مجلة حكمة
الطريق إلى بني قريظة

الطريق إلى بني قريظة – طلال صالح العجمي


الطريق إلى بني قريظة

تمهيد …
يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت ( عليك أن تتحلى بالشجاعة لتستخدم عقلك ) . ويقول رينيه ديكارت – الفيلسوف الفرنسي – ( عليك أن تشك لأقصى حد ولو لمرة واحدة في كل شيء ) . الشك طريق اليقين , والوثوقية تحيل الإنسان إلى كائن كمبيوتري تساوي المدخلات عنده المخرجات , إذ يفقد أهم صفة في كونه إنسان وأعني بها قدرته التي أودعها الخالق فيه لطي المسافة من الخطأ للصواب .. بناء على ماسبق فإني سأعيد النظر في قصة قبيلة قريظة اليهودية , وما جرى عليها من أحداث مشهورة إثر موقفها السلبي من المسلمين في غزوة الخندق / الأحزاب .. وحتى يكون القارئ على بينه فإنني أشك في وجودقبائل اليهود الثلاث , ( بنو قينقاع وبنو النظير وبنو قريظة ) , غير أني سأقتصر هنا على بحث مسألة بني قريظة فقط .. ولتكن البداية برواية القصة مختصرة ..

ما جرى لـ بني قريظة …
تروي كتب السير أنه بعد جلاء قبيلة النظير من المدينة على خلفية محاولتهم إغتيال النبي الكريم , ذهب بعضهم إلى خيبر وبعضهم الآخر إلى الشام , وكان فيمن ذهب إلى خيبر زعيمهم حيي بن أخطب , ومن هناك بدأ يحيك مؤامرة كبرى على المسلمين طلبا للثأر وردا على إجلائهم .. وكان تخطيطه يقوم على تأليب القبائل على غزو النبي ومن معه في المدينة من الخارج في الوقت الذي تدهمهم قريظة من الداخل , بحيث يكون المسلمون بين المطرقة والسندان فيقضى عليهم قضاء مبرما ويتم إستئصالهم مرة واحدة وللأبد ..

وفي سبيل ذلك سافر إلى مكة لعرض الفكرة على قريش وتحريضها على المسلمين , فأجابته قريش من فورها , فطلب منهم تزويده بألفي مقاتل حتى يكونوا مع بني قريظة عند ساعة الصفر , بحسبان قريظة لا تستطيع إحداث الفارق في المعركة المنتظرة بإمكانياتها المحدودة .. ثم توجه لقبيلة غطفان والتي على مايبدو أنها لم تكن تمتلك الحماس والدوافع الكافية للإشتراك في الحرب , فأغراها ماديا بأن أعطاها تمر خيبر لمدة عام فأجابته .. وهكذا جرى الأمر حتى ألب عدد آخر من القبائل – كما تروي كتب السيرة – من ضمنها بنو أسد وسليم ..

بلغت أخبار الإستعدادات الضخمة للنبي الكريم , وبعد مشاروات بينه وبين أصحابه إستحسن النبي رأي سلمان الفارسي بحفر خندق يمنع الأحزاب من دخول المدينة , بإعتبار أن المدينة محصنة شرقا وغربا بالحرتين , وجنوبا بالأحراش فيما عدا منطقة الجنوب الشرقي التي تسكنها قريظة , والتي ترتبط بعهد مع المسلمين , وعلى الفور بدأت أعمال الحفر , وشارك النبي فيها بنفسه , وأتموا الحفر قبل وصول الأحزاب ببضعة أيام .. تفاجأت الأحزاب بالخندق , إذ لم يكن هذا الإجراء العسكري مألوفا لمقاتلي الجزيرة العربية .. فضربوا خيامهم حوله وحاصروا المدينة .. في أثناء ذلك كان حيي بن أخطب قد أقنع كعب بن أسد زعيم قريظة – بعد لأي وتمنع – بمساندة الأحزاب , طبقا للخطة الموضوعة سلفا .. بلغ النبي خبر نقض قريظة للعهد فأرسل أربعة من أصحابة للتأكد من ذلك , فوجدوا أن الخبر صادق , بل وزادت قريظة على ذلك بأن تلفظت بالسوء على النبي الكريم … حينها بدأ المنافقون بمحاولة تثبيط العزائم وضرب الروح المعنوية المرتفعة للمسلمين في مقتل .. ومحاولاتهم تلك سجلها القران في كتاب يتلى إلى يوم الدين ..

مع طول الحصار بدأ التململ يصيب الأحزاب , خصوصا مع نقص المؤونة إذ توقعوها حربا سريعة خاطفة لا تأخذ كل هذا الوقت .. في تلك الأثناء جاء نصر الله للمؤمنين , بأن أرسل الله على المعتدين ريحا باردة كفأت قدورهم وأوقعت خيامهم وأطفأت نارهم , فولوا مدبرين – بعد أمر قائد الحملة أبو سفيان – لايلوون على شيء .. وكفى الله المؤمنين شر القتال .. بعد أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر , كما صور حالهم القران .. عاد النبي الكريم وصحبه إلى المدينة ظهرا .. وما أن إغتسل حتى جاءه جبريل بالوحي يأمره بالتوجه إلى بني قريظة .. فخرج من فوره وأمر بلالا أن ينادي في الناس من كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة …

عندما وصل الجيش إلى بني قريظة تحصنت في حصونها , وفي البداية بدأت بالمراماة بالسهام .. ولكنها لم تكن ذات جدوى .. فقذف الله في قلوبهم الرعب فحاولوا مصالحة الرسول وصحبه على نفس شروط قبيلة النظير – بأن تحقن دمائهم ولهم ذراريهم ونسائهم ويجلون من المدينة ومعهم ماتحمله ركابهم – فأبى النبي إلا أن يسلموا أنفسهم دون قيد أو شرط ليحكم فيهم بما يشاء .. وبعد أيام أخرى من الحصار وبعد أن تيقنت قريظة من الهزيمة عرض عليهم زعيمهم كعب بن أسد ثلاث خصال ليختاروا أنسبها لهم ..

عرض عليهم أن يسلموا ويتبعوا النبي الكريم حيث أنهم ( يعلمون ) أنه نبي حقا .. فأبت قريظة وقالت لا ندع التوراة .. فعرض عليهم أن يقتلوا نسائهم وأطفالهم ثم يقاتلوا النبي فإن إنتصروا كان بإمكانهم تعويض النساء والأبناء وإن دارت الحرب عليهم لم يلحقهم عار السبي .. فأبت قريظة أيضا وقالت ما الخير في حياتنا بعد نسائنا وابنائنا ؟ عندها عرض عليهم عرضه الأخير وهو أن ينزلوا ويقاتلوا النبي في السبت , حيث أنه – النبي الكريم – يعلم أنهم لايحدثون شيئا في سبتهم , وبذلك يتحقق عنصر المفاجأة .. فأبت قريظة أن تحدث شيئا في السبت … عندها لم يكن أمام زعيمهم وأمامهم أيضا إلا تسليم أنفسهم وإنتظار حكم النبي فيهم …

حاول الأوس – وكانوا حلفاء قدماء لبني قريظة – أن يشفعوا في مواليهم ليحقن النبي دماءهم , فقال النبي ألا ترضون يامعشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا بلى ..فأمر النبي بإحضار زعيم الأوس – سعد بن معاذ – والذي كان يعاني مرضا شديدا على إثر سهم أصابه في الخندق , فحملته الأوس من خيمته وأخذوا يغرونه بالإحسان إلى قريظة .. وقالوا ما ولاك الرسول أمرهم إلا لتحسن إليهم . فلما كثر الحديث قال ( لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم ) ..- فرجع بعض من كان معه إلى المدينة بعد أن تيقنوا إلى أن الحكم لن يكون وفق مافي نفوسهم …

وعندما بلغ سعد بن معاذ – رضي الله عنه – إلى حيث يجتمع الجميع ,قالوا له يا أبا عمرو ، إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم ؛ فقال سعد بن معاذ : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، أن الحكم فيهم لما حكمت ؟ قالوا : نعم : وعلى من هاهنا ؟ في الناحية التي فيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو معرض عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إجلالا له ؛ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : نعم قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال ، وتقسم الأموال ، وتسبى الذراري والنساء . عندها قال النبي ( لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ) … فأقتيد الرجال فكانوا في دار أسامة بن زيد بينما كان السبي في دار بنت الحارث النجارية , ثم خدت أخاديد في سوق المدينة وأخذ إليها الرجال أرسالا – على دفعات – فتضرب أعناقهم , وكانوا بين الأربع مائة والتسع مائة بإختلاف الروايات …
وهكذا أسدل الستار على قصة قبيلة قريظة ..

 

المناقشة …

1) الوجود اليهودي في الجزيرة العربية

إن نظرة فاحصة على أماكن تواجد اليهود في الجزيرة العربية تبعث على الشك في كون هذه القبائل طارئة على المنطقة .. إذ أن تواجدها في أخصب المناطق وأوفرها مياها وفي جزيرة صحراوية قاحلة – في غالبها , يتقاتل أهلها على الشاء والبعير – لايقبله عقل ولا منطق ولا علم تاريخ ولا إجتماع ولا أنثربولوجيا ولا أي علم له علاقة من قريب أو بعيد بحركة التاريخ .. لايمكن لقبائل ليست أصيلة في المكان أن تحل تلك الأماكن – المدينة وخيبر ووادي القرى و تيماء على سبيل المثال – إلا من خلال حملة عسكرية ضخمة – وهذا مالم يقل به أحد – تخضع البلاد والعباد .. الواضح إن تلك القبائل عربية تدين بالديانة اليهودية , كما كانت هناك قبائل مسيحية وكما كان هناك أحناف ووثنيين لكل قبيلة منهم معبودها الخاص .. ذلك أن الجزيرة العربية كانت قبل قرنين من البعثة النبوية موئلا للحريات الدينية , حيث يقصدها كل من أضطهد في دينه أو في مذهبه داخل الديانات القائمة أنذاك .. وهذا له أسبابه الإقتصادية والسياسية التي تتعلق بالقوتين الرئيسيتين في ذلك الزمن وأعني بهما فارس والروم , وربما لم تقع حروب على أسس دينية فيما عدا مقتلة أصحاب الأخدود والتي لها بدورها أسبابها السياسية إضافة إلى الدينية . وربما أضفت إيذاء زيد بن عمرو بن نفيل وكان حنيفا لسب أصنام قريش فأوذي لذلك .. فإن كان هذا هو الحال فإن تواجد يهود عرب في الجزيرة العربية هو أمر طبيعي وفي سياقه …

 

2) صحيفة المدينة …

وهي دستور كتبه النبي الكريم حين قدم المدينة ,ووقعت عليه جميع القبائل المتواجدة في المدينة في ذلك العهد .. وأيا يكن الكلام في مدى ثبوته ,وإن كان قد كتب دفعة واحدة أو على مراحل , إلا أن الثابت هو خلوه من ذكر القبائل الثلاث ( قينقاع والنظير وقريظة ) …

 

3) خديعة نعيم بن مسعود

وكنت قد أجلت الحديث في هذه الجزئية من القصة لظني أنها بحاجة إلى قراءة منفصلة وأكثر تركيزا . كان نعيم بن مسعود في جاهليته مولعا بالشراب والنساء , وكان كلما إشتاق لتلك المجالس قصد المدينة متوجها إلى بني قريظة , ومن كثرة الترداد عليهم توثقت العلاقات بينه وبين القوم .. ثم إن نعيما – رضي الله عنه – كان مع قومه غطفان في غزوة الأحزاب , وبعد أيام من الحصار وفي خلوة مع النفس أشرق نور الإيمان في قلبه , إذ رأى أنه من غير المقبول قتال رجل يدعو لمكارم الأخلاق ولم ينلهم منه أذى .. حينها تسلل في جنح الظلام إلى حيث رسول الله وجاءه مسلما .. وطلب من الرسول أن يأمره بما يشاء مخبرا إياه بأنه لايزال يكتم أمر إسلامه عن الجميع هناك .. حينها أوصاه الرسول بأن يعود إلى قومه ويخذل عنهم – عن المسلمين – بحسب إستطاعته ..

فقدحت في رأس نعيم فكرة قرر تنفيذها فورا .. فتوجه إلى بني قريظة , وقال : إنكم تعلمون ودي لكم وصدقي في نصحكم , فقالوا نعم ما أنت عندنا بمتهم .. فقال لهم .. إن لقريش وغطفان في هذه الحرب شأنا غير شأنكم , فهم يقاتلون في غير ديارهم فإن غنموا فبها وإن أخفقوا عادوا لديارهم امنين , وتركوكم لمحمد وانتم تعلمون أن لاقبل لكم به .. ثم نصحهم بأن يأخذوا سبعين رجلا من أشراف قريش وغطفان كرهائن حتى يضمنوا عدم فرارهم .. فقالوا نعم الرأي .. ثم عاد إلى أبي سفيان فأخبره أن قريظة قد نقضت إتفاقها معهم وأعادت إتفاقها مع النبي , وسيسلمونه سبعين رجلا من قريش وغطفان ليضرب رؤوسهم كدلالة على صدق عهدهم الجديد .. عندها أرسل أبو سفيان ولده إلى قريظة ليتأكد بطريقة غير مباشرة من الخبر . فلما بلغهم قال : أبي يقرئكم السلام ويخبركم بمللنا من حصار محمد وأننا قد عقدنا العزم على قتاله , فإن كان الغد فنازلوه . فقالوا له إنه السبت ونحن لا نعمل فيه شيئا , ثم إنا لانقاتله حتى تعطونا سبعين من أشرافكم وأشراف غطفان حتى يكونوا عندنا رهائن ..

فلما بلغ الخبر القوم قالوا . خسئ أبناء القردة والخنازير , لو طلبوا منا شاة كرهينة مادفعناها إليهم …
وهكذا دق نعيم بن مسعود إسفينا بين الحلفاء , فبقوا على حالهم حتى جاء النصر من الله بالريح كما تقدم …
حسنا , هذا ماكان من أمر نعيم في الحرب ..
والحقيقة إن هذه الرواية تبدو متهافته ومن النظرة الأولى ..
فالسؤال البدهي المنطقي هو ..
لماذا لم تدخل الأحزاب إلى المدينة من جهة قريظة ؟ أقصد لماذا لم يفعلوا ذلك فور رؤيتهم للخندق ؟ وهم مايزالون حتى الان – ولأسابيع قادمة – على وفاق مع بني قريظة ؟
بل نعيم بن مسعود من أي طريق تسلل للمسلمين ؟ من جهة قريظة ؟ إذا يسع الأحزاب ماوسعه ؟
ثم كيف يطلب أبو سفيان من قريظة منازلة محمد وهو يعلم أنه لاقبل لهم به ؟ ولو إفترضنا أنه سينجدهم , فكيف سيفعل والخندق يحول دون ذلك ؟

من جهة قريظة ؟ فلماذا لم يفعلها من اليوم الأول الذي تفاجئ فيه بوجود الخندق ؟
من المعروف إن الحصار العسكري لايكون إلا إذا كان المكان المراد غزوه منيعا , فيضرب الحصار على أمل أن يستسلم من بالداخل لنقص المؤونة أو لشراء ذمة أحدهم حتى يوجد طريقا للداخل , بينما الأحزاب لديها هذا المنفذ سالكا وبإنتظارهم , فما جدوى الحصار ؟

بل إن لحظة تأمل في قوله تعالى في سورة الأحزاب وهو يصف مشهدا من مشاهد الحصار ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله و رسوله إلا غرورا (12) وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وماهي بعورة إن يريدون إلا فرارا (13) ) تكشف زيف الوجود القرظي , إذ لو كان هناك في داخل المدينة من يستطيع الإغارة على النساء والأطفال في أماكن تجمعاتهم في الآظام لكان لقولهم حظه من النظر , متى ماعرفنا أن يهوديا قد تسلل إلى حيث النساء منفردا مما إضطر صفية– رضي الله عنها – لقتله حيث لايوجد أي حراسة . فإن كان هذا هو الحال مع أماكن تجمعات محدودة للنساء فكيف يمكن حراسة المنازل في المدينة من السرقة ؟ ذلك الأمر يبدو متعذرا , فالمسلمين بحاجة لكل سيف على جبهات القتال . ولكن لأن كل تلك الروايات حول مخاوف أمنية في المدينة غير صحيحة – فيما أرى – رد القرآن بشكل واضح وحاسم وجلي فقال ( وماهي بعورة ) ..

وهذا في ظني يعني أن القران – بلسان الحال – يقول بأن الأوضاع مطمئنة في الداخل ولايوجد مبرر للخوف , ومما يشي بذلك أن الواحدي في كتابه أسباب النزول يروي أن عباده بن الصامت – رضي الله عنه – قال للرسول – صلى الله عليه وسلم – يوم الأحزاب إن معي خمس مائة من اليهود وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو , فإن كانت بنو قينقاع والنظير قد أجليتا , فيما نقضت قريظة العهد فمن أين له بخمس مائة من اليهود ؟ ولكن لو كانت تلك القبائل الثلاث وهمية ولا وجود لها فإن الخمس مائة رجل يهودي هم من تلك القبائل الموقعة على صحيفة المدينة . والتي ينص أحد بنودها على الدفاع عن المدينة متى دهمها العدو …
هذا مع أني أرى أن تجميع النبي للنساء والذراري في نقاط محددة صحيح , وله سببه العسكري الوجيه . فهو يعتبر إجراء إحترازي أخير فيما لو سقطت المدينة لا سمح الله

مثل هذه الحكاية – حكاية بقاء الأحزاب خلف الخندق مع وجود ثغرة من جهة قريظة تمكنهم من الدخول – تصلح في مشهد كوميدي , حيث يكون الحل واضحا جليا أمام بطل الحكاية الغبي ولكنه لا يراه ويبحث عن غيره , المشهد بالفعل يستدر الضحك , ولكن هذا غير مقبول في الأدب الجاد ناهيك عن الوقائع الحقيقية ..
هذه القصة لوحدها كفيلة بنسف حكاية وجود قريظة , فلو كان هناك ثغرة يمكن الدخول منها فلن تنتظر الأحزاب ساعة واحدة وراء الخندق , خصوصا ورغبتهم في القتال حقيقية لا مسرحية . فهاهو عمرو بن ود يعبر الخندق ليواجه لوحده الالاف ..
بقي أن أذكر بأن قصة نعيم بن مسعود وردت في سيرة ابن هشام بلا سند , فيما لايقرها أهل الحديث , وهذا يضاعف المشكلة . فعلى الأقل يعطي ابن هشام سببا لعدم دخول الأحزاب من جهة قريظة بعد أن حدث الخلاف بعد أسابيع من الحصار , فيما يبقى الوقت مفتوحا للأحزاب حتى نهاية المعركة بحسب أهل الحديث , وهو مايضاعف من علامات الإستفهام ؟؟؟

الحقيقة أن أكثر ما أثار عجبي ليس غرابة هذه الحكاية , بل كيف تم قبولها وتمريرها ؟

 

4) لايصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة

وكانت قد مرت معنا هذه الجزئية من الرواية .. إلا أن تمامها هو أن الجيش قد سار من فوره إلى بني قريظة . وبينما – بعض من الجيش -هم في الطريق رأوا أن الشمس تنحو للمغيب فخافوا فوات صلاة العصر عليهم .. فتباينت مواقفهم , بعضهم صلاها والبعض الآخر تمثل الأمر النبوي بشكل حرفي فصلوها عشاء آخره عند وصولهم .. ولما بلغ النبي ماحدث أقر الفريقين ولم يعنف أحدهما ..
جدير بالذكر أن الرواية وردت في صحيح مسلم ب ( لايصلين أحدكم الظهر ) بينما وردت في صحيح البخاري ( بالعصر ) .. وقد قيل أن السبب يعود لكون التحرك كان ظهرا وبعضهم قد صلاه فقيل له لاتصلي العصر إلا في بني قريظة , ومن لم يصله قيل له لا تصلي الظهر إلا في بني قريظة ..
الغريب في هذه الحكاية أن بين المسجد النبوي حيث تحرك الجيش وبين مسجد بني قريظة حيث صلى الرسول أثناء حصاره للقوم , حوالي الخمسة كيلو مترات في أقصى حد , وهذه المسافة البسيطة يقطعها الشخص العادي في ساعة , فمن المعروف طبيا إن الإنسان الطبيعي يقطع مشيا حوالي الخمسة كيلو مترات في الساعة إذا كان مشيه صحيا , ويمكن لأي شخص أن يجرب بنفسه ..
هذا مع الشخص العادي فكيف هو الحال مع مقاتلين أشداء بلياقة مرتفعة , حيث أنهم للتو أكملوا حفر خندق بطول خمسة الآف ذراع , ناهيك عن الدافع القوي المتمثل في الإستجابة للأمر النبوي , والذي جاء بصيغة غاية في الشدة ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر … ) ؟

فإن كان الحال كذلك , فكيف إستغرق البعض زهاء الست ساعات – من الظهر حتى المغرب – في مسافة لا تحتاج لكل ذلك الوقت ؟
ومايثير شيء من الغرابة أن الحديثين إختلفت في اللفظ مابين البخاري ومسلم مع إتفاقها في السند ..
عموما تظل هذه الملاحظة إجتهاد شخصي ربما أصبت فيه وربما أخطأت .. لكني وجدته جديرا بالتسجيل …

 

5) سعد بن معاذ يحكم بحكم الله ..

ومع حكمه أحاجج في نقطتين رئيسيتين ..
أ‌) فأنا أذهب إلى ماذهب إليه المفكر السوداني محمد أبو القاسم حاج حمد – رحمه الله – حيث يرى بأن ألفاظ الرسول قرانية , بمعنى أنها يجب أن تتفق مع طريقة القران في توظيفها , لأنه من غير المعقول أن يستخدمها الرسول بصورة تختلف عن تلك التي يستخدمها القران . ومن هذا المنطلق فإن حكم سعد يجب أن يكون موجودا
بنصه أو قريبا منه في المعنى في القرآن , لأن الإستخدام القرآني لمصطلح – إن جازت التسمية – ( حكم الله ) وردت هكذا في قوله تعالى ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله … الآية )
والحاصل أن القران لايوجد فيه آيه تدل على حكم كهذا , فيما أعلم , وأنا على كل حال لا أعلم الكثير ..
ثم إذا كان هذا حكم الله , وكان سعدا – رضي الله عنه – قد أخذ موافقة الفريقين عليه قبل النطق به , فكيف قبل الرسول إبتداء شفاعة ثابت بن قيس في صاحبه القرظي ؟ لا أدري حقيقة مدى وجاهة التساؤل ولكنه بكل الأحوال يبقى مطروحا ..

ب‌) لماذا لم يحكم الرسول في بني قريظة بذات حكمه في بني النظير ؟
خصوصا وأن بني قريظة قد طلبت من الرسول أن يفعل بهم مافعله ببني النظير , ولكنه أبى ..
وداعي هذا التساؤل , أن الحالتين تكاد تتطابق ..
فبني النظير كانوا قد تآمروا على إغتيال الرسول – على فرض وجود قبيلة بذلك الإسم – بمعنى آخر أنهم كانوا بالفعل سيقضون على المشروع الرباني قبل أن يكتمل , حيث لن يكتمل إلا بعد نزول ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) .. وماذا كان سيفعل المسلمون دون الرسول وقبل إتمام المشروع النبوي وتكوين دولة قوية مكتملة التشريع ؟
إن وأد التجربة الإسلامية في بداياتها مع بني النظير – في ظني – لايختلف مع نفس المحاولة لذات الهدف مع بني قريظة , فإن كان الحال واحد -كما أتوهم – فلماذا إختلاف الحكم ؟ خصوصا وأن الرسول لاينطق عن الهوى ؟
ربما أن في هذا تفصيلات يجيدها أهل الإختصاص من المشتغلين بالعلوم الدينية , وهذه فرصة لطرحها عليهم …

 

6) إمرأة تواجه الموت …. ضاحكة

ودعونا نستمع لأم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – وهي تروي هذه القصة العجيبة تقول عائشة ’ لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت : والله إنها لعندي تحدث معي تضحك ظهرا وبطنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق ، إذ هتف هاتف باسمها : أين فلانة ؟ قالت : أنا والله قالت : قلت لها : ويلك ما لك ؟ قالت : أقتل . قلت : ولم ؟ قالت : لحدث أحدثته . قالت : فانطلق بها فضربت عنقها . وكانت عائشة تقول : فوالله ما أنسى عجبا منها ؛ طيب نفسها وكثرة ضحكها ، وقد عرفت أنها تقتل .

والسؤال هنا .. ألم تكن النساء في دار بنت الحارث النجارية ؟ فما جاء بها إلى دار أم المؤمنين ؟ ثم إذا إفترضنا أنها قد عزلت -بعد التحقيق معها – حتى يتم تنفيذ الحكم فيها , فكيف لا تخبر عائشة بحقيقة ضيفتها ؟ حتى تأخذ حذرها منها على الأقل ؟ ألم يخشى على أم المؤمنين منها ؟ ثم كيف تتعامل المرأة القاتلة مع أم المؤمنين بكل هذا التبسط والأريحية وهي عدوتها بالطبع ؟ بل كيف لم تحاول قتلها وهي قد قتلت صحابيا بالفعل من قبل ؟
أسئلة كثيرة في هذه الجزئية لم أجد لها إجابة منطقية يقبلها العقل …

 

7) آيات نزلت في بني قريظة …

يقال أن الآيات التالية قد نزلت في بني قريظة ( وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا (26) وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قدير (27)

وللوهلة الأولى تبدو الآيات تحكي بالفعل قصة حصار النبي وصحبه لبني قريظة وماتلاها من أحداث , ولكن بقليل من التأمل نجد أن الآيات تحكي قصة أخرى ..
فهي تتحدث عن قتال حقيقي كان نتاجه قتل فريق وأسر فريق آخر , بينما في القصة المزعومة لايوجد قتال , إذ الجميع أسرى بعد تسليم أنفسهم دون قيد أو شرط ..
كما أن الآيات تتحدث وبصيغة الماضي – أورثكم – عن وراثة أراضي القوم ومعها ( وأرضا لم تطئوها ) , وهذا مالم يحدث , فالمسلمين ورثوا بالفعل أرض بني قريظة ولكنهم لم يرثوا أرضا أخرى غيرها في تلك الأثناء ..
وللخروج من هذه الورطة فكك المفسرون الآية وأعادوا تركيبها وأعتسفوها إعتسافا حتى تتفق مع قصة قريظة كما روتها كتب السيرة …
وبما أني أشك بوجود قبيلة قريظة من الأساس , فإني أذهب إلى أن الآيات الكريمة تتحدث عن خيبر , وخيبر بالفعل هي مركز التأليب على المسلمين في غزوة الخندق , بل إن قبيلة كبيرة كغطفان لم تكن لتوافق لولا إعطائها تمر خيبر لمدة عام , وفي معركة خيبر تبدو الآيات منسجمة تماما مع وقائعها , فالمعركة كانت من أشد المعارك على المسلمين .. إذ أنهم وفي طريقهم لخيبر قد تحملوا أعباء جسيمة , وهم يعرفون أنهم يواجهون قوة كبيرة تقدر بعشرة الاف مقاتل مقابل ألف وثمان مائة مقاتل مسلم , إضافة لحصون منيعة وعديدة قل نظيرها , وزيادة على ماسبق فإن الطريق إليهم يمر بحلفائهم غطفان مما يضاعف المشكلة ,وهذا ماحدث حيث خرجت غطفان لإعتراض طريق الجيش المسلم , ولكنهم إذ ذاك أحسوا بهجوم على ديارهم فعادوا لها بسرعة وخلوا بين النبي وبين يهود خيبر , لك أن تتلمس شيئا من التوجس من المعركة لدى الجيش الإسلامي وأنت تقرأ لحداء أحد الشعراء في الطريق إلى خيبر , وهو ينشد :
وأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا
هذه الأجواء هي التي يكون فيها طلب المدد الرباني – لاشعوريا – آكد من معركة قريظة التي تميل الكفة فيها – من حيث العدد والعدة – لصالح المسلمين , وتروي كتب السيرة أن النبي بلغ خيبر ليلا ولكنه إنتظر حتى الصبح ثم داهمهم , فلما رأوه قالوا – من الفزع – محمد والخميس , وهم يريدون القول محمد والجيش , فألتلقط النبي الكريم تلك الإشارة فقال ( إنا إذا نزلنا ساحة قوم فساء صباح المنذرين ) , وتبع ذلك معارك شديدة وأحداث جسام , حيث تحصن اليهود بحصونهم المنيعة ومع سقوط كل حصن كانت تدور معارك حامية ودامية حتى ينتقل اليهود للحصن الذي يليه وهكذا جرت الأمور حتى إستسلموا عند أواخر الحصون ,- وقيل أستشهد من المسلمين ستة عشر مقاتلا وأوصلها بعضهم للثمانين – وصالحوا النبي على حقن دماء المقاتلة في الحصون وأن لهم ذراريهم ويخرجون من خيبر وأن يخلوا بين رسول الله وبين أرضهم ومالهم إلا ثوبا على ظهر إنسان , ثم إنهم سألوا الرسول أن يبقيهم ليكونوا على الأرض لأنهم أخبر بزراعتها فوافق النبي الكريم على أن لهم الشطر من كل زرع وثمر وللمسلمين الشطر ..
وما أن تناهي ليهود فدك خبر معركة خيبر حتى قدموا بأنفسهم فصالحوا النبي على أن له نصف أرضهم فقبل النبي ذلك منهم .. حدث ذلك دون أن تطأ أقدام المسلمين أرض فدك .. وهذا في ظني معنى ( وأرضا لم تطئوها ) ..
وحتى نمضي في هذا الطريق حتى نهايته , نذكر أنه بعد خيبر وفدك حدثت إشتباك لم يدم طويلا بين المسلمين وبين يهود وادي القرى إنتهى بإنتصار المسلمين , وفي نهاية الأمر عاملهم الرسول كما عامل أهل خيبر ..
ثم أن يهود تيماء لما سمعت بخبر معركة خيبر طلبوا النبي للصلح فكتب لهم كتابا بذلك هذا نصه (هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا أن لهم الذمة وعليهم الجزية ولا عداء ولا جلاء الليل مد والنهار شد ) ..
وهنا نجد أنفسنا امام سؤال مهم وهو ..
إذا كانت معركة خيبر جاءت كعقاب ليهود خيبر على تأليبهم الأحزاب على النبي ؟ فما بال يهود فدك ووادي القرى وتيماء ؟
والجواب أن هؤلاء جميعا إشتركوا في تأليب الأحزاب , ولذلك سارعوا بطلب الصلح كما في حالة يهود تيماء وفدك أو في التعبئة والإستعداد للقتال كما في حالة يهود وادي القرى , لأنهم علموا أن ما أصاب يهود خيبر سيصيبهم , كعقاب عادل للجميع , فكتب السيرة وإن كانت لم تتحدث عن شيء واضح كهذا إلا أنها تخبرنا بأن غطفان وهي الحليف القوي ليهود خيبر لم تقاتل إلا بمقابل مادي , فمن باب أولى أن تفعل ذلك بقية القبائل مثل أسد وسليم , ومن الطبيعي أن يهود خيبر لن يتحملوا كافة تكاليف الحملة العسكرية الضخمة وأن بقية اليهود سيتقاسمونها معهم , خصوصا وهم أصحاب مصلحة واحدة ..
بهذا الفهم يمكن إعادة قراءة الآيات بشكل طبيعي وبدون الحاجة لتقديم وتأخير وتفكيك وإعادة تركيب …
وصدقا أنني لما وصلت لهذه النتائج شعرت بشيء من الرضا , ولكني تفاجأت بسؤال منطقي وبدهي , وهو … مامصلحة اليهود حتى يألبوا على المسلمين بهذا الشكل الرهيب ؟
حسنا , هذا ما سأحاول الإجابة عليه في السطور القادمة , ولكن قبل ذلك دعونا نأخذ لمحة سريعة عما أحدثته معركة خيبر وماتلاها على نفسيات المسلمين ووضعهم المادي ..إذ صرح أكثر من واحد منهم بأنهم لم يعرفوا الشبع إلا بعد خيبر . بل يكفيك أن تعرف أن المهاجرين قد ردوا للأنصار منائحهم من نخل المدينة بعد سهمهم في خيبر , فكيف وقد أضيف على ذلك ثمر وادي القرى وجزية يهود تيماء ؟
إن الفارق الشاسع بين حالهم قبل سنتين أثناء غزوة الأحزاب وبين حالهم الان , لمدعاة للتأمل في أسرار القدرة الإلهية .. ولذا يصبح مفهوما أن تختتم تلك الآيات بقوله ( وكان الله على كل شيء قدير)
للإجابة على السؤال السابق , أرى أنه فيما يبدو فإن اليهود العرب في المدينة – وهم في الغالب من أحياء الأنصار – قد بدأوا يدخلون في الإسلام بشكل كبير , لأنهم إحتكوا بمحمد مباشرة فوجدوا أنه بالفعل ( النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) , فدخلوا في هذا المشروع الرباني / الدين الإسلامي , ببساطة أصبحوا شركاء الحلم ورفقاء السلم , والسلاح أيضا , ولاشك أن ثمة من أسلم نفاقا , على الأقل حتى لايبدو خارج النسق , وهؤلاء كان لهم تواصل مع سادة الكيانات اليهودية المجاورة في فدك وخيبر وتيماء الخ , ينقلون لهم حقيقة مايحدث في المدينة , وهذا بطبيعة الحال سيخيف سادة تلك الكيانات , فأقوامهم أو رعاياهم ليسوا بمنأى من الدخول في الدين الجديد متى إحتكوا برسوله أو بمن آمن به , ولذلك كان الحل الوحيد هو القضاء المبرم على المسلمين مهما كلف الثمن , قرروا إطفاء النار قبل أن تصل إليهم ألسنتها !!..
وهذا مايفسر الزيادة المهولة في أعداد الجيش الإسلامي وإرتفاعها من ثلاث مائة وثلاثة عشر في بدر إلى قرابة التسع مائة في أحد وإلى حوالي الثلاثة الاف في الخندق – وفي روايات دون هذا العدد – , هذه الزيادة تأتي في الوقت الذي لم تكن فيه دعوة بعد ولم يكن لدى دولة المدينة من الموارد مايغري بالإنضمام لها ولم تكن ثمة هجرة بعد بدر بأعداد كبيرة .. إذا لاسبب لهذه الزيادة إلا تحول العرب في المدينة من اليهودية للإسلام , ويمكن إعتباره تغيرا ديموغرافيا على نحو ما , فهو تحول في الهوية مع بقاء الشخوص …
ولهذا نرى أن الرسول كان يعرض الإسلام على يهود فدك قبل كل منازلة / مبارزة , وكذلك عندما أعطى الراية يوم خيبر لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه – وأمره أن يدعوهم للإسلام وقال له لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم .. لا شك أن الرسول كان يطمع في هدايتهم كما هو حال إخوانهم في المدينة من قبل , هذه الدعوة للإسلام لن نراها عند الحرب مع قريش , بل أنه يوم بدر أخذ قبضة من الحصباء ثم إستقبلهم بها ونفحهم بها وقال : شاهت الوجوه .. والفرق بين تصرفه هنا وهناك بعرض المحيط …

 

8)اليهود في المدينة بعد السنة الخامسة للهجرة

يذهب كثير من الباحثين إلى أن المدينة خلت من اليهود في أعقاب مذبحة قريظة , لكن ثمة آثار متفرقة في المصادر الإسلامية تشير إلى غير ذلك , منها مايروى من أن عشرة من اليهود
إشتركوا مع النبي في غزوة خيبر , وكون الرسول مات ودرعه مرهونة عند يهودي , بل يبدو أن الوجود اليهودي إستمر إلى نهاية عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب , يذكر أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري في كتابه الخراج .. أن عمر مر بباب قوم فوجد عنده شيخ ضرير يسأل , فضرب عضده من خلفه وسأله , من أي أهل الكتاب أنت ؟ فقال أنا يهودي , قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن , فأخذ عمر بيده فذهب به إلى بيته فرضخ له , أي أعطاه , ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال : أنظر هذا وضرباءه , فوالله ما أنصفناه إذ أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم .
والشاهد في الحادثة غير وجود اليهودي هو قول عمر ( أنظر هذا وضرباءه ) يعني أمثاله .. مما يعني وجودا يهوديا معتبرا .. وربما في سؤاله من أي أهل الكتاب أنت ؟ دلالة على وجود مسيحي أيضا , ولكن هذا خارج موضوع هذه الورقة …

9) وشهد شاهد من أهلها

يزودنا أحد الباحثين بمعلومتين غاية في النفاسة .. فيذكر

أ‌) في الوقت الذي بدأ فيه محمد بن إسحاق بتسجيل السيرة النبوية , كانت رئاسة يهود المنفى المسماة برئاسة الجالوت موجود ببابل في العراق ,ومن يتزعمها يدعى رأس الجالوت , ومن المعروف عن اليهود ولعهم بتسجيل مآسيهم بكل دقة بحسبانهم يعتاشون عليها أصلا , والحاصل أنه لم ترد أدنى إشارة من رئاسة الجالوت لمذبحة بني قريظة !!!

ب‌) اليهودي الأسباني الأصل صامويل إسكواي المتوفى سنة 1555م ألف كتابا بعنوان ( عزاء عن بلايا بني إسرائيل ) وقد كتبه بلغة شاعرية تستثير الوجدان كما كتبه بدقة عالية وأسهب وفصل فيه كثيرا ,مستقصيا كل ماجرى على اليهود عبر الأزمان حتى زمنه , والحاصل أنه لم يشر أدنى إشارة إلى مذبحة بني قريظة !!

تعليقي .. هذا لا يكون طبيعيا إلا عندما تكون تلك القبيلة وهمية …

  • الخاتمة

    رغم كل ماسبق , فإني لم أصل لليقين الذي يقطع الشك بخصوص القبائل الثلاث عامة وبني قريظة خاصة , ولكن ربما يكون في هذه الورقة ما يساعد أي باحث جاد على الإمساك بأول خيط يقوده للحقيقة .فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه كما جاء في الأثر . أما أنا فحالي كحال المعري عندما أنشد …

    أما اليقين فلا يقين وإنما

    أقصى إجتهادي أن أظن وأحدسا


المصادر:

  • صحيح البخاري الإمام البخاري
  • صحيح مسلم الإمام مسلم
    أسد الغابة ابن الأثير
  • سير أعلام النبلاء الذهبي
  • سيرة ابن هشام ابن هشام
    جعفر العاملي الصحيح من سيرة النبي
    فقه الإئتلاف والإختلاف ناجية بو عجيلة
  • الخراج لأبي يوسف