مجلة حكمة

عن الحب والالتزام من منظور النظرية الأدائية لدى جوديث بتلر – محمد الجهني


ميلر محق بجعلنا ننظر الى اذا ما كانت الكلمات التي تملك القوة لتجرح,  لديها نفس القوة لتعبر عن الحب. فعل الكلام الذي يحمل الحب هو نفسه الذي يطرح اسئلة عن العلاقة بين اللغة والجسد. اود ان اقول, ان تقول: “أنا أحبك”, هو بطبيعة الحال الخضوع الى كليشيهات. وربما نكون قابلين للخضوع لمثل هذه الكليشيهات مع اشخاص معينين و تحت شروط معينة.

من السهل على الشخص العيش في صورة المجهول لعبارة كطريقة لتخفيف الكشف الذي يخلقه فعل الكلام للـجسد. نحن نستطيع ان نسأل, ما نوع هذا الكشف؟ ما هو و ما الذي يكشف؟ فعل الكلام هو الذي يقول لـ “أنت” التي تعود الى احدهم بدون معرفة اذا كان هذا الـ”أنت” سوف يستقبل او يرسل فعل الكلام. بالحقيقة, اذا تم الرد على فعل الكلام بسرعه, او بطريقة تجعله يظهر بشكل تلقائي, فانه يتم النظر له على الارجح بانه يخفي نفسه في طيات الكليشيهات. بعض الاحيان من المهم ان يكون هنالك بعض من الصمت, الصمت الذي يشير الى ان ملكة الكلام قد أربكت اللغة للحظة. نحن نعتمد على هذه الانماط من الصمت كما لو كنا لا نعرف كيف نملئهم بالحديث.

بقول” أنا احبك” هو تركيب  لـ”انا” في عبارة تعد من اكثر العبارات المستخدمة في اللغة الانجليزية؛ “أنا احبك” , عبارة مستهلكة, عبارة لا تنتمي الى اي احد. الشخص يواجه خطر التبخر الكامل الى تسمية مجهولة كما لو يقول : انا اتحدث مثل العديد من الاشخاص الاخرين, واقول نفس الكلمات, بهذه اللحظة يكون الجسد بخطر التعرض للاستبدال. من جهة واحدة, التسمية في فعل الكلام تسيء لإحساسنا بالتميز او حتى بالأصالة, ان كان لهذا قيمة لدينا. ومن جهة اخرى, من خلال تسمية فعل الكلام يظهر الجسد على شكل لغوي محدد. عندما اقول “أنا احبك” أنا احاول ان اعطي شعور جسدي اليك, عندما اقول هذه الكلمات، أنا ارغب في ان تنقل هذا الشعور من هنا الى هناك, او حتى ان تغيرك و كيف تشعر. بما ان حتى الكلام تسمية, و متنقلة. لكن تنقليتها ليست تلقائية بالحقيقة. عندما يقول احدهم “أنا احبك” و نجدهم غاضبين و متعبين, ننسحب ونأخذ خطوة الى الوراء, ثم نختفي, وهذا بالطبع يمكن ان يحدث لنا ايضا: هنالك فرصة ان يتم رفض فعلنا للكلام, وعندما يحدث, نحن انفسنا نرفض ونشعر بهذا الرفض بطريقة جسدية.

حسنا اذا, ماهي العلاقة بين الحديث و الجسد هنا؟ من المهم ان نتذكر كما حاورت شوشانا فيلمن, عندما يتم سماع فعل الكلام, فإنه يأتي من الفم و الحنجرة. الجسد ليس عبارة عن مركبة له فقط, بل فعل الكلام نفسه يتجسد حين يقال. أجسادنا ليست هنا بـ spatiotemporal way , بل الجسد بنفسه يعطى ويكشف و ينطق عن طريق فعل الكلام الذي يظهر كصوت او كنص, او بشكل صوري.

الجسد ليس مادة, لكنه شكل يسجل كل تكاليف علاقتنا وتاريخها. كما لو كان في الكلمات التي تقال و المكتوبة, حتى وان لم تكن كذلك. بعبارة اخرى, يتم اعطاء وسحب الجسد في اللحظة التي نعتمد فيها على اللغة لنقل حبنا لشخص اخر. لكن ما زلنا هنا, ننتظر, منفصلين, ومع ذلك فقد تركنا انفسنا بالفعل, انسجمنا بأنفسنا مع الاخر, و أرسلنا اشارات جسدية و عاطفية ميالة للحب, والتي هي ايضا شكل للحب ,و بالتالي, للجسد نفسه. ان تقول : ” انا احبك” عن منظور منطق التسميه و التناقلية الغريب, ان تكون هنا و هناك, ان توجه خطر التحول الى مجهول او ان تكشف بطريقة قد تبدو غير محتملة للبعض. الكلام هو رهان نقوم به, لكنه ايضا جسدي, ومن خلاله نصبح رهان.

يصدمني الالتزام كمشكلة بشكل مختلف تماماً, لأنه يمكننا قول “انا أحبك” بدون ان تحمل كلماتها اي تعهد بالإلزام على الإطلاق. أو يمكننا ان نقول نفس الكلمات ونجعلها تحمل الوعد بالالتزام. أنا غير متأكدة من كيفية عمل الالتزام, باستثناء انه لا احد يلزم ذاته مرة واحدة فقط. اذا قطعت عهد لاحدهم, انا اسعى للنظر الى مستقبلي (نيتشه له نقطة عن الوعد في أصل الاخلاق). لكن اذا كان مستقبلي بالتحديد هو ما لا يمكن معرفته, فانا غير قادرة على الارتباط عن معرفة. لذا اذا ارتبطت تحت ظروف معينة لا يمكن التنبؤ بها, هذا يعني انني ارتبطت في وجه المجهول. أنا اقبل ان ابقى مرتبطاً بـ”انت” او لبعض المثل بغض النظر عن الظروف المتغيرة, هذا منظور واحد للالتزام و هي تتضمن قيم تقليدية, كالصمود و التناسق. شيكسبير يقول:”الحب ليس الحب/الذي يتغير عندما يجد التغيير” Sonnet 116. لكن نفس الجملة يمكن استخدمها لإدانة الحب, جملة تقترح ان الحب براغماتي, رخي و مقصود بشكل رهيب, او انه متغير: “الحب ليس الحب.

لكن هنالك مخرج من هذا المأزق النتيشوي, الإلتزام يكون اتفاق على الالتزام بشكل متجدد, وتحديداً عندما تتغير الظروف و يعني تغيير المعنى المحدد و الصلب للالتزام كما تتغير الظروف. بصورة اخرى, الالتزام يعتمد على التجديد في النذور, اذا كان الالتزام يشترط نذور. لكنه ايضا يلتزم انفتاح على الذات المتغيرة و سلوكها اعتماداً على ما تطلبه الظروف المتغيرة. وهكذا, فإن الالتزام لن يشمل عدم المرونة, لكن يستلزم اتفاق على جعل الذات متجددة على ضوء المتطلبات الغير متوقعة التي تهدد التزام الشخص.

إذا تعهد أحدهم نفسه على حب أحدهم, فإنه لا يقوم بالالتزام مرة واحدة كما يحدث في حفلات المراسم العلنية. اذا التزم الشخص مرة وحدة ليكرس حياته ليبقى وفياً لذلك الالتزام الذي قطعه على نفسه فإن الالتزام حينها سينتمي الى الماضي مهما كانت الرغبة و الحب و الاختيار فإنها ملزمة بالتزام الحب ويجب أن تفهم على انها نصب تذكارية/تاريخية يجب ان تحمى بأي ثمن.

لكن اذا اردنا ان يبقى الالتزام حي, يجب ان يكون في الحاضر, حينها الالتزام الذي يمكن قطعه على الذات هو إعادة الالتزام بصورة متجددة؛”أنا احبك و أختارك مرة اخرى و اخرى”, انا لم اخترك مرة واحدة, بل أستمر في اختيارك, وما هناك من ما هو مني في حديثي, فانه يقدم اليك عدة مرات من خلال فعل الكلام. اعلان و نذور او وعد, هو ما يربطني بك في الحاضر, اي كان ما هو نوع الحاضر الذي يحدث. هذا يعني ان ذات المرء مرتبط في عملية التحول الى اخر كما تتطلب الظروف, مما يعني ان في كل تكرار عدم علم. يقبل المرء على التعهد بالالتزام لحب احدهم مرة اخرى, بلا علم مرة اخرى.