مجلة حكمة
الدرونز الطائرة بدون طيار وأخلاقياته

الدرونز: ما مدى أخلاقية الطائرات بدون طيار؟ – ستيفن لي / ترجمة: إخلاص الصاعدي


الدرونز -أو الطائرات بدون طيّار- طائرات عسكرية يُتَحكّم بها عن بعد، لتُستخدم في المراقبة أو الهجوم. نشأ جدل مُعتبر مؤخرا ، أغلبه أخلاقي، عن استخدامها في القتل المستهدف targeted killings للأشخاص خارج نطاق الحرب التقليدية conventional war. نعني بالحرب التقليدية هنا؛ النزاع المسلح الذي يبدأ ، على الأقل، كصراع بين دولتين. الدرونز مثيرة أخلاقيا ،جزئيا، لأن استخدامها كثيرا ما يقوم على دعوى أخلاقية. نترجم و نلخص هنا – بتصرف- أبرز الأفكار التي تناولها الدكتور ستيفن لي ، الأستاذ في الفلسفة بكليات هوبارت و ويليام سميث، و الأستاذ الزائر بنركز الأخلاق، جامعة تورنتو، في ورقة له.

غالبا ما يطرح تطور التكنولوجيا العسكرية مشاكلا أخلاقية جديدة و صعبة، و الدرونز ليست استثناءا لذلك. عند بحث أخلاقيات تكنولوجيا عسكرية جديدة؛ لعله من المفيد التمييز بين نوعين من المشاكل الأخلاقية التي تثيرها. النوع الأول؛ مشاكل اعتيادية، يمكن حلها بتغيير ضبط التكنولوجيا أو توجيه الأنشطة العسكرية التي تتضمن استخدامها. النوع الثاني من المشاكل؛ مشاكل استثنائية، و هي مشاكل بالغة للغاية و قد تستوجب ألا تُستخدَم هذه التكنولوجيا على الإطلاق. هذا تمييز تقريبي بالطبع. بعض المشاكل الأخلاقية التي تثيرها الدرونز اعتيادية و بعضها استثنائية.

تخوض الولايات المتحدة الأمريكية، و الغرب عموما، حربا عالمية ؛ غالبا ما يشار إليها بـ “الحرب العالمية على الإرهاب” Global War on Terrorism .  تندرج بعض هذه الحروب  تحت نطاق الحرب التقليدية، و يقع البعض الآخر – و هو الأكثر إثارة للجدل- خارج هذا النطاق. علينا أيضا أن نتساءل عما إذا كانت الحرب على الإرهاب حربا على الإطلاق. الحرب على الإرهاب نزاع غير متناظر asymmetric conflict ، و هو النزاع الذي يكون لأحد طرفيه أفضلية كبيرة نسبيا. يَسِمُ هذا اللاتناظر أغلب حروب الولايات المتحدة و القوى الغربية خلال العقود القليلة الماضية. و الحقيقة أن الدرونز مفيدة بالذات في هذا النوع من الحروب الغير متناظرة.

سنعرض في الجزء الأول من المقال اعتراضين استراتيجيين على استخدام الدرونز ، يليها الحجج الأخلاقية التي يدعيها مؤيدو استخدامها، و من ثمّ الاعتراضات الأخلاقية على هذه التقنية.

الدرونز الطائرة بدون طيار
درونز وقت إطلاق القذيفة

الاعتراضات الاستراتيجية

فيما يلي اثنان من أكثر الاعتراضات تداولا، و هما اعتراضان استراتيجيان أكثر من كونهما اعتراضات أخلاقية. إنهما احتراسيين بشكل أساسي، لأنهما لا يهتمان بما تصنعه الدرونز لضحاياها، بل بما تصنعه لمصالح مستخدميها. ينص الاعتراضان على أن لـ الدرونز نتائج عكسية.

يقول الأول بأن الدرونز ببساطة تنتج إرهابيين أكثر مما تقتل، نتيجة لمناخ العداوة الذي تخلقه في البيئة المحلية. ” كل ميت من المدنيين غير المقاتلين يمثل عائلة مبعدة، رغبة جديدة في الانتقام، و مجنّدين جدد للحركات المسلحة؛ و التي نمت أضعافا مضاعفة مع تزايد هجمات الدرونز”. و يهتم الاعتراض الثاني بالكيفية التي يشجع بها استخدام الدرونز الدول الأخرى المعادية للولايات المتحدة لتطوير قدراتها العسكرية. ” لقد سنّت الولايات النتحدة سابقة عالمية بإرسالها الدرونز لقتل أعدائها عبر الحدود”، و من شأن ذلك خلق مناخ من عدم الاستقرار السياسي. من المهم ملاحظة آن احترام القانون الدولي يعتمد على حسٍّ من معاملة المثل بالمثل بين الدول، و هذا ما يتم خرقه.

فضائل الدرونز

يدّعي مؤيدو الدرونز أنها تقنية عسكرية قيمة أخلاقيا؛ نورد هنا ثلاثا من الحجج:

أولا: لـ الدرونز قدرة أكبر على توخّي الدقة؛ مقللة بذلك من الأضرار التّبعية collateral damage و ملتزمة بمبدئي التمييز principle of discrimination و التناسب proportionality. أي أنها، بتعبير آخر، تتفادى ” فخ التناسب” proportionality trap ؛ و الذي عادة ما يجعل عمليات ذات النفع العسكري الأعلى عالية الخطورة على المدنيين ؛و العكس صحيح.

ثانيا؛ استخدام الدرونز لا يعرض حياة الطيار للخطر، بعكس الضربات الجوية التقليدية مثلا، و لا شك أن تقليل إصابات مقاتليك أمر محبّذ أخلاقيا. يدخل هذا ضمن مبدأ حماية القوة force protection . قد يجنبنا استخدام الدرونز شنّ حرب واسعة النطاق؛ تشمل قوات برية، و هذا ما تدعيه الفضيلة الثالثة. إذا كان بالإمكان تحقيق أهداف مهمة ما بـ الدرونز – ضمن خانة القوة العسكرية ما دون الحرب force short of war – ، فهذا أفضل من شنّ حرب برية واسعة النطاق؛ على افتراض أن هذه البدائل مستنفدة. هذه الفائدة تعتبر استخدام الدرونز محققا لشرط المبررات المقبولة لخوض الحرب jus ad bellum ؛ أي استخدام الدرونز كخطوة أخيرة ينبغى تجربتها حتى تستوفي الحرب المستقبلية شرط الحرب هذا.

الاعتراضات الأخلاقية على استخدام الدرونز

قبل الإسهاب في شرح هذه الاعتراضات، لعله من المناسب التقديم بمقدمة تشرح بعض المفاهيم الأساسية.

يمكن تقييم رد فعل الحكومات على الأعمال التخريبية وفق نموذجين: بارادايم الحرب و بارادايم ضبط الأمن – ضمن الجريمة و فرض القانون- poilicing. هناك ضوابط أخلاقية و أخرى قانونية تضبط كل بارادايم. فالتحارب محكوم أخلاقيا بشطر نظرية الحرب العادلة و الذي يعنى بـ “حدود السلوك المقبول زمن الحرب” ؛ jus in bello، و هو محكوم أخلاقيا بالقانون الدولي الإنساني IHL. بالمقابل؛ يقيد ضبط الأمن أخلاقيا باحترام حقوق الأفراد، و يقيد قانونيا بالقانون الدولي لحقوق الإنسان IHRL.

هناك فروق جوهرية بين النموذجين، فمثلا، تُعنى حقوق الإنسان  بسلوك الأشخاص الذين تمارس ضدهم قوة الحكومات، بينما يعنى بارادايم الحرب بالوضع الشرعي/ الرتبة status لهؤلاء الأشخاص؛ ما إذا كانوا مدنيين أو مقاتلين. الفرق الآخر يختص بضوابط القتل. فلا تزهق الروح وفق بارادايم حفظ الأمن/ حقوق الإنسان إلا بموجب إثبات الذنب قانونيا، بينما يسمح بارادايم الحرب بإزهاق الحياة بمجرد التثبت الشخص من رتبة المقابل؛ كبزّة الجندي مثلا. لنتنا،ل الاعتراضات الآن.

I

 نجد استخدام الدرونز للقتل المستهدف خارج نطاق الحرب التقليدية مُشكلا أخلاقيا. يختص هذا الاعتراض بتحديد البارادايم الذي تصنف تحته هذا النوع من الهجمات. نزعم هنا أن هجمات الدرونز للقتل المستهدف ينبغي أن تصنّف تحت بارادايم ضبط الأمن policing و ليس بارادايم الحرب، كما يفترض مستخدموها.

السؤال هنا هو عمّا إذا كانت الحرب ضد الإرهاب حربا أصلا. نحن لا نراها كذلك. مع الأخذ بالاعتبار أن السؤال عن عدالتها سؤال آخرٌ مختلف . يأتي الرد المعتاد على هذا الاعتراض كالتالي: الحرب على الإرهاب حربٌ بالفعل، ساحة هذه المعركة عالمية، و بالتالي هجمات الدرونز على المقاتلين مسموحٌ بها. يمكن حل هذا الإشكال بفحص الحرب على الإرهاب لنرى إن كانت تشبه الحالة التقليدية الكلاسيكية للحرب بما يكفي لتطبيق بارادايم التحارب عليها.

سنرى بأن الحرب على الإرهاب تختلف عن الحرب التقليدية إلى الحد الذي لا يمكن الزعم معه بأنها حربٌ إلا بالمعنى المجازي التشبيهي؛ تماما كـ “الحرب على الجريمة”. فأولا؛ لا تشن هذه الحرب على منظمة بل على تكتيك آلا و هو الإرهاب. و عندما يتم تحديد عدد من المنظمات لتفادى هذا الإشكال، ستقودنا مطاطية خانة ” القوات المعاونة” associated forces إلى قائمة بالمنظمات الإرهابية مفتوحة النهاية. يلاحظ ستيف كول ذلك : “حرب ضد اسم ليست حربا إلا بالاسم “. ثانيا؛ الحرب على الإرهاب ليس لها حدود زمانية أو مكانية؛ إذ أنّ الإرهاب لن يقضى عليه كليا، تماما كما لن تنتهي الجريمة. إنّ أوجه التشابه بينهما كثيرة بالفعل، مما يحدونا إلى اعتبار الإرهاب كشكل من الجريمة يجدر تطبيق باراديم ضبط الأمن عليه !

النقطة الثالثة تتعلق بمفهوم السيادة. تُفهم الحرب في الحالة التقليدية بأنها دفاع عن سيادة دولة ما أو هجوم على سيادة أخرى. تهاجم الحرب على الإرهاب الإرهابيين أينما كانوا ؛ و هم دائما على أرض ذات سيادة بالطبع. قد يطلب إذن لشنّ هجمة الدرونز من الدولة ذات السيادة الحاضنة للإرهابيين؛ لكن الإذن هنا إجراء عملي بحت لتسهيل الهجمة ، ليس ملزما و لا ينمّ عن احترام للسيادة.

 تُجري الولايات المتحدة هجمات الدرونز في مناطق حرب ؛ كــأفغانستان، العراق، و ليبيا، و في مناطق أخرى لا تعد الولايات المتحدة طرفا في نزاعٍ جارٍ فيها؛ كــباكستان ، اليمن، و الصومال. و بينما تشن القوات الجوية الأمريكية الضربات الأولى US Air Force ، تشن وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA الضربات الآخيرة؛ و هي منظمة مدنية أمريكية ! مما يضع سياسة الولايات المتحدة في المعضلة التي نحن بصدد نقاشها: إما أن تكون هجمات الدرونز في مناطق كباكستان مثلا حربا أو لا. إن كانت كذلك – كما تزعم- فلا يُقبل أن يجريها مدنيون، و إن لم تكن كذلك فهي لا تظهر احتراما لحقوق الإنسان التي تحكم بارادايم حفظ الأمن.

خلاصة هذا الاعتراض هو أن استخدام الدرونز في القتل المستهدف خارج مناطق الحرب تحديدا؛ غير أخلاقي. إنه لا يلتزم بـ بارادايم ضبط الأمن، و لا يحترم قانون حقوق الإنسان العالمية. يفترض بقوات حفظ الأمن في حالات مماثلة التحذير قبل استخدام قوة قاتلة، كما يلزمها إثبات الجرم المزعوم قضائيا.

II

من بين المدافعين عن القتل المستهدف مَن يرى أن بارادايم الحرب و بارادايم حفظ الأمن ليسا خيارين مستنفدين بالضرورة ، و ربما يمكننا اقتراح تبرير ثالث باسم الدفاع الوطني national self-defense .

هذا الفهم مبني على الخلط بين شطري نظرية الحرب العادلة؛  مسوغات الحرب jus ad bellum  و jus in bello حدود السلوك المقبول في الحرب. يمكن تبرير الدخول في حربٍ للدفاع الوطني تبعا للمبدأ الأول، لكن ما إن جرت الحرب، فإن قتل العدو يخضع  للأخير. إن استخدام مبدأ الدفاع عن النفس، على أية حال، يتطلب إثبات وجود خطرٍ محدّق لا يمكن تلافيه بوسيلة أخرى غير القتل. أي؛ إثبات الخطر الوشيك و الضرورة.  و تبعا لهذا الفهم، يفشل استخدام الدفاع الوطني كمبرر مقبول للقتل المستهدف للمتمردين المسلحين؛ ذلك أنه يستلزم توسيعا غير مقبول لمفهوم الخطر الوشيك.

III

ما تزال الدرونز تواجه اعتراضات أخلاقية و إن اقتصر استخدامها على نطاق الحرب فقط. يتعلق هذا الاعتراض بمدى استيفائها لحدود السلوك المقبول وقت الحرب.

لنراجع المباديء الثلاث الرئيسة للسلوك المقبول وقت الحرب  jus in bello: التمييز، التناسب، و واجب العناية المستحقة due care. يقتضي التمييز ألا يُهاجم المدنيين؛ لا عمدا و لا بتهاون. يستلزم قانون التناسب ألا تكون الإصابات المدنية غير المتعمدة غير متناسبة مع المنفعة العسكرية المتوقعة. أما واجب العناية العسكرية المستحقة؛ فيتطلب أن يتحمل المقاتلون خطرا إضافيا أثناء أداء المهمة العسكرية من أجل تخفيف الإصابات المدنية.

قد تتسبب الدرونز بإصابات مدنيّة مُفرِطَة؛ مفرِّطةً بذلك بهذه المباديء. قد يبدو هذا لأول وهلة معارضا للفضيلة السابق ذكرها عن تقليل الدرونز للأضرار التبعية، لكن ليس فعلا. فالفضيلة المزعومة نسبيّة؛ تفضّل الدرونز على ما سواها من الوسائل، أما الاعتراض الحالي ؛ فهو يقيم أداءها وفقا لمباديء ثابتة و حد ثابت متمثل بمباديء السلوك المقبول وقت الحرب. الحقيقة أنه من الصعب الوصول إلى الأدلة التي نحتاجها لتقييم هذه المسألة، فسياسة الدرونز محاطة بالتكتم رسميا، التواجد الإعلامي ضعيف في المناطق المستهدفة، و تقديرات الإصابات غالبا ما تكون منحازة.

عند فحص سؤال التناسب؛ لابد أن نعي أنه لا ينبغي للإجابة أن تكون جامعة، بل ينبغي الحكم على كل ضربة على حدة؛ الأمر الذي لا نملك معلومات كافية لفعله. بالرغم من ذلك؛ هناك مؤشرات تدل على انتهاك قانون التناسب. فمثلا؛ نسبة قادة المليشيات البارزين الذين قتلوا بهذه الضربات إلى عدد القتلى الكلي منخفضة للغاية  – ٢٪ في بعض التقديرات-. هناك خاصية آخرى لـ الدرونز تجعل استخدامها مشكلا لقانون التناسب: إنها تُرهب المجتمع المدني. إن تواجدها المتواصل بالمنطقة ” يسبب القلق و الأذى النفسي لسكانها. إن من يعيشون تحتها مضطرون لمواجهة قلق تعرضهم لضربة مميتة في أي وقت و مواجهة عجزهم عن حماية أنفسهم “.

ماذا عن قانون التمييز؟ علينا ألا نتسرع بافتراض استيفائها له. إن الدرونز قادرة على التمييز بقدر ثقتنا بمعلومات الاستهداف الاستخبارية فقط. يمكن للمجنّدين أن يوفروا معلومات استخبارية أكثر دقة من الوشاة المحليين، و لكن سيعرضهم هذا في خطر. أي أن ” دقة الاستهداف و صحة المعلومات الاستخبارية مرتبطان عكسيا باستعدادنا لوضع الممتلكات الثمينة على مقربة من المستهدفين”.  بالإضافة إلى ذلك؛ تمثل بعض استراتيجيات الاستهداف خطرا على التمييز. فمثلا هناك سياسة الضربات المزدوجة double strikes، و التي تضرب الهدف بضربة ثانية تلحق الأولى بمدة قصيرة؛ متسببة بقتل المسعفين. تستهدف بعض الضربات أشخاصا بعينهم personality strikes ، بينما توجه الضربات أحيانا بناءا على الشك signature strikes؛ و غالبا ما يعني هذا أي رجل في سنّ القتال يتصرف على نحو مريب. هذا القتل متهور؛ يخرق قانون التمييز، كما أن القتل بمجرد الشبهة يحتم ارتكاب أخطاء أكثر؛ أي أنه يخرق قانون التناسب بنفس الوقت. يلاحظ جون كاغ و وايتلي كوفمان أننا ” كثيرا ما نخلط بين القدرات التقنية و الأحكام المعيارية بافتراضنا أن دقة السلاح تسهل اتخاذ القرارات الأخلاقية. نميل لأن نفترض أن التقدم التكنولوجي يعني التقدم الأخلاقي”.

ماذا عن مبدأ العناية العسكرية المستحقة؟ حسنا؛ فهذا المبدأ يفترض بألا يقدم الجنود على أكثر من الأذى اللازم لتحقيق المهمة. قد يعني هذا القتل في كثير من الأحيان، لكن هذا المبدأ يُفضّل الأسر متى ما كان ممكنا. إن الانتقاد هنا يوجه إلى ضربات الدرونز  باعتبارها جزءا من سياسة ” اقتل أو اعتقل” بينما لا نراها تطرح خيارا سوى “اقتل”.

IV

كل ما استعرضناه إلى الآن من الانتقادات يدخل ضمن المشكلات الاعتيادية التي يمكن تجاوزها بتغيير طريقة استخدام الدرونز . بقية الاعترضات أدناه قد لا يمكن تجاوزها بهذه البساطة. سنناقش المستقبل المحتمل لحروب تقليدية تخاض جزئيا أو حصريا بـ الدرونز على مختلف أنواعها. سيفتح هذا المجال لحروب غير متناظرة ؛ يخوضها أحد طرفيها بـ الدرونز بلا مساندة/ مساندة بسيطة من القوات البرية، و سنشير إلى ذلك بحرب اللا تناظر المفرط extreme asymmetry . لا تعرض هذه الحروب جنود الطرف الأقوى إلا لخطر ضئيل.

بإمكاننا أن نعترض على الدرونز ، و إن كان من الصعب معرفة وزن هذا الاعتراض، من حيث أن استخدامها يحتم رفض الفضائل العسكرية التقليدية. إنها لا تعطي فرصة للمقاتلين ليعبروا عن فضائل البطولة و الشجاعة؛ إنها وسيلة قتال غير شريفة. يجلس مشغّل الــ درون في مقصورته التي تبعد عن هدفه آلاف الأميال؛ كما لو كان يلعب لعبة فيديو. بالإمكان تخيل الباكستاني الذي تحوم فوقه الزنانة ملوحا بقبضته للسماء غاضبا: لِمَ لا تنزل و تقاتلني كرجل ؟

و في اعتراض مرتبط؛ نقول بأن الدرونز تتجاهل الفضائل القتالية بكونها لا تعطي فرصة للخصم بأن يستسلم. في الحقيقة؛ حق الاستسلام جزء من القانون الدولي الإنساني IHL . لكن سياسة القتل المستهدف بـ الدرونز لا تجعل من استسلام الخصم أمرا متعذر التطبيق أحيانا، بل تجعل رفضه متأصلا فيها.

V

يجادل هذا الاعتراض بأن استخدام الدرونز غير عادل، في حالة حروب اللا تناظر المفرط.

 أحد المظاهر المميزة للحرب منذ استهلالها هو تبادل الخطر؛ أي أن مقاتلي الطرفين عرضة للقتل. نجد أن الحروب عديمة الخطر riskless wars تحطم هذا التبادل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تبادلية الخطر لا تعني بالضرورة التكافؤ في الخطر. إن حروب اللا تناظر المفرط تجعل إيذاء مقاتلي أحد الطرفين متعذرا تقريبا.

يعبّر مايكل والزر عن هذا بجلاء قائلا ” أتفهم كليا التزام القادة بحماية أرواح مواطنيهم، كلهم، لكن هذا ليس موقفا أخلاقيا ممكنا. لا يمكنك أن تقتل ما لم تكن مستعدا لأن تموت”.  للمقاتلين من الطرفين تصريح بالقتل و كلاهما معرض للقتل كذلك؛ إذا سقط أحد الأمرين، سقط الآخر. يتلو هذا استنساج أنه لا يحق لمقاتلي الطرف الأقوى القتل؛ في الحروب عديمة الخطر. قد يبدو هذا متعارضا مع مبدأ حماية القوة force protection . فكما يجادل مؤيدو الدرونز كـ برادلي ستراوسر : يحق للدول أن تستنفد كل ما بوسعها لحماية مقاتليها، و الامتداد المنطقي لهذا يتيح للدولة، إن استطاعت، توفير الحماية المطلقة لقواتها. و لكن عندما تؤخذ حماية القوة إلى أقصاها ، كما في الحرب عديمة الخطر، منكرةً التبادلية، يصبح استخدام العنف العسكري غير مقبول.

يلاحظ ديفيد رودن : ” الأهمية الفعلية لاعتراض العدل هو التالي: إذا كانت الحرب ، كما تقترح نظرية الحرب العادلة، علاجا مقبولا أخلاقيا لإصلاح نوع ما من الظلم، فعلى العدل إذن أن ينص على أن هذا العلاج متاح للضعيف كما للقوي. بالفعل؛ إن الضعيف تحديدا هو الأكثر حاجة لمثل هذا النوع من الحماية.”

VI

اعتراض آخر يُوجّه لـ الدرونز و هو أنّ استخدامها يرفع القيود السياسية على العنف العسكري، مما يقوض التحكم الديموقراطي و يهدد باستخدامها المستمر. أي أن استخدامها يجعل من دخول الحكومات حربا جديدة أمرا آسهل و ذلك بتقليل كلفتها السياسية محليا.

يأخذنا هذا الاعتراض لأبعد من نقاش الحرب العادلة.

تلجأ الدولة للعنف العسكري في بيئة سياسية تتوازن فيها دوافع الحرب مع القيود عليها.  القيود ، على وجه الخصوص، مهمة ؛ و ذلك لأن دوافع دولة قوية للحرب لتنمية مصالحها جلية و مؤثرة؛ بالذات في حالة اللا تناظر العسكري. إحدى أكبر القيود السياسية الداخلية هو حجم المعارضة الداخلية للحرب التي يتوقع الساسة مواجهتها. فتصبح الدرونز هنا ” التقنية التي ترفع آخر الحواجز السياسية للحرب”.

إضافة إلى أن هذه الحروب تخاض بقدر أدنى من الرقابة، فإنها تقوض العملية الديموقراطية بانعدام النقاش المحلي على شأنٍ بهذه الأهمية. إن تكلفة التحرك العسكري بـ الدرونز قليلة؛ ليس لفتور الشعب تجاهها فحسب، بل لانخفاض تكلفتها المادية أيضا. بالفعل؛ فـ الدرونز تَعِدُ بحرب رخيصة دمّاً و مالا، بالنسبة للدولة المتفوقة تكنولوجيا فحسب. فالأضرار التبعية المدنية العراقية أو الأفغانية مثلا، كما يلاحظ كاغ، لا تشكل كلفة جوهرية للجماهير الأمريكية المحلية. نتيجة لذلك؛ يمكننا توقع زيادة تعاقب الضربات أو زيادة طول الحرب كتبعات محتملة. إن الإرهابيين خصوم لن يهزموا أبدا، كما الجريمة و المجرمين. هذه لعبةٌ لا نهاية لها، و ليس لها هدفٌ قابلٌ للتحقيق ليؤذن بختام الأعمال العسكرية.

خاتمة

نستنتج مما استعرضناه التالي: ردا على الفضيلة المزعومة الأولى بشأن تمييز الدرونز أهدافها؛ نجد أنها ، و كما تستخدم بالواقع ، لا تستوفي أيّـــاً من مباديء التمييز و لا التناسب. بالنسبة للفضيلة الثانية بشأن توفير الدرونز الحماية للقوة العسكرية، فإننا نرى أن الحماية القصوى للقوة ليست فضيلة أخلاقية، بل العكس، خاصة في حالات اللا تناظر المفرط. و أخيرا؛ افترضت الفضيلة الثالثة أن الدرونز بديل لخوض حرب واسعة النطاق؛ لكننا نجد أن هاذين الخيارين ليسا مستنفدين لجميع الاحتمالات. فكثيرا ما استخدمت الدرونز في حالات لن تُشنّ فيها حرب واسعة النطاق حال غيابها.

إذا كانت الاعتراضات و الحجج أعلاه صائبة، فإنه استخدام الدرونز غير مقبول أخلاقيا، في حالتين عامتين على الأقل: في الصراعات على غرار الحرب على الإرهاب و في الحرب التقليدية ذات اللا تناظر المفرط.

ندرك أن اتفاقيات حظر الدرونز غير محتملة؛ نظرا لأنها جزء مكمل للسياسات العسكرية لدول كبرى، و دولٍ أخرى تسعى إلى اللحاق بها. علينا أن نوضح أنّ هذه المشكلات الاستثنائية لا تحصل للتكنولوجيا عندما يستحيل استخدامها بطريقة مقبولة أخلاقيا، بل عندما يصبح محتملا جدا أن ينتهي استخدامها -عندما نفعل- بطريقة غير مقبولة أخلاقيا.  لعله من المناسب استحضار مقولة كاغ و كوفمان ختاما: ” نادرا ما ينتقد الأخلاقيون الاعتماد على القدرات التقنية في الحرب، إذ أنّ تطويرها جاء باسم الأخلاق أصلا “.