مجلة حكمة

البصر: من موجات ضوئية إلى صورة ثلاثية الأبعاد – فاطمة الشملان


العين هي الأداة التي بها يتم تصوير العالم، وهي النافذة الوحيدة التي  يمر من خلالها الضوء إلى دماغك فتدرك الأشياء وتمنحها اسمًا ومعنى دون أن تضطر لملامستها.

العين 1

 

تخيل أن أمامك مكعبًا ما؛ في الحقيقة أنت لا ترى المكعب نفسه بل انعكاس الضوء المصطدم به، والذي يمنحه شكلًا وبعدًا ولونًا. يقوم المكعب بامتصاص الضوء الساقط عليه أو عكسه، ولذا يتفاوت لون المكعب. فحين ينعكس كامل الضوء سترى المكعب أبيضًا، ولكن إذا امتصه تماما دون أن يعكس شيئًا منه فستراه أسود اللون. أما إن تفاوت الأمر فانعكس جزء من الضوء وامتص الجزء الآخر فسترى المكعب ملونًا، بحسب طول وتردد الموجات التي تم انعكاسها.

 

إذًا وظيفة المكعب كي تتم رؤيته هو أن يعكس أو يمتص الضوء الساقط عليه. ومن هنا تبدأ مهمة العين:

العين 2

وتأتي هذة الموجات الضوئية للعين في خطوط متوازية لتواجه أولًا الشريط الدمعي، وتمر من خلاله ليتم كسرها من قبل القرنية، وهي الجزء الشفاف من العين، وبالتالي فإن أي عتامة أو خدش في القرنية الشفافة سيؤدي إلى تشتت الضوء وعدم وضوح الصورة في صيغتها النهائية.

يمر الضوء بعد انكساره  من خلال البؤبؤ -فتحة دائرية في منتصف القزحية (الجزء الملون من العين، التي تمنع تبعثر الضوء، وتركزه على البؤبؤ)- الذي يتقلص أو يزيد قطره ليتحكم في كمية الضوء الداخل إلى العين. وبعد أن تمر الموجات الضوئية من خلال البؤبؤ فإنها تقابل العدسة الشفافة، التي تتقوس وتنفرد بواسطة عضلات مرتبطة بها لتوضح الصورة وتركزها (تتقوس للصور القريبة، وتنفرد للصور البعيدة).

إذا كان المكعب قريبًا منك، فإن العين تقوم بثلاث وظائف؛ يضيق البؤبؤ وتتقارب العينان وتتقوس العدسة. ومع التقدم في السن (بداية الأربعين تحديدًا) تفقد العدسة مرونتها وتتصلب مما يفقدها القدرة على التقوس ورؤية الأشياء القريبة بوضوح، ويتم التعويض عن ذلك باستخدام نظارات محدبة. وتقوم العدسة بتجميع الموجات المنكسرة في بؤرة تسقط على الجزء الخلفي من العين (الشبكية) في النقرة (fovea) تحديدًا. وبالتالي إن أصيبت العدسة بالعتامة (الماء الأبيض) فإن الموجات الضوئية لن تتمكن من النفاذ تماما إلى الشبكية وسيبدو المكعب ضبابيًا.

كي ترى المكعب ثلاثي الأبعاد تحتاج إلى أن تكون الصورة التي تصل للعينين متطابقة في الحجم والشكل، وتقع على نفس النقطة من الشبكية؛ أي خلل في نقطة من هذة النقاط سيجعلك ترى المكعب ثنائي البعد، كرسمة على ورقة تحمل الطول والعرض دون الارتفاع.

تبدأ بعدها مرحلة تسجيل الصورة التي يتم استقبالها من قبل خلايا مستقبلة للضوء، والتي تنقسم إلى قسمين: خلايا نبوتية (rod cells) وخلايا مخروطية (cone cells). الخلايا النبوتية مسئولة عن استقبال الصورة في بيئة مظلمة والتقاط حركة المكعب (إذا كان متحركًا)، بينما الخلايا المخروطية مسئولة عن استقبال الألوان. وتنقسم الخلايا المخروطية إلى ثلاثة أقسام، كل قسم منها مسئول عن استقبال طول موجة محددة من الضوء، والتي من خلالها يتم تمييز الألوان (الأحمر، والأخضر، والأزرق) التي لا تعمل إلا في بيئة مضاءة. بعدها تصل الصورة إلى الدماغ مقلوبة ويتم نقلها للدماغ بنفس الصيغة.

يتم استقبال الموجات الضوئية وتحويلها إلى دوافع عصبية على شكل موجات كهروميغناطيسية (nerve impulses) ينقلها العصب البصري الخالي من مستقبلات للضوء (يظهر كبقعة عمياء في المجال البصري للعين)، التي من الممكن أن يزداد حجمها في المجال البصري في حالة: وذمة حليمة العصب البصري (Papilledema). حين تنظر إلى المكعب فأنت أيضا ترى الأشياء المحيطة به دون أن تحرك عينيك عنه، هذا المحيط الذي يتم مشاهدته يسمى بالمجال البصري.

العين 3

تتقاطع الأعصاب الأنفية (nasal nerves) للعينين في ما يدعى: التصالبة البصرية (optic chiasm). بينما تكمل الأعصاب الصدغية (temporal nerves) دون أن تتقاطع، وبالتالي تتم رؤية النصف الأيمن من المجال البصري بالشق الأيسر من الدماغ والعكس صحيح. ولهذا فإن أي إصابة للقشرة البصرية في الفص الأيمن من الدماغ ستؤدي بالمريض إلى عمى شقي أيسر مماثل الجانب (homonomus hemianopia).

وتقع التصالبة البصرية في الفص الأمامي من الدماغ، أمام  الوطاء (hypothalamus)، وفوق السرج التركي (sella turcica)، الذي تقع فيه الغدة النخامية (pituitary gland)؛ وبسبب موقعها، يسبب أي تضخم يحصل لها إلى الضغط على التصالبة البصرية، وكنتيجة لهذا سيصاب الشخص بعمى نصفي صدغي مزدوج في مجال الرؤية (bitemporal hemianopia).

العين 4
ما يراه الشخص الطبيعي

 

ما يراه الشخص المصاب بعمي شقي أيسر مماثل الجانب
ما يراه الشخص المصاب بعمي شقي أيسر مماثل الجانب
ما يراه الشخص المصاب بعمى نصفي صدغي
ما يراه الشخص المصاب بعمى نصفي صدغي

وتصل الأعصاب إلى النواة الركبية الوحشية (lateral geniculate nucleus)، المقسمة إلى ستة أقسام: أربعة علوية مسئولة عن: دقة التمييز المكاني (spatial resolution) والألوان، واثنتين سفليتين مسئولتان عن التقاط الحركة.

وتنطلق الأعصاب من النواة الركبية الوحشية لتنتهي في القشرة البصرية الموجودة في الفص الخلفي من الدماغ، الذي يتفاعل مع الدوافع البصرية القادمة من اللطخة، ويتعرف على لون وشكل وحجم المكعب فيقوم بقلبه إلى وضعه الأساسي ويطابق الصورتين المنقولتان من كل فص، إلا أن هذا التطابق لا يكون تاما، مما يمنح المكعب عمق وبعدًا ثالثًا.

العين 7

كيف تعمل العينان معًا لرؤية صورة واحدة:

إذا كانت النقاط التي تسقط عليها الصورة في شبكية كل عين متماثلتين بحيث أن نفس النقطة تتحفز في كلتا العينين نتيجة للضوء المنعكس عليها من نفس المكعب، فإن تلك النقطتان تسميان: التناسب الشبكي الصحيح (normal retinal correspondence) وتم تسميتهما بذلك لأن موقعهما والمسافة بينهما وبين اللطخة متطابقة في كل عين. أما إذا كانت الصورة تحفز نطقتان محتلفتان من حيث موقعهما مقارنة بلطخة الشبكية فإنهما يسميان: التناسب الشبكي الشاذ (anomalous retinal correspondence). وتطابق النقاط المحفزة في العينين مهم لرؤية المكعب كجسم واحد وبالتالي لا تحصل ازداجية في الرؤية.

دمج الصورة:

يأتي هذا الدمج على ثلاث أنواع في نفس الوقت؛ دمج حسي، وحركي، ورؤية تجسيمية.

الدمج الحسي هو نتيجة علاقة طوبوغرافية بين الشبكية والقشرة البصرية في الدماغ، حيث كل نقطة محفزة في الشبكية لها ما يماثلها في قشرة المخ.

أما الدمج الحركي هو قدرة التجانح (vergence power) للعينين، مما يجعل الضوء المنعكس من الصورة يسقط على نقطة متماثلة في شبكية كل عين، ويسمى: تقارب اندماجي (fusional convergence)، وهو طريقة الدماغ لتفادي الرؤية المزدوجة، التي تظهر بسبب تحفيز منطقتين غير متماثلتين من الشبكية في كل عين لنفس الصورة.

والتجسيم هو النتيجة لكون الصورتين لا تقعان على نفس النقطة تمامًا في الشبكية، ولذا يستحيل تركيب الصورتين على بعضهما أو دمجهما، لأنهما تقعان على نقطتين مختلفتين في الخريطة الطبوغرافية للدماغ، وفي نفس الوقت النقطتين المتحفزتين في كل شبكية ليستا متباعدتين بما فيه الكفاية لخلق ازدواجية في الرؤية. ولذا كان التجسيم حالة تقع بين الدمج الحسي والحركي من جهة، وازدواجية الرؤية من جهة أخرى، مما يمنح المرء خاصية إدراك العمق والبعد الثلاثي للمكعب.

لذا من الممكن القول بأن العين هي الأداة التي من خلالها يبصر العقل ويدرك الأشياء من حوله، ولولاها لن يتعرف العقل على أي صورة، أو لون؛ ودون العقل لن تدرك العين ما تنقله من جمال أو قبح.