مجلة حكمة

العضو الخفي في عيوننا – پروڤنسيو


تتلاءم أجسامنا مع دورة الليل والنهار بفضل عصبونات
متخصصة في عيوننا, ودراسة هذه الخلايا قد تؤدي
إلى علاجات جديدة لاكتئاب الشتاء وحالات أخرى.

<I. پروڤنسيو>

– بــإختصـار –

   بعض الحيوانات تستشعر الضوء بأعضاء خارج عينيها، لكن البشر لا يستطيعون ذلك. ومع ذلك، يستطيع بعض فاقدي البصر ضبط أجسامهم مع دورة الليل والنهار.

   وفي السنوات الأخيرة تم ربط هذه الاستجابات اللابصرية للضوء بعصبونات متخصصة في الشبكية تستطيع كشف الضوء بصورة مستقلة، ولكنها أيضا تنقل الإشارات من العصي والمخاريط(1). وتستجيب هذه العصبونات للضوء الأزرق، ويحتمل أن تكون بقايا لأعضاء قديمة تطوريا من ماضينا اللافقاري.

   ويمكن أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى مقاربات جديدة لعلاج الاضطراب العاطفي الموسمي وبعض اضطرابات النوم وحالات موهنة أخرى.

 

 

 

في عشرينات القرن العشرين، اكتشف <E .C. كيلر> [عندما كان طالب دراسات عليا في جامعة هارڤرد] حقيقتين مفاجئتين عن الفئران التي كان يستولدها في غرفة استأجرها في سقيفة أحد البيوت. كان نسل الفئران كله مصابا بالعمى التام، ومع ذلك كانت حدقاتها تتضيق استجابةً للضوء المحيط، ولكن بسرعة أقل من حدقات الفئران المبصرة.

بعد مرور سنوات عديدة توسع الباحثون في دراسة ملاحظة <كيلر>, فبيّنوا أن الفئران التي خضعت للهندسة الوراثية المؤدية إلى فقدان العصيوالمخاريط(2) (مستقبلات الضوء المشاركة في الرؤية) بقيت تستجيب للتغيرات في الإنارة بضبط ساعتها على مدى 24 ساعة تقريبا، أي المؤقِّتة الداخلية التي تقوم بمزامنة(3)synchronization نشاط الهرمونات وحرارة الجسم والنوم. وكانت هذه الحيوانات تقوم بالنشاطات النهارية المعتادة في ضوء النهار والنشاطات الليلية في الظلام، وذلك على الرغم من غياب الخلايا المستقبلة للضوء في شبكياتها التي تستخدمها عيون الفقاريات لتشكيل الأخيلة علما بأن الاستئصال الجراحي للعينين أدى إلى إبطال هذه المقدرة. وقد تكون هذه الظاهرة مشتركة بين الكثير من الثدييات، بما فيها البشر: فقد بينت تجارب أجريت مؤخرا أن بعض فاقدي البصر يستطيعون ضبط ساعاتهم على مدى 24ساعة تقريبا، و تتضيق حدقاتهم استجابةً للضوء.

وأحد التفسيرات الممكنة لهذا التناقض الظاهري هو أن مستقبلات الضوء اللازمة للرؤية غير مسؤولة عن تنظيم توقيت النشاط اليومي، وإنما تقوم بهذه المهمة مستقبلات أخرى. وبقيت فكرة وجود مستقبلات ضوئية غير العصي والمخاريط في الشبكية تبدو فكرة غير معقولة حتى وقت قريب: فقد درست الشبكية دراسة أكثر تفصيلا من أغلب نسج الجسم، وكان من المعروف أن المستقبلات الضوئية الوحيدة الموجودة في عيون الثدييات هي الثنائي المعتاد: العصي والمخاريط.

ولكن هناك حاليا أدلة مقنعة تشير إلى أن عيون الثدييات، بما فيها البشر، توجد فيها مستقبلات ضوئية متخصصة لا تشارك في تشكيل الصورة. وتختلف الجزيئات الكاشفة للضوء في هذه الخلايا عن تلك الموجودة في العصي والمخاريط، وتتصل هذه الخلايا بأجزاء مختلفة من الدماغ. وهكذا، مثلما أن آذاننا تعطينا حس التوازن إضافة إلى السمع، فإن عيوننا أيضا عبارة عن عضوين مدموجين في عضو واحد.

قد يؤدي هذا الاكتشاف إلى إمكانية مساعدة الناس الذين لديهم مشكلات على ضبط ساعتهم البيولوجية. يمثل جيتلاك(4)jet lag واحدة من الظواهر الأوضح لاضطراب المزامنة اليومية، أي فقدان التزامن بين دورة الليل والنهار وبين ساعتنا الداخلية. ويعتقد أن العمل في مناوبات ليلية، وهو شكلٌ مفروض ذاتيا لهذه الحالة، يمكن أن يزيد أخطار الأمراض القلبية الوعائية واضطرابات الجهاز الهضمي والسرطان والمتلازمة الاستقلابية(5)، وهي حالة يمكن أن تؤدي في النهاية إلى داء السكري من النمط 2 والسكتة الدماغية. وقد حدث بعض أشهر الكوارث الصناعية في التاريخ خلال المناوبات الليلية عندما يضطرب تيقظ العاملين، مثل ارتطام ناقلة البترول Exxon Valdez بالقاع في المياه الضحلة سنة 1989 والانفجار في مصنع يونيون كاربايد (الذي تمتلكه حاليا شركة داو الكيميائية) سنة 1984 في بوپال بالهند والانصهار الذي كاد يؤدي إلى كارثة نووية في مفاعل ثري مايل آيلاند سنة 1979. عدا ذلك، يعاني ملايين الناس الذين يقطنون في المنطقتين القطبيتين الشمالية والجنوبية اضطرابا انفعاليا موسميا، وهو في الغالب شكل من أشكال الاكتئاب الشديد، ويبدو أنه أيضا استجابة لنقص الضوء خلال أيام الشتاء القصيرة. إن تحسّن فهمنا لكيفية تحكّم النوع الثالث من أنواع مستقبلات الضوء في الإيقاعات اليومية والانفعالات يقترح أساليب تقليل التأثيرات السلبية للجيتلاك والعمل في المناوبات الليلية وليالي الشتاء الطويلة.

 

حساسية للضوء لكنها أُغفلت(**)

يعلم البيولوجيون منذ زمن بعيد بوجود متعضيات (كائنات حية)organisms لها أعضاء تكشف الضوء لأغراض غير تشكيل الصورة؛ إذ يمكن أن يعطي التغير في الإضاءة إشارة إلى الحيوان بأنه أصبح مكشوفا، ومن ثم أصبح أكثر تعرضا للكائنات المفترسة أو الأذى من الإشعاع فوق البنفسجي. وعند كثير من الحيوانات تطورت استجابات تكيّفية مثل التمويه الفاعل أو تجنب الضوء لتقليل عواقب الانكشاف. ومع أن مثل هذه الاستجابات تتطلب نظاما ما للإحساس بالضوء، إلا أنها لا تتطلب وجود البصر بحد ذاته. فمثــلا، في ســــنة 1911 اكتشـــف عــالـم الحيــوان النمســاوي <K. فون فريش> [الذي فاز لاحقا بجائزة نوبل] أن سمكة المنوة الأوروبية European minnow العمياء يتحول لونها إلى الغامق إذا تعرضت للضوء، ولكن الإضرار بقاعدة الدماغ لديها قد أدى إلى إلغاء هذه الاستجابة، مما قاد <فون فريش> إلى اقتراح وجود مستقبلات ضوء لابصرية في عمق الدماغ.

 

 

ومثل هذه الخلايا الحساسة للضوء توجد عند كثير من الأنواع الحيوانية؛ فعلى سبيل المثال، يستطيع عصفور الدوري sparrow ضبط ساعته على مدى24 ساعة تقريبا حتى ولو استؤصلت عيناه، وذلك حسبما أثبته <M. ميناكر>في بداية سبعينات القرن العشرين، حين كان يعمل في جامعة تكساس. وبينت تجارب لاحقة أن هذه العصافير لديها خلايا حساسة للضوء في أدمغتها، وتبين أن كمية غير متوقعة من الضوء تخترق ريش العصفور وجلده وجمجمته وتؤدي إلى تفعيل هذه الخلايا.

إن احتمال وجود مستقبلات ضوء غير مرتبطة بالرؤية – عند بعض الثدييات على الأقل – قد لفت انتباه البيولوجيين أول مرة عندما أبلغ <كيلر>عن تجاربه في عشرينات القرن العشرين على الفئران التي كان يستولدها. وبما أن تشريح شبكية الثدييات كان معروفا جيدا, كان الافتراض أن العضو المجهول الذي يشعر بالضوء يقع في موضع غير العينين. ولكن بحلول بدايـــة ثمانينــات القـرن العشـــرين أدت دراسـات <J .R. نلسون> و<I. زوكر> [وكلاهما كان يعمل حينها في جامعة كاليفورنيا ببيركلي] والتي أجروها على قوارض استؤصلت عيونها، أدت إلى التشكيك في صحة هذه الفرضية: لم تكن هذه الحيوانات قادرة على ضبط إيقاعاتها على مدى 24 ساعة تقريبا وفق دورة الليل والنهار، وهذا يشير إلى أن المستقبلات الحساسة للضوء تتموضع في العين.

وقد بدأ <ميناكر> [الذي انتقل إلى جامعة أوريگون] باستقصاء ما إذا كان لعين الفأر دور في الاستجابات الحساسة للضوء التي لا تتطلب تشكل الصورة، وقام مع طالبَيْ الدراسات العليا <J. تاكاهاشي> و<D. هدسن>بدراسة الفئران التي لديها طفرة أدت إلى فقدان عصي ومخاريط وظيفية لديها، باستثناء بضعة مخاريط متدنية الفعالية, وقد فوجئ الباحثون بأن هذه الفئران كانت قادرة على قصر نشاطها على ساعات الليل وتبقى خاملة نسبيا خلال ساعات النهار، مثلها مثل الفئران الكاملة الإبصار.

أحد التفسيرات المحتملة لهذا السلوك هو أن المخاريط القليلة الضعيفة الباقية كانت قادرة على المحافظة على الاستجابات اللابصرية للضوء. ولكن في سنة 1999 استعمل فريق بقيادة <R. فوستر> [الذي كان يعمل حينها في الكلية الإمبراطورية بلندن] فئرانا لديها طفرة تحرمها من نمو العصي والمخاريط تماما، فأثبتوا أن هذه الخلايا لم تكن ضرورية لحدوث استجابات لابصرية للضوء، فلم يبق إلا تفسير واحد لهذه الاكتشافات: يجب أن تكون في العين مستقبلات الضوء لم تكتشف بعد.

كان هذا الاقتراح ضربا من البدعة، فخلايا الشبكية المسؤولة عن تشكيل الصورة معروفة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وبدت فكرة وجود خلايا أخرى حساسة للضوء في الشبكية غير معقولة.

 

دعم بدعة(***)

إلا أن الأبحاث التي أجريتها مع <M. رولاگ> في منتصف تسعينات القرن العشرين في جامعة الخدمات الموحدة للعلوم الصحية ساعدت في النهاية على إثبات أن <فوستر> كان على حق. كان <رولاگ> مهتما بشكل آخر من استقبال الضوء اللابصري، وهو تمويه(6) البرمائيات. تكتسب الخلايا الصبغية في ذيول الشراغيف لونا غامقا عندما تتعرض للضوء، وهي استجابة تكيفية تساعد على إخفاء هذا الحيوان عندما ينكشف. تحافظ هذه الخلايا المسماة «حاملات الميلانين الجلدية» على استجابتها حتى ولو استؤصلت من الحيوان واستُنبِتت في طبق. لقد اكتشفت مع <رولاگ> بروتينا جديدا في الخلايا المستنبتة يشبه في تركيبه شبها عظيما صنفا من الأصبغة البروتينية التي تسمى الأوپسينات opsins، والتي تسمح للعصي والمخاريط بالإحساس الضوء، وسمينا البروتين الجديد ميلانوپسين melanopsin.

إن التشابه بين الأوپسينات المعروفة كان يرجِّح بشدة أن الميلانوپسين هو الجزيء المسؤول عن إطلاق استجابة القتامة. تساءلنا ما إذا كان الميلانوپسين يؤدي دورا في الخلايا الأخرى الحساسة للضوء فبحثنا عنه في نسج الضفدع الأخرى المعروف عنها أنها حساسة للضوء مباشرة، مثل باحات معينة من الدماغ والقزحية وشبكية العين، فتبين أن العصي والمخاريط لم يوجد فيها هذا البروتين الجديد الحساس للضوء. ولكننا فوجئنا باكتشافه في عصبونات الشبكية التي تسمى بالخلايا العقدية للشبكية retinal ganglion cells والتي لم يكن يُعتقَد سابقا أنها حساسة للضوء.

تتصف شبكية الفقاريات ببنية رائعة ثلاثية الطبقات. والطبقة الأعمق منها تحوي العصي والمخاريط، فيضطر الضوء إلى اختراق الطبقتين الأخريين قبل أن يصل إلى الخلايا المسؤولة عن كشف الضوء من أجل الإبصار [انظر الإطار في الصفحة المقابلة]. وبعد ذلك تنتقل المعلومات من العصي والمخاريط إلى الطبقة الوسطى حيث تعالجها عدة أصناف مختلفة من الخلايا، وأخيرا توصل هذه الخلايا الإشارة المعالجة إلى الطبقة السطحية التي تتألف بالدرجة الأولى من الخلايا العقدية. ومن هذه الخلايا تمتد محاور طويلة تنقل الإشارة عبر العصب البصري إلى الدماغ.

في عام 2000 وجدت مع زملائي أول إشارة إلى أن جزءا ضئيلا من هذه الخلايا العقدية حساس للضوء مباشرة. واكتشفنا حينها أن %2 من الخلايا العقدية للشبكية عند الفئران تحوي الميلانوپسين، وأن نسبة ضيئلة منها عند البشر تحتوي عليه أيضا. وفي سنة 2002 تأكد رأينا من خلال التجارب التي أجراها <D. بيرسون> وزملاؤه [في جامعة براون]. لقد قام <بيرسون> وزملاؤه بتعطيل العصي والمخاريط وملؤوا الخلايا العقدية المحتوية على الميلانوپسين بصبغة. بعد ذلك أزالوا الشبكيات من عيون الفئران وبينوا أن الخلايا العصبية المصبوغة تطلق إشارات لدى تعرضها للضوء. وبما أن العصي والمخاريط كانت معطلة، كانت استجابة هذه الخلايا تعني أن هذه الخلايا العقدية بالذات تستطيع كشف الضوء بنفسها، فضلا عن نقل الإشارة من العصي والمخاريط.

تلقت هذه الفرضية دعما من بينات حصلت عليها مجموعات بحثية أُخرى في سنة 2002؛ فقد بيّن <سامر حتّار> [وزملاؤه من جامعة جونز هوپكنز] أن بعض المحاور من شبكية الفأر يتصل بالنواة فوق التصالبية suprachiasmaticnucleus، وهي باحة الدماغ التي تنظّم الساعة الداخلية للجسم، بينما بعضها الآخر يتصل بباحة الدماغ التي تتحكم في تضيُّق الحدقتين. والخلايا العقدية التي تتصل بهاتين الباحتين هي بالضبط تلك التي تحوي الميلانوپسين. أشارت هذه الاكتشافات جميعها إلى الحل نفسه للغزنا: تمكّن الخلايا العقدية الحساسة للضوء الفئران التي ليس لديها عصي ومخاريط وظيفية من تضييق حدقاتها والمحافظة على تزامن أجسامها مع دورة الضوء والظلام، إلا أن الفئران التي لا عيون لها، ومن ثمّ ليس لها شبكية، تفقد هذه القدرة.

بقي اختبار إضافي من أجل إغلاق القضية. فكرت مع زملائي في أننا لو استولدنا فئرانا طبيعية باستثناء غياب الميلانوپسين لديها فإن هذه الفئران التي لا تستطيع إنتاج هذا الصباغ لن تكون لديها استجابات لابصرية للضوء. أكدت نتائجنا المقولة المفضلة في مختبرنا: «العلم سيد قاسٍ»، فعندما اعتقدنا أننا أوشكنا أن نمسك بالحل لهذا اللغز؛ صُعقنا حين وجدنا أن الفئران التي ليس لديها ميلانوپسين لا تجد صعوبة في ضبط ساعاتها على مدى 24 ساعة تقريبا.

 

العائق الأخير(******)

ولكي نفسر هذه النكسة درسنا احتمال أن هناك مستقبلة ضوئية لابصرية أخرى تختبئ في الشبكية. ولكن هذه الفرضية بدت غير مرجحة لعدد من الأسباب، أهمها أن السّلْسَلة الكاملة لجينوم complete genome sequencing الفأر التي استكملت في الحقبة نفسها التي أتممنا فيها دراساتنا على الفئرانالمحذوفة الجين knockout لم تكتشَف في الجينوم genome أيَّ جينات أخرى واضحة للأصبغة الضوئية photopigment.

كانت الفرضية الثانية أن العصي والمخاريط والخلايا العقدية الحساسة للضوء تعمل سويةً للتحكم في الاستجابات اللابصرية للضوء. وقد اختبرنا هذا الاحتمال الأخير من خلال هندسة فئران ليس لها عصي أو مخاريط أو ميلانوپسين. ولم تُظهر هذه المسوخ أي استجابات للضوء، سواء بصرية أو لا بصرية، وكان سلوكها مماثلا للفئران التي أزيلت عيونها جراحيا. وأخيرا استطعنا أن نستنتج أن العصي والمخاريط والخلايا العقدية المحتوية على الميلانوپسين تعمل سوية على إيصال المعلومات اللابصرية عن الضوء إلى الدماغ.

في الواقع، تظهر بينات أن الخلايا العقدية الحساسة للضوء تعمل أيضا كسبيل لنقل المعلومات اللابصرية عن الضوء من العصي والمخاريط إلى الدماغ، مثلما تنقل الخلايا العقدية الأخرى في الشبكية المعلومات البصرية إلى المساحات البصرية للدماغ. وفي سنة 2008 ابتكرت ثلاث مجموعات بحثية مختلفة، بما فيها مجموعتنا، طريقة لقتل الخلايا العقدية الحساسة للضوء عند الفئران دون التأثير في باقي خلايا الفأر. وعلى الرغم من أن الفئران حافظت على حاسة البصر، إلا أنه صارت تميل إلى الخلط بين الليل والنهار، وكذلك اضطرب تضيق الحدقة عندها [انظر الإطار في الصفحة المقابلة]. بعبارة أخرى، هذه الخلايا العقدية المتخصصة ضرورية لإحداث الاستجابات اللابصرية للضوء، ولكن المنظومة ككل تتمتع ببعض التكرار الداخلي: تستطيع هذه الخلايا أن تكشف الضوء بصورة مستقلة أو تنقل المعلومات من العصي والمخاريط أو كلا الأمرين معا.

وهكذا انحلّ اللغز أخيرا على الأقل فيما يتعلق بالفئران. ولكن ظهرت أدلة تشير إلى أن آلية فيزيولوجية مماثلة قد تكون موجودة عند البشر أيضا. وفي سنة 2007 نشر <فوستر> وزملاؤه دراسة عن مريضين كفيفين لم يكن لديهما عصي ومخاريط وظيفية، أي المكافئ البشري لفئران <كيلر>، واللذين كانا مع ذلك قادرين على ضبط الإيقاعات اليومية عند التعرض الدوري للضوء الأزرق، وكانت أطوال موجات الضوء الأزرق التي تعطي الاستجابة المثلى لديهما تقع ضمن في المجال نفسه الذي يكشفه الميلانوپسين، والذي تم قياسه من خلال دراسات قامت بها مجموعتي البحثية بالتعاون مع مجموعة <بيرسون>، وفيها أجبرنا سلالات من الخلايا غير الحساسة للضوء في الحالة الطبيعية على إنتاج الميلانوپسين، فبدأت هذه الخلايا تستجيب للضوء بإرسال استجابة للضوء الأزرق.

وثمة مفاجأة شيقة أخرى، فقد وجدنا أن الميلانوپسين عند تعرضه للضوء يطلق شلالا من الإشارات الكيميائية داخل هذه الخلايا، وهذه التفاعلات تشبه أكثر ما يحدث في مستقبلات الضوء عند الذباب والأخطبوط مما يحدث في العصي والمخاريط عند الثدييات. ولم يكن هذا مفاجئا بالكامل أننا أدركنا قبلها بعدة سنوات أن متتالية جين الميلانوپسين تشبه أكثر متتاليات جينات الأصبغة الحساسة للضوء عند اللافقاريات منها عند الفقاريات. ومن ثم، يبدو أن الميلانوپسين عند الثدييات هو صبغة حساسة بالضوء يتبع منظومة لا بصرية بدائية – كانت مجهولة من قبل – لاستقبال الضوء موجودة في الشبكية جنبا إلى جنب مع أختها المتطورة، أي المنظومة البصرية.

>وفضلا عن الفضول العلمي البحت قد يكون لاكتشاف هذا العضو الخفي الجديد مقتضيات طبية أيضا لأنه يشير إلى العلاقة بين صحة العين والصحة النفسية، والتي لم تلق التقدير الكافي. وتشير الدراسات إلى أن التعرض للضوء الأزرق يمكن أن يزيد الوعي ويعكس الجيتلاك أو الحرمان من النوم، وأن يلطّف الاضطراب العاطفي الموسمي، وهو مشكلة شائعة في المنطقتين القطبيتين تسبب اكتئابا مضنيا وقد يدفع إلى الانتحار. ويبدو من الطبيعي أن نفترض أن العلاج بالضوء فعال لأنه يستهدف الخلايا العقدية الحساسة للضوء. وبينت دراسات أخرى أن الأطفال الفاقدي البصر الذين يعانون أمراضا تؤثر في الخلايا العقدية في الشبكية مثل الزرق glaucoma معرضين لمعدل أعلى للإصابة باضطرابات النوم مقارنةً بالأطفال الذين يعود العمى عندهم إلى أسباب أخرى. إذن، يمكن أن يؤدي استهداف صحة الخلايا العقدية الحساسة للضوء إلى صنف جديد من العلاجات للعديد من الحالات المتنوعة.

 

مراجع للاستزادة

Melanopsin: An Opsin in Melanophores, Brain, and Eye. Ignacio Provencio, Guisen Jiang, Willem J.De Grip. William Par Hayes and Mark D. Rollag in Proceedings of the National Academy of Science USA, Vol. 95, No. 1, pages 340-345; January 6, 1998

Phototransduction by Retinal Ganglion Cells That Set the Circadian Clock. David M. Berson, Felice A Dunn and Motohanu Takao in Science, Vol. 295, pages 1070-1073; February 8, 2002

Intrinsically Photosensitive Retinal Ganglion Cells. Michael Tri Hoang Do and King-Wai Yau in Physiological Reviews, Vol. 90, No. 4, pages 1547-1581; October 2010

An online guide to the retina: webvision.med.utah.edu

 


(*) THE HIDDEN ORGAN IN OUR EYES

(**) LIGHT-SENSING BUT OVERLOOKED

(***) PROMOTING HERESY

(****) How the Body Knows Day from Night

(*****) Uncovering the Eyes’ Double Life

(******) ONE LAST HURDLE

(*******) Feeling Light, Not Seeing


(1) Paleocene-Eocene Thermal Maximum

(2) rods and cones

(3) ضبط التوافق الزمني.

(4) jet lag : اضطراب الساعة الداخلية.

(5) metabolic syndrome

(6) camouflage

*مجلة العلوم