مجلة حكمة

العرض: القوانين العامة – دانييل جيمريه / ترجمة: محمد بو هلال

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

الفصل الثاني (العرض: القوانين العامة) من كتاب (المذهب الأشعري) لدانييل جيرميه


 الجواهر، بما هي جواهر، متجانسة كلّها والأعراض،هي، التي تحدّد الفروق بينها. لذلك كانت الأعراض، بما لها من تنوّع في”أجناسها”، موضوع عناية أوسع من العناية بالجواهر.

 عرّف الأشعري العرض بأبسط الطرق الممكنة. عرّفه تعريفا لغويّا فالعَرَضُ هو “ما يَعُْرضُ”في جسم أو في جوهر[1](انظر، مجرّد، ص211، سطر4؛ ص 257سطر3؛ص291الأسطر1-2؛ص333 سطر4)أو كذلك “ما لا يصحّ بقاؤه” خلافا للجوهر وهو”باق” (انظر هذا الكتاب، ص49) (مجرّد،ص11أسطر22-23؛ ص 291 أسطر1-2) وقد يكون الأشعري، حسب النسفي، قد عرّف في كتاب من كتبه العرض على نحو أكثر تفصيلا فهو”ما يعترض على غيره ويبطل من غير بطلان محلّه (التبصرة، ص50 الأسطر 3-4) وقد لاحظ النسفي ملاحظة لا تخلو من مكر، أنّ  مثل هذه الصياغة لا تطابق كما يبدو المبدأ الذي ضبطه الأشعري ومفاده أنّ كل تعريف يجب أن يقوم على ذكر خاصيّة واحدة فلا يكون مركّبا (انظر، هنا، ص69) ولكن يمكننا، حقّا، أن نسوق الملاحظة نفسها في خصوص التعريفات السابقة أيضا. إنَ تعريف العرض بكلّ بساطة على أنّه “ما يعرض”ليس تعريفا مفيدا لأنّ هذا التعريف يصدق أيضا على الجوهر (انظر، مجرد، ص333 اسطر 4-5) لذلك من الضروري إضافة وصف مميز مخصوص لهذا الوصف العام وهذا ما يحصل حين نضيف القول الآتي :”ما يعرض على غيره” وهكذا نلاحظ سخف هذا المبدإ.

عديدة هي أنواع الأعراض ( عَدَّ منها البغدادي ثلاثين عرضا في، أصول الدين، ص ص40-45) ولا نجد في هذه القائمة مفاجأة تذكر ففيها نقع على نفس العبارات التي نجدها في مصنّفات علم الكلام مثل الحركة والسكون والاجتماع والافتراق وهذه الأنواع الأربعة هي الأنواع الأساسية المشكّلة للأكوان ونجد أنواعا أخرى من الأعراض من قبيل الألوان والروائح والطّعوم والأصوات والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وكذلك الحياة والقدرة والعلم والإرادة والكلام وأضدادها (الموت والعجز إلخ) وسنكتفي بهذه الأعراض التي ذكرنا. غير أنّه لا بدّ من أخذ الحيطة لأن هذه الأعراض التي تنصرف إلى أنواع منفصلة هي عند الأشعري خصوصا ذات طبيعة واحدة بما أنّها تخضع للقواعد ذاتها. وسواء أتعلق الأمر بالحركة أم بالحرارة ،بالحياة أم بالعلم فإنه يتعلّق دوما بمعنى حالّ بمحلّ وهذا المحلّ ليس، دوما، سوى الجوهر– الجزء. و ليس الأشعري هو الوحيد الذي ينظر إلى الأمور هذه النظرة فعلى هذه الشاكلة يفكّر تقريبا كل علماء الكلام الأوائل وخاصة منهم أصحاب الجبّائي. لكنّ هذه التصورات هي عند الأشعري مثبتة مؤكدة. إذ يعارض الأشعري صاحب العقل الميّال إلى التبسيط تعلّق أصحاب الجبائي من المتكلمين بالتمييز بين أنواع الأعراض بنظاميّة القواعد دون استثناء وهذا ما سميناه بالقوانين العامة للأعراض.

القانون الأوّل : يتطلّب كلّ عرض ، كي يكون، محلاّ

تبدو هذه القاعدة ،للوهلة الأولى، واضحة بديهيّة.إنّ تعريف العرض على النحو الذي رأينا ،أي باعتباره ما يحدث في شيء آخر، مقابل الجوهر الذي يتحدّد باعتباره حاملا للأعراض، يجد لدى الجبائيين ، هم أيضا، قبولا، عادة، غير أنّهم، باسم هذه أو تلك من الآراء العقديّة، يرون أنه يجوز لهم أن يتحلّلوا من هذا المبدإ ليقبلوا، في حالات استثنائيّة، إمكانية أن يوجد العرض لا في محلّ. وهذا هو شأن العرض المعروف بالفناء كما رأينا وعن طريقه يفني الله، حسب قولهم، الجواهر (النظر، هنا، ص50) ولكن الأمر يتعلّق أيضا بالإرادة الإلهيّة، حسب اعتقادهم، والذي هم عليه أنّ الله لا يمكن أن يكون مريدا إلا بإرادة حادثة ( وعارضة إذن) “لا في محلّ” (انظر هنا، ص 292).

هذان الاستثناءان المزعومان للقاعدة يدحضهما الأشعري بنفس الطريقة. إذ يقصي، من ناحية، وجود عرض اسمه ” الفناء” ولنذكّر بأنّ الأمر، عنده، يعود إلى أنّ الله لا يخلق في الجواهر عرض “الدوام” وهو ما يجعلها تفنى (انظر هنا ص49). أمّا الإرادة الإلهيّة فأنه سيبيّن أنّها قديمة بالضرورة لأن فرضيّة الإرادة الإلهيّة الحادثة يمكن أن تفضي، من بين ما يمكن أن تفضي إليه، إلى القول بإمكانية أن توجد “صفة” في غير محلّ وهذا مستحيل على حدّ قوله (انظر هنا ص 292).

القانون الثاني: كل عرض ، مهما كان ، يمكن أن يوجد في أي جزء شرط أن لا يوجد به عرض مضاد.

تحتاج بعض الأعراض كي توجد في نظر الجبّائيين إلى “بنية” ما أي أنّها لا يمكن أن توجد إلا إذا كان الجوهر الحامل لها جزءً من جملة جواهر مؤلّفة تأليفا مخصوصا  مثل الحياة التي تتطلّب تأليفا من لحم ودم ( أنظر،ش.أ.الخمسة،ص220اسطر15-16 وانظر كذلك، المغني ج7 ص33 أسطر 16-20؛ ج8 ص 103أسطر 14-15؛ ج 12 أسطر 13-14) والإدراك[2] الذي لا يمكن أن يتمّ إلا بحاسة من قبيل العين والأذن إلخ (انظر، المغني، ج ص36 وما بعدها) وهذا العضو/الحاسة هو “جسم مبنيّ بناءً مخصوصا (المغني، ج11 ص378 اسطر 8-7) وكذلك الشأن بالنسبة إلى ما يسميه الجبّائيّون متبعين في ذلك أبا الهذيل (انظر، ملل، ص73 أسطر 12-14) “أفعال القلوب” أي كلّ الوقائع النفسيّة (في مقابل أفعال الجوارح) من قبيل العلم والاعتقاد والنظر والإرادة والرغبة التي “يستحيل وجودها إلاّ في مثل بنية القلب” المغني ج8 ص40سطر21 وما بعده، وانظر: نفسه، ج7 ص40 أسطر 12-13؛ ج9 ص105 أسطر 4-9؛ ج7 أسطر 12-13 وش. أ. الخمسة، ص220 أسطر 10-11و17-19؛ والمجموع، ج1 ص366 أسطر 4-8) وكذلك الكلام عند الجبائيين ( لكنّ أبا هاشم الذي كان على نفس الرأي أوّل الأمر ترك بعد ذلك وجهة النظر هذه وقد اتبعه في ذلك الجبائيون المتأخرون (انظر، المغني ج7 ص31 سطر 4 وما يليه والمجموع ج1ص326 أسطر2-6).

رفض الأشعري ،جملة، مثل هذه التصورات إذ ليست كل هذه الأعراض التي تمّ ذكرها في حاجة إلى بنية مخصوصة كي توجد .إن الحياة ،على سبيل المثال، لا تتطلب مثلما يزعم المعتزلة البنية المخصوصة التي للإنسان وسائر الحيوان[3]” حتى إذا لم يتصل الرأس بالجسد لم يصحّ وجودها  كما لا يصحّ وجودها في غير محلّ حتى إذا عدم لم يصحّ وجودها “. لأنّ الحياة ،حسب الأشعري، يمكن أن توجد في”الجزء المنفرد” والأمر الوحيد الذي يمكن أن يمنع وجودها هو وجود مضادّ لها في نفس هذا الجزء و “الافتراق”ليس ضدّا للحياة ( مجرد،ص266أسطر16-20 وانظر كذلك ص170سطر8 وص205أسطر3-4) وشبيه بهذا أمر الرؤية التي لا تقتضي ،هي بدورها، محلاّ مخصوصا ولا تركيبا لمحلّها بل يجوز وجود الرؤية في كل جزء فيه حياة منفردا كان أو مجتمعا على أيّ هيئة كان من التركيب و التأليف (مجرّد،ص 82سطر 25 و ما يليه) أما التمييز الذي يقيمه المعتزلة بين “أفعال القلوب”و” أفعال الجوارح” فإن الأشعري يرفضه مليّا و يرى أنه لا معنى له لأنّ جملة الأفعال يصحّ وجودها بجملة الجوارح و لا اختصاص للقلب بذلك(مجرد،ص 266أسطر13-15)و كذا شأن بقيّة الأعراض مثل العلم و القدرة فهي يجوز أن توجد في جزء واحد ولا وجود لعرض من هذه الأعراض يقتضي التأليف و التركيب(مجرّد،ص68أسطر11-13)والجزء الواحد يحتمل جميع الأعراض(مجرد،ص203سطر4)

إن وجود عرض من الأعراض في أي جزء من الأجزاء لا يخضع في نظر الأشعري إلا لشرط واحد هو أن لا يوجد في ذلك الجزء عرض آخر ” يكون فيه له ضدّا”(مجرد،ص205 أسطر 2-3). صحيح أنّه يوجد من بين الأعراض عرض لا يجوز أن يوجد في جزء منفرد هو عرض ” التأليف” لكنّ السبب في ذلك هو أن الجزء المنفرد حصل منفردا لأنّ به عرض “الانفراد” وهو مضادّ لعرض” التأليف”(مجرّد،ص205اسطر2-3)[4] وصحيح أيضا أن بعض الأعراض لا يمكن أن تقوم بالأجزاء إلا متى قامت بها ، في نفس الوقت ، الحياة وهي التي يضعها الأشعري كلّها تحت مسمى جامع :” صفات الحيّ”. مثل العلم و القدرة و الإرادة و الكلام وأضدادها( الجهل والعجز والسهو والسكوت والخرس) (مجرد، ص68 أسطر 20-23؛ ص205 أسطر 4-5؛ ص260 أسطر 5-7) وكذلك شأن الألم (مجرد، ص170 أسطر 6-10) والرؤية (مجرد، ص82 سطر25 وما يليه وص264 سطر 1) وذلك لأنّ الموت الذي هو عرض أيضا وهو مضاد للحياة ومضادّ أيضا لكلّ هذه الأعراض المذكورة ” الموت يضادّ العلم والألم والقدرة والإرادة”(مجرد، ص 266 سطر23) و سنجد الموت يذكر،خصوصا،باعتباره ضدّا للاستطاعة – الاسم الآخر للقدرة لدى الإنسان-(انظر، هنا ً ص149) وضدّا للعلم(انظر هنا،ص167)و للكلام( انظرهنا،ص 208)

القانون الثالث: لا يمكن لأي عرض أن يقوم بجزئين اثنين:

لا يجوز وجود عرض واحد في محلين (انظر، مجرد،ص15سطر22 وما يليه؛ص30سطر7؛ص245أسطر6-8) وقد اعترض الأشعري ،في هذه النقطة كذلك ، على الجبائيين الذين يوردون على هذه القاعدة استثناءً يتمثل في عرض” التأليف”(انظر، المغني ج8،ص129أسطر4-5). يرى الجبائي والجبائيون أنه متى تمّ التأليف بين جزئين فإن الفضل في ذلك يعود إلى عرض واحد موجود في كلّ جزء منهما في آن واحد.وهذه الخاصيّة تميّز،عندهم، عرض ” التأليف” الذي لا يمكن أن يوجد إلا في محلين اثنين( انظر، مقالات، ص 303 أسطر6-7؛ المغني ج9 ص45أسطر 8-10؛129سطر19) لكن الأشعري لا يقبل هذا الاستثناء لعرض “التأليف” ( انظر،مجرد،ص203أسطر21-22).والذي عنده أنه إذا تألّف جزءان يكون كلّ واحد منهما حاملا لعرض هو عرض”التأليف” ( الذي يسميه كذلك بالتأليف والاجتماع والاتصال والمماسّة إلخ) ( راجع ،مجرّد ،ص 30أسطر6-7 وص203 اسطر8-9 وهنا ص 118).

القانون الرابع: لكل عرض ضدّ

رأينا أعلاه أن الأشعري كان ينكر أن يوجد ضدّ للجوهر وخاصة هذا الضدّ المزعوم الذي يتمثّله الجبائيون(من بين آخرين) في شكل عرض”الفناء”(انظر،هنا ص50) و الذي عند الأشعري أنّه لا يمكن أن يكون تضادّ إلا بين الأعراض(انظر،مجرّد،ص230 أسطر5-7؛ص259أسطر14-15؛ص261سطر21). الأعراض فقط لها أضداد و يضيف الأشعري–  مخالفا مرّة أخرى الجبائيين –” لا عرض إلاّ وله  ضدّ(…)، ولا يصحّ وجود عرض لا ضدّ له(مجرد،ص261 أسطر20-21) فماذا يعني هذا القول؟

يجدر بنا ،هنا، أن نفهم جيّدا ما الذي يعنيه متكلمو عصر الأشعري بـ( الضدّ) و(الضديّة). و لْنُعِدْ القول بأن نظريّة الأعراض تستخدم لتفسير الاختلافات بين الأجسام (التي تعتبر متماثلة في ذاتها) مثلما تستعمل في تفسير أحوالها المتعاقبة عليها وذلك بوجود موجود فيها ليس جسما أي بمعان هي علل هذه الاختلافات والتغيّرات. إن نظرة عامة للأشياء ( ولا يمكن إلا أن تكون عامة) تقود ،لا محالة، إلى تمثّل هذه الأعراض في صورة سلسلة من الأزواج المتضادة فهذا الجسم متحرّك لمعنى هو”الحركة” و هذا الجسم الآخر ساكن لمعنى حال به مضاد  لمعنى الحركة هو” السكون” و هذا الجسم كان حارا لأنه كان به عرض ” الحرارة” و قد أصبح باردا لأن عرض “البرودة ” حلّ محلّه و هكذا تتحدد هذه التعارضات  التقليديّة ،منذ عهد أبي الهذيل ،بين الحركة و السكون والاجتماع والافتراق والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والخشونة واللين والحلاوة والحموضة والسواد والبياض والعلم و الجهل والإرادة والسهو والشهوة والنفور إلخ. لكن ولمّا لم تكن هذه الأعراض مجرّد مفاهيم مجردة وإنّما كانت عبارة عن موجودات واقعيّة كان لزاما علينا أن نفهم التضادّ الذي يضعها ،أزواجا، في علاقة تقابل لا باعتباره تضادا منطقيا(مثلما تدفعنا عاداتنا في التفكير إلى اعتقاد ذلك) ولكن باعتباره تضادّا “أنطولوجيّا” وجوديّا.إن وجود جسم ما على حالة معيّنة يقتضي أنّ فيه ( تدقيقا في الأجزاء المكوّنة له) عرضا ما و أنه لا يحمل العرض المضادّ له .إنّ حلول العرض الأوّل في ذلك الجزء يقتضي ضرورة غياب العرض المضادّ وزواله. أي أن تضادّ عرضيْن يعني، ضرورة ، أن وجود أحدهما يقتضي عدم الثاني. إي إنّ تضادهما يعني استحالة اجتماعهما ويعني، كذلك، تنافيهما ولا معنى لذلك، بداهة ، إلا في وقت معيّن و محلّ مخصوص. إنّ الضدّين لا يعدّان في حالة تضادّ – أي في حالة يستحيل فيها وجودهما معا-إلا إذا تعلّق الأمر بحدوثهما في نفس الوقت في نفس الجزء

وهذا هو فعلا المعنى الذي يعطيه الأشعري لهذه العبارات ” ضدّ وتضادّ ( و لم يكن الجبائيون يفكّرون بطريقة مغايرة) أولعبارة التنافي كذلك مثلما توحي بذلك مقاطع عدّة من كتاب ” مجرد ” التضادّ يعني عنده :استحالة أن يوجد عرضان في ذات الوقت في ذات المحلّ ( انظر،مجرد،ص111أسطر7-8؛ص236أسطر12-13؛ص257سطر 20 وما يليه؛ص261أسطر12-13؛ص331أسطر19-20)

و لمّا كان من المستحيل أن يتواجد ضدّان في نفس المحلّ فلا إمكان إلا أن يتعاقبا عليه وقد كان الأشعري،مثل الجبائيين من المتكلمين، يعبّر عن هذا مستعملا الفعل ” تعاقب” الذي يبدو،حينئذ، رديفا تقريبا لفعل ” تضادّ” مثلما أن “عقِب” جمع “عقائب” ياتي أحيانا في شكل معادل لضدّ/ أضداد (مجرد، ص68أسطر20-  23 وص216أسطر9-11)[5] ولقد رأينا سابقا أنّ الأشعري (مثل الجبائي) يذهب إلى أنّ الجزء يحتمل ضرورة كلّ الأعراض الممكنة الوجود(انظر،هنا ص48)أي يمكنه أن يحتمل هذا النوع من الأعراض أو أضدادها ويستعمل الأشعري للتعبير عن ذلك القول التالي: “جميع الأعراض المتعاقبة عليه” (مجرد،ص203سطر4 و ص 204 أسطر17-18 وكذلك ص14أسطر23-24) . و يستعمل المجرد في ص14 الأسطر 14-15 عبارة ” عقائب العلم” لتعيين أضداد العلم التي هي الجهل والشكّ إلخ . وقد جاء في نفس المقطع :”إن كل ما يجوز أن يعلمه الإنسان و لم يكن له به علم فواجب أن يكون قد قام به عَقيبٌ لذلك العلم” وقد استعملت مرّة أخرى عبارة “عقيب” ( مجرد،ص 14أسطر20-21)

لكن كيف تعمل عمليّا هذه الضديّة؟هل يعني ذلك أنّ أحد الضدين يقصي الآخر ويغيّبه إيجابيّا ؟ . هكذا يفهم الجبائيون المسألة وقد ألفوا استعمال الفعل ” نفى” في هذا المعنى (أو نافى في ثالث أشكاله) ووجهة نظرهم، أنّ العرض الذي يعقب عرضا آخر يبدو،حقّا، كما لو كان سبب إزاحته ( رغم أن الجبائيين المتأخرين بحثا منهم عن دقّة المصطلحات يرفضون التعبير بهذه الطريقة (أنظر،التذكرة، ص 264سطر 8 وما يليه) لكنهم على خلاف الأشعري( والبلخي،انظر ص91) يقبلون دوام عدد من أنواع الأعراض(أي أن يتواصل بقاؤها وقتا بعد حدوثها) وإذا ما كفت مثل هذه الأعراض عن الوجود فإنّ ذلك بسبب ” طروء” عرض مضادّ و العرض الطارئ يتغلّب دائما على العرض الباقي ( انظرفي هذا الخصوص،المسائل،ص125سطر10وما بعده؛ والمجموع ،ج2ص 146أسطر7-15 ؛و التذكرة، ص263اسطر10-11 ؛ p.s في التوحيد،ص12أسطر14-15) وهذا ،طبعا، ليس موقف الأشعري فالذي عنده أنْ لا عرض من الأعراض يمكن أن يدوم. و تبعا لذلك لا يمكن القول إن عرضا ما من الأعراض يقصي عرضا آخر أو يُقصيه عرض فلكل عرض  خاصيّة هي أنّه يكفّ عن الوجود بمجرّد أن يوجد و العرض الذي يعقبه لا يمكن أن يكون سبب زواله و هكذا يجب حسب الأشعري أن نفهم عبارة ” التنافي” إذا ما أردنا أن نفسّر بها معنى عبارة “تضادّ ” (مجرد، ص242أسطر8-9وص258أسطر 1-6) و كذلك يجب أن نفهم في نفس هذا السياق الفعل ” فَنِيَ” فإذا قلنا “فنيت الحياة بالموت” أو” فني السواد بالبياض”فإن ذلك لا يمكن أن يكون إلا على سبيل المجاز.إنّ هذا الأقوال تعني بكلّ بساطة أنه لم يعقب العرض الأوّل عرض مثله و لكن عقبه عرض مضادّ . لذلك لا يجوز القول إن عرضا ما “مُفِنَى” أو “مُعْدَم”  فهو يكفّ عن الوجود في الوقت الذي يعقب مجيئه إلى الوجود دون أن نكون في حاجة إلى معنى آخر لكي يعدمه ( مجرد،ص242أسطر 1-7و انظر أيضا، ص 240أسطر22-23)[6]

إذا كان التضادّ بالمعني الذي يعطيه له المتكلّمون تنافيا وجوديا فإن الأشعري يقدّم الملاحظة التالية :‘إن العرضين ليسا بالضرورة  ضدّين لأنهما لا يجتمعان لأنّه ” قد يكون عرضان لا يصحّ ، على حدّ قوله، أن يجتمعا  معا في محلّ واحد ولا يكونا ضدين”(مجرد،ص 258أسطر7-8). وقد جاء في( مجرد،ص 258أسطر9-18) أنّه ” يستحيل أن يوجد العجز عن الكسب مع الكسب في محلّ وكذلك يستحيل أن يوجد العلم بالحركة في محلّ لا يمتنع وجود السكون فيه”[7]و لا يقتضي هذا وجود تضادّ بين الكسب و العجز(لأن ضدّ العجز هو القدرة) ولا بين العلم و السكون. وتعود استحالة الاجتماع في هذه الجالة إلى أسباب أخرى . ولذلك يؤكد الأشعري أنّه لا بدّ من اعتبار الجنس.ولا يوجد تضادّ بين عرضين إلا متى لم يكن لاستحالة اجتماعهما من سبب سوى أنهما من ذات الجنس وأنهما يتنافيان لا محالة في كلّ الأحوال في محل واحد في وقت واحد(انظر،مجرد،ص259أسطر2-4 و 259أسطر 21-23)[8] وهذا يعني أن كلّ تضادّ هو امتناع الاجتماع و ليس كلّ امتناع تضادا. إنّ التضاد الحقيقي هو ذلك الذي يضع في علاقة تقابل في كلّ الأحوال وفي زمن واحد و محلّ واحد هذا الجنسَ بصفته تلك وذاك الجنس بصفته تلك.وهذا هو السبب الذي يجعل هذا التضادّ الذي هو في أساسه تضادّ أنطولوجي تضادا منطقيّا أيضا . تضادّ على أساسه يتعارض السواد و البياض والعلم والجهل[9].  باختصار،إنّ تعريف التضاد على أنه استحالة الاجتماع في محلّ يعني، بداهة، أنّ الأضداد في الجنس تكفّ عن أن تكون أضدادا عندما تحدث في محل ووقت مختلفين(مجرد،ص 235أسطر10-12)و هكذا يكون السواد و البياض ضدّين ولكن سواد زيد لا يضادّ بياض عمرو(مجرد،ص259أسطر19-21)

لا يتدخل،في هذا الخصوص،عاملا الوقت والمحلّ فقط ولكن يتدخّل ،أيضا، الموضوع الذي تتعلّق به الأعراض “اللازمة” .إنّ العلم و الجهل والقدرة والعجز إلخ لا يجوز، نظريّا ،أن تجتمع في نفس الجزء فتعتبر أضدادا . لكنّ ذلك لا يصحّ إلاّ إذا تعلّق العلم والجهل والقدرة والعجز بنفس المتعلّق وإلا لم يصحّ اعتبارها أضدادا(انظر، مجرد،ص 205أسطر5-6 وص 259أسطر 10-13)[10]

فإذا صار مبدأ الأضداد متقرّرا نكون مدعوين ،طبعا، إلى المصير إلى أن حدوث عرض ما،في كل الأحوال،في محلّ معيّن يقتضي عدم حدوث عرض مضاد له في نفس ذلك المحلّ والعكس صحيح.وهذه هي،على كلّ، القاعدة التي اِلتزم الأشعري بها اِلتزاما تامّا.فإذا لم يحصل لنا،على سبيل المثال، علم بشيء فلأنه قد قام بنا عقيب ذلك العلم (مجرد،ص14أسطر 21-22)و يرفض الأشعري،باسم المبدإ نفسه،الرأي القائل بوجود موانع تمنع من الرؤية الخارجيّة في محل الرؤية (أي في العين)” كنحو ما يدّعيه المعتزلة من الحجب الساترة والبعد واللطافة والرقّة والصغر(مثل لطافة أجسام الملائكة و الجنّ).يقول الأشعري في الردّ على هذا الموقف المعتزلي:”لا يمنع من رؤية ما يجوز أن يرى إلاّ وجود ضدّ رؤيته في محلّها وكلّ ما لا يرى مما يجوز أن يرى فلأجل وجود ذلك المانع من رؤيته.”(مجرد، ص 83أسطر10-13و ص 117 أسطر10-12)

و لكن هل لكلّ عرض ضدّ ؟ لقد نازع الجبائيون في هذه المسألة و انتهوا إلى قبول جملة من الاستثناءات أي جملة من الأعراض ليس لها ،في نظرهم، أضداد من قبيل التأليف والاعتماد والحياة والألم و القدرة و النظر والكلام[11] و يبدو حجاج الجبائيين دفاعا عن آرائهم مختلفا باختلاف الحالات.فإمّا أن يكون المعنى المضادّ غير قابل حتى للتسمية شأن النظر أو أنّ للمعنى المضادّ اسما يمكن اعتباره معنى مضادا لكنه ، في الواقع، ليس بمعنى ولا يدلّ على شيء إلا على زوال المعني الموجب المعتبر مثل الموت والعجز وهما ليسا سوى زوال الحياة وزوال القدرة وكذا أمر الخفّة وهي ليست سوى زوال الثقل(والثقل هو الشكل الشائع ” للضغط الداخلي”،انظر هنا ص73) وإمّا أن يكون المضادّ معنى واقعيّا ولكنّه ،فعلا، ضدّ لعرض آخر مثل عرض”الافتراق” الذي هو في الواقع ضدّ لعرض”المجاورة” لا لعرض” التأليف”(انظر،المغني ج7 ص40سطر1)الذي يختلف عن”المجاورة” في العقيدة الجبائية لكن المجاورة تولّد التأليف(انظر،المغني،ج9،ص43سطر11وما بعده ؛ ومسائل، ص219سطر2 وما بعده). ويمكن كذلك أن يتداخل الضدّ المزعوم مع المعنى الذي يقابله كما الحال بالنسبة إلى اللذّة .فالألم واللذّة ليسا سوى تسميتين من جنس واحد وهما يعودان إلى الرغبة والكره ( انظر، نظريات،ص40) . وفي خصوص مسألة الكلام يقبل الجبائيون إمكان وجود تضادّ بين الأصوات والحروف التي تكوّن الكلام ( انظر هنا،ص86-87)ولكنهم ينكرون، في كلّ حال،أن توجد خارج هذه الحالة، معاني أخرى مضادة للكلام من قبيل الصمت والخرس.

و الحق، أن مثل هذا التدقيق هو من عمل الجبائيين المتأخرين ( القاضي عبد الجبّار وخلفه)أمّا الجبائي فقد كانت له،غالبا، نظرة أكثر إجمالا للأمور.فهو ،على سبيل المثال، لم يكن يشكّ في أن الموت والعجز معنيان واقعيان ضدّان تباعا للحياة والقدرة [12].و لقد توقّف أبو هاشم، بعد أن تابع الجبائي في هذه المسألة(انظر،تذكرة أمبر، ص132 أسطر 11-14و ص169aأسطر21-24) . وكان الجبائي يعتقد مثل أبي الهذيل أن الإدراك معنى(خلافا لأبي هاشم وكلّ المدرسة الجبائيّة المتأخرة، راجع المغني ج4 ص51 أسطر2-3 وص55 أسطر17-20 و تذكرة أمبر ص 219a سطر7 و ص 231 a أسطر 26-27) وأن ضدّ الإدراك هو “العمى”(مقالات ص 570أسطر1-2) رغم أن الجبائي قد غيّر أحيانا أو نهائيا موقفه في هذه النقطة الأخيرة ( انظر، المغني ج4 ص51أسطر 2-3 وص55 أسطر17-20 و تذكرة أمبر،ص 219a سطر7 و ص 231a أسطر 26-27). وقد أعطى، مثل البلخي، للشك والسهو وضع المعاني الواقعّية و اعتبرهما ضدّين للعلم وهو ما سيعترض عليه، مرّة أخرى، الجبائيون المتأخرون (انظر،المسائل،ص338 أسطر 23-24 و ص 341 أسطر13-14) و كان البلخي، من جهته، يرى أنّ كلّ ما يقدر عليه العبد فله ضدّ (المسائل، ص346 سطر25 وتذكرة أمبر، ص231a سطر24 وما بعده)

لم تكن للأشعري محاذير الجبائيين المتأخرين، فهو كما نعلم ، يرى أن لعرض “الحياة” ضدّا هو”الموت”(مجرد،ص216الأسطر9-10وص236سطر8) أما عرض” القدرة” فله ضدّ هو” العجز”(مجرد،ص101أسطر11-12 و ص118سطر22 وما بعده و ص 260 أسطر13-14 واللمع ص41 أسطر17-18) والصمت والخرس هما، عنده، ضدّان للكلام (مجرد،ص68 أسطر16-23 واللمع الفقرة 33) و العمى هو ضدّ للرؤية (مجرد،83أسطر13-17)و للتأليف عرض ضدّ هو الانفراد (انظر، مجرد ص 205 أسطر2-3) أو ” الافتراق”لأنّ الأشعري -حسب ابن فورك على الأقلّ- لم يكن يفرّق بين التأليف (أو المماسة) والمجاورة (انظر، هنا ص 118) وإذا كان ينكر وجود عرض (الخفّة) فلأنّه كان ينكر وجود عرض” الثقل”(انظر،ض 72-73 هنا)

 لم يدافع الأشعري عن وجود ضدّ لكل عرض ، فقط ، بل قبل، فضلا عن ذلك، أن تكون للعرض الواحد أضداد كثيرة (انظر،مجرّد،ص111 أسطر6-7 و ص 236سطر1)إن للعلم في نظره ضدّا هو الجهل وله أيضا أضداد أخرى مثل الشكّ والسهو والموت( مجرّد،ص13أسطر3-4 و19-20؛ اللمع الفقرتان 16و36) باعتبار أنه لا يمكن لأي معنى من هذه المعاني أن يجتمع مع العلم في نفس الجزء (مع العلم أنّ الأمر متعلّق بعلم وجهل وشكّ موصولة كلّها بالموضوع عينه)أمّا الكلام فله أضداد هي الصمت والخرس والطفوليّة والبهيميّة والموت (مجرّد، ص68  سطر16). وللإرادة أضداد هي الكراهة (مجرد، ص232 أسطر 16-17؛ ص236 أسطر 14-15)  و السهو (مجرد، ص68 سطر21؛ ص 260 أسطر 6-7؛ اللمع فقرة 36) و الموت مرّة أخرى. أمّا السواد فأضداده البياض (مجرد، ص261 سطر11) و اللون الأحمر، أيضا، واللون الأصفر ( مجرد ص 236 سطر9)[13].

لكننا يمكن ،مع ذلك، أن نذهب إلى أنّ الأشعري يقبل استثناءات على هذا المبدإ القائل بأن لكل عرض ضدّا. يقول عن البقاء، وقد عدّه كما رأينا سابقا عرضا: ” جملة البقاء لا ضدّ له”(مجرد،ص239 سطر7وانظر كذلك شرح الإرشاد،ص124b سطر21 ؛ وأبكار،ج1ص114b أسطر11-12 و السبب في ذلك على ما يبدو هو أنّ المفهومين المعارضين عادة لفكرة الدوام (أي  تواصل الوجود) ونعني بذلك الحدوث ( أي بداية الكون) و الفناء (أي الكفّ عن الوجود) ليسا عنده من المعاني فلا وجود لمعنى الحدوث ( انظر هنا ص 27) ولا وجود كذلك مثلما يريد الجبائيون لمعنى الفناء (انظر، ص 50). توجد بعض الأزواج من الأضداد أو التي تعتبر، تقليديا، أضدادا. ويميل الأشعري ،من ناحيته، إلى أن يرى فيها مجرّد تسميات مختلفة لنفس النوع على الطريقة التي يتناول بها الجبائيون اللذة والألم . و إن كل هذا الزوج من الأعراض التي تشكّل عنده و عند الجبائيين الأنواع الأربعة من الأكوان أي الحركة و السكون والاجتماع والافتراق.والذي عند الأشعري، ويا للغرابة ،أنّ الحركة ليست ضدّ السكون باعتبار أن الأمر متعلّق ،هنا ،بعبارتين دالتين على نفس الكون و كذلك شأن الاجتماع و الافتراق.إن كل هذه العبارات تحيل إلى كون واحد (راجع ، مجرّد ص 204 أسطر18-22 ؛ص211 سطر25 و ما بعده؛ ص 243 أسطر 13-15 ؛ ص 245 أسطر 15-17 و انظر هنا ، ص 106-107) ويترب عن ذلك أنّ الكون هو أيضا باعتباره نوعا ليس له ضدّ .يثبت ذلك مصير الأشعري (والجبائيون كذلك) إلى أن الجوهر، أيّا كان،لا يمكن إلا أن يكون متحيزا حتى لو لم يوجد مكان (انظر، هنا ص 48 و63) و يمكننا أن نقول نفس القول عن عرض “اللون” وعرض ” الطعم” إلخ. فكيف يمكن ،حينئذ، الحفاظ على المبدإ القائل إنّ لكلّ عرض ضدّا؟

و لكن علينا هنا مرّة أخرى أن نتذكّر المعنى الذي يعطيه الأشعري وأمثاله لعبارات “ضدّ” و”ضدّيّة” .إنّ استحالة الاجتماع في نفس المحلّ لا تكون في ما بين الأجناس فقط بل قد تحدث داخل الجنس الواحد . فإذا لم يكن لعرض “الكون” ،باعتباره نوعا، ضدّ فإنّ هذا الكون عندما يتعيّن في مكان معيّن فإنه يصبح له ضدّا كل كون في مكان مغاير (لأن الجزء الواحد لا يمكن أن يوجد في نفس الوقت متحيزا في أمكنة عديدة) .ونجد عند ابن متويه في ،هذا الخصوص، صيغا جليّة إذ يقول:”إن الكونين في المكانين ضدّان(التذكرة، ص323 سطر15 وص 353 سطر10 وانظر،نفسه، ص417 أسطر7-8 و ص 473 أسطر1-2)[14]. إن للمجاورة – التي بمقتضاها يكزن الجزء ” مجاورا لجزء آخر – أضدادا هي كلّ المجاورات الأخرى الممكنة و يتحدّث عبد الجبّار تحديدا عن ” المجاورات المتعدّدة” ( انظر، المغني ج9 ص44 أسطر 1-4 و ص 51 أسطر 8-9 و ص 156 أسطر 16-17 و انظر أيضا ، المغني ج7 ص 33 سطر6 وج8 ص 79 سطر5) و يرى الجبائي وأبو هاشم أن الأصوات المكونة للكلام -أي الحروف- متضادة في ما بينها أي أنّ ” الزاي ” مثلا ضدّ للراء” ( وهي وجهة نظر سينكرها الجبائيون المتأخّرون)[15] (انظر، المغني ج7 ص27 أسطر11-13 و ص 38 سطر1 و ص 45سطر 12 والمسائل ص 162 أسطر17-18 والتذكرة ص 337 أسطر 6-7) أما الأشعري فلم يكن ينظر إلى ألأمور على نحو مغاير فهو ،كذلك ،يتحدث عن الحركات المتضادة ( مجرد ص245أسطر9-12) والمماسات المتضادّة ( مجرد ، ص 259أسطر7-10) والأصوات المتضادة(مجرد ص 68 سطر14 و ص 207سطر5) و لكلّ لون،عنده، أضداد هي بقيّة الألوان و ليس ضدّ السواد البياض فحسب بل اللون الأحمر والأصفر( مجرد، ص 236سطر9 و ص 247 أسطر7-8).

غير أنّ الجبائيين يرون أنه لكي يتضادّ كونان أو متجاوران أو اعتمادان إلخ لابدّ أن يكون بين للمعنيين الذين هما من جنس واحد اختلاف ما إذ يختلف الكون في مكان معيّن عن الكون في مكان آخر و يختلف الاعتماد في اتجاه عن الاعتماد في اتجاه مغاير وهذا هو السبب في أن هذين الكونين وهذبن الاعتمادين قد يختلفان إذا كان لهما أن يتواجدا في نفس المحلّ. والذي عليه الحبائيون أنّ ” التضاد يتضمّن الاختلاف، (المسائل ص 117 أسطر 24-25).

 إن العرضين المتماثلين في جميع العناصر لا يمكنهما في نظرهم أن يتضادّا لذلك يقبل الجبائيون أن “يحتمل المحل الواحد الحركتين المثلين ولا تعارض بينهما” ( انظر المغني ج9 ص 83 أسطر 11-12) وبهذا يفسرون ،مثلما رأينا(ص 65)،الفروق في الشدّة التي يمكن أن تميّز العرض الواحد في جسمين مختلفين أو في حالتين متعاقبتين على نفس الجسم و هكذا يذهبون إلى أنّ الجسم يكون أثقل أو أشدّ سوادا وذلك لكثرة أجزاء الثقل أو السواد فيه (انظر.المسائل ص 118 سطر 25 وما يليه) ويكون الصوت أقوى عندما تتجمع في محل وقوعه أجزاء صوتيّة أكثر مما هي متجمعة في محل الصوت الأضعف وتكون اللسعة أكثر إيلاما عندما تكون في كل جزء معنيّ أجزاء من الألم أكثر(التذكرة ص 260 سطر 13 وما بعده)

 يذهب الأشعري أبعد من هذا وهو ما سيخوّل له القول ،رغم كلّ شيء،بأنّ لكلّ عرض ،أيّ عرض، ضدّا و ليس هناك في نظره أي تعارض منطقي بين الضديّة والاختلاف . ومثلما أنّ ما هو مختلف، في الرأي العام،ليس بالضرورة مضادا (الجزء الواحد يمكن أن يكون محلاّ ،في آن واحد، للون والطعم والحركة) راجع.مجرد ص 207 أسطر 14-17 و كذلك ص247 أسطر 3-10و ص 261 أسطر 16-18) فإنّ العكس صحيح إذ يرى الأشعري أن ما هو ضدّ ليس بالضرورة مختلفا و المتماثلات يمكنها هي أيضا أن تتضادّ .

هذه القاعدة الهامّة تستحق أن تصاغ في شكل ” قانون خامس” من قوانين الأعراض.

القانون الخامس: لا يمكن لعرضين متماثلين أن يوجدا في محل واحد:

يقول ابن فورك إنّ الأشعري لم يكن “يعتبر في التضادّ الاختلاف بين المتضادّين بل كان يقول إنّ كل مثلين من الأعراض ضدّان و أنّه يستحيل وجود مثلين من المعاني في محلّ واحد”(مجرد،ص110أسطر 22-24) و” كان يقول إنّ حكم التضادَ لا يختصّ المختلف من الأعراض دون المتماثل…و كان يقول إنّ السواد ضدّ البياض وكذلك السواد ضدّ السواد والبياض ضدّ البياض. وكان يقول:” اختصاص وصف المتضادين متعلق باستحالة اجتماعهما في الحدوث في المحلّ الواحد في الوقت الواحد و أنّه ليس من شرط تضادّهما اختلافهما ولا تماثلهما”(مجرد، ص 261أسطر19-14).

وهذا يصدق على كلّ أنواع الأعراض مثل الألوان والحركات و الصوت والكلام والقدرة والعلم (انظر تباعا، مجرد ص204 أسطر 10-11 و ص 246أسطر 6-7 و ص 245سطر 12 و ص 68أسطر 14-15 و ص 110 أسطر 24-25 و ص 18أسطر 2-3) و على هذه الشاكلة يمكن ،حتّي بالنسبة إلى عرض “البقاء”، أن تكون هناك ضديّة . فالبقاء باعتباره جنسا ليس له ضدّ و لكنّ جزئين من أجزاء البقاء يمكن لهما أن يتضادّا. و كان يقول:” إنّه لا يصحّ حدوث جزئين من البقاء في حالة لجزء واحد من الجواهر لتجانسهما وإحالة وجود جزئين من جنس واحد من الأعراض في محلّ واحد(مجرد ص 239 أسطر7-9)[16].

هذه المقالة المتمثلة في إحالة اجتماع المتماثلات ليست مما اختصّ به الأشعري فلقد استعارها من البلخي (انظر، المسائل 117 أسطر17-19 و208 أسطر15-19و التذكرة ص 259 أسطر 3-7 و ص 494 أسطر 9-10 وaw ص164 أسطر 7-17) و استدلّ عليها بنفس الطريقة التي استدلّ بها عليها البلخي الذي كان يقول إنّ العرضين المثلين إذا وجدا في نفس الجزء فإن عَرَضًا مضادا واحدا يمكن أن يطرأ على ذلك الجزء لينفيْ أحد المثلين على نحو يصير فيه الجزء ،في أن واحد، أبيض أسود على سبيل المثال ( المسائل ص 121 سطر 12-13 والتذكرة ص 262 أسطر1-2 حيث يجب أن نقرأ ” يُنفَى ” عوض “يَبْقَى). يقول الأشعري قولا شبيها بهذا في (اللّمع ، فقرة127) ،معترضا على الفرضيّة القائلة بأنّ القدرة الواحدة يمكن أن تكون قدرة على حركتين توجدان معا ،بأنه لو جاز وجود ” حركتين في موضع واحد في وقت واحد لجاز ارتفاع إحدى الحركتين إلى ضدّها من السكون فيكون الجوهر متحركا عن المكان ساكنا فيه في وقت واحد وهو محال ( نجد نفس الحجة في خصوص “المَيِّتيْن” في اللمع ، الفقرة 139 و راجع أيضا المعتمد الفقرة 253). إن مبدأ استحالة اجتماع المثلين هو الذي يفسّر التعريف الذي احتفظ به الأشعري للجوهر بأنّه ” ما يحتمل اللون الواحد والحركة الواحدة ” و عنده أنّ الجسم وحده لا غير يمكن أن يحتمل أكثر من لون و أكثر من حركة باعتبار أنّ كلّ جسم يتكوّن على من جوهرين أي من جزئين على الأقلّ ( انظر هنا ص 45-46)

لكن كيف نفسّر الفروق في الحدّة داخل نفس النوع من الأعراض إن نحن أقصينا الفرضيّة القائلة بوجود كثرة من الأجزاء المكونة لعرض ما والتي يمكنها أن تتجمع في جوهر واحد ؟ يقدّم الفوركي إجابة عن هذا السؤال قائلا لأصحاب هذه الأطروحة بأنّه إذا ما بدا لنا جوهر أشدّ سوادا من آخر فليس السبب في ذلك وجود جزئين من السواد في الأوّل وجزء واحد في الثاني ولكن لأنّ الأمر يتعلّق بسوادين مختلفين. لقد خلق الله كثرة من السّواد . و كذلك الأمر بالنسبة إلى المتحركين إذا كان أحدهما أسرع من الثاني فليس لوجود حركتين في الأوّل و حركة فقط في الثاني و لكن لأن الله خلق في المتحرّك الأوّل حركة أسرع من الحركة التي خلقها في الثاني (النظاميّة، ص19 سطر 13 و ما يليه)[17]

القانون السادس : لايبقى أيّ عرض:

  نعلم ما هي دلالة الفعل ” بَقِيَ” وهي تواصل البقاء بعد الحدوث . و موضوع النقاش بين المتكلّمين هو معرفة ما إذا كانت الأعراض أو بعضها قابلة للبقاء وإذا كان ذلك كذلك فأي الأعراض تبقى (انظر، مقالات ص 358 -360 وأصول الدين ً،ص 50-52) وقد عمل الجبائيون خصوصا الذين كانوا أنصارا للإجابة الموجبة ( مقتفين في ذلك أثر أبي الهذيل) على تحديد الأعراض ” الباقية” وتمييزها عن الأعراض غيرالباقية. وقد كانت عقيدتهم ،في هذه المسألة، مضطربة مثلما تشهد يذلك خاصة المقارنة بين القائمتين اللتين وضعهما كلّ من البغدادي (أصول الدين،ص51أسطر8-13)[18] وابن متويه (التذكرة ، ص41 أسطر 3-10). و لقد اعتبروا دائما أعراض الألوان والطعوم والروائح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والتأليف(انظر كذلك المغني ج9 ص162سطر24 وما بعده وج11 ص434 سطر 10) و القوّة (المغني ج8 ص50 أسطر12-13 وج9 ص123سطر5 وانظر خاصة المجموع ج2ص 141 وما يليها) واعتبروا الأعراض التالية غير باقية : الصوت (انظر،المغني ج7 ص 34سطر19 وج11ص 459أسطر 17-19 و شرح الأصول ،ص97 سطر8 والمجموع ج1 ص 370 أسطر 8-9) والألم ( انظر،المغني،ج9ص62 سطر17 وص 122 سطر24 وما يليه) و النظر( انظر، المغني،ج9  ص 122 سطر7 والتذكرة، ص 219 سطر 15 ) والإرادة والسهو( المجموع ج2ص 154 سطر 14 و ص367سطر2) والفناء(انظر، التذكرة ص 224 سطر5 وما يليه). وتثير إشكالا أعراض أخرى هي 1)الحركة،التي صنّفها الجبائي في قسم ما لا يدوم من الأعراض، والسكون وقد ميّز بين سكون دائم و سكون لا يدوم ( انظر، مقالات ص 359 أسطر 8-10 والمسائل،ص177 أسطر 14-19) . أطروحتان سيرفضهما أبو هاشم  في الأخير( انظر،المسائل،ص177سطر13والشامل ص 479 سطر3 و ما يليه؛ وص480 سطر1 وما بعده) على نحو أصبحت معه كل الأكوان،عند الجبائيين المتأخرين، أعراضا دائمة (انظر،المغني،ج11ص 434 سطر10 والتذكرة،ص 212أسطر 10-11). 2) الاعتماد الذي صُنّفَ أوَّلا عرضا مستمرا و قد واصل عبد الجبار تصنيفه في هذا القسم (المغني،ج11 ص434 سطر 10) رغم أنّه يبدو من مقاطع أخرى أنّ الاعتماد الداخلي سفلا وعلوا هو الذي يعتبر مستمرا و ليس كذلك الاعتمادات الأخرى المتجهة إلى الجهات الأربع الأخرى ( المغني ج11ص122 أسطر 12-13 ؛ص 138 أسطر 16-18 و انظر أيضا، عبارة “الاعتماد الباقي” في، المغني ج 11ص 164سطر 7 ؛وج7 ص 82 سطر9) وقد وضعه ابن متويه ، أخيرا، خلافا لهذا في صنف ما لا يدوم ذاهبا إلى أنّه إذا استمرّ “الاعتماد الداخلي” فليس ذلك عائدا إلى نوعه و لكن لأنه مصحوب حسب الحالة إما ببرودة أو بيبوسة (راجع، التذكرة ص 41 أسطر 5-9 و ص 214 سطر 16 و ما يليه) . أخيرا نجد عرض ” الاعتقاد” والعلم  الذين كان الجبائي وابنه أبو هاشم يعتبرانهما من الأعراض الباقية في حين سيميل الجبائيون المتأخرون منذ أبي إسحاق بن عياش و القاضي عبد الجبار إلى اعتبارهما من الأعراض غير الباقية ( انظر،المغني ج12 ص 82 سطر 11 وشرح الأصول ص 192 أسطر 6-7 و المجموع ج2 ص 134أسطر3-8) .

مرة أخرى لم يكن الأشعري ليتضايق بهذه التصنيفات . فهو يرى أن القاعدة بسيطة:لا وجود لعرض باق فلكل عرضٍ حكمٌ هو أن يفنى في ثاني ” حال وقته أو في ثاني حال وجوده” و هذا هو كما رأينا (ص81) السبب الوحيد في عدمه وليس السبب في ذلك مجيءَ عرض مضادّ.( انظر، مجرد، ص 12سطر22 وما يليه؛ ص 108أسطر21-22؛ص 230سطر8 ؛ص242أسطر 1-4 ؛ص 246سطر20؛ص 258 أسطر3-5). و يبدو لنا ،تأكيدا، أنّ بعض الأعراض تبقى(اللون على سبيل المثال) ولكنّ الحقيقة ،في هذه الحالة، هي أن الله يخلق في كلّ حين عرضا جديدا في كلّ النقاط المماثلة للعرض السابق إلى درجة أنه يستحيل علينا أن نميّز الجديد من القديم[19](مجرد ص 242أسطر9-11؛و راجع ، المسائل ص 124 أسطر 3-7؛و التذكرة ص 289 سطر18 و ما يليه)

هاهي أطروحة أخرى يستعيرها الأشعري من البلخي – تقول بأنه لا وجود لعرض يدوم ( راجع ، مقالات ص358 أسطر 2-6؛ المسائل ص 122 أسطر7-8 و ص 176أسطر 14-15 وص 177 أسطر 13-14؛ و aw ص 124 أسطر 7-9) و قد أخذها البلخي نفسه عن أستاذ ” بغدادي” من الجيل السابق هو أحمد بن عليّ الشتاوي[20]. حجّة الشتاوي هي التالية : من بين الاحتماليْن هناك احتمال واحد صحيح :أما أن يكون العرض مستمرا/ باقيا  بذاته وهو ما يقتضي أن يكون كذلك ( أي أن يكون “مستمرا في الوجود) لحظة ظهوره ( وهو أمر ظاهر الفساد) أو أنّه باق بعرض هو عرض ” الدوام” وهو مستحيل باعتبار أن العرض لا يمكن أن يكون محلاّ لعرض آخر( مقالات ص 358 أسطر2-5) . هذه الحجّة نعثر عليها، مرّة أخرى،عند الأشعري مصاغة  بنفس العبارات.في اللمع (الفقرة 125) أجاب الأشعري عن السؤال التالي: “و لِمََ زعمتم أنّ القدرة لا تبقى؟ ( يتعلّق الأمر بالقوّة البشريّة طبعا) ” لأنها لو بقيت لكانت لا تخلو أن تبقى بنفسها أو لبقاء يقوم بها فإن كانت تبقى لنفسها وجب أن تكون نفسُها بقاءً لها وأن لا توجد إلا باقية و في هذا ما يوجب أن تكون باقية في حال حدوثها[21] و إن كانت تبقى ببقاء يقوم بها ،والبقاء صفة، فقد قامت الصفة بالصفة و العرض بـ العرض وذلك فاسد”.

القانون السابع : كل الأعراض قابلة للإدراك:

هناك نقطة أخرى شغلت بال المتكلمين الجبائيين وهي معرفة   الأعراض المدركة والأعراض التي لا يجوز لنا أن ندركها. و الذي عليه المتأخرون من الجبائيين ( انظر، شرح الأصول، ص 92 أسطر 8-10 ؛ التذكرة ص 35 أسطر8-12)أن عدد  الأعراض المدركة يقف عند سبعة: ثلاثة منها لا يتطلّب إدراكها  أي عضو من أعضاء الحواس وإنما هي مدركة لنا بمحلّ الحياة من جسمنا وهذه الأعراض هي الألم والحرارة والبرودة ( راجع ، المغني ج4 ص37 أسطر6 -7و ص 38 سطر3) وأربعة لا يمكننا دركها إلاّ بحاسّة محسوسة أي جزء معيّن من بدننا يتوفّر على بنية مخصوصة وهي اللون المدرك بالعين والصوت المدرك بالأذن والرائحة المدركة بالأنف والطعم المدرك باللهاة ( انظر، التذكرة ص 35 سطر 12 و ص 296 أسطر 5-6)

 صحيح أنّ الجبائي كان يرى، من ناحيته، الأمور على نحو أوسع . كان على منوال أبي الهذيل( انظر، مقالات ص 361سطر9 و سطر 16و ما بعده) والبلخي يعتبر أن الحركة والسكون وكلّ الأكوان ليست مدركة لنا إلا بالنظر و اللمس معا وهي مقالة سيردّها أبو هاشم من بعد( انظر، المسائل،ص212 أسطر 20-21 ؛ التذكرة ص 471 أسطر3-5 والشامل ص 483 أسطر 16-18)و قد أدرج الجبائي كذلك ضمن الأعراض المدركة التأليفَ،الذي يدرك هو أيضا بالنظر واللمس،(انظر، التذكرة،ص 515 أسطر 14-16؛ والشامل ص 471 سطر19 و ما يليه) والرطوبة واليبوسة المدركتين لمسًا فقط ( المسائل،ص 233 أسطر3-5 ؛والتذكرة ص609 أسطر 3-4) وبعض “أفعال القلوب” مثل الإرادة والنظر والعلم (راجع،المغني ج6bص25 سطر 12 و ما يليه؛ ج7 ص5 أسطر 13-14 و ص 23 أسطر 11-12)  وهي مقالات مرفوضة كلّها عند أبي هاشم والجبائيين المتأخرين.غير أن أبا هاشم هو الذي سيعتبر الاعتماد مدركا باللمس في حين كان رأي أبي علي مخالفا مثل رأي الجبائيين المتأخرين ( راجع ، التذكرة ص 532 أسطر12-14)

 نعلم بعدُ، في خصوص هذه النقطة،رأيَ الأشعري ( راجع ص 50) فهو يرى أنّ كل موجود ،بفعل أنّه موجود،قابل لأن يُرى و يُسمع و يمكن حينذاك أن يعتبر” مُدْرَكًا” بهذه الطريقة . طبعا ، يبقى هذا الموقف نظريّا ففي الوقائع المحسوسة المعهودة نحن أبعد ما نكون عن سماع كلّ الأعراض ورؤيتها. و لكن هذا مأتاه ، بكلّ بساطة، من ” عَقِِب المعاني ” الموجودة فينا والتي تمنعنا من ذلك ( انظر، هنا ص 83) و سنرى لاحقا ،طيّ هذا العمل، ( ص 175) كيف تدرك ، عادة، مختلف أنواع الأعراض .

القانون الثامن : مهما كان العرض المذكور فإنّ الوصف الملائم ينطبق على الجزء الحامل له .

 يعارض الأشعري ،هنا أيضا، التمييز الذي وضعه الجبائيون بصرامة مبدإ بسيط، صرامة تكاد تكون مستفزة .

هناك تمييز معهود عند المتكلمين الجبائيين هو التمييز الذي يقيمونه بين ” المحل” و ” الجملة ” . المحلّ هو الجزء وهو موضع حدوث كل عرض . أما الجملة فمن المفروض ، عادة ، أن تدل ، في النظر، على” الجملة ” أي على كلّ تجمّع مهيكل من الأجزاء يكون هذا الجزء عنصرا فيه . في الواقع ، يقصد الجبائيون ، عادة، بهذا التنوع المخصوص للـ”جملة” ، هذا الكلّ المنظم الذي هو الكائن البشري الحيّ . و الذي هم عليه – و موقفهم في هذه النقطة شبيه  بمواقفهم في مسائل أخرى  إنّما هو استعادة لموقف أبي الهذيل-( مقالات ص 329 أسطر9-10) أنّ الإنسان يتحدّد باعتباره تأليفا لأجزاء مؤلفة على نحو مخصوص أي” هذه الجملة التي نشاهدها” (المجموع،ج2 ص 241 سطر 3)” أو ” هذه الجملة المبنيّة هذه البنية المشاهدة” ( نفسه،ص 241 أسطر 14-15) . غير أنّ أن الإنسان عند أبي هاشم ،خصوصا،ليس ،حقا، ” هذا الشخص” فقط (انظر، المغني ج11 ص 311 سطر12) إذ يجب ،لكي يكون إنسانا ، أن تنضاف إليه الحياة ( انظر، التذكرة أمبر،122b أسطر20-24) لأن الحياة هي التي تجعل هذه الجملة من الأجزاء ” في حكم الشيء الواحد” (انظر، المسائل، ص 236 سطر4). في الجثّة تتوقّف الأجزاء عن أن تكون جملة[22] و من هنا ذلك التكافؤ الذي نجده ثابتا في المؤلفات الجبائيّة بين عبارتي “جملة” و”حيّ”.

 العقيدة الجبائيّة، من هذا المنطلق ، هي أن هذه الجملة المنظمة التي هي الإنسان وقد أصبحت ” شيئا واحدا” بوجود الحياة فيها تكوّن،فعلا، حقيقة لا تتجزأ وتنوعا وجوديا مستعدة لقبول أوصاف متعددة لا تطلق إلا عليها وحدها. إنّ هذه الجملة ،وليس كلّ جزء من الأجزاء وحده ،هي الحيّ ،القو، العالم ، المريد، المتكلم ،الضارب إلخ  رغم أنّ كل معنى اشتقت منه هذه الصفات كامن في هذا أو ذاك من الأجزاء . إن زيدا ، بقضّه وقضيضه، هو العالم بعلم حلّ في جزء من قلبه . وهو كذلك في كليته الذي يفعل وهو الخاضع للأحكام الشرعيّة وهو الذي يطيع ولا يطيع وهو الذي سيثاب أو سيعاقب ..إلخ.

وعلى هذا الأساس يميّز الجبائيون بين صنفين كبيرين من الأعراض.. هما على حدّ عبارة القاضي عبد الجبار في المغني ج7ص 36سطر4 وما يليه ” ما يختصّ المحلّ” و” ما يختصّ الجملة أو ما يختصّ الحيّ” [23].

ما يختصّ الحيّ هو كلّ عرض ” حكمه مقصور على محلّه” ( راجع،المسائل ص 167 سطر 24 و ص187 سطر 16 و التذكرة ، ص 35 سطر6 و ص 323 سطر7) وهذا حال الأكوان و الألوان والروائح والطعوم و التأليف و الاعتماد إلخ و حتى الألم ( عند أبي هاشم على الأقلّ فأبو عليّ كان له فيه رأي آخر مغاير) ( انظر،المغني ج7 ص 36 سطر 15 و ما يليه).إن كلّ الأعراض القادرة على أن توجد في كلّ جزء مهما كان هذا الجزء ليست في حاجة إلى” بنية ” مخصوصة و إنما هي في حاجة إلى محلّ.في هذه الحالة يبدو الجزء الذي حلّ به عرض ” السواد ” أو عرض” الحركة” هو ذاته أسود أو متحركا.

أمّا ما يختص الجملة أو الحيّ  فكلّ عرض حالّ في محلّ ككل عرض لكنّه رغم ذلك يستمد صفته لا من محلّه و لكن من الكلّ الحيّ ( نعني بذلك الكل البشري) مثل الحياة و القدرة والاعتقاد و العلم والإرادة إلخ ..  تمتاز هذه الأعراض، خلافا للأولى، بحاجتها ،كي توجد ،إلى بنية مخصوصة هي البنية الضرورية للحياة والضرورية في آن واحد لكلّ المعاني التي يقتضي وجودها وجود الحياة. و يسمّي القاضي عبد الجبار الصفات التي توجبها هذه الأعراض بـ” صفات الحيّ” في مقابل الصفات التي يوجبها الصنف الأوّل من الأعراض والتي يسميها ” صفات المحلّ” و يضيف إليهما صنفا ثالثا من الصفات هي ” صفات الأفعال” تلك التي يستحقّها الإنسان “على جهة الفعليّة ” أي من منطلق أعراض ينتجها هو من قبيل الفعل ضارب ومتكلم ومحرك إلخ (انظر، المغني ج6 ب ص53 أسطر4-13 و راجع ،نفسه ص 114 سطر 20)[24] لكن ما يعنينا ،هنا، هو هذا الصنف الثالث من الصفات الذي يجب تقريبها من صفات الحيّ باعتبار أنها هي كذلك تختصّ الجملة لا المحلّ.

يرفض الأشعري هذا التمييز رفضا قطعيّا رغم أنّه  يتصوّر الإنسان تصورا مماثلا للتصور الجبائي. فهو يرى ،كذلك ، أن الإنسان هو” هذه الجملة المبنية بهذا الضرب من البنية المركّبة بهذا النوع من التركيب(مجرد، ص 146 أسطر 6-9 ؛ ص 215 أسطر 7-11؛ ص 291 أسطر 8-12) لكنّ الإنسان عنده يبقى، شأنه شأن أيّ جسم ،تجمّع أجزاء وكثرة جواهر ولا يمكن أن يعتبر وحدة غير قابلة للتجزئة على أي نحو كان . إنّ هذه الأجزاء، لا كليّتها المزعومة، هي التي تعني، بكلّ الاعتبارات، الأعراض التي تحملها سواء أتعلّق الأمر بالحركة أم باللون ولكن كذلك بالعلم والإرادة والقدرة إلخ. يعترف الأشعري أنه توجد، حقّا وفعلا،وحدة للجملة البشريّة و” أبعاض الجملة مسخّرة بعضها لبعض” على نحو لا يمكن معه أن يريد هذا الجزء ،في نفس الوقت، خلاف ما يريده الجزء الآخر.الله يحدث في كل جزء من الأجزاء إرادات و قدرات متماثلة في مسائل الكفر والإيمان بطريقة تجعل كلّ الأجزاء تستحقّ الثواب أو العقاب على حدّ سواء.. لكنّ الاعتقاد بأن هذه ” الجملة ” التي هي الإنسان يستحيل، عمليّا، أن يكون، في آن واحد، كافرا مؤمنا مثابا معاقبا، يعود تقريره إلى الوحي وإجماع المسلمين لا إلى العقل.و يشير الأشعري إلى أنه لا يمتنع في العقل خلاف هذا إذ يجوز، عقلا،أن يكون هذا الجزء من هذه الجملة مثابا وذاك الجزء المحاذي له معاقبا مثلما يقضي العقل بجواز أن يكون هذا الجزء على لون أو طعم وأن يكون ذاك الجزء المحاذي له على لون وطعم آخر( مجرد ، ص 146 أسطر 13-22)[25].

هناك ،إذن، وحدة ظاهرة للجملة البشرية ولكنها تتمثل في توافق أجزائها وهو وفاق اصطناعي صرف يعود إلى إرادة الله وهو عبارة عن ” تناغم” ليس ” مسبق الوجود” و لكنه قائم و متجدد القيام بالله في كل لحظة وهو دائما قابل للانخرام. إن  المؤمن أو الكافر والمثاب أو المعاقب في شخص زيد ليس فردا و إنما هو كثرة من الأفراد أي هذه الكثرة من الأجزاء التي تتكوّن منها ” الجملة ” زيد. و كلّ الذين ( بفضل المشيئة الإلهية ) يحملون هويّة مماثلة له .

الحقيقة الوحيدة هي الجزء/الجوهر و مختلف الأعراض التي يقبلها. إن التمييز الذي أقامه الجبائيون في هذا الخصوص بين صنفين من الأعراض لا معنى له في نظر الأشعري . مهما يكن العرض المعتبر فإن الجزء الذي يحمله ، فقط و دائما ، هو الذي ينطبق عليه الوصف المشتقّ من ذاك العرض . إن العرض الحال في جزء لا يمكن أن يحدد صفة جزء آخر وهذا يصدق على الألوان وعلى القدرة و الحركة والعلم . و مثلما أنّ ” الملوّن ،هو، (أي الجزء/ الجوهر)  ما قام به اللون (مجرد،ص 211سطر 15) و” المتحرك ما قامت به الحركة ( مجرد، ص 262،سطر20) فإنّ ما يدعى بالمعنى الحرفي ” قادرا” أو “عالما” ،هو،  ( أي الجزء/ الجوهر) من  قام  به العلم و القادر من قامت به القدرة (مجرد، ص 338 ص 8-9)[26] وليس الجملة التي ينتمي إليها هذا الجزء .. إن إطلاق هذه الأوصاف على “الجملة” إنْ هو إلاّ محض توسّع و قد وقع تأكيد هذا المبدإ في مواطن كثيرة من المجرد (راجع، ص 15أسطر 17-20؛ ص 108 أسطر 18-20 ؛ ص 134 سطر 18 ؛ ص 146 أسطر 10-12 و 22 و ما يليه ؛ ص 170أسطر 8-9؛ ص 205 أسطر 8-12؛ ص 207 أسطر 15-17 ؛ص 262 أسطر 20-23؛ ص 263 أسطر 21-22 ؛ ص 338 أسطر 8-9)[27].

طبق الأشعري براديكاليته المعهودة  هذه القاعدة  تطبيقا صارما. . ومثلما أنّ الحي القادر المدرك إلخ ليس هو في الواقع الإنسان ( أي جملة الأجزاء) وبلغة أخرى ليس الحيُّ القادرُ المدركُ زيدا أو عمروا وإنّما هو المتصف بهذه الصفات وهو الجزء الحامل المعنى المخصوص فكذلك ليس الإنسان هو المكتسب و لكن الجزء هو الفاعل وهو” المكتسب وهو المطيع و العاصي و هو المثاب و المعاقب” ( مجرد،ص146أسطر 10-12 و ص 205 أسطر 6-7).

وإنه لمن المهمّ أن نلاحظ أن الأشعري ن في هذه النقطة بالذات ، لا يعترض على الجبائيين فقط و لكنه يعترض أيضا على متكلّمين سنيين يدافعون ،هم أيضا،عن كون بعض الصفات لا يمكن إلا أن تنطبق على ” الجملة ” و يقصدون بذلك الصفات المشتقة من الحياة ومن أعراض تقتضي وجود الحياة إضافة إلى الصفات المشتقة من الفعل – والجملة هي التي توصف بكونها حيّة قادرة فاعلة متكلمة ظالمة إلخ . لا يكشف ” المجرد” عن أسماء هؤلاء  المتكلمين ( يكتفي بالإشارة إليهم بعبارة أصحابنا، راجع  ،مجرّد، ص 108 سطر18 ؛ص134 أسطر15-16 ؛ص 146 أسطر 1-3 و9-10) و لكن البغدادي كشف لنا هويتهم إذ يتعلّق الأمر بكل بساطة بابن كلاّب و( خاصة ) القلانسي ( راجع ، أصول الدين ، ص 132 أسطر 9-13 وtf ص 127 a أسطر 9-10؛ص 129bأسطر 13-15؛  ص 170bأسطر 17-20 ؛ ص 299bأسطر12-15).


[1] – في الواقع إنّ كلّ عرض يحدث يكون حدوثه في مادّة (أي في جزء).

[2] رغم أنه بالنسبة إلى أبي هاشم و أتباعه لا يجاب اعتبار الإدراك  عرضا مثلما كان يذهب إلى ذلك  أبو علي الجبائي متبعا أبا الهذيل ( انظرص .84 من هذا الكتاب)

[3] –  الأشعري مثل معاصريه من المعتزلة كان لا يتمثل حياة إلا وهي حيوانية (انظر.ص 129.من هذا الكتاب)

[4] – و الأمر ينطبق في ما يبدو على الصوت ( انظر، ص 125)

[5] – في خصوص هذا التكافؤ الدلالي بين “تعاقب” و تضادّ” يمكننا أن نشير بالتوازي مع ما وجدناه عند الأشعري إلى هذين الزوجين الشاهدين من المغني” إنّ الحيّ يجوزأن يخلو مما يتعاقب عليه (جزء6ب ص 186سطر16) و “إنّ الحيّ عندنا قد يخلو مما يتعدّد عليه من الصّفات( جزء 7،ص137أسطر11-12و ” لولاه لعري المحلّ مما يتضادّ عليه جزء9 ص96سطر14) و ” لو لم يوجد لخلا المحلذ مما يتعاقب عليه ( ج9 ص98 أسطر 19-20)

[6] – لكن يبدو أن الأشعري يقر أحيانا أن للعرض المضادّ بعض التأثير و ذلك عندما يستعمل لتعيينه عبارة ” الماتنع” و هكذا وجدناه يقول عن العمى أنه ” معنى مانع من البصر”(مجرد،ص 83أسطر13-19)و يستعمل العبارات ” ضدّ رؤيته” و ” المانع من رؤيته ” باعتارها مترادفة ( مجرد، ص83أسطر 3-4)حيانا أن الأشعري أن الأشعري يعترف أحيانا أن للحدث المضادّ

[7] – لا يمكن لزيد في آن واحد أن يكون ساكنا و يعلم أه يتحرّك

[8] -من هنا كان التدقيق في تعريف الأضداد بقوله ” مع جنس صاحبه( عوض مع صاحبه  اخنصارا) )مجرد،ص257أسطر20-21و راجع كذلك ص259سطر3 وفيها يقول ” يستحيل وجود جنسه مع هذا الجنس و ص 259سطر 23 ” يستحيل حدوثه مع جنس البياض”

[9] – يمكننا التقريب بين هذا القول و التمييز الذي يقيمه الجبائيون المتأخرون بين ما يسمونه ” تضادّ في الجنس” و ” تضادّ في الحقيقة ” و التضاد في الجنس هو الذي يقابل معنيين / عرضين يستحيل اجتماعهما ضرورة إذا اشتركا في نفس المحلّ ( انظر….ص263أسطر3-5و انظر، نفسه ص220 أسطر 8-15 و ص 463 سطر 14 وما يليه و ص 507 سطر16 و المغني ج11 ص 444 أسطر 12-18)

[10] – لا يفكر الجبائيون في هذه المسألة تفكيرا مغايرا للأشعري، انظر، المجموع ج،277 أسطر11-13 و أنظر كذلك المغني ج6ب ص 66 أسطر 2-4 ص 67أسطر6-7 و ص 131أسطر 2-3)

[11] – انظر، المغني ج9 ص 73سطر23وما بعده و الجزء 14ص198 أسطر2-3 ؛ التذكرة،ص36سطر19 ؛ المجموع ج2 ص 85 أسطر 5-7 . و حول الـتأليف راجع ، التذكرة ص 453 أسطر 10-12 و ص 519

[12] -البلخي هو أيضا يجعل من الموت معنى مضادّا للحياة (Masص235سطر2و 21 . لكنه مقابل ذلك نجده يماثل بين القدرة و العجز و الصحة و المرض ( نفسه،ص 250أسطر 14-15)

[13] – في هذه النقطة أيضا يمتاز الأشعري عن الجبائيين . فهم يقبلون إمكانية أن يكون لنفس العرض ضدّان أو أكثر لكن شرط أن تكون هذه الأعراض هي نفسها متضادّة في ما بينها (أي أن تكون غير قابلة للاجتماع  مع  بعضها ) . هذا هو حال السواد الذي تضادّه بقيّة الألوان بسبب أن هذه الألوان هي  أيضا  متضادّة في ما بينها . غير أنّ الجبائيين يقولون ” لا ينفي شيئين مختلفين غير ضدّين” ( انظر، المغني ج6b  ص62أسطر 4-6؛ص 168 سطر8؛ج9 ص74أسطر1-2؛شرح الأصول الخمسة ص189 سطر1؛مسائل،ص203أسطر3-4وص219أسطر 17-18؛ المجموع ج2 ص 302 أسطر 16-19 ؛ التذكرة ص 257 أسطر 3-5 ) وبفضل هذا المبدإ  أقرّ عبد الجّار بأّنّ السهو ،لو قبلنا أنه معنى وهو ما يعترض عليه القاضي،(انظر، المغني ج6b  ص 63سطر18 وما بعده؛ المجموع ج2 ص 86 أسطر 3-4)، لا يمكن أن يكون ، في أن ، ضدّ العلم و ضدّ الإرادة ( انظر ، المغني ج6b ص 62 سطر4 وما يليه) أنظر كذلك المغني  ج8 ص182 أسطر 12-14و هذه المرة كان موقفه ضدّ أن يكون العجز في ذات الوقت ضدا للقدرة و و الحركة . أمّا الأشعري فإنه يقبل أيضا هذين الشكلين من ” الضدية المتعددة” وعلى هذا الأساس وجدناه يجعل الموت ضدا للحياة و العلم في آن واحد في حين لا يوجد تضادّ بين الحياة و العلم ( انظر ، المغني ص 236 أسطر 6-8)

[14] – انظر أيضا، المغني ج6  aص 167 سطر2 و فيه يقول القاضي عبد الجبار أن الأكوان هب إمّا متماثلة أو متضادّة ، قارن كذلك بالمغني ج6 a ص 167 أسطر 2-9 و التذكرة ص 453 سطر 14 و ما بعده.

[15] – انظر: شرح الأصول الخمسة، ص557، أسطر 8-15؛ المسائل، ص162، سطر 16 وما بعده؛ التذكرة، ص ص336 و339.

[16] – ولا يشذّ عن هذه القاعدة عرض ” المماسة” ، المسمى كذلك بالتأليف و الاجتماع ) وقد رأينا أن الأشعري يقبل أن الجزء يمكن أن يدخل في علاقة مماسة مع ستة أجزاء لأخرى (راجع ، هنا ص 60) وهو ما يقتضي وجود ست مماسات فيه في أن واحد ( راجع هنا ص 79) وهي مماسات لا تتعارض و لكن السبب في عدم تعارضها يعود إلى كونها ليست متماثلة و لا يمكن لمماستين أن تتشابها إلا إذا كانتا في جهو  واحدة ( مجرد ص 204 ىأسطر 10-13و ص 259اسطر 7-10) كذلك تتماثل الحركتان  في جهة واحدة و تختلف  الحركتان في جهتين مختلفتين

[17] – حسب الفوركي ظلّ هذا الموقف موقف غلب الأشاعرة و نجده على كل حال لدى الجويني ( راجع ، الشامل ص 156 أسطر 7-8 حيث يقول : كلّ مثلين من الأعراض متضادّين ” راجع كذلك، التاذكرة ص 259سطر6 و لا بد من الإشارة إلى أن الفوركي نفسه  الذي يقول قي ص20a سطر8 أنه يعتبر هذا الموقف الأصح  لا يتورع في موضع آخر غير بعيد عن هذا عن مساندة وجهة النظر المضادة  ( ص 43b سطر 13 و ما يليه)

[18] – راجع كذلك ، المقالات ص 359 أسطر 8-14

[19] – وذلك بفضل ظاهرة شبيهة بظاهرة الصورة السينمائية

[20] – مجرد.ص 279/ 893 ؟ . وععن هذا الشخص ، راجع الفهرست ص 218 و فضل الاعتزال ، 74 أسطر 20-22 و ص 300  أسطر 7-11

[21] – وهو أمر ظاهر الفساد لأن كلّ حادث لا يمكن أن  ” يتواصل وجوده” ( أي أن يبقى )إلا إلى الوقت الذي الذي يعقب حدوثه . وكان الأشعري يقول في الأجسام  بأنها لا يمكن أن توصف بكونها باقية إلا في ا” الحالة الثانية من حال حدوثها”. و أنه يوجد توافق بين المتكلمين القدماء منهم و المحدثين على أنه لا يصح أن يقال عن الأجسام أنها باقية  في الحالة الأولى لوجودها ( مجرد، ص 238 أسطر 7-10 و انظر كذلك ص 239 أسطر 13-14)

[22] – انظر في خصوص هذا كلّه ، فرانك beings الفصل الثاني.

[23] – أنظر كذلك تقسيما إضافيا في ، المغني ج6ب ص 162 أسطر 3-7 و جزء 11 ص 87 أسطر 17-21 و راجع فرانك   beings( الموجودات) ص 95 و ما يليها.

[24] – في الحقيقة ، العلم والاعتقاد و الإرادة هي أيضا أعمال للفاعل . لكن الأمر، عند الجبائيين، مختلف بسبب أن مثل هذه الأعراض  -على أصول أبي هاشم – من المفروض أن توجب للفاعل  أحوالا و أنه، في هذه الحالة ، تعرف الحال أوّلا و انطلاقا من الحال يحدد العرض المنسب لها . أما صفات الفعل فالعكس هو الذي يحدث إذ نعرف أولا الفعل و انطلاقا من ذلك نصف الفاعل بالوصف المناسب له ، راجع في هذه المسالة ” النظريات ” ص 275.

[25] – حسب ألكيا الهراسي ( أصول ص 44 أ أسطر 2-7)ان الأشعري قد يكون استخلص حجة من أنه إذا كان حضور عرض في جزء من أجزاء الكلّ البشري يقتضي تحديد صفة لهذا الكل باعتباره متصفا بهذه الصفة فإن ذلك قد يكون من نتائجه ، على سبيل المثال ، أن الإنسان يكون ، في الوقت الواحد، متصفا بالقدرة و العجز إن هو عجز عن حمله بيد واحدة . ، في الوقت الواحد ، قدر على حمل ثقل معين بيديه و

[26] – مصطلح ” الجزء” ليس دائما ضمنيا بل نجده  مذكورا حرفيا مثلما يبدو في ( مجرد ص 108 سطر 18 (المستطيع في الحقيقة هو الجزء الذي قامت  الاستطاعة به) أو كذلك في ص 263 سطر 21 (المدرك بالإدراك الجزء الذي قام به إدراك).

[27] – كان فرانك مخطئا فعلا عندما كان قديما يسند للأشعري ، حول هذه النقطة ، موقفا مماثلا لموقف الجبائيين. يقول ” في حالة بعض الأعراض من قبيل النظر و  الرغبة  و الفعل  و الكلام ورغم أن العرض يحل ماديا فقط في جزء مخصوص  من الكائن الذي  يحل به فإنه يتصل بكل الكائن ( J .A.O.S° العدد 18 / 1968 ص 307 أ. و راجع كذلك نفس  المرجع ص 309 ب) . و” الحق ، أنّ فرانك لم يكن يماك آنذاك ليبت في الأمر إلا اللمع ، فقرة 45 حيث نقرأ حرفيا في الأسطر 9-11 بأنّ حلول الكلمة في محلّ يقود حتما عن طريق الاشتقاق إلى وصف ” الجملة” التي ينتمي إليها هذا المحل بأنها متكلّمة . و من هنا يمكن أن نستخلص بأنّ عقيدة الأشعري قد لا تكون عقيدة ثابتة متجهة على نحو صارم في الاتجاه الآخر كما يقرر ذلك ابن فورك