كان وجوده عن العلة الأولى بعد وجود آخر انساق إليه لم يكن ماديا. ويذكر أن هناك خلافا على إن كان يجب تسمية فاعل من هذا النوع الثالث بـ “مبدع”. يقول بأنه في حين يود البعض بأن يحفظ المصطلح للعلة الفاعلية في العلة الأولى (الله)، فإنه يفضل المنظور المعاكس: أن يُسمى كل مالم يوجد عن مادة سابقة غير متكون “مبدعا”. تلعب هذه العلة الوسطى الفاعلة دورا في اعتبار ابن سينا لنظرية الفيض. ففي هذا الاعتبار يحصل الإبداع بطريقة متدرجة ابتداء بفعل الله الأول له، والذي كان أثره المباشر هو العقل. ومن ثَم يبدع العقل الأول ثلاثة أشياء: (أ) مادة الفلك الأقصى (ب) صورة الفلك الأقصى التي هي النفس التي تحركه (ج) عقل ثاني تحته.  ويبدع العقل الثاني ثلاثة أشياء وهكذا دواليك حتى ينتهي إلى العقل الفعال – آخر العقول المبتدعة – الذي يبدع مادة وصورة العالم الدنيوي والنفوس المتدبرة للبشر. يتبنى ابن سينا نظرية الفيض من الفارابي (870-950)، والمعروف ضمن الفلاسفة بـ “المعلم الثاني”، على الرغم من أن نسخته من نظرية الفيض تختلف عن تلك للفارابي بطرائق عدة (Davidson 1992).

يُقر اعتبار ابن سينا التراتيبي للفاعلية بفوقية العلية الإلهية ويُعرّف الفروقات بين العلل الفاعلية المبدعة وغير المبدعة. ومع هذا، يدعم هذا الاعتبار اقتراحه السابق بأنه يقصد تقديم اعتبار موحد للعلة الفاعلة يحتوي كل من الفاعلين الطبيعيين والمبدعين. إذ أن كل عضو من التراتبية يُفسر على أنه ذاك الذي يفيد وجود آخر. وبذا يمنح ابن سينا في إلهياته اعتبارا ممتدا للعلة الفاعلة على أنها تلك التي تفيد وجود الآخر.

قد يبدو بأن هذا الاعتبار الموحد مشمول باستخدام ابن سينا التفريق بين العلل الفاعلة “الحقة” و”المعينة”. إلا أن مصطلح “المعينة” في الاعتبار الذي يتخذه، مجرد وصف لعلة فاعلة حقة خلال ما يعين فعلها علة فاعلة أخرى (Richardson 2013). وينبثق هذا الاعتبار من دفاعه عن منظور أن العلة الفاعلة متزامنة مع تأثيرها. هو يرى أن المنظور المقابل – أن العلة الفاعلة تسبق تأثيرها زمنيا – إنما هو خطأ شائع، والذي ينبثق من اعتبارات الأحداث والعمليات العادية كالبناء والتكاثر: أن يبني البنّاء سابق يسبق وجود المنزل زمنيا؛ وتخصيب الأب يسبق وجود الابن. يحاج ابن سينا أن التأثير الحقيقي للبنّاء هو النقل وليس وجود المنزل والتأثير الحقيقي للأب هو التخصيب وليس وجود الابن، إذ أن البنائين والآباء علل فاعلة حقة للبناء والتخصيب، وهم مجرد علل فاعلة معينة لوجود البنايات والأبناء. وبذا فإن البنائين والآباء متزامنين ولا يسبقان تأثيراتهما الحقيقية زمنيا. ويُقر بتلك المساهمة عبر تعيينهما كعلل فاعلة معينة لوجود البنايات والأبناء. بيد أن زعم أن البنائين والآباء ليسوا إلا علل فاعلة معينة لوجود البنايات والأبناء يدعونا للبحث عن العلل الحقة لوجودها. فوفقا لابن سينا، العلة الفاعلة القريبة لوجود المادة الدنيوية هو العقل الفعال، في حين أن العلة الفاعلة المطلقة هي الله.

  • بعد ابن سينا

كان اعتبار ابن سينا عن العلة الفاعلة مؤثرا في القرون الوسطى للغرب اللاتيني لأنه قدم تفسيرا للفاعلية الإلهية بإطار فلسفي أرسطي (Gilson 1958, 1962). يبدو أنه ألهم النقاش عن الفاعلية الإلهية عند اللاهوتيين الكلاميين بمن فيهم توماس أكويناس ودونز سكوتس (Druart 2002; Acar 2005). وعلى الرغم من امتلاك ابن سينا لمناصرين كثر ضمن ثقافته إلا أن مواقفه من قضايا جمة، بما فيها مدى العلية الفاعلة، لم ينتقدها المتكلمين المسلمين فحسب وإنما زملائه الفلاسفة كذلك.

وكما ذُكر آنفا (في 2.1). يقضي المتكلمون الأشاعرة بأن الله وحده من يملك القدرة العلية. ويدعمون هذا المنظور بشكل رئيس عبر التماس معتقد القدرة الإلهية المطلقة. بيد أنه يظل النقاش حول طبيعة الفاعلية يلعب دورا في بعض حججهم. فمثلا، يقبض الغزالي على أن “الفاعل” في تهافت الفلاسفة يشير إلى الصورة التي يمضي منه الفعل؛ لا بد وأن يكون مريداً مختاراً عالماً بما يريده، حتى يكون فاعلاً لما يريده (al-Ghazālī IP: 57).

تقترح هذه الحجة بأنه علينا أن نقصر مدى الفاعلية على الكائنات العاقلة بناء على أسس مفاهيمية. ويصنع الغزالي حجة مشابهة في أطروحته عن القدرة (al-Ghazālī AIFI; McGinnis and Reisman 2007: 254–265; Marmura 1994). إذ يسمح استنتاج الحجة المفاهيمية بأن تكون الفاعلية في أي كائن عاقل كما يسمح بالفاعلية البشرية. بيد أنه ليس من الجلي إن كان الغزالي نفسه يقبل بالإيعاز الوارد في حجته المفاهيمية (Druart 2006).

يدافع ابن رشد عن مواقف قريبة من أرسطو ضد “ابتداعات” الأرسطيين اللاحقين. إذ تشمل تلك الابتدعات اعتبارات الفارابي وابن سينا عن الخلق في نظرية الفيض. ففي حين يقبل ابن رشد بنظرية الفيض في كتاباته المبكرة، إلا أنه يتبرئ منها باتقاد في كتاباته الناضجة (Averroes MTE; Genequand 1984; Davidson 1992). يحاج بأنه لا يمكن تبيان وجود الله بشكل مرضي إلا عبر برهان من الحركة (Davidson 1987: 311–335; Twetten 1995; Kukkonen 2002). كما يحاج، وبالحديث حصرا، بأن الله ليس مبدعا: بل إن عليته من علة غائية مطلقة للحركة، وهذا موعز في تهافت التهافت، حيث يزعم أن الله فاعل عبر العلية الغائية (Averroes ITI: 138). ولعلها مذكورة بشكل جلي في الشرح الأكبر لما بعد الطبيعة لأرسطو، مقالة لام (Genequand 1984). إذ يتبع موقفه أن جوانب معينة من اعتبارات ابن سينا عن العلة الفاعلة عقيمة: لا حاجة لمراجعة اعتبار أرسطو عن العلة الفاعلة لاحتواء الفاعلين المبدعين.

يعكس اعتبار ابن رشد عن العلية الإلهية موقفه بأن الحقيقة توجد عبر التأويل الصحيح لأرسطو بمعية التطبيق الصحيح لمبادئ ومناهج الفلسفة. فوفقا لابن رشد، مناهج الفلسفة مناسبة بشكل فريد كي تثبت الحقيقة ((Taylor 2000. أما دور الدين فهو نقل تلك الحقيقة للجموع عبر السرد والمجاز.

وبالحديث عموما، فإن هذا الموقف من العلاقة بين الفلسفة والدين يتشاركه أرسطيين آخرين في التراث العربي بمن فيهم الفارابي وابن سينا. غير أن الأخيرين يختلفان عن ابن رشد في أنهما أقل اهتماما منه في تأويل أرسطو بشكل صحيح ويتبنيان عوضا عن ذلك إطار أرسطو الفلسفي ويشعران بأنهما حران في تعديله تحت ضوء ما يكتشفانه.

  • العلة الغائية

يقول أرسطو في الفيزياء 2.3 أن الأشياء التي تدعى عللا تشمل أيضا ” الغاية أو التي من أجلها عُمل الأمر”. وفي الأعمال الفلسفية العربية خُصصت مصطلحات “العلة الغائية” و”الغاية” لهذا النوع من العلل. ويعتبر الفلاسفة أن كلا من الحركة الطبيعية والفعل الإلهي إنما يحدثان من أجل غاية. إذ يُقال بأن الأجساد الطبيعية تعمل من أجل شيء فارق عنها، تفقده. فمثلا، يبني الحيوان من أجل الملجأ. وعلى النقيض، غاية الله ليست فارقة عن الله نفسه. إذ يعمل الله من أجله. إن هذه الفكرة ظاهرة في اعتبار الكندي للعلة الغائية في الإبانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد، والذي يذكر فيه أن الغاية إما تكون فوق العلة الفاعلة أي ملجئة له إلى الفعل أو تكون هي العلة الفاعلة بعينها أي لم يضطرها إلى الفعل شيء (McGinnis and Reisman 2007: 4). من المفترض أن الحالة الأخيرة تصف الفعل الإلهي. في حين يحاول ابن سينا شرح فكرة أن الله لا يمكنه الفعل من أجل شيء فارق عنه كالتالي، يوعز قصد الفاعل غاية فارقة عن نفسه نقص الفاعل، بما أن لابد أن يكون موضوع قصده أعلى منه. وفي دعم للزعم السابق يحاج أن على كل قصد يقصده الفاعل أن يفيد كمالا له (Avicenna MH: 321). وبالتالي فإن فاعلا كاملا بالمطلق كالله لا يمكنه أن يفعل لقصد غاية فارقة عنه. كما يحاج ابن سينا امتناع أن يقصد وجود الكل عنه إن ذلك يؤدي إلى تكثره في ذاته؛ فإنه حينئذ يكون فيه شيء بسببه يقصد، وهو معرفته وعلمه لوجوب القصد أو استحبابه أو خيرية فيه توجب ذلك، ثم قصد، ثم فائدة يفيدها إياه القصد (Avicenna MH: 326; McGinnis 2010: 206–208). وبالتالي لا يمكن لفاعل مطلق أوحد كالله أن يفعل بقصد شيء آخر عن ذاته.

والهدف الآخر من النقاشات الفلسفية العربية عن العلة الغائية هو أن تتقارب مع الاعتراضات العدة على الغائية الأرسطية. يتبنى ابن سينا هذا التحدي بحماسة وقادة. ومجددا، أكثر الحجج المتطورة موجودة في الطبيعيات والإلهيات من كتاب الشفاء. ففي الطبيعيات المقالة الأولى /الفصل 13-14، يحاول ابن سينا أن يتقارب مع اعتراضات مشتقة من نقاشات أرسطو عن الماديين القدامى مثل ديموكريتس وأمبيدكلس. وفي الإلهيات المقالة السادسة/ الفصل 5، يتعامل مع اعتراضات إضافية لعلها ذات الأهمية الأكبر.

إذ يؤكد بجلاء على اعتراضه على أن الأفعال البشرية عبثية؛ وأعطى مثالا اللعب باللحية (Avicenna MH: 220–225). يتحدى هذا الاعتراض فكرة أن لكل حركة طبيعية غاية أو هدف. ولعل هذا الاعتراض مستقى من إسكندر الأفروديسي الذي يزعم في القدر بأن العبث بأعواد الأسنان ولمس ونتف شعر المرء لا يملكان علة بمعنى الغائية (Sharples 1983: 44). ويتمسك ابن سينا ضد هذا الاعتراض بأن من الجلي أن الحركات البشرية التنافسية يدفعها رغبة غير واعية باللذة، الخير في النفس الحيوانية (Richardson 2015). وتستقي هذه الحجة الدعم من اعتبار ابن سينا الأصلي والمؤثر عن الحسيات الداخلية التي تفسر الأسس الإدراكية لأفعال كهذه (Avicenna, ASAN: 43–45, 58–61, 163–69; Black 2000, 2013a).

كما يسخر ابن سينا اهتماما معتبرا لهذا الاعتراض ” لم جعلت علة متقدمة وهي بالحقيقة معلولة العلل كلها؟” (Avicenna MH: 220, trans. modified).). يؤكد هذا الاعتراض على أنه من غير المناسب شمل الغاية ضمن أنواع العلل على أساس أن العلل سابقة للمعلولات أنطولوجيا. غير أن رد ابن سينا يتضمن تفريقا بين (أ) الأشياء أو الماهية للغاية وبين (ب) وجود الغاية: العلة الغائية هي في شيئيتها سبب لأن تكون سائر العلل موجودة بالفعل عللاً، والعلة الغائية في وجودها مسببة لوجود سائر العلل عللاً بالفعل، فكأن الشيئية من العلة الغائية علة علة وجودها، وكأن وجودها معلول معلول شيئيتها (Avicenna MH: 228; Wisnovsky 2000, 2003a). كما أنه يطرح نقطة إضافية مهمة تاريخيا: ” شيئيتها لا تكون علة ما لم تحصل متصورة في النفس أو ما يجري مجراها” (Avicenna MH: 228, trans. Modified).

كان اعتبار ابن سينا عن أولوية العلة الغائية ذو تأثير في الغرب اللاتيني، إذ اتُخذ من قبل البعض لدعم منظور أن مدى العلة الغائية محصور على الفاعلين المالكين للقدرة الإدراكية (Maier 1955). يظهر هذا التأويل أيضا في التراث العربي. فعموما، تم تبني أن ابن سينا أظهر بأن (أ)  الغاية هي علة الحركة على مزعم أنها سابقة وعلة لعلية العلل الأخرى وأن (ب) زعم أن الغاية سابقة وعلة لعلية العلل الأخرى صحيح فقط في الحالات حيث توجد العلة الغائية في عقل أو نفس العلة الفاعلة.

من المهم فيما يخص هذا التأويل لابن سينا، اعتباره لأولوية العلة الغائية، أن نركز على أنه يذكر أن الشيئية الغاية قد توجد قبل الحركة متصورة في النفس “أو ما يجري مجراها” (Avicenna MH: 228, trans. Modified). إذ يقترح في هذه الفقرة أن شيئية الغاية قد توجد قبل الحركة إما كموضوع مدرك أو بطريقة أخرى مختلفة عن ولكن تجري مجرى موضوع مدرك. علاوة على أن نقاشات ابن سينا الأخرى عن العلة الغائية تمنح كل الدوافع القائلة بأنه يعتبر حركة الأجرام الطبيعية التي لا تملك القدرة الإدراكية تحصل من أجل غاية سابقة وعلة لتلك الحركة. بيد أنه يظل من الصعب اثبات أن غاية الحركة الطبيعية سابقة وعلة لتلك الحركة.

ناقش الفلاسفة العرب والمتكلمون هذه المسألة بشكل واسع. ففي هذه المقالة لابن سينا الإشارات والتنبيهات، يحاول الطوسي أن يحل هذه المعضلة عبر اقتراح أننا يمكننا أن نعزو نوعا من الشعور السابق على طبيعة الجسد (Avicenna and Ṭūsī PR: part IV, 7, 18). ويصيغ الطوسي هذه التعليقات ردا على شكوى فخر الدين الرازي أن مفهوم ابن سينا للعلة الغائية لا ينطبق إلا على الفاعلين المدركين. في حين أن الغزالي وعلى العكس يحافظ على أن الجماد يسمى “طالبا ومريدا ” على سبيل المجاز:

إذ يقال الحجر يهوي لأنه يريد المركز ويطلبه، والطلب والإرادة حقيقة لا يتصوران إلا مع العلم بالمراد المطلوب، ولا يتصوران إلا من الحيوان. (al-Ghazālī IP: 57).

قد يكون ابن سينا قادرا على مقاربة هذا الاعتراض عبر التماس اعتباره عن الميل الطبيعي (Richardson 2015).

  1. المشروطية والعلاقة العلية

    • نظرية الضرورية لابن سينا

 أحد المزايا الباهرة في الاعتبارات العربية والإسلامية للعلية هي استخدام مصطلحات مشروطة “ضروري” و “ممكن” لتحليل العلاقة العلية. هذه الممارسة بارزة في نقاشات ابن سينا على وجه الخصوص عن العلية، والتي تركز على نظريته الضرورية:” وبوجود العلة، فإن وجود الشيء ضروري.” وعلى الرغم من أن ابن سينا لا يوظف هذه النظرية للحد من مدى القدرة العلية لله، إلا أن نظريته الضرورية تبدو بأنها لعبت دورا في تاريخ القدرية لدرجة أنها غدت هدفا لحجة الغزالي ” لا رابط ضروري”، والذي سيناقش فيما يلي (فقرة 3.2).

يدافع ابن سينا في الإلهيات من كتاب الشفاء عن نظرية الضرورة ليدعم بها نظريته عن الوجود المشترك والتي مفادها أن العلة والحاصل متلازمان في الوجود. أي بمعنى آخر، يعتبر ابن سينا نظرية الضرورة تتضمن أن أسبقية العلة على الحاصل أنطولوجية وليست زمنية (Marmura 1981a).

ويحاول ابن سينا في الجزء المركزي من حجته لصالح نظرية الضرورة أن يبين أن العلاقة العلية لا يمكن فهمها بالكامل بمقتضى الإمكانية:

فكذلك المتكون هو كذلك ممكن أن يكون وممكن ألا يكون. فلا من حيث من ممكن أن يكوّن هو بموجود، ولا من حيث ذلك ممكن أن يكوّنه، فذلك معط للوجود. وذلك لأن كون الشيء عن الممكن أن يكوّنه ليس لذات أنه ممكن أن يكوّنه، فنفس كونه ممكنا أن يكوّنه ليس كافيا في أن يكوّن الشيء عنه. فإن كان نفس كونه ممكنا أن يكونه، وإن لم يكن كافيا، فقد يكون مع الشيء موجودا مرة ومرة لا يكون….. تكون نسبة امكان كونه عن العلة إلى وجود الشيء عنه ولا وجوده عنه واحدة، وما نسبته إلى وجود الشيء عنه ونسبته إلى لا وجوده عنه واحدة. فليس كونه علة أولى من لا كونه علة، بل العقل الصحيح يوجب أن يكون هناك حال يتميز بها وجوده عنه عن لا وجوده. (Avicenna MH: 126–7, trans. Modified).

يحلل ابن سينا في هذه المحاجة الحدث كالتالي: يمكن للحدث أن يكون أو لا يكون باعتباره وحده؛ وباعتباره في علاقته مع الإمكانية المحضة في جعله ممكنا، يمكن للحدث أن يكون أو لا يكون. وبذا، وفي اعتبار أي من الحالتين، يمكن للحدث أن يكون أو لا يكون: إذ كونه وعدمه متأرجح على كفتي الميزان. ومن ثَم يؤكد أن كون الشيء وعدمه من آخر يتطلب صانعا لتمييز يخل بهذا التوازن. ويلتمس في دعمه لهذا الاستنتاج إلى مبدأ العلة الكافية الذي يقول بأن كل ما هو كائن من آخر له علة كافية لكونه من ذاك الآخر عن عدمه من ذاك الآخر. إنه يربط مبدأ العلة الكافية بمعنى “العلة”: إذ لا نعني بـ “العلة” الإمكانية المحضة لكون شيء يحدث وإنما ما يكفي لجعله يحدث (Richardson 2014). ويستنتج ابن سينا في النهاية، على أساس هذه الحجة، بأن بوجود العلة فإن وجود الشيء ليس مجرد إمكانية وإنما ضرورة.

يعتبر ابن سينا هذا الاعتبار عن “العلة” منطبقا على كل الحالات ذات العلاقة العلية. بيد أنه مع هذا يقر بالفروق المهمة عبر أشياء متعددة تعمل كعلل. أكثر تلك الفروقات أهمية هي الفرق بين الله والمادة الدنيوية. فوفقا لابن سينا، مع كون الله فإن كون معلوله المباشر الأوحد والعقل الأول ضروري. إذ أولا لا يحتاج الله إلى أي شيء عداه لخلق العقل الأول. ثانيا، الله راسخ لا يتغير. يعتبر ابن سينا أن رسوخ الله يتضمن أن علمه ومشيئته راسخة، وأنهما المبادئ التي يعمل وفقها. وبذا أينما يكون الله فهو يملك العلم والمشيئة التي يخلق بها العقل الأول. وبذا، مع كون الله يكون العقل الأول ضروريا.

وعلى النقيض، مع تكون المادة الدنيوية فإن تكون المعلول ليس بطبيعة الحال ضروري وإنما مجرد ممكن. إن المادة الدنيوية موضوع العلية، فمتى ما كان موضوع العلية في حالة تميز بين تكون الشيء وعدمه،

وكان حينئذ يجب عنه المعلول سواء كان ذلك الشيء إرادة أو شهوة أو غضبا أو طبعا حادثا أو غير ذلك، أو أمرا خارجا. (Avicenna MH: 127, trans. Modified).

وبالتالي، موضوع العلية هو المادة التي تعمل كعلة حين تكون في حالة معينة. مثلا، تعمل النار كعلة لحرق القطن حين تتمثل قدرتها على القطن. تحصل تلك الحالة فقط حين يكون الاتصال الفاعل (النار) بالمفعول به (القطن) دون حائل وحين يكون المفعول به (القطن) نفسه في حالة ملائمة، ألا يكون مبتلا مثلا.

  • حجة “لا اقتران ضروري” للغزالي

يوفر الغزالي في تهافت الفلاسفة أكثر نقد محتفى به للاعتبارات العربية الأرسطية للعلية. ويبدو أن أول وأكثر حجج الغزالي تأثيرا تستهدف نظرية الضرورة لابن سينا إذ يكتب،

الاقتران بين ما يعتقد عادة سببا وما يعتقد مسببا ليس ضروريا عندنا. بل كل شيئين ليس هذا ذاك، ولا ذاك هذا. ولا إثبات أحدهما متضمن إثبات الآخر. ولا نفيه متضمن لنفي الآخر. ولا من ضرورة عدم أحدهما عدم الآخر؛ مثل الري والشرب، والشبع والأكل، والاحتراق ولقاء النار، والنور وطلوع الشمس، والموت وجز الرقبة…. وهلم جرا إلى كل المشاهدات من المقترنات في الطب والنجوم والصناعات والحرف. وأن اقترانهما لما سبق من تقدير الله سبحانه، لخلقها على التساوق، لا لكونه ضروريا في نفسه، غير قابل للفوت بل لتقدير. (al-Ghazālī IP: 166)

ينكر الغزالي الظاهرة الطبيعية المتعلقة بالمقترنات الضرورية، مستخدما بذلك مثاله الرئيسي لاحتراق القطن عند ملامسة النار:

فإننا نجوز وقوع الملاقاة بينهما دون الاحتراق ونجوز حدوث انقلاب القطن رمادا محترقا دون ملاقاة النار وهم [الفلاسفة] ينكرون جوازه. (al-Ghazālī 2000: 166–7)

يبدو أن الغزالي يعزو إلى خصومه الأرسطيين مزعمين رئيسيين:

  • المواد الطبيعية كالنار علل

  • والمقترنات العلية مقترنات ضرورية.

كما أنه يؤكد على أن المزعمين يوعزان مزعما ثالثا:

  • يتضمن توكيد ملاقاة النار بالقطن توكيد احتراق القطن.

يطرح الغزالي بأنه ولأن رقم ثلاثة خطأ، فإن اعتبار خصومه عن العلية في الطبيعة مغلوط. إن سؤالا ينبثق من الحجة هو ما إذا خصومه يقبلون حقا برقم اثنين؛ وآخر عما إذا يعتبرون الأول والثاني يوعز الثالث.

  • ابن رشد عن الضرورة العلية في الطبيعة

يواجه ابن رشد في تهافت التهافت تصوير الغزالي لاعتبار الفلاسفة عن الضرورة العلية كالتالي:

وأما هل الأفعال الصادرة عن موجود موجود ضرورية الفعل فيما شأنه أن يفعل به؟ أو هي أكثرية؟ أو فيها الأمران جميعا؟ فمطلوب يستحق الفحص عنه؛ فإن الفعل والانفعال الواحد بين كل شيئين من الموجودات إنما يقع بإضافة ما، من الإضافات التي لا تتناهى، فقد تكن إضافة تابعة لإضافة، ولذلك لا يقطع على أن النار إذا دنت من جسم حساس فعلت ولابد؛ لأنه لا يبعد أن يكون هنالك موجود يوجد له إلى الجسم الحساس إضافة تعوق تلك الإضافة الفاعلة إلى النار، مثل ما يقال في الحجر الطلق وغيره. لكن هذا لا يوجب سلب النار صفة الاحراق، ما دام باقيا لها اسم النار وحدها. (Averroes ITI: 318–19)

يؤكد ابن رشد على أن المواد الطبيعية، كالنار، علل. بيد أنه يزعم أن مداناة النار للقطن ليس “لابد ضروري” أو “لابد قطعا” أن القطن يحترق. في هذه الجملة، يبدو بأنه ينكر بأن المقترنات العلية مقترنات ضرورية. وعلى صعيد آخر، فإن السبب الذي ينكر به أن مداناة النار من القطن تحتم احتراق القطن هو أنه يمكن وجود إضافة: يمكن للقطن أن يكون مغطى بحجر الطلق الذي يعيق فعل النار. ويقترح أن بغياب هذه الإضافة فإن الاحتراق لابد حاصل. إذن، في حين أنه يبدو بداية منكرا أن المقترنات العلية ضرورية، فإن حجته ككل تقترح أنه يؤكد المزعم الذي ينكره. فضلا على أن اعتباره للعلية الضرورية تشمل نسخة مختلفة بشكل طفيف جدا عن مزعم الغزالي الثالث عن الفلاسفة (يتضمن توكيد ملاقاة النار بالقطن توكيد احتراق القطن). ووفقا لاعتبار ابن رشد عن العلية الضرورية، يتضمن توكيد ملاقاة النار بالقطن مع توكيد ألا ثمة إضافات، توكيد احتراق القطن.

باختصار، يرد ابن رشد على حجة الغزالي “لا اقتران ضروري” كالتالي: يزعم بأن الغزالي نقل اعتبار الفلاسفة عن العلية الضرورية في الطبيعة خطأ. فضلا على أنه يقترح بأن نسخته المراجعة لاعتبارهم صحيحة. إذن، اعتبار الفلاسفة عن العلية الضرورية في الطبيعة، إذا ما فهم بشكل صحيح، ليس خطأ.

من الجدير بالذكر أن اعتبار ابن رشد نفسه عن العلية الضرورية في الطبيعة متوافق عموما مع اعتبار ابن سينا. إذ وكما نوقش في (3.1)، يقضي ابن سينا بأن “بوجود العلة فإن وجود المعلول ضروري.” كما أنه يقضي مع هذا أن تكوّن المادة الدنيوية التي تعمل كعلة ليست كافية لممارسة عليتها، وبالتالي، وبطبيعة الحال، ليست كافية لتكوّن المعلول من عليته. فعلى سبيل المثال، تعمل النار كعلة لاحتراق القطن فقط إذا ما تخلقت قدرتها على الاحتراق على القطن. وهذا لا يتطلب فقط مداناة الفاعل (النار) والمفعول به (القطن) دون عائق وإنما أن المفعول به (القطن) نفسه في حالة مناسبة أيضا، ألا يكون مبتلا مثلا.

  • مبادئ موطن خلاف

وفقا لابن رشد، ينقل الغزالي خطأ اعتبار الفلاسفة عن العلية الضرورية في الطبيعة. كما يقترح بأن نسخته التي راجعها عن اعتبارهم صحيحة. وفي حين أنه يمكن للغزالي قبول المزعم الأول إلا أنه لن يقبل الثاني. إن هذا يتعلق بفهمه عن المشروطيات. ففي اعتباره عن “الضروري”، فإن اقتران شيئين ليس ضروري إذا كان من المعقول اعتبارهما منفصلين (Kukkonen 2000; Dutton 2001). إذن، إذا كان من المعقول أن القطن لا يحترق ولو قربت منه النار دون معوق أو أنه جاف، فإذن ليس من الضروري أنه سيحترق، حتى وإن كانت تلك الشروط محرزة. وكما رأينا، يعتبر الغزالي أنه من المعقول ألا يحترق القطن حتى لو كانت تلك الشروط محرزة. إذ يقول إن الاقتران بين الاحتراق ومقاربة النار

من تقدير الله سبحانه، لخلقها على التساوق، لا لكونه ضروريا في نفسه، غير قابل للفوت بل لتقدير. (al-Ghazālī IP: 166)

إذن، وفقا للغزالي، من المعقول ألا يحترق القطن ولو أن ملاقاته مع النار بلا معوق وأنه جاف، بحيث ليس من الضروري أن يحترق، ولو كانت تلك الشروط محرزة. وفي هذا المنظور، حتى نسخة ابن رشد عن اعتبار الفلاسفة للعلية الضرورية في الطبيعة خاطئة. وعلى صعيد آخر، لا يقبل الفلاسفة اعتبار الغزالي عن “الضروري”. بل أكثر عموما، إنهم لا يصنفون المشروطيات بحسب المعقولية. وهذا يقترح أن الخلاف بين الغزالي والفلاسفة عن العلية الضرورية في الطبيعة تتعلق باعتبارات مختلفة عن المشروطيات (Kukkonen 2000; Dutton 2001). ومع هذا، يبدو أن اعتباراتهم المختلفة عن الله أكثر المصادر الجوهرية في الخلاف.

إذ يهاجم الغزالي منظور الفلاسفة للعلية الضرورية في الطبيعة من أجل أن يحمي المعتقد الإسلامي في المعجزات والقدرة الإلهية المطلقة (al-Ghazālī IP: 165). لا تتسق هذه المعتقدات الإيمانية مع اعتبار ابن سينا عن الله. إذ وكما ذكر آنفا (في 3.1) يعتبر ابن سينا أن رسوخ الله يتضمن أن علمه ومشيئته وأفعاله راسخة أيضا. كما ينكر أن الله يعلم الأمور الجزئية إلا من حيث هي كلية (Avicenna MH: 288; Marmura 1962; Adamson 2005). وبذا، ووفقا لابن سينا، لا يمكن لله أن يفعل أمرا غير الذي يفعله، علاوة على أنه لا يمكنه تخطيط أو تنفيذ أي حدث جزئي. إذن، لا يمكن لله أن يحدث معجزة من خلال تغيير فعله من أجل أن يتدخل في مسار الطبيعة. فضلا على أنه لا يمكنه أن يحدث معجزة عبر تخطيط وتنفيذ سلسلة ضخمة من الأحداث الجزئية، والتي تتضمن انحرافا عن مسار الطبيعة. بل على النقيض، إن الله يمثل التفسير المطلق للنظام والاستقرار في الكون، بما فيه مجال الطبيعة. واستنادا على خلفية اعتبار ابن سينا لله، ليس من المعقول حتى أن القطن يفشل في الاحتراق حين يلاقي النار دون معوق وحين يكون جافا. وبذا وفي حين يقبل ابن سينا اعتبار الغزالي عن “الضرورة”، كما هو موضح آنفا، إلا أنه سيقضي بأنه من الضروري للقطن أن يحترق حين يلاقي النار دون معوق وحين يكون جافا. يمكن استقاء نفس الاستنتاج من اعتبار ابن رشد الناضج عن الله، حيث يصف الله بالعلة النهائية المطلقة للحركة. وعلى الرغم من أن اعتبار ابن رشد عن الله يختلف عن ذلك لابن سينا بطرق مهمة، إلا أن الاعتبارين يتفقان على النقاط التي تقول بأن الله لا يمكنه أن يفعل بطريقة مغايرة لفعله ولا أن يخطط وينفذ الأحداث الجزئية.

وبالطبع، لا يصرح ابن سينا وابن رشد دائما أن اعتباراتهما عن الله لا تتوافق مع المعتقد الإسلامي بتعبيرات جلية. إذ يتخذان توجها استرضائيا نحو المعتقدات الدينية ذات العلاقة الشائكة مع الحقائق المتحققة عبر الفلسفة. يتعلق هذا التوجه بمنظورهما أن دور الدين هو نقل الحقيقة للجموع عبر السرد والمجاز كما نوقش سابقا (في 2.2.3).

  1. العلم بالقدرات العلية

    • ابن سينا عن الاستقراء والتجربة

تعتمد الفلسفة الطبيعية الأرسطية جزئيا على المراقبة الحسية في مساهمتها بالقدرات العلية للأجرام الطبيعية. ولذا فإنه من غير المستغرب أن المفكرين العرب والمسلمين رفعوا احتجاجاتهم على العلم الأرسطي، والذي مهد لاحقا للاعتبارات الفلسفية عن معضلة الاستقراء. تنبثق بعضها من داخل الأرسطية. يوفر ابن سينا نقدا ثابتا للاستقراء في أطروحته البرهان، الجزء المنطقي من كتاب الشفاء. إذ وكما يراه، فإن جزء من المعضلة هو الاستقراء الذي من الممكن أن يؤدي إلى مقدمات منطقية مطلقة وموحدة ومحددة، بينما تؤدي في الواقع إلى مجرد اعتقاد محتمل. وعلى الصعيد الآخر، يقضي بأن الملاحظات الحسية مع “القياس المنطقي الخفي” يهب اليقين. يستفيض ابن سينا شرحا عن هذه العملية الفكرية تحت عنوان “التجربة”. إن التجربة ترجمة عربية للكلمة اليونانية empeiria. إن اعتبار ابن سينا عن التجربة مشتق جزئيا من تعليقات أرسطو والفارابي عن التجربة التطبيقية، على الرغم من أنه يمضي متجاوزا تلك المصادر (al-Fārābī AMIF: 24–25; McGinnis and Reisman 2007: 66–67; McGinnis 2003; Janssens 2004; Black 2006).

وكما يصف ابن سينا الأمر، تتعلق التجربة بإحساس متكرر لظاهرة ما محفوظة في الذاكرة، مثل أن اسهال الصفراء يتبع تناول جذر نبتة المحمودة.   كما يتضمن عملية “خفية” أو كامنة للمنطق. إننا نستنتج بأن الاقتران المتكرر يشمل علاقة جوهرية بين شيئين: مثل أنه ليس من العارض أن اسهال الصفراء يتبع تناول جذر نبتة المحمودة وذلك بسبب قياسات لا يمكن أن تكون نتيجة الصدفة. هذه العملية الكامنة للمنطق تزيل الشك. إذن، ينبثق من التجربة اليقين. يعرّف ابن سينا اليقين بمعنى أنه معتقد من الدرجة الثانية: المرء متيقن حين يعلم بأن ما قبله لا يمكن أن يكون خلاف ذلك (Black 2013b: 122). اليقين ليس غير موضوعي بالكامل، بما أن العلم بافتراض يتطلب حقيقته (Black 2013b: 125). على صعيد آخر، بالرغم من أن التجربة تهب اليقين، إلا أنها لا تنتج العلم بالمعنى الضيق. إذ أن العلم بالمعنى الضيق ضروري وتأويلي. فمن التجربة نستقي يقيننا أن أعضاء من أنواع معينة تسبب شيئا؛ غير أن التجربة لا تظهر لنا لماذا (McGinnis 2003: 320–1).

كما يتوجه ابن سينا نحو الاعتراض بأن التجربة قد تؤدي إلى تعميمات خاطئة. ويستخدم المثال التالي: فلنفرض أننا لم نرى سوى بشرا سودا ولاحظنا دون استثناء مسألة إنجاب أطفال سود. فمن التجربة، سنخلص إلى أن كل البشر سود، أي أن السواد جوهري للبشرية. وكرد فعل لذلك الاعتراض، يقول ابن سينا أن العلم المستقى من التجربة شرطي،

أي القول بأن صفة هذا الشيء المتكرر يُتصور بالضرورة مقترنا بشيء آخر كائن دائما في مجال حيث الشيء يتكرر تصوره، مالم يكن هناك عائق. (McGinnis and Reisman 2007: 150)

تنطبق هذه النقطة على مثال السوداني كالتالي:

حين يؤخذ الإنجاب على أنه إنجاب من قبل الناس السود أو الناس لبلد شخص كذلك، فستكون التجربة حقة. أما إذا كان الإنجاب مأخوذ على أنه لأي ناس، فإن التجربة حينها لن تنتهي عند الحوادث الجزئية المذكورة آنفا؛ إذ أن تلك التجربة تعلقت بأناس سود، لكن الناس بالحديث المطلق ليسوا محصورين بالسود. (McGinnis and Reisman 2007: 150; McGinnis 2003: 322–325)

ولذا، كرد على الاعتراض القائل بأنه يمكن للتجربة أن تؤدي إلى تعميمات خاطئة، ينصح ابن سينا بأن الاستخدام المناسب للتجربة سيشمل انتباها واعيا في مجال الأنواع التي هي موضوع الملاحظة المتكررة.

  • حجة الغزالي الشكية

تلعب معضلة الاستقراء دوار أيضا في هجوم الأشعرية على الاعتبارات الأرسطية عن العلية في الطبيعة. فكما رأينا، تعتمد الفلسفة الأرسطية الطبيعية جزئيا على الملاحظات المتكررة في نسبها للقدرات العلية إلى الأجرام الطبيعية. يهاجم المتكلمون الأشعرية هذا الجانب من الفلسفة الطبيعية الأرسطية على أساس أن الملاحظات المتكررة للتزامن ليست دليلا على العلية. تظهر نسخة من هذه المحاجة في تهافت الفلاسفة للغزالي.

يميز الغزالي بين بضع مواقف مختلفة يقبض عليها خصومه الفلاسفة. تعتبر إحدى تلك المواقف أن التغيرات في الطبيعة مجلوبة عبر الأجرام الطبيعية وحدها، دون أي مساهمة من الله. ويقضي هذا الموقف بتطبيق مثال القطن أن

فاعل الاحتراق هو النار فقط، وهو فاعل بالطبع لا بالاختيار، فلا يمكنه الكف عما هو في طبعه، بعد ملاقاته لمحل قابل له. (al-Ghazālī IP: 167)

ويقضي الغزالي ضد هذا الموقف بأن

فاعل الاختراق بخلق السواد في القطن والتفريق في أجزائه وجعله حراقا ورمادا هو الله تعالى، إما بواسطة الملائكة أو بغير واسطة. (al-Ghazālī IP: 167)

وفي دعم لمنظوره يحاج بالتالي:

أما النار فهي جماد لا فعل لها. فما الدليل على أنها الفاعل؟ وليس لهم دليل سوى مشاهدتهم حصول الاحتراق عند ملاقاة النار. (al-Ghazālī IP: 167)

يلتمس الغزالي نقطة صنعها أسلافه الأشعرية: لا نشاهد النار تحرق القطن وإنما القطن يحترق عند ملاقاة النار. إذن، الدليل على المشاهدة المتكررة، وإن لم تتغير، لا تُظهر بأن النار فاعل التغيير. فضلا على أن هذا الدليل متسق مع أن الله فاعل التغيير.

  • حجة ابن رشد من العلوم الطبيعية

لتمس ابن رشد في رده على الحجة الشكية حقيقة العلوم الطبيعية: نملك (بعض) العلم عن العالم الطبيعي. فضلا على أن العلم بالعالم الطبيعي ما هو إلا علم بالعلل الطبيعية للتغيير (Averroes ITI: 318–19). ويجب على علم كهذا أن يؤخذ من، علة الأقل جزئيا، من المشاهدة المتكررة للأجرام. كما أنه يوعز بأن لا يشك حقا بأن الأمر كذلك: يزعم بأن خصمه الحتمي ” جاحد بلسانه لما في جنانه” (Averroes ITI: 318). إذن وكما يرى ابن رشد الأمر، حقيقة العلم الطبيعي سبب كافي لرفض الحجة الشكية. بيد أنه يقر أننا ينقصنا العلم الكامل بالطبيعة، بحيث يظل الكثير محل فحص وهذا المسعى يواجه عوائق عدة.

وفحين يمكن لحجة ابن رشد من العلوم الطبيعية أن تنجح ضد بعض النسخ من الحجة الشكية، إلا أنه من غير الجلي إذا ما كانت ستنجح ضد هدفها المباشر. حجة الغزالي الشكية. إذ قد تترك الحجة الأخيرة الباب مواربا لاحتمالية أن تكون الأجرام الطبيعية كالنار عللا (McGinnis 2006). فالغزالي لا يخلص في حجته الشكية عبر انكار أن النار علة الحرق وكفى، بل ينكر أن للنار فعل على أساس أنها جماد وينكر أن النار وحدها فاعل للحرق. ولذا يمكن للغزالي أن يكون قابضا على أن النار علة (غير نشطة) للحرق، بينما الله هو العلة النشطة.

وبهذا التأويل، فإن حجة الغزالي الشكية تنكر ما يظهره دليل المشاهدات المتكررة بأن الأجرام الطبيعية هي العلل الوحيدة للتغيير. إذن، هذه الحجة متوافقة مع مزعم أن دليل المشاهدات المتكررة يشير أن الأجرام الطبيعية ضمن علل التغيير. إلا أن ابن رشد يقترح مع هذا أن الغزالي ينكر المزعم الأخير. وبذا إن حجته من العلوم الطبيعية لا تنجح أمام حجة الغزالي الشكية. بيد أن القبول بأن الأجرام الطبيعية من بين علل التغيير قد لا يكون كافيا لتجنب المشكلة التي أثارتها حجة ابن رشد من العلوم الطبيعية. إذ تتعلق حدة ابن رشد بفكرة أن المشاهدات المتكررة للأجرام تمنحنا تبصرا بطبيعتها. ويُقصد من “طبيعة” المبدأ الداخلي للحركة والسكون. وبذلك تطالب الحجة أكثر من التوافق مع أن الأجرام الطبيعية تقم ببعض المساهمة العلية للتغيير، هي تطالب أن تترسخ علية الأجرام الطبيعية وأن تفسر بطبيعتها.

يميل سلف الغزالي الأشاعرة إلى انكار وجود طبيعيات أرسطية لأن هذا سيفرض قيودا على فعل الله. إذا كان لجرم طبيعة أرسطية، إذن فإن له مبدأ داخلي يحد من أنواع التغيرات التي يمكن أن يمر بها من لحظة إلى أخرى. فمثلا، لا يمكن للميت أن يُبعث ولا للعصا أن تكون ثعبانا. وفقا لعلم الكلام الإسلامي، الله قادر على بعث الموتى وتحويل العصا إلى ثعبان. وبذا ليس للأجرام طبيعة ارسطية، بما أن وجوود طبيعيات كهذه سيتضارب مع مذهب القدرة الإلهية المطلقة.

يبدو الغزالي رافضا هذا المنظور الأشعري تقليديا حين يحاج بأن وجود الأجرام الطبيعية متوافق مع حدوث المعجزات. قد تعكس هذه الحجة اهتماما بمصالحة علم الكلام مع العلوم الطبيعية. إذ تفترض أن، حتى لو افترضنا أن الأجرام تملك طبيعيات كما فسرها الفلاسفة، فإن الله لا يزال قادرا على أن يصنع معجزة بطريقتين رئيسيتين. فعلى صعيد، يمكنه أن يعرقل عمل القدرات العلية الطبيعية. يمكنه مثلا أن يمنع احتراق إبراهيم في التنور المشتعل عبر جعل سخونة النار محكورة ضمن النار أو بجعل إبراهيم مغطى بالحجر الطلق. وعلى الصعيد الآخر، يمكن لله أن يصنع معجزة عبر جعل سلسلة من التغيرات الطبيعية تحصل بسرعة فائقة. يمكن لله مثلا أن يغير العصا إلى ثعبان عبر جعل المسألة تحصل في صيغ متعاقبة وبمعدل متسارع:

فالتراب وسائر العناصر يستحيل نباتا ثم النبات يستحيل عند أكل الحيوان دما ثم الدم يستحيل منيا ثم المني ينصب في الرحم فيتخلّق حيوانا، وهكذا بحكم العادة واقع في زمان متطاول. فلم يحيل الخصم أن يكون في مقدور الله أن يدير المادة في هذه الأطوار من وقت أقرب مما عهد فيه؟ (al-Ghazālī IP: 172)

إذن التوكيد على طبيعيات الأجرام متوافق مع الإيمان بالمعجزات.

سواء أظهرت هذه الحجة أن الغزالي يقبض على أنه من الممكن للأجرام طبيعيات هو مسألة نقاش (Marmura 1981b; Frank 1992; Griffel 2009). في حين يأخذ ابن رشد الحجة ليقبل منظور الفلاسفة أن للأجرام طبيعيات تجعلهم يعملون كعلل للتغيير (Averroes ITI: 330). بيد أنه يظل هناك فارق حاسم بين منظور الغزالي ومنظور الفلاسفة. فحتى لو أن الغزالي أجاز أنه يمكن للأجرام أن تملك طبيعيات، فإنه يعتبر كذلك أن الاختيار والفعل الإلهي يحكم الأحداث الجزئية في العالم الجامد. يمكن لله أن يخطط وينفذ الأحداث الجزئية، والتي تحيد أو تسارع من مسار الطبيعة. والجانب الأخير من منظوره لا يتوافق مع اعتبارات الفلاسفة عن الله كما نوقش آنفا في 3.3.


الكتب:

المراجع الأولية

    • al-Fārābī, [AMIF], Al-Manṭiq ʿinda al-Fārābī, vol. 4, M. Fakhry (ed.), Beirut: Dar el-Mashriq, 1987.
    • al-Kindī, [RAKAF], Rasāʾil al-Kindī al-Falsafīya, vol. 1, M.ʿA.H. Abū Rīdah (ed.), Cairo: Dār al-Fikr al-ʿArabī, 1950–53.
    • –––, [OPK], Oeuvres philosophiques et scientifiques d’al-Kindī, vol. 2, J. Jolivet and R. Rashed (eds.), Leiden; New York: E.J. Brill, 1997.
    • –––, The Philosophical Works of al-Kindī, Peter Adamson and Peter E. Pormann (eds.) Oxford : Oxford University Press, 2012.
    • al-Ghazālī, Tahāfut al-Falāsifah, M. Bouyges (ed.), Beirut: Imprimerie Catholique, 1927.
    • –––, [AIFI], Al-Iqtiṣād fī l-iʾtiqād, I.A. Cubukcu and H. Atay (eds.), Ankara: Nur Matbaasi, 1962.
    • –––, [IP] The Incoherence of the Philosophers, M. Marmura (trans.), Provo, Utah: Brigham Young University Press, 2000.
    • Averroes, Decisive Treatise & Epistle Dedicatory, C. Butterworth (trans.), Provo: Brigham Young University Press, 2001.
    • –––, [ITI], The Incoherence of the Incoherence, S. van den Bergh (trans.), Cambridge: E.J.W. Gibb Memorial Trust, 2008.
    • –––, [MTE] On Aristotle’s Metaphysics: an annotated translation of the so-called Epitome, Rüdiger Arnzen (ed.) Berlin; New York: De Gruyter, 2010.
    • –––, Tahāfut al-Tahāfut, M. Bouyges (ed.), Beirut: Imprimerie Catholique, 1930.
    • Avicenna, [ASAN], Al-Shifāʾ: Al-Nafs[Psychology], F. Rahman (ed.), London: Oxford University Press, 1959.
    • –––, Al-Shifāʾ: Al-Burhān[Demonstration], ʿAbd al-Raḥman Badawī (ed.), Cairo: Association of Authorship, Translation and Publication Press, 1966.
    • –––, [MH], The Metaphysics of the Healing, M. Marmura (trans.), Provo, Utah: Brigham Young University Press, 2005.
    • –––, [PH], The Physics of the Healing, J. McGinnis (trans.), Provo, Utah: Brigham Young University Press, 2009.
    • –––, [Physics], Al-Shifāʾ: Al-Samāʿ Al-Ṭabīʿī, M. Qasim, (ed.), Cairo: Organisation Générale des Imprimeries Gouvernementales, 1983.
    • Avicenna and Ṭūsī, [PR], Pointers and Reminders with Commentary of Naṣīr al-Dīn Ṭūsī, S. Dunyá (ed.), Cairo: Miṣr Dār al-maʾārif, 1960.
    • Genequand, Charles, 1984, Ibn Rushd’s Metaphysics: A Translation with Introduction of Ibn Rushd’s Commentary on Aristotle’s Metaphysics, Book Lam, Leiden: Brill.
    • McGinnis, Jon and David Reisman, 2007, Classical Arabic Philosophy: An Anthology of Sources, Indianapolis: Hackett.
  • Sharples, R.W., 1983, Alexander of Aphrodisias on Fate: Text, Translation, and Commentary, London: Duckworth.

المراجع الثانوية

    • Acar, Rahim, 2005, Talking about God and talking about creation: Avicenna’s and Thomas Aquinas’ positions, Leiden: Brill, 2005.
    • Adamson, Peter, 2005, “On Knowledge of Particulars”, Proceedings of the Aristotelian Society, 105: 257–278.
    • –––, 2007, Al-Kindī, Oxford: Oxford University Press.
    • Belo, Caterina, 2007, Chance and Determinism in Avicenna and Averroes, Leiden: Brill.
    • Bertolacci, Amos, 2002, “The Doctrine of Material and Formal Causality in the «Ilāhiyyāt» of Avicenna’s «Kitāb al-Shifāʾ»”, Quaestio: 125–154.
    • Black, Deborah, 2000, “Imagination and Estimation: Arabic Paradigms and Western Transformations”, Topoi, 19: 59–75.
    • –––, 2006, “Knowledge (ʿilm) and Certitude (yaqīn) in Al-Fārābī’s Epistemology”, Arabic Sciences and Philosophy, 16: 11–46.
    • –––, 2013a, “Rational Imagination: Avicenna on the Cogitative Power”, in Philosophical Psychology in Arabic Thought and the Latin Aristotelianism of the 13thcentury, L.X. López-Farjeat and J.A. Tellkamp (eds.), Paris: Vrin, pp. 59–81.
    • –––, 2013b, “Certitude, justification, and the principles of knowledge in Avicenna’s epistemology”, in Interpreting Avicenna, P. Adamson (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 120–142.
    • Davidson, Herbert, 1987, Proofs for Eternity, Creation and the Existence of God in Medieval Islamic and Jewish Philosophy, Oxford: Oxford University Press.
    • –––, 1992, Alfarabi, Avicenna, and Averroes on Intellect: Their Cosmologies, Theories of the Active Intellect and Theories of Human Intellect, New York: Oxford University Press.
    • Dhanani, Alnoor, 1994, The Physical Theory of Kalām: Atoms, Space, and Void in Basrian Muʿtazilī, Leiden: Brill.
    • Druart, Thérèse-Anne, 2002, “Avicenna’s Influence on Duns Scotus’ Proof for the Existence of God in the Lectura”, in Avicenna and his Heritage, J. Janssens (ed.), Leuven: Leuven University Press, pp. 253–266.
    • –––, 2006, “Al-Ghazali’s Conception of the Agent in the Tahafutand the Iqtisad: Are People Really Agents”, in Montgomery 2006: 425–40.
    • Dutton, Blake, 2001, “Al-Ghazâlî on Possibility and the Critique of Causality,” Medieval Philosophy and Theology, 10: 23–46.
    • Frank, Richard, 1966, “The Structure of Created Causality according to al-Ash’ari”, Studia Islamica, 25: 13–76.
    • –––, 1982, “The Autonomy of the Human Agent in the Teaching of ʿAbd al-Ğabbār”, Le Muséon, 95: 323–55.
    • –––, 1983, “Moral Obligation in Classical Muslim Theology”, Journal of Religious Ethics, 11: 204–223.
    • –––, 1985, “Two Islamic Views of Human Agency”, in La notion de liberté au moyen âge: Islam, Byzance, Occident, Penn-Paris-Dumbarton Oaks Colloquia 1982, G. Makdisi et al (eds.), Paris: Belles Lettres, pp. 37–49.
    • –––, 1992, Creation and the Cosmic System: Al-Ghazālī & Avicenna, Heidelberg: C. Winter.
    • –––, 1999, “The Ash’arite Ontology: 1. Primary Entities”, Arabic Sciences and Philosophy, 9: 163–231.
    • Gilson, Étienne, 1958, “Avicenne et les Origines de la Notion de Cause Efficiente”, Atti Del XII Congresso Internazionale di Filosofia, 9: 121–130.
    • –––, 1962, “Notes pour l’histoire de la cause efficiente”, Archives d’Histoire doctinrale et littéraire du Moyen Age, 37: 7–31.
    • Gimaret, Daniel, 1980, Théories de l’acte humain en théologie musulmane, Paris: Vrin.
    • Griffel, Frank, 2009, Al-Ghazālī’s Philosophical Theology, New York: Oxford University Press.
    • Hyman, Arthur, 1965, “Aristotle’s ‘First Matter’ and Avicenna’s and Averroes’ ‘Corporeal Form’”, in Harry Austryn Wolfson Jubilee Volume, English Section, vol. 1, Jerusalem: American Academy for Jewish Research, pp. 385–406.
    • Janssens, Jules. 2004. “«Experience» (tajriba) in Classical Arabic Philosophy (al-Fārābī—Avicenna)”, in Quaestio, 4: 45–62.
    • Kogan, Barry S., 1981, “The Philosophers Al-Ghazālī and Averroes on Necessary Connection and the Problem of the Miraculous”, in Morewedge 1981: 113–132.
    • Kukkonen, Taneli, 2000, “Possible Worlds in the Tahâfut al-Falâsifa: Al-Ghazâlî on Creation and Contingency,” Journal of the History of Philosophy, 38: 479–502.
    • –––, 2002, “Averroes and the teleological argument,” Religious Studies38 (4): 405–428.
    • –––, 2010, “Creation and causation”, in The Cambridge History of Medieval Philosophy, R. Pasnau and C. Van Dyke (eds.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 232–246.
    • Maier, Anneliese, 1955, “Das Problem der Finalkausalität um 1320”, in Metaphysische Hintergründe der spätscholastischen Naturphilosophie, Rome: Edizioni di Storia e Letteratura, pp. 273–99.
    • Marmura, Michael, 1962, “Some aspects of Avicenna’s theory of God’s knowledge of particulars”, Journal of the American Oriental Society, 82: 299–312.
    • –––, 1981a, “Avicenna on Causal Priority”, in Morewedge 1981: 65–83.
    • –––, 1981b, “Al-Ghazālī’s Second Causal Theory in the 17th Discussion of His Tahāfut”, in Morewedge 1981: 85–112.
    • –––, 1984, “The Metaphysics of Efficient Causality in Avicenna (Ibn Sīnā)”, in Islamic Theology and Philosophy, M. Marmura (ed.), Albany: SUNY Press, pp. 172–187.
    • –––, 1994, “Ghazali’s Chapter on Divine Power in the Iqtiṣād”, Arabic Sciences and Philosophy, 4(2): 279–315.
    • McGinnis, Jon, 2003, “Scientific Methodologies in Medieval Islam: Induction and Experimentation in the Philosophy of Ibn Sīnā”, Journal of the History of Philosophy, 41: 307–327.
    • –––, 2006, “Occasionalism, Natural Causation and Science in al-Ghazālī”, in Montgomery 2006: 441–463.
    • Montgomery, J.E. (ed.), 2006, Arabic Theology, Arabic Philosophy: From the Many to the One: Essays in Celebration of Richard M. Frank, Leuven: Peeters.
    • Morewedge, P. (ed.), 1981, Islamic Philosophy and Mysticism, Delmar: NY: Caravan Books.
    • Nadler, Steven, 1996, “‘No Necessary Connection’: The Medieval Roots of the Occasionalist Roots of Hume”, The Monist, 79: 448–466.
    • Perler, Dominik and Ulrich Rudolph, 2000, Occasionalismus: Theorien der Kausalität im arabisch-islamischen und im europäischen Denken, Göttingen: Vandenhoeck & Ruprecht.
    • Richardson, Kara, 2013, “Avicenna’s Conception of the Efficient Cause”, British Journal for the History of Philosophy, 21: 220–239.
    • –––, 2014, “Avicenna and the Principle of Sufficient Reason”, Review of Metaphysics, 67: 743–768.
    • –––, 2015, “Two arguments for natural teleology from Avicenna’s Shifāʾ”, History of Philosophy Quarterly, 32: 123–140.
    • Shihadeh, Ayman, 2014, “Avicenna’s Corporeal Form and Proof of Prime Matter in Twelfth-Century Criticaʾl Philosophy: Abū l-Barakāt, al-Masʿūdī and al-Rāzi”, Oriens, 42: 364–396.
    • Stone, Abraham, 2001, “Simplicius and Avicenna on the essential corporeity of material substance”, in Aspects of Avicenna, Robert Wisnovsky (ed.), Princeton: Princeton University Press, pp. 73–130.
    • Taylor, Richard C., 2000. “‘Truth does not contradict truth’: Averroes and the Unity of Truth”, Topoi, 19: 3–16.
    • Twetten, David B., 1995, “Averroes on the prime mover proved in the physics”, Viator, 26: 107–134.
    • Vasalou, Sophia, 2008, Moral Agents and Their Deserts: The Character of Muʿtazilite Ethics, Princeton University Press.
    • Wisnovsky, Robert, 2000, “Notes on Avicenna’s Concept of Thingness”, Arabic Sciences and Philosophy, 10: 181–221.
    • –––, 2002, “Final and efficient causality in Avicenna’s cosmology and theology”, Quaestio, 2: 97–124.
    • –––, 2003a, Avicenna’s Metaphysics in Context, Ithaca: Cornell University Press.
    • –––, 2003b, “Towards a history of Avicenna’s distinction between immanent and transcendent causes”, in Before and After Avicenna, D. Reisman (ed.), Leiden: Brill, pp. 49–68.
  • Wolfson, Harry. A., 1976, The Philosophy of Kalam, Cambridge: Harvard University Press.

أدوات أكاديمية

How to cite this entry.
Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.
Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO).
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مصادر إنترنت أخرى

مدخلات ذات صلة

Al-Farabi | Al-Kindi | Arabic and Islamic Philosophy, historical and methodological topics in: Greek sources | Aristotle | Ibn Rushd [Averroes] | Ibn Sina [Avicenna] | Plato | Plotinus | Proclus

[1] Richardson, Kara, “Causation in Arabic and Islamic Thought”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Winter 2015 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/win2015/entries/arabic-islamic-causation/>.