مجلة حكمة
صورة ضحايا الاساءة الجسدية أمام الجمهور

صورة ضحايا الاساءة الجسدية أمام الجمهور – إيما بروكيز / ترجمة: رولا رشوان

إيما بروكيز

كما آمنت “سيلفيا بلاث” طويلًا: “إذا رغبتِ أن يؤمن الناس بكونك ضحية، فتأكدي أولًا من كونك ضحية طيبة.”


الاساءة الجسدية

على المرأة حاليا أن تحظى ـ إلى جانب قدر المصداقية المطلوب لروايتها ـ بقدر من الجاذبية بما يكفي لاكتساب التعاطف والإيمان بقضيتها.

 صدر هذا الشهر جزء جديد من “رسائل سيلفيا بلاث” في الولايات المتحدة (بينما نشرت في وقت سابق من هذا العام في المملكة المتحدة). تُذكّر المقتطفات المنشورة من خطاباتها ـ التي تدّعي فيها بتعرضها لبعض الإساءات المنزلية من قبل تيد هيوز ـ بواحد من العناصر العديدة التي يمكن استخلاصها عن صورة بلاث: هي امرأة تعرف جيدًا كيف  تتمطنق بزي الضحية المناسب، بحيث لا تبدو سطحية جدًا ولا مفرطة للغاية في الشكوى، وإنما ملاكًا طيبًا ذا عين واعية لانطباع جمهور القارئين.

فيما يتعلق برغبة بلاث نفسها، كانت الخطابات تتعلق برسم صورة جمالية عن حياتها؛ رسائلها؛ الموجهة في العادة إلى والدتها، والموجهة إلى طبيبتها النفسية السابقة فيما يتعلق بالرسائل التي تتناول المزاعم عن هيوز، هذه الرسائل في الغالب تفسّر انطباعها الشخصي عن نفسها كشخص يتقبل بكل سرور حقيقة ـ وفقًا لكلماتها” –  “أن الأشياء السيئة تحدث”، كما تفسّر الخطابات اهتمام “سيلفيا” بأن تظهر نفسها كشخصية ذات مزاج معتدل، مرحة، أو في أسوأ الأحوال؛ هشّة، كما أنها نادرًا ما أظهرت، الصفة الضعيفة غير المقبولة؛ الراثية لحالها. حتى عندما تكون غاضبة، فإنها دائما ما استطاعت تخفيف حدة هذا الغضب، ودائما، إلى الدرجة التي يسهل عليها معها أن تحوّله إلى وجهة نظر واضحة.

غير أنه على نطاق أوسع، فإن مسألة الضحية الطيبة – المعرّفة بتوقعات مفروضة على الضحية لتحوز من الجاذبية بقدر ما تملك من المصداقية بما يكفي لكسب التعاطف ـ ما تزال قضية تركن إليها وتعتمد عليها النساء وحتى الرجال ولو بدرجة أقل. خلال جلسات الاستماع في قضية “كافانو”* في الولايات المتحدة، اصطفى ناشطون في المجال الحقوقي بعض ضحايا العنف الجنسي من الذكور والإناث ونقلوا جواً إلى واشنطن أملاً في إثارة تعاطف أعضاء مجلس الشيوخ القادرين على منع “كافانو” من الوصول لمنصب قاضي في المحكمة العُليا. ما هو مثير للاهتمام هو المعايير التي تم اختيار هؤلاء الضحايا علي أساسها.

وقد بات هناك ما يشبه العرف أن على النساء اللواتي يعانين من العنف الجنسي أن يثبتوا نقاء سيرتهن من أي اتهامات تتعلق بتعاطي الكحول، أو خرق قواعد الزي المحتشم، ناهيك عن درجة قرابتهم من المعتدي (يفضل أن يكون غريباً وليس زوجاً أو صديقاً على سبيل المثال)، وذلك حتى لا تُعتبرن متورطات/متسببات في الاعتداء بسبب أو بآخر.!! لنتذكّر سويًا عبارة “قبيحة جدا لتتعرض للاغتصاب” والتي استخدمت ضد الناشطات ضد الاعتداء الجنسي أو التحرش، بداية من أندريا دوركين* إلى تارانا بيرك* وحتى بعض النساء المعلقات على ذات القضايا على تويتر، وبالتالي وطبقًا لهذه النظريات، يجب على الضحية أن تكون جذابة بما فيه الكفاية لإثارة التعاطف ولكنها في ذات الوقت لا يجب أن تكون جذابة جدا للدرجة التي تُشجع على الاعتداء.

الأمر الذي ربما يغفل عنه البعض، هو ضرورة التخفيف من حدة وصف تفاصيل الإساءة التي تعرضت لها الضحية.  ربما اعتبر البعض أن محنة كريستين بلاسي فورد أمر تقليدي جدًا ليحصل علي هذا القدر من الاهتمام، ولكن هناك مخاطر في الطرف الآخر من فكرة الحديث عن التجربة بهذا الوضوح. قد يتعاطف الجمهور مع الضحية إلى حد ما، تخاطر الضحية في الحديث بتفصيل عن قضيتها نبعًا من قسوتها، فتتعدى بذلك الحد المذكور، وبدلًا من استدرار التعاطف، تخاطر بإثارة النفور أو الرعب من حجم التفاصيل فتجعل الأمر عسيرًا على المتلقي لتخيلها كتجربة شخصية.

لا شك لدينا أن التفاؤل والاعتدال والتحكم في النفس وبقية الأمور علي نفس الشاكلة لها فوائدها في النهاية. لكن القواعد المتبعة للاكتساء بثوب الضحية عسيرة ومستغلقة للغاية بحيث لا  تأخذ في الحسبان أيًا من السلوكيات المزعجة والمنزعجة التي تنتج عادةً من أثر الصدمة. وتميل مثل هذه القواعد بدلاً من ذلك إلى ترك الضحية للعالم كما وصفته بلاث نفسها؛ “كيس أسود بلا متنفس أو مخرج”.

المصدر


هامش

* بريت كافانو هو أحد قضاة المحكمة العليا للولايات المتحدة، تم ترشيحه بوصاية من الرئيس الامريكي د. ترامب وقد واجه الأول اتهامات متتالية بالاعتداء الجنسيـة اقامت أولها ضده “كريستين بلاسي فورد” ـ وبعد فترة تم دحضها وأقر مجلس الشيوخ تعيينه في  قبل شهر تقريبا، في أكتوبر من هذا العام

*  أندريا دوركين، كاتبة وناقدة نسوية أمريكية، لها العديد من المؤلفات عن العنف ضد المرأة، وقد كتبت عن تعرضها للاعتداء الجنسي في باريس وقوبلت بتعليقات فظّة شملت الجملة المذكورة

* تارانا بيرك: ناشطة أميريكية في مجال حقوق الإنسان، وعي مؤسسة حركة “أنا أيضا” me too الداعية للنساء للتحدث عن تحرضهم لحوادث الاعتداء الجنسي أو التحرش.