مجلة حكمة
الشكوك الأنثروبولوجية التي أثارها طلال أسد - ديفيد سكوت وتشارلز هيرشكايند / ترجمة: بدر باسعد

الشكوك الأنثروبولوجية التي أثارها طلال أسد – ديفيد سكوت وتشارلز هيرشكايند / ترجمة: بدر باسعد


 من كتاب (القوى العلمانية الحديثة: طلال أسد ومحاوريه)، مقال مترجم، ويعتبر الافتتاحية التي يستعرض فيها معدي الكتاب ديفيد سكوت وتشارلز هيرشكايند الخطوط الأساسية لمراحل تطور فكر طلال أسد ومزايا فكره عن التفكير السائد في الأوساط العلمية في الدراسات الإنثربولوجية.


لأكثر من ثلاثة عقود، وطلال أسد يشارك في محاولة تلمس صحة الافتراضات النظرية – وخاصة من جهة انضباطها واتساقها – تلك الافتراضات التي تحكم معارف وتصورات العالم الغربي عن غيره من الأمم والشعوب. لقد أدت هذه التحليلات المتنوعة في أهدافها وموضوعاتها التي كانت ثمرة تأمل عميق إلى مشروع ثقافي وفكري متعدد الأهداف والموضوعات ، تميز هذا المشروع في مجمله ، كما نعتقد ، بكونه تساؤلات عميقة ، وتعكس أسلوبا نقديا. لقد كانت شكوك أسد وتحفظاته التي أثارها مفصلية الى حد كبير، فقد وجهت بطريقة منظمة وعقلانية نحو التشكيك في طريقة التنوير وحججه التي استخدمها في تعليل وتفسير العادات والتقاليد غير الأوروبية. هذه الشكوك – إن صح التعبير – لا تجعل من طلال أسد مقوّضا للرغبة في المعرفة الإيجابية والبنّاءة كما هو شائع عن مفهوم النقد. بالأحرى، إننا نرى أن القول المأثور فتجنشتين هو المحفز لهذه الأعمال النقدية يقول فتجنشتين : سواء كانت القضية صحيحة أو خاطئة فإن هذا يعتمد على ما تم تحديده من معايير ، وهو أمر يعتمد على لعبة اللغة وطريقة توظيف الكلمات[1]. لعبة اللغة عند طلال أسد كانت تعتمد على أمور تاريخية وسياسية وبالتالي أيديولوجية ( فكرية ) مما يجعلنا أمام بحث عملي يتطلب مهارات بنيوية وتفكيكية في الوقت ذاته.

 

I

العلامات الأولى لهذا الموقف الفكري الذي تبناه أسد يمكن ملاحظاتها بسهولة في معالجات أسد المبكرة للإشكاليات الأنثربولوجية والتي يمكن تحديدها بأواخر الستينات إلى أوائل السبعينيات الميلادية ( 1960-1970 ). وكما هو معروف ،  فإن هذه السنوات شهدت إنشاء المؤسسة البريطانية للدارسات الاجتماعية الأنثروبولوجية –  حيث تلقى أسد تعليمه وتدريبه طوال العقدين الأولين من حياته الأكاديمية-  والتي كان معظمها في جامعة هال-  والتي تعرضت لهجوم  شديد بسبب دورها المزعوم في إدارتها للمشروع الاستعماري البريطاني وإمداده بالشرعية الأيديولوجية  ( الفكرية ) التي يحتاجها. في الواقع، لقد تم انتقاد بعضا من اليسار الإنثروبولوجيي واتهموا بأنهم “يخدمون ” أهداف الاستعمار حتى وصل الأمر إلى سبّ من ينتمون إليه ولعنهم بسبب عنصريتهم   (تذكر أن يوميات برونيسلاف مالينوفسكي التي نشرت في عام 1967 فجرت فضيحة أخلاقية صغيرة في التخصص الذي كان يعد مؤسسه الموقر )[2]. وفي نفس الوقت كان هناك عددا من المتعاطفين الذين يرفضون الحركات المضادة الاستعمار من أصحاب الغطرسة الأنثروبولوجية التي تدعي العلم بكل شيء، إلا أننا نرى أن أسد وقف موقفا معتدلا بينهما فقد كان أنثروبولوجيا لا يسعى لخدمة أهداف الاستعمار ولم يكن يحمل هذه الغطرسة الوثوقية في العلم الأنثروبولوجي ، فقد أثار في وقت مبكر جدا شكا حول تسجيل واتجاه هذه الانتقادات. لم يكن شكه فيما إذا كانت الأنثروبولوجيا هامة للحركة الاستعمارية  كما يزعم خصومها في كثير من الأحيان بل لقد  أثار تساؤلات إضافية حول ما إذا كان الموقف الوعظي والدفاعي والمتوقف على ردة الفعل عن العلاقة بين الاستعمار والأنثروبولوجيا موقفا أخلاقيا وبنّاءا.  لقد صرّح أسد أثناء معالجته لهذه العلاقة أن ما مهم هو الهيكل مفاهيمي العلمي وعلاقة هذا الهيكل بشروط السلطة بالطريقة التي يبينها البحث العلمي باعتباره مصدرا موثوقا للمعرفة.

ولنأخذ على سبيل المثال، كتابه الأول، الذي يحمل عنوان ” العرب الكبابيش” والذي نشر في عام 1970 ومما لا شك فيه أنه لا يقرأ اليوم إلا قليلا. هذا الكتاب[3]، في نواح كثيرة، دراسة علمية معروفة حول التقاليد الأنثروبولوجية البريطانية. موضوعها الأساسي هو الوصف التحليلي لتنظيم السلطة، والصلاحيات ، والتوافق يين أفراد قبيلة الكبابيش القاطنين شمال السودان. ومما لا شك فيه أن مسألة الاستعمار حاضرة بشدة في الكتاب. فأسد لم يهدف إلى تحليل الأهداف الافتراضية والمثالية للاستعمار بل عمل على تحليل الطابع الإيديولوجي للنموذج النظري السائد، المسمى بالوظيفية.

في البيئة الاستعمارية حيث واجه علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية في وقت مبكر سياساتهم البدائية، وفي جو من الوضعية الفلسفية المحيطة بنشأة الأنثروبولوجيا الاجتماعية، فقد بدا مناسبا وممكنا أن يتم اعتماد الهياكل السياسية البدائية لعرضها بشكل مجزأ ومنفصل بأنها مكونات  “الأنظمة الطبيعية”. الاستعراض الوظيفي – أي عرض نظام ما بطريقة وظيفية –  في علاقته مع النظام الطبيعي الكلي،  يعتبر في المقام الأول نشاط سياسي يهدف إلى الحفاظ على تماسك مجمع معين والإبقاء على هويته. ومن هنا نقوله أنه ، إذا لم توجد الوظيفية الكلاسيكية ، لكان من الضروري على علماء الأنثروبولوجيا إيجادها واختراعها، لأنها مكنتهم من تحليل النظم السياسية البدائية دون الحاجة إلى النظر في إمكانيات سياسية بديلة. ومع ذلك فقد احتوت الوظيفية الكلاسيكية على إشكالية كامنة وهي طابع الهيمنة السياسية لأنها تمثل جزءا من النظام الطبيعي للأشياء[4].

الاختراق هو أحد الصفات المميزة.  الإشكالية – هذه المسألة جعلها أسد أكثر وضوحا في الحاشية [5] – التي تتطلب اهتمامنا ليست هي سلوك علماء الأنثروبولوجيا نحو السكان الأصليين -ولكن ما يستحق اللوم والذم – بل الشروط  والظروف الايديولوجية التي تعزز وتدعم  الأدوات النظرية المستخدمة لوصف هذه المجتمعات.

بطبيعة الحال، فإن ترسيم مشكلة علاقة الأنثروبولوجيا مع الاستعمار قد بيّنها بشكل أكثر دقة في كتابه والذي يحمل عنوان : “اللقاء بين الانثروبولوجيا والاستعمار” المنشور عام 1973[6].  في نواح كثيرة تتداخل المعالم وتصبح الرؤية غير واضحة، ولهذا فقد سعى أسد في مقدمته المؤطرة إلى إعادة توجيه انتباه الإنثروبولوجيين من النظر إلى الأنثروبولوجيا كأداة قصصية إلى ضرورة تحليل الطابع الأيديولوجي للمعرفة الأنثروبولوجية.  أتت هذه التصريحات المعبرة عن وجود أزمة في علم الإنثربولوجيا في ظل التغيرات العالمية التي تواجهها الحركة الاستعمارية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وحث أسد علماء الأنثروبولوجيا بأن عليهم أن يتذكروا على الدوام “أن الأنثروبولوجيا لا تكتفي بفهم العالم كما هو بل تدرك أن العالم يفرض على الإنثروبولوجيا الطريقة التي ينبغي أن يفهم بها[7] “. لقد أشار أسد إلى وجود “رفض غريب” من علماء الأنثروبولوجيا أن يفكروا بجدية وبشكل نقدي حول العلاقة غير المتكافئة بين الغرب والعالم الثالث من خلال الطريقة التي تقوم بها الأنثروبولوجيا بإنتاج المعرفة. وجادل مليا: “يجب علينا أن نبدأ من الحقيقة التي تقول: أن الحقيقة الأساسية التي جعلت إنثربولوجيا ما قبل الحرب مجدية وفعّالة هي علاقة السلطة بين الثقافات المهيمنة (الأوروبية) و الثقافات المهيمن عليها  (غير الأوروبية). نحن بعد ذلك بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا ، كيف أثّرت هذه العلاقة في الشروط المسبقة العملية للإنثربولوجيا الاجتماعية ، العلاج النظري لموضوعات معينة؛ طريقة إدراك المجتمعات الأخرى. وادعاء علماء الإنثربولوجيا للحياد السياسي”[8].

مجموعة المخاوف هذه لم يكن من الضروري إثارتها من قبل جميع المشاركين في هذه الطبعة، وغني عن القول، أنه تم تمثلها في العمل الجاد والهام لأسد “صورتان أوروبيتان عن الحكم غير الأوروبي “[9] الذي يعتبر مثالا نموذجيا على الاستجواب التاريخي المفاهيمي، العمل الذي كان متوقعا ظهوره أوائل فترة ما بعد الاستعمار تنظيرا للعلاقة بين السلطة والمعرفة الصارمة. وتحفظ أسد هنا في هذه الدراسة كان متعلقا بالتفاوت والاختلاف -الذي لم ينل حظه من التحقيق العلمي -بين الصورة الذهنية المتكونة عن النظام السياسي غير الأوروبي والتي تكونت بشكل متراكم من خلال الدراسات الإنثروبولوجيا الوظيفية للمجتمعات الأفريقية ، وتلك الصور المتكونة من خلال دراسة المستشرقين للمجتمعات الإسلامية. ففي الوقت الذي تؤكد فيه دراسات الإنثروبولوجيا الوظيفية للمجتمعات الأفريقية على الطابع المتكامل للنظام السياسي والأساس التوافقي للسلطة السياسية. نجد أن الدراسات الاستشراقية تؤكد على أن القوة والقمع من جانب القادة الإسلاميين والخضوع واللامبالاة من جانب المحكومين هو الأساس في المجتمعات الإسلامية.  وحتى يتضح الأمر للقارئ فلابد أن نقول أن اهتمام أسد لم يكن منصبّا على هذه الاختلافات بمجردها، ولكن من حيث علاقتها بالتكوين التاريخي لمجالات تخصصاتهم، فإحداها نشأت بعد مجيء الاستعمار في دراسة المجتمعات (علم الإنسان الأفريقي)، والأخرى عميقة ومتجذرة في التجربة الأوروبية القديمة (الاستشراق). باختصار، كان أسد بداية ظهور وضعا تشكيكيا في السؤال الأنثروبولوجي المتناغم مع الطابع الإيديولجي في دراسة وفهم المجتمعات. ومن ثم، في الظروف التاريخية والسياسية التي ساهمت في تشكيل أدوات البحث العلمي. ما تبقى من فترة السبعينيات نرى  أسد وهو يقوم باستخدام هذا السؤال بأشكال متعددة ومتنوعة في عدد من البحوث المتميزة [10].

وأما فترة الثمانينيات فقد تحول فيها أسد عدة تحولات جغرافية ومؤسسية وفكرية أيضا. ففي عام 1988، انتقل من بريطانيا إلى الولايات المتحدة لتولي منصب في قسم الأنثروبولوجيا في كلية الدراسات العليا في المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية في نيويورك. وعلى الرغم من أنه لم تكن له مشاركة مهنية أو تعليمية في مثل هذا المجال إلا أن أسد مع ذلك أصبح جزاء ثابتا وأساسيا في المشهد الجدلي الذي شكّل الإنثربولوجيا الأمريكية. في الثمانينات، كان هذا المشهد الفكري حينها يغلي -لم يعد يتمحور حول فكرة راسخة وثابتة -بالجدل والنقاشات حول السلطة والتمثيل التي دخلت العلوم الإنسانية والاجتماعية عن طريق المنعطفات اللغوية والما بعد بنيوية. في أواخر السبعينات، وتحديدا في عام 1978 م نشر المستشرق إدوارد سعيد، الأطروحات التي بيّنت جليا العلاقة بين السلطة / المعرفة ومساءلة الغرب مما ساعد على خلق فضاء فكري لإحياء (وكذلك إعادة بناء شخصية العلم) مسألة الاستعمار. داخل الأنثروبولوجيا الأمريكية، الكتاب الأكثر تجسيدا للوعي الذاتي النظري الجديد، بالطبع هو كتاب” ثقافة الكتابة” الذي حرره المؤرخ الثقافي جيمس كليفورد والإنثربولوجي جورج ماركوس، ونشر في 1986 [11]. كانت البحوث الموجودة في هذه الطبعة متنوعة، ولكن هذا المشروع، بالنسبة لكتابة كان يهدف إلى مساءلة السذاجة البادية في المعالجات الإنثروبولوجية ، ولا سيما في اقحام المستجدات العلمية في التحليل الأدبي للتأثير على تقاليد الكتابة الإثنوغرافية.

طلال أسد، وبشكل مثير للاهتمام، كان أحد المساهمين في هذا الكتاب، على الرغم من أنه لم يكن اهتمامه المركزي  الذي يدور حول الإثنوغرافيا والتناص. قد يكون صحيحا أن ما يقوم به الإثنوغرافيون هو الكتابة، كما أكد كليفورد وماركوس ذلك، ولكن هل هذه الحالة هي التي يجب بالضرورة أن تفكر الإثنوغرافيا بالطريقة التي يفكر بها علماء الأنثروبولوجيا؟. أسد بالتأكيد لم يفترض أبدا هذه العلاقة بين الإنثروبولوجيا والإثنوغرافيا ، في الواقع، لقد اعتقد أن الإنثروبولوجيا هي أفضل مقاربة فكرية في الدراسات المقارنة للأفكار والمفاهيم التي تتجاوز الزمان والمكان[12]. ربما كان هذا السبب، في مساهمته في كتاب “ثقافة الكتابة”  السابق ذكره ، الذي جعله يركز اهتمامه على النص النظري الواضح – بعكس الإثنوغرافيين – أعني البحث الشهير لإرنست غيلنر وعنوانه ” الأفكار والمجتمع”.  “فكرة الترجمة الثقافية” هو المقال الذي يعمل من خلال عدد من الخطوات التي تكشف في مجموعها الفرضيات التي تقوم عليها حجة غيلنر حول الترجمة والتفسير. وبشكل أدق، كان أسد ميّالا إلى فهم “الترجمة” كممارسة تنطوي على “قراءة الكامن والمضمّن” في ألفاظ السكان الأصليين وتعبيراتهم التي يستخدمونها. المترجم / المفسر يبدو دائما قادر على تمييز أو كشف المعان الخفية كما هي عند السكان الأصليين.  جزء من المشكلة مع الحجج التي تشبه حجة غيلنر، كما يقول أسد متمسكا برأيه، هو أنها تفتقد إلى التفكير المنظم أو تحجب التفاوت في علاقات القوة بين اللغات من مجتمعات العالم الثالث ولغات المجتمعات الغربية. “ونقطتي الوحيدة – بعبارة أسد – هي أن عملية الترجمة الثقافية تتأثر بأشكال السلطة –  المهنية ، على المستوى الوطني والعالمي.  وفي حضور هذه السلطات يتم السماح للإثنوغرافيين لأن يقوموا بالكشف عن المعاني الكامنة للمجتمعات التابعة لها. وبالنظر إلى أن هذا هو الحال، فإن السؤال المثير للاهتمام ليس هو السؤال عما ينبغي أن يكون عليه علماء الأنثروبولوجيا تجاه الثقافات الأخرى، ولكنه السؤال عن كيفية تدخل السلطة في عملية “الترجمة الثقافية” سواء بطريقة منطقية أو غير منطقية[13].

 

II

منذ الثمانينات ، وأسد قد حوّل اهتمامه بطريقة أكثر منهجية إلى دراسة الدين ، لا لمجرد دراسة الدين (الإسلام والمسيحية)، بل إلى للبحث عن إجابة للسؤال ماذا يعني لتخصص مثل الإنثربولوجيا أن يقوم بدراسة الدين بشكل عام؟. الجزء المركزي في هذا العمل هو أن الخروج من هذا التساؤل سوف يقود إلى استكشاف الطرق المختلفة التي كانت التحولات التاريخية تعطيه لأشكال معقدة ومترابطة من الأشكال العلمانية والدينية والتي شكلت عاملا حاسما في ظهور أوروبا الحديثة وأشكال المعرفة والسلطة التي تستعملها اليوم. مدخل أسد في هذه المسألة تم عن طريق مناقشة موسعة لمفهوم الدين كما وجدت في عمل الإنثروبولوجي المشهور كليفورد غيرتز[14].  باستخدام النقد الذي يربط باستمرار بين التاريخي والنظري، أسد يوضح بدقة كيف أن التعريف العالمي للدين والمطروح من قبل غيرتز يتكئ على بنية مفاهيمية مدينة بشكل عميق إلى التطورات التي حصلت خلال نشأة المسيحية الحديثة، وبالتالي فهي ذات قيمة محدودة في تحليل التقاليد الأخرى. وأهم من ذلك، أن المشكلة في نموذج غيرتز ليست مجرد تفضيل لأحد الأديان (المسيحية) على حساب الأديان الأخرى، وهو أمر يمكن التغلب عليه بإلتخلص الحذر من مسيحيتها وافتراضاتها المركزية التي تقوم عليها تلك الرؤية.  بالأحرى ، يمكن القول  أن الفكرة العامة للدين باعتباره أمرا مشتركا بين التجارب الإنسانية تدين بشكل مباشر للتطورات اللاهوتية التي حدثت خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، وتحديدا إلى ظهور مفهوم الدين الطبيعي وهي فكرة أن الدين هو سمة من سمات المجتمعات كافة، يتضح ذلك بشكل جلي في عالمية نظم الاعتقاد والممارسات العبادة، وقواعد الأخلاق. كما يلاحظ أسد:

 ما يبدو اليوم عند علماء الأنثروبولوجيا باعتباره أمرا بدهيا هو أن الدين اليوم هو في الأساس مسألة معان رمزية مرتبطة بأفكار عن النظام العام (يعبر عنها من خلال الطقوس أو الاعتقادات أو كليهما ) ، ذلك أن لديها  وظائف/ميزات عامة ، وهذا يعني أنه يجب ألا تكون مختلطة مع أي من أشكال تاريخية أو ثقافية معينة لها، هو في الواقع إنها وجهة النظر أو رؤية لديها تاريخ مسيحي معين. من كونها مجموعة محددة من القواعد العملية مرتبطة بعمليات محددة من السلطة والمعرفة، لقد آن الأوان ليكون الدين عالميا .  وبهذه الخطوة لن يكون ما لدينا هو مجرد زيادة في التسامح الديني، وبالتأكيد لن يكون مجرد اكتشاف علمي جديد، بل سوف يكون لدينا طفرة في مفهوم ومجال الممارسات الاجتماعية التي هي في حد ذاتها جزءا من تغيير أوسع في النظرة الحديثة إلى السلطة والمعرفة[15].

هنا مرة أخرى نرى قلق أسد من تأثير الموقع الأيديولوجي على المعرفة الإنثروبولوجية، مع جينالوجيا التفضيلات الأخلاقية. التقاليد المتنوعة التي يسميها علماء الأنثروبولوجيا أديان لا يمكن أن تفهم على أنها تطور ثقافي للشكل العالمي من التجربة الإنسانية أو أنها نوع فريد من المعرفة البشرية، بل يجب أن يتم تحليلها في سياقها الخاص بها، كمنتجات من ممارسات معينة من المعرفة والسلطة، والقوة. في محاولته لتحديد معالم هذا التحقيق، سوف يجد أسد أنه من الضروري على نحو متزايد إشراك أديان الآخرين، العلمانية، كما هي متمثلة في هذا المفهوم، وكذلك إضافة الممارسات ونشر القوة التي جلبت إلى المسرح، والتي لا تزال ترسخ التفسير الحديث للدين على أنه شكل فريد (ومشوه أيضا بشكل فريد) من أشكال الفهم الإنساني.

أثناء انخراط أسد مع عمل غيرتز المتركز على محاولة هذا الأخير إلى وضع تعريف عالمي للدين، كان نقده لاستخدام غيرتز لصيغ الرموز والمعاني التي تمتد بعيدا وراء قدرة أي مؤلف أو مجال للبحث العلمي. وبخلاف ما كان في ذلك الوقت اتجاها متزايدا في الأنثروبولوجيا لفهم الثقافة باعتبارها نصا أساسيا “نظام من الرموز” كما حددها غيرتز، الذي يعني أنها كانت مهمة الأنثروبولوجيا في فك تشفيرها  ، كان أسد يصر على أن معاني الرموز يجب أن تفهم من خلال علاقاتها بالسياقات العملية في إطار عمل تلك الرموز ومن خلال أشكال الانضباط الاجتماعي بقراءات محددة قادرة وناجزة أي منتهية. عندما يحاول علماء الأنثروبولوجيا أو المؤرخين الاقتراب من الظواهر الثقافية ومعالجتها كنصوص جاهزة للقراءة، فإنهم يتبنون موقف اللاهوت الحديث، الذي يأخذ الدين ليدور في الأساس حول الاعتقادات المعبر عنها في شكل رمزي. “هل يمكن أن نعرف” أسد يتساءل في هذا المقال، “ما الذي تعنيه [الرموز الدينية] بغض النظر عن التخصصات الاجتماعية التي يتم من خلالها تأمين قراءتهم الصحيحة؟”[16]. هذا هو بالضبط البعد التخصصي الذي قام أسد بتأسيسه في مقالين لاحقين بشأن استخدام اللغة والرمز ضمن برامج الرهبانية – التدين – المرتبطة بتشكيل الفضائل[17]. لقد كان مهتما في هذه المقتطفات من مادة المحاضرة بحضور السياقات العملية التي تستخدم فيها الكلمات، وبخاصة لشروط السلطة، والقوة، والمعرفة المتخصصة التي يتم من خلالها تعلم الممارسات (لغوية وغير ذلك) واستنساخها، متوقعا أن ما بعد البنيوية تركز على الجزء الخارجي من لغة، على ما أشار قامبريت باسم ” مجمل الظواهر التي تسهم في تأسيس المعني من غير أن تكون لها معاني قائمة بذاتها”[18].

ومع اهتمامه بمسألة (المبالغة في الوعي) داخل نظريات العمل الإنساني، بما في ذلك النظريات الماركسية على أساس التمييز بين القوة (المادية) والموافقة (الذاتية) (أو بين “البنية” و “القوة”)، أسد وجه انتباهه بشكل متزايد إلى جوانب التضمين البشري، واستكشاف بعض الطرق المختلفة حيث الألم، والانفعالات، والممارسات الملموسة، والحواس تتصل مع بنية الممارسات التقليدية. وكما في أعماله الأخرى، أنه تخلى عن الفهم الآلي للجسد لصالح المقاربة الجينالوجية منتبها إلى الطريقة التي تتأطر فيها المادية وتنتشر في الممارسات الثقافية. المفاهيم الجسدية التي استعملها في مقاربته لمختلف الإشكالات التاريخية، على سبيل المثال، الإحساس المنضبط، والألم والمعاناة والممارسات الملموسة، والإيماءات -لا تفترض أي نوع من الجسد ولكن، على العكس من ذلك، تأخذ تعدد الهيئات التاريخية باعتبارها افتراض مسبق ضروري للتحليل الجينالوجي. ومن أجل تأطير مثل هذا السؤال حول التجسيد البشري، أسد سوف يفضل الأسلوب التحليلي الذي يقاوم الخطاب التقليدي المعارض على غيره من الخطابات.  على أنه لم يشر إلى ذلك صراحة إلا في مواضع قليلة في عمله هذا، صيغة ماكنتاير لمعنى التقاليد سوف تمد أسد بأداة تصورية أساسية للتفكير وراء تقسيم الجسم والثقافة، وذلك لفتح تحقيق في استجابات محددة تاريخيا لمهمة الوجود المتجسد الملموس[19]. في مقاله: ” فكرة أنثروبولوجيا الإسلام” الذي نشر في عام 1986، قال فيه أسد أن علماء الأنثروبولوجيا عندما يحاولون فهما لإسلام فإنهم يعتمدون على مفهوم “التقليد الخطابي”: أي تلك الخطابات والممارسات من الحجج، المحددة تصوريا مع ماض مثالي وتعتمد على المشاركة التفسيرية مع مجموعة من النصوص التأسيسية، من خلال ممارسي التقليد الذين يميزون الإجراءات الصحيحة من تلك غير صحيحة[20]. في كتاباته الأخيرة، قال إنه يبدو جليّا أن هذه الصيغة فاشلة في تقدير كاف للجوانب الملموسة للفعل التقليدي.  إعادته للنظر في هذه النقطة تحمل بصمة من اثنين من الكتّاب على وجه الخصوص: مارسيل موس، وتحديدا مقاله الاستفزازي حول تقنيات الجسد، بسبب تصوره للجسد على أنه “أداة تقنية” الأمر الذي سيخفيه ” كوسيلة قابلة للتطوير من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف الإنسانية[21] ” والآخر هو :  ميشيل فوكو، الذي حلل بمنهجية جينالوجية الطرق المتنوعة التي ينبني بها ” الجسد المنصاع “من قبل السلطة ، مما كان له تأثيرا واضحا على مقاربة أسد للتقاليد المسيحية في القرون الوسطى[22].

واصل أسد استكشاف موضوع التجسيد في كتابه الأخير “تشكلات العلمانية” ولكن مع زيادة التركيز على تلك الجوانب المادية التي تشكّل ما يمكن تسميته الاحتكاك المتولد ضمن التقاليد جوانب مثل الألم، والشيخوخة، و الولادة[23]. كما هو الحال في تحقيقاته السابقة، يشير على أن جينالوجيا السلطة الحديثة هي التي أن توجه الأسئلة التي طرحها فيما يتعلق بكل من العلمانية والجسد. يوفر الألم نقطة استراتيجية للدخول في هذه المسألة، وذلك بسبب كل من الطريقة التي يقاوم الاحتواء ضمن ثنائيات من العقل / الجسد (أو الثقافة / الطبيعة) ولكونه يلعب دورا في تأسيس فهم معياري معين عن الألم ضمن التصورات الحديثة عن الإنسان. في الفصول التي تتناول مثل هذه الموضوعات المتنوعة مثل حقوق الإنسان والسادية المازوخية، والتعذيب، قال إنه يستكشف مشاعر علمانية-ليبرالية للألم كجزء لا يتجزأ من الشعبية الغربية ، القانون ، والخطابات الإدارية، فضلا عن نشر القوات العسكرية ، مثل هذه الإحساسات والإدراكات تخدم السلطة. يظهر أسد أن الالتزام لمنع آلام لا داعي لها والمعاناة التي خدمت لتحديد النظرة الأخلاقية الحداثية لا تؤدي إلى تنفيذ مشروع يهدف إلى القضاء عليها، بل تعمل مع أنظمتها و بعض الأفكار من النفعية والنسبية كوحدة مترابطة.  وهكذا فإن استخدام العنف ضد السكان المحليين والخصوم الخارجيين لا يزال هو العنصر الأساسي في أسلوب السياسية الحديثة، ولكن تمارس في اتفاق مع العقلانية النفعية، وتمرير هذه الممارسات في كثير من الأحيان تحت عتبة الشعارات والاستجابات الأخلاقية. وكما في مواضع أخرى من أعماله، نجد أن المناقشة هنا تسعى للكشف عن أشكال العنف التي يسمح بها المشروع الحديث لأنسنه العالم، الذي يسعى إلى التحول القسري (وغالبا بعنف) للمجتمعات الغربية وغير الغربية على حد سواء على أساس ما اتخذ ليكون معاييرا عالمية لنوع المعاناة المقبولة وغير المقبولة.

في محاولة لفتح المجال لتقييم الافتراضات التي تقوم عليها هذه المعايير، نثر أسد تحليله مع أمثلة على الطريقة التي يولد بها الألم ويعيش في المواقع الثقافية والتاريخية المختلفة. الإحساس بالتقاليد الذي يبدأ في الظهور هنا (وخاصة في فصل “التفكير في الجسد والألم”) يشير إلى وجود مجموعة من التقنيات المرتبطة زمنيا حيث يبدأ البشر التكيّف مع هذه الظروف الجسدية وجودية، تفهم في الوقت نفسه كمصدر للاحتكاك مع التصاميم الإنسانية وأدوات تمكنه من تحقيق الأهداف البشرية المتميزة. الألم وغيره من الأبعاد الجسديه لا تكتسب أهميتها فقط من خلال المعاني الثقافية المتميزة المخصصة لها ولكن أيضا، والأهم من ذلك، من خلال اقتصاديات العمل لأنها تجعل من الممكن: “يا لها من خبرات ذاتية كالألم، وكيف، لا يتم ببساطة تأمله ثقافيا وبدنيا، إنهم أوضاع للعلاقات الحياتية. القدرة على العيش في مثل هذه العلاقات مع مرور الوقت تحول الألم من تجربة سلبية إلى تجربة إيجابية نشطة ، وبالتالي تحدد واحدة من طرق العيش المعقول في العالم[24]“. الأجسام – التي هذبت، وعانت وفحصت وأعطيت قدرا كبيرا من المسئولية – تؤسس شروطا بنائية للعمل والتأسيس الأخلاقي .  هذه المقاربة تبعد كلا منهما عن علم الظاهريات – حيث يتم تحليل الممارسات الثقافية في علاقتها بمجموعة من التوجهات الجسدية الفطرية – وعن فهم الجسم كسطح تنقش عليه الثقافة معان مختلفة. عند أسد ،تعتبر اللغة والجسد عنصران يؤسسان معا الحياة البشرية، لا يمكن أن تختزل بداهة إلى أي بنية من التحديدات ولكن يجب أن تدرس في سياق تنوعها وخصوصيتها الثقافية.

وأخيرا، كانت مساهمة أسد في التنظير والتحليل للإسلام المعاصر عميقة. سواء في المادة المذكورة أعلاه، “فكرة أنثروبولوجيا الإسلام”، أو في أماكن أخرى من كتاباته، لقد أعلن أسد عن تحديا لعلماء الأنثروبولوجيا وغيرهم من علماء الإسلام والذي سيبقى نقطة حتمية ومرجعا أساسيا في التحصيل العلمي في هذا المجال. وكانت تدخلاته في هذا المجال في المقام الأول من خلال التعامل مع مجموعة متنوعة من الكتابات الأنثروبولوجية والتاريخية عن الإسلام، مشاركاته التي سعى فيها إلى فك العديد من المفاهيم الأساسية المستخدمة في وصف المجتمعات الإسلامية وذلك باستخدام المنهجية الجينالوجية.  هنا، كما في أماكن أخرى في عمله، لا يزال أسد منتبها إلى الدور الذي تقوم به هذه المفاهيم داخل أدوات النصوص التحليلية والأهم من ذلك، لرسوخها التاريخي في غضون الأشكال الحديثة للسلطة، ولوظيفتها السلطوية في إطار مشاريع الدمار وإعادة التشكل. في مقال معالجة أثر الإصلاح العلماني في مصر الحديثة، على سبيل المثال، قال إنه يستكشف كيف أن مفردات القوانين والأخلاق والسياسة الحديثة خلقت فضاءات جديدة للعمل (العلماني) ولكنها أيضا انعكست من خلال الأحاسيس والإدراكات وجسدّت استعدادات متجذرة في تقاليد الإسلام[25]. مفتاح لهذا الاستكشاف هو الحجة القائلة إنه تمت مقاربة العلمانية، لا من حيث هي فصل مذهبي السلطة الدينية والسياسية، ولكن من حيث هي مفهوم جمع بشكل متكامل بين الأحاسيس والمعارف، والسلوكيات بطرق جديدة ومتميزة.

في مجموعة من الكتابات السياسية الأكثر صراحة، طبّق أسد أسلوبه في التحليل النقدي لدراسة الخطاب الأوروبي المعاصر على وضع الأقليات المسلمة في أوروبا. وكان المفتاح لهذا العمل مساءلة الطريقة التي من خلالها تعمل فيها الاتجاهات العلمانية والليبرالية -ابتداء من فكرة التسامح إلى شعارات الاستيعاب والتكامل -على وضع العوائق أمام إمكانية قبول واستيعاب المسلمين (وبخاصة أولئك المسلمين الذين يعتبرون دينهم مرتبطا بسياساتهم) من قبل دول أوروبا.

المقالات التي احتواها هذا الكتاب تشمل جوانبا مختلفة لهذا العمل الاستثنائي.  وسوف تلاحظ أن المواضيع والحجج التي تم تعيينها وتحديديها من قبل الأفراد المساهمين تتراوح على نطاق واسع، إلا أنها تتلاحم في اتجاه مشترك بين الممارسة النقدية وغزارة الانتاج. من المهم أن نلاحظ أن هذا ليس كتاب تذكاري، وليس كتابا احتفاليا، ولكنه سلسلة من الاحتكاكات مع مفكر عمل أعمالا تستحق أن تعرف وتفهم على نحو أفضل.

 

 


[1] One source for this view, of course, is ludwig wittgenstein, On Certainty, ed. G. e. M. anscombe and G. h. von wright (oxford: Blackwell, 1969). asad has always been a keen reader of wittgenstein.

[2]  Bronislaw Malinowski, A Diary in the Strict Sense of the Term (new York: harcourt Brace, 1967).

[3] Talal asad, The Kababish Arabs: Power, Authority and Consent in a Nomadic Tribe (london: christopher hurst, 1970). this book was based on asad’s doctoral research among the Kababish, a nomadic arab people in northern sudan, carried on while holding a teaching post at the university of Khartoum between 1961 and 1966. see david scott, “the trouble of thinking: an Interview with talal asad,” in this volume.

[4]  Asad, The Kababish Arabs, 2.

[5]  Ibid., 10n.1.

[6]  Talal asad (ed.), Anthropology and the Colonial Encounter (london: Ithaca Press, 1973).

[7]  Asad, “Introduction,” in Anthropology and the Colonial Encounter, 12.

[8]  Ibid., 17.

[9] Asad, “two european Images of non-european rule,” in Anthropology and the Colonial Encounter.

[10]  One thinks especially of talal asad, “anthropological texts and Ideological Problems: an analysis of cohen on arab Villages in Israel,” Economy and Society 4, no. 3 (1975): 251–82; and “anthropology and the analysis of Ideology” Man (n.s.) 14, no. 4 (1979): 607–27.

[11]  James clifford and George e. Marcus (eds.), Writing Culture: The Poetics and Politics of Ethnography (Berkeley: university of california Press, 1986).

[12] See talal asad, “ethnographic representation, statistics and Modern Power,” Social Research 61, no. 1(1994): 55–88; and “Introduction,” in Formations of the Secular: Christianity, Islam, Modernity (stanford, ca: stanford university Press, 2003).

[13]  Talal asad, “the concept of cultural translation,” in clifford and Marcus (eds.), Writing Culture, 163.

[14] Clifford Geertz, “religion as a cultural system,” in The Interpretation of Cultures (new York: Basic Books, 1973).

[15]  Asad, “religion as an anthropological category,” in Genealogies of Religion: Discipline and Reasons of Power in Christianity and Islam (Baltimore, Md: Johns hopkins university Press, 1993), 42–43. this is a revised version of “anthropological conceptions of religion: reflections on Geertz,” Man (n.s.) 18, no. 2 (1983): 237–59.

[16]  Asad, “religion as an anthropological category,” 53.

[17] Asad, “Pain and truth in Medieval christian ritual” and “discipline and humility in christian Monasticism,” both in Genealogies of Religion.

[18]  Hans Gumbrecht, “a farewell to Interpretation,” in hans Gumbrecht and K. ludwig Pfeiffer (eds.), Materialities of Communication (stanford, ca: stanford university Press, 1994), 94.

[19] Alasdair MacIntyre, After Virtue: A Study in Moral Theory (notre dame, In: university of notre dame Press, 1984).

[20] Talal asad, “the Idea of an anthropology of Islam,” Occasional Paper Series (washington, d.c.: center for contemporary studies, Georgetown university, 1986).

[21]  See Marcel Mauss, “techniques of the Body,” Economy and Society 2, no. 1 (february 1973): 70–88. asad’s use of the notion of human (as in “human objectives”) has a certain similarity to wittgenstein’s idea of human ways of doing things, as well as “instinctual action,” a similarity that becomes all the more evident in asad’s most recent writings on pain. see ludwig wittgenstein, Philosophical Investigations, trans. G. e. M. anscombe (oxford: oxford university Press, 1968).

[22] See Michel foucault, Discipline and Punish: The Birth of the Prison (new York: Vintage Books, 1979); Technologies of the Self: A Seminar with Michel Foucault (amherst: university of Massachusetts Press, 1988).

[23]  Asad, Formations of the Secular.

[24] Asad, “thinking about agency and Pain,” in Formations of the Secular, 84 (italics in original).

[25] Asad, “reconfigurations of law and ethics in colonial egypt,” in Formations of the Secular.