مجلة حكمة
privacy الخصوصية موسوعة ستانفورد للفلسفة

الخصوصية – موسوعة ستانفورد للفلسفة / ترجمة: شيماء البلوشي

حول تاريخ الخصوصية ، وخصوصية المعلومات، والحق لدستوري في الخصوصية ، ونقد الخصوصية ، ووضعها الحالي مع التطور الكنولوجي؛ نص مترجم للـد. جوديث ديكو  ، من ترجمة: شيماء البلوشي، ومراجعة: سيرين الحاج حسين. والمنشور على (موسوعة ستانفورد للفلسفة). ننوه بأن الترجمة هي للنسخة المؤرشفة في الموسوعة على هذا الرابط، والتي قد تختلف قليلًا عن النسخة الدارجة للمقالة، حيث أنه قد يطرأ على الأخيرة بعض التحديث أو التعديل من فينة لأخرى منذ تتمة هذه الترجمة. وختامًا، نخصّ بالشكر محرري موسوعة ستانفورد، وعلى رأسهم د. إدوارد زالتا، على تعاونهم، واعتمادهم للترجمة والنشر على مجلة حكمة.


يُستخدم مُصطلح الخصوصية مِرارًا في اللغة الاعتيادية، كما يُستخدم في النقاشات الفلسفية، السياسية، والقانونية. وبالرغم من ذلك، لا يوجد تعريف، أو تحليل، أو حتى معنى منفرد لهذا المصطلح. ولمفهوم الخُصُوصِيَّة جذور تاريخية عميقة في نقاشات العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجية حول كيفية تقدير مُختَلف الثقافات لخُصُوصيتها، والمحافظة عليها. بالإضافة إِلى ذلك، فلمفهوم الخُصُوصِيَّة منشأ تاريخي في نقاشات فلسفية أساسية، لا سيما تمييز أرسطو بَينَ المجال العام للنشاط السياسي والمجال الخاص المرتبط بالعائلة والحياة المنزلية. ومع ذلك فَإنَّ الاستخدام التاريخي لهذا المصطلح ليس متطابقًا، ولايزال هُنَاكَ لبس حول معنى، وقيمة، وحيّز مفهوم الخصوصية .

ظهرت أطروحات مبكرة عن الخصوصية مع تطور حِمَايَة الخُصُوصِيَّة في القانون الامريكي منذ 1890م، حيث عُللت حِمَايَة الخُصُوصِيَّة انطلاقا من قاعدة أخلاقية. يساعد هذا المنشور عَلَى التفريق بَينَ الاعتبارات التوصيفية للخُصُوصِيَّة لوصف ما ينبغي حِمَايَته كخُصُوصِيَّة، والاعتبارات المعيارية دفاعًا عن قيمتها وحدود حِمَايَتها. يتطرق البعض في هذه النقاشات للخُصُوصِيَّة كاهتمام ذو قيمة أخلاقية، بَينَما يشير إليها آخرون كحَقّ أخلاقي أو قانوني لابد أن يحميَه المجتمع أو القانون. ومن الواضح أن بإمكان شخص ما أن يَكُون لامباليًا تجاه خُصُوصِيَّة شخص آخر- إن وجدت – دون أن يعد ذلك انتهاكا.

هناك العديد من الاعتبارات الجدلية للخُصُوصِيَّة. وِفقًا لحجة متداولة لا يوجد حَقّ في الخصوصية ، ولا تُعد بالضرورة قيمة استثنائية، لأن أي مصلحة تم حِمَايَتها كشيء خاص يمكن تفسيرها بواسطة مصالح أو حقوق أخرى، أبرزها حقوق الملكية والأمن المادي (Thomson,1975). يدّعي ناقدون آخرون أن اهتمامات الخصوصية ليست متميزة لأن المصالح الشخصية التي تحميها غير مؤثرة اقتصاديا (Posner,1981)، وليست مبنية عَلَى أساس قانوني كافي (Bork,1990)، كما يوجد هُنَاكَ النقد النسوي للخُصُوصِيَّة، وهو أن منح أي وضع استثنائي للخُصُوصِيَّة مضر بالنساء وكذلك بآخرين، لأنه قد يُستخدم كغطاء للسيطرة والتحكم بالنساء، وإلزامهن بالصمت، وإخفاء سوء المعاملة (MacKinnon,1989).غير أن معظم الباحثين يدركون أن الخصوصية مفهوم ذو قيمة ومعنى. برزت النقاشات الفلسفية بشأن تعريفات الخصوصية في النصف الثاني من القرن العشرين، وبدت متأثرة بشكل عميق بتطور حِمَايَة الخصوصية في القانون. دافع البعض عن الخصوصية كونها تحكما في المعلومات الشخصية (Parent,1983)، بَينَما دافع عنها آخرون كمَطلب للكرامة الإنسانية (Bloustein,1983)، أو كضرورة للحميمية (Gerstein,1978;Inness,1992). يدافع منظرون آخرون عن الخصوصية بوصفها ضرورية لتطوير علاقات شخصية متنوعة وذات معنى (Fried,1970:Rachels,1975)، أو كقيمة تُمكّننا من تقييد إمكانية وصول الآخَرين إلينا (Gavison,1980;Allen,1988;Moore,2003)، أو كمجموعة من الأعراف الأساسية لتحسين التعبير الفردي والقدرة عَلَى الاختيار (Schoeman, 1992)، أو كخليط من جَمِيع ما سبق (DeCew, 1997). يتعقَّد النقاش حولَ مفهوم الخصوصية كونها أمرًا نُقدّره بشدة لأنها توفر لنا حيزًا حرًّا للتصرُّف بعيدًا عن تدخل الآخَرين، مع ذلك يبدو أن للخُصُوصِيَّة جانبًا سلبيًا عندما تُستخدم كغطاء للسيطرة عَلَى النساء، وامتهانهن، وإيذائهن جسديا.

ستناقش المقالة كل هذه المواضيع، تحديدا :1) الجذور التاريخية لمفهوم الخصوصية ، بما فيها تطوُّر حِمَايَة الخصوصية في الضرر والقانون الدستوري، والردود الفلسفية عَلَى الرأي القائل بأن الخصوصية اختزالية فحسب، أو أنها مفهوم متماسك ذو قيمة جوهرية. 2) نقد الخصوصةية كحق. 3) المجال الواسع للتعريفات الفلسفية للخُصُوصِيَّة او الدفاع عن الخصوصية كمفهوم، وتقديم رؤى بديلة حول معنى الخصوصية وقيمتها (وما إن كَانت متّصلة بالثقافة). 4) التحديات التي تواجه الخصوصية في عصر التقنيات الحديثة. وبشكل عام، فَإنَّ أغلب الكُتاب يدافعون عن قيمة حِمَايَة الخصوصية رغم الصعوبات المتوارثة في تعريفها واحتمال استخدامها لإخفاء الاعتداءات. تُقدِّم مجموعة المقالات المعاصرة حول الخصوصية دليلاً قويا يدعم هذه النقطة Paul et al., 2000)). يبحث المؤلفون المشاركون في عِدّة جوانب لِحَقّ الخصوصية ودورها في الفلسفة الأخلاقية، النظرية القانونية، والسياسة العامة. ويقومون كذلك بمعالجة المبررات والحجج التأسيسية لحقوق الخصوصية .

 

  1. تاريخ الخُصُوصِيَّة

 

  • 1 خُصُوصِيَّة المعلومات

  • 1 الحَقّ الدستوري في الخُصُوصِيَّة

  • 1 الاختزالية ضد التماسكية

 

  1. نقد الخُصُوصِيَّة

  • 2 اختزالية تومسون

  • 2 النقد الاقتصادي لبوزنر

  • 2 رأي بورك

  • 2 النقد النسوي للخُصُوصِيَّة

  1. أراء حول معنى وقيمة الخُصُوصِيَّة

  • 3 الخُصُوصِيَّة والتحكم بالمعلومات

  • 3 الخُصُوصِيَّة والكرامة الإنسانية

  • 3 الخُصُوصِيَّة والحميمية

  • 3 الخُصُوصِيَّة والعلاقات الاجتماعية

  • 3 الخُصُوصِيَّة وإمكانية الوصول المحدودة

  • 3 حيز الخُصُوصِيَّة

  • 3 هل الخُصُوصِيَّة نسبية ؟

  1. الخُصُوصِيَّة والتكنولوجيا

  • 4 البعد الاجتماعي للخُصُوصِيَّة

  • 4 الخُصُوصِيَّة والتعارض مع قيم أخرى

  • المراجع

  • الوسائل الاكاديمية

  • مراجع عَلَى الشبكة العنكبوتية

  • مدخلات ذات صلة


 

 

1.تاريخ الخصوصية

 يعتبر تمييز أرسطو بَينَ المجال العام السياسي (بولس) polis، والمجال الخاص المنزلي (أويكس) oikos، كمجالين مختلفين للحياة، مرجعا كلاسيكيًا للدلالة عَلَى النطاق الخاص. ويُستخدم هذا التمييز بَينَ العام والخاص كإشارة إِلى نطاق سلطة الحكومة مُقَابِل نطاق التنظيم الذاتي كما وصفه جون ستيوارت مل في مقاله عن الحرية. يظهر هذا التمييز أيضًا في مناقشة لوك للمُلكية في مقالته الثانية عن الحكومة. في الحالة الطبيعية فَإنَّ جَمِيع هبات وخيرات الارض مشتركة وبمعنى ما تُعتَبر عامة. ولكن الفرد يَمتَلِك نفسه وجسده، ويستطيع بجهده أن يحصل عَلَى ممتلكات خاصة به. شرحت مارجريت ميد وعلماء أنثروبولوجيا آخرون الأساليب التي تحمي بها الثقافات المختلفة خُصُوصياتها عبر التستر، الانعزال، أو تقييد إمكانية الوصول إِلى المراسم السرية (Mead, 1949). أظهر مسح قام به آلان ويستن (1967) عَلَى دراسات حول الحيوانات أن الرغبة في الخصوصية لا تقتصر عَلَى الإنسان فقط. وبالرّغمِ من ذَلِك، فَإنَّ ما يصطلح عَلَى تسميته خاصا يتفاوت في هذه السياقات المتعددة. وعلى سبيل المثال لا الحصر قد تشير الخُصُوصِيَّة إِلى مجال منفصل عن الحكومة، نطاق غير مناسب لتدخلاتها، آراء ومعارِف مُحرمة، العزلة أو إمكانية الوصول المحدودة.

 

  • خُصُوصِيَّة المعلومات

بدأت المناقشات المكتوبة لمفهوم الخصوصية باتخاذ شكل أكثر تنظيما مع ظهور المقال الشهير لصامويل وارن ولويس برانديز “الحَقّ في الخُصُوصِيَّة” (Warren and Brandeis, 1890) مستشهدين “بالتغيرات السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية” والاعتراف “بحَقّ المرء في أن يُترك وشأنه”، ناقش الاثنان بأن القانون الحالي وفر وسيلة لحِمَايَة خُصُوصِيَّة الفرد، وبحثا طبيعة ومدى تلك الحِمَايَة. مشدديْن إِلى حد كبير عَلَى الصُّحُف الورقية والتصوير الفوتوغرافي الذيْن كانا يُعدان ابتكاران جديدان في مجال الإعلام والصحافة في ذلك الحين. مشيرين كذلك إِلى الانتهاكات في سياقات أخرى، وركزا عَلَى التعدي عَلَى الخُصُوصِيَّة الذي نتج عن الإفشاء العلني لمعلومات تتعلق بحياة المرء الخاصة. شعر وارن وبرانديز أنه من الممكن حِمَايَة الكثير من الحالات بموجب حَقّ أكثر عمومية في الخُصُوصِيَّة يحمي حدود مشاركة الفرد لأفكاره وعواطفه مع الآخَرين. منبهين عَلَى أن المقال ليس محاولة لحِمَايَة المنتجات، أو الملكية الفكرية، بل لتحقيق الطمأنينة التي تلازم حِمَايَة الخُصُوصِيَّة، ذكر وارن وبرانديز أن الحَقّ في الخُصُوصِيَّة يستند عَلَى مبدأ “حُرمة الفرد” والذي كان جزءا من حَقّ الحصانة، “حَقّ الفرد في هويته” (Warren and Brandeis 1890, 195, 215). اعتقد كل منهما، أن مبدأ الخُصُوصِيَّة، كان جزءا من القانون العام وحِمَايَة مبدأ ” منزل المرء قلعته”، ولكن التكنولوجيا الحديثة جعلت من المهم الاعتراف بشكل واضح ومنفصل من الحِمَايَة تحت مسمى الخُصُوصِيَّة. واقترحا أن قيود الحَقّ في الخُصُوصِيَّة يمكن تحديدها عن طريق قياسها مع قانون القذف والتشهير، ولن تمنع نشر معلومات عن مسؤولي الحكومة المُرَشَّحين لسباق الرئاسة،مثلا. وبهذا أرسى كل من وارين وبرانديز أساس مفهوم الخُصُوصِيَّة الذي أصبح يُعرَف فيما بعد بالتحكم في المعلومات الشخصية.

ورغم أن الحالات الأولى بعد نشر هذا المقال لم تحصل عَلَى الاعتراف بحَقّ الخصوصية ، سرعان مابدأت الجماهير ومحاكم الولايات والمحاكم الفيدرالية بتأييد وتوسيع الحَقّ في الخصوصية . كتب وليام بروسر في عام 1960م عن نشوء أربع اهتمامات مختلفة في الخصوصية ، في محاولة لتنظيم ووصف الحَقّ الجديد للخُصُوصِيَّة بشكل أكثر وضوحا لتأييده في قانون الضرر. لم يدعي بروسر تقديم تعريف دقيق للخُصُوصِيَّة، معترفا بوجود لبس وتناقض في تطور حِمَايَة الخصوصية في القانون، ومع ذلك وصف بروسر أربع حقوق مؤكدة للخُصُوصِيَّة :

1) التطفل عَلَى عزلة الفرد، أو انعزاله أو عَلَى علاقاته الخاصة.

 2) الكشف العلني لحقائق خاصة محرجة بشأن الفرد.

3) التشهير الذي يترك انطباعا خاطئا عن الفرد لدى العامة.

 4) الاستيلاء عَلَى هوية الفرد او هيئته من أجل مصلحة ما (Prosser 1960, 389).

أشار بروسر إِلى أن التطفل في الحَقّ الاول في الخصوصية اتسع إِلى ما هُوَ أبعد من التطفل البدني، ولفت الانتباه إِلى أن وارن وبرانديز أبديا اهتماما بالحَقّ الثاني في الخصوصية بشكل رئيسي. الا أن بروسر شعر أن الانتهاكات الحقيقية والمطالبة العامة أدت إِلى القبول بالأشكال الاربعة لانتهاكات الخصوصية . في رأي بروسر، لم تحصل ثلاثة أسئلة هامة عَلَى إجابات واضحة في ذلك الحين: 1) هل يصادر الظهور العلني الحَقّ في الخصوصية 2) هل تظل الحقائق التي تعد جزءا من السجل العلني خاصة 3) هل مرور وقت طويل يؤثر عَلَى خُصُوصِيَّة إفشاء المعلومات. من المُلاحظ أن وارن وبرانديز كتبا أراءهما المعيارية حول ما شعرا أنه جدير بالحِمَايَة بموجب تشريع للخُصُوصِيَّة، بَينَما بروسركان يصف ما استطاعت المحكمة حقيقة حِمَايَته في السبيعن سنة التي تلت نشر مقال وارن وبرانديز. بالتالي ليس من المفاجيء أن يختلف تعريفهم للخُصُوصِيَّة. بسبب إقرار المحكمة العليا الواضح بشأن كون الخُصُوصِيَّة سببا رئيسيا في حِمَايَة التعديل الرابع، فَإنَّ الخُصُوصِيَّة بوصفها تحكما في المعلومات الشخصية أصبحت في نظر الكثير تتضمن الحِمَايَة ضد التفتيش الغير مصرح به، التنصت، المراقبة التلفزيونية، رصد وسوء استخدام الاتّصَالات الشخصية. يقدم توماس نيجال (2008) نقاشا معاصرا للخُصُوصِيَّة، الكتمان، التشهير، والانكشاف.

بصرف النظر عن الحِمَايَة الراسخة لخُصُوصِيَّة الضرر للتحكم بالمعلومات الشخصية في المحاكم، والقبول العالمي لقيمة خُصُوصِيَّة المعلومات من قبل الفلاسفة والعامة، ناقش أبرهام نيومان (2008) وآخرون بشكل مقنع كون الولايات المتحدة الامريكية، ودول متعددة في آسيا قد طورت نظاما محدودا لحِمَايَة الخصوصية يركز على التنظيم الذاتي للمصانع والشركات بحيث تكون المعلومات الشخصية متاحة بسهولة. عَلَى النقيض، تبنى الاتحاد الاوروبي رؤية بديلة تركز عَلَى حِمَايَة المستهلك و الخصوصية الفردية ضد المصالح الاقتصادية للشركات ومسؤولي القطاع الحكومي. تطور هذا النموذج الأخير من مبادئ شاملة حول خُصُوصِيَّة البيانات سُنت في التوجيهات الإرشادية لحِمَايَة البيانات التي أطلقها الإتحاد الاوروبي عام 1995م والذي تبنته بشكل او بآخر كل الدول السبع والعشرون في الاتحاد الاوروبي. امتد الأسلوب الأوروبي لحِمَايَة الخصوصية سريعًا عبر العالم الصناعي، وقاد النقاش العالمي، بَينَما تبقى الولايات المتحدة الامريكية استثناء كبيرا، معولة عَلَى سياسة عدم التدخل بخُصُوص حِمَايَة المعلومات الشخصية ومزيج من التوجيهات حول الخصوصية . يتضمن هذا المزيج تنظيمات الخصوصية عن سجلات التلاميذ، تأجير أشرطة الفيديو، قانون حِمَايَة خُصُوصِيَّة الاطفال عَلَى الشبكة ((COPPA ,2000، نظام حِمَايَة المعلومات الصحية الخاصة بالمرضى(HIPPA,2006)  وغيرها الكثير.

قام الاتحاد الأوروبي بتمكين مفوضي الخصوصية الفردية أو مجموعة الوكالات ذات الخبرات التقنية، وإعطائهم سلطة حكومية، تمكنت من تشكيل ائتلاف ضاغِط لِتعزِيز حِمَايَة الخصوصية الفردية، تقضي بعدم جمع المعلومات الشخصية أو استخدامها في أغراض لم يتم إقرارها من قبل الفرد، وما شابه. يتناقض هذا بحدة مع التوجه الامريكي الذي يسمح لجهات مثل شركات التأمين وأرباب الاعمال بإمكانية وصول وافرة إِلى معلومات شخصية لم تشملها إرشادات الخصوصية المنفصلة، بالنظر إِلى غياب الدعم الحكومي لتشريعات أكثر شمولا للخُصُوصِيَّة وفي ظل نظام سياسي منقسم. عموما، وقفت الولايات المتحدة الامريكية باستحقاق وراء الجدال حول حاجة الشركات والحكومات إِلى الوصول بحرية إِلى البيانات الشخصية لتحقيق النمو الاقتصادي والأمن العام، بَينَما أرسل الاتحاد الاوروبي إشارة مترابطة مفادها أن الخصوصية قيمة حساسة في مجتمع معلوماتي صلب لأن المواطنين لن يشاركوا في بيئة شبكية إلا إذا شعروا أن خُصُوصيتهم مكفولة ضد الشركات واسعة الانتشار والمراقبة الحكومية.

 

  • الحَقّ الدستوري في الخُصُوصِيَّة

في عام 1965 تم الاعتراف بوضوح من قِبل المحكمة العليا بحَقّ مختلف للخُصُوصِيَّة، مستقل عن خُصُوصِيَّة المعلومات والتعديل الرابع. يُعرَف الآن بالحَقّ الدستوري في الخُصُوصِيَّة. تم الإعلان عن هذا الحَقّ لأول مرة في قضية غريسولد ضد كونيتيكت Griswold v. Connecticut ( 381 U.S. 479)، التي ألغت الاتهامات الموجهة لطبيبة من كلية يل للطب ومديرة عيادة لتحديد النسل بتقديم معلومات، أو إرشادات، ووسائل منع الحمل للمتزوجين. وصف القاضي وليام دوغلاس الحَقّ الدستوري في الخُصُوصِيَّة بأنه حِمَايَة لنطاق من الخصوصية يشمل مؤسسة الزواج والعلاقة الجنسية للمتزوجين. رغم الجدل الذي دار حول رأي دوغلاس سرعان ما استخدم الحَقّ الدستوري في الخُصُوصِيَّة لإلغاء الحظر عن الزيجات المختلطة، السماح للأفراد بحيازة مواد إباحية في نطاق المنزل، والسماح بتوزيع وسائل منع الحمل للأفراد، سواء كانوا عزابا أو متزوجين. أشهر تطبيق لهذا الحَقّ في الخُصُوصِيَّة هُوَ السماح للحَقّ في الاجهاض عام 1973 في قضية روو ضد وايد (Roe v. Wade  410 U.S. 113) والقرارات اللاحقة في هذا الخُصُوص. بَينَما يطلق دوغلاس عَلَى هذا الحَقّ حقا ناقصا منبثقا من الدستور، تعجز المحكمة عن تعريفه بشكل جلي، كان هُنَاكَ تصور عام أنه حَقّ يحمي اهتمامات المرء الشخصية في استقلالية قراراته فيما يخص عائلته وأسلوب حياته. تحديد القرارات الشخصية التي يحميها هذا الحَقّ يعتمد عَلَى بنية المحكمة. في عام 1986 في قضية باورز ضد هاردوك Bowers v. Hardwick (478 U.S. 186) لم تشمل الخُصُوصِيَّة حظر قوانين مناهضة اللواط في جورجيا، رغم تضمنها ممارسات حميمية.

تواصلت الانتقادات للحَقّ الدستوري في الخُصُوصِيَّة، خُصُوصا في الصُّحُف الشعبية، حيث بدت قضية روو ضد وايد (Roe v. Wade) متعثرة، وكثيرون رأو أن القرار في قضية باورز (Bowers) دليل عَلَى زوال الحَقّ الدستوري في الخُصُوصِيَّة. لكن في عام 2003 في قضية لورنس ضد تكساس Lawrence v. Texas ( 538 U.S. 918)، حكمت المحكمة العليا في لصالح 5 مُقَابِل 4 أن قانون تكساس الذي يجرم الانخراط في الممارسة الحميميية بَينَ شخصين من نفس الجنس يعد انتهاكا للحِمَايَة المتساوية المكفولة بَينَ الأفراد والاهتمامات الحيوية في الحرية والخُصُوصِيَّة المحمية بموجب الدستور، وبالتالي تم نقض الحكم في قضية باورز ضد هاردوك ( Bowers v. Hardwick). تقدم جين كوهين (2002) دفاعا نظريا عن رأي ضمني بخُصُوص الحَقّ الدستوري في الخُصُوصِيَّة. حيث تدافع عن مقاربة تأسيسية لحَقّ الخصوصية والحميمية، مجادلة أن حَقّ الخصوصية يحمي الاستقلالية الفردية وأن حِمَايَة الحَقّ في الخُصُوصِيَّة دستوريا لا غنى عنه للإدراك الحديث للمنطق وتأويلها للاستقلالية. في الوقت الحاضر هُنَاكَ العديد من الدول التي تحمي اهتمامات فيما يعرف الان بالخُصُوصِيَّة الدستورية، دون إثارة للجدل الذي يبدو أنه أكثر شيوعا في الولايات المتحدة الامريكية. عَلَى سبيل المثال، تم استخدام الخُصُوصِيَّة الدستورية للإطاحة بقوانين مناهضة المثلية، وحِمَايَة حَقّ الفرد في اختيار شريك الحياة. إلا أن عدة دول في أوروبا، تحمي الزيجات المثلية، مثل هولندا التي تسمح بهذه الزيجات منذ ما يقارب العشر سنوات، وأخيرا ألمانيا التي سمحت بها عام 2017.

 

  • الاختزالية ضد التماسكية

أحد الطرق لفهم الدراسات المتزايدة حول الخصوصية هُوَ تقسيمها إِلى فئتين رئيسيتين، من الممكن تسميتهما الاختزالية والتماسكية. ينتقد الاختزاليون الخُصُوصِيَّة بوجه عام، بَينَما يدافع التماسكيون عن القيمة الجوهرية والمتماسكة للخُصُوصِيَّة. أدخل فرديناند شومان (1984) مصطلحا مختلفا بعض الشيء لتسهيل فهم هذا الاختلاف. وِفقًا لشاومان، يعتقد عدد من المؤلفين بأن:

“… هُنَاكَ شيء ما جوهري، متكامل، ومميز بخُصُوص الاهتمامات التي أدرجت معا بشكل تقليدي تحت تشريع “قضايا الخُصُوصِيَّة”. في معارضة لهذا الموقف، ناقَش البعض بأن القضايا التي صنفت كمسائل خاصة متنوعة ومتباينة، لذا فهي مرتبطة ببعضها بشكل سطحي. حاج آخرون أنه عندما يتم الدفاع أخلاقيا عن مطالبات الخُصُوصِيَّة، فَإنَّ المسوغات يجب أن تشير في النهاية إِلى مبادئ يمكن تصنيفها بشكل مستقل عن أي اهتمام بالخُصُوصِيَّة. بناء عَلَى ذلك، يتواصل الجدال، أنه لا شئ مميز أخلاقيا بشأن الخُصُوصِيَّة. سأشير إِلى الموقف الذي يدعي أن هُنَاكَ قاسما مشتركا لكل مطالبات الخُصُوصِيَّة بالنظرية “التماسكية “. أما الموقف الذي يزعم أنه يجب ان يتم الدفاع عن مطالبات الخصوصية أخلاقيا بواسطة مبادئ مميزة للخُصُوصِيَّة ستسمى بنظرية “التميز”.

يجادل الباحثون الذين ينكرون كلا من النظرية التماسكية ونظرية التميز أن كل فئة من مطالبات الخُصُوصِيَّة تحتوي عَلَى قيم متنوعة ومشتركة مع قضايا اجتماعية أخرى وأن هذه القيم تستنفد مطالبات الخُصُوصِيَّة. يدفعنا هذا الموقف المعقد إِلى إقصاء النقاشات عن الخصوصية والدفاع ببساطة عن اهتماماتنا بالمعايير الاخلاقية والتصنيفات القانونية (Schoeman 1984, 5)”.

 

يسمى هؤلاء الباحثون الأخيرون الذين يرفضون كلا من نظرية شومان التماسكية ونظرية التميز بالاختزاليين، حيث يرون أن ما يسمى باهتمامات الخصوصية قابل للتحليل والاختزال إِلى مطالبات من نوع آخر، مثل إلحاق الأذى العاطفي أو مصالح الملكية. ينكر الاختزاليون وجود أي فائدة تذكر في اعتبار الخُصُوصِيَّة مفهوما منفصلا. ولذا يستنتجون أن لا شيء تماسكي، متميز، أو نير حول اهتمامات الخُصُوصِيَّة.

في المقابل، أكد مزيد من الباحثين وجود شيء أساسي ومميز ومتماسك حول المطالبات المختلفة التي سميت باهتمامات الخُصُوصِيَّة. تحمل الخصوصية في هذا الرأي قيمة كمفهوم متماسك وجوهري، ويعترف معظم الافراد بها كمفهوم نافع. يُطلَق عَلَى مؤيدي هذا الرأي التماسكيون.غير أنه من المهم الاعتراف بأن التماسكيون لديهم أراء متنوعة، ومتداخلة في بعض الأحيان، حول ماهية ما يُمَيِّز الخُصُوصِيَّة، وما الذي يربط مطالب الخُصُوصِيَّة المختلفة ببعضها.

 

 

  1. نقد الخُصُوصِيَّة

1.1 اختزالية تومسون

ربما تكون جوديث تومسون (1975Judith Jarvis Thomson) صاحبة أشهر نظرة اختزالية للخُصُوصِيَّة. مع مراعاة قلة الاتّفاق عَلَى تعريف الخُصُوصِيَّة، بحثت تومسون في عدد من الحالات التي أُعتُقِد بأنها انتهاكات للحَقّ في الخُصُوصِيَّة. بيد أن تومسون تعتقد أنه يمكن تفسير كل هذه القضايا بشكل كاف ومتساو كانتهاكات لحقوق الملكية أو لحقوق الفرد كحَقّ عدم التنصت. في النهاية يبدو الحَقّ في الخُصُوصِيَّة في رأي تومسون مجموعة من الحقوق فحسب. وهي حقوق دائمة التداخل، ويمكن شرحها بشكل تام بواسطة حقوق الملكية أو الحَقّ في الأمان الجسدي. تعتبر تومسون أن الحَقّ في الخُصُوصِيَّة “مشتق” بمعنى أنه لا حاجة للعثور عَلَى ما تشترك فيه مجموعة حقوق الخُصُوصِيَّة. وِفقًا لتومسون فَإنَّ الخصوصية مشتقة في أهميتها ومبرراتها، وأن أي انتهاك للخُصُوصِيَّة يجب أن يُفهم كانتهاك لحَقّ أكثر أساسية. يقدم العديد من المعلقين حججا قوية ضد انتقاد تومسون (Scanlon, 1975; Inness, 1992).

 

  • النقد الاقتصادي لبوزنر

يستعرض ريتشارد بوزنر (Richard Posner, 1981) اعتبارا انتقاديا للخُصُوصِيَّة، مقترحًا بأن أنواع المصالح التي تحميها الخُصُوصِيَّة ليست مميزة. وهذا اعتبار فريد من نوعه لأنه يناقش كون الخُصُوصِيَّة محمية بأساليب غير فعالة اقتصاديا. وبخُصُوص المعلومات، يرى بوزنر أن الخصوصية يجب أن تحمى فقط عندما يَكُون الوصول إِلى المعلومات مُقَلًّا من قيمتها ( مثلا إطلاع التلاميذ عَلَى رسائل التوصية يجعل هذه الرسائل أقل مصداقية، ومن ثم تفقد قيمتها، لذا يجب أن تبقى سرية). وبالتركيز عَلَى الخُصُوصِيَّة عند التحكم بالمعلومات الشخصية، يجادل بوزنر أن الكتمان والكشف الانتقائي عن المعلومات عادة ما يستخدم للتضليل والتلاعب بالآخَرين، أو من أجل فائدة اقتصادية خاصة، لذا فَإنَّ حِمَايَة الخُصُوصِيَّة الفردية هي أقل قبولًا مما يظنه الآخرون لأنها لا تحقق أقصى قدر من الثروة. إجمالا، يدافع بوزنر عن خُصُوصِيَّة الشركات والمنظمات بوصفها أكثر أهمية من الخُصُوصِيَّة الشخصية، لانها ذات فائدة اقتصادية.

  • رأي بورك

يوجه روبرت بورك (Robert Bork, 1990) انتقادا للحَقّ الدستوري في الخصوصية الذي أسس بواسطة المحكمة العليا عام 1965م. يرى بورك أن القرار الصادر في قضية غريسولد ضد كونتيكت (Griswold v. Connecticut) هُوَ محاولة من المحكمة العليا للتحيُّز في قضية اجتماعية وثقافية، ومثال لقانون دستوري سيء. يركز بورك في هجومه عَلَى القاضي وليام دوغلاس (William O. Douglas) ورأي أغلبية القضاة في قضية غريسولد. تعتبر نقطة بورك الاساسية أن دوغلاس لم يستنبط الحَقّ في الخصوصية من القانون الطبيعي أو من قوانين سابقة بل ابتدع حقا جديدا لا أساس له في الدستور أو ميثاق الحقوق. كان بورك محقا في أن كلمة “خُصُوصِيَّة” لم تظهر مطلقا في تلك الوثائق. بيد أن دوغلاس جادل أن حَقّ الخُصُوصِيَّة من الممكن أن يَكُون قائما عَلَى ضمانات مستمدة من التعديل الأول، الثالث، الرابع، الخامس، والتاسع. بالأخذ بها جَمِيعا، فَإنَّ الحِمَايَة التي وفرتها هذه التعديلات لعبت دورا في حِمَايَة حيز أساسي من خُصُوصِيَّة المواطنين، واشتملت عَلَى حِمَايَة قدرة الفرد في اتخاذ قرارات شخصية متعلقة بحياته العائلية. على خلاف ذلك، يجادل بورك بأن 1) التعديلات المشار إليها لم تغطي القضية أمام المحكمة. 2) لم توضح المحكمة مطلقا ما هو الحَقّ في الخُصُوصِيَّة، وإلى أي حد قد يمتد. 3) أن حَقّ الخُصُوصِيَّة لا يحمي سوى ما أراد أغلبية القضاة شخصيا أن تشمله الحِمَايَة. إجمالا، فَإنَّ بورك يتهم دوغلاس وأغلبية القضاة في المحكمة باستحداث حَقّ جديد، وبالتالي تجاوز حدودهم كقضاة بخلق قانون جديد بدلا من تأويله. يدافع الكثيرون عن رأي بورك، في السياسة والصحافة الشعبية.

 

يجادل باحثون مثل وليام بارنت (1983) و جوديث تومسون (1975) أن الحَقّ الدستوري في الخصوصية ليس في الواقع حقا للخُصُوصِيَّة، بل قد يوصف بجدارة على أنه حَقّ في الحرية. عَلَى النقيض تماما، يعتقد معلقون آخرون بأن رأي دوغلاس معيب في دفاعه، مستخدما لغة ضبابية حول حَقّ الخُصُوصِيَّة المبهم والصادر من الدستور والتعديلات، ومع ذلك هُنَاكَ نظرية تاريخية ومفاهيمية متماسكة للخُصُوصِيَّة، تختلف عن الحرية، اجتُزئت عبر قضايا الخُصُوصِيَّة الدستورية (Inness, 1992; Schoeman, 1992; Johnson, 1994; DeCew, 1997).

 

كرد عَلَى اتهام بورك بأن حِمَايَة الخصوصية الدستورية لا تتعلق بالخُصُوصِيَّة بل باهتمامات الحرية أو الاستقلالية، فقد تم قبول الحجة القائلة بأنه بَينَما نملك حريات فردية متعددة مثل حرية التعبير، فَإنَّ كثيرا منها لايبدو شخصيا بشكل خاص أو متعلقا بأنماط من الاهتمامات التي قد نعتبرها مسائلا خُصُوصِيَّة. إذا، الحرية مفهوم أوسع من الخُصُوصِيَّة وقضايا الخُصُوصِيَّة ومطالبها هي مجموعة فرعية من المطالبات في الحرية. تأييدا لهذا الرأي، شدد فلاسفة و معلقون قانونيون أن الخُصُوصِيَّة تحمي الحرية، و حِمَايَة الخُصُوصِيَّة تمكننا من تحديد ذواتنا وعلاقاتنا مع الآخَرين وهذه مكاسب مهمة (Allen, 2011; DeCew, 1997; Reiman, 1976, 2004; Schoeman, 1984, 1992).

 

 اعتبار مؤثر يدعم هذا الرأي – فهم الخصوصية كضرورة وقيمة لا غنى عنها للحرية – يأتي من الأدب، هنا اقتباس من ميلان كونديرا.

 

“ولكن في يوم من عام 1970م أو ربما 1971م، بثت الشرطة أحاديثا لبروشازكا (Prochazka) في محاولة للنيل منه ( مع البروفسور فاكلاف سيرني (Vaclav Cerny)، الذي كان يحب رفقته في الحديث والشراب) في حلقات إذاعية. كان فعلا جسورا وغير مسبوق من الشرطة. وقد نجح، فورا فقد بروشازكا مصداقيته، فالمرء يقول كل الأشياء، في مكانه الخاص، يذم أصدقاءه، يلقي نكات بذيئة، يتصرف عَلَى نحو سخيف، يتفوه بهرطقات لن يقرها مطلقا في العلن، يثيراشمئزاز أصدقاءه بأحاديثه الشائنة، وهلم جرا. كلنا نتصرف مثل بروشازكا، نشتم أصدقاءنا عندما نكون بمفردنا، الازدواجية بَينَ العلن والخفاء هي تجربة، يمارسها كل شخص. بل إنها أساس الحياة الفردية، الغريب أن هذه الحقيقة الواضحة بقيت لاواعية، غير ملحوظة، وغامضة للأبد كأحلام مغناة عن بيت زجاجي. أن تفهم أنها القيمة التي تستوجب الحِمَايَة أكثر من أي قيمة أخرى، أمر نادر الحدوث. ولكن شيئا فشيئا أدرك الناس أن الفضيحة الحقيقية ليست كلمات بروشازكا النابية بل حياته التي سلبت منه. لقد أدركوا (وكانهم تعرضوا لصعقة كهربائية) أن الخاص والعام عالمان مختلفان وجوهريان وأن احترام هذا الأمر شيء لا يمكن الاستغناء عنه ( The sin qua non) لرجل يود أن يعيش حرًا، لا تعبث بالستارة الفاصلة بَينَ هذين العالمين، إن من يمزقونها مجرمون بالتأكيد، وعندما يفعلون ذلك خدمةً لنظام كريه، فَإنَّهم جديرون بالازدراء (Kundera, 1984, 261)”.

ليس من الصعب رؤية التشابه بَينَ سيناريو كونديرا والمراقبة الالكترونية والكاميرات المثبتة في الشوارع الشائعة في عصرنا اليوم. هُنَاكَ المزيد من الأدلة التفصيلية عَلَى أن الخصوصية والحرية مفهومان مختلفَان، حيث الحرية مفهوم شاسع، والخُصُوصِيَّة أساسية لحِمَايَة الحرية. نمتلك صيغا عديدة للحرية لا تبدو ذات صلة بما قد نقيمه كأمر خاص وغير ملائم لتدخلات الدولة لأسباب شخصية. حَقّ السفر من ولاية إِلى أخرى دون جواز سفر، عَلَى سبيل المثال، يبدو وجها للحرية يختلف تَمَامًا عن حرية اتخاذ القرار حول الاهتمامات الشخصية والحميمية – مثل استخدام موانع الحمل، اختيار الاجهاض، التعقيم (Buck v. Bell, 274 U.S. 200, 1927) وعملية قطع القناة الدافقة لمنع إنتاج الحيوانات المنوية – (Skinner v, Oklahoma 316 U.S. 535, 1942,، إسقاط قرار ملزم بتعقيم الأفراد الذين ارتكبوا ثلاث جرائم). من الواضح أن المحكمة العليا الامريكية اعترفت بهذا، بالقول أن قضايا الخصوصية الدستورية تتمحور حول اهتمام آخر بالخُصُوصِيَّة ألا وهو ” الاهتمام الفردي في اتخاذ أنواع معينة من القرارات الهامة” (Whalen v. Roe, 429 U.S. 589, 1977).

 

4.2 النقد النسوي للخُصُوصِيَّة

لا توجد صيغة واحدة للنقد النسوي للخُصُوصِيَّة، مع ذلك يمكن القول أن كثيرًا من النسويات يخشين الجانب المظلم للخُصُوصِيَّة، و استخدامها كغطاء يخفي الهيمنة، الإذلال، والاعتداءات عَلَى النساء وآخرين. يميل الكثير إِلى التركيز عَلَى الخاص مُقَابِل العام، بدلا من الخصوصية الدستورية أو المعلوماتية وحسب. وإذا كان التفريق بَينَ النطاق العام والنطاق الخاص يجعل الحيز الخاص خاليا من أي مراقبة فَإنَّ النسويات مثل كاثرين ماكينون (Catharine MacKinnon, 1989) محقات فيما يذهبن إليه أن الخُصُوصِيَّة قد تشكل خطرا عَلَى النساء عندما تستخدم كغطاء يخفي القمع، والإيذاء الجسدي عن طريق تكريس إخضاع النساء في نطاق المنزل والعائلة وتشجيع عدم التدخل من قبل الدولة.

وفقا لأنيتا آلان (1980)، وفي رأي أكثر منطقية، أنه عَلَى الرغم من أن الخصوصية قد تستخدم كغطاء لإخفاء الاضطهاد، فَإنَّه من غير المقبول رفض الخُصُوصِيَّة بأسرها بناء عَلَى اعتداءات تمت في الحيز الخاص. الرفض الكامل للخُصُوصِيَّة يجعل كل شيء عامًا، ويجعل باب المنزل والعائلة مفتوحا عَلَى مصراعيه لمراقبة الدولة. وبالرّغمِ من ذَلِك فَإنَّ للنساء مصلحة من الخُصُوصِيَّة التي قد تحميهن من برامج التعقيم الالزامية في الدولة، او اختبارات فحص المواد المخدرة للنساء الحوامل وإرسال النتائج إِلى جهاز الشرطة، وعلى سبيل المثال، إعطائهن حقوق ضد الاغتصاب الزوجي. وبالتالي فَإنَّ تهاوي الفصل بَينَ الخاص والعام وتحوله إِلى نطاق عام واحد لا يعتبر ملائما. ما يُحير النسويات هُوَ كيفية فهم الخُصُوصِيَّة كفكرة قيمة توفر حيزا خاليا من مراقبة وتدخل الدولة، دون العودة إِلى الفصل التقليدي بَينَ العام والخاص والذي تسبب في إقصاء المرأة عن الحياة العامة، وحصرها في نطاق المنزل والعائلة، وهو الموضع الذي قد يقعن فيه ضحايا للعنف والاستغلال. التحدي بالنسبة للنسويات هُوَ إيجاد طريقة تتولى بها الدولة العنف المنزلي بشكل جاد، بعد أن كان يُسمح به سابقا تحت مسمى الخُصُوصِيَّة، وفي ذات الوقت منع الدولة من الاندساس في أكثر أجزاء حياة المرأة حميمية. وهذا يعني رسم حدود جديدة لتسويغ تدخل الدولة وبالتالي فهم التباين بَينَ الخاص والعام بأساليب جديدة.

 

  1. أراء حول معنى وقيمة الخُصُوصِيَّة

 1.3 الخُصُوصِيَّة والتحكم في المعلومات

أيد معلقون معاصرون مثل فرايد (1970) وبارنت (1983) وجهات نظر ضيقة ركزت عَلَى الخصوصية من حيث التحكُّم في المعلومات الشخصية، وهو اعتبار كان قد دافع عنه وارن وبرانديز ووليام بروسر. بالاضافة إِلى ذلك يصف آلان ويستن الخُصُوصِيَّة بأنها القدرة عَلَى تحديد كيف، ومتى، والى أي مدى نقوم بإيصال معلوماتنا إِلى الآخَرين (Westin, 1967). ربما يَكُون أفضل مثال معاصر قد وضع بواسطة وليام بارنت (William Parent). يفسر بارن دفاعه عن رأي في الخُصُوصِيَّة يتسق مع اللغة العامة ولا يتداخل أو يشتبك بالمعنى الأصلي لمصطلحات أخرى هامة. ويعرفها بالحالة التي لا يَمتَلِك فيها الآخرون معلومات شخصية غير موثقة. يؤكد بارنت أنه يُعرّف حالة الخُصُوصِيَّة، باعتبارها قيمة أخلاقية للأشخاص الذين يقدرون الفردية والحرية، وليس الحَقّ الأخلاقي أو القانوني للخُصُوصِيَّة. يصنف بارنت المعلومات الشخصية كحقائق (وإلا يمكن تغطيتها عن طريق التشهير، الافتراء، والقذف)، وهي حقائق لا يود الأشخَاص في الغالب الإفصاح عنها، مثل الحالة الصحية، الدخل الشهري، الوزن، والميول الجنسية. لا توثق المعلومات الشخصية بحسب بارنت إلاعنما تنتمي للسجلات العامة، مثل الصُّحُف، سجلات المحكمة، وغيرها من الوثائق العامة. و بمجرد أن تصبح المعلومات جزءًا من السجل العام فَإنَّ نشرها بعد مدة طويلة ولجمهور أكبر لا يُعَد انتهاكا للخُصُوصِيَّة، ولا التطفل أو المراقبة التلفزيونية إذا لم يتم الحصول عَلَى معلومات غير موثقة. يرى بارنت أن التدخلات لا صلة لها بالخُصُوصِيَّة في الحالات التي لا يتم الحصول فيها عَلَى معلومات جديدة، ومن الأفضل استيعابها كاختصار للغفلية، الانتهاكات، والتحرش. بالإضافة إِلى ذلك، فَإنَّ ما تم وصفه أعلاه بالحَقّ الدستوري في الخُصُوصِيَّة، يفهم بصورة أكبر عَلَى حد تعبير بارنت بأنه اهتمام بالحرية، وليس الخُصُوصِيَّة. إجمالا، لا تُفقَد الخُصُوصِيَّة في رأي بارنت سوى عندما يحصل الآخرون عَلَى معلومات شخصية غير مسجّلة رسميًا عن الفرد. تقدم ديكو (DeCew 1997) نقدا مفصلا لموقف بارنت. ورغم أن تعريف بارنت يعد قيما لأنه يعتقد فعلا بأن الخُصُوصِيَّة مفهوم متماسك يحمل قيمة جوهرية، لكنه إشكالي لعدة أسباب. إن اعتباره ضيق جدًا، فهو يسمح بالاستخدام الوصفي للمصطلح وليس الاستخدام المعياري. في مثال آخر، إذا كانت المعلومة الشخصية جزءًا من سجل عام، فَإنَّ أشد أنواع التطفل لؤما لن يعد انتهاكا للخُصُوصِيَّة. كما توجد مناقشات لنقاط ضعف أخرى في رأي بارنت (Scanlon 1975, 317) (DeCew 1997).

 

2.3 الخُصُوصِيَّة والكرامة الإنسانية

في مقال كتب خصيصا للدفاع عن ورقة وارن وبرانديز وردا عَلَى وليام بروسر، ناقش بلوستاين (1964 Edward J. Bloustein) وجود قاسم مشترك بَينَ القضايا القانونية المختلفة التي تحمي الخُصُوصِيَّة. وفقا لبلوستاين، فشل كل من وارن و برانديز في تقديم وصف إيجابي للخُصُوصِيَّة، ولكنهما كانا محقين بالإقرار بوجود قيمة منفردة تربط كل اهتمامات الخُصُوصِيَّة، قيمة نسميها “حُرمة الفرد”. من الممكن في رأي بلوستاين تقديم نظرية عامة لخُصُوصِيَّة الفرد للتوفيق بَينَ تفرعاتها المختلفة، و”حرمة الفرد” هي القيمة الاجتماعية المحمية بالخُصُوصِيَّة. فهي تُظهر جوهر الفرد وإنسانيته وهذا يضم كرامة الفرد ونزاهته، استقلاليته، وحريته. احترام هذه القيم هُوَ ما يؤسس ويوحد مفهوم الخُصُوصِيَّة. وبمناقشة الأنواع الأربعة لحقوق الخُصُوصِيَّة التي أقرها بروسر، يدافع بلوستاين عن أهمية كل نوع منها لأنها تحمي الفرد ضد التدخلات وامتهان الكرامة الإنسانية. باستخدام هذا التحليل يربط بلوستاين بوضوح بَينَ حقوق الخصوصية في قانون الضرر الذي وصفه بروسر و حِمَايَة الخصوصية تحت مسمى التعديل الرابع. كلاهما في رأيه يجعلان الفرد عرضة للتمحيص بطريقة قد تؤثر عَلَى استقلالية الفرد وإحساسه بذاته، منتهكة كرامته الإنسانية وشخصيته المعنوية. إن قيمة الحِمَايَة ضد الاذى الذي قد يلحَقّ حرية الفرد، وكرامته الإنسانية هي الخيط المفاهيمي المشترك الذي يجمع قضايا الخُصُوصِيَّة المختلفة التي تحظر إفشاء المعلومات السرية، التصنت، التصنت عَلَى المكالمات الهاتفية، المراقبة التلفزيونية. إجمالا فَإنَّ أفضل طريقة لفهم الخُصُوصِيَّة هي انسجامها مع الكرامة الإنسانية. يتفق بلوستاين عَلَى ضبابية المصطلحات، ولكنه يدافع عن تحليله بوصفه متماسكا مفاهيميا.

 

3.3 الخُصُوصِيَّة والحميمية

ترتبط الخصوصية بالحميمية بشكل عميق وهذا رأي شائع. هناك اتّفاق على أنه لا وجود للحميمية بدون قيمة الخصوصية ( Fried, 1970; Gerety 1977; Gerstein, 1978; Cohen, 2002). يعرف فرايد الخُصُوصِيَّة بصورة محدودة بأنها التحكم في المعلومات الشخصية، وأنها ضرورية للتطور الذاتي للفرد والجانب الأخلاقي والاجتماعي لشخصيته وقدرته عَلَى تكوين علاقات حميمية تتضمن الاحترام، الحب، الصداقة، والثقة. الخُصُوصِيَّة قيًمة لأنها تمنح التحكم في المعلومات عن المرء نفسه، ومن ثم تسمح بالحفاظ عَلَى درجات متفاوتة من الحميمية. وفي الحقيقة لا يحصل الأفراد عَلَى الحب، الصداقة، والثقة إلا عند تمتعهم بالخُصُوصِيَّة والانسجام مع بعضهم. تكتسب الخُصُوصِيَّة أهمية كبرى لدى فرايد، وهذا يفسر أن أي تهديد للخُصُوصِيَّة هُوَ تهديد لنزاهتنا كأفراد. وعند تصنيف الخُصُوصِيَّة كسياق هام للحب، الصداقة، والثقة، يبني فرايد اعتباره عَلَى الإدراك الاخلاقي للأفراد واختلاف شخصياتهم، وعلى مفهوم كانط للفرد ذو الحقوق الأساسية والحاجة لتحديد وتتبع قيمه الخاصة بلا اعتراض أو تعدي من الآخَرين. تتيح الخُصُوصِيَّة هامشًا من الحرية يحدد فيها الفرد علاقاته مع الآخَرين وعلاقته بذاته. وهي بهذا مرتبطة أشد الارتباط بالاحترام واحترام المرء لنفسه.

كما يناقش جيرستاين (1978) أيضًا بأن الحميمية تشترط الخُصُوصِيَّة، حيث تعتبر الحميمية في التواصل والعلاقات بَينَ الأشخَاص ضرورية من أجل تجربة كاملة في الحياة. إن ممارسة الحميمية دون تدخل أو مراقبة ضروري لممارسة العفوية دون إحساس بالخجل. يؤيد شومان (1984) هذه الآراء ويؤكد أن الخصوصية تقدم وسيلة للتحكم بالمعلومات الحميمية عن الفرد نفسها و لديها العديد من المزايا الاخرى، ليس للعلاقات مع الآخَرين فحسب بل وعلى صعيد تطوير الذات أيضا. حددت جولي إينيس (1992) الحميمية كسمة تعريفية للتدخلات التي أطلق عليها بصورة صحيحة انتهاكات الخُصُوصِيَّة. لا تستند الحميمية عَلَى السلوك، بل عَلَى الدافع في رأي إينيس. تقر إينيس أن النشاط الحميمي أو المعلومات الحميمية تستوحي معناها من الحب، الإعجاب، أو الاهتمام. إن الخُصُوصِيَّة هي ما تحمي قدرة الشخص عَلَى الاحتفاظ بمعلوماته الحميمية ونشاطه لتلبية حاجته للحب والاهتمام.

 

4.3 الخُصُوصِيَّة والعلاقات الاجتماعية

يدافع عدد من المعلقين عن وجهات نظر ترتبط عن كثب بالاعتبارات التي تؤكد عَلَى ضرورة الخصوصية للحميمية، ومشددين أيضًا عَلَى أهميتها لتطوير شتى العلاقات الاجتماعية مع الآخَرين. يعترف رايتشلز (Rachels 1975) بعدم وجود إجابة واحدة عَلَى سؤال ما لذي يجعل الخُصُوصِيَّة مهمة لنا، لأنها قد تكون ضرورية لحِمَايَة ممتلكاتنا أو مصالحنا، أو لحِمَايَة الفرد من الإحراج، أو من العواقب الوخيمة التي قد تترتب عَلَى تسرب المعلومات، عَلَى سبيل المثال. بالإضافة إِلى ذلك، ينتقد رايتشلز بصراحة رأي تومسون الاختزالي، ويصر عَلَى أن الخصوصية حَقّ متميز، والخُصُوصِيَّة في رأيه ضرورية للحفاظ عَلَى تنوع العلاقات الاجتماعية، وليس الحميمية منها فقط. تتيح لنا الخُصُوصِيَّة القدرة عَلَى التحكم في هوية مُتلقي معلوماتنا، نوعية هذه المعلومات، ومن يملك إمكانية الوصول إلينا، وبذلك تسمح لنا الخُصُوصِيَّة بتغيير سلوكياتنا باختلاف الأشخَاص الذين نتعامل معهم في وسيلة للحفاظ عَلَى علاقاتنا الاجتماعية التي لن يَكُون الكثير منها حميماً. يشدد رايتشلز في جزء مثير للاهتمام في تحليله للخُصُوصِيَّة عَلَى أوجه لا تقتصر فيها الخُصُوصِيَّة عَلَى التحكم بالمعلومات فقط. تسمح لنا قدرتنا في السيطرة عَلَى كلٍ من المعلومات وإمكانية الوصول بالتحكم في علاقاتنا بالآخَرين، ولهذا ترتبط الخُصُوصِيَّة بسلوكنا وأنشطتنا كذلك.

 

5.3 الخُصُوصِيَّة ومحدودية إمكانية الوصول

تميز مجموعة أخرى من الباحثين الخصوصية من حيث إمكانية الوصول. ويصف بعض المعلقين الخُصُوصِيَّة كوصول حصري للمرء نفسه إِلى حيزه الذاتي، تجادل سيسيلا بوك ( Sissela Bok, 1982) أن الخُصُوصِيَّة تحمينا من إمكانية الوصول غيرالمرغوب فيه من قبل الآخَرين – سواء كان وصول مادي، أو لمعلوماتنا الشخصية، أو لموضع اهتمامنا. دافعت آراء روث جافيسون (Ruth Gavison 1980) بإسهاب عن هذه النظرة الواسعة للخُصُوصِيَّة، بحجة أن الاهتمام بالخُصُوصِيَّة يتعلق بمخاوف بشأن سهولة وصول الآخَرين لنا وعلمهم بنا، ومدى وصول الآخَرين المادي إلينا، وإلى أي حد قد نجذب انتباه الآخَرين. لذا من الممكن فهم الخصوصية عَلَى وجه أفضل كاهتمام بالوصول المحدود ويستطيع المرء أن يحصل عَلَى خُصُوصِيَّة مثالية عندما يتعذر تَمَامًا عَلَى الآخَرين الوصول إِلى معلوماته. بالإمكان الحصول عَلَى الخُصُوصِيَّة عن طريق ثلاثة طرق مستقلة ولكن مترابطة، “السرية” أن لايملك فرد معلومات عن فرد ما، “الغفلية ” ألا يوجه فرد اهتمامه لفرد ما، “العزلة” أن لا يملك فرد وصولا ماديا لفرد ما. ترى جافيسون أن مفهوم الخُصُوصِيَّة هُوَ مجموعة هذه المفاهيم المُعقدة والتي هي جُزء من مفهوم إمكانية الوصول. ويعتبر هذا مفهوما متماسكا، بسبب وظائف الخُصُوصِيَّة المتعلقة به، مثل “تعزيز الحرية، الاستقلالية، الفردية، والعلاقات الإنسانية، وإيجاد مجتمع حر(Gavison 1980, 347).

بمراجعة متأنية لهذه الآراء المختلفة، تميز أنيتا آلان (1980) الخصوصية كدلالة عَلَى درجة حصانة الأشخَاص، وضعهم العقلي، معلوماتهم الشخصية، إِلى إدراك الآخَرين ومراقبتهم. وهي ترى أن التستر، السرية، الكتمان، الغفلية، والعزلة كلها أشكال للخُصُوصِيَّة. وهي تصر كذلك عَلَى أن المثل الليبرالية كالفردية، ومشاركة المواطنين كأفراد متساوين تتطلب وجود الخصوصية . ورغم تشابه آراءها مع آراء جافيسون، الا أن آلان تقترح أن رأيها في إمكانية الوصول المحدودة أوسع من جافيسون. لأن آلان تعتقد أن النساء يفقدن خُصُوصيتهن في المجالين الخاص والعام بسبب كونهن إناث فقط. مشيرة إِلى أن الخُصُوصِيَّة ليست خيرا أخلاقيا لا جدال فيه ولا شرا أخلاقيا مفترضا، مع ذلك تدافع عن مزيد من الحِمَايَة الشاملة لخُصُوصِيَّة النساء في الأخلاق والقانون. وباستخدام أمثلة كالتحرش الجنسي، إخفاء هوية الضحية في جرائم الاغتصاب، الحرية الانجابية، تشدد آلان عَلَى الأهمية الأخلاقية لحِمَايَة خُصُوصِيَّة النساء. من الممكن النظر إِلى اعتبار آلان كرد عَلَى النقد النسوي للخُصُوصِيَّة، أن الخُصُوصِيَّة وإن كانت حجابا للاعتداءات، فهي ذات قيمة عالية بالنسبة للنساء، بحيث يجب تعزيزها وليس التخلص منها. حديثا وبناء عَلَى آراء جافيسون، آلان وآخرون يقدم آدم مور (2003) اعتبارا للخُصُوصِيَّة هُوَ “التحكم في الوصول”. وِفقًا لمور الخصوصية حَقّ نسبي ثقافيا ونوعيا بالنسبة لدرجة التحكم في الوصول للأجساد، المواضع، والمعلومات. وبَينَما يدافع عن نسبية الخُصُوصِيَّة الثقافية والنوعية، يجادل مور أن الخصوصية قيمة موضوعية – وأن الأشخَاص الذين لا يملكون درجة معينة من التحكم في إمكانية الوصول سيعانون بطرق مختلفة. يزعم مور أن الخصوصية مثل التعليم، الصحة، الحفاظ عَلَى العلاقات الاجتماعية، جزء أساسي لرفاهية الإنسان.

 

6.3 حيز الخُصُوصِيَّة

هناك قضية أخرى أوجدت خلافا، حتى بَينَ المنظرين الذين يعتقدون أن الخصوصية مفهوم متماسك. السؤال هُوَ عما إذا كان الحَقّ الدستوري في الخُصُوصِيَّة وحالات الخصوصية الدستورية الموضحة والتي تتضمن القرارات الشخصية حول نمط الحياة والعائلة، تحديد النسل، الاجهاض، والزيجات المختلطة، ومشاهدة مواد إباحية في المنزل، تحدد فئات حقيقية من قضايا الخُصُوصِيَّة أو مجرد إثارة أسئلة من نوع ما عن الحرية. يستثني بارنت بشكل جلي المخاوف حول قدرة الفرد عَلَى اتخاذ قرارات شخصية مهمة بشأن العائلة وأسلوب الحياة كقضايا خُصُوصِيَّة أصيلة، قائلا أن الحَقّ الدستوري في الخُصُوصِيَّة يركز عَلَى الحرية فقط، كما يتّفق مع هذا الرأي آخرون (Henkin 1974) (Gavison 1980) (Thomson 1975d) (Bork (1990. تعرف آلان (1988) الخُصُوصِيَّة من حيث إمكانية الوصول وتستثني من التعريف حِمَايَة الاختيار الفردي المستقل من تدخل الحكومة وتعتبره شكلا من أشكال الحرية. وتشير إِلى أن هذه الحِمَايَة هي خُصُوصِيَّة “قراراتية” وتحديد فئتها يعتمد عَلَى التعريفات والتسميات بشكل بحت. أخيرا تعتقد آلان أن التدخل في قرارات تتعلق بالإنجاب والجنسانية تثير قلقا أخلاقيا وتسيء إلى قيْم الفردية. تدعي المحكمة العليا الآن (Whalen v. Roe, 429 U.S. 589, 1977) أن هُنَاكَ بعدان مختلفَان للخُصُوصِيَّة: التحكم بالمعلومات الشخصية للمرء نفسه، والتحكم في قدرة المرء عَلَى اتخاذ قرارات هامة.

في متابعة لهذا النوع من الاستدلال، يدافع عدد من المنظرين عن وجهة النظر القائلة أن الخصوصية لها حيز واسع، يشمل الأنواع المتعددة من قضايا الخصوصية التي وصفتها المحكمة، رغم عدم وجود تعريف بسيط للخُصُوصِيَّة. يستقصي أغلب هؤلاء المنظرون الروابط بَينَ الاهتمامات بالخُصُوصِيَّة وتشابه أسباب كونها قيمة ثمينة. يبرز البعض ضرورة الخصوصية لتطوير مفهوم تحديد الذات، وإيجاد المعنى. حيث تساعد الخُصُوصِيَّة المرء عَلَى التحكم بالمعلومات الشخصية وكذلك التحكم بأجسادنا والاختيارات الشخصية حول مفهومنا عن الذات (Kupfer, 1987). يشدد البعض عَلَى أهمية الحميمية في جَمِيع مسائل الخُصُوصِيَّة، مع ملاحظة أهميتها لحِمَايَة المعلومات الحميمية عن المرء، الوصول إليه، وأيضًا العلاقات الحميمية والقرارات المتعلقة بتصرفات المرء (Inness, 1992). يؤكد البعض كذلك عَلَى أهمية معايير الخُصُوصِيَّة التي تسمح للمرء بالتحكم في إمكانية الوصول إليه، والمعايير التي تحسن من تعبير الشخص عن نفسه وتطور علاقاته الاجتماعية. تقدم الخُصُوصِيَّة أيضًا حِمَايَة من تجاوزاتِ الآخَرين والتحكُّم الاجتماعي بواسطة إمكانية وصولهم إِلى معلومات شخصية أو تحكمهم في صنع القرار (Schoeman, 1992). يدافع البعض الآخر عن “التحكم في إمكانية الوصول” كاعتبار للخُصُوصِيَّة يتضمن التحكم بإمكانية الوصول المادي كجزء من مفهوم الخُصُوصِيَّة إضافة إِلى الوصول إِلى الأماكن والمعلومات (Moore, 2003). يقترح آخرون إمكانية فهم الخُصُوصِيَّة عَلَى وجه أكمل ككتلة مفاهيم تشمل اهتمامات حول أ- التحكم بالمعلومات الشخصية ب) التحكم بالوصول البدني- العقلي ج) التحكم في قدرة المرء عَلَى صُنع قرارات هامة حول العائلة وأسلوب الحياة من أجل التعبير عن الذات وتكوين علاقات متنوعة. ترتبط هذه المصالح الثلاث ببعضها البعض لوجود تهديد ماثل في كل من السياقات الثلاثة كالتهديد بتسريب المعلومات، او بالتحكم في أجسادنا، أو تهديد سلطتنا في تقرير خياراتنا المتعلقة بأسلوب حياتنا وأنشطتنا، وهذه التهديدات تجعلنا عرضة للتتبع، الاخضاع، واستغلال الآخَرين. إذن تملك الخُصُوصِيَّة قيمة أخلاقية لأنها تقوم بحجبنا في كل سياق من السياقات الثلاث بتوفير مستوى ما من الحرية والاستقلالية – التحرر من التتبع، من الانحياز، الإكراه عَلَى الطاعة، الاستغلال، ومن أحكام الآخَرين.

وبالرّغمِ من ذَلِك واجه الفلاسفة صعوبة في تقديم توجيهات واضحة عن ما لذي تحميه الخصوصية ولماذا تعد شيئا هاما. هُنَاكَ إجماع أن المسوغ الذي يعطي الخصوصية أهميتها هُوَ حِمَايَة مصلحة الفرد : المعلومات الشخصية، المساحة الشخصية، حِمَايَة الحريات والاستقلالية في مجتمع ديموقراطي حر (Allen, 2011; Moore, 2010; Reiman 2004; Roessler, 2005). دافع شومان ببلاغة عن أهمية الخصوصية لحِمَايَة التعبير عن الذات، والحرية الاجتماعية. وامتدت أدبيات حديثة لتشمل هذا الرأي مشددة عَلَى قيمة الخصوصية ليس لحِمَايَة المصالح الفردية فحسب، بل ولقيمتها الاجتماعية الغير قابلة للاختزال. قادت مخاوف حول الوصول إِلى الاتّصَالات الإلكترونية واستعادتها وتوسيع المراقبة التلفزيونية، إِلى لفت انتباه المنظرين نحو فقدان الخصوصية الفردية، وحِمَايَة الخُصُوصِيَّة بالنسبة للدولة والمجتمع (Reiman, 2004; Solove, 2008; Nissenbaum, 2010).

كتبت برسيلا ريجان مثلاً: “لا تعتبر الخصوصية قيمة فردية فقط بل قيمة مجتمعية كذلك… الخصوصية قيمة مشتركة حيث أن جَمِيع الأفراد يقدرون درجة معينة من الخصوصية ولديهم تصورات مشتركة عنها. وهي قيمة عامة ومقدرة ليس من قبل الفرد فقط أو مجموع الأفراد بل من قبل النظام السياسي الديموقراطي كذلك. سرعان ما تصبح الخُصُوصِيَّة قيمة جمعية، حيث تقوم قوى السوق والتكنولوجيا بتوحيد درجة الخُصُوصِيَّة التي يحصل عليها جَمِيع الأفراد” (Regan, 1995, 213). وِفقًا لدانيال سولوف “من الممكن فهم الخُصُوصِيَّة بشكل أفضل عند صياغتها بواسطة معايير المجتمع، وسندرك لماذا لا تعد الخصوصية حقا مقتصرا عَلَى الفرد فقط… بل هي تحمي الفرد بسبب النفع الذي تضفيه عَلَى المجتمع”. إضافة إلى ذلك “يجب أن تفهم قيمة الخُصُوصِيَّة من إسهاماتها في المجتمع” (Solove, 2008, 98, 171fn.). يؤمن سولوف أن الخُصُوصِيَّة تدعم وتشجع الاستقلال الاخلاقي للمواطنين وهذا متطلب مركزي للحكم في الديموقراطيات. أحد السبل لفهم هذه التعليقات، أن الخُصُوصِيَّة لا تملك فقط قيمة خارجية و داخلية للفرد بل تملك قيمة وسائلية تمتد إِلى المجتمع، هُوَ الإقرار بأنها تنبثق من أطروحات فلسفية مبكرة (Fried 1970; Rachels, 1975; Schoeman; 1984, 1992) حول قيمة الخُصُوصِيَّة في ارتقائها باحترام استقلالية الفرد في اتخاذ قرارات متعلقة بالتطوير الذاتي، النزاهة الفردية، والكرامة الإنسانية، وتعزز من قيمة الخُصُوصِيَّة في أدوار وعلاقات اجتماعية متنوعة تساهم في بناء مجتمع فاعل. وِفقًا لهذه الاطروحة المعاصرة، تساعد معايير الخُصُوصِيَّة عَلَى تنظيم العلاقات الإجتماعية مثل العلاقات الحميمية، العائلية، المهنية ومنها علاقة الطبيب بالمريض، المحام أو المحاسب بالعميل، المعلم والتلميذ .. إلخ. وهكذا فَإنَّ الخُصُوصِيَّة تعزز من التفاعل الاجتماعي عَلَى مستويات متعددة. ووفقا لسولوف، فَإنَّ أي مجتمع لا يحترم خُصُوصِيَّة الفرد والآخَرين يتحول إِلى مجتمع “خانق” (Solove 2008; see also Kundera, 1984).

 

7.3 هل الخُصُوصِيَّة نسبية ؟

يشير شاومان (1984)، إِلى أنه من الممكن تأويل مسألة نسبية الخصوصية ثقافيا بواسطة طريقتين. السؤال الأول هُوَ هل تعتبر الخصوصية قيمة لجَمِيع الشعوب أم أن قيمتها مرتبطة بالفروقات الثقافية. السؤال الثاني عن مدى وجود جوانب للحياة خاصة بطبيعتها وليس بشكل تقليدي فقط. يتفق أغلب الكتاب أن جَمِيع الثقافات تقدر قيمة الخُصُوصِيَّة، ولكن تختلف في أساليبها للسعي والحصول عليها. وعلى الارجح تختلف في مستوى تقييمها للخُصُوصِيَّة (Westin, 1967; Rachels, 1975). يتحسس كل من آلان (1988) و مور (2003) من تأثير الالتزامات الثقافية المتنوعة عَلَى إدراك وفهم الخُصُوصِيَّة. هُنَاكَ اتفاق أقل بكثير حول السؤال الثاني، حيث يجادل البعض أن المسائل المتعلقة بدواخل الفرد خاصة بطبيعتها، ولكن تصنيف هذا المجال بدقة وسهولة لايزال أمرا محيرا. وإحدى الصعوبات في تحديد النطاق الخاص هُوَ أن الخصوصية فكرة نسبية ثقافيا ومتوقفة عَلَى عوامل مثل الاقتصاد والتكنولوجيا المتوفرة في نطاق ثقافي معين.

 

  1. الخُصُوصِيَّة والتكنولوجيا

صدرت النقاشات المبكرة لوارين وبرانديز للاعتراف الواضح بحِمَايَة الخصوصية في القانون بدافع من توسع تقنية المعلومات مثل تطور الصُّحُف الورقية الموزعة عَلَى نطاق واسع، وظهور التصوير الفوتوغرافي. كذلك امتد التعديل الرابع لحِمَايَة الخصوصية ضد التقصي والاحتجاز ليشمل التصنت الهاتفي والرقابة الإلكترونية. من الواضح أن كثيرًا من الناس لازالوا ينظرون إِلى الخُصُوصِيَّة كقيمة مهمة ومهددة أكثر من ذي قبل بسبب تقدم التكنولوجيا. حيث توجد قاعدة بيانات هائلة وسجلات معلوماتية عَلَى الشبكة العنكبوتية تحفظ معلومات المرء المالية، مشترياته، مكالماته الهاتفية ولا يعلم معظم الافراد عَلَى وجه التحديد المعلومات المخزنة عنهم، ومن يستطيع الوصول إليها. قدرة الآخَرين عَلَى دخول وربط قاعدة البيانات، السيطرة المحدودة حول كيفية استخدام البيانات، أو مشاركتها أو استغلالها يجعل تحكم المرء في معلوماته الشخصية أصعب من ذي قبل.

هناك عدة قضايا أخرى تمثل الصراع بَينَ الخصوصية والتكنولوجيا. فلننظر إِلى التقنيات الحديثة الآتية: مثلا كاشف الهوية للمتصل عبر الهاتف، والذي صمم في الأساس لحِمَايَة الأشخَاص من المتحرشين والمسوقين عبر الهاتف يلقي مخاوفا حول خُصُوصِيَّة المتصل والمتصل به. تجرى اختبارات فحص المواد المخدرة واسعة الانتشار عَلَى الموظفين إما عشوائيا أو إجباريا، ولا تعتبر المحكمة العليا أن السياسات التي تتطلب من جَمِيع طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية القبول بهذه الاختبارات للانضمام إِلى النشاطات اللامنهجية انتهاكا للتعديل الرابع، رغم أنها رفضت إجراء هذه الاختبارات من قبل الشرطة عَلَى النساء الحوامل. ولكن استخدام المجسات الحرارية عَلَى الحوائط لاكتشاف زراعة الماريجوانا يبدو مقبولا. بيد أنه في عام 2001، قررت المحكمة في قضية كايلو ضد الولايات المتحدة الامريكية Kyllo v. U.S. ( 533 U.S. ( 27 أن أجهزة التصوير الحراري التي تكشف عن معلومات غير معروفة مسبقا بدون إذن تفتيش يعد انتهاكا لحَقّ الخصوصية والتعديل الرابع. وتقوم أجهزة المراقبة التلفزيونية عادة بأخذ صور للأشخاص الذين يستخدمون المسار السريع، والنتيجة هي تحرير مخالفات مرورية لمتجاوزي السرعة المحددة ترسل بالبريد، صور مشابهة تؤخذ عند قطع الاشارة الحمراء في سان دييغو وأماكن أخرى تقود كذلك إِلى مخالفات مفاجئة. استخدام الماسح الضوئي في تامبا، في أماكن مثل نوادي القمار، الاحداث الرياضية الكبرى، يتم مطابقتها مع قاعدة بيانات للجانحين الطلقاء، التي وإن أدت إِلى إلقاء القبض عليهم، تطرح أيضًا مسألة أخرى حول خُصُوصِيَّة الأشخَاص الأبرياء الذين تم تصويرهم دون علم منهم. يتم كذلك تعقب سائقي السيارات المستأجرة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لتمكين هذه الشركات (وليس الشرطة) من فرض مخالفات لتجاوز السرعة المحددة. يدرس مسؤولو دائرة الهجرة في أستراليا اقتراحات بوضع أجهزة تعقب لطالبي اللجوء قبل إرسالهم للمجتمع المحلي في انتظار جلسات الاستماع. وكشف الإعلام مؤخرا عن موقع إلكتروني يعود لمكتب التحقيقات الفيدرالي يدعى كارنيفور (Carnivore) تبَينَ بأنه يأخذ عينات من مراسلات مستخدمي الشبكة العنكبوتية بشكل عام وليس من يشتبه بهم فقط. إيكيلون كذلك شبكة محصنة عالمية للأقمار الصناعية، يقال أنه نظام قادر عَلَى اعتراض كل عمليات الاتّصَال مثل المكالمات الهاتفية، الفاكس، البريد الالكتروني. ويملك نظام إيكيلون ما يقارب من عشرين مركز تصنت عالمي. سيتمكن المسافرون عبر الجو قريبًا من اجتياز الجمارك سريعا باستخدام أجهزة استشعار حديثة تحدد هوية المسافر عن طريق قزحية العين، ويأخذ مسؤولو الخطوط الجوية الأمريكية بعين الاعتبار استخدام “البطاقات الذكية” لتحديد هوية المسافرين عن طريق بصمات الأصابع. هُنَاكَ انتشار كبير للمقاييس الحيوية التي تستخدم الوجوه، العيون، بصمات الاصابع، وأجزاء أخرى من الجسم لتحديد هوية أشخاص معينين. بَينَما تتقدم تقنيات مطابقة المعلومات مع قواعد أخرى للبيانات بشكل سريع. يناقش أنطون ألترمان (2003) شتى المسائل التي تتعلق بالخُصُوصِيَّة والمعايير الاخلاقية التي نشأت مع الاستخدام المتزايد للمقاييس الحيوية.للمزيد حول المسائل التي ذكرت آنفا من الممكن النظر إِلى مجلة Ethics and Information Technology 5, 3 (2003).

من الممكن تقديم حجة مقنعة للتغلب عَلَى اختراقات الخصوصية في بعض الحالات التي تتصادم فيها الخُصُوصِيَّة والتكنولوجيا الحديثة. عَلَى سبيل المثال، تبدو اختبارات فحص المواد المخدرة والكحول للطيارين مبررة تَمَامًا من أجل السلامة العامة. ومع تطور تقنيات حديثة ودقيقة، تبحث المؤلفات المعاصرة عن طرق من شأنها أن تحقق توازنا بَينَ احترام الخُصُوصِيَّة ومسوغات استخدام هذه التقنيات (Agre and Rotenberg, 1997; Austin, 2003; Brin, 1998; Etzioni, 1999, and Ethics and Information Technology, 6, 1, 2004). يهتم دانييل سولوف (Daniel Solove 2006) بالنقد الموجه للخُصُوصِيَّة في كونها تعاني من إشكال في المعنى والقلق من أن التكنولوجيا الحديثة صنعت مجموعة أضرار جديدة للخُصُوصِيَّة. يسعى سولوف لتوجيه القانون نحو فهم متماسك للخُصُوصِيَّة، عن طريق تطوير تصنيف لتحديد مجموعة واسعة من مشكلات الخصوصية عَلَى وجه شامل ومكتمل. . يجادل مور أن مطالب الخُصُوصِيَّة ينبغي أن تحمل أهمية أكبر عندما تصارع قيما اجتماعية أخرى. ويدافع عَلَى سبيل المثال عن الرأي الذي يرى أن اتفاقيات التوظيف التي تخدش خُصُوصِيَّة الموظف ينبغي أن يُنظَر لها بعين الشبهة، ويناقش كذلك بأن القوانين والتشريعات التي تمنع التعديل الوراثي للبشر سوف تسحَقّ حقوق الخصوصية الفردية بلا مبرر (Moore, 2000). كما عن الرأي القائل أن حرية التعبير ليست أكثر أهمية من الخُصُوصِيَّة (Moore, 1998). و من الواضح، بعد أحداث سبتمبر 2001 ، أن الدراسات حول الخُصُوصِيَّة ركزت بشكل متزايد عَلَى كيفية تحقيق التوازن بَينَ مخاوف الخُصُوصِيَّة والحاجة للأمن العام في عصر الإرهاب. يجادل مور الرأي الذي يبادل الخُصُوصِيَّة بالأمن قائلا أنه يحقق المعادلة الخاطئة وعَلَى الارجح سوف يقوض القيمتين (Moore, 2000). ويزودنا مارش و إيتزيوني (2003) بمجموعة متنوعة من المقالات حول تحقيق التوازن بَينَ الحقوق والأمن العام بعد سبتمبر 2001 مع تسليط الضوء عَلَى الجوانب التي تحتاج فيها الحكومة لتوسيع سلطتها في حربها ضد الإرهاب، ومتى يمكنها المخاطرة بتجاوز سلطتها. سوف تؤدي مراجعات التشريع الوطني الحكومي “باتريوت ” حول مدى تزايد الرقابة الالكترونية السرية بدون إذن قضائي إِلى مزيد من السجال حول أهمية حِمَايَة الخُصُوصِيَّة ضد سلطة الدولة عقب أحداث سبتمبر 2001. مثال حديث هُوَ استحواذ إدوارد سنودن عَلَى معلومات سرية من وكالة الأمن القومي وتسريب هذه المعلومات بدون إذن. (البعض ينظر إِلى سنودن كبطل بَينَما ينظر اليه آخرون كخائن). رغم أن الدولة تحتاج إِلى قوى لحِمَايَة مواطنيها الا أن السلطة التنفيذية يجب أن تكون صوتا قويا لحِمَايَة الحريات المدنية وحقوق الافراد، بما فيها الخُصُوصِيَّة.

 

 1.4 البعد الاجتماعي للخُصُوصِيَّة

 بَينَما يستمر الكُتاب بالقلق حول الخصوصية والتكنولوجيا عَلَى وجه الخُصُوص وتأثيرهما عَلَى المواطنين، يتزايد الاهتمام بالبعد الاجتماعي للخُصُوصِيَّة الذي قدم عنه بشكل مبدئي في نهاية فقرة 3.6 أعلاه. للمزيد من المقالات المعاصرة حول هذا الموضوع: نشرت دراسة حديثة حُرّرت بواسطة بيت روسلر (Beate Roessler) ودوروتا موكروسينسكا (Dorota Mokrosinska) ، بعنوان: الأبعاد الاجتماعية للخُصُوصِيَّة: منظورات متعددة الاختصاصات (2015) وهي تتبعية لعمل شومان (Schoeman) الشهير: الأبعاد الفلسفية للخُصُوصِيَّة: مختارات (1984)، لكن مع التركيز عَلَى البعد الاجتماعي للخُصُوصِيَّة. تدرك المؤلفتان أن تطور التكنولوجيا أثار نقاشًا نشطا حول البيانات والخُصُوصِيَّة، وذلك لأن الخصوصية قيمة مركزية يمكننا من خلالها رؤية حرية الفرد واستقلاله في مجتمعات ديموقراطية حرة. الجديد هُوَ التطور المقلق للتكنولوجيا التي تغزو الخُصُوصِيَّة وتتطفل عَلَى الأفراد والمجتمع. اتخذ كل من ريجان (1995)، سولوف (2008)، ونسنباوم (2010) الخطوات الاولى في تحليل الأبعاد الاجتماعية وقيمة الخُصُوصِيَّة في المجتمعات الديومقراطية، بجانب آخرين في هذا المنشور (2015) يركز المؤلفون حاليا عَلَى دور الخُصُوصِيَّة في الممارسات السياسية والاجتماعية، في القانون، الإعلام، الاتّصَالات، الرعاية الطبية، والسوق. نشأت أيضًا اهتمامات بالخُصُوصِيَّة في تخصصات جديدة تخطت الفلسفة، القانون، والعلوم السياسية حيث بلغت العلوم الصحية، الهندسة، دراسات الإعلام، علم الإجتماع، وعلوم نظم المعلومات. شجعت كل من روسلر وموكروسينسكا عَلَى إيجاد حلول للخلافات المعاصرة في الميادين المختلفة للحياة الإجتماعية، باحثتين عن سبل تؤكد عَلَى الصلة الإجتماعية للخُصُوصِيَّة لتساعد في محاولة حل هذه الخلافات. ومع تزايد التنظيمات المتعلقة بالخُصُوصِيَّة، تشجّع روسلر وموكروسينسكا الباحثين عَلَى التصدي للتحديات التي تنشأ عن البعد الإجتماعي للخُصُوصِيَّة.

أيضا وعلى سبيل المثال يناقش ريجان، جاري ماركس، وسولوف المعنى الاجتماعي و قيمة الخُصُوصِيَّة، وفي الطرف الآخر قيّم كلّ من ديكو و مور الحد الخاص -العام في العائلة، مع التسليم بأن التقاليد العائلية هي ضمن أكثر الاشياء أهمية في هذا المجال الاجتماعي البشري الأولي (Roessler and Mokrosinska, 2015). في مثال آخر، تشير روسلر ومكروسينسكا بجانب جيرومين فان دن هوفين، أنابيلا ليفر وآخرون إِلى البيانات الجينية، أسواق البيانات الشخصية، والخُصُوصِيَّة كقيمة سياسية، خاصة في ظل التوتر بَينَ الخصوصية وحرية التعبير. تنظر دراسات أخرى في هذه المجموعة إِلى الرقابة عَلَى الشبكة العنكبوتية والدور الديموقراطي للخُصُوصِيَّة ووسائل التواصل الاجتماعي. بَينَما تطرح هذه المقالات عدة أسئلة، وتقوم بعزل المعضلة الاساسية التي تنشأ عند تناول الخُصُوصِيَّة في السياقات الاجتماعية، وعندما تكون الجماعات وليس الأفراد فحسب ركيزة لتنظيم الخُصُوصِيَّة (Roessler and Mokrosinska, 2015). أخيرا، تساعد المجموعة الثالثة من المقالات القراء عَلَى فهم تنظيمات الخُصُوصِيَّة في الاتحاد الاوروبي وكندا. وتؤكد أنيتا آلان عَلَى قصور لوائح الخُصُوصِيَّة المتعلقة بالرعاية الصحية وما تلحقه من أضرار وتمييز عنصري وجنسي السمر والنساء. يناقش آخرون كلًّا من حالة التوحد وحالة التشتت في تنظيمات الخُصُوصِيَّة عَلَى الصعيد الفيدرالي في الولايات المتحدة الامريكية، وعبر الولايات، وضمن تشريعات الخُصُوصِيَّة. بالنسبة للخلافات الراهنة حول الخُصُوصِيَّة في مجالات التقنية الحديثة ربما توجد عدة إجابات راسخة حول أفضل طريقة للرد عَلَى أسئلة نشأت من الصدام بَينَ الخُصُوصِيَّة وقيم هامة أخرى. ومع ذلك ، “أحرز المؤلفون خطوة هامة في الأبحاث المتعلقة بالخُصُوصِيَّة مبرهنين أن الاعتراف بالأبعاد الاجتماعية للخُصُوصِيَّة له دور جوهري في طريقة فهمنا للخُصُوصِيَّة والتقارب وتقريبها من المواضيع الجدلية الحالية المتعلقة بها “(Roessler and Mokrosinska, 7).

 

2.4 الخُصُوصِيَّة والتعارض مع قيم أخرى

مع اتساع النقاشات حول الخصوصية وتقدم التكنولوجيا، حققت دراسة حديثة إسهامًا مهمًا للأدبيات حول هذا الموضوع، وهي دراسة: الخُصُوصِيَّة، الأمن والمساءلة :الأخلاقيات، القانون والسياسة بواسطة آدم مور (2016) معلنا في بيان حاسم دفاعه عن الخصوصية حتى وإن بدت متعارضة مع قيم هامة أخرى. تتيح التكنولوجيا الحديثة مثلا مزيدا من إمكانية استخراج البيانات، إعادة تحديد مجموعات البيانات مجهولة المصدر، كاميرات الاستشعار الحرارية، قارئ ألواح المركبات، تقنيات التحليل التنبؤي والتعرف عَلَى الوجوه.. وكل هذه بإمكانها الكشف عن معلومات كنا نظن سابقا أنها محمية كجزء من خُصُوصياتنا، ولكنها أصبحت معلومات عامة أكثر مما كنا نتخيل. قد تجعلنا هذه التقنيات نقلق حول التأصيل الأخلاقي، القانوني، والاجتماعي والعلاقات المتبادلة بَينَ الخُصُوصِيَّة، الأمن، والمساءلة. يستخدم مور وشريكه في تأليف ” المقدمة” مايكل كاتل تعريفا للخُصُوصِيَّة مستندا عَلَى التحكّم، أن “الحَقّ في الخُصُوصِيَّة هُوَ الحَقّ في التحكم في إمكانية الوصول والاستخدام للأماكن، الأجساد، والمعلومات الشخصية ” (Moore, 3) مشددا عَلَى أن ” القدرة عَلَى التحكم بإمكانية الوصول لأجسادنا، قدراتنا، وقواتنا، ولمعلومات شخصية حساسة، هُوَ جزء أساسي لرفاهية الإنسان وازدهاره “(Moore, 5). يوفر الأمن للأفراد بصورة أساسية القدرة عَلَى السيطرة عَلَى حياتهم، مشاريعهم، ممتلكاتهم، وأن يكونوا متحررين من التدخلات غير المبررة من قبل أفراد آخرين، شركات، أو حكومات.  من هذا الجانب تبدو الأمن والخُصُوصِيَّة كقيم متوازية تعزز كل منهما الأخرى. بيد أنه من المهم التساؤل عمّا قد يُبرر التدخل الخارجي، مؤديا إِلى تعارض بَينَ الخُصُوصِيَّة والأمن. يملك الأفراد آراء مختلفة حول كون مسألة متعلقة بالأمن العام قوية في وقت ما إِلى درجة ما كافية لتجاوز اهتمام الأفراد والمجموعات بخُصُوصيتهم. يدافع كينيث إينار هيما (Kenneth Einar Himm) عن اعتبار قوي، حجته أن نظرية العقد الاجتماعي الكلاسيكية تقتضي خضوع المواطنين لسلطة الدولة للحصول عَلَى الأمن وهي قيمة تلتزم الدولة أخلاقيا بحِمَايَتها. كذلك توفرها القوات المسلحة، الشرطة، أجهزة الاستخبارات، معاهد الصحة العامة، أو النظم القانونية الأمن للأفراد والجماعات (Moore, ch. 8). ولكن قلة قد تقبل بالادعاءات المتطرفة القائلة بأن الأمن دائما ما يتجاوز الخُصُوصِيَّة، وفي “وسطنا المتمكن تقنيا والمخيف في ذات الوقت، تحقيق التوازن بَينَ الاحتياجات المشروعة، والحقوق القيّمة، والقيم الجوهرية هُوَ صراع مستمر في المجتمع والديموقراطية التداولية” (Moore, 7). بَينَما ندرك أن هُنَاكَ فئات مختلفة للمساءلة الأخلاقية، الاجتماعية والقانونية، تَمَامًا كما نناقش المسؤولية الأخلاقية، الاجتماعية، والقانونية، من الواضح أن المسائلة قد تحل محل الخُصُوصِيَّة كما يمكن للخُصُوصِيَّة في مناسبات أخرى أن تتجاوز المساءلة في صيغها المتعددة. يشير المؤلفون إِلى أن هُنَاكَ سببا جيدًا لاستنتاج فكرة كون الخُصُوصِيَّة، الأمن، والمساءلة كلها قيم أخلاقية. ومع ذلك يتساءل الجَمِيع عن المعادلة الملائمة لدمج هذه القيم في حال تعارضها.

ولوصف عدد من الإسهامات في هذا المؤلَف، تجادل أنيتا آلان أن الأفراد يَمتَلِكون التزاما بحِمَايَة خُصُوصياتهم (Moore, ch. 1). وبَينَما من الممكن أن يَكُون هذا صحيحا، فَإنَّه ليس من الواضح أبدا ما إذا كان الأفراد قادرين بالفعل عَلَى حِمَايَة خُصُوصياتهم في وجه مخاوف الأمن القومي أو مقتضيات المساءلة. تؤكد دوروتا موكروسنسكا عَلَى أن الخصوصية قيمة ديموقراطية، وهذا يعزز من قيمتها عندما تتنافس مع حرية التعبير وأي مسائل سياسية أخرى. تساعد الخُصُوصِيَّة عَلَى نحي الخلافات العميقة جانبا لإتمام الاتفاقات السياسية في أنظمة ديموقراطية. تتقدم موكروسينسكا باستراتيجية تسوي الخلاف بَينَ الخُصُوصِيَّة وحرية التعبير عند تعارضهما (Moore, ch. 4) كما أشير سابقا، يجادل كينيث هيما “أن قيمة الأمن تفوق قيمة الخُصُوصِيَّة أهمية، وأن الخُصُوصِيَّة في رأيهِ ليست حَقًّا أساسيا أو مطلقا بل قيمة وسائلية لحقوق أخرى فحسب” (Moore, 12, and ch. 8). دفاع هيما قائم عَلَى رأي له يقول بأن الأمن ضروري من أجل البقاء – وهو واجبنا والتزامنا الأكثر قيمة. خلافا لذلك، وردا عَلَى هذا الرأي، يدافع آدم مور عن الخُصُوصِيَّة مُقَابِل الأمن بحجج عديدة، ربما أوثقها هُوَ إظهار الخُصُوصِيَّة “كمعقل ضد تزايد الاستبداد في الدول الغير مساءلة أمنيًا” (Moore, 13, and ch. 9). يناقش آلان روبل جمع البيانات عن طريق وكالة الأمن القومي في الباب العاشر، بَينَما يقوم برايس كلايتون باول بالتركيز عَلَى مماراسات الرقابة التلفزيونية في الباب الحادي عشر، مسترجعا مخاوف روبل حول المساءلة والشفافية في أساليب جمع البيانات والمراقبة التلفزيونية مشددا عَلَى أهمية حَقّ الخُصُوصِيَّة في عصر التكنولوجيا الحديثة. يتخوف المؤلفون من التنفيذ القانوني والتطبيقات للكثير من الممارسات التي تندرج تحت قانون (باتريوت) مدعمة بنقاش نادين سترواسن عن كون هذه التطبيقات إما غير شرعية أو غير فعالة (Moore, ch. 12) استمالت هذه النقاشات حول تقنية المعلومات القراء نحو المناظرات الحالية حول الحدود بَينَ الخُصُوصِيَّة، الامن والمساءلة وقيمتهم النسبية.

عمل آخر حول دور الخصوصية كمفهوم، والتوتر المرتبط بها في المناقشات حول تقدم التكنولوجيا هو:  الخُصُوصِيَّة : مايحتاج الجميع أن يعرفه ( Francis & Francis, 2017). حيث يضيف العمل نظرة عامة، حديثة، وممتازة للدراسات والمواضيع التي شملها هذا المقال. يعتبر الكتاب رصينا وشاملا، مناقشا الخصوصية وارتباطاتها بمفاهيم الأمن واستقلالية اتخاذ القرار، مقيْما وضع الخصوصية في عصر تقني متغير. يتناول الكتاب أسئلة الخصوصية المتعلقة بالأفراد، العائلات ومجموعات أخرى مع اهتمام مفصل بالمعلومات الشخصية، الرعاية الصحية، التعليم، التوظيف، والمسائل المالية، التنفيذ القانوني، الشبكة العنكبوتية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وأهمية الخُصُوصِيَّة للديموقراطية. يُقدّم الكتاب مُعالجة متوازنة للرؤى البديلة في كل من هذه المجالات. مؤكدا عَلَى تنوع الطرق التي تحمي الخُصُوصِيَّة في عدة مجالات من حياتنا. يَمتَلِك المؤلفان خبرات في الفلسفة والقانون، وهي ضرورية بشكل متزايد في أي نقاش حول قيمة الخصوصية في هذه السياقات المتعددة.


المراجع:

Agre, P. and Rotenberg, M. (eds.), 1997, Technology and Privacy: The New Landscape, Cambridge, MA: MIT Press

Allen, A., 1988, Uneasy Access: Privacy for Women in a Free Society, Totowa, N.J.: Rowman and Littlefield

–––, 1999. “Coercing Privacy,” William and Mary Law Review 40, 723–57 (published under last name Allen-Castelitto).

–––, 2011, Unpopular Privacy: What Must We Hide?, Oxford: Oxford University Press

Alterman, A., 2003, “‘A Piece of Yourself’: Ethical Issues in Biometric Identification”, Ethics and Information Technology, 5 (3): 139–150

Austin, L., 2003, “Privacy and the Question of Technology”, Law and Philosophy, 22 (2): 119–166

Bloustein, E., 1964, “Privacy as an Aspect of Human Dignity: An Answer to Dean Prosser”, New York University Law Review, 39: 962–1007

Bok, S., 1982, Secrets: On the Ethics of Concealment and Revelation, New York: Pantheon

Bork, R., 1990, The Tempting of America: The Political Seduction of the Law, New York: Simon and Schuster

Brin, David, 1998, The Transparent Society: Will Technology Force Us to Choose Between Privacy and Freedom?, Reading, MA: Addison-Wesley

Cohen, J., 2002, Regulating Intimacy: A New Legal Paradigm, Princeton: Princeton University Press

Cohen, J. L., 1992, “Redescribing Privacy: Identity, Difference and the Abortion Controversy,” Columbia Journal of Gender and Law, 3: 43–117.

DeCew, J., 1997, In Pursuit of Privacy: Law, Ethics, and the Rise of Technology, Ithaca: Cornell University Press

Elshtain, J., 1981, Public Man, Private Woman: Women in Social and Political Thought, Princeton: Princeton University Press

–––, 1995, Democracy on Trial, New York: Basic Books

Etzioni, A., 1999, The Limits of Privacy, New York: Basic Books

––– and Marsh, J., 2003, Rights vs. Public Safety after 9/11, Lanham, MD: Rowman & Littlefield

Foley, E. P., 2006, Liberty for All: Reclaiming Individual Privacy in a New Era of Public Morality, New Haven: Yale University Press.

Francis, L. P. and Francis, J. G., 2017, Privacy: What Everyone Needs to Know, Oxford: Oxford University Press.

Fried, C., 1970, An Anatomy of Values, Cambridge: Harvard University Press

Gavison, R., 1980, “Privacy and the Limits of Law”, Yale Law Journal, 89: 421–71

Gerety, T., 1977, “Redefining Privacy”, Harvard Civil Rights-Civil Liberties Law Review, 12: 233-96

Gerstein, R., 1978, “Intimacy and Privacy”, Ethics, 89: 76–81

Henkin, L., 1974, “Privacy and Autonomy”, Columbia Law Review, 74: 1410–33

Inness, J., 1992, Privacy, Intimacy and Isolation, Oxford: Oxford University Press

Johnson, J., 1994, “Constitutional Privacy”, Law and Philosophy, 13: 161–193

Kupfer, J., 1987, “Privacy, Autonomy and Self-Concept”, American Philosophical Quarterly, 24: 81–89

Kundera, M., 1984, The Unbearable Lightness of Being, New York: Harper Collins

MacKinnon, C., 1989, Toward a Feminist Theory of the State, Cambridge, MA: Harvard University Press

Mead, M., 1949, Coming of Age in Samoa, New York: New American Library

Moore, A.D., 1998, “Intangible Property: Privacy, Power, and Information Control”, American Philosophical Quarterly 35: 365–378

–––, 2016, Privacy, Security and Accountability: Ethics, Law and Policy, London: Rowman & Littlefield International Ltd.

–––, 2000, “Employee Monitoring & Computer Technology: Evaluative Surveillance v. Privacy”, Business Ethics Quarterly, 10: 697–709

–––, 2003, “Privacy: Its Meaning and Value” American Philosophical Quarterly, 40: 215–227

–––, 2010, Privacy Rights: Moral and Legal Foundations. University Park, PA: Penn State University Press

Nagel, T., 2002, Concealment and Exposure: And Other Essays, Oxford: Oxford University Press

Newman, A., 2008,Protectors of Privacy: Regulating Personal Data in the Global Economy, Ithaca and London: Cornell University Press

Nissenbaum, H., 2010, Privacy in Context: Technology, Policy, and the Integrity of Social Life, Stanford: Stanford University Press

Okin, S. M., 1989, Justice, Gender and the Family, New York: Basic Books.

Parent, W., 1983, “Privacy, Morality and the Law”, Philosophy and Public Affairs, 12: 269–88

Pateman, C., 1989, “Feminist Critiques of the Public/Private Dichotomy,” The Disorder of Women: Democracy, Feminism, and Political Theory, Stanford: Stanford University Press.

Paul, J., Miller, F., and Paul, E. (eds.), 2000, The Right of Privacy, Cambridge: Cambridge University Press

Pennock, J. and Chapman, J. (eds.), 1971, Privacy (NOMOS XIII), New York: Atherton Press

Posner, R., 1981, The Economics of Justice, Cambridge, MA: Harvard University Press

Prosser, W., 1955, Handbook of the Law of Torts, 2nd edition, St. Paul: West

–––, 1960, “Privacy”, California Law Review, 48: 383–423.

Rachels, J., 1975, “Why Privacy is Important”, Philosophy and Public Affairs, 4: 323–33

Regan, P., 1995, Legislating Privacy, Chapel Hill, NC: University of North Carolina Press.

Reiman, J., 2004, “Driving to the Panopticon: A Philosophical Exploration of the Risks to Privacy Posed by the Information Technology of the Future,” in Beate Roessler (ed.), Privacies: Philosophical Evaluations, Stanford: Stanford University Press

–––, 1976, “Privacy, Intimacy, and Personhood,” Philosophy & Public Affairs, 6: 26–44

Roessler, B., 2005, The Value of Privacy, Cambridge, MA: Polity Press

Roessler, B. and Mokrosinska, D., 2015, Social Dimensions of Privacy: Interdisciplinary Perspectives, Cambridge: Cambridge University Press

Scanlon, T., 1975, “Thomson on Privacy”, Philosophy and Public Affairs, 4: 315–322

Schoeman, F. (ed.), 1984, Philosophical Dimensions of Privacy: An Anthology, Cambridge: Cambridge University Press

–––, 1992, Privacy and Social Freedom, Cambridge: Cambridge University Press

Solove, D., 2006, “A Taxonomy of Privacy”, University of Pennsylvania Law Review, 154: 477–564

–––, 2008, Understanding Privacy, Cambridge, MA: Harvard University Press.

Thomson, J., 1975, “The Right to Privacy”, Philosophy and Public Affairs, 4: 295–314

Turkington, R., Trubow, G., and Allen, A. (eds.), 1992, Privacy: Cases and Materials, Houston: John Marshall Publishing Co.

Westin, A., 1967, Privacy and Freedom, New York: Atheneum

Warren, S. and Brandeis, L., 1890, “The Right to Privacy,” Harvard Law Review, 4: 193–220.

الأدوات الأكاديمية

How to cite this entry.

Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society.

Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO).

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers, with links to its database.

مراجع الأنترنت الأخرى

 

Machan, Tibor, “The Right to Private Property”, in The Internet Encyclopedia of Philosophy, J. Fieser (University of Tennessee/Martin), editor.

Online Guide to Privacy Resources, Electronic Privacy Information Center, edited by Marc Rotenber

مدخلات ذات صلة

autonomy: in moral and political philosophy | feminist philosophy, interventions: philosophy of law | information technology: and privacy | legal philosophy | legal rights | liberty: positive and negative | rights | rights: human | torts, theories of the common law of

[1] DeCew, Judith, “Privacy”, The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Spring 2018 Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/spr2018/entries/privacy/>.