مجلة حكمة
مقابلة مع ميلان كونديرا حول مسرحيّته "جاك وسيّده" - ترجمة: ريوف خالد

الإنسان العاطفي عند كونديرا – ترجمة: بثينة المعيقل


حين يكتب (ميلان كونديرا) الروايه أتعدّ فلسفةً أم أدباً؟ (كونديرا) نفسه يصف المقارنة بالفلسفة دون مواربة في أحد المقابلات (المنشورة في كتاب فن الرواية) على أنها ”غير ملائمة؛ فالفلسفة تطوّر منظومة من الأفكار والمفاهيم في عالم تجريدي بلا شخصيات ولا مواقف“. ذلك بالأحرى مايفعله الخط الفلسفي التقليدي. ولكن حين يَصف (ريتشارد رورتي) تحوّل الفلسفة إلى الخيال و السرد، مشيرا إلى تعزيز التضامن الإنساني عبر ”تعميق القدرة التخيلية على رؤية الغرباء كرفقاء في المعاناة الإنسانية“، فيبدو أننا نقارب أعمال (كونديرا) والفكر التقليدي حول دور الرواية.

ومع أن (كونديرا) يدير ظهره للفلسفة، إلا أنه ينبرى -مثل عدّة فلاسفة مُحدثين- لتفحّص المفاهيم، معيداً تعريفها بحسب علاقتها مع شخصيات رواياته. فالحنان هو “الخوف المُترسخ في مرحلة الرشد”، وهو تكوين “فُسحة اصطناعية صغيرة نتفق على أن نعامل الآخرين فيها كالأطفال“. أما الدوار فهو “ثمالة ضعاف القلوب”. وهو يطلقُ على تمحيص المفاهيم (كما الشخصيات والمواقف) “الاستنطاق التأملي” أو “التأمل الاستنطاقي“. و ذلك على ما يبدو مهمة لـ(ديكارت) لا لـ(ديكنز). يضيف (كونديرا) أنه لا يعدّ تلك التعريفات السردية/اللفظية التي يسوقها “اجتماعية ولا نفسية ولا استطيقية”. فيجتهد محاوره مقترحاً عليه احتمالية أن تكون”فنومنولوجية“ إلّا أن (كونديرا) يأبى بتهذيب.

وهكذا يتبقى لنا الأدب الفلسفي بمعنى ما، والذي يتَنصّل من هذا المسمى. يعزو (كونديرا) إلى (هرمان بروخ) ”أسلوب فنيّ جديد للمقالة الروائية… افتراضي، لعوب أو تهكمي“. و النبرة مهمة في هذا السياق، حيث يصف (كونديرا) نبرته الخاصة بأنها ”تجريبية، تهكمية، استفزازية“. مقالته عن ”الكيتش“ مثلاًَ، لم تكن مجرد جزء من رواية (كائن لا تحتمل خفته) -كما يقول- و إنما غير وارد تصوّرها خارج الرواية. ومع أنه استنفذ في إنشاءها قدراً كبيراً من البحث و التأمل و حتى الشغف، إلا أن النبرة لن تكون جادة أبدا. وما الجديّة؟ يقترح (كونديرا) في مقدمة مسرحيته (جاك و سيّده): أنها العنصر الذي لا يستغني عنه النقّاد ويقودهم غيابه إلى الهلع. ”الجدية هي حال المرء الذي يصدّق مايقصّه ويحاول أن يقنع به الآخرين“. أي أن حال الروائي الجاد -من هذا المنظور- مُثير للشفقة. مكمنُ الفتنة و التحدّي كما يعربُ (كونديرا) -مستحضراً (بروخ) و (روبرت موزيل) بلاريب – في ”أن لا نحول الرواية إلى فلسفة، و إنما أن نجلب إليها دهاءاً متألقاً مستقلاً“.

في ثنايا طيّات روايته (الخلود) لحظات كثيرة ساحرة و أخرى مُغمّسة في علم الاجتماع الشعبي. بيد أنها أيضا عمل أنيق و خصب للغاية، يُظهر ذكاء الروائيين وقدراتهم التحليلية كما قدرتهم على الصدق مع النفس دون تزييف. فالوعي بالذات لا يصيب المرء بالشلل إلا إذا ماكان معارضاً للوعي بالمُحيط.

تكتسب الشخصيات عند كونديرا عمقاً وتاريخاً، إلا أنها تبدأ وتستمرّ في وظائفها الأساسية كصور مستفزّة: رجل يحدق في الجدار و يكرر عبارة؛ امرأة تجادل ثم ترتدي نظارتها و تهز رأسها؛ فتاة تجلس في قارعة طريق رئيسي سيّار. تلك الصور ليست لوحات توضيحيّة لأفكار مسبقة التشكُّل، و لا سلوكيات روائية اعتباطية. إنما هي نقاط تقاطع بين الأشخاص و المفاهيم، أو لنكن أكثر دقة فنقول أنها سجلات مكتوبة وُمختلقة لمثل هذه التقاطعات. ”فكرت عدة سنوات في (توماس). وفي ضوء تلك الأفكار رأيته بوضوح وهو يقف أمام نافذة شقته.. ” ثم امرأة ستينية تخرج من حمام السباحة وتقوم بإيماءة وداع لإمرأة شابة:

”لقد رفعت يدها بخفة ساحرة. كانت كمن تلعب مع عشيقها فرمت له بكرة متعددة الألوان…. لما استدارت و ابتسمت مومئة بيدها لمعلم السباحة لم تعد تعلم شيئا عن سنّها. فبفضل هذه الإيماءة التي استغرقت ثانية واحدة، انكشف جوهر سحرها غير المرتبط بالزمن، فأبهرني و أثر في على نحو غريب، تبادر إلى ذهني اسم (أنييس). لم يسبق لي قط أن عرفت امرأة بهذا الاسم.[1]

من هما (أنييس) و (توماس)؟ من هو ‘أنا‘؟ حسناً؛ (أنييس) و (توماس) شخصان خياليان مستقلّان ذاتيا، وليسا مجرد إسقاطات لكونديرا، وذلك بصرف النظر عن حديثه حول كون شخصياته “إمكانياته غير المُتَحقّقة”. وهما تخمينات متعاطفة مع عقول وحَيَوات الآخرين، ملحقٌ بها بعض الأمنيات، الملاحضات، والاستقراء. إنهما شبيهان بأُناس التقينا بهم، والأفضل من ذلك، أناس لم نلتق بهم بعد. أما ضمير المتحدّث “أنا” فيمثل النسخة النصيّة من (ميلان كونديرا) مؤلف الرواية. وهو بطبيعة الحال لا يكتب أمام نواظرنا، أو يرفع لنا تقاريراً حول طريقته في الكتابة. وإنما يعمُد إلى مُحاكاة فن الرواية؛ لا يحلّ خيوطها وإنّما يستعرِضُ كيف تُحبك.

كونديرا، أو ’كونديرا’ شخصية الرواية، يعرض نظرية تتمحور حول الشخصية في ”الخلود” مُدرجة في سياق مُريب و مغلّفة بالتهكم بيد أنها مُحكمة على السواء. فهو يميّز بين المفهوم اللاتيني للعقل (ratio, reason, ragione) كعقلانية لا مناص منها تدل على ملكة التفكير قبل السبب. و Grund الألمانية التي تدل في معناها الأصلي على (الأرض، الأساس). ثم يقترح أنه مع وجود مسببات ودوافع لأفعالنا، فهناك أيضا ”grund“ نقوش لاعقلانية محفورة في قرارة نفوسنا تحكُم أغلب سلوكياتنا. وهنا قد يتسائل أي فرويدي محترم لماذا يتلافى كونديرا فكرة ”اللاوعي“، وهناك عدة دعابات عن (جاك لاكان) في الرواية تشير إلى أن هذا التجنب كان مقصوداً. والجواب -في اعتقادي- هو أن ”grund“ يمكن فهمه حدسيا في الرواية، في حين أن التحليل النفسي قد لا يأخذنا وراء الأسباب. يقول ’كونديرا’ الروائي في الرواية: ”أنا أحاول أن أمسك لدى كل شخصية من شخصياتي بـ”grund“ الخاص بها، ويزداد اقتناعي يوما بعد يوم بأنّه يتخذ شكل استعارة“. وحين يقول له رفيقة البدين غريب الأطوار بروفسور أفيناريوس: ”لست أفهم فكرتك“، يرد كونديرا: ”للأسف، إنّها أهم فكرة خطرت على بالي“.

تقنية السرد هنا حيلةٌ مزدوجة، مع قليل من المراوغة. ليست هذه أهم فكرة طرأت لكونديرا أو حتى ’كونديرا’، وعلى أية حال من العبث أن يزعم المرء أن أفكاره مهمة. و مع ذلك، فإن التأثير الدرامي لا يعني أن الفكرة غير مهمة، بل أن كونديرا لا يستوعب مدى أهميتها. و الاستعارات في هذا الحوار هي وسائل مساعدة على الفهم التكاملي عوضاً عن أن تكون مجرد زخرفات شكلية، أو وسائل تمويه – وفي الحقيقة قد تكون هي وسيلتنا الوحيدة. ورغم أن هذه مُطالبة براجماتيه حين يقوم بها روائي دفاعا عن صنعته، إلا أنها ليست أنانية. و هي تنص – وأعتقد بحق- على أنه إذا لم نكن قادرين على تخيّل الآخرين والشعور بهم، أي إذا لم نكن بطريقة متواضعة روائيين في حياتنا الخاصة، فإننا لن نفهم الكثير عن أي شيء.

فمثلا، يصوّر (كونديرا) شعور الفتاة التي تجلس على قارعة الطريق، بأنها غير مسموعة من الآخرين، فيغمرها القلق لتأكيد وجودها في عالم يرفض الاعتراف بها. أو صورة أخرى: ”زارت طبيب الأسنان، وكانت قاعة الانتظار مزدحمة. يصل أحد المرضى و يتّجه رأسا إلى المقعد الذي استقرت فيه ثمّ يجلس على ركبتيها. لم يفعل ذلك عمداً، بل لأن هذا المقعد بد له ببساطة فارغا. تحتجّ وتدفعه بيديها وتصرخ: ”ماهذا! ألا ترى أنّ المقعد مشغول! ألا تراني جالسة هنا؟“ لكّن الرجل لا يسمعها. يجلس فوقها مرتاحاً وهو يثرثر بمرح مع أحد المنتظرين“.

ورغم أن مشروع الفهم التخيّلي هذا هام وخصب، إلا أننا يجب أن نرى- كما يرى (كونديرا) بوضوح- أنه هشّ أيضا. من الأفضل أن نخمّن كيف ستشعر الفتاة على أن لا نشعر بها اطلاقاً. ولكن ماذا إن نما إلى علمنا أنها لم تشعر بشيء؟ يقول بعض الروائيون أن ذلك ليس بأمر ذي بال، إلا أن معظمهم سيحاول مع استعارة أخرى.

تُحكى العلاقة بين الروايتين ”كائن لا تحتمل خفته“ و ”الخلود“ بسخرية في ”الخلود“ عبر نكتة عبقرية متعددة المستويات. يقول (كونديرا) (لأفيناريوس) أنه يكتب رواية جديدة (هذه الرواية)، ويعلن ماسيحدث (مايحدث فعلاً) في القسم التالي. يعتقد (أفيناريوس) أن الرواية الموعودة تبدو مملة، إلا أنه يود أن يكون مهذبا فيسأل بلطف عن ماذا سيكون عنوانها. لا يتردد (كونديرا):

”كائن لا تحتمل خفته“

”لكنه عنوان مسبوق“

”أجل، أنا الذي استعملته! لكنّني أخطأت في العنوان في ذلك الوقت. كان حقّه أن يطلق على الرواية التي أنا بصدد تأليفها الآن.“

في ”كائن لا تحتمل خفته“ يدعونا (كونديرا) إلى التساؤل مع (نيتشه)، كيف سَنسلُك إذا كان كل أمر نفعله متكرر، محملّ بثقل العَوْد الأبدي؟ هل سنُعيد خياراتنا مرة أخرى؟ مالذي لن نفعله؟ هل -وهنا الإشكالية- سنود أن نبقى مع من نُحب؟ وهل نملك الصدق مع الذات و الجرأة لنعترف أننا قد لا نرغب في ذلك؟ (أنييس) تحب زوجها (بول) و ابنتها (بريجيت) ولكن ليس بقدر ما تحب ذكرى والدها المتوفى و السلام الذي تجده في أماكن بعينها بعيداً عن عملها و أسرتها و الحياة الاعتيادية. وهي ليست تعيسه في زواجها، أو في فرنسا في في الثمانينيات، بيد أنها لن تُردْهم إلى الأبد.

أحدى أكثر اللحظات تأثيراً وشاعرية في الرواية هي لحظة وفاة (أنييس)؛ مركبٌ من الرعب، الأسى، و بعض الأناقة. فقد أصيبت بجراح قاتلة في حادث سيارة (سببه الفتاة التي تجلس على قارعة الطريق و التي قامت معافاة لم تمس بأذى). ثم زوجها -الذي كان يحاول يائسا أن يكون قرب سريرها- تأخر بسبب أغرب منعطف في الحبكة التي تبدو غائبة: (أفيناريوس)، وهو يثقب اطارات السيارات عشوئيا في الليل اعتراضاً منه على انجراف العالم خلف السلطة و القمع، أتلف سيارة (بول). وهكذا يصل متأخرا جدا، ويرتبك حزنه حين لايفهم مغزى الابتسامة على وجه (أنييس):“ لم تكن هذه الابتسامة الغامضة موجّهة إلى (بول) الذي لم يسبق له أن رآها. كانت موجهة إلى أحد لا يعرفه. كانت مستعصيه على  إدراكه“. لم تكن موجّهة لأحد. فـ(أنييس) لم ترد أن يراها أحد وهي تقضي نحبها، أو أن تموت في عالم الأشخص. كانت تتوق الى عالم لاوجود للوجوه فيه، و ترى أنها وجدته وهي تموت. ابتسامتها تعكس امتنانها أو وهمها: نهاية سعيدة لها، و غير سعيدة لـ(بول) المُستثنى.

الآخرون الذين يشعرون بالقلق حيال الخلود في هذه الرواية هما (غوته) و(بيتينا فون أرنيم)، وقد أعاد (كونديرا) تشييد علاقتهما وتحليلها؛ (نابليون)، مستعرضا لعدسات المستقبل كما لو أن مصورينا يقفون أمامه، (بيتهوفن) رافضا أن يرفع قبعته للأمبراطورة؛ وقبلهم جميعا سلسلة من الشخصيات الخيالية في باريس المعاصرة: (أنييس) و(بول)، (لورا) أخت (أنييس) و عشيقها (برنارد)، مذيع راديو متأنق ذو ثقة مهزوزة بالنفس، عشيق (أنييس) (روبنز)، والذي يسخر اسمه من طموحاته الفنية المهجوره. الشخصيات المحورية والأكثر إثارة للاهتمام هما (أنييس) و (لورا)، حنونتان، ذكيتان، وغالبا ذاهلتان تجتمعان وتفترقان في الصفات، ولدتا كلتاهما من الإيماءة الشابة للمرأة الستينية وهي تغادر بركة السباحة.

لا ريب أن (كونديرا) نفسه قلقٌ حيال اختبار الخلود – هل يريد أن يقضيه في كتابة الروايات؟ من المسلّي حقّاً أن نرى شخصياته ترتد و تلسعة. فهو يخلُق (أنييس) و (بول) و ثم في وقت لاحق، يقابل (بول)، ثملاً وسيء المزاج مُمثلاً خيبة أمل غير قابلة للصرف. البروفسور (أفيناريوس) يدور بأريحية بين العالمين، يتناول الغداء مع كونديرا و لكن أيضا (على الأغلب) ينام مع لورا. الفتاة التي تجلس في وسط الطريق لديها أيضا حياة مزدوجة: تظهر في نشرة الأنباء في مذياع كونديرا ثم يتم سلكُها في الرواية التي يكتبها هو و نقرأها نحن. ما ندركه هو أنها بمعنى ما أكثر الشخصيات أهميّة: أكثرها استعصاءً على الفهم، و تسبّبا في الدمار. في رمزية لمحدودية الإدراك. كما أنها بذاتها مُصادفة، شخصية تتسبب وحدتها و اضطرابها في وفاة ثلاث مجموعات من الناس لا علاقة لهم بها. وهذا بالضبط مانعنية حين نقول ”حادثة“. وإذا ما أخذنا هذا الحادث في سياق الرواية فإنه يصبح استعارة: ”“Grund لا بالنسبة للشخصية، وإنما بالنسبة للطريقة التي نُعايش بها النظام و الفوضى في حياتنا، أي أداة لِقدر أعمى سيء السمعة .

بعض أفضل صفحات (كونديرا) مكرّسة للتفكيك الهزلي الجاف لما يدعوه الإنسان العاطفي ”Homo sentimentalis“. وهو لا يعرّفه بأنه ”الشخص الذي يشعر بالعواطف (لأننا جميعا قادرون على الإحساس بها)، بل هو من بوّأ العواطف مقام القيم“. هذا هو عالم (كيتش)، العالم الذي نقدس فيه العاطفة، ومن ثم نقدّس تقديسنا للعاطفة مأخوذين برهافة دموعنا. و (ديستويسفكي) المعلم الكبير لسلطة المعاناة هو حجر المحك بالنسبة (لكونديرا) في هذا الشأن.

هنا نكتهٌ قاسية معقدة. فما ينشُده (كونديرا) ليس أن نتدبّر في جدارة أو حقيقة المعاناة، بل في الطريقة التي نَحقُر أنفسنا أمامها. (ديكارت) في ”كائن لا تحتمل خفته“، يُهاجم لأنه ينكر أن للحيوانات أرواح. و(نيتشه) بعد أن ضمّ إليه حصاناً مَجلودً في مدينة تورين بايطاليا -قبل أن يصاب بجنونه الأخير- قيل بمكر أنه ”كان يحاول الاعتذار للحصان من ديكارت“. وهكذا فإن افتراض تجاهل ديكارت لوجع الضرس في ”الخلود“ لا يبدو لماحاً فقط، و إنما أنيقٌ أيضا. بُرهةٌ من النور قبل أن تغمُس أوروبا نفسها في عربدة التبجح بالمعاناة. هذا الإنتقال يكشِف عن إدعاء (كونديرا) في أن الفلسفة بالضرورة مرحة في الروايات، و أن الدوغمائيات لابد أن تَستحيل إلى فرضيّات.

تهكم (كونديرا) في ”الخلود“ متوارٍ لايكادُ يَبين. كما هو الحال مع بورخيس، فإنه ليس من الصعب أن يُخطئ فهم ألاعيبه على أنها فلسفة غير مُنتظمة. يمكننا حتى أن نرى بعين الخيال المقالات العلمية التي سوف تعيد تأويل تكهناته، و تلطّخ سيقاتها وتضُيع التهكم فيها.

ترجمة (بيتر كوسي) إلى الفرنسية، على أنها تقرأ بسلاسة إلا أنها تبدو خشنة في بعض المواضع. يمكنني مقارنتها مع النسخة الفرنسية الأخرى المنشورة في العام الماضي، والتي تخدم -بحسب (كونديرا)- كنص أصلى آخر بجانب النص الأصلي باللغة التشيكية. وبالتالي لست متأكدا من أننا نحصل على النبرة الصحيحة أثناء الإنتقال اللغوي. و أنا لا أقول هذا لأُفسد، وإنما لألحّ على أهمية الترجمة و اقتراح أن تكون هناك نبرة كونديريه أكثر رهافة نحن بحاجة لتخمينها. ويبدو أنها قُبضت بشكل مُعجب في أريحية العبارة الفظيعة عن ”قرن التفاؤل و القتل الوحشي“. (تجدر الإشارة أن النسخة العربية لنص رواية ”الخلود“ الصادرة عن المركز الثقافي العربي قد ترجمت عن اللغة الفرنسية، أي أنها ترجمة للترجمة).

 

 

المصدر

 


[1] جميع اقتباسات رواية الخلود في النص عن: ميلان كونديرا: ”الخلود“ ترجمة محمد التهامي العماري، المركز الثقافي العربي (2014)