مجلة حكمة

الراية الحمراء: تاريخ الشيوعية – ديفيد بريستلاند / ترجمة: خالد البدراني

 

The red flag
غلاف الكتاب

توجد اليوم قوتان شيوعيتان فقط في هذا العالم؛ بالمعنى التقليدي للشيوعية، هما: كوبا وكوريا الشمالية. وكلاهما لا يبدوان مثالًا مشرقًا على نجاح الأيديولوجية الماركسية اللينينية. أما القوى الشيوعية الأخرى، كالصين، فقد سلكت طريق السلامة، متكيفة للبقاء كيلا تفنى. وإن كانت الصين اليوم تقدم مثالًا يحتذى على النمو الاقتصادي؛ فإنها قد توقفت منذ زمن طويل عن الصمود في مواجهة أي نموذج للتنظيمات السياسية الجماعية.

خطرت لديفيد بريستلاند فكرة مبهرة -وهو الباحث العريق في شؤون الشيوعية- عن سرد قصة انتشار الشيوعية في مظاهرها المختلفة حول العالم. فقد تتبع الفكرة منذ عهد الثورة الفرنسية في 1789م، مستمرًا في القصة حتى انهيار نظام أنور خوجة في ألبانيا عام 1991م.

 

david priestland

بحث بريستلاند، بموهبته المميزة، هذا الموضوع الذي يصعب على أي مؤلف آخر الخوض فيه؛ بحثه بتجرد ومصداقية ودقة. وساعده في ذلك معرفته الغزيرة في هذا الجانب، التي جعلته يتجه بنجاح إلى عالم الأدب والدراما وصناعة الأفلام. لا يعتبر بريستلاند كاتبًا آسرًا، لكنه دائمًا واضح الأفكار، دقيق التعبير، حتى القارئ العادي سيستفيد من غزارة أفكاره وسعة معرفته.

إن هذا في حد ذاته أمر مثير للدهشة، استذكارًا لما كتبه بنيامين جويت –عميد كلية بيليول في أوكسفورد- في القرن التاسع عشر: “لا توجد معرفة لا أعلمها … ما لا أعلمه لا يعتبر معرفةً”

وبريستلاند نفسه زميل في أوكسفورد (زميل في كلية سانت إيدموند في أوكسفورد) وأستاذ في التاريخ الحديث؛ ربما يعترف بموهبته بشكل أكثر تواضعًا بكثير من جويت. لكن من الضرورة القول بأنه يصعب تجنب أن تكون محايدًا كل الوقت، خصوصًا في التعليق على السياسات التي تتخذها الحكومات في موضوع تخصصه.

ولتحقيق التوازن في هذا الأمر، تميل وجهات نظره إلى أن تكون تقليدية –عطف وإعجاب محدود بغورباتشوف، وازدراء واشمئزاز من عصابة العجائز التي سبقته إلى الحكم؛ كما ينظر بنظرة أقرب إلى التبجيل لهو شي منه-ونادرًا ما يأتي (إن لم يكن معدومًا) برأي غريب وشاذ في كتابه. يصبح هذا الأمر أكثر وضوحًا في سرده التاريخي للسير، حيث استهل حديثه عن الثورات الشيوعية المختلفة، بدءًا من الثورة الروسية عام 1917م. ولا حرج في هذا، فلا يوجد شيء تام بشكله الأصلي، أو محدودًا بما يجب أن يقوله المؤلف. في الحقيقة، لكم كنت أستذكر، في لحظاتي الكئيبة، تلك الجولة في أنحاء العالم التي أخذني بها في صباي الكاتب الأمريكي جون غوتنر.

إن قدرة بريستلاند على رواية الأحداث أكبر من قدرته على التحليل. فهو بالتأكيد يعرف كيف يخبرنا بالأحداث التي سرت في الثورات والانتفاضات الشيوعية المختلفة. ويسرد بريستلاند الأحداث بترتيب زمني، مع اختلاف طفيف في بعض فصول الكتاب، خصصت للحديث عن تاريخ الشيوعية في مناطق جغرافية معينة. وكقاعدة عامة في الكتاب، تكون القراءة أسهل على المرء كلما كان الحديث عن الشيوعية في منطقة غير مألوفة بذلك. هكذا كان الأمر في الجزء ما قبل الأخير، حيث تكلم بريستلاند عن الثورات في العالم الجنوبي من الكرة الأرضية –تاريخ الثورات الشيوعية في أمريكا اللاتينية، وأفريقيا، والعالم العربي وما حوله، وآسيا الوسطى- متحدثًا بطريقة بديعة تكاد تكون غير موجودة في الكلام عن القصص الأخرى التي نعرفها عن هذا الجزء من العالم؛ قصتا ميدان تيانانمين وخليج الخنازير.

لم يمنع كل هذا أن يجازف بريستلاند في بعض أحكامه المبتذلة، ففي فقرته الختامية غامر بقوله: ” إن تاريخ الشيوعية علمنا أمرين اثنين” الأول، كما يدعي بريستلاند، هو “المدى الذي كانت به الشيوعية نظرية هدامة ودوغمائية وطوباوية”. أما الدرس الثاني فهو بالكاد أكثر تحديًا، وهو “الخطر الماثل في عدم المساواة والظلم البين للبشر، الذين تم استغلالهما لجعل تلك السياسات الطوباوية تبدو بشكل جذاب للمرء”. ألا يحق لنا أن نتوقع شيئًا أكثر جسارة من نص يروي أسطورة بروميثيوس بادئا ومنتهيًا بنفس النقطة؟

إن هذا الكتاب جهد قيم يستحق الثناء، يعيبه اعتماده بشكل رئيس على المصادر الثانوية عن الشيوعية. والسؤال الذي يجب أن يبقى مفتوحًا هو: هل يستحق هذا الكتاب كل هذا الجهد الذي وضعه صاحبه في بحثه ودراسته؟

 

 

 

The Red Flag: Communism and the Making of the Modern World by David Priestland /676pp, Allen Lane
المراجعة الأصلية – صحيفة التليقراف