مجلة حكمة

الإيمان الروائي عند عبدالرحمن مُنيف – أسماء الباتلي

 

شرق المتوسط
شرق المتوسط

قراءة في خماسية مدن الملح: مفهوم الرواية لدى عبدالرحمن منيف؛ نقد الرواية العربية وتعريفها


ليس عليك أن تسبر أغوار ماكتبه عبدالرحمن منيف وأن تفهم عميق كتبه؛ يكفيك نظرة خاطفة لإنتاجه لتتيقن بأنه اتخذ من  الأسلوب الروائي والصيغ المحكيّة مذهبًا وعقيدةً بدلاً عن الخطابات أو المقالات وصيغ الجمود ..

وإذا عرفنا ذهنيّة الرواية عنده نفهم قبل كل شيء سبب إيمانه الجامح بها؛ فهو يعّرف لنا الرواية بأنها “قراءة حقيقية وصادقة للواقع مع كمية من الأحلام والرغبات ؛في الوصول إلى واقع أفضل ..إلى حياة أقلّ شقاء”.

مبررًّا ذلك بأن الرواية أشبه بنوافذ مفتوحة لاتسدّ بسلطة رقيب أو مزاج رجل دين؛ فالرواية تستطيع أن تقول ماتريد دون أن توصف بسوء أو تُقذف بالجنوح .. مبقية نفسها متظاهرة بالحياد

وفي الوقت الذي يتمّ اتهام العمل الروائي بأنه مجرد تسلية محضة؛ أو أداة لتقطيع الوقت يأتي منيف حاملاً الرواية على كتفيه كقيمة يزهو بها.. هو لايشعر بأنها رسالة أدبية تستطعمها وتنتهي طعمها بالوصول لاخر كلمة وليست رسالة سياسية إنما هي وعي في رأس كل منّا .

والقاريء لروايتيه “شرق المتوسط” و “الآن هنا” يتيقن بصدق هذا الوعي وزخمه . فلا يمكن للمقالات المحمّلة بالتعبئة السياسية أو الدراسات الأكاديمية أن تصف بدقّة مايقاسيه السجين  .. وأنّى لها أن تعبّر عن وطأة ألم أو ثقل انتظار . كما فعلته هاتين الروايتين

هذا الوصف الدقيق الذي يسلب لبّ العقل ويستكين الجسد معه بقدر ثورته.

ورغم كل ذلك إلا أن منيف يعيب على الرواية العربية بأنها منحسرة الهوية .. فليست لها قوالب تعرف بها كما في الأدب اللاتيني او الانجليزي مثلاً فالراوي العربي تشعر بأنه يستعير هموم وحكايا آخرين؛ ولربما حاكى نفس الأساليب ذاتها ..  بل حتى من ناحية الهوية المكانية فالروائي العربي ليست له خاصية المكان في الرواية فهو إما أن يلجأ للخيال أو يقتبس أماكن من روايات أخرى. لكن منيف حاول أن يخرج من هذا المأزق واستخدم صيغة القصّ العربي المنسوج بها “ألف ليلة وليلة” في خماسيّة “مدن الملح” رغبة في اضفاء الطابع العربي لهذه الملحمة .. ومحاولة منيف تلك كانت تهدف إلى استحضار الأساليب السردية في ألف ليلة وليلة وتطبيقها على الخماسية .

ورغم محاولته الجديرة بالإعلاء إلا أنني لا أجد أن منيف نجح في محاكاة شيئًا من الأساليب التي كتبت بها “ألف ليلة وليلة” فالمتأمل لخماسية “مدن الملح” يجد بونًا شاسعًا بينها وبين “ألف ليلة وليلة” فالأخيرة كتبت على ضفاف الشاعرية وبحور اللغة العذبة؛ إلى مافيها من التطعيم بالشعر على عكس الخماسية التي من الوهلة الأولى ترى فيها جمود اللفظ والتركيز على الأساليب السردية دونًا عن الشاعرية .. لكننا لو نظرنا إليها من جانب اللغة فنجد أن الخماسية قد كتبت بلغةٍ تغلب عليها العامّية خاصة في الحوارات بين الشخصيات وهو يبرر ذلك بأنه وجد نفسه مضطرًا لاستعمال العاميّة (…. واني أرى أن اللهجة البدوية التي وردت في مدن الملح هي الأقرب إلى العربية الفصحى) وكلّ قاريء للخماسية يدرك ان منيف استحدث خطابًا لغويّا يتأرجح بين البداوة والحضارة؛ العتيق والجديد .. الأمر أشبه بالعامية التي تخصّه منفردًا .