مجلة حكمة
الطب العربي قبل الإسلام - لوسيان لوكلير

الطب العربي قبل الإسلام – لوسيان لوكلير / ترجمة: خليد كدري

 نسخة PDF


     تقديم:

     لا يمكن للباحث في تاريخ الطب عند العرب أو المسلمين أن يستغني البتة عن كتاب تاريخ الطب العربي[1] الذي ألفه المستشرق الفرنسي الدكتور لوسيان لوكلير Lucien Leclerc في أواخر القرن التاسع عشر. ومع أن الكتاب صدر منذ هذا التاريخ، البعيد نسبيا، فقد لا نجانب الصواب إذا قلنا إن معظم ما كتب في الموضوع، إلى غاية يومنا هذا، يكاد يكون عالة عليه. فأهم المصادر المعتمد عليها من قبل مؤرخي الطب العربي المحدثين اثنان: أولهما كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، وثانيهما كتاب لوسيان لوكلير الذي نتحدث عنه.

     لكن المفارقة العجيبة تتمثل في أن الحاجة العلمية الماسة أو المزمنة إلى هذا الأخير لم تسفر عن أية محاولة لترجمته إلى اللغة العربية. وقد تفضلت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، عام 1980، بإصدار نسخة ثانية مصورة من طبعة القرن التاسع عشر الفرنسية، لكن من دون أية قيمة مضافة تذكر اللهم ما كان من ترجمة العنوان إلى اللغة العربية، على ظهر الغلاف، وتصدير قصير بقلم الدكتور أحمد رمزي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي الأسبق.

     لهذا عزمنا على ترجمة الكتاب الذي يقع في مجلدين، وتقديمه للنشر عند المناسبة. وفيما يلي ترجمتنا للفصل الذي أفرده المؤلف للطب العربي قبل الإسلام[2]. ونشفع هذه الترجمة بتعاليق تتضمن توضيحات وملاحظات واستدراكات وإفادات شتى نرجو أن تكون مفيدة للقراء والدارسين العرب. وحيث إن النص الفرنسي الأصلي يشتمل على بعض الهوامش، فقد ميزناها عن تعاليقنا بوضع كلمة “المؤلف” بين قوسين هكذا: (المؤلف).

     لكننا نقدم لهذا كله بالتعريف بمؤلف الكتاب، وهو الدكتور لوسيان لوكلير المولود في عام 1816 في بلدة فيل-سور-إيلونVille-sur-Illon  بإقليم فوجVosges  التابع لمنطقة اللورين، وبها توفي في عام 1893. ويعلم من سيرته أنه التحق بصفوف جيش الاحتلال الفرنسي في الجزائر كطبيب جراح، حيث تعلم اللغة العربية وتمهر فيها غاية التمهر، ثم شغل منصب سكرتير الجمعية الأركيولوجية بولاية قسنطينة قبل أن يغادر بلاد الجزائر نهائيا في صيف عام 1864. شارك الدكتور لوكلير في الحرب الفرنسية-الألمانية في عام 1870، ثم لم يلبث أن تقاعد من الجيش ليتفرغ للترجمة والبحث والتأليف في تاريخ العلوم العربية.

     وقد اهتم الدكتور لوكلير على الخصوص بتاريخ الطب العربي، ولاسيما مساهمة العرب في علم الصيدلة. واستهل مشوار الترجمة بمعجم كشف الرموز في العقاقير الطبية للشيخ عبد الرزاق بن حمدوش الجزائري، ثم تصدى بعد ذلك لترجمة بعض أمهات الطب العربي، ومنها كتاب الجامع لمفردات الأدوية والأغذية لابن البيطار المالقي الذي يعد أحد مصادر ابن حمدوش، والمقالة الجراحية من كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف لأبي القاسم الزهراوي القرطبي، وكتاب الجدري والحصبة لمحمد بن زكريا الرازي. وله ترجمات أخرى عديدة لم تنشر إلى غاية يومنا هذا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الكتاب الثاني من قانون الشيخ الرئيس ابن سينا في الأدوية المفردة. غير أن أهم مصنفاته على الإطلاق يتمثل في كتابه الذي اجتزأنا منه النص المترجم، وهو تاريخ الطب العربي. 


 

      لا شك في أن الطب عند العرب قد نشأ بنفس الكيفية التي نشأ بها عند سائر الشعوب. ونود أن نتحدث ههنا عن الطب الشعبي قبل أن يرقى الطب إلى مرتبة الصناعة العلمية، فنقول: لقد أدت عوامل من قبيل الاتفاق أو الملاحظة أو الفطرة أو الاستدلال العقلي إلى اكتشاف بعض الأدوية والعلاجات. ومع الوقت، اطردت هذه الاكتشافات وتراكمت، فحفظها بعض الناس، وطبقوها على المرضى، فسموا لذلك بالأطباء. وقد أفرد ابن أبي أصيبعة الباب الأول من كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء لموضوع نشأة الطب، ونعتقد أن هذه مناسبة الحديث عنه. فهو لا يبدي رأيه في الموضوع فحسب، بل ويعرض علينا كذلك آراء من سبقه من الأطباء، ولاسيما رأي موفق الدين ابن المطران، أحد أطباء الناصر صلاح الدين الأيوبي.

      وتتسم فروض ابن المطران بالبراعة والابتكار؛ لكن، بما أنه يتعذر علينا أن ننقلها بتمامها إلى القارئ، فسنكتفي بإيراد بضعة نماذج منها. يقول ابن المطران: «لننزل أن أول العالم كان واحدًا محتاجًا إلى صناعة الطب كحاجة هذا العالم الجم الغفير اليوم، وأنه ثقل عليه جسمه، واحمرت عيناه، وأصابته علامات الامتلاء الدموي، ولا يدري ما يفعل، فأصابه من قوته الرعاف، فزال عنه ما كان يجده، فعرف ذلك، فعاوده في وقت آخر ذلك بعينه، فبادر إلى أنفه فخدشه، فجرى منه الدم، فسكن عنه ما كان يجده، فصار ذلك عنده محفوظًا يعلمه كل من وجده من ولده ونسله، ولطفت حواشي الصناعة حتى فتح العرق بلطافة ذهن ورقة حس. ولو نزلنا، لفتح العرق، أن آخر، ممن هذه صفته، انجرح أو انخدش، فجرى منه الدم، فكان له ما ذكرنا من النفع، ولطفت الأذهان في استخراج الفصد، جاز، فصار هذا بابًا من الطب؛ وآخر امتلأ من الطعام امتلاء مفرطًا، فأصابه من طبيعته أحد الاستفراغين، إما القيء وإما الاسهال، بعد غثيان وكرب وقلق وتهوع ومغص وقراقر وريح جوالة في البطن، فعند ذلك الاستفراغ سكن جميع ما كان يجده. وقد كان آخر من الناس عبث ببعض اليتوعات فمغصه، فأسهله وقيأه اسهالًا وقيئًا كثيراً، وصارت عنده معرفة أن هذه الحشيشة تفعل هذا الفعل، وأن هذا الحادث مخفف لتلك الأعراض مزيل لها، فذكره لذلك الشخص، وحثه على استعمال القليل منه لمّا تعوق عليه القيء والإسهال، وصعبت عليه الأعراض، فأداه إلى غرضه منهما، وخفف عنه ما لقي من شر تلك الأعراض؛ ولطفت الصناعة ورقت حواشيها، ونظرت في باقي الحشائش الشبيهة بتلك، ما منها يفعل ذلك، وما منها لا يفعله، وما منها يفعله بعنف، وما منها يفعله بضعف؛ وجاء صفاء العقول فنظر في الدواء الذي يفعل ذلك أيُّ الطعوم طعمه، وأيُّ الكيفيات يسبق إلى اللسان منه، وأيها يتبعها، فجعل ذلك سباره، ويستخرج منه، وأعانته التجربة، وأخرجت ما وقع له من القول إلى الفعل»[3].

    ويتبنى ابن أبي أصيبعة رأيا شخصيا مفاده أن للطب مصادر متعددة: الإلهام الإلهي، الرؤيا الصادقة، الاتفاق أو المصادفة، محاكاة الحيوان، الفطرة. ويخلص إلى النتيجة التالية: «وبالجملة، فإنه قد يكون من هذا، ومما وقع بالتجربة والاتفاق والمصادفة، أكثر ما حصلوه من هذه الصناعة، ثم تكاثر ذلك بينهم وعضده القياس، بحسب ما شاهدوه، وأدتهم إليه فطرتهم، فاجتمع لهم من جميع تلك الأجزاء التي حصلت لهم بهذه الطرق المتفننة المختلفة أشياء كثيرة، ثم إنهم تأملوا تلك الأشياء، واستخرجوا عللها والمناسبات التي بينها، فتحصلت لهم من ذلك قوانين كلية ومبادئ منها يبتدأ بالتعلم والتعليم، وإلى ما أدركوه منها أو لا ينتهي، فعند الكمال يتدرج في التعليم من الكليات إلى الجزئيات، وعند استنباطها يتدرج من الجزئيات إلى الكليات، وأقول أيضا، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، أنه ليس يلزم أن يكون أول هذا مختصا بموضع دون موضع، ولا يفرد به قوم دون آخرين إلا بحسب الأكثر والأقل»[4].[5].

    ولا يسعفنا التاريخ بأية معلومات دقيقة عن ممارسات العرب الطبية قبل مجيء الإسلام. ومع ذلك، فنحن نتوفر على وثائق يفترض أن تعطينا صورة صادقة، إلى حد كبير، عن تلك الممارسات. ويتعلق الأمر بأحاديث النبي محمد الطبية الكثيرة، والتي من كثرتها جمعت في مؤلفات تحمل عنوان الطب النبوي. فمن الواضح أن قدرا هاما من هذه التعاليم النبوية يستند إلى ما شاهده النبي محمد، واعتبره مفيدا للصحة، من ممارسات العرب الطبية. غير أن هناك طائفة من التعاليم النبوية التي تستمد أصلها من مصدر مغاير، وهذا ما سنعرض له في مقالة سنفردها، قريبا، لموضوع الطب النبوي[6].

    وينسب المؤلفون العرب إلى العصر الجاهلي هذا قصة الحجام الذي صار مضرب المثل عندهم. وهي قصة رجل من بلدة ساباط الواقعة قرب مدائن كسرى. فبما أنه لم يكن يجد زبونا يحجمه – يقول دي ساسي – كان يقعد للجنود في الطريق، فيحجم الجندي نسيئة إلى حين عودته. ونقرأ في كتاب أبي عبد الله القزويني أنه كان لا يعثر على زبائن، فيحجم أمه، وأنه داوم على حجمها حتى نزفها، فماتت. ومن هنا أصل المثل العربي القائل: أفرغ من حجام ساباط[7].

    ويتعين علينا أن نذكر حدثا هاما وقع في العصر الجاهلي، ويتعلق الأمر بأول ظهور معروف لداء الجدري. فهناك نص قرآني يستشف منه احتمال حدوث وباء جدري في بلاد العرب، غير أن الشهادات التاريخية التي جمعناها تزيل الشكوك، وتضفي على تخميناتنا طابع اليقين[8]. وفيما يلي الحدث الذي يلمح إليه القرآن: ذلك أنه حوالي عام  570 للميلاد، رام أبرهة الأشرم أمير اليمن المسيحي، ووالي النجاشي ملك الحبشة، أن يخدم دين المسيح بأن بنى في صنعاء، عاصمة ملكه، كنيسة ليحج إليها العرب بدلا عن كعبة مكة. وكان من شأن هذا الفعل أن يحدث، كذلك، ضررا كبيرا بعباد الأوثان من العرب الذين يمثل الحج أحد شعائرهم العظمى. وبالفعل، فقد شيد أبرهة كنيسة بهية، لكن سدنة الكعبة من قريش، المدينين لها بشرف المنزلة وسعة الرزق، قصدوا إلى إحباط خطة أبرهة، فاستأجروا رجلا لهذا الغرض، وأنفذوه إلى صنعاء التي ما لبث أن صار ناطورا لكنيستها. ثم تربص الناطور الفرصة حتى حان موعد حفل ديني كبير، ليتسلل في جنح من الليل إلى قلب الكنيسة، ويحدث فيها، قبل أن يطلق ساقيه للريح توكيدا لفعلته.

    وأقسم أبرهة أن يأخذ بثأره من قريش التي دنست كنيسة صنعاء، فجهز جيشه، وسار إلى مكة، فحاصرها راكبا فيلا أبيض يدعى محمود. إلا أنه وقع الحادث المفاجئ الذي زرع الهلع والفوضى في صفوف جيش الأشرم، بينما رأى فيه أهل مكة تضليلا من السماء. ونقرأ في كتاب القرآن: «ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول». فقد أرسل الله على المعتدين الأحباش طيرا أبابيل، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره، وحجران في رجليه، وطفقت الطيور ترميهم بتلك الحجارة حتى قضت عليهم، إلا أميرهم أبرهة، فإنه فر بجلده مسرعا إلى بلاد الحبشة. وما أن وصل إلى هنالك، وشرع في حكاية وقائع نكبته لمولاه النجاشي، حتى أدركه أحد طيور السماء، فرماه بالحجارة، وصرعه على الفور[9].

    ولا يعسر علينا أن نجد تفسيرا طبيعيا لهذه الخوارق التي تحرص كافة الأديان على تسخيرها لأغراضها المعلومة. فالإيطالي جيوفاني رامبولدي[10] Rampoldi، صاحب الحوليات الإسلامية، يرى أنه من الممكن تفسير الأمر بحدوث زوابع عاتية أعمت أبصار جنود الأبرش. أما نحن، فنعتقد، مع طائفة من المستشرقين، أن الفهم الأقرب إلى سنن الطبيعة يقتضينا أن نفسر الكلام عن حجارة السجيل بحدوث وباء جدري، خصوصا وأن هذا التفسير تعضده شهادات تاريخية.

    لقد أطلق المؤرخون العرب على العام التي وقع فيه حصار مكة، والتي يوافق تاريخ مولد النبي محمد، اسم عام الفيل. والحال أن بعض الوثائق التاريخية تخبرنا بأنه حدث، في هذه العام بالضبط، أول وباء جدري عرفه العرب في تاريخهم. وقد أورد ألبرت كازيمرسكي[11]Kazimirski ، على هامش ترجمته لسورة الفيل من كتاب القرآن، نقلا عن جوزيف دي هامر[12] De Hammer  شهادة يحتمل ألا تختلف عما سنتحدث عنه[13]. فنحن نقرأ في المجموع الطبي الذي أصدره يوهان ريسكه[14]Reiske  أن أول ما رئيت الحصبة والجدري بأرض العرب في هذا العام، كما يخبرنا بذلك أبو الحسن المسعودي وأبو بكر بن دريد.[15] وعلى ذلك، فإن نكبة جيش أبرهة تعود إلى وباء الجدري الذي وضع نهاية لفصول العدوان.

    أما كورت شبرنغل، الذي يرى من جهته أن وباء عامي 565 و568 للميلاد، كما يخبرنا عنه الأسقف غريغوريوس الترسيGrégoire de Tours ، لا يعدو أن يكون وباء جدري، فإنه يذكر مصنف يوهان ريسكه، غير أنه لا يسعفنا بأية إشارة إلى الطير الأبابيل.[16] لكن، هناك حادث آخر ذو صلة بالجدري لم يتطرق إليه أحد لحد الساعة، وهو حادث وقع بعد حوالي ثلاثين سنة من هجوم أبرهة على مكة. وقد ورد ذكر الحادث في سياق حكاية مؤثرة ومليئة بمعاني الشهامة، فليسامحنا القارئ على نقلها كاملة عن أرمان كوسان دي بيرسفال[17] Caussin de Perceval في كتابه محاولة في تاريخ العرب قبل ظهور الإسلام، وهي هذه: «قال أبو عبيدة: قال أبو عمرو بن العلاء: وقع تدارؤ بين نفر من بني سليم بن منصور، وبين نفر من بني فراس بن مالك بن كنانة، فقتلت بنو فراس رجلين من بني سليم بن منصور، ثم إنهم ودوهما، ثم ضرب الدهر ضرباته. فخرج نبيشة بن حبيب السلمي غازيا، فلقي ظعنا من بني كنانة بالكديد، في نفر من قومه، وبصر بهم نفر من بني فراس بن مالك، فيهم عبد الله بن جذل الطعان بن فراس، والحارث بن مكدم أبو الفارعة، وقال بعضهم أبو الفرعة، أخو ربيعة بن مكدم، قال: وهو مجدور يومئذ يحمل في محفة. فلما رآهم أبو الفارعة، قال: هؤلاء بنو سليم يطلبون دماءهم، فقال أخوه ربيعة بن مكدم: أنا أذهب حتى أعلم علم القوم، فآتيكم بخبرهم، فتوجه نحوهم، فلما ولى قال بعض الظعن: هرب ربيعة، فقالت أخته أم عزة بنت مكدم: أين تنتهي نفرة الفتى؟ فعطف، وقد سمع قول النساء، فقال: [شعر]. قال: ثم انطلق يعدو به فرسه، فحمل عليه بعض القوم، فاستطرد له في طريق الظعن، وانفرد به رجل من القوم، فقتله ربيعة، ثم رماه نبيشة، أو طعنه، فلحق بالظعن يستدمي، حتى أتى إلى أمه أم سيار، فقال: اجعلي على يدي عصابة، وهو يرتجز، ويقول: [شعر]. قال أبو عبيدة: وشدت أمه عليه عصابة، فاستسقاها ماء، فقالت: إنك إن شربت الماء مت، فكر على القوم، فكر راجعا يشد على القوم ويذبهم، ونزفه الدم حتى أثخن، فقال للظعن: أوضعن ركابكن خلفي حتى تنتهين إلى أدنى بيوت الحي، فإني لما بي، وسوف أقف دونكن لهم على العقبة، وأعتمد على رمحي، فلن يقدموا عليكن لمكاني. ففعلن ذلك، فنحون إلى مأمنهن. قال أبو عبيدة: قال أبو عمرو بن العلاء: ولا نعلم قتيلا ولا ميتا حمى ظعائن غيره. قال: وإنه يومئذ لغلام له ذؤابة. قال: فاعتمد على رمحه، وهو واقف لهن على متن فرسه، حتى بلغن مأمنهن، وما تقدم القوم عليه، فقال نبيشة بن حبيب: إنه لمائل العنق، وما أظنه إلا قد مات. فأمر رجلا من خزاعة، كان معه، أن يرمي فرسه، فرماها، فقمصت، وزالت، فمال عنها ميتا، قال: ويقال: بل الذي رمى فرسه نبيشة، فانصرفوا عنه، وقد فاتهم الظعن. قال أبو عبيدة: ولحقوا يومئذ أبا الفرعة الحارث بن مكدم، فقتلوه، وألقوا على ربيعة أحجارا»[18].


هوامش:

[1]- Lucien Leclerc, Histoire de la médecine arabe, 2 vol., Ernest Leroux : Paris, 1876.

[2]– Ibid.,  vol. 1, p. 17-23.

[3]– فضلنا إيراد نص كلام ابن المطران العربي الأصلي من ابن أبي أصيبعة، لأن ما أورده لوكلير لا يعدو أن يكون ترجمة حرفية للنص المذكور؛ انظر: ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية، ط. الأولى، 1998، ص. 11.

[4]– أوردنا نص كلام ابن المطران العربي الأصلي؛ انظر: ابن أصبيعة، م. ن، ص. 20-21.

[5]– نقله إلى الفرنسية ب. سنغيناتي Sanguinetti ، المجلة الآسيوية، 1845. (المؤلف)

[6]– يذكر الناشر الفرنسي في صدر ترجمة لوكلير للمقالة الثلاثين من كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف لأبي القاسم الزهراوي القرطبي Chirurgie d’Abulcasis أن المترجم نشر، عام 1860، في مجلة المستشفياتGazette des hôpitaux ، مقالة تحت عنوان « الطب النبوي ». ويذكر لوكلير نفسه، في موضع آخر من الكتاب الذي بين أيدينا، أنه نشر، في العام المذكور، مقالة في مجلة المستشفيات، عدد شتنبر، وأنه خصصها لتغطية الترجمة الفرنسية لمصنف داود بن أبي الفرج الدمشقي في الطب النبوي التي أنجزها المستشرق نيقولا بيرونNicolas Perron . وإذا كان المؤلف يريد بكلامه هذه المقالة بالذات، فإن تاريخ نشرها، كما نرى، سابق على صدور الكتاب الذي بين أيدينا بسنوات عديدة. ويمكن أن يفسر الأمر بأن جزءا من الكتاب الذي بين أيدينا ألف قبل تاريخ نشر المقالة.

[7]– انظر: أبو عبد الله القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، بيروت-لبنان: دار صادر، 1960، ص. 385؛ وأيضا: أبو هلال العسكري، جمهرة الأمثال، 2. ج.، تحقيق أحمد عبد السلام، بيروت-لبنان: دار الكتب العلمية، ط. الأولى، 1988، ج. 2، ص. 91-92.

[8]– هذا تفسير الشيخ محمد عبده وتلامذته لسورة الفيل، وهو مشهور؛ انظر: محمد عبده، تفسير جزء عم، القاهرة: الجمعية الخيرية الإسلامية، ط. الثالثة، 1922، ص. 156-158؛ وقارن: فهد بن عبد الرحمن الرومي، منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير، 2 ج.، بيروت-لبنان: مؤسسة الرسالة، ط. الثانية، 1983، ج. 1، ص. 722-729.

[9]– أما المؤرخ المسعودي، فيرى أنه عمر طويلا  بعد هذا الحادث؛ انظر: أبو الحسن المسعودي، مروج الذهب، ترجمة ب. دي مينار B. de Meynard بالاشتراك مع ب. كورتي P. Courteille ، 1864، ج. 3، ص. 161. (المؤلف)

[10]– جيوفاني رامبولديGiovani Battista Rampoldi  (1761-1836)، مؤرخ إيطالي متخصص في تاريخ الإسلام وحضارته. من مصنفاته الحوليات الإسلاميةAnnali musulmani ، في اثني عشر مجلدا،  ميلانو: 1822-1826.

[11]– ألبير كازيمرسكيAlbert Kazimirski de Biberstein  (1808-1887)، مستشرق بولندي من أصل هنغاري. من أهم أعماله ترجمة فرنسية للقرآن Koran ، باريس: 1840، 1869.

[12]– جوزيف فون همر-برغشتالJoseph von Hammer-Purgstall  (1774-1856)، دبلوماسي ومستشرق نمساوي. توفر على درس اللغات العربية والفارسية والتركية، وغيرها. اتسم إنتاجه العلمي بالغزارة، واهتم على الخصوص بتاريخ الدولة العثمانية. من مصنفاته كتاب في تاريخ الخلفاء إلى غاية القرن السابع الهجري، في ستة مجلدات، تحت عنوان Gemäldesaal der lebensbeschreibungen grosser moslimischer herrscher der ersten sieben jahrhunderte der hidschret، ليبزغ-درمشتات: 1837-1839.

[13]– تجدر الإشارة إلى أن كازيمرسكي لم يسم المصادر العربية التي ذكرها دي هامر في كتابه Gemäldesaal ؛ انظر: ترجمة كازيمرسكي للقرآنKoran ، باريس: 1869، ص. 519، هامش.

[14] – يوهان ريسكهJohann Jacob Reiske  (1774-1716)، مستشرق ألماني. نشر له باللغة اللاتينية، بالاشتراك مع يوهان فابريJohann Fabri ، مجموع رسائل طبية تحت عنوان Opuscula medica ex monimentis Arabum et Ebraeorum، د. م: 1776. (المؤلف)

[15]– لم نقف، لحد الساعة، على الموضع الذي ورد فيه الخبر من كتاب مروج الذهب للمؤرخ المسعودي الذي نشرته المجلة الآسيوية في سبعة مجلدات. (المؤلف)

[16]– شتان ما بين حكاية البطل الشهم، التي سنتكلم عنها، والحكاية التي يرويها غريغوريوس الترسي، وهي أن ملكة بورغونيBourgogne ، زوجة غونترانGontran ، أصيبت بالوباء، فعهدت إلى زوجها، إن هي ماتت من المرض، أن يقتل الطبيبين اللذين كانا يسهران على معالجتها. وماتت الملكة، فأوفى الزوج بالعهد. (المؤلف)

[17]– أرمان كوسان دي بيرسفالArmand Pierre Caussin de Perceval   (1795-1871)، مستشرق ومعجمي فرنسي. من تصانيفه محاولة في تاريخ العرب قبل ظهور الإسلام Essai sur l’histoire des arabes avant l’islamisme، في ثلاثة مجلدات، باريس: 1847-1848.   

[18]–  أوردنا النص العربي من الأصفهاني لأن دي بيرسفال ينقل عنه، انظر:  أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، 25 ج.، تحقيق إحسان عباس ومن معه، بيروت-لبنان: دار صادر، ط. الثالثة، 2008، ج. 16، ص. 40-41؛ وقارن: دي بيرسيفال،Essai sur l’histoire des arabes…، م. س، ج. 2، ص. 544-545.