مجلة حكمة
الإمتلاك والوجود في التوراة والإنجيل وكتابات المايستر إيكهارت - إيريك فروم / ترجمة: د. حميد لشهب - حكمة

الإمتلاك والوجود في التوراة والإنجيل وكتابات المايستر إيكهارت – إيريك فروم / ترجمة: حميد لشهب

الإمتلاك والوجود في التوراة والإنجيل
فصل حول (الإمتلاك والوجود في التوراة والإنجيل) من كتاب (الامتلاك والوجود) لإريك فروم

يمكنك شراء نسخة كندل للكتاب عبر هذا الرابط


العهد القديم

من بين أهم مواضيع العهد القديم هناك: “اترك ما عندك، حرر نفسك من كل القيود، كُن”.

يبدأ تاريخ القبائل العبرية بمطالبة أول بطل عبري، إبراهيم، بمغادرة بلده وقبيلته: ” وَقَالَ الرَّبُّ لابْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ ارْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ ابِيكَ الَى الارْضِ الَّتِي ارِيكَ” (التكوين 12-1). كان عليه التخلي عن كل شيئ – البيت والأرض والعائلة- والخروج إلى المجهول. وسكنت ذريته من بعده أرضا جديدة وطورت “روحا قبلية جديدة”. وقد قادتهم سيرورة هذا التطور إلى عبودية كبيرة. بالضبط لأنهم أصبحوا في مصر أغنياء وأقوياء، سقطوا في العبودية. ضيعوا/فقدوا تصورهم لله الواحد، إلاه أجدادهم الرحل، وأصبحوا يعبدون الأوثان، وأصبحة آلهة الأغنياء فيما بعد أسيادهم.

كان البطل الثاني هو موسى. أمره الله بتحرير شعبه/قومه، وقيادته/مرافقته من البلد الذي أصبح بلده (حتى وإن كان بلدا للعبيد) [مصر: إ. م] إلى الصحراء “للإحتفال بعيد ما”. تبع العبرانيون قائدهم موسى على مضض وبسوء نية.

كانت الصحراء هي مفتاح رمز هذا التحرير. إنها ليست وطنا، ليس فيها مدنا، ليست غنية، إنها موطن الرحل، لهم فيها ما يحتاجون له، يعني فقط ما هو ضروري للحياة، غياب كل ملك. تاريخيا، نجد بأن تاريخ الخروج من مصر (الهجرة) منسوج بتقاليد الرحل. من الممكن أن هذه الأخيرة كانت بمثابة الميل ضد كل امتلاك غير وظيفي وكان قرار العيش في الصحراء بمثابة تهييئ للعيش في الحرية. تؤكد هذه الأحداث التاريخية أهمية الصحراء كرمز للحرية والإستقلال عن كل امتلاك. وتجد العديد من الإحتفلات اليهودية المهمة مصدرها الأصلي في الصحراء. فالخبز الغير المخمر هو خبز الذي كان عليه الإستعجال في الخروج، إنه خبز المتجول،الرحل. وعيد المظال/العرش (سوكوت[1]) هي موطن المتجول، تيُطابق الخيمة، يمكن إقامته وإزاحته بشرعة. يُعرف المرء في التلمود كـ “المنزل المؤقت”، بتمييزه عن “المنول القار”، الذي يمتلكه المرء.

كان العبرانيون وهم في الصحراء يحنون إلى طناجر اللحم المصري ومنازلهم والأكل الغير الجيد، لكنه كان مضمونا، وإلى أوثانهم التي كان بإمكانهم أن يرونها. كانوا يهابون العيش الغير المضمون في الصحراء دون شيئ يملكونه. كانوا يقولون: “لَيْتَنَا مُتْنَا بِيَدِ الرَّبِّ فِي ارْضِ مِصْرَ اذْ كُنَّا جَالِسِينَ عِنْدَ قُدُورِ اللَّحْمِ نَاكُلُ خُبْزا لِلشَّبَعِ! فَانَّكُمَا اخْرَجْتُمَانَا الَى هَذَا الْقَفْرِ لِتُمِيتَا كُلَّ هَذَا الْجُمْهُورِ بِالْجُوعِ” (الخروج، 16،3). وكما يحدث غالبا في قصص التحرير، فإن الله يرحم الضعف الأخلاقي للبشر. وعدهم بأنه سيغذيهم في الصباح بالخبز وفي المساء بالسمَّان، لكنه أضاف أمرين إضافيين: “هَذَا هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي امَرَ بِهِ الرَّبُّ. الْتَقِطُوا مِنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ اكْلِهِ. عُمِرا لِلرَّاسِ عَلَى عَدَدِ نُفُوسِكُمْ تَاخُذُونَ كُلُّ وَاحِدٍ لِلَّذِينَ فِي خَيْمَتِهِ» فَفَعَلَ بَنُو اسْرَائِيلَ هَكَذَا وَالْتَقَطُوا بَيْنَ مُكْثِرٍ وَمُقَلِّلٍ. وَلَمَّا كَالُوا بِالْعُمِرِ لَمْ يُفْضِلِ الْمُكْثِرُ وَالْمُقَلِّلُ لَمْ يُنْقِصْ. كَانُوا قَدِ الْتَقَطُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ اكْلِهِ” الخروج 16- 16، 17، 18).

عَبَّرَ المرء هنا لأول مرة عن مبدأ في الحياة، أصبح فيما بعد مشهورا عن طريق ماركس: “لكل إنسان ما يحتاجه”. أصبح الحق في الغذاء دون نقص واردا. يعتبر الله هنا الأم المغذية، التي تغذي أبنائها دون مطالبتهم بأي مقابل لكي يكون لهم الحق في الغذاء. أما الأمران الذي أمرهما الله به، فإنه يحذر من الإنقياد وراء الجشع والعمل على الإمتلاك. طُلب من شعب إسرائيل ألا يحتفظ بأي شيئ إلى اليوم الموالي: “لَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى بَلْ ابْقَى مِنْهُ انَاسٌ الَى الصَّبَاحِ فَتَوَلَّدَ فِيهِ دُودٌ وَانْتَنَ. فَسَخَطَ عَلَيْهِمْ مُوسَى. وَكَانُوا يَلْتَقِطُونَهُ صَبَاحا فَصَبَاحا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ اكْلِهِ. وَاذَا حَمِيَتِ الشَّمْسُ كَانَ يَذُوبُ” (الخروج، 16- 26 و27).

لإدخال “السبت” عند اليهود علاقة بجمع الغذاء. أمر موسى بني إسرائيل بجمع ضعف ما يحتاجونه يوم الجمعة: “سِتَّةَ ايَّامٍ تَلْتَقِطُونَهُ وَامَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ. لا يُوجَدُ فِيهِ” (16-26).

إن السبت هو أهم فكرة في الإنجيل وفي اليهودية المتأخرة. إنه الأمر الوحيد الذي يطبقه المرء بطريقة صارمة في إطار الوصايا العشرة، فقد أمر بها حتى الأنبياء الذين كانوا ضد ممارسة الشعائر. كان السبت إذن الوصية الوحيدة التي مورست على مدى 2000 عام، عاشها اليهود كمهاجرين، على الرغم من أن وضعهم كمهاجرين كان يعقد ممارسة السبت. ليس هناك أي أدنى مجال للشك في أن السبت كان مصدر حياة بالنسبة لليهود الذين كانوا مشتتين على وجه الأرض، ضعفاء وفي الكثير من الأحيان مضطهدين، بحيث أنهم كانوا يستردون القليل من فخرهم وكرامتهم هندما كانوا يحتفلون باالسبت كملوك. ألا يعتبر السبت أكثر من يوم راحة يعني في رمزيته المتعارف عليها تحرير الإنسان ولو ليوم واحد من ثقل العمل؟ إنه كذلك بالفعل، وهذه الوظيفة هي التي تجعل منه أكبر إنجاز في تطور الإنسان. لكن لو كان هذا التطور قد حصل بالفعل، لم يكن السبت قد لعب الدور الرئيسي الذي شرحناه فيما سبق قوله.

لنفهم دور السبت، من اللازم الدخول إلى نواة هذه المؤسسة الدينية. لا يتعلق الأمر بالراحة في حد ذاتها في معنى عدم قيام المرء بأي جهد عضلي أو روحي، بل يتعلق الأمر بالراحة في معنى إعادة الإنسجام التام بين البشر فيما بينهم وبين البشر والطبيعة. لا يُسمح بالقضاء على الأشياء في الطبيعة ولا بالبناء. إن السبت هو يوم هدنة حرب الإنسان ضد الطبيعة. فحتى نزع عشب ضار أو إشعال عود ثقاب يُعد بمثابة عدم احترام هذا الإنسجام. ولا يُسمح في هذا اليوم القيام بتغييرات اجتماعية كذلك. ولهذا السبب، حُرِّم حمل أي شيئ عندما يكون المرء بالخارج، حتى ولو كان وزنه خفيفا كمنديل مثلا، في الوقت الذي يُسمح به بحمل أشياء ثقيلة في الحدية الخاصة للمرء. فليس حمل الأشياء هو المُحرم، لكن نقل شيئ من مكان خاص إلى آخر، لأن الأمر يتعلق في هذا النقل أصلا بتغيير ملكية هذا الشيئ. يعيش الإنسان يوم السبت وكأنه لا يمكل شيئا، وكأنه لا يتبع أي هدف آخر من غير أن يوجد، يعني ممارسة/تمرين قواه الحقيقية والجوهرية: الصلاة والدراسة والأكل والشرب والغناء والحب.

يعد السبت يوم فرحة، لأن الإنسان يكون فيه هو ذاته. ولهذا السبب فإن التلموذ يسمي السبت الوقت الذي يحدث قبل مجيئ المهدي المنتظر، ويعتبر هذا الأخير السبت الذي سوف لن ينتهي: إنه اليوم حيث لا وجود للملكية والمال ولا للحزن والهموم؛ اليوم حيث سيُنتصر على الوقت ويسود فيه الوجود. وقد كان يوم “شاباتو Shapatu” البابيلي الذي سبقه، يوم حداد وخوف. ويعتبر يوم الأحد المعاصر، يوم متعة واستهلاك والهروب من الذات. قد يسائل المرء ما إذا كان الوقت قد حان لإقرار يوم السبت كيوم عالمي للإنسجام والسلام، كيوم للإنسان، يتنبأ بمستقبل البشرية.

يعتبر تصور مجيئ المهدي المنتظر بمثابة المساهمة اليهودية الثانية في الثقافة العالمية، وهي مساهمة تشبه في الأساس السبت. كالسبت، فإن هذا التصور كان بمثابة الأمل الذي أبقى اليهود على قيد الحياة، وقد بقوا متمسكين بهذه الأخيرة على الرغم من خيبات أمل كبيرة، تجسدت في ظهور الكثيرين ممن قدموا أنفسهم كمهدي، ابتداء من بار كوشبا[2] Bar Kochba في القرن الثاني الميلادي. كالسبت، فإن تصور مجيئ المهدي المنتظر هو الفترة المابينتاريخية innerhistorische Zeit، حيث يصبح الإمتلاك دون معنى ويُتجاوز الخوف والحرب وسيصبح هدف حياة الإنسان هو ممارسة/تمرين قدراته الإنسانية الذاتية[3].

انتهت قصة الهجرة من مصر نهاية تراجيدية بالنسبة لليهود. لم يستطع العبرانيون تحمل العيش دون امتلاك شيئ ما. كان بإمكانهم التخلي عن مساكن قارة وعن الأكل، باستثناء ما كان يُرسله لهم الله يوميا، لكن لم يكن باستطاعتهم العيش دون “قائد” يمكن أن يرونه. عندما اختفى موسى في الجبال، فإن العبرانيين، جراء خوفهم، ألحوا على هارون أن يصنع لهم تمثالا مرئيا، يمكنهم تقديسه: العجل الذهبي. قد يقول المرء بأنههم يؤدون ثمن خطأ الله الذي سمح لهم حمل الذهب والمجوهرات معهم من مصر. فقد حملوا مع الذهب رغبتهم في الإستغناء (من الغنى: إ. م)، وعندما وصلت ساعة الشك/اليأس/الخوف، ظهرت من جديد البنية الإمتلاكية لوجودهم. صنع هارون لهم عجلا من الذهب، “فَقَالُوا: «هَذِهِ آلِهَتُكَ يَا اسْرَائِيلُ الَّتِي اصْعَدَتْكَ مِنْ ارْضِ مِصْرَ!” (الخروج، 32-4).

مات جيل بكامله من اليهود وحتى موسى لم يستطع دخول الأرض الجديدة. لم يكن باستطاعة الجيل الجديد الذي وصل العيش في الأرض الجديدةفي حرية ودون قيود كما عاش الأجداد. استولوا على أراضي جديدة، قضوا على أعدائهم بالمرة، استعمروا أراضيهم وعبدوا أوثانهم. أبدلوا حياة القبيلة الديمقراطية باستبداد شرقي، حتى وإن كان بمستوى أقل، لكنه كان متأثرا بالقوى التي كانت موجودة في ذاك الوقت. أخفقت الثورة إذن، والخاصية الوحيدة التي بقيت –إذا كان بإمكان المرء تسميتها هكذا- هي أن العبرانيين أصبحوا أسيادا بعدما كانوا عبيدا. قد كان بالإمكان ألا يتذكرهم المرء اليوم، إلا كإشارة عابرة في تاريخ الشرق الأوسط، لو لم يعمل المفكرون الثوار، والذين لم يكونوا كموسى الذي تشبث بثقل القيادة، وبالخصوص لأنهم لم يكونوا مضطرين استعمال أدوات ديكتاتورية، كما حدث من إبادة للثوار في عهد كوراخ [4]Korach. جدد هؤلاء المفكرون الثوار، من الأنبياء العبرانيين، تصور الحرية الإنسانية، والتحرر من الإمتلاك وانتفضوا ضد الخضوع للأصنام، التي كانت مصنوعة من طرف الإنسان. لم يكن لهم أي حل وسط وتنبؤوا بإبعاد الشعب اليهودي من جديد من أرضه، إذا التسق بعماء بهذه الأرض ولم يتستطع العيش فيها في حرية، يعني محبة هذه الأرض دون خسران الذات في هذا الحب. كان الطرد من الأرض بمثابة تراديجيا بالنسبة للأنبياء، لكنه كا السبيل الوحيد من أجل التحرر – الصحراء الجديدة، التي يمكنها أن تكون موطن، ليس فقط جيل، بل أجيال بكاملها. وحتى عندما تنبأ الأنبياء بالصحراء، فإنهم حافظوا على إيمان اليهود، المتمثل في وعد المسيح/المهدي المنتظر والسلام والوفرة، دون أن يكون من الضروري طرد السكان الأصليون من أرضهم أو إبادتهم.

كان الربابنة المتفقهون الورثة الحقيقيون للأنبياء، وبالخصوص مؤسس الهجرة اليهودية (التشتت اليهودي، إ.م.) الرباني يوخنان ابن زاكاي[5] Rabbi Jochanan ben Zakkai. عندما استقر رأي قادة الحرب ضد الرومان (70م) على أنه من الأحسن أن يموت الجميع عوض القبول بالهزيمة وخسارة الدولة، بدأت “خيانته”. غادر القدس في سرية، سلم نفسه للقائد الروماني وطلب منه أن يسمح له بتأسيس جامعة يهودية. وقد كان هذا بمثابة بداية تراث يهودي كبير وفي نفس الوقت خسارة اليهود لكل ما كانوا يمتلكونه: دولتهم، معبدهم، إدارتهم الدينية والعسكرية، حيوانات تضحيتهم وطقوسهم. فقدوا كل شيئ، لم يبق لهم كمجموعة/فريق أي شيئ باستثناء مثال الوجود: المعرفة، التعلم وانتظار المهدي.

الإنجيل (العهد الجديد)

كالتوراة، واصل الإنجيل رفضه للحياة الموجهة امتلاكيا. ويعتبر هذا الرفض أكثر تطرفا بالمقارنة بما هو معروف في التوراة. ذلك أن هذه الأخيرة لم تكن نتاج طبقة فقيرة ومضطهدة، بل تأسس بفضل رعاة المعز الرُحَّل وفلاحة صغار مستقلين. فالفارسيون Pharisäer، أولائك العلماء الذين ألفوا التلمود، مثلوا ألف سنة فيما بعد الطبقة المتوسطة، التي كانت تتكون من مواطنين فقراء وآخرين أغنياء. كانت التوارة والإنجيل مليئان بروح العدالة الإجتماعية وحماية/رعاية/الإعتناء بالفقير ومساعدة من ليست له حيلة ولا قوة كالأرامل والأقليات. لكن هذا لا يعني أنهما كان يدينان الغنى كشر أو غير موافق لمبدأ الوجود[6].

على العكس من هذا فإن المسيحية المبكرة كانت مكونة من الفقراء والمظطهدين والمهانين والمنذوبين، الذين –وكما كان الأمر عند بعض أنبياء التوراة- كانوا يبغضون الأغنياء والأقوياء ويرفضون دون هوادة شر الغنى وسلطة السلاطين والفقهاء.

كما أكد ماكس فيبر على ذلك، فإن خطبة الجبل كانت بيانا رسميا للانتفاضة كبيرة للعبيد. فقد كانت الجماعات المسيحية المبكرة مليئة بروح التضامن الكامل بين الناس، وكان هذا يتمظهر في بعض المرات في اقتسام كل ما هو مادي بينهم[7].

تتمظهر هذه الروح الثورية للإنجيل بالخصوص في الكتابات الأولى، كما عُرفت في الجماعات المسيحية لذلك الوقت، التي كانت قريبة أكثر من اليهودية. يمكن إعادة بناء هذه الأجزاء القديمة من المصادر المشتركة لإنجيل متى ولوقا. ويعتبرها المتخصصون في العهد الجديد (الإنجيل) بمثابة نصوص “ك Q”. والمؤلف الأساسي في هذا الإطار هو كتاب سيغفريد شولتس Siegfried Schultz 1972، الذي يميز بين “ك Q” قديم و “ك Q” جديد[8].

المطلب الأساسي الذي نجد في هذه النصوص المبكرة هو ضرورة رفض الإنسان لأي امتلاك وضرورة تحرره النهائي منه. وانطلاقا من هذا فإن كل المعايير الأخلاقية الإيجابية تتأسس على إيطوس Ethos الوجود وعلى الإقتسام والتضامن. وينطبق هذا الموقف الأخلاقي الأساسي على العلاقة مع البشر الآخرين ومع الأشياء. ويؤكد المرء بالخصوص على الإستغناء عن الحق الشخصي (متى 5، 39-42[9] و لوقا 6، 29[10]) وكذا المطالبة بمحبة العدو (متى 5، 44-48[11] و لوقا 6، 29 [12]) أكثر منه من محبة القريب ( مرقس 19، 18[13]) والإستغناء عن حب الذات وتحمل المسؤالية اتجاه الناس الآخرين. وتعتبر المطالبة بعدم الحكم على الناس (متى، 7، 1-5)[14] و(لوقا 6، 37 و 41)[15] بمثابة توسيع لمبدأ الإستغناء عن الأنا الذاتي والإنعكاف بالكامل على فهم الآخرين والسهر على رفاهيتهم.

 

يطالب المرء كذلك بالإستغناء التام عن الإمتلاك فيما يخص الأشياء كذلك. فقد كانت الجماعة المسيحية الأصلية تتكون من رافضي الإمتلاك بطريقة راديكالية وكانت تحذر من تجميع الغنى: “ لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ” (متى 6، 19)، انظر كذلك (لوقا 12، 33)[16]. وقال المسيح في نفس الإطار: “ فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ فَهَذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟” (لوقا 6، 20) وكذا (متى 5، 3)[17]. لقد كانت المسيحية المبكرة في الواقع جماعة من الفقراء والمتألمين، مقتنعين بهاية العالم وبأن الوقت كان قد حان لنهاية النظام الذي كان قائما، كما قرر الله ذلك مسبقا.

 

كان تصور اليوم الآخر و”يوم الحساب” نسخة من فكرة المهدي المنتظر التي كانت منتشرة قديما في اليهودية. وكان الإعتقاد سائدا في كون زمن من الفوضى والهدم سيحل قبل الخلاص النهائي، وهو زمن سيكون بشعا، إلى درجة أن الربانيين التلموذيين كانوا يطلبون من الله ألا يعيشوا هذا الزمان ما قبل المهدي المنتظر. وما كانا جديدا في المسيحية هو أن المسيح وأتباعه كانوا يعتقدون بأن ذلك الوقت كان قد وصل (أو أنه كان قريب الوصول)، أو أنه بدأ مع ظهور المسيح.

 

في الواقع يمكن ملاحظة علاقة بين الوضع إبان المسيحية المبكرة وما يحدث حاليا في الواقع. هناك الكثير من الناس ومن بينهم علماء كبار ورجال دين (باستثناء “شهود يهوه/ الله Zeugen Jehova“) يعتقدون بأننا نقترب من كارثة العالم المحققة. وعكس المسيحية المبكرة، فإن هذا الإعتقاد مؤسس على أسس علمية متاينة. كان وضع المسيحيون الأوائل وضع آخر. كانوا يعيشون في جزء صغير من الإمبراطورية الرومانية، التي كانت تتواجد في ذلك الوقت في قمة قوتها وشهرتها. لم تكن هناك مؤشرات على كارثة محذقة، ومع ذاك كانت هذه المجموعة الصغيرة من الفلسطينيين اليهود مقتنعة بأن هذا العالم القوي سيهوى عما قريب. من طبيعة الحال كان هذا اليقين خاطئا. وبما أن المسيح لم يعد للظهور على الأرض، فإن موته وقيامه قد أُوِّلا في الأناجيل كبداية لعهد جديد، وبعد حكم قسطنطين[18] حاول المرء نقل دور المسيح كوسيط على الكنيسة البابوية. من طبيعة الحال كانت الكنيسة ترى نفسها، ليس نظريا، بل واقعيا كممثلة للعهد الجديد.

 

على المرء أن يأخذ المسيحية المبكرة مأخذ الجد، أكثر مما قام به المرء إلى حد الآن، ليتمكن من الحكم/قياس/وزن هذه الجماعة الصغيرة، والتي لم تعتمد على أي شيئ آخر من غير مبادئها الأخلاقية والتي أثرت إلى يومنا هذا. اختارت أغلبية اليهود في ذلك الوقت طريقا آخر. فقد رفضوا الإعترتف بأن عهدا جديدا قد بدأ وفضلوا انتظار ظهور المسيح المنظر الحقيقي، وهو ظهور سيقع عندما تصل الإنسانية (وليس فقط اليهود) إلى مرحلة، يكون بالإمكان فيها تحقيق مملة العدالة والسلام والحب في معنى تاريخي وليس في معنى أخروي (ديني).

 

لم تظهر الطبقة الجديدة “لـ ك Q” إلا في تطور متأخر للمسيحية المبكرة. ونجد فيها كذلك نفس المبدأ. وتعبر قصة محاولة غواية المسيح من طرف الشيطان هذا الأمر بصورة واضحة. يرفض المرء في هذه القصة الإمتلاك وحب السلطة كتمظهرات للتوجه الإمتلاكي. ففي محاولة الإغراء الأولى التي قام بها الشيطان مع المسيح، حيث اقترح عليه تبديل الحجارة بالخبز، وهو أمر يرمز إلى المطالبة بالأشياء المادية، أجاب المسيح: “مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ” (متى 4، 4) و(لوقا 4، 4)[19]. بعد هذا حاول الشيطان بإغراء آخر، يتمثل في وعده إياه بإعطائه السيطرة الكاملة على الطبيعة (ورفع قانون الجاذبية عنه) وعلى كل ملوك الأرض. لكن المسيح رفض (متى،4 ، 5)[20] و(لوقا 4 ، 5-12)[21]. (أثار راينر فونك انتباهي إلى أن محاولة الغواية هذه تمت في الصحراء، ويذكرنا هذا في موضوع خروج اليهود من مصر).

يظهر المسيح والشيطان هنا كممثلان لمبدئين متناقضين بالتمام. فالشيطان هو ممثل الإستهلاك المادي والسلطة على الطبيعة والإنسان. أما المسيح فإنه تجسيد الوجود وفكرة كون الإمتلاك هو شرط الوجود. وقد اتبع العالم منذ ظهور الأناجيل طريق الشيطان، وحتى النجاح الذي يظهر باهرا لمبدأ الإمتلاك حاليا، فإنه لم يستطع القضاء على حنين البشر إلى مبدأ الوجود، الذي تحدث عنه المسيح وعدد كبير من العلماء في الدين بعده.

نجد صرامة رفض التوجه الإمتلاكي لصالح نظيره الوجودي عند التنظيمات اليهودية كتنظيم الإسنير Essener وكذا وثائق البحر الميت. استمر هذا التقليد (أي تفضيل الوجود على الإمتلاك، إ. م.) طيلة التاريخ المسيحي عند تنظيمات القساوسة، الذين كانوا يدعون للعيش في فقر ودون أملاك وممتلكات. ونجد وجهة النظر الراديكالية للمسيحية المبكرة فيما يخص هذا الموضوع في كتبتت آباء الكنيسة بتأكيدات مختلفة. ولا نقاش في كونهم تأثروا إلى حد ما بالفلسفة الإغريقية في هذا الميدان. نظرا لضيق المقام هنا، سوف لن أفصل القول في هذا الأمر ولا في الكتابات الدينية والسوسيولوجية المتعلقة به، أكتفي بالإحالة إلى كتابات أوتس وشيلينغ في هذا الميدان[22].

كان مفكروا الكنيسة الأوائل متفقون على الرفض القوي الواضح للترف والإمتلاك وعدم الإهتمام بالغنى، سواء أكانوا قاموا بذلك بطريقة راديكالية أو معتدلة.

كتب جوستين Justin أواسط القرن الثاني الميلادي: “نحن الذين كنا نحب الغنى فوق كل شيئ، نعتبر الآن كل ما نملكه ملكا للجميع ونقتسمه مع المحتاجين”[23]. أما في رسالة ديوغنيت[24] Diognetbrief (القرن الثاني الميلادي) فإننا نجدا نصا مهما، يذكرنا بفقدان الوطن/الأرض التوراثي: “كل أجنبي هو وطنكم الأم، وكل وطن أم هو غربة بالنسبة لكم”[25]. أما تيرتوليان[26] Tertullian (القرن الثالث الميلادي)، فإنه كان يعتبر كل تجارة جشع ولم يكن يرى أية ضرورة لها بين الناس المتحررين من الجشع. وكان يسمي البخل سبب كل المصائب[27].

أما بالنسبة لبازيليوس[28] Basilius، كما هو الأمر بالنسبة لآباء الكنيسة، فإن هدف كل الخيرات المادية هي خدمة الإنسان، وما يميزه هو سؤال: “من أخذ من أحد لباسه يسمى لصا، أيستحق الذي لا يُلبس العاري، عندما يكون بإمكانه ذلك، تسمية أخرى؟”[29]. يؤكد بازيليوس الملكية المشتركة الأصلية للخيرات، واتهمه بعض الكتاب بأنه يمثل توجها شيوعيا. وأنهي هنا هذا العرض القصير عن الإمتلاك والوجود في المسيحية بتحذير لكريسيوسطوموس[30] Chrysostomus (القرن الرابع الميلادي): “لا تقل إنني آكل ما لي، بل تأكله من الأجانب، إن الإستعمال الحسي والأناني يجعل مما لديك، خيرا للغريب، لذلك أسميه خير الغريب، لأنك تأكله بقلب غليظ وتدعي، بأنه صحيح، بأنك تعيش من هذه الأشياء”[31].

كان بإمكاني ذكر العديد من مواقف أباء الكنيسة فيما يخص تأكيدهم على عدم أخلاقية الإمتلاك الخاص والإستعمال الأناني لما يملكه المرء. لكن تكفي الإستشهادات التي سبقت لتأكيد استمرار رفض التوجه الإمتلاكي في التوراث وفي المسيحية المبكرة وما لحقها في القرون اللاحقة على ظهورها. وحتى طوماس الأكويني، الذي كان يحارب المجموعات الشيوعية صراحة، توصل إلى نتيجة يؤكد فيها بأن مؤسسة الملكية الخاصة لا يمكن أن تُبرر، إلا إذا كان هدفها هو إحلال إمكانية العيش في رفاهية للجميع. وتؤكد البوذية التقليدية، أكثر من التوراة والإنجيل، أهمية رفض الشهوة/الرغبة، والرغبة في الإمتلاك في كل أنواعه، بما في ذلك “الأنا “الشخصي، والبحث باستمرار عن الجوهر (عوض الأنا الذاتي: إ.م.)، يعني البحث عن الكمال الذاتي[32].

المايستر إيكهارت (1260-1327)

وصف إيكهارت وحلل بوضوح وعميق منقطعي النظير الفرق بين طريقة الحياة الإمتلاكية ونظيرتها الوجودية، وهو تحليل لم يصله أي أحد آخر من بعده إلى حد الآن. كان إيكهارت من أهم الشخصيات القيادية في تنظيم الدومينيكانيين الألمان، عالم دين وأهم ممثل للتصوف الألماني و أعمق مفكر في هذا الميدان بطريقة راديكالية. كانت لخطبه أكبر تأثير، ليس فقط فيما يخص معاصريه وتلامطته، بل أيضا فيما يتعلق بالمتصوفة الألمان بعده؛ كما أن تأثيره اليوم واضح على الكثير من الناس، الذين يبحثون عن فلسفة حياة غير لاهوتية، عاقلة وفي نفس الوقت “متدينة”.

أعتمد في استشهاداتي بنصوص إيكاهرت على يوسف كوينت  في مؤلفه :المايستر إكهارت، المؤلفات الألمانية”، وفي حالة الضرورة أرجع كذلك إلى كوينت في كتابه: “جمع الخطب والنصوص الألمانية”. ويحتوي جمع كوينت (1977) هذا على النصوص الأصلية لإيكهارت، أما فيما يخص نصوص إيكهارت، الغير المؤكد بأنها له، فإنني أرجع إلى طبعة فرانتس بفافير (1857)

مفهوم الإمتلاك عند إيكهارت

يعتبر المصدر المعتاد لمعرفة وجهات نظر إيكهارت المتعلقة بطريقة العيش الإمتلاكية، خطبه حول الفقر، والتي تنطلق من نص إنجيلي لمتى: “طوبى للمساكين بالروح، لأن لهم ملكوت السماوات” (5 ،3). ويوضح إيكاهرت في هذه الخطبة ما معنى الفقر الروحي. يوضح منذ البداية بأنه لا يتحدث عن الفقر الخارجي، يعني المادي، على الرغم من أن الحديث عن هذا يستحق الثناء. إنه يريد الحديث عن الفقر الداخلي، أي الفرق الذي يتحدث عنه الإنجيل.

 

يعرف الفقر الداخلي كالتالي: “إنه الإنسان الفقير، الذي لا يريد ولا يعرف وليس له شيئا”[33].

 

من هو إذن هذا الإنسان الذي لا يريد؟ عادة ما نعني بهذا الإنسان الذي اختار حياة الزهد. لكن ليس هذا هو ما يقصده إيكهارت. إنه يعني أولائك الذين يفهمون التخلي عن الرغبات كتمرين كفارة وممارسة دينية خارجية. يقول بأن الناس الذين يعتقدون في هذا، يتشبثون بأناهم الأناني: “يُسمى هؤلاء الناس مقدسين بسبب مظهرهم الخارجي، لكنهم داخليا حمير، لأنهم لا يفهمون المعنى الحقيقي للحقيقة الإلهية”[34].

 

ما يهم إيكهارت هو نوع الإمتلاك-الإرادة، الذي يعتبر كذلك فئة أساسية في التفكير البودي: الجشع، حب الإمتلاك والأنانية.فبودا كان يرى بأن سبب آلم الإنسان هي الرغباة، وليس فرحة الحياة في حد ذاتها. وعندما يقول إيكارت بأنه ضروري ألا تكون عند المرء إرادة/رغبة، فإنه لا يعني بهذا بأنه على المرء أن يكون ضعيفا. إنه يتحدث عن ذاك النوع من الإرادة المشابهة للرغباة، التي تقود المرء، والتي، عندما نتمعن النظر فيها، ليست إرادة حقيقية. ويذهب إيكهارت إلى أبعد من هذا عندما يطالب الإنسان ألا يتمنى حتى تطبيق إرادة الله، لأن في هذا التمني رغبة. فالإنسان الذي لا يريد، هو الإنسان الذي ليست له أية رغباة لأي شيئ كان، وهنا بالضبط يكمن جوهر مفهوم إيكهارت “العزلة/الإنعزال Abgeschiedenheit”.

من هو الإنسان الذي لا يعرف؟ هل يجعل إيكهارت من إنسان بليد غير عارف غير متعلم وغير مثقف مثالا؟ كيف كان بإمكانه القيام بمل هذا الشيئ، وهو الذي كان شخصا ذا تكوين كبير ومعرفة واسعة، وهو الأمر الذي لم يخفيه أبدا ولم يقلل من قيمته، وكان هدفه الأساسي هو تكوين غير المكونين؟

ما يقصده إيكهارت عندما يقول بأنه على المرء ألا يتعلم هو التمييز بين المعرفة في صيغتها الإمتلاكية وفعل المعرفة، يعني التوغل في جذور وأسباب الشيئ. يميز إيكهارت بوضوح تام بين فكرة ما وبين سيرورة التفكير. ويؤكد بأنه من الأحسن معرفة الله عوض محبته/حبه: “يوقظ الحب الرغبة والطلب. على العكس من هذا، فإن التفكير لا يعير هذا أي اهتمام، بل إنه يفسخه ويفترق منه/عنه ويتقدم إلى الأمام ويلمس الله، كما هو مجرد، ويفهمه في وجوده وحده”[35].

على مستوى آخر (ويتحدث إيكهارت باستمرار على مستويات عدة) فإنه يذهب إلى أكثر من هذا. يقول: “وفي مرة من المراة، فإن الإنسان الفقير هو ذاك الذي لا يعرف شيئا. قلنا مناسباتيا، بأنه على الإنسان أن يعيش دون أن يحب ذاته ولا الحقيقة ولا الله. لكن نقول الآن شيئا آخر، ونريد أن نقوله باستمرار: إن الإنسان الذي يجب أن يكون له هذا الفقر، يجب أن يعيش دون أن يعرف بأنه يحب نفسه ولا الحقيقة ولا الله، يجب أن يتخلص من كل معرفة، بحيث لا يعرف ولا يتعرف ولا يحس، بأن الله يعيش فيه؛ أكثر من هذا: يجب ألا يعرف التعرف الذي يعيش فيه، ذلك أن الإنسان، عندما كان في الوجود الإلهي الأزلي، لم يكن أحد آخر يعيش فيه، بل ما كان يعيش فيه هي ذاته نفسها. لنقول إذن بأنه على الإنسان أن يكون فارغا من معرفته الخاصة، كما كان يفعل عندما لم يكن موجودا بعد، وليترك الله يعمل ما أراده، وما على الإنسان إلا الوقوف فقط”[36].

لفهم موقف إيكهارت، لابد أن يعرف المرء المعنى الحقيقي لما كان يعنيه عندما قال: “على الإنسان أن ينسى معرفته الخاصة”. لا يعني بهذا بأنه على المرء نسيان ما يعرفه، لكن عليه أن يعرف أنه يعرف. يعني هذا بأنه لا يجب على المرء أن يعتبر معرفته كمُلك ما له، يعطيه الشعور بالأمن والهوية، على المرء ألا “يُغمر” بمعرفته وألا يتعلق بها وألا يشتهيها. لا يجوز أن تتخذ المعرفة الشكل الخاص بالدوغمائية، التي تجعل منا عبيدا. كل هذا ينتمي إلى طريقة الوجود الإمتلاكي.

لا تكون المعرفة في طريقة العيش الوجودية شيئا آخر من غير عملية تفكير في حد ذاتها. أي تفكير لا يشعر أبدا بالرغبة في التوقف للوصول إلى اليقين. يتابع إيكهارت قوله: “أما الفقر الثالث الذي أود الحديث عنه فهو الفقر الخارجي: إنه الفقر، حيث لا يكون للإنسان أي شيئ. لكن انتبهوا هنا جيدا. لقد قلتها مرارا وقالها كبار المعلمين أيضا: يجب على الإنسان أن يتخلص من كل الأشياء، الداخلية والخارجية، بحيث يُصبح مكانا خاصا بالله، ويكون بإمكان هذا الأخير الإشتغال في هذا المكان. لكن نقول الآن شيئا آخر. إذا تخلص الإنسان من كل المخلوقات ومن الله ومن ذاته بذاتها، لكنه وقف مع الله، بحيث يمكن لهذا الأخير أن يجد فيه مكان يشتغل فيه/يؤثر، فإننا نقول: طالما أن هذا الأمر موجود في الإنسان، فإن الإنسان ليس فقيرا خارجيا [بعد]. فالله لا يرغب أن يكون الإنسان مكانا يمكن لله أن يشتغل فيه، بل عندما يكون الفقر في الروح، عندما يتخلص الإنسان ومن كل مخلوقاته، بحيث أن الله عندما يريد أن يؤثر في روحه، يكون هو ذاك المكان الذي يريد أن يؤثر فيه. إنه يحب بالتأكيد القيام بهذا.

نقول إذن بأنه يجب على الإنسان أن يكون فقيرا، بحيث لا يكون مكانا ولا يكون له مكان، يؤثر الله فيه. هناك حيث يحتفظ الإنسان [بعد] بمكان في ذاته، فإنه يحتفظ بالفرق [بعد]. ولهذا السبب، فإنني أطلب من الله بأن يخلصني من الله”[37].

لم يكن باستطاعة إيكهارت التعبير عن عدم الإمتلاك بطريقة راديكالية أكثر مما قام به. في البداية على المرء أن يتحرر من أشيائه وسلوكه. ولا يعني هذا بأنه لا يجب علينا أن نمتلك شيئا، أو عدم القيام بأي شيئ؛ بل يعني ألا نُربط ونُكبل ونضع أصفادا في أيدينا بما نمتلكه، وينطبق هذا على الله أيضا.

يقترب إيكاهرت من إشكالية الإمتلاك من زاوية أخرى كذلك، عندما يتطرق للعلاقة بين الإمتلاك والحرية. ذلك أن حرية الإنسان تكون محدودة، بمقدار تعلقنا بالإمتلاك وشغلنا وأنانا الخاص. فعن طريق ارتباطنا بهذا الأخير (يترجم كوينت Quint في مقدمته لمجموعة من نصوص إيكهارت الكلمة الألمانية “الخاصية eigenschaft ” بكلمة “ربط/ارتباط الأنا Ichbindung أو حب الذات Ichsucht”) نقطع الطريق على أنفسنا ولا يمكن أن نُنتج ونحقق ذواتنا[38]. أوافق د. مييث D. Mieth موافقة كاملة عندما يقول: “تظهر الحرية كشرط للإنتاج الحقيقي بالنسبة للمايستر كمسؤولية ذاتية” (1971، ص 15)، تماما كما هو الحب عند القديس بول، باعتباره حرا من كل ربط/ارتباط للأنا. فشرط الحب والوجود (العيش/الحياة) المُثمر يكمن في الحرية في معنى عدم الربط والتحرر من كل إدمان والإرتباط بالأشياء وبالأنا الذاتي. طبقا لإيكهارت، فإن هدفنا في الحياة كبشر هو التحرر من قيود ربط الأنا والأنانية، يعني التحرر من نمط الحياة الإمتلاكي ، للوصول إلى نمط الحياة الوجودي الكامل. لم أعثر على أي كاتب آخر تقترب أفكاره من أفكاري فيما يتعلق بطبيعة التوجه الإمتلاكي كما نظر له إيكهارت مثل مييث Mieth. يتحدث عن “البنية الإمتلاكية للبشر” (1971، ص 138)، تماما كما أتحدث أنا شخصيا على “نمط الوجود الإمتلاكي” أو “البنية الإمتلاكية للوجود”. ويرجع أيضا إلى المفهموم الماركسي “مصادرة الملكية/التأميم Expropriation”، عندما يتحدث عن اختراق البنية الإمتلاكية الداخلية، مضيفا بأن هذا هو الشكل الراديكالي للمصادرة.

ما هو حاسم في نمط الحياة الإمتلاكي ليست هي الأشياء المختلفة للإمتلاك، لكل مجموع الوضع. كل شيئ وكل أحد يمكن أن يصبح موضوع الرغبة: أدوات الحياة اليومية، مُلْك، طقوس، أعمال خيرية، معرفة وأفكار. لا تعتبر كل هذه الأشياء “سيئة” في حد ذاتها، لكن تصبح هكذا، يعني تكون حاجزا أمام تحقيق ذاتنا، عندما نتشبث بها، عندما تصبح سلاسل تقيد حريتنا.

مفهوم الوجود عند إكهارت

يستعمل إيكهارت “الوجود Sein” في معنيين مختلفين، حتى وإن كانا قريبين من بعضهما البعض. يعني بالوجود في معنى سيكولوجي قح الدوافع الحقيقية، التي تكون غالبا غير واعية، والتي تدفع الإنسان للقيام بشيئ ما؛ على عكس أفعاله ووجهات نظره، التي تكون منفصلة عن الشخص المفكر أو القائم بسلوك ما. ويسمي كوينت Quint إيكهارت عن حق بـ “محلل نفسي عبقري”: “لم يَكِل إيكهارت من إزاحة الغطاء عن الرباطات الخفية/السرية لأعمال الإنسان وعزوفه عن عمل ما والمشاعر الدفينة لحبه لذاته وما يقوم به عن قصد وغي قصد …”[39].

توقف وجهة نظر إيكهارت هذه حول الدوافع الخفية القارئ الذي يعرف فرويد، القارئ الذي تخلص من سذاجة وجهات نظر فرويد والنظريات السلوكية التي لاتزال منتشرة، المدافعة عن كون السلوك ووجهات النظر هي معطيات قارة، لا يمكن للمرء تفكيك/تحليل عناصرها إلا قليلا، تماما كما كان المرء يعتقد في بداية القرن الحالي (أي العشرين: إ. م). عبر إيكهارت عن وجهة نظره هذه في الكثير من النصوص. ما هو مهم هو تحذيره: “ليست الناس في حاجة للتفكير كثيرا فيما يجب عليهم القيام به، لكن يجب عليهم بالأحرى التفكير ماذا كان بالإمكان أن يكونونه”. ما هو مهم هو أن يكون الإنسان خيرا/جيدا وليس كم كمية خير وما يجب عمله. ما هو مهم هي الأسس التي ينبني عليها ما نقوم به/نفعله. فوجودنا هو الواقع، الروح التي تحركنا والخاصية التي تحدد سلوكنا. على العكس من هذا، فإن أفعالنا وقناعاتنا، المعزولة عن نواتنا الديناميكية، غير واقعية.

يعتبر المعنى الثاني للوجود عند إيكهارت شامل وأساسي. إن الوجود هو الحياة، النشاط، الميلاد، التجدد، التدفق، السيلان، الإنتاج. وفي هذا المعنى فإنه نقيض الإمتلاك وحب الذات والأنانية. فالوجود في معنى إيكهارت هو النشاط في المعنى الكلاسيكي للكلمة، كتعبير مُثمر للقوة البشرية الذاتية، إنه لا يعني “الإنشغال” في المعنى المعاصر للكلمة، فالنشاط/الحيوية تعني بالنسبة له “الخروج من الذات”، ويصف هذا الأمر بوضوح منقطع النظير عندما يقول بأن الوجود هو طريقة “طبخ” لـ “الولادة الذاتية للذات”، أي ذاك الذي “يتدفق في ذاته وعلى ذاته” (نفس المرجع السابق، ص 34). يستعمل في بعض المرات رمز المشي لوصف الخاصية النشيطة: ” … امش في سلام. إن الإنسان الذي يمشي باستمرار، وبالضبط في سلام، هو إنسان سماوي، فالسماء تمشي دون توقف، وفي مشيها تبحث عن السلام” (نفس المرجع، ص 188). ويصف النشاط/الحيوية عندما يقول بأن الإنسان النشيط والحيوي يشبه إيناء، يكبر عندما يُملئُ، لكن لن يُملأَ أبدا.

إن مغادرة نمط الحياة الإمتلاكي هو شرط كل نشاط حقيقي. ويعتبر النشاط الداخلي أسمى فضيلة في النسق الأخلاقي لإيكهارت، وشرط هذا النشاط هو تجاوز كل أشكال حب الذات والجشع.


[1]   سبعة أيام، الأول منها يوم عطلة، لإحياء ذكر سفر بني إسرائيل إلى الصحراء بعد خروجهم من مصر. (إ. م.).

[2] إضافة المترجم: قاد شمعون بار كوكهبا Shimon bar Kokhba (ابن النجم) الحرب اليهودية الرومانية الثانية في القرن الثاني للميلاد (132 م إلى 135م)، عندما قرر الإمبراطور الروماني هادريان إعادة بناء القدس كمدينة رومانية. اعترف به أنذاك الرباني أكيفا، الذي شارك في الإنتفاضة ضد الرومانيين، كالمسيح المنتظر. لكن بعد هزيمة اليهود، اعتبر مسيحا دجالا ليس إلا.

[3]  تطرقت في كتابي “ستصبحون كالآلهة”، 1966، وفي “اللغة المنسية”، 1951 إلى فكرة الزمن المهدوي.

[4]  إضافة المترجم: كان كوراخ Korach زعيم القبيلة التي عارضت موسى وقت الخروج من مصر. انتفض رفقة داتان أبيرام Datan Abiram و 250 إسرائليا مشهورين في ذلك الوقت ضد موسى وأخيه هارون، مطالبين أن يكون كل الإسرائليين متساوين أمام الله، لأن موسى وهارون زعما بأن مركزهم خاص عند الله.

تدخل الله في الصراع بشقه للأرض من تحت قدمي كوراخ وابتلعته، وأضرم النار في 250 الآخرين. يعرف كوراخ في الإسلام تحت إسم “قارون”، ذُكر ثلاثة مرات في القرآن. فهو من شعب موسى وكان وزيرا لفرعون. كان يعتقد بأن غناه الكبير هو ثمرة معرفته. وبسسب غطرسته، عاقبه الله بابتلاع الأرض له ولمنزله. “إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ. فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ. فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ. وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ” (القصص، 76-82).

[5] إضافة المترجم: الرابان يوحنان ابن زكاي Rabban Yoḥanan ben Zakkaï، المعروف تحت إسم “رباز Ribaz”، عاش في القرن الأول الميلادي، وعاصر احتلال القدس وهدم معبدها من طرف الرومان، إبان حكم الإمبراطور تيتوس. قام بالعديد من الإصلاحات في اليهودية، ساعدت على تأسيس “اليهودية الربانية”. واستطاعت اليهودية الإستمرار، بعد هدم المعبد، بفضل الجامعة التي أسسها.

بعد انتصار الرومان، كان على وعي بأنه بإمكان الشعب اليهودي الإستمرار في الحياة في المهجر، بعيدا عن القدس والمعبد ووطنه. وكانت هذه الإمكانية متجذرة في وعيه بحكم أن لا أحد كان بإمكانه أن يأخذ منهم التوارة.

[6]  انظر: L. Finkelstein, 1946.

[7]  انظر:  A. F. Utz, 1953.

[8]  أنا مدين لراينر فونك على معلوماته المهمة فيما يخص هذا الموضوع وعلى مساعدته المثمرة في هذا المجال.

[9] “وأما أنا فأقول لكم : لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا

ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا

ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين

من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده”.

[10] “من ضربك على خدك فاعرض له الآخر أيضا، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضا”.

[11] “وأما أنا فأقول لكم : أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم

لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين

لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم؟ أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك

وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأي فضل تصنعون؟ أليس العشارون أيضا يفعلون هكذا

فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل”

[12] “لكني أقول لكم أيها السامعون: أحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم”

“وإن أحببتم الذين يحبونكم، فأي فضل لكم؟ فإن الخطاة أيضا يحبون الذين يحبونهم

وإذا أحسنتم إلى الذين يحسنون إليكم، فأي فضل لكم؟ فإن الخطاة أيضا يفعلون هكذا

وإن أقرضتم الذين ترجون أن تستردوا منهم، فأي فضل لكم؟ فإن الخطاة أيضا يقرضون الخطاة لكي يستردوا منهم المثل

بل أحبوا أعداءكم، وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئا، فيكون أجركم عظيما وتكونوا بني العلي، فإنه منعم على غير الشاكرين والأشرار

فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضا رحيم”.

[13]  “أكرم أباك وأمك، وأحب قريبك كنفسك”.

[14] “لا تدينوا لكي لا تدانوا

لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم

ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها

أم كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك

يا مرائي، أخرج أولا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك”.

[15]  “ولا تدينوا فلا تدانوا. لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم. اغفروا يغفر لكم”.

“لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها”.

[16]  إضافة المترجم: “بِيعُوا مَا لَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً. اِعْمَلُوا لَكُمْ أَكْيَاساً لاَ تَفْنَى وَكَنْزاً لاَ يَنْفَدُ فِي السَّمَاوَاتِ حَيْثُ لاَ يَقْرَبُ سَارِقٌ وَلاَ يُبْلِي سُوسٌ
لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكُمْ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكُمْ أَيْضاً.” (لوقا 12، 33-44).

[17]  إضافة المترجم: “طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ” متى، (5، 3).

[18]  إضافة المترجم: هو فلافيوس فلاريوس كونسطانتنوس Flavius Valerius Constantinus، أو قسطنطين الأكبر، قيصر روماني حكم بين م306 و 337م. في عهده أصبحت الإمبراطورية الرومانية مسيحية الدين، وفي عام 325 أمر بعقد أول مؤتمر مسيحي، المعروف بمؤتمر نيسا الأول، ونيسا مدينة تسمى حاليا إزنيك Iznik غير بعيدة عن إسطنبول بتركيا، لإنهاء الصراعات المسيحية الداخلية.

[19] إضافة المترجم: فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ».

[20]  ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ

وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ».

قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَيْضاً: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ».

ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضاً إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا

وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي».

حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ».

[21] “ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْمَسْكُونَةِ فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَانِ.

وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: “لَكَ أُعْطِي هَذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ.

فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي يَكُونُ لَكَ الْجَمِيعُ”.

فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: “اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! إِنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ”.

ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَأَقَامَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: “إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلَ

لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ

وَأَنَّهُمْ عَلَى أَيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ”.

فَأَجَابَ يَسُوعُ: “إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ”.

[22]  A. F. Utz, 1953 und O. Schilling, 1908.

[23]  أخذنا النص من عند شيلينغ O: Schelling, 1908, S. 24.

[24] إضافة المترجم: غالب الضن أن الأمر لا يتعلق برسالة بالمعنى القح للكلمة، لكن بنص مسيحي للقرن الثاني الميلادي. الكاتب غير معروف، اختار إسم “ماتيتيس Mathetes “. يتعلق الأمر بمحاولة تأسيس بعض ما يعتقده المسيحيون عن الله مثلا وما معنى حب الآخر ولماذا ظهرت المسيحية في الوقت الذي ظهرت فيه. اتهام اليهود بأنهم كانوا يؤمنون بالله الصحيح، لكنهم كانوا يعبدونه بطريقة غير صحيحة.

[25]  Jede Fremde ist ihr Vaterland, und jedes Vaterland ist ihnen Fremde.

[26] إضافة المترجم: كوينطوس سيبتيميوس طيرطوليانوس Quintus Septimius Florens Tertullianus، كاتب مسيحي مبكر، ولد حوالي 150 ميلادية في قرطاجنة (قرطاج الحالية بتونس). من آباء الكنيسة اللاتنيين. نظر للتثليت المسيحي. أثر في تعاليم أوغيستين، الذي عاش في تونس كذلك.

[27]  انظر كذلك: شيلينغ O: Schelling, 1908, S. 24 و K. Farner, 1947، و T. Sommerlad, 1903.

[28]  إضافة المترجم: عاش بازيليوس فون سيساريا Basilius von Caesarea في القرن الرابع الميلادي، ويعد من أهم آباء الكنيسة.

[29]  Wer einem ein Kleid wegnimmt, der wird Dieb genannt; wer aber den Nackten nicht kleidet, ob er’s gleich könnte, verdient der eine andere Bezeichnung? K. Farner, 1947, S. 64

[30]  إضافة المترجم: يوهانيس فون أنتيوشيا، توفي عام 401 م، كان أسقف إسطنبول. ينتمي للكنيسة الشرقية، وهو من آباء الكنيسة الأوائل. عاش زاهدا وكان معروفا كخطيب كبير ومناهض لاستغلال السلطة الكنسية وسلطة الدولة. كانت له عداوة معينة لليهود في كتاباته المبكرة.

[31]  أخذنا النص من عند شيلينغ O: Schelling, 1908, S. 111: . يقول النص الأصلي: «sage nicht, ich verzehre das Meinige; du tust es von Fremden; der schweglegerische, egoistische Gebraucht macht, was dein ist, zu fremdem Gut; darum nenne ich es fremdes Gut, weil du es hartherzig verzehrst und behauptest, es sei recht, dass du allein von den Dingen lebest»

[32]  لفهم أعمق للبوذية، أحيل على كتاب Nyanaponika Mahathera 1962, 1970 und 1971

[33]  J. Quint, 1977, S. 33

[34]  نفس المرجع السابق، ص. 304.

[35]  نفس المرجع السابق، ص 238.

[36]  نفس المرجع، ص 305.

[37]  نفس المرجع، ص 307.

[38]  J. Quint, 1977, S. 29.

[39]  J. Quint, 1977, S. 29.